المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الأسهم السعودية... والدور المأمول لصناع السوق ..



شمعة الحب
14-06-2006, 09:41 PM
سوق الأسهم السعودية... والدور المأمول لصناع السوق
نبيل بن عبد الله المبارك - 18/05/1427هـ
بداية نقول إنه يوجد التعريف العلمي لصناع السوق Market Makers حسب الأبجديات المتقدمة في الأسواق العالمية وكما يتم تداولها في تلك الأسواق. وأحد تلك التعريفات المبسطة كما وردت في AngelInvestor Dictionary يتمثل في أنهم (أي صناع السوق) عبارة عن منشآت أو مؤسسات مالية قوية متعهدة ومستعدة للشراء أو البيع (أسعار الشراء والبيع معلنة) لأسهم شركة أو شركات وتقود هذا السهم أو هذه الأسهم عندما يكون المساهمون الحاليون أو المتوقعون يبيعون أو يشترون الأسهم (والعلاقة كما هو واضح عكسية الاتجاه). وهم في الوقت نفسه يعملون كالوسطاء يشترون ويبيعون نيابة عن عملائهم أو يبيعون من خلال ما يملكونه من أسهم أو يشترون لحسابهم وهنا يكون حجم المخاطر متغيرا حسب كل حالة يتم تقييمها من قبل صناع السوق والتي بناء عليها يتم اتخاذ القرار المناسب لمصلحة هذه المنشآت ومصلحة السوق والتي يجب أن تكون متوازية وليست متعارضة (وهي نقطة مهمة جداً يجب ألا نغفلها حيث لا تعمل هذه المنشآت متطوعة ومن دون عوائد لها ولا هي تعمل بشكل أناني ومنفرد دون المحافظة على المصلحة العامة).

وأقرب وأوضح مثال لدينا هو سوق ناسدك للأوراق المالية الذي يعمل فيه أكثر من 500 منشأة مالية كصناع للسوق بشكل واضح وجلي. وهذا كله كما ذكرت الجانب الذي نعرفه عن الأسواق المتقدمة. وطبعا هناك تفاصيل كثيرة في هذا الجانب ولكنها ذات دلالات علمية وتحتاج إلى وقت طويل لتوضيحها وشرحها. ولقد لا يتسع المقام لهذه التفاصيل.

أما واقع سوق الأسهم الخليجية وفي الأدبيات المحلية التي فرضتها الممارسة على أرض الواقع، فيعني ببساطة شديدة وموجزة كبار المضاربين (الهوامير) كما يطلق عليهم محلياً. وأنا فعلا أعتقد أنهم صناع سوق الأسهم الحقيقيون بلا جدال. وقد كان هناك شواهد واضحة على القدرة اللامحدودة لهؤلاء، أوضح تلك الشواهد تراجع السوق في أكثر من حالة خلال ثوان معدودة وكأن البائع هو شخص واحد وليس أكثر من مليوني مستثمر ومضارب. كما شاهدنا يوم الأربعاء الماضي، وما أعقبه اليوم التالي.

إذن من الناحية العملية وإذا ما أردنا التحدث بشكل عقلاني فيجب أن يكون واضحا للجميع أن هناك فرقا بين دور صناع السوق كما فرضتها الممارسة الواقعية منذ نشأة السوق وبالذات في السنوات الأخيرة وبين المأمول أن نشاهده في سوقنا المحلية كما هي الحال في الأسواق المالية المتقدمة حسب التصنيف العلمي وليس الكمي.

دور صناع السوق واقعيا داخل السوق السعودية:

يجب ألا ننسى أن تنظيم السوق كان قبل تأسيس هيئة سوق المال ينحصر في تنظيم عمليات البيع والشراء فقط، وكان ذلك كافياً خصوصا مع محدودية عدد المستثمرين في هذه السوق والذين لم يتجاوز عددهم حتى نهاية العام 2003م نحو 100 ألف مستثمر. ورغم ذلك كان هناك تذبذبات وإشكاليات كثيرة ولكن وبسبب محدودية المستثمرين ومحدودية الشركات ساعدت على أن تكون إدارة السوق عملية وإلى حد ما سهلة. وكما قلت هي سوق أسهم فقط ولا تعتبر سوقا مالية متكاملة بالمفهوم المعروف للسوق المالية. ولم يكن قبل 2003م تركيز على قضية صناع السوق حيث الجميع يصنع السوق بمحدودية المستثمرين ومحدودية المبالغ المستثمرة ومحدودية الشركات المتداولة أسهمها. وقد كانت السوق وإلى ما قبل ثلاث سنوات تقريبا سوقا فئوية منحصرة في شريحة محدودة جداً من المستثمرين.

وبعد الاكتتابات الشهيرة ابتداء من شركة الاتصالات السعودية وما تلها بدأت أعداد الذين يستقطبهم سوق الأسهم في تزايد مستمر حتى وصلوا إلى أكثر من ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف مستثمر في سوق الأسهم المحلية، وهو الأمر الذي شجع كبار المضاربين على أن يكونوا هم صناع السوق بالمصطلح العملي من خلال قيادة أسعار الأسهم ومؤشر سوق الأسهم حسب رغباتهم وأهوائهم.

هذا الغياب كثف من سيطرة هوامير السوق كصناع بالمفهوم العملي كما ذكرت وبطرق شرعية وغير شرعية. وأصبحوا فعلياً هم المسيطرون على سوق الأسهم المحلية إلى الدرجة التي أصبحوا يتحدون بعضهم البعض من خلال إظهار القدرة على تحديد السعر بغض النظر عن نتائج هذه الشركات وأسعارها العادلة إذا ما أمكن تحديدها.

الرؤية المستقبلية لدور صناع السوق في سوق الأسهم المحلية:

قبل الحديث عن الرؤية المستقبلية لدور صناع السوق في الأسهم المحلية، يجب أن نتفق على أنه وحتى يمكن لنا التحول من واقع فرض فيه صناع السوق بالتعريف المحلي إلى صناع سوق بالتعريف العلمي الذي تمثله على أرض الواقع الأسواق العالمية الكبيرة. لابد من أن نعرف أن هناك تصنيفات لأسواق المال لا تعتمد على القيم السوقية أو حجم العمليات بالمعنى الكمي ولكنها تعتمد على ثلاث ركائز رئيسية هي: الهيكلة والتنظيم، العمق والتنوع، والشفافية والإفصاح

وبناء على هذه الركائز تنقسم الأسواق إلى ثلاث فئات هي:

1. أسواق مالية قوية Strong Markets
2. أسواق مالية شبة قوية Semi strong Markets
3. أسواق مالية ضعيفة Weak Markets

وطبعا السؤال هو أين تتوقعون أن يكون تصنيف سوقنا المحلية بين هذه الفئات الثلاث آخذين في الاعتبار الركائز الثلاث المشار إليها؟

أعلم أن التحديات ليست سهلة للجميع سواء كانوا مسؤولين أو مهتمين بالشأن المحلي. وأقول إن التحول من الواقع إلى المأمول لن يكون رحلة سهلة ولن تكون بلا مطبات وعقبات ولكن لدي إيمان قوي بأن ذلك ممكن وواقعي.

السؤال ما هي الخيارات المتاحة أمام الجهات الرسمية لإيجاد دور لصناع سوق بالمفهوم العلمي والعملي السليم بدلاً من الواقع الحالي الذي تم شرحه؟
نقول إن هناك خيارين حسب وجهة نظري المتواضعة! وكيلا الخيارين لابد من أن يتم النظر إليهما بعد أن نوجد ثلاث ركائز محددة كما ذكرناها وهي هيكلية واضحة وسليمة للسوق شاملة أسواقا أولية وثانوية، عمقا حقيقيا وسوقا مالية متطورة، ومستويات شفافية عالية. عندها فقط يمكن أن نتحدث عن إمكانية إيجاد صناع سوق بالمفهوم العلمي إما من خلال خيار أول وهو:

أن يتم خلق مؤسسات مالية قوية من خلال تأسيس وسطاء جدد (يجب الاستفادة من تجربة البنوك المحلية منذ قرار حصر نشاط الوساطة بهم) ليبدو تدريجيا السيطرة على السوق إلى أن يتم تعديل النسب القائمة حاليا وهي 90 في المائة محافظ استثمارية لأفراد وهي خلل واضح في هيكلة السوق. ولكن ذلك سوف يأخذ وقتا طويلا وهو الخيار الذي يجب أن نعمل على تحقيقه على المدى المتوسط والبعيد، حيث لا يمكن عمليا تغير الواقع كثيرا مهما صدقت النيات خصوصا مع التأكيد المستمر على فلسفة عدم التدخل المباشر في السوق.

كما أنه من الضروري التنبه إلى أن هيئة سوق المال ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذا التحول ولا بد من التعاون الكامل على مختلف القطاعات العامة والخاصة.

وإما خيار ثان وهو:
وهو الخيار الأكثر إمكانية وعملية، هو أن يتم بطريقة أو أخرى ومن خلال هيئة سوق المال تقنين صناع السوق الحاليين الذين فرضوا أنفسهم على السوق. بمعنى وضع الضوابط واللوائح التي يمكن أن تساعد على أن يتحولوا من أفراد مضاربين أو مستثمرين مسيطرين على السوق لأهداف ودوافع شخصية فقط، أن يتحولوا إلى مؤسسات مالية قوية تعمل وفق التعريف العلمي الحقيقي لصناع السوق متخذين من منطق أن استقرار السوق المحلية الذي يعني لهم ولنا المحافظة على المكتسبات الوطنية التي تحققت عبر سنوات طويلة من التخطيط والبناء أساس وهدف هذا التحول.