تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل سوق الأسهم يؤثر في النمو الاقتصادي؟



شمعة الحب
15-06-2006, 11:01 PM
هل سوق الأسهم يؤثر في النمو الاقتصادي؟
د. فهد محمد بن جمعة - كاتب اقتصادي 19/05/1427هـ
fahedalajmi@saudi.net.sa

إن الاقتصاد السعودي يعيش فترة انتعاش حيث وصل معدل النمو الاقتصادي الحقيقي إلى 6.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي (760.5) مليار ريال في عام 2005 والمتوقع له أن يبقى عند هذا المستوى من النمو للعام الحالي في أجواء تصاعد أسعار النفط وتعاظم فائض الميزانية العامة وتناقص حجم الدين العام بشكل ملحوظ. كل ذلك جاء متزامنا مع الإصلاحات الاقتصادية وإقامة المدن الاقتصادية والمالية وتوسيع نطاق الصناعات البتروكيماويات التي بقدرتها التصدير عبر الحدود إلى الأسواق العالمية دون قيد أو شرط متمتعة بالميزة النسبية في أسعار الوقود Feedstock وميزة اقتصاديات الحجم الكبير Economics of scales في زيادة إنتاجها بمعدل أكبر من الزيادة في تكاليفها المتغيرة. إن السؤال موضوع البحث هو هل ارتفاع أسعار الأسهم السعودية يزيد من عملية النمو الاقتصادي؟.
إن حركة أسعار الأسهم ومؤشراتها صعودا أو هبوطا في المدى الطويل (سنة) لها انعكاسات على اتجاه النمو الاقتصادي لشدة قوة ترابطها مع إجمالي الناتج المحلي والعكس صحيح. هكذا ألقت تذبذبات أسعار الأسهم بظلالها على القوائم المالية لتلك الشركات المسجلة لتحديد مدى قدرتها الاقتصادية وفعالية عملياتها التشغيلية على تحمل مسؤولياتها اتجاه أصحاب الأسهم في وقت أصبحت معظم تلك الشركات تحقق أرباحا كبيرة وغير متوقعة مع أن بعضها له تاريخ خاسر ما جعلها تعوض ما قد خسرته بل حققت أرباحا مضاعفة وبعد ذلك تنقلب السوق رأسا على عقب وفي لحظات قاتلة وفي الاتجاه المعاكس, فلماذا؟ ولماذا أسعار الأسهم لم تستطع أن تتجاوز اختبار الثقة الاقتصادية وتعارض العلاقة الطردية التي تربطها مع ربحية تلك الشركات التي تستمد قوتها من قوة الاقتصادي السعودي وهل هذا فعلا صحيح؟ إن علينا أن نتوقف قليلا ونختبر تلك العلاقة بمنظور علمي وهل فعلا هناك تعارض أو أن الأسعار قد تجاوزت مستواها الاقتصادي بسبب المضاربة ثم عادت إلى قيمتها الاقتصادية الحقيقية. إنها فعلا أسئلة تستحق الإجابة عنها، لأنه من المتوقع أن ترتفع أسعار الأسهم كلما ارتفعت أرباح الشركات لكن ما نراه هو العكس رغم أن معدل التضخم لم يتجاوز 2.5 في المائة على المستوى العام Macro level ولم تكن أيضا تكلفة القروض (سعر الفائدة) مرتفعة بنسبة كبيرة على القروض حتى يقلص ذلك من مستوى أرباح الشركات, ما يجعلنا نلقي نظرة فاحصة على المستوى الجزئيMicro level لتلك الشركات من تغيرات قد طرأت على إداراتها من خلل فني أو عدم قدرتها على تنفيذ نظام يتحكم في استثماراتها وتنويعها من أجل توسيع عملياتها الإنتاجية لما له من أهمية في تحديد مستوى أسعار أسهمها (هبوطا). لأن الشركات التي تتوسع في عملياتها التشغيلية واستثماراتها لأرباحها المحتجزة بصفة مستمرة تزيد من حجمها وتزيد من تأثيرها المباشر في أسعار الأسهم (صعودا).
إن تأثير تدهور أسعار الأسهم وتذبذباتها الحادة له تأثير سلبي في النمو الاقتصادي إذا ما استمر في تدهوره ما يتعارض مع الأهداف الاستراتيجية التي بني عليها إنشاء تلك السوق المالية من امتصاص الفائض من السيولة ووضع قنوات استثمارية يستطيع المواطن والأجنبي على السواء الاستثمار فيها ما يحافظ على بقاء الأموال السعودية في اقتصادها ويخلق فرص عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة من خلال عمليات التكامل بين القطاعات الأخرى. ورغم أن بعض المحللين في أسواق أسهم الدول النامية قد وصفوها بأنها (كازينو) لأنهم يعتقدون أن لها تأثيرا إيجابيا ضئيلا في النمو الاقتصادي بينما الشواهد الحديثة تشير إلى عكس ذلك بأن لها تأثيرا مهما في النمو الاقتصادي كما ورد في بحث ليفن روز (1996) بأن أسواق الأسهم تؤثر في بعض الأنشطة الاقتصادية من خلال زيادة السيولة المرتفعة التي تتميز بها الأسهم ما تجعلها أقل خطرا وأكثر جاذبية عندما يمتلك هؤلاء المدخرون الأسهم التي يمكن بيعها بسرعة إذا ما أرادوا زيادة مدخراتهم أو تغيير تنويع محافظهم, وهذا ما ترغب فيه الشركات عندما ترفع رأسمالها من خلال الأسهم التي تصدرها، لأن العائد على الاستثمارات والسيولة تحسن من تخصيص رأس المال لتلك الشركات ويشجع على النمو الاقتصادي في المدى البعيد. فعندما يكون الاستثمار منخفض الخطر ومرتفع الربحية فإن السيولة في السوق تؤدي إلى زيادة الاستثمارات إذا ما أدرك المستثمرون أنه عند دخولهم السوق فإنه باستطاعتهم الخروج منه. وفي المقابل فد تشجع السيولة الزائدة على قصر النظر myopia وتحفيز المستثمر على البيع السريع ما يجعله يعزف عن السوق ويتجاهل أداء الشركات الذي قد يترك تأثيرا سلبيا في النمو الاقتصادي. فإن المؤشرات التي تدل على حجم السيولة في السوق تتلخص في التالي:
1- متوسط القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة في البلد كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في الأجل الطويل, فلا يقيس تكلفة الشراء والبيع عند الأسعار المعلنة مباشرة ولكنه تتغير قيمته مع التداول وينخفض كلما زاد معدل خطره أو ارتفعت تكاليفه. فكلما كان حجم السيولة في البلد المعني مرتفعة كان نموه الاقتصادي أسرع.
2- القيمة المتداولة للأسهم كنسبة من إجمالي الأسهم المسجلة في البورصة, ما يعني كلما كان معدل حجم التداول أكبر كان النمو الاقتصادي أسرع.
3- القيمة المتداولة للأسهم مقسومة على التغير في أسعار الأسهم, لأن السوق الذي يمتلك سيولة مرتفعة من المفروض أن يستوعب التداول المكثف دون أن يكون هناك تأرجح في أسعار الأسهم. فكلما كان هذا المعدل مرتفعا كان النمو الاقتصادي أسرع.
لذا يصبح مقياس حجم سوق الأسهم (بتقسيم إجمالي الأسهم على إجمالي الناتج المحلي) معيارا جيدا للتنبؤ بنمو الاقتصاد في المستقبل عندما تتم عمليات بيع وشراء الأسهم بكل سهولة ومن دون قيود في سوق تسيطر عليه حرية الحركة. فقد أشار بحث قورسوي وميس لموف Gürsoy Müslümov إلى أن العلاقة بين نمو سوق الأسهم والنمو الاقتصادي حقيقية في المدى القريب والبعيد وتصبح قيمه الأسهم المؤثر الحقيقي في الاقتصاد فقط في المدى الطويل ولها أهمية قوية في الدول النامية. ولكن كيف تؤثر قيمة سوق الأسهم في النمو الاقتصادي؟ إن تأثيرها يتم من خلال ارتفاع أسعار أسهمها الذي سوف يزيد دخول المستهلكين وبالتالي إنفاقهم على السلع والخدمات الذي يخلق قيمه مضافة إلى إجمالي الناتج المحلي. فعلي سبيل المثال قدر البنك المركزي الأمريكي في عام 2001 إن كل دولار نقص في قيمة الأسهم يؤدي إلى 4 سنتات نقص في إنفاق أصحاب المنازل حيث تمثل قيمة الأسهم (27 في المائة) من أصول أصحاب المنازل أي ما يعادل (13) تريليون دولار, أما في كندا فكانت القيمة (16 في المائة) أي ما يعادل (0.7) تريليون دولار كندي وواحد دولار نقص في قيمة الأسهم يعادل 3 سنتات نقص في الدخل.
فإن باستطاعتنا استعمال الانحدار البسيط Regression للتنبؤ بتأثير ارتفاع مؤشر الأسهم الذي يقيس ارتفاع أسعار الأسهم والقيم الاسمية على نمو الاقتصادي في المدى البعيد, وذلك من خلال التحكم في العوامل التالي: ( التضخم, السياسة النقدية. الاستقرار السياسي. معدل التعليم, فعالية الأنظمة القانونية, صرف العملات, التجارة الدولية).
وللتحقق من ذلك قمت باستعمال معامل الانحدار لأقيس تأثير مؤشر السوق السعودي في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي خلال الفترة (2000-2005) الذي يعتبر تحليلا متواضعا لمحدودية عدد السنوات التي كلما طالت أصبحت العلاقة أكثر واقعية. فكانت النتيجة أن العلاقة إيجابية وحقيقية حيث كان ناتج عامل التحديد (Adjusted R =.86) وهي نسبه ترابط قويه بين التغير الانحداري ومؤشر الأسهم (Coefficient= .009) بما معناه أن زيادة مؤشر الأسهم (1000) نقطة سوف تزيد إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبه (9 في المائة)، وهذا يشير إلى أهمية قرارات الحكومة التي تنظم وتحسن من أداء سوق الأسهم لما له تأثير مهم في النمو الاقتصادي.