شمعة الحب
18-06-2006, 02:22 PM
ازدهار مضاربات سوق الأسهم وانعدام الثقافة الاقتصادية وخدمة ما بعد الدورات.. ترفع من شعبيتها
حمى التوصيات المدفوعة تعود وتجرف المزيد من العملاء
طارق الماضي - - - 22/05/1427هـ
ينصت محمد الناصر طويلا لما يقوله له محدثه عبر الهاتف الجوال، وهو يدون في أثناء ذلك أسماء شركات مساهمة في السوق السعودية، ولا يقطع لحظات الإنصات سوى بعض الاستفسارات عن هذه المعلومة أو تلك، وعن عدد الأسهم التي يمكن بيعها أو شراؤها.
تلك المحادثة ليست سوى جزء من عالم ما يسمى في السعودية بـ "التوصيات المدفوعة"، وهذه الكلمة التي باتت أشهر من علم على رأسه نار، خلال العامين الماضيين، وتعني إسداء نصيحة بصورة شبه مبطنة، من تمرير معلومة من هنا أو هناك عما يدور في سوق الأسهم المحلية، بعد أن كانت تلك الكلمة حتى سنوات مضت مرتبطة إلى حد ما بالبحوث العلمية والمؤتمرات المتخصصة والندوات الفكرية.
ومع بداية ما يمكن وصفه بـ" الازدهار المسعور" لسوق الأسهم السعودية الذي بدأ طوفانه في نهاية 2003 ، راجت عملية تقديم التوصيات من خلال عدة اتجاهات، وبصور متعددة، من خلال الجلسات الاجتماعية أو في زوايا القاعات المخصصة لتداول الأسهم في فروع البنوك المحلية، لكنه سرعان ما طرأت تحولات متلاحقة على الصورة الأولية للتوصيات، تتوافر من خلال الإنترنت ومن بعض المقالات والتحليلات في الصحافة المقروءة وهو الغالب، أو في الإعلام المرئي والمسموع فيما بعد.
تطورت التوصيات، لتصل أخيرا إلى قاعات التدريب، حيث أصبحت جزءا من لعبة الأسهم التي قد ترفع بيوتا، وقد تهوي بها بين عشية وضحاها. وعندما يبحر المدرسون في قواعد التوصيات ولعبتها وفنونها، فإنهم يواجهون بكثير من الأسئلة، لكن الإجابات عن تلك الأسئلة أقل كثيرا مما يرضي نهم الطلاب المستثمرين التواقين إلى فهم لعبة الأسهم بأسرع وقت ممكن.
ومهما يكن من أمر، فإنه في جميع المراحل الماضية لم تزدهر، أو حتى تستغل تلك التوصيات بشكل تجاري وفق نظم مؤسسية واضحة وبينة، حيث إن مدى قابلية المتعاملين في السوق، وبخاصة الصغار منهم، كان على الدوام أمرا مشكوكا فيه، في ظل عدم التأكد من صدقية تلك التوصيات بيعا أو شراء.
اللافت، أنه بعد ما أصبح الارتفاع والنتائج الإيجابية سمة شاملة لجميع شركات السوق تقريبا، فإنه لم تعد التوصيات عملية احترافية تحتاج إلى أي جهود غير عادية أو للقدرة على الحصول على معلومات معينة، فإن الكل أصبح لديه القدرة على نثر التوصيات يمنة ويسرة. والسبب ببساطة أن السوق كانت تصعد وتصعد وتصعد، فلم تتعرض طوال 2004 سوى لثلاث حركات تصحيحية يمكن ذكرها، أما سوى ذلك، فإنها كانت تتذبب بعض الوقت قبل أن يواصل المؤشر الأشد سرعة في الشرق الأوسط صعوده، وكانت التوصيات تنجح دائما، فليست الشركات الموصى بها ترتفع حيث أن السوق برمته كانت ترتفع مع تبادل، ربما يكون غير محسوب، بين الشركات والقطاعات خلال أسابيع قليلة وأحيانا في غضون أيام.
نجاح البعض في الإيحاء أن لديهم القدرة على الوصول إلى المعلومات، والقدرة على قراءة السوق وتحديد الشركات التي سترتفع، أسهم بشكل واضح في اندفاع كثير من صغار المتداولين وبخاصة أولئك الذين لا يملكون الحد الأدنى من الثقافة الاقتصادية في مجال الأسهم، إلى التعلق بحبال تلك التوصيات المدفوعة الأجر على استحياء في البداية.
لماذا يلجأ صغار المتداولين إلى التوصيات المدفوعة ؟
انعدام الثقافة الاقتصادية في مجال الأسهم، وعدم المعرفة الحقيقية بشركات السوق والفرق بين كل شركة وأخرى يعد عاملا أولاً بالتأكيد لهرع وانجذاب المتعاملين، والصغار منهم خصوصا، إليهم، فالخائف من المجهول يقف هنا، الخائف هو أغلب المتداولين الجدد، والمجهول سوق الأسهم وشركاتها الكبرى منها والصغرى.
العامل الثاني ربما يكون نفسيا أكثر منه سببا حقيقيا، ففي مجال الاستثمار المالي بالتحديد يميل قليل الخبرة إلى الرغبة في أن يتم اتخاذ القرار الاستثماري من شخص آخر، وربما ينبع ذلك من عدم قدرته أو رغبته أو خوفه من اتخاذ هذا القرار، لذلك ربما يكون من المريح نفسيا أن يتم اتخاذ قرار الشراء بناء على توصية من مصدر خارجي.
لم تعد مجانية
بعد أن كانت التوصيات مجانية في البداية، يسعى من يقوم بها إلى الانتشار والشهرة بين صغار المتداولين والدعاء الحسن، فإن الأمر تحول كثيرا بعد ذلك ، إذ تحولت تلك التوصيات إلى مدفوعة نتيجة طلبات ملحة من متداولين يسعون إلى نيل هذه التوصيات وبأي ثمن، ولكن في كل الأحوال ما زالت شريحة من تلك التوصيات تتم بمقابل وتتخذ صورا فردية، وفي الغالب تتم بطرق بدائية.
التقنية في خدمة التوصيات
مع كثرة المشتركين وصعوبة إيصال التوصيات للجميع بشكل منتظم، وعدم القدرة على تحصيل المقابل منهم لتواجد بعضهم في مناطق بعيدة، وفي ظل عدم القدرة على تنسيق التوصيات بشكل واضح، أصبحت أعدادها بالمئات بعد أن كانت فردية، لذا كان لا بد أن يتم تطوير هذه العملية، وهذا ما حدث فعلا، حيث بدأ بعضهم في إعادة تنظيم عمليات التوصيات إداريا وتقنيا، حيث أصبحت تلك التوصيات تتم بشكل جماعي، إما عبر رسائل الجوال وهو الشائع، وإما عبر القوائم البريدية، وتحولت بعض مواقع الإنترنت إلى مواقع ربحية، فتشترط الدفع مقابل المعلومة.
وفى مرحلة أخرى تطوعت بعض المؤسسات لتقديم الدعم الفني لأصحاب التوصيات، ليس كذلك فحسب بل حاولت إيجاد رابط ما بين أصحاب التوصيات للعمل بشكل جماعي على أن يكون للموصي نصيب مادي مقابل توفير الدعم الفني والإداري لإدارة عمليات التوصيات، من أجل مساعدة أصحاب التوصيات للتفرغ لعملهم الأساسي، وهو إسداء النصائح لعملائهم، وبالتأكيد في الوقت المناسب.
الخدمات تتجاوز الحدود
انتشار حمى التوصيات والمجموعات المنظمة لها، كان سببا رئيسا لاستهداف المتداول في السوق السعودية من بعض القوائم الخاصة بالتوصيات حتى من خارج حدود السعودية. وبعض تلك القوائم تقدم اشتراكات شهرية وسنوية للحصول على نشرات أسبوعية تحمل توصيات أدنى ما يمكن أن يقال عنها إنها تفتقر إلى أبسط أبجديات المعرفة بالسوق السعودية وشركاتها، ولعل ذلك كان سببا مهما في عدم ازدهار تلك القوائم، لكن عدم النجاح لا يعني على الإطلاق عدم قدرة القوائم على اجتذاب كثير من العملاء إليها.
التسويق لقوائم معينة
لعل التطور الأبرز على الإطلاق في مجال التوصيات المدفوعة، مبادرة بعضهم إلى التوجه صوب التسويق ومحاولة اجتذاب المزيد من العملاء والمشتركين، من خلال الإعلانات التي كانت تتم على استحياء و بشكل غير بارز، لتتطور خلال شهور حتى أصبحت إعلانات تغطي كثيرا من وسائل الإعلام وبطرق مختلفة.
ازدهار النشاط وتطوره بشكل سريع كان نتيجة طبيعة للأرباح غير المعتادة التي تأتي منه، حيث تنعدم المخاطرة بشكل كامل بالنسبة إلى أصحاب التوصيات، في حين أن المقابل يكون مقدما دون أدنى مسؤولية على الموصي تجاه عميله.
في ضوء ذلك، وبعد خروج الإعلانات وبشكل علني على الساحة، لم يكن مستغربا تحوير بعض الأعمال إلى قطاعات لم يكن صيتها يذكر على الساحة المحلية حتى عهد قريب، كالتدريب على خدمات أغراض الاستثمار في سوق الأسهم السعودية، كالتوصيات، حيث أصبحت التوصيات المدفوعة جزءا من الوجبة التدريبية، بل أضحت الوعود بتحقيق الأرباح من خلال بعض تلك الدورات ودعم المتدرب بعد الدورة، جزءا متوقعا، من أجل اجتذاب المزيد من العملاء .
مدى صدقية التوصيات المدفوعة
على عكس ما يتوقع كثيرون، فإنه ربما تنبع المشكلة من الشخص الذي يطلب تلك التوصية، إذ إنه لا بد أن يدرك ويلم بمدى صدقية أو صحة ما يتلقى من تلك التوصيات. وربما هنا تنبع الخطورة والمشكلة حيث إنه وبمقدار ما تكون تلك القوائم التي يتم الإرسال لها كبيرة يكون له القدرة على التأثير بشكل ما على حركة سهم ولكن بالطبع من أسهم الشركات الصغيرة ذات القيمة السوقية البسيطة وأعداد الأسهم القليلة، ربما يفسر ذلك بأن معظم توصيات تلك القوائم تتجه مباشرة إلى أسهم الشركات الصغيرة لأنهم يعلمون جيدا عدم وجود أي قدرة على التأثير في شركات قيادية ضخمة مهمة كانت قائمة توصياتهم.
لعل مكمن الخطر الآخر على صغار المساهمين في هذه الناحية، أن يقوم الموصي أو من ينوب عنه أو أحد الشركاء في هذه العملية بالشراء قبل التوصية بكميات متوسطة، ومن ثم البدء في البيع بمجرد إطلاق التوصية لأنه في هذه الحالة يكون قد ضمن دخول طلبات يستطيع البيع عليها وما يصطلح عليها في السوق بكلمة "التصريف". ولعل ذلك يفسر التباين الكبير في أداء هذه القوائم بين فترات وأخرى فهي تحتاج إلى النجاح مرات من أجل المحافظة على قدرته على اجتذاب المزيد من العملاء، وهي تحتاج أحيانا إلى تخييب آمال العملاء لديها من أجل تحقيق أرباح من خلال عمليات تصريف منظمة على العملاء أنفسهم.. هنا ربما تكمن عملية التضليل، بل وقد تكون بشكل مباشر.
قانونيا.. وأخلاقيا
ربما ستكون محاولة تقديم النصح والمساعدة لمتداول جديد في قطاع الاستثمار في قطاع الأسهم، أمرا رائعا ومنصفا. وربما يكون ذلك في إطار مبدأ نشر الثقافة الاقتصادية، والمساعدة على انتقال الخبرات بين ذي الخبرة والجدد على سوق الأسهم، ومن وجهة نظر شخصية، ربما يكون مبررا, خاصة في ضوء انعدم الفائدة المادية بشكل كامل، وعدم وجود أي منحى تجاري في توصيل هذه المعلومة أو الخبرة إلى المتداول الجديد.
ولكن، وأيضا، في حالة رغبة البعض أو ادعاء البعض قدرتهم على تقديم توصيات ناجحة، وخبرتهم على قراءة اتجاه السوق، ربما يكون حق لهم الاستفادة ماديا من ذلك.
لكن من حقنا أيضا ومن حق أي متداول جديد في سوق الأسهم، أن نحصل على ضمان بعدم التضليل، أن نحصل على ضمان أن ذلك الشخص مؤهل فعلاً لذلك، أن ذلك الشخص أو الجهة مؤهلة ومرخصة لها لكي تستحق ذلك البدل.
من حقنا أن تتم جميع هذه الأعمال في النور بأرقام معروفة وبأسماء تجارية معروفة ومرخصة، بدلا من أرقام جولات غير معروفة الاسم، بدلا من إعلانات غير معروفة المصدر إعلانات لا تحمل إلا رقم جوال، لا مكاتب.. لا موظفون.. لا أسماء معروفة، فقط.. رقم جوال يطلب منك وضع مبلغ في رقم حساب ورقم جوالك ويقدم لك حزمة من الوعود بالأرباح الخيالية.
لا يمكن أن يكون عمل يتم في الظلام ... عملا يحمل معيارا أخلاقيا
هل هو الخوف من المسؤولية؟ أن ذلك الخوف لم يمنع بالتأكيد الاتجاه إلى التسويق واجتذاب المزيد والمزيد من العملاء.
نحتاج إلى وقفة ... إلى عملية أصبحت غير منظمة... وأصبحت تيارا ينجرف المزيد خلفه.
من وجه نظر شخصية، لن يكون المنع مجديا ولن تكون الملاحقة مفيدة، حيث إن هذه الأعمال الصغيرة لديها القدرة على النمو والانتشار أكثر مما لدينا من إمكانات لمنعه وملاحقته، هذا إذا كان لدينا أساسا نصوص نظامية حالية للتعامل معها في ضوء عدم قدرتنا على الوقوف في وجه محاولة استقطاب المزيد من العملاء خلال الفترة الماضية من خلال التسويق العلني.
ربما كان إيجاد ومساعدة ودعم البديل المجاني و أكرر المجاني وبشكل كامل في توفير المعلومات المجانية لصغار المتداولين. ربما كان توفير هذا البديل هو الطريق الوحيد للقضاء على ظاهرة التوصيات المدفوعة وبشكل تام.
http://www.aleqt.com/picarchive/gggggggggggg.jpg
حمى التوصيات المدفوعة تعود وتجرف المزيد من العملاء
طارق الماضي - - - 22/05/1427هـ
ينصت محمد الناصر طويلا لما يقوله له محدثه عبر الهاتف الجوال، وهو يدون في أثناء ذلك أسماء شركات مساهمة في السوق السعودية، ولا يقطع لحظات الإنصات سوى بعض الاستفسارات عن هذه المعلومة أو تلك، وعن عدد الأسهم التي يمكن بيعها أو شراؤها.
تلك المحادثة ليست سوى جزء من عالم ما يسمى في السعودية بـ "التوصيات المدفوعة"، وهذه الكلمة التي باتت أشهر من علم على رأسه نار، خلال العامين الماضيين، وتعني إسداء نصيحة بصورة شبه مبطنة، من تمرير معلومة من هنا أو هناك عما يدور في سوق الأسهم المحلية، بعد أن كانت تلك الكلمة حتى سنوات مضت مرتبطة إلى حد ما بالبحوث العلمية والمؤتمرات المتخصصة والندوات الفكرية.
ومع بداية ما يمكن وصفه بـ" الازدهار المسعور" لسوق الأسهم السعودية الذي بدأ طوفانه في نهاية 2003 ، راجت عملية تقديم التوصيات من خلال عدة اتجاهات، وبصور متعددة، من خلال الجلسات الاجتماعية أو في زوايا القاعات المخصصة لتداول الأسهم في فروع البنوك المحلية، لكنه سرعان ما طرأت تحولات متلاحقة على الصورة الأولية للتوصيات، تتوافر من خلال الإنترنت ومن بعض المقالات والتحليلات في الصحافة المقروءة وهو الغالب، أو في الإعلام المرئي والمسموع فيما بعد.
تطورت التوصيات، لتصل أخيرا إلى قاعات التدريب، حيث أصبحت جزءا من لعبة الأسهم التي قد ترفع بيوتا، وقد تهوي بها بين عشية وضحاها. وعندما يبحر المدرسون في قواعد التوصيات ولعبتها وفنونها، فإنهم يواجهون بكثير من الأسئلة، لكن الإجابات عن تلك الأسئلة أقل كثيرا مما يرضي نهم الطلاب المستثمرين التواقين إلى فهم لعبة الأسهم بأسرع وقت ممكن.
ومهما يكن من أمر، فإنه في جميع المراحل الماضية لم تزدهر، أو حتى تستغل تلك التوصيات بشكل تجاري وفق نظم مؤسسية واضحة وبينة، حيث إن مدى قابلية المتعاملين في السوق، وبخاصة الصغار منهم، كان على الدوام أمرا مشكوكا فيه، في ظل عدم التأكد من صدقية تلك التوصيات بيعا أو شراء.
اللافت، أنه بعد ما أصبح الارتفاع والنتائج الإيجابية سمة شاملة لجميع شركات السوق تقريبا، فإنه لم تعد التوصيات عملية احترافية تحتاج إلى أي جهود غير عادية أو للقدرة على الحصول على معلومات معينة، فإن الكل أصبح لديه القدرة على نثر التوصيات يمنة ويسرة. والسبب ببساطة أن السوق كانت تصعد وتصعد وتصعد، فلم تتعرض طوال 2004 سوى لثلاث حركات تصحيحية يمكن ذكرها، أما سوى ذلك، فإنها كانت تتذبب بعض الوقت قبل أن يواصل المؤشر الأشد سرعة في الشرق الأوسط صعوده، وكانت التوصيات تنجح دائما، فليست الشركات الموصى بها ترتفع حيث أن السوق برمته كانت ترتفع مع تبادل، ربما يكون غير محسوب، بين الشركات والقطاعات خلال أسابيع قليلة وأحيانا في غضون أيام.
نجاح البعض في الإيحاء أن لديهم القدرة على الوصول إلى المعلومات، والقدرة على قراءة السوق وتحديد الشركات التي سترتفع، أسهم بشكل واضح في اندفاع كثير من صغار المتداولين وبخاصة أولئك الذين لا يملكون الحد الأدنى من الثقافة الاقتصادية في مجال الأسهم، إلى التعلق بحبال تلك التوصيات المدفوعة الأجر على استحياء في البداية.
لماذا يلجأ صغار المتداولين إلى التوصيات المدفوعة ؟
انعدام الثقافة الاقتصادية في مجال الأسهم، وعدم المعرفة الحقيقية بشركات السوق والفرق بين كل شركة وأخرى يعد عاملا أولاً بالتأكيد لهرع وانجذاب المتعاملين، والصغار منهم خصوصا، إليهم، فالخائف من المجهول يقف هنا، الخائف هو أغلب المتداولين الجدد، والمجهول سوق الأسهم وشركاتها الكبرى منها والصغرى.
العامل الثاني ربما يكون نفسيا أكثر منه سببا حقيقيا، ففي مجال الاستثمار المالي بالتحديد يميل قليل الخبرة إلى الرغبة في أن يتم اتخاذ القرار الاستثماري من شخص آخر، وربما ينبع ذلك من عدم قدرته أو رغبته أو خوفه من اتخاذ هذا القرار، لذلك ربما يكون من المريح نفسيا أن يتم اتخاذ قرار الشراء بناء على توصية من مصدر خارجي.
لم تعد مجانية
بعد أن كانت التوصيات مجانية في البداية، يسعى من يقوم بها إلى الانتشار والشهرة بين صغار المتداولين والدعاء الحسن، فإن الأمر تحول كثيرا بعد ذلك ، إذ تحولت تلك التوصيات إلى مدفوعة نتيجة طلبات ملحة من متداولين يسعون إلى نيل هذه التوصيات وبأي ثمن، ولكن في كل الأحوال ما زالت شريحة من تلك التوصيات تتم بمقابل وتتخذ صورا فردية، وفي الغالب تتم بطرق بدائية.
التقنية في خدمة التوصيات
مع كثرة المشتركين وصعوبة إيصال التوصيات للجميع بشكل منتظم، وعدم القدرة على تحصيل المقابل منهم لتواجد بعضهم في مناطق بعيدة، وفي ظل عدم القدرة على تنسيق التوصيات بشكل واضح، أصبحت أعدادها بالمئات بعد أن كانت فردية، لذا كان لا بد أن يتم تطوير هذه العملية، وهذا ما حدث فعلا، حيث بدأ بعضهم في إعادة تنظيم عمليات التوصيات إداريا وتقنيا، حيث أصبحت تلك التوصيات تتم بشكل جماعي، إما عبر رسائل الجوال وهو الشائع، وإما عبر القوائم البريدية، وتحولت بعض مواقع الإنترنت إلى مواقع ربحية، فتشترط الدفع مقابل المعلومة.
وفى مرحلة أخرى تطوعت بعض المؤسسات لتقديم الدعم الفني لأصحاب التوصيات، ليس كذلك فحسب بل حاولت إيجاد رابط ما بين أصحاب التوصيات للعمل بشكل جماعي على أن يكون للموصي نصيب مادي مقابل توفير الدعم الفني والإداري لإدارة عمليات التوصيات، من أجل مساعدة أصحاب التوصيات للتفرغ لعملهم الأساسي، وهو إسداء النصائح لعملائهم، وبالتأكيد في الوقت المناسب.
الخدمات تتجاوز الحدود
انتشار حمى التوصيات والمجموعات المنظمة لها، كان سببا رئيسا لاستهداف المتداول في السوق السعودية من بعض القوائم الخاصة بالتوصيات حتى من خارج حدود السعودية. وبعض تلك القوائم تقدم اشتراكات شهرية وسنوية للحصول على نشرات أسبوعية تحمل توصيات أدنى ما يمكن أن يقال عنها إنها تفتقر إلى أبسط أبجديات المعرفة بالسوق السعودية وشركاتها، ولعل ذلك كان سببا مهما في عدم ازدهار تلك القوائم، لكن عدم النجاح لا يعني على الإطلاق عدم قدرة القوائم على اجتذاب كثير من العملاء إليها.
التسويق لقوائم معينة
لعل التطور الأبرز على الإطلاق في مجال التوصيات المدفوعة، مبادرة بعضهم إلى التوجه صوب التسويق ومحاولة اجتذاب المزيد من العملاء والمشتركين، من خلال الإعلانات التي كانت تتم على استحياء و بشكل غير بارز، لتتطور خلال شهور حتى أصبحت إعلانات تغطي كثيرا من وسائل الإعلام وبطرق مختلفة.
ازدهار النشاط وتطوره بشكل سريع كان نتيجة طبيعة للأرباح غير المعتادة التي تأتي منه، حيث تنعدم المخاطرة بشكل كامل بالنسبة إلى أصحاب التوصيات، في حين أن المقابل يكون مقدما دون أدنى مسؤولية على الموصي تجاه عميله.
في ضوء ذلك، وبعد خروج الإعلانات وبشكل علني على الساحة، لم يكن مستغربا تحوير بعض الأعمال إلى قطاعات لم يكن صيتها يذكر على الساحة المحلية حتى عهد قريب، كالتدريب على خدمات أغراض الاستثمار في سوق الأسهم السعودية، كالتوصيات، حيث أصبحت التوصيات المدفوعة جزءا من الوجبة التدريبية، بل أضحت الوعود بتحقيق الأرباح من خلال بعض تلك الدورات ودعم المتدرب بعد الدورة، جزءا متوقعا، من أجل اجتذاب المزيد من العملاء .
مدى صدقية التوصيات المدفوعة
على عكس ما يتوقع كثيرون، فإنه ربما تنبع المشكلة من الشخص الذي يطلب تلك التوصية، إذ إنه لا بد أن يدرك ويلم بمدى صدقية أو صحة ما يتلقى من تلك التوصيات. وربما هنا تنبع الخطورة والمشكلة حيث إنه وبمقدار ما تكون تلك القوائم التي يتم الإرسال لها كبيرة يكون له القدرة على التأثير بشكل ما على حركة سهم ولكن بالطبع من أسهم الشركات الصغيرة ذات القيمة السوقية البسيطة وأعداد الأسهم القليلة، ربما يفسر ذلك بأن معظم توصيات تلك القوائم تتجه مباشرة إلى أسهم الشركات الصغيرة لأنهم يعلمون جيدا عدم وجود أي قدرة على التأثير في شركات قيادية ضخمة مهمة كانت قائمة توصياتهم.
لعل مكمن الخطر الآخر على صغار المساهمين في هذه الناحية، أن يقوم الموصي أو من ينوب عنه أو أحد الشركاء في هذه العملية بالشراء قبل التوصية بكميات متوسطة، ومن ثم البدء في البيع بمجرد إطلاق التوصية لأنه في هذه الحالة يكون قد ضمن دخول طلبات يستطيع البيع عليها وما يصطلح عليها في السوق بكلمة "التصريف". ولعل ذلك يفسر التباين الكبير في أداء هذه القوائم بين فترات وأخرى فهي تحتاج إلى النجاح مرات من أجل المحافظة على قدرته على اجتذاب المزيد من العملاء، وهي تحتاج أحيانا إلى تخييب آمال العملاء لديها من أجل تحقيق أرباح من خلال عمليات تصريف منظمة على العملاء أنفسهم.. هنا ربما تكمن عملية التضليل، بل وقد تكون بشكل مباشر.
قانونيا.. وأخلاقيا
ربما ستكون محاولة تقديم النصح والمساعدة لمتداول جديد في قطاع الاستثمار في قطاع الأسهم، أمرا رائعا ومنصفا. وربما يكون ذلك في إطار مبدأ نشر الثقافة الاقتصادية، والمساعدة على انتقال الخبرات بين ذي الخبرة والجدد على سوق الأسهم، ومن وجهة نظر شخصية، ربما يكون مبررا, خاصة في ضوء انعدم الفائدة المادية بشكل كامل، وعدم وجود أي منحى تجاري في توصيل هذه المعلومة أو الخبرة إلى المتداول الجديد.
ولكن، وأيضا، في حالة رغبة البعض أو ادعاء البعض قدرتهم على تقديم توصيات ناجحة، وخبرتهم على قراءة اتجاه السوق، ربما يكون حق لهم الاستفادة ماديا من ذلك.
لكن من حقنا أيضا ومن حق أي متداول جديد في سوق الأسهم، أن نحصل على ضمان بعدم التضليل، أن نحصل على ضمان أن ذلك الشخص مؤهل فعلاً لذلك، أن ذلك الشخص أو الجهة مؤهلة ومرخصة لها لكي تستحق ذلك البدل.
من حقنا أن تتم جميع هذه الأعمال في النور بأرقام معروفة وبأسماء تجارية معروفة ومرخصة، بدلا من أرقام جولات غير معروفة الاسم، بدلا من إعلانات غير معروفة المصدر إعلانات لا تحمل إلا رقم جوال، لا مكاتب.. لا موظفون.. لا أسماء معروفة، فقط.. رقم جوال يطلب منك وضع مبلغ في رقم حساب ورقم جوالك ويقدم لك حزمة من الوعود بالأرباح الخيالية.
لا يمكن أن يكون عمل يتم في الظلام ... عملا يحمل معيارا أخلاقيا
هل هو الخوف من المسؤولية؟ أن ذلك الخوف لم يمنع بالتأكيد الاتجاه إلى التسويق واجتذاب المزيد والمزيد من العملاء.
نحتاج إلى وقفة ... إلى عملية أصبحت غير منظمة... وأصبحت تيارا ينجرف المزيد خلفه.
من وجه نظر شخصية، لن يكون المنع مجديا ولن تكون الملاحقة مفيدة، حيث إن هذه الأعمال الصغيرة لديها القدرة على النمو والانتشار أكثر مما لدينا من إمكانات لمنعه وملاحقته، هذا إذا كان لدينا أساسا نصوص نظامية حالية للتعامل معها في ضوء عدم قدرتنا على الوقوف في وجه محاولة استقطاب المزيد من العملاء خلال الفترة الماضية من خلال التسويق العلني.
ربما كان إيجاد ومساعدة ودعم البديل المجاني و أكرر المجاني وبشكل كامل في توفير المعلومات المجانية لصغار المتداولين. ربما كان توفير هذا البديل هو الطريق الوحيد للقضاء على ظاهرة التوصيات المدفوعة وبشكل تام.
http://www.aleqt.com/picarchive/gggggggggggg.jpg