لعديد
19-07-2012, 02:33 PM
الرأي بالرأي
عندما يطرح رأي في أي قضية ما فإننا نتوقع أن يكون هناك من يؤيد هذا الرأي أو يعارضه أو حتى يقف محايداً لا له ولا عليه، وهكذا الحال في جميع القضايا الفكرية والإنسانية، وحتى التي نعتبرها من المسلمات لم يتفق أحد عليها، وهذا ينبع من اختلاف الشعوب والأجناس والثقافات والأديان، ولكن يجب أن تظل هناك قاعدة ثابتة أنه علينا أن نتبنى رأيا تجاه أي قضية، ويجب علينا أن نحسن الدفاع عنها بما وهبنا الله من ملكات فطرية وقاعدة دينية تدعونا إلى التأمل والتفكر والتدبر، ومما سخره الله لنا من علوم دنيوية، ولقد شدني كثيراً هذا الجدل المثار حول عرض مسلسل عمر بن الخطاب، ولن أكرر فيه اعتراضاتي السابقة، وما الذي يدفعني إلى تبني الرأي المعارض.
فقد دعوت إلى عدم تجسيد شخصية عمر منذ العام الماضي في مقالة لي أسميتها «ما بين كلارك جيبل وتيم حسن».
ثم إلى عدم تجسيد شخصيتي الحسن والحسين في مقالي «تراجع عن هذه يا دكتور» من خلال جريدة «العرب»، وهذا ما يدحض قول القائلين بأننا نندفع إلى التعصب وإلى تبني آراء العلماء الذين خيم على تفكيرهم الظلمة دون مواكبة للعصر ومتطلباته، وغير ذلك مما يدعون، ولذلك سأرد، فلو كان الأمر متعلقاً بنقد شخصي فلن يهمني، ولكن المسألة أمر الأمة والتحاور فيما شرعه الله لنا من احترام الفكر ومقارعة الرأي بالرأي والحجة بالحجة.
1- أما عن الفتوى الصادرة من الشيخ الدكتور/ يوسف القرضاوي والشيخ الدكتور سلمان العودة، ومعهم من معهم من علماء الأمة، فهذه الفتوى نحترمها ونقدرها، ونعلم أن الأصل فيها نشر الثقافة الإسلامية، من خلال أعظم رموزها وتصحيح الأفكار الخاطئة عن المسلمين، خاصة أن المسلسل سيترجم إلى لغات كثيرة، وسيعرض على امتداد العالم الإسلامي، وأن ما تحققه الصورة المرئية والمسموعة أعظم بكثير اليوم، خاصة أن أغلبية المسلمين قل إقبالهم على القراءة.
أتعتقدون أن الشارع المسلم لا يعني هذه النية، ولكن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح، هذه قاعدة شرعية هم يعلمونها أكثر مما نعلمها، وربما تتساءلون أين المفسدة في مسلسل تاريخي بهذه الإمكانات؟ سأرد على ذلك نقطة نقطة:-
1- الدراما التاريخية ليست هي التاريخ، الدراما فن يعتمد على التشويق والإثارة ويصعّد الأحداث..... إلخ أما المادة التاريخية فكما نعلمها تشير إلى القصة أو الحدث دون تسجيل الحوار إلا فيما يختص بالرسول (ص) فإن الأمور كانت مفصلة، لأنها تشريع ومنها استقينا السنة النبوية.
إذاً هناك لقطات قي المسلسل سيفتعل فيها الحوار، لأن ليس هناك أي تدوين تاريخي لهذا الحوار، إذاً النتيجة أننا سنلجأ إلى تخيل حوار والسؤال هل هذا يجوز؟!!
ما مدى إدراك المشاهدين أن هذا الحوار يخدم الدراما وليس التاريخ، خاصة المشاهد غير العربي الذي سيترجم له هذا المشهد، ومن ترجمة إلى ترجمة قد تتغير المفاهيم!!
2- ثم للذين ينكرون علينا أننا من؟! لنناطح علماء الأمة بآرائنا، ولكني سأقول لهم إن امرأة خطّأت العظيم عمر لذلك فإنه قال «أصابت المرأة وأخطأ عمر»، أتنكرون علينا ما ستعرضونه لنا!!
نحن لا نرقى إلى الفتوى ولكننا لا نهمش عقولنا وأفئدتنا، ومن حقنا أن نطرح ما نؤمن به، ولكن دون تجريح أو سب أو شتيمة أو انتقاص من الآخر، فلحوم العلماء مسمومة، ولهم منا كل الاحترام والتبجيل.
3- لكل المنادين أن أفضلية هذا العمل سببها أن أبناءنا سيتعرفون على التاريخ الإسلامي والبطولات من خلال المسلسل.
وأقول لهم نعم سندفع أبناءنا جميعاً لرؤية المسلسل، وهو بهذه الإمكانات والقوة، وقد أشدت سابقاً بالدكتور وليد سيف والمخرج حاتم علي، ولكنكم لو شاهدتم مسلسل «كليب والمهلهل» كم افتعلت الدراما من أحداث وحوار، وكم فخمت المواقف، لأدركتم حجم ما أقول في حقبة سبقت الرسول (ص) بمئة وخمسين سنة، ولم نعرف أن أحداً دون تاريخ هذه الحقبة إلا ما تناقله العرب من روايات بسيطة لا تغطي حلقتين، ولقد كان أبنائي مبهورين بالعمل وبقوة كليب وبشجاعة المهلهل، وقد كنت أوضح لهم أن كليباً هذا كان جشعاً وطماعاً، وسمي كليبا لأنه كان يرسل كلبه إلى كل مكان، والمكان الذي يصل إليه النباح هو ملك له؟!!
وأن المهلهل كان زيراً للنساء ---- وأن جساساً شاب متهور، ولكن أين الاقتناع بكلامي، فلقد انبهروا بكل ما في المسلسل، وبتلك اللقطة التي كتب فيها كليب «لا صلح»، وتناسوا أن العرب لا يعرفون القراءة والكتابة؟!!
أليس هذا تشويهاً للحقائق؟!
هل لديكم القدرة يا أولياء الأمور على متابعة الأحداث مع أبنائكم وضبط الرواية التاريخية وفصلها عن الأحداث أو ما يسمى بالدراما.
3- الغرب عندما مثلوا المسيح كانوا يمررون رسائل لليهود بأنكم قتلتم المسيح، واليهود عندما مثلوا موسى عليه السلام كانوا يريدون إثبات حقهم التاريخي في مصر، والأتراك عندما قدّموا حريم السلطان يطمحون إلى استعادة أمجادهم التاريخية وتذكير العالم بمأثوراتهم.
وعليه ما الرسالة التي ستمررونها للعالم «حكمت فعدلت فأمنت فنمت»؟ هل ستتطرقون إلى حكم عمر في الأسرى والذي عوتب عليه رسول الله لأنه مال إلى رأي أبي بكر؟
هل ستعرضون غيرته على النساء ونزول القرآن على رأيه في فرض الحجاب على نساء المسلمين، خاصة أنكم ستعرضون لنا زوجته «أي تناقض»؟!
هل ستعرضون لنا أن أبا بكر لم يأخذ برأي عمر في تسيير الجيوش واتخذ أبو بكر القرار في حروب الردة؟ أم إنكم ستعرضون ما يدون من سيرته بشكل انتقائي لبعض الأفكار دون غيرها؟
هل ستعرضون الأسباب التي دعت أبا لؤلؤة المجوسي إلى قتل عمر؟ وتطهير جزيرة العرب من المشركين؟ أم سيتعارض هذا مع أفكار السلام واحتواء الآخر!
فإذاً الرسالة ناقصة، لأن كل هذه الأشياء صنعت عمر الملهم والإنسان الذي ينتمي لتلك الكوكبة التي صاحبت التشريع، والتي يجب أن نحذر فيها من استدراج المشاهد لحكم الصواب والخطأ على قرارات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
تحياتي لكل الذين نعتوا المعترضين على المسلسل بالجهل، ونقول لهم إن الجهل والظلمة أن تتقبل في دينك كل شيء دون تفكير أو حتى بحث وأنت تنتمي إلى دين اتسع صدره لكل المسلمين، وفتح لهم باباً كبيراً من حرية الرأي والفكر.
وقفة:-
نبارك للعالم الإسلامي حلول الشهر الفضيل «رمضان المبارك»، شهر الإنجازات والانتصارات والجوائز الأخروية الكبرى.
منقول عن جريدة العرب
للكاتبة / سارة الخاطر
http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1681&artid=199140
عندما يطرح رأي في أي قضية ما فإننا نتوقع أن يكون هناك من يؤيد هذا الرأي أو يعارضه أو حتى يقف محايداً لا له ولا عليه، وهكذا الحال في جميع القضايا الفكرية والإنسانية، وحتى التي نعتبرها من المسلمات لم يتفق أحد عليها، وهذا ينبع من اختلاف الشعوب والأجناس والثقافات والأديان، ولكن يجب أن تظل هناك قاعدة ثابتة أنه علينا أن نتبنى رأيا تجاه أي قضية، ويجب علينا أن نحسن الدفاع عنها بما وهبنا الله من ملكات فطرية وقاعدة دينية تدعونا إلى التأمل والتفكر والتدبر، ومما سخره الله لنا من علوم دنيوية، ولقد شدني كثيراً هذا الجدل المثار حول عرض مسلسل عمر بن الخطاب، ولن أكرر فيه اعتراضاتي السابقة، وما الذي يدفعني إلى تبني الرأي المعارض.
فقد دعوت إلى عدم تجسيد شخصية عمر منذ العام الماضي في مقالة لي أسميتها «ما بين كلارك جيبل وتيم حسن».
ثم إلى عدم تجسيد شخصيتي الحسن والحسين في مقالي «تراجع عن هذه يا دكتور» من خلال جريدة «العرب»، وهذا ما يدحض قول القائلين بأننا نندفع إلى التعصب وإلى تبني آراء العلماء الذين خيم على تفكيرهم الظلمة دون مواكبة للعصر ومتطلباته، وغير ذلك مما يدعون، ولذلك سأرد، فلو كان الأمر متعلقاً بنقد شخصي فلن يهمني، ولكن المسألة أمر الأمة والتحاور فيما شرعه الله لنا من احترام الفكر ومقارعة الرأي بالرأي والحجة بالحجة.
1- أما عن الفتوى الصادرة من الشيخ الدكتور/ يوسف القرضاوي والشيخ الدكتور سلمان العودة، ومعهم من معهم من علماء الأمة، فهذه الفتوى نحترمها ونقدرها، ونعلم أن الأصل فيها نشر الثقافة الإسلامية، من خلال أعظم رموزها وتصحيح الأفكار الخاطئة عن المسلمين، خاصة أن المسلسل سيترجم إلى لغات كثيرة، وسيعرض على امتداد العالم الإسلامي، وأن ما تحققه الصورة المرئية والمسموعة أعظم بكثير اليوم، خاصة أن أغلبية المسلمين قل إقبالهم على القراءة.
أتعتقدون أن الشارع المسلم لا يعني هذه النية، ولكن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح، هذه قاعدة شرعية هم يعلمونها أكثر مما نعلمها، وربما تتساءلون أين المفسدة في مسلسل تاريخي بهذه الإمكانات؟ سأرد على ذلك نقطة نقطة:-
1- الدراما التاريخية ليست هي التاريخ، الدراما فن يعتمد على التشويق والإثارة ويصعّد الأحداث..... إلخ أما المادة التاريخية فكما نعلمها تشير إلى القصة أو الحدث دون تسجيل الحوار إلا فيما يختص بالرسول (ص) فإن الأمور كانت مفصلة، لأنها تشريع ومنها استقينا السنة النبوية.
إذاً هناك لقطات قي المسلسل سيفتعل فيها الحوار، لأن ليس هناك أي تدوين تاريخي لهذا الحوار، إذاً النتيجة أننا سنلجأ إلى تخيل حوار والسؤال هل هذا يجوز؟!!
ما مدى إدراك المشاهدين أن هذا الحوار يخدم الدراما وليس التاريخ، خاصة المشاهد غير العربي الذي سيترجم له هذا المشهد، ومن ترجمة إلى ترجمة قد تتغير المفاهيم!!
2- ثم للذين ينكرون علينا أننا من؟! لنناطح علماء الأمة بآرائنا، ولكني سأقول لهم إن امرأة خطّأت العظيم عمر لذلك فإنه قال «أصابت المرأة وأخطأ عمر»، أتنكرون علينا ما ستعرضونه لنا!!
نحن لا نرقى إلى الفتوى ولكننا لا نهمش عقولنا وأفئدتنا، ومن حقنا أن نطرح ما نؤمن به، ولكن دون تجريح أو سب أو شتيمة أو انتقاص من الآخر، فلحوم العلماء مسمومة، ولهم منا كل الاحترام والتبجيل.
3- لكل المنادين أن أفضلية هذا العمل سببها أن أبناءنا سيتعرفون على التاريخ الإسلامي والبطولات من خلال المسلسل.
وأقول لهم نعم سندفع أبناءنا جميعاً لرؤية المسلسل، وهو بهذه الإمكانات والقوة، وقد أشدت سابقاً بالدكتور وليد سيف والمخرج حاتم علي، ولكنكم لو شاهدتم مسلسل «كليب والمهلهل» كم افتعلت الدراما من أحداث وحوار، وكم فخمت المواقف، لأدركتم حجم ما أقول في حقبة سبقت الرسول (ص) بمئة وخمسين سنة، ولم نعرف أن أحداً دون تاريخ هذه الحقبة إلا ما تناقله العرب من روايات بسيطة لا تغطي حلقتين، ولقد كان أبنائي مبهورين بالعمل وبقوة كليب وبشجاعة المهلهل، وقد كنت أوضح لهم أن كليباً هذا كان جشعاً وطماعاً، وسمي كليبا لأنه كان يرسل كلبه إلى كل مكان، والمكان الذي يصل إليه النباح هو ملك له؟!!
وأن المهلهل كان زيراً للنساء ---- وأن جساساً شاب متهور، ولكن أين الاقتناع بكلامي، فلقد انبهروا بكل ما في المسلسل، وبتلك اللقطة التي كتب فيها كليب «لا صلح»، وتناسوا أن العرب لا يعرفون القراءة والكتابة؟!!
أليس هذا تشويهاً للحقائق؟!
هل لديكم القدرة يا أولياء الأمور على متابعة الأحداث مع أبنائكم وضبط الرواية التاريخية وفصلها عن الأحداث أو ما يسمى بالدراما.
3- الغرب عندما مثلوا المسيح كانوا يمررون رسائل لليهود بأنكم قتلتم المسيح، واليهود عندما مثلوا موسى عليه السلام كانوا يريدون إثبات حقهم التاريخي في مصر، والأتراك عندما قدّموا حريم السلطان يطمحون إلى استعادة أمجادهم التاريخية وتذكير العالم بمأثوراتهم.
وعليه ما الرسالة التي ستمررونها للعالم «حكمت فعدلت فأمنت فنمت»؟ هل ستتطرقون إلى حكم عمر في الأسرى والذي عوتب عليه رسول الله لأنه مال إلى رأي أبي بكر؟
هل ستعرضون غيرته على النساء ونزول القرآن على رأيه في فرض الحجاب على نساء المسلمين، خاصة أنكم ستعرضون لنا زوجته «أي تناقض»؟!
هل ستعرضون لنا أن أبا بكر لم يأخذ برأي عمر في تسيير الجيوش واتخذ أبو بكر القرار في حروب الردة؟ أم إنكم ستعرضون ما يدون من سيرته بشكل انتقائي لبعض الأفكار دون غيرها؟
هل ستعرضون الأسباب التي دعت أبا لؤلؤة المجوسي إلى قتل عمر؟ وتطهير جزيرة العرب من المشركين؟ أم سيتعارض هذا مع أفكار السلام واحتواء الآخر!
فإذاً الرسالة ناقصة، لأن كل هذه الأشياء صنعت عمر الملهم والإنسان الذي ينتمي لتلك الكوكبة التي صاحبت التشريع، والتي يجب أن نحذر فيها من استدراج المشاهد لحكم الصواب والخطأ على قرارات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
تحياتي لكل الذين نعتوا المعترضين على المسلسل بالجهل، ونقول لهم إن الجهل والظلمة أن تتقبل في دينك كل شيء دون تفكير أو حتى بحث وأنت تنتمي إلى دين اتسع صدره لكل المسلمين، وفتح لهم باباً كبيراً من حرية الرأي والفكر.
وقفة:-
نبارك للعالم الإسلامي حلول الشهر الفضيل «رمضان المبارك»، شهر الإنجازات والانتصارات والجوائز الأخروية الكبرى.
منقول عن جريدة العرب
للكاتبة / سارة الخاطر
http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1681&artid=199140