تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : آلية السوق المقبلة ...



شمعة الحب
23-06-2006, 11:36 PM
آلية السوق المقبلة

محمد بن ناصر الجديد - كلية الاقتصاد والإدارة، جامعة أدنبرة - المملكة المتحدة 27/05/1427هـ
mjadeed@hotmail.com

القراءة السريعة لما أحدثه نظام "أيسز" من نقلة جذرية في آلية عمل منظومة سوق الأسهم السعودية خلال النصف الأول من التسعينيات الميلادية، قد تساعد على رسم ملامح آلية عمل منظومة السوق المالية السعودية خلال الفترة المقبلة.
كشفت مؤسسة النقد العربي السعودي "المؤسسة" مع بداية عام 1990م النقاب عن قرب تدشين نظام آلي مبتكر من شأنه تطوير تقنية السوق بما يكفل تنظيمه، ونشر نشاطه في جميع مناطق المملكة. طور النظام الآلي بالتعاون مع شركة آرثر أندرسون الاستشارية كثمرة لعملية بحث عن آلية بديلة للقاعة المركزية لتداول الأسهم "البورصة"، التي أقفلت في 1987م بعد ثمانية أيام من التداول لعدم جدواها من الناحية العملية.
تزامن عام 1990م مع نشأة أزمة الخليج الثانية، وتطوراتها على اقتصاديات دول الخليج، بشكل عام، وأسواقها المالية، بشكل خاص. حيث انخفض مستوى السيولة بشكل قياسي، وهدد موقع المصارف الخليجية المالي بسبب السحوبات، والتحويلات النقدية إلى الخارج.
بدأ النمو الاقتصادي يعود من جديد مع انتهاء أزمة الخليج، بحمد الله ورحمته، في عام 1991م. كانت المصارف من أهم القنوات التي استقطبت السيولة العائدة. فزاد مستوى إيداعات العملاء بنسبة 20 في المائة، ونماء معدل الإقراض الداخلي بنسبة 18 في المائة خلال العام نفسه.
دشنت "المؤسسة" النظام الجديد لتداول الأسهم في خضم هذا النمو الاقتصادي. عرف النظام بـ "أيسز"، وعمل في الصف الخلفي لسوق الأسهم السعودية طوال التسعينيات الميلادية. ركز "أيسز" منذ أيامه الأولى على تحقيق مجموعة من الأهداف. من أهمها، تنظيم سوق الأسهم، تحقيق مبادئ العدالة، المساواة، الشفافية، تقليص تباين أسعار العرض، الطلب، زيادة مستويات السيولة، والعمق المالي.
شهد سوق الأسهم خلال تلك الفترة بعض التطورات ساهمت في دعم مسيرة "أيسز" نحو تحقيق أهدافه. منها استمرار تدفق السيولة مع عودة الثقة بعد أزمة الخليج الثانية. ومنها أيضا توجه العديد من الشركات المدرجة إلى زيادة رساميلها، والشركات غير المدرجة إلى طرح أسهمها، والمصارف السعودية إلى إنشاء صناديق استثمارية.
ساهمت جميع هذه التطورات المتلاحقة في تباين حركة المؤشر. فعاد إلى الصعود بوتيرة نشطة حتى وصل إلى الذروة بحلول نيسان (أبريل) من عام 1992م. دخل المؤشر بعد ذلك في موجة تصحيح أدت إلى نزوله بنسبة 26.56 في المائة نهاية كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه.
أقرت آلية نسبة التذبذب اليومي بعد ذلك مباشرة بدءا من10 في المائة لضبط إيقاع المؤشر، وتفادي مثل هذه التذبذبات الخطرة مستقبلا. استمر المؤشر في تسجيل أداء متواضع حتى نهاية عام 1994م، قبل أن يعاود الصعود.
مستوى العمق المالي خلال تلك الفترة كان أفضل من أداء المؤشر. حيث استمر العمق المالي بالصعود التدريجي من مستوى 4.53 في المائة نهاية عام 1990م، إلى مستوى 17.14 في المائة نهاية عام 1994م.
بدأت لمسات "أيسز" تظهر خلال تلك الفترة مع التباين بين أداء المؤشر، ومستوى العمق المالي. كما بدأت أيضا ملامح آلية السوق تتبلور تدريجيا. ملامح يمكن النظر إليها من ثلاثة محاور. المحور الأول "بنية السوق التقنية". كان "أيسز" يبدأ من "المؤسسة"، مرورا بالشركة السعودية لتسجيل الأسهم، وصولاً إلى الأنظمة المركزية الآلية للمصارف السعودية، وانتهاء بقاعات التداول المنتشرة في جميع مناطق المملكة.
والمحور الثاني "طبيعة إجراءات التداول". كانت تتم الصفقات في معظم الحالات داخل قاعات التداول. حيث ينتقل أمر الشراء، أو البيع من قاعة التداول إلى "أيسز" في محاولة للبحث عن أفضل عرض، أو طلب. يبقى الأمر معلقا لدى "أيسز" حتى يتم التنفيذ، أو الإلغاء بناء على طلب المتداول.
تنتقل الأوامر المنفذة إلى نظام التسجيل الآلي في الشركة السعودية لتسجيل الأسهم لنقل ملكية السهم، ومن ثم إصدار ما كان يعرف بـ "الإشعار"، أو "شهادة الأسهم". وبناء على رغبة المتداول، إما أن يرسل "الإشعار" إلى المصرف منفذ أمر الشراء، وإما أن ترسل "شهادة الأسهم" إلى الشركة المصدرة للسهم للتصديق عليها قبيل إرسال أحداهما للمتداول.
المحور الثالث من محاور سوق الأسهم تتعلق بـ "طبيعة التداول". انقسم المتداولون إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى الأسهم الحكومية. حيث كانت تشكل قرابة ثلث الأسهم المدرجة، وتميزت بندرة تداولها. والفئة الثانية كبار المستثمرين. وكانوا يملكون جزءا ليس بالقليل من كمية الأسهم المدرجة بهدف تنمية الرساميل في سوق الأسهم كمحطة توقف قبل توجيهها إلى مجالات استثمارية خارج السوق. والفئة الثالثة صغار المستثمرين. وكانوا يملكون الجزء المتبقي من الأسهم المدرجة بهدف تنمية الرساميل في سوق الأسهم عن طريق تدويرها للاستفادة من تذبذبات الأسعار، أو الطرح الأولي، أو كليهما معا.
لعب نظام "أيسز" دور الجندي المجهول في عملية نقل سوق الأسهم من النمو، خلال الثمانينيات الميلادية، إلى الاستدامة خلال التسعينيات الميلادية. و"أيسز"، كغيره من أنظمة أسواق المال، جزء من منظومة سوق الأسهم. ومنظومة سوق الأسهم ليست ساكنة، ولكنها تتفاعل بتطور المستجدات من حولها.
إعلان هيئة السوق المالية نهاية الشهر المنصرم حول التعاقد مع شركة اومكس العالمية لتطوير تقنية السوق المالية سيحدث نقلة جذرية جديدة بعون الله. نقلة كفيلة بتفادي تحديات اليوم، واستثمار فرص الغد بما يكفل ارتقاء السوق بكل انسيابية خلال الفترة المقبلة من سوق "أسهم"، إلى سوق "مال".