شمعة الحب
23-06-2006, 11:44 PM
رسائل من مستثمر صغير في سوق الأسهم (2).. إلى المحلل الفني
د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 27/05/1427هـ
maalabbas@kku.edu.sa
تتميز فترات ازدهار الأسواق بانخفاض مثير في عوائق الدخول إلى السوق، وتبقى الأسئلة بلا إجابات قاطعة، لذلك يزدهر سوق النظريات وفعل التنظير. هل انخفاض عوائق الدخول أدى إلى ازدهار السوق أم أن الازدهار هو الذي اثر على عوائق الدخول؟ مشكلة علم الاقتصاد وما يدور في فلكه من علوم أنها تنغمس في التفاصيل دون تقديم إجابات شافية عن الأسئلة البسيطة. في مرحلة الازدهار التي مرت "ونرجو أنها ما زالت تمر" بسوق الأسهم انخفضت عوائق الدخول بشكل مثير جدا، فتدافع الناس إلى السوق عبر مختلف أبوابه وتفاعلت من أجل تحقيق ذلك عوامل عدة، من أبرزها ظهور نظام تداول، الأمر الذي مكّن حتى ربات البيوت من مزاولة عملية البيع والشراء والدخول والخروج من السوق بأنفسهن أمرا كان يصعب مجرد تصوره، ناهيك عن الحديث عنه إبان فترة التسعينيات.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فمن الصعب التطرق إلى موضوع ازدهار السوق دون ذكر هيئته التي بظهورها على الساحة الاقتصادية في المملكة أثرت على موضوع هو غاية في الأهمية لحياة الأسواق المالية وازدهارها، ألا وهو المعلومات. لم تزل بصمة معالي الأستاذ جماز السحيمي في هذه النقطة واضحة وستبقى كذلك، فلقد كان موضوع الشفافية والإفصاح مجرد حبر على أوراق نظام الشركات ومعايير المحاسبة وأجلها معيار العرض والإفصاح العام حتى أتت الهيئة لتجبر الشركات إجبارا على ممارسة فعل الإفصاح بدلا من مجرد قراءته. هذا الأمر جعل سوق التحليل المالي يزدهر ولاشك، فإذا كان على المحللين الماليين أن يشكروا أحدا على أن وضعهم في مقدمة أولي الرأي في السوق فليقدموها الآن إلى معالي الأستاذ جماز السحيمي. لقد قدم ازدهار التحليل المالي فرصة حقيقية لأولئك الذين كانت المعرفة المتخصصة تشكل عائقا مهما أمام دخولهم مضمار السوق، فانتشرت فنون التوصيات ومنتديات الأسهم وأبدع البعض فيما يسمى بالتحليل الفني الذي أوجه له هذه الرسالة على وجه الخصوص.
انتفض التحليل التقني Technical Analysis "الفني أو الإحصائي" وبرز عندما نجح أتباعه في التنبؤ بانهيارات السوق المالية الأمريكية عام 1929م، ومن هناك انطلق ليتبارى فرسانه في إبداع النظريات واستلهام المستقبل. لا أدري على وجه اليقين لماذا يسمى الفني ولم أجد تفسيرا نظريا أو فلسفيا لاختيار هذا المصطلح "فني"، خاصة أن مثل هذا التحليل ليس مرتبطا بأي نوع من أنواع الفنون إلا إذا اعتبرنا تلك الرسومات "الإحصائية" فنا، وهي ليست كذلك، و لا أعتقد أن مريدي هذا الاتجاه التحليلي يقصدون أن قراءتهم تلك الأشكال "والسلاسل الزمنية" هي نوع من أنواع الفن. هل يعاني هذا الفرع من فروع التحليل الإحصائي للأسواق المالية من السؤال المشكلة: هل هو فن أم علم؟ قد يكون السبب في إطلاق كلمة فن هو الإشارة إلى البعد الشخصي الكبير في التحليل وعدم تقيده بأسس علمية متينة أو معايير يتحاكم إليها ممارسو تلك الحرفة.
أفضل أن أستخدم كلمة تحليل إحصائي لأنها الأقرب إلى الدلالة على هذا النوع من التحليل بدلا من كلمة فني. فهذا التحليل يعتمد على أسس إحصائية صرفه من متوسطات إلى سلاسل زمنية بسيطة. و تبقى مسألة التحول من الأرقام و الدلالة الإحصائية إلى وصف حالة السوق والتنبؤ بالمستقبل هي بيت القصيد و مربط الفرس. نعم قد يسهل عليك معرفة المتوسط الحسابي لأسعار الأسهم خلال فترة تطول أو تقصر لكن التعرف على الأرقام المتطرفة عن قيمة الوسط "الانحرافات" وأثر تلك الانحرافات أمر يحتاج إلى متخصص بارع فعلا. هل يتم استبعاد تلك الأرقام لتعديل الوسط؟ وإذا تم استبعادها فهل يستقيم التحليل. هنا تبرز أهمية المحلل وقدراته وأن التحليل الفني ليس مهنة من لا مهنة له.
من المتعارف عليه، بل من الضرورة بمكان في أي تحليل إحصائي أن يشير الباحث إلى المتوسطات الحسابية مع ذكر الانحرافات عن الوسط، وكذلك بعد الوصول إلى الاستنتاجات النهائية فإنه يُذكر أن القرار يعتمد على هامش ومدى معين. مثلا لو أشار المحلل إلى نقطة ارتداد متوقعة بناء على متوسطات 200 يوم وأنها ستكون عند كذا، فإنه لابد أن يحدد الانحرافات عن النقطة، بمعنى أنه وبدلا من قولهم الارتداد عند 10000 نقطة نقول إنها عند 10000 نقطة بانحراف قدرة 200 نقطة زيادة أو نقصانا. وهذا يعني أن الارتداد قد يكون ما بين 10200 أو 9800 نقطة. ويستطيع المحلل أن يدعم توجها في اعتماد نقطة معينة بالأهمية النسبية أو الدلالة الإحصائية significant أو بأساليب اختبار قوة القرارrisk of incorrect acceptance ، أما الجزم بنقطة معينة فهو غير علمي ولا ينضبط أبدا مع الأساس الفكري الذي بُنيت عليه المتوسطات، بل علم الإحصاء برمته.
إن التحليل الإحصائي "الفني أو التقني" ليس عملية اتخاذ قرار. ولا بد لأي محلل أن يعي تلك النقطة بشكل جدي وليس مهمة المحلل أن يتخذ القرار، بل إن مهمته الأساسية هي دعم القرار بمعلومات تحليلية وتنبؤية صرفة. وتبقى المعلومات التي يوفرها هذا التحليل رافدا واحدا فقط من روافد المعلومات في سوق الأسهم والاعتماد عليه بشكل كامل يعتبر خطأ جسيما في بناء عملية القرار وليس التحليل نفسه. وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه العديد من المستثمرين خلال الأزمة الماضية، فلم تكن المعلومات التي يقدمها المحلل الفني إلا جزءا بسيطا من صورة كاملة يجب أن تقرأ ويجب أن يمارس أهل السوق ورواده فن اتخاذ القرار والدراية الكاملة بأساليبه. وإذا كنا نعتب على المستثمر عدم ممارسة عملية اتخاذ القرار بصورتها السليمة فإني أعتب بشكل كبير على تحول العديد من المحللين من مقدم معلومة إلى موجه للقرار ليقع بذلك في أشد الأمور خطورة على مهنة التحليل المالي عموما ألا وهو تعارض المصالح conflict of interest. وفي هذا الشأن بالذات فإنه من الخلل الكبير، بل الذي لا يغتفر أن يقدم محلل ما تحليلا باسم مستعار، لأنه بذلك يقع في تهديد تعارض المصالح، بل إنه يشير إلى أن التحليل تم في ظل مثل هذا التعارض وإلا فلا معنى لإخفاء الاسم الحقيقي خاصة في المنتديات التي تزعم ممارسة هذا الفن إذا جاز التعبير. إن التحليل بهذه الطريقة يهدد مهنة التحليل الإحصائي لخدمة السوق وهي مهنة ضرورية جدا ويعرض السوق ككل إلى خطر محقق وحقيقي.
وقفة: إنشاء هيئة لمهنة التحليل المالي تحتاج إلى خريطة طريق.
1290 قراءة
تعليقات الزوار
د. غازي 27/05/1427هـ ساعة 12:22 مساءً (أمريكا)
نقاط مهمة تم ذكرها في المقال يا د. محمد
فعلا فمعظم المتداولين في سوق الاسهم يغفلون أهمية التحليل الاساسي في اتخاذ قرارات البيع والشراء ويعتمدون اعتمادا كليا في قراراتهم على التحليل الفني الذي هو مجرد رافد لعملية التحليل الاساسي
د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 27/05/1427هـ
maalabbas@kku.edu.sa
تتميز فترات ازدهار الأسواق بانخفاض مثير في عوائق الدخول إلى السوق، وتبقى الأسئلة بلا إجابات قاطعة، لذلك يزدهر سوق النظريات وفعل التنظير. هل انخفاض عوائق الدخول أدى إلى ازدهار السوق أم أن الازدهار هو الذي اثر على عوائق الدخول؟ مشكلة علم الاقتصاد وما يدور في فلكه من علوم أنها تنغمس في التفاصيل دون تقديم إجابات شافية عن الأسئلة البسيطة. في مرحلة الازدهار التي مرت "ونرجو أنها ما زالت تمر" بسوق الأسهم انخفضت عوائق الدخول بشكل مثير جدا، فتدافع الناس إلى السوق عبر مختلف أبوابه وتفاعلت من أجل تحقيق ذلك عوامل عدة، من أبرزها ظهور نظام تداول، الأمر الذي مكّن حتى ربات البيوت من مزاولة عملية البيع والشراء والدخول والخروج من السوق بأنفسهن أمرا كان يصعب مجرد تصوره، ناهيك عن الحديث عنه إبان فترة التسعينيات.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فمن الصعب التطرق إلى موضوع ازدهار السوق دون ذكر هيئته التي بظهورها على الساحة الاقتصادية في المملكة أثرت على موضوع هو غاية في الأهمية لحياة الأسواق المالية وازدهارها، ألا وهو المعلومات. لم تزل بصمة معالي الأستاذ جماز السحيمي في هذه النقطة واضحة وستبقى كذلك، فلقد كان موضوع الشفافية والإفصاح مجرد حبر على أوراق نظام الشركات ومعايير المحاسبة وأجلها معيار العرض والإفصاح العام حتى أتت الهيئة لتجبر الشركات إجبارا على ممارسة فعل الإفصاح بدلا من مجرد قراءته. هذا الأمر جعل سوق التحليل المالي يزدهر ولاشك، فإذا كان على المحللين الماليين أن يشكروا أحدا على أن وضعهم في مقدمة أولي الرأي في السوق فليقدموها الآن إلى معالي الأستاذ جماز السحيمي. لقد قدم ازدهار التحليل المالي فرصة حقيقية لأولئك الذين كانت المعرفة المتخصصة تشكل عائقا مهما أمام دخولهم مضمار السوق، فانتشرت فنون التوصيات ومنتديات الأسهم وأبدع البعض فيما يسمى بالتحليل الفني الذي أوجه له هذه الرسالة على وجه الخصوص.
انتفض التحليل التقني Technical Analysis "الفني أو الإحصائي" وبرز عندما نجح أتباعه في التنبؤ بانهيارات السوق المالية الأمريكية عام 1929م، ومن هناك انطلق ليتبارى فرسانه في إبداع النظريات واستلهام المستقبل. لا أدري على وجه اليقين لماذا يسمى الفني ولم أجد تفسيرا نظريا أو فلسفيا لاختيار هذا المصطلح "فني"، خاصة أن مثل هذا التحليل ليس مرتبطا بأي نوع من أنواع الفنون إلا إذا اعتبرنا تلك الرسومات "الإحصائية" فنا، وهي ليست كذلك، و لا أعتقد أن مريدي هذا الاتجاه التحليلي يقصدون أن قراءتهم تلك الأشكال "والسلاسل الزمنية" هي نوع من أنواع الفن. هل يعاني هذا الفرع من فروع التحليل الإحصائي للأسواق المالية من السؤال المشكلة: هل هو فن أم علم؟ قد يكون السبب في إطلاق كلمة فن هو الإشارة إلى البعد الشخصي الكبير في التحليل وعدم تقيده بأسس علمية متينة أو معايير يتحاكم إليها ممارسو تلك الحرفة.
أفضل أن أستخدم كلمة تحليل إحصائي لأنها الأقرب إلى الدلالة على هذا النوع من التحليل بدلا من كلمة فني. فهذا التحليل يعتمد على أسس إحصائية صرفه من متوسطات إلى سلاسل زمنية بسيطة. و تبقى مسألة التحول من الأرقام و الدلالة الإحصائية إلى وصف حالة السوق والتنبؤ بالمستقبل هي بيت القصيد و مربط الفرس. نعم قد يسهل عليك معرفة المتوسط الحسابي لأسعار الأسهم خلال فترة تطول أو تقصر لكن التعرف على الأرقام المتطرفة عن قيمة الوسط "الانحرافات" وأثر تلك الانحرافات أمر يحتاج إلى متخصص بارع فعلا. هل يتم استبعاد تلك الأرقام لتعديل الوسط؟ وإذا تم استبعادها فهل يستقيم التحليل. هنا تبرز أهمية المحلل وقدراته وأن التحليل الفني ليس مهنة من لا مهنة له.
من المتعارف عليه، بل من الضرورة بمكان في أي تحليل إحصائي أن يشير الباحث إلى المتوسطات الحسابية مع ذكر الانحرافات عن الوسط، وكذلك بعد الوصول إلى الاستنتاجات النهائية فإنه يُذكر أن القرار يعتمد على هامش ومدى معين. مثلا لو أشار المحلل إلى نقطة ارتداد متوقعة بناء على متوسطات 200 يوم وأنها ستكون عند كذا، فإنه لابد أن يحدد الانحرافات عن النقطة، بمعنى أنه وبدلا من قولهم الارتداد عند 10000 نقطة نقول إنها عند 10000 نقطة بانحراف قدرة 200 نقطة زيادة أو نقصانا. وهذا يعني أن الارتداد قد يكون ما بين 10200 أو 9800 نقطة. ويستطيع المحلل أن يدعم توجها في اعتماد نقطة معينة بالأهمية النسبية أو الدلالة الإحصائية significant أو بأساليب اختبار قوة القرارrisk of incorrect acceptance ، أما الجزم بنقطة معينة فهو غير علمي ولا ينضبط أبدا مع الأساس الفكري الذي بُنيت عليه المتوسطات، بل علم الإحصاء برمته.
إن التحليل الإحصائي "الفني أو التقني" ليس عملية اتخاذ قرار. ولا بد لأي محلل أن يعي تلك النقطة بشكل جدي وليس مهمة المحلل أن يتخذ القرار، بل إن مهمته الأساسية هي دعم القرار بمعلومات تحليلية وتنبؤية صرفة. وتبقى المعلومات التي يوفرها هذا التحليل رافدا واحدا فقط من روافد المعلومات في سوق الأسهم والاعتماد عليه بشكل كامل يعتبر خطأ جسيما في بناء عملية القرار وليس التحليل نفسه. وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه العديد من المستثمرين خلال الأزمة الماضية، فلم تكن المعلومات التي يقدمها المحلل الفني إلا جزءا بسيطا من صورة كاملة يجب أن تقرأ ويجب أن يمارس أهل السوق ورواده فن اتخاذ القرار والدراية الكاملة بأساليبه. وإذا كنا نعتب على المستثمر عدم ممارسة عملية اتخاذ القرار بصورتها السليمة فإني أعتب بشكل كبير على تحول العديد من المحللين من مقدم معلومة إلى موجه للقرار ليقع بذلك في أشد الأمور خطورة على مهنة التحليل المالي عموما ألا وهو تعارض المصالح conflict of interest. وفي هذا الشأن بالذات فإنه من الخلل الكبير، بل الذي لا يغتفر أن يقدم محلل ما تحليلا باسم مستعار، لأنه بذلك يقع في تهديد تعارض المصالح، بل إنه يشير إلى أن التحليل تم في ظل مثل هذا التعارض وإلا فلا معنى لإخفاء الاسم الحقيقي خاصة في المنتديات التي تزعم ممارسة هذا الفن إذا جاز التعبير. إن التحليل بهذه الطريقة يهدد مهنة التحليل الإحصائي لخدمة السوق وهي مهنة ضرورية جدا ويعرض السوق ككل إلى خطر محقق وحقيقي.
وقفة: إنشاء هيئة لمهنة التحليل المالي تحتاج إلى خريطة طريق.
1290 قراءة
تعليقات الزوار
د. غازي 27/05/1427هـ ساعة 12:22 مساءً (أمريكا)
نقاط مهمة تم ذكرها في المقال يا د. محمد
فعلا فمعظم المتداولين في سوق الاسهم يغفلون أهمية التحليل الاساسي في اتخاذ قرارات البيع والشراء ويعتمدون اعتمادا كليا في قراراتهم على التحليل الفني الذي هو مجرد رافد لعملية التحليل الاساسي