المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما أسباب الانهيار المفاجىء لأداء الأسهم في الوطن العربي؟



مغروور قطر
25-06-2006, 05:27 AM
ما أسباب الانهيار المفاجىء لأداء الأسهم في الوطن العربي؟

هوت مؤخرا أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل حاد منهية بذلك ثلاثة أعوام من الارتفاعات القياسية بدأتها عام 2003م. ففي المملكة العربية السعودية وبعد أن وصل أداء السوق إلى أعلى مستوياته وسجل 000‚20 نقطة في فبراير الماضي، انهار مؤشر سوق الأسهم السعودي ليفقد أكثر من 50% من قيمته، وبصورة مشابهة، فقد سوق دبي المالي أكثر من نصف قيمته منذ يناير الماضي، كذلك تعرضت أسواق الأسهم في أبوظبي والكويت وقطر لخسارات مشابهة.

يعزو الكثير من مراقبي السوق سبب هذا الانهيار إلى عدة عناصر مثل ما يقال عن تلاعب كبار المضاربين في الأسواق بالإضافة إلى تغييرات مفاجئة في القوانين الرقابية، ولكن برأيي هذه جميعها، إن صحت، ليست هي السبب الرئيسي أو الجوهري وراء انهيار السوق.

إنني أعتقد أننا لم نقم بتشخيص صحيح لعوامل هذا الانهيار ولهذا قد لا نعرف بعد أساليب العلاج المطلوبة الآن، فالعلاج الناجع لأي داء يتطلب أولا التشخيص الصحيح. برأيي أن السبب الرئيسي وراء انهيار الأسواق في المنطقة يعود إلى صغر الحجم الفعلي لهذه الأسواق مقارنة مع حجمها الاسمي وحجم الاقتصاد. فمنذ البداية لم تكن تركيبة الأسواق الخليجية مهيأة لطفرة هائلة على صعيد السيولة، فارتفاع أسعار النفط وزيادة الإيرادات النفطية رفعا معدلات السيولة في الأسواق بشكل مفاجئ وبدرجة غير مسبوقة، ولم تكن السوق مهيأة لذلك، فالقدرة الاستيعابية الفعلية محدودة. وهذا يعود بالأساس إلى أن هناك تركيزا كبيرا في ملكية الأسهم وخاصة بالنسبة للحكومات التي تسيطر على نسب كبيرة من الشركات المساهمة العامة،لذا عندما انهالت الطلبات للشراء كان المعروض للبيع محدودا، وبالتالي تضخمت القيمة السعرية للأسهم المتاحة للتداول بصورة هائلة، مما جعل العملية التصحيحية الحادة والمؤلمة تطورا لا مفر من وقوعه.

تخضع الأسواق المالية في الخليج لسيطرة شركات عملاقة مملوكة بمعظمها من قبل الحكومات، ويعني ذلك توافر كمية محدودة من الأسهم المخصصة للتداول العام. فعلى سبيل المثال، تمتلك حكومة المملكة العربية السعودية أكثر من 70% من القيمة السوقية لشركة سابك (الشركة السعودية للصناعات الأساسية). أما شركة الاتصالات السعودية فتبلغ حصة الحكومة فيها ما يقارب 71%. وتشكل القيمة السوقية لهاتين الشركتين أكثر من 35% من القيمة الإجمالية لسوق الأسهم السعودية.

ويتكرر المشهد في الإمارات العربية المتحدة، وخاصة في سوق دبي المالي، حيث تشكل شركة إعمار، والتي يعود أكثر من 32% من ملكيتها لحكومة دبي، ما يقارب 30% من قيمة السوق الإجمالية. بينما تشكل شركة اتصالات، التي تبلغ حصة الحكومة فيها 60%، حوالي 25% من قيمة سوق أبوظبي المالي.

أما الآن، ونحن ننظر إلى المستقبل القريب، فلا يوجد، في رأيي، سبب استراتيجي لاستمرار امتلاك الحكومات لهذه الأسهم. فالسبب التاريخي لهذه الملكية لم يعد موجودا، لقد أنشأت الحكومات شركات عملاقة في قطاعات اقتصادية حيوية ومهمة مثل الصناعات الأساسية والاتصالات في فترة لم تتوافر فيها القدرة عند القطاع الخاص للقيام بمثل هذه المشاريع، سواء كانت تلك القدرة تمويلية أو القدرة على المخاطرة أو حتى الطاقة على تحمل استثمارات طويلة الأجل كهذه.

لقد قامت الحكومات بدور رائد في إنشاء هذه الصروح الاقتصادية، ولكن هذه الشركات وصلت الآن مرحلة النضوج والربحية ولذا انعدم المبرر وانتهت الضرورة لتملك الحكومات لهذه الشركات. وهنا نقر أن هذه الشركات تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد الوطني، ويجب لأية حكومة أن يكون لها صوت مؤثر في مثل هذه الشركات، ولكن أية حكومة، نظراً لموقعها السيادي، تستطيع أن تؤثر على هذه الشركات بعد تخصيصها من خلال هيئات رقابية رسمية تؤمن ما تتطلبه المصلحة الوطنية من هذه الشركات. وهنا نكون قد فصلنا بين دور المالك والدور السيادي الرقابي الضروري لأية حكومة في اقتصادها المحلي.

إن استعداد الحكومات لتخصيص هذه الشركات عن طريق بيع أسهمها له فوائد عديدة أهمها تعميق القدرة الاستيعابية للسوق المالي، أي إعطاء المستثمر الوطني المزيد من القنوات الاستثمارية المجدية التي يستطيع أن يستثمر مدخراته فيها والتي ستمتص السيولة الفائضة.

لو قوبلت التدفقات الهائلة في السيولة في 2005م على الأسواق المالية الخليجية ببيع الحكومات لأسهمها لما حصلت الفقاعة. بالطبع من السهل أن يفتي المرء بأثر رجعي، ونحن نقدر أن أي حكومة في العالم بطبيعتها لا تستطيع أن تتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية بشكل سريع جدا،لأنها مضطرة أن تستبق أي قرار بدراسة شاملة وإجماع في الدوائر المختصة وهذا مستحيل في الظروف السريعة التطور كما حدث في أثناء فقاعة الأسهم الأخيرة. ولكننا يمكن الآن أن نستفيد من دروس الماضي والبدء بتصحيح الخلل لتجنب مثل هذه الفقاعة التي من الممكن أن تتكرر مستقبلا.

فاليوم السؤال: هو كيف نعيد النشاط إلى هذه الأسواق. إنني أعتقد أن صغار المساهمين في طريقهم للخروج من الأسواق ولن يعودوا إليها قريبا، فلقد دخلوا هذه الأسواق على أسس خاطئة ألا وهي أن الاستثمار بالأسواق المالية المحلية عملية مضمونة الربح وخالية من المخاطر، وبالطبع هذه الرؤية المغلوطة ظهرت لهم جميعا الآن وهم حاليا في وضع من يحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه والهروب إلى مناطق أكثر أمنا. لهذا فإن الأموال التي ستدخل الأسواق الآن ستكون أموال مؤسساتية، أي العائدة إلى مؤسسات استثمارية متخصصة في المنطقة، وهذا لأن هذه المؤسسات تعمل بتجرد من العاطفة والإشاعات وتستثمر بناءً على أسس تحليلية بحتة. إن قوة الاقتصاد الخليجي واستمرار عملية الإصلاح الاقتصادية والتصحيح في أسعار الأسهم الأخير، كلها تشجع المؤسسات الاستثمارية أن تنظر بجدية إلى دخول الأسواق الآن.

ولكن بما أن حجم المؤسسات الاستثمارية في المنطقة ما زال متواضعا فقد لا تؤدي هذه العملية إلى ضخ مبالغ كافية إلى الأسواق، وهذا يجب أن يدفع الجهات الرقابية إلى التفكير بشكل جدي بفتح الأسواق بشكل كامل دون قيود للاستثمار المؤسساتي الأجنبي، فالمؤسسات الأجنبية لديها الرغبة والسيولة لدخول أسواق المنطقة بشكل كبير، وهنا يمكن للحكومات مراقبة هذه التدفقات المالية لتجنب حصول فقاعة ثانية جديدة وذلك من خلال التحكم في بيع أسهمها في الشركات القيادية. فعندما يزداد الطلب تقوم الحكومات ببيع جزء من الأسهم لتتحكم بنسبة الارتفاع، فيمكن على سبيل المثال أن تبيع الحكومات أسهمها عندما ترتفع قيمة الأسواق إلى أكثر من 20% سنويا لتمتص السيولة.

إن فتح الأسواق للاستثمار المؤسساتي الأجنبي وتخصيص الشركات سينتج أسواقا واعدة ومستقرة وعميقة مما سيدعم عملية تطور الاقتصاديات الخليجية بشكل صحي وسليم.

علي الشهابي