المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُـخَلّـفَـــــــات "سَــــــايْـكِسْ بِيِـــــكُـــو"



الحسوم
09-09-2012, 10:30 PM
مقدمة

بمقتضى "سايكس بيكو" - الإنجليزية الفرنسية - مزق المستعمر بلادنا نتفاً بالية، وهتكها مزقاً مخلولقة، وفرض عليها تجزئة قطرية موهنة، وربما نصف قطرية - أو ربعها - كما الحال بالنسبة لدول - أو دويلات - محدثة منتحلة، أعني تلك التي أنشئت على غير أصل قطري، فهي كالنتوءات أو الدمامل، أو بالأحرى: كالأجزاء المستأصلة من الجسد غصباً، على نحو غير طبي ولا إنساني، فهو أشبه بعمليات سرقة الأعضاء الآدمية من أصحابها وهم أحياء!!

كان المستعمر يهدف - من ذلك - إلى أمور :

1 - التخلص من الجامعة الإسلامية التي كانت تصهر بلادنا - رغم تعدد أعراقها وأجناسها - في بوتقة أمة واحدة، وهو ما عرقل أطماعَ الاستعمار، ومكننا من الصمود في وجه حملاته (الصليبية) المتكررة.

2 - الانفراد بكل قطر على حدة، واعتماد السياسات والبرامج والمناهج والأساليب الأنسب لكل بلد، بحسب وضعيته وخصوصياته ومدى أهميته لهم.

3 - التمكن من تسعير نيران الخلافات وإفساد ذات البين، وخلق أجواء من عدم الاستقرار والقلق والتوتر، وهو ما حدا بالمستعمر إلى الإبقاء على مناطق حدودية - بمقتضى "سايكس بيكو" هذه - غير محسومة وشبه هلامية، كي تكون مادةً لاختلاق مشكلات ما تبرح متجددة متأججة.

كذلك حرصت "سايكس بيكو" على الاستفادة من التعدد العرقي في تأجيج النزاعات الداخلية، بالنسبة لكل قطر، بالإبقاء على كل عرق مُوزعاً بين أكثر من منطقة حدودية، ومع ظهور النزعة القومية (بدعم من الغرب)، وتغليب القومية العربية على سائر القوميات، توفرت استفزازات كافية وكفيلة بإثارة النعرات القومية الأخرى.

4 - التمكن من صنع زعامات محلية تكرس لهذا التقسيم، وهي زعامات جيء بها على حراب المستعمر، وربما في صورة ثورات "وطنية"، كي تكون الثورة - ومن ثم "الاستقلال" وتأسيس دولة وطنية "حرة" - رصيداً للزعامة الجديدة، ليكرس - هذا - بدوره لشعبية الحاكم المصطنع.

ولم يكن كثير من هؤلاء الحكام مجرد عملاء أو مأجورين، ولا كانوا مجرد نماذج بشرية مشوهة، مريضة نفوسهم خسيسة طباعهم، ولا كانوا مجرد مغرر بهم استغلوا من قبل جهات مخابراتية مشبوهة أوقعت بهم في ورطات مدبرة، بل لم يستخدموا على هذا النحو المهين لمجرد ثغرات في شخوصهم أو خصوصيات حياتهم..

لقد كانت ثقافات وأفكار زعامات "الاستقلال" نفسها هي الضمانة الكبرى للحفاظ على مصالح المستعمر الراحل، وعلى أساس من هذا - هذا بالذات - كان يتم الاختيار.

كانت كل مؤهلاتهم أنهم يحملون ملامحنا، ويتكلمون بألسنتنا، وفي أجوافهم قلوب أعدائنا، وفوق أكتافهم رؤوس الشياطين.

5 - تحويل أقطارنا الإسلامية إلى ممالك شخصية خاصة، وإطلاق أيدي الحكام في تحديد طريقة الحكم والإدارة، وفي تصريف ثروات البلاد، وفي فرض الثقافات الوافدة (ما بقي ذلك في إطار تحقيق مصالح المستعمر)، مقابل التعهد بالإبقاء عليهم، وحماية عروشهم، وإخماد أي ثورات مضادة لهم.

كانت عملية مقايضة واضحة، ولم تزل..

وإذا حدث أي تغيير في أصول اللعبة، أو تعارضت المصالح، أو استجد منها ما يستدعي التغيير، أو ما تمليه طبيعة المرحلة.. صُيِّر الحاكم (غير المناسب) حيث صُير "المغضوب عليهم"، وجيء بمن هو أنسب وأوفق (أخس وأحقر)، مضافاً إليه بعض الملامح الجديدة، ومحاطاً بهالة أخرى من رصيد مصطنع.

إنه لمن الخطأ الجسيم أن يُظن بهذا الصنف من الحكام أنهم مجرد عملاء، إذ إنهم لا يتصرفون بوحي من مصالحهم الذاتية ومكتسباتهم الاستعمارية وحسب؛ بل ينطلقون من قناعات وثقافات شخصية ضالة، تم اختيارهم على أساسها، كما تقدم !!

كان لا بد من استحضار هذه الحقائق، وسوقها بين يدي ما أريد تقريره..



(1)

إن الذي يشغلني - أو يؤرقني - هاهنا: أننا - كأمة - بتنا نُكون تصوراتنا، ونكيف واقعنا، ونفتي فيه ونحكم عليه، من واقع هذه التجزئة الاستعمارية!!

لقد صار كثير من علمائنا ومثقفينا وقادتنا يتصرفون على نحو يكرس لهذا الواقع المرفوض، بل الحرام، بل المارق، ويضفي عليه شرعية (منتحلة)، ويثَبِّت له كينونته (القهرية)، ويتعامل معه كوضع معتبر، وشأن محترم، وليس بذاك..

ولنأخذ على ذلك مثلاً :

لم تنفك بلاد الشام معروفة باسمها هذا عَلماً عليها، حتى كان ذاك التقسيم المشئوم، الذي جعلها أربع دول مفرقات، يقال لها "مستقلة".

ولم تبرح بلاد الشام والحجاز ومصر والجزيرة وغيرها، مجرد ولايات أو إمارات تابعة لدولة الخلافة، بمعنى أنها جزء من دولة الإسلام لا يتجزأ، ومن ثم لا يستقل في أحكامه وسياساته الخارجية، بل عُدَّ العدوان على أي ولاية تابعة للدولة المسلمة عدواناً على الدولة كلها.

كانت هذه مسلمات معلومة بالاضطرار من دين الإسلام، يدركها الخواص والعوام، ولا تحتمل التباساً أو اشتباهاً. حتى اندرست مع ما اندرس من معالم الدين، وتآكلت مع ما تآكل من ذاكرة الأمة، كرس لذلك ما أَلَمَّ بالشعوب من استئناس بالمشهود، وإلف للواقع المفروض، سيما مع طول معايشته وسطوة غلبته، حتى استحال في حسنا كأنه الأصل الأزلي، والمصير المحتوم!!



(2)

أقول: وإيجاب الفقهاء الجهاد على أهل بلد داهمه العدو الكافر، أي: ابتداءً وبالأصالة، وإلا فأهلُ ذاك القطر ليسوا هم المعنيين وحدهم بالدفاع عنه، بل لأنهم الأولى والأقرب، فإن هم عجزوا وجب على الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، حتى يجب على الأمة كلها.

ولو فرض وجود قطر مستقل عن دولة الإسلام تعرض لمداهمة الكفار؛ لم يختلف الحكم فيه عن سابقه، ذلك أن الولاء العقدي لا يتجزأ.. ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) (التوبة: من الآية71).

نعم.. قد يتفاوت المؤمنون في مقدار ما يجب لهم من الولاية، فتكون لبعضهم أكمل من بعض آخر، أو أنقص منه، ولكنها لا تنعدم ولا تنقطع بحال عن أي طائفة منهم، ولا سيما إذا تأكد ذلك بطلب النصرة في الدين، أو كان المستنصرون محصورين مقهورين، قال تعالى: ((إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير)) (الأنفال:72).



(3)

والدولة المحاربة لقطر مسلم؛ تصنف كذلك (محاربة) - في النظر الشرعي - لدى كل أقطار الإسلام، ولئن جاز - فرضاً - أن يكون بيننا وبين تلك الدولة معاهدات اضطرارية، فإن الضرورة لا ترخص لنا بالدخول معها في حلف ضد الدولة المسلمة، ويدخل في ذلك تحريم كل صور الإعانة لها على قتال قوم مسلمين.

على أن المعاهدات التي لا اضطرار فيها يجب أن يوقف العمل بها، وتلغى من أصلها باعتبارين :

الأول : كون هذه الدولة المعتدية المحاربة لقطر من أقطار الإسلام: هي في حكم المحاربة لأقطارها كلها، فيمتنع أن يجتمع لها الوصفان (الحرابة، والعهدية) في آن واحد.

والثاني : أن ما يجب من موالاة ونصرة للقطر الإسلامي المعتدَى عليه، يَمنع من مهادنة المعتدِي ومسالمته، ولا مجال حينئذ للمعاهدات والصلح معه.

الحسوم
09-09-2012, 10:36 PM
(4)

وإليك مثلاً يُجلي لك المراد :

يُزمِع عدونا تقسيم التقسيم بـ "سايكس بيكو" جديدة، ليفتت الجزيرة العربية إلى ثلاث دول، وكذا العراق (مثلها)، وسورية (نحوها)، ومصر دولتين، وكذلك السودان... إلخ.

والسؤال المطروح هنا على علمائنا وقضاتنا ومرجعياتنا الفقهية:

هل يسوغ لنا شرعاً أن نتقوقع في مكة والمدينة مثلاً (وهي الدولة الدينية في التقسيم الجديد) ونخلي مسؤوليتنا من سائر أرجاء الجزيرة، ملتزمين بمعاهدات واتفاقات تبرمها الدولة العلمانية في نجد والرياض، أو الدولة الشيعية في المنطقة الشرقية، حتى وإن كانت هذه المعاهدات تقر العدوَّ على احتلال البلاد ونشر الفساد، وتطلق يده في تحكيم شرائع الضلال، وتوطين ديانات وملل باطلة، تزاحم دين الحق وملة الخليل في أرض التوحيد؟.

وإذا تصورنا العكس.. هل يجوز لنا - كمسلمين - أن نسلم مكة والمدينة للطامعين فيهما من اليهود وغيرهم، ونخذل أهليهما، ونخلي بينهم وبين عدوهم، بدعوى أن ذلك شأن مكي مدني، وأننا ملزمون بمعاهدات بيننا وبين ذاك العدو في دويلات الجزيرة الأخرى ؟!!

ولا أتصور أن يفتي - في حالة العدوان على الحرمين (لا سمح الله) - بسقوط فرض دفع الصائل عليه عن غير أهل مكة والمدينة.



(5)

ورجوعاً إلى المعاهدات والاتفاقات التي مكنت عدونا من التواجد العسكري في بلادنا، وهي اتفاقات تمت من خلف ظهور الشعوب، أو رغماً عنها.. (القواعد العسكرية - مراكز القيادة الحربية - استخدام المياه الإقليمية - والممرات البحرية والبرية - والأجواء الجوية)..

هل يجوز منح العدو صلاحية استخدام هذا الوجود العدواني، ضمن حرب ضد بعض أقطارنا الإسلامية، تحت دعاوى العهد والاتفاق والذمة ؟!.

وعلى ضوء "سايكس بيكو" الجديدة: هل يسوغ لـ "الدويلة المصرية" (المقترحة في الجنوب) - مثلاً - الاحتجاج بهذه الاتفاقيات على جواز تمكين الأجنبي من ضرب "الدويلة المصرية" في الشمال، أو العكس ؟!.

وهل هذه الاتفاقات التي تضمنت إقرار المنكر والحرام والظلم والعدوان، والتي تمت بغير مشورة من الأمة أو من يمثلها من علمائها الثقات.. هل هذه الاتفاقات ملزمة للمسلمين؟.

على أنه لا ينبغي الخلط بين القادم إلى بلادنا بصفة شخصية ولغرض غير عدائي، وبين القادم إليها بصفة رسمية وبمقتضى الاتفاقات الظالمة المجحفة، ولأغراض تتصل بالعدوان وبالتمكين الجبري لمصالح المعتدِي.



(6)

والمؤمَّن (المستأمِن) إنما يُبذل له عهدُ الأمان على أن لا يَعتدي أو يغدرَ أو يخون، فإذا كان طالب الأمان إنما يطلبه لغرض عدواني أو عمل محرم؛ فعقد تأمينه باطل من أصله، سواء كان عدوانه على المؤمِن له (المستأمَن)، فرداً أو جهة أو دولة، أو على غيره من المسلمين، فرداً أو جهة أو دولة.

وما من دولة كائنة في هذا المجتمع الدولي "المقنن" تسمح لمتآمر عليها - مجرد تآمر - بالدخول إلى أراضيها، بل أكثر الدول لا تمنح تأشيرات دخول إليها إلا بعد التوقيع على إقرار باحترام قوانينها، والمحافظة على أمنها وأمن شعبها وسلامة أراضيها.

وتؤكد شريعتنا الغراء على وجوب التفريق بين المحارب المباشر للعدوان (حقيقة أو حكماً)، وبين عموم أهل ناحيته (الدولة المحاربة) في أحكام القتال، وهو تفريق شرعي مقرر معروف في أحكامنا الفقهية وسياستنا الشرعية، أي من جهة قصد غير المحاربين واستهدافهم بأعمال الحرب من عدمه، فهؤلاء الآخرون لا يقصدون.

أما العدو الغاصب المباشر للغصب فهو متلبس بالعدوان، سواء باشر الحرابة أو لم يباشرها، اغتصب بنفسه أو مكن له في الغصب.



(7)

وثم تناقض حاد يقع فيه بعضنا، وربما بحسن نية، ذلك حينما يُقَوِّم الأعمال ويحكم عليها على أساس من موازناته الخاصة (المقطوعة عن شمولية التقويم والتكييف)، وبمقتضى ما تمليه مصالحه المحدودة، فتراه يؤيد ويعارض، ويحلل ويحرم، ويبرئ ويجرم... ويرى في الشيء الواحد - في آن واحد - رأيين متباينين متعاكسين متناقضين، تبعاً لما تمليه المصلحة لا غير!!

فينقلب غير الشرعي (جهة أو حكومة أو دولة، أو غيره) شرعياً، لا لشيء إلا لإبطال ما لا يبطل إلا بهذا الاعتبار المنقلب إليه!! ولعله لو أُنعِم النظرُ والاستدلال ما احتيج - في إبطاله - إلى هذا التعسف والتكلف.

الشأن الوحيد المستقر في ذلك كله هو المصلحة الخاصة، والاعتبار الذاتي، والمذهب المعتمد، وموقف الطائفة، والسياسة المعلنة، وتفادي التعرض لإرهاب الآخر، حسياً، أو معنوياً (فكرياً، أو دعائياً، أو لتجنب أن نُسلب اللقب الفتنة: "معتدل" أو "اعتدال")!!

إنه لا حرج على المرء في إنكار المنكر، ولكن شريطة أن يعتقده منكراً، وإلا فإنكاره لا يعدو أن يكون مسلكاً نفعياً وصولياً، وفرصة تُهتبل لأغراض سياسية، ولو بإظهار إنكار ما يَعتقدُ صوابه ويحتفل به سراً.

فها هنا أقسام ستة:

من ينكر ما يعتقد نكارته، وهو كذلك في ذات الأمر.
من ينكر ما يعتقد نكارته، وليس كذلك في ذات الأمر.
من ينكر ما لا يعتقد نكارته، وهو منكر في ذات الأمر.
من ينكر ما لا يعتقد نكارته، وليس كذلك في ذات الأمر.
من لا ينكر ما يعتقد نكارته، وهو كذلك في ذات الأمر.
من لا ينكر ما يعتقد نكارته، وليس كذلك في ذات الأمر.

وفيما عدا القسم الأول، يخطئ أصحاب الأقسام الأخرى جميعهم، إما من جهة القصد، وإما من جهة صواب المعتقد أو خطئه، وإما من الجهتين كلتيهما.



(8)

إن واجب الأمة اليوم يتمثل فيما يلي:

أولاً: إيجاد مرجعية موحدة للأمة الواحدة، تحسم خلافاتها، وتستثمر طاقاتها، وتضبط حركتها على ميزان الشرع الحنيف وقواعد المصالح الكلية الحقيقية.

ثانياً: الشروع في بناء مشروع يستوعب طاقات الأمة المهملة والمشتتة والمهدرة، ليسلكها في طريق الإيفاء بتطلعاتها.. مشروع يقترن فيه القول بالعمل، والتعليم بالتربية، والجهاد بالخلق الحسن.. مشروع يتضافر فيه عطاء الفرد مع الجماعة.. ومع الأمة كلها.

ثالثاً: تخير الأهداف (لكل مرحلة)، وكذا الأعمال والوسائل والأساليب التي هي أقرب إلى جمع الكلمة، وأبعد عن تفرقها، وما قضى فيه الشرع قضاء فلا مجال للاختلاف عليه، ما كانت هناك مرجعية موثوق بها.

رابعاً: إذا تعين التخير بين بديلين:
أحدهما: عمل فوري محدود النتائج، يتصدى له شخص أو طائفة أو جماعة، ويُتعجل به شفاء القلب وإذهاب غيظه.
والآخر: مشروع منهجي متكامل، مرجأ الإنجاز، تتصدى له الأمة أو أغلبها، ويرجى من ورائه تحقيق تغيير شامل.. فلا ريب أن منطق العقل والحكمة يملي علينا اختيار هذا الآخر.

ولعل قلة المنجز من أعمال، ومحدودية نتائجه، وانطوائه على مفاسد ملازمة له، وهي مفاسد جسيمة غالباً، يبعد - معها - ترجيح ما يقابلها من مصالح.. لعل هذا يدل على ضعف قدراتنا - كجماعات - تعجز كل منها منفردة عن إنجاز عمل مؤثر تفوق مصالحُه مفاسدَه.

ولعله يدل - أيضاً - على مدى تأخرنا في التجمع والتحرك كأمة، وتأخرنا في استيعاب مأساة التفرق والتنازع.. ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) (لأنفال: من الآية46).

إننا بأمس الحاجة إلى مشروع جامع يوحد ولا يفرق، مشروع قادر على استيعاب حركة الأمة كطوائف وأفراد، وإن تأخرنا في إنجاز مثل هذا الأمل المنشود هو الخلل الرئيس في أزمتنا، وعلينا تقع المسؤولية الأولى فيما تجلبه الاجتهادات الخاصة والقاصرة من مفاسد.

إن الإنصاف ليقتضي أن يُنكر على المتباطئين، كما يُنْكرَ على المتعجلين..

خامساً: لكل مقام ما يلائمه، ولكل مرحلة أحكامها، والتوسط أن نكون بين الهمود والفورة، بين التباطؤ والعجلة، بين اختزال المراحل وإهدار قيمة الزمن، بين لهفة تحقيق الإنجازات والمبالغة في تقدير سوء المآلات، بين الإفراط في اليأس وإطلاق خيالات الأماني، بين التنطع في تقدير المصالح والإسراف في إسقاطها وإهمالها، بين الإغراق في التفاصيل والاكتفاء بالمُجمَلات...

سادساً: اعتماد صياغة سياسية حكيمة، تجمع ولا تفرق، أممية لا حزبية، شمولية لا تجزئ، مطيتها الموازنات الشرعية السديدة، وبُوصلتها الكتاب والسنة، وزادها الزهد والعبادة، وشعارها اتقاء الشبهات، ومسلكها ترك ما يريب، وهي بكل حال تعطي ولا تأخذ، ولا تطمع أن تأخذ.

سابعاً: ينبغي التنبه إلى أن ثم قضايا يتعين تحقيقها وتنقيحها بوضوح شديد وتحديد دقيق، فهي لا تحتمل التعميم فضلاً عن التمييع، ولا الإجمال فضلاً عن الإبهام، أعني تلك التي قد يعلوها الغبش، أو يلفها الالتباس، ويُخشى أن تضيع حقائقها بين هذا الكم المتزاحم من الأحداث وهذا الحجم المتراكم من الخلافات.

وليتنبه - أيضاً - في هذا السياق - إلى خطورة الخطاب التعميمي، الذي يكرس لمفاهيم ومقررات خاطئة، ضمناً أو اقتضاءً، بوعي أو بغير وعي، وقد سلف التعرض لبعضها.

وأضعف الإيمان: أن يتجنب هذا النوع من الخطاب، حيث يتعذر تحقيق مثل هذه القضايا والمفاهيم على نحو دقيق جلي محدد.



(9)

ثُمَّ..

ثم الباب - إلى وضع تصور شامل - على مصراعيه لا ينفك مفتوحاً، لأن الأمة كلها مطالبة - اليوم - بتحديد ملامح ما نريد، وتخير مواصفات ما ينبغي، وجدولة أوراد اليوم والليلة، والسنة والعِقد، وترتيب مطالب الغد القريب.. فالبعيد.

والله الموفق للسداد.

((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)) (التوبة:105).
((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)) (العنكبوت:69).
((ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)) (الحج: من الآية40).


[رمضان / 1424 هـ]

منقول.

الأحوازي
10-09-2012, 12:17 AM
موضوع مهم
أسأل الله أن يزيل جميع حدود سايكس بيكو
جزاك الله خير

الحسوم
10-09-2012, 10:44 AM
موضوع مهم
أسأل الله أن يزيل جميع حدود سايكس بيكو
جزاك الله خير


قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :

"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت."

كازانوفا
10-09-2012, 11:13 AM
حسافة على رجال باعو الاخره لغرض الدنيا الزائله
يارب شتت شمل كل ما اراد باهل الايمان والتقوى السوء واشغله بنفسه الى يوم القيامه

مضاد
10-09-2012, 11:56 PM
افااا :( خساره والله .




الله يجزاك كل خير ويوفقك وين ماكنت ...يا الحسوم .