السيلاوي
14-10-2012, 07:51 AM
مقالة للاستاذ صادق محمد بجريدة الراية اليوم وتستحق القراءة
http://www.raya.com/mob/getpage/6f65c7e4-a628-4208-915e-17fced8c3f39/b09fcad2-1546-4d40-aae6-c5c43463c248
نيران صديقة..مصعد الوزير
بقلم : صادق محمد العماري
لم يَعُد الكثير من المراجعين يثقون بموظفي المكاتب الأماميّة في الوزارات والجهات الحكومية، وأصبح البحث عن واسطة أو مدير من المعارف أمرًا هامًا لتسريع إجراءات أي معاملة .
فهد مواطن شاب لديه معاملة مُعطلة في وزارة خِدمية هامة، استيقظ مبكرًا بعد أن قرّر إنهاء معاناته والذهاب مباشرة إلى مكتب الوزير المختص ليقابل الوزير ويشتكي من بُطء العمل وتأخُّر حصوله على الموافقة اللازمة رغم استيفائه جميع الشروط المطلوبة، وشطح فهد بخياله كثيرًا وهو يرى نفسه يجلس أمام الوزير ليسدي له النصح في كيفية إدارة الوزارة وكيف يختار الموظفين المخصصين لخدمة الجمهور وتخيل أنه استجمع قواه ليقول له: أنت معيّن لقضاء مصالح الناس، أخرج من مكتبك وتجول في أروقة وزارتك وسترى العجب!. لم يقطع خياله الواسع سوى وصوله لمقر الوزارة وبدء البحث الصعب عن موقف .
وبعد أن وجد موقفًا بصعوبة بالغة دعا الله أن يحجب بصر دورية المرور عن سيارته التي اضطر لإيقافها بصورة مخالفة مع حرصه في الوقت ذاته على عدم تعطيل حركة السير كما فهم من تصريحات مدير المرور!، عدّل فهد من هندامه وتعطّر وتأكد من أنه يحمل ملف المعاملة وتَرجَّل من سيارته وهو يدعو بكل ما يحفظ ألا يعود إلى منزله إلا بعد الحصول على الموافقة .
لو سمحت أين مكتب الوزير ؟ قالها فهد بكل ثقة لموظف الاستقبال الذي تردّد قليلاً ثم تفحصه وأجابه: تفضل، أي خدمة ؟
فهد: أريد مكتب الوزير ؟ بأي دور ؟ فقط أعلمني بالطابق وسأذهب وحدي .
الموظف: لا يمكنك الذهاب إلى هناك، الوزير لديه اجتماعات ومشغول، يمكنني أن أساعدك.
فهد: من هم في وظائف أكبر منك عجزوا عن مساعدتي، سأذهب للوزير !
الموظف وهو يحاول إخفاء ضحكته: حسنًا حسنًا اذهب، الوزير في الطابق العشرين !
شكره فهد وذهب مبتسمًا إلى المصعد، وبالرغم من طول الانتظار إلا أنه استغل الوقت في الخيال والأحلام، تخيل أن الوزير سيخرج لاستقباله واستمتع كثيرًا وهو يتخيل طعم القهوة العربية التي ستقدّم له من دلة الوزير !، وصل المصعد وصعد وضغط الرقم 20 لكن الزر لم يعمل، ضغط كثيرًا وبقوة مرارًا ولكنه لا يومض ولا يسجل الطلب، ضغط أدوارًا أخرى وجميع الأزرار تعمل . فكر فهد كثيرًا وقرّر أخيرًا النزول في الدور 19 ثم سيصعد للدور الـ 20، ربما يكون هذا الزر قد تعطل اليوم فقط.
وصل المصعد للدور الـ 19 وخرج فهد ليرى مكاتب وممرات فاخرة غير تلك التي يراها في الأدوار السفلى حيث يتواجد المراجعون، توقف فهد ولمح موظفًا وعاملاً يحمل أكوابًا فارغة واستوقفه ليسأله : لو سمحت كيف أذهب لمكتب الوزير ؟
الموظف : لا تستطيع.
فهد: لماذا ؟ هو في الدور الـ 20 وقد سمح لي موظف الاستقبال بالصعود.
الموظف : هل لاحظت أن زر الطابق الـ 20 لايعمل ؟
فهد : نعم نعم لاحظت، وظننت أنه معطل فضغطت الطابق الـ 19 وسأصعد للطابق التالي على الدرج. أمري لله.
الموظف : والنعم بالله، لكن زر الـ 20 غير معطل ولكن حتى يعمل الوزير وطاقمه بهدوء فتم برمجة المصعد حتى لا يتوقف أبدًا في هذا الطابق .
فهد : عجيب ! وكيف يصعد الوزير ؟
الموظف : لديه مصعد خاص من مكان خاص .
فهد يرفع صوته : أفهم من كلامك أن الوزير لايستقبل شكاوى المواطنين ؟
الموظف بارتباك واضح : يا أخي اخفض صوتك وتفضل معي سأساعدك .
رشف فهد القهوة العربية من يد العامل اللطيف وهو يضحك وقال: تخيلت أني أشرب القهوة في مكتب الوزير، وأنا الآن أشربها بالفعل ولكن معك أنت ومع فراش الوزير !
الموظف ضاحكًا : سبحان الله ! أنا أحمد موظف صغير في هذه الوزارة منذ 30 عامًا، قل لي ماهو موضوعك ؟
هز فهد فنجاله وأخرج ملفه وأعطاه للموظف قائلاً باستهزاء واضح : تفضل يا بطل!
لم يبالِ أحمد باستهزاء فهد، ربما لأنه سمعه مرارًا وكان يشعر بنشوة النصر وهو يرى هذا الاستهزاء ينقلب إلى مديح وثناء وشكر بعد أن يبهر من يسوقهم حظهم إليه بقدرته على اختراق الحواجز والمكاتب والطوابق وغالبًا ما ينجح في المهمة. طالع أحمد الأوراق بعناية تامة وقال: بسيطة يا أخي ربع ساعة وتكون معاملتك خالصة .
لم يتمالك فهد نفسه وضحك بصوت مرتفع وهو يقول: أتحداك! مضت 3 سنين وأنا أسعى للحصول على الموافقة ولكن المعاملة تتأجل لأسباب متعدّدة، مرة لعدم وجود مخصصات مالية كافية، ومرات لأن المسؤول مسافر وأعذار كثيرة لا تنتهي .
الموظف ينادي العامل: " يا كومار عطه شاي .. خذ إشرب كرك، ربع ساعة بس وتنتهي المعاملة "!.
تناول فهد صحيفة كانت موجودة في مطبخ العامل الصغير، روائح الهيل والبن والشاي تعبِّئان المكان والهدوء يلف الطابق لدرجة مرعبة، وخلال دقائق الانتظار شرب فهد أكوابًا من الشاي والقهوة، وفجأة ظهر الموظف ومعه العامل الذي كان يحاول إخفاء إعجابه بنفسه وصاح بطريقة غنائية: المعاااااملة خلللللصت !
خطف فهد الملف من يد الموظف ليتأكد وهو غير مصدّق وصرخ فرحًا : كيف فعلتها ؟
أجابه: إحم ! أنت لا تعرف قدراتي !
فهد : من حقك ! أعذرني . شكرًا شكرًا لك، أعجز عن الشكر، لكن كيف فعلتها ؟
الموظف ينظر إليه بحذر : لا لا أستطيع أن أقول، هذه من أسرار العمل، المهم أنني استطعت الحصول على توقيع المدير ومعاملتك انتهت. فقط اذهب وأتمنى لك التوفيق.
فهد : فقط أخبرني بالسر وسأختفي ولن تراني مرة أخرى !
الموظف يتأفف ويحاول أن يخفض صوته وهو يشير إلى كومار : ألا تعلم أن فرّاش الوزير وزير !.
sadeq@raya.com
Twitter: @sadeq_mohammad
http://www.raya.com/mob/getpage/6f65c7e4-a628-4208-915e-17fced8c3f39/b09fcad2-1546-4d40-aae6-c5c43463c248
نيران صديقة..مصعد الوزير
بقلم : صادق محمد العماري
لم يَعُد الكثير من المراجعين يثقون بموظفي المكاتب الأماميّة في الوزارات والجهات الحكومية، وأصبح البحث عن واسطة أو مدير من المعارف أمرًا هامًا لتسريع إجراءات أي معاملة .
فهد مواطن شاب لديه معاملة مُعطلة في وزارة خِدمية هامة، استيقظ مبكرًا بعد أن قرّر إنهاء معاناته والذهاب مباشرة إلى مكتب الوزير المختص ليقابل الوزير ويشتكي من بُطء العمل وتأخُّر حصوله على الموافقة اللازمة رغم استيفائه جميع الشروط المطلوبة، وشطح فهد بخياله كثيرًا وهو يرى نفسه يجلس أمام الوزير ليسدي له النصح في كيفية إدارة الوزارة وكيف يختار الموظفين المخصصين لخدمة الجمهور وتخيل أنه استجمع قواه ليقول له: أنت معيّن لقضاء مصالح الناس، أخرج من مكتبك وتجول في أروقة وزارتك وسترى العجب!. لم يقطع خياله الواسع سوى وصوله لمقر الوزارة وبدء البحث الصعب عن موقف .
وبعد أن وجد موقفًا بصعوبة بالغة دعا الله أن يحجب بصر دورية المرور عن سيارته التي اضطر لإيقافها بصورة مخالفة مع حرصه في الوقت ذاته على عدم تعطيل حركة السير كما فهم من تصريحات مدير المرور!، عدّل فهد من هندامه وتعطّر وتأكد من أنه يحمل ملف المعاملة وتَرجَّل من سيارته وهو يدعو بكل ما يحفظ ألا يعود إلى منزله إلا بعد الحصول على الموافقة .
لو سمحت أين مكتب الوزير ؟ قالها فهد بكل ثقة لموظف الاستقبال الذي تردّد قليلاً ثم تفحصه وأجابه: تفضل، أي خدمة ؟
فهد: أريد مكتب الوزير ؟ بأي دور ؟ فقط أعلمني بالطابق وسأذهب وحدي .
الموظف: لا يمكنك الذهاب إلى هناك، الوزير لديه اجتماعات ومشغول، يمكنني أن أساعدك.
فهد: من هم في وظائف أكبر منك عجزوا عن مساعدتي، سأذهب للوزير !
الموظف وهو يحاول إخفاء ضحكته: حسنًا حسنًا اذهب، الوزير في الطابق العشرين !
شكره فهد وذهب مبتسمًا إلى المصعد، وبالرغم من طول الانتظار إلا أنه استغل الوقت في الخيال والأحلام، تخيل أن الوزير سيخرج لاستقباله واستمتع كثيرًا وهو يتخيل طعم القهوة العربية التي ستقدّم له من دلة الوزير !، وصل المصعد وصعد وضغط الرقم 20 لكن الزر لم يعمل، ضغط كثيرًا وبقوة مرارًا ولكنه لا يومض ولا يسجل الطلب، ضغط أدوارًا أخرى وجميع الأزرار تعمل . فكر فهد كثيرًا وقرّر أخيرًا النزول في الدور 19 ثم سيصعد للدور الـ 20، ربما يكون هذا الزر قد تعطل اليوم فقط.
وصل المصعد للدور الـ 19 وخرج فهد ليرى مكاتب وممرات فاخرة غير تلك التي يراها في الأدوار السفلى حيث يتواجد المراجعون، توقف فهد ولمح موظفًا وعاملاً يحمل أكوابًا فارغة واستوقفه ليسأله : لو سمحت كيف أذهب لمكتب الوزير ؟
الموظف : لا تستطيع.
فهد: لماذا ؟ هو في الدور الـ 20 وقد سمح لي موظف الاستقبال بالصعود.
الموظف : هل لاحظت أن زر الطابق الـ 20 لايعمل ؟
فهد : نعم نعم لاحظت، وظننت أنه معطل فضغطت الطابق الـ 19 وسأصعد للطابق التالي على الدرج. أمري لله.
الموظف : والنعم بالله، لكن زر الـ 20 غير معطل ولكن حتى يعمل الوزير وطاقمه بهدوء فتم برمجة المصعد حتى لا يتوقف أبدًا في هذا الطابق .
فهد : عجيب ! وكيف يصعد الوزير ؟
الموظف : لديه مصعد خاص من مكان خاص .
فهد يرفع صوته : أفهم من كلامك أن الوزير لايستقبل شكاوى المواطنين ؟
الموظف بارتباك واضح : يا أخي اخفض صوتك وتفضل معي سأساعدك .
رشف فهد القهوة العربية من يد العامل اللطيف وهو يضحك وقال: تخيلت أني أشرب القهوة في مكتب الوزير، وأنا الآن أشربها بالفعل ولكن معك أنت ومع فراش الوزير !
الموظف ضاحكًا : سبحان الله ! أنا أحمد موظف صغير في هذه الوزارة منذ 30 عامًا، قل لي ماهو موضوعك ؟
هز فهد فنجاله وأخرج ملفه وأعطاه للموظف قائلاً باستهزاء واضح : تفضل يا بطل!
لم يبالِ أحمد باستهزاء فهد، ربما لأنه سمعه مرارًا وكان يشعر بنشوة النصر وهو يرى هذا الاستهزاء ينقلب إلى مديح وثناء وشكر بعد أن يبهر من يسوقهم حظهم إليه بقدرته على اختراق الحواجز والمكاتب والطوابق وغالبًا ما ينجح في المهمة. طالع أحمد الأوراق بعناية تامة وقال: بسيطة يا أخي ربع ساعة وتكون معاملتك خالصة .
لم يتمالك فهد نفسه وضحك بصوت مرتفع وهو يقول: أتحداك! مضت 3 سنين وأنا أسعى للحصول على الموافقة ولكن المعاملة تتأجل لأسباب متعدّدة، مرة لعدم وجود مخصصات مالية كافية، ومرات لأن المسؤول مسافر وأعذار كثيرة لا تنتهي .
الموظف ينادي العامل: " يا كومار عطه شاي .. خذ إشرب كرك، ربع ساعة بس وتنتهي المعاملة "!.
تناول فهد صحيفة كانت موجودة في مطبخ العامل الصغير، روائح الهيل والبن والشاي تعبِّئان المكان والهدوء يلف الطابق لدرجة مرعبة، وخلال دقائق الانتظار شرب فهد أكوابًا من الشاي والقهوة، وفجأة ظهر الموظف ومعه العامل الذي كان يحاول إخفاء إعجابه بنفسه وصاح بطريقة غنائية: المعاااااملة خلللللصت !
خطف فهد الملف من يد الموظف ليتأكد وهو غير مصدّق وصرخ فرحًا : كيف فعلتها ؟
أجابه: إحم ! أنت لا تعرف قدراتي !
فهد : من حقك ! أعذرني . شكرًا شكرًا لك، أعجز عن الشكر، لكن كيف فعلتها ؟
الموظف ينظر إليه بحذر : لا لا أستطيع أن أقول، هذه من أسرار العمل، المهم أنني استطعت الحصول على توقيع المدير ومعاملتك انتهت. فقط اذهب وأتمنى لك التوفيق.
فهد : فقط أخبرني بالسر وسأختفي ولن تراني مرة أخرى !
الموظف يتأفف ويحاول أن يخفض صوته وهو يشير إلى كومار : ألا تعلم أن فرّاش الوزير وزير !.
sadeq@raya.com
Twitter: @sadeq_mohammad