abdalla
11-11-2012, 02:41 PM
عندما دخل سعيد الذي تخرج حديثاً من الجامعة إلى الشركة الكبيرة، التي يطمح بالحصول على وظيفة فيها، كانت دقات قلبه تتسارع؛ فهذه الشركة تعد من أكبر شركات البلد وصاحبها من أغنى الأغنياء، والكل يتهافت للحصول على عمل فيها، وبينهم أبناء الكبار وأصحاب الواسطات, فكيف له أن ينافس كل هؤلاء وهو الشاب البسيط، وابن الموظف البسيط الذي توفي ولم يترك له من مال الدنيا شيئاً, ولكنه تذكر وصية المرحوم والده الذي أوصاه بالتوكل على الله في كل أمر، وأن يرضى بقضاء الله عز وجل مهما كان، وأن لا يحزن على أي شيء لم يحصل عليه، فلربما كان الخير في ذلك دون أن يدري .
دخل سعيد على مدير شؤون الموظفين وقدم أوراقه وطلب منه الرجل أن ينتظر اتصالاً كي يتم إعلامه بالنتيجة. خرج سعيد وهو شبه متيقن من أن النتيجة ستكون سلبية؛ هذا إذا اتصل به احد أصلاً ولم يرموا طلبه في أقرب سلة مهملات.
مضت عدة أيام وفجأة جاء الاتصال الموعود، وطلب منه المتحدث أن يأتي الشركة في مساء نفس اليوم لإجراء مقابلة. فرح سعيد ولبس أحسن ما وجده من ثيابه المتواضعة، وذهب حسب الموعد وابلغ موظف الاستعلامات باسمه، فقال له الأخير وهو ينهض احتراماً:
- أهلا وسهلا يا سيد سعيد, شرفتنا يا سيد سعيد, تفضل أوصلك إلى غرفة رئيس مجلس الإدارة.
ضحك سعيد وقال للرجل :
- يا صديقي أنت قد خلطت بيني وبين شخص آخر, أنا مجرد شخص بسيط طالب وظيفة !!
سأله الرجل:
- ألست الأستاذ سعيد وحيد فريد؟ وعندك موعد الساعة الخامسة؟
اجاب سعيد :
- نعم أنا هو .
- اجاب الرجل مبتسماً:
- إذاً أنا لست مخطأ يا سيدى، وموعدك مع السيد رئيس مجلس الإدارة الذي أوصانا باستقبالك بحفاوة تليق بمقامك .
ذهب سعيد مع الموظف وهو مشدوه، فدخل إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة الفخم؛ وما أن عرف موظف الاستعلامات عنه حتى نهض جميع من في المكتب احتراماً له, لم يصدق سعيد ما يرى ولم يفهم ما الذي يحدث، وكان متيقناً أن هناك لبساً قد حصل، وسرعان ما سيدرك الجميع هذا اللبس، وسيطرد شر طردة فلو كان ابن وزير لما استقبل بهذه الحفاوة .
انتظر سعيد عدة دقائق ثم طلبت منه السكرتيرة الدخول فدخل إلى المكتب الفخم، ورأى رئيس مجلس الإدارة جالساً وما أن رآه الأخير حتى نهض عن كرسيه، وجاء إلى سعيد وأخذه بالأحضان وهو يقول:
- أهلاً بك, أهلاً بالعزيز الغالي, أهلاً بالحبيب.
تلعثم سعيد وقال :
- أشكرك يا سيدي على هذه الحفاوة، ولكن أغلب الظن أنك تحسبني شخصاً آخر، فأنا لم أتشرف بلقائك من قبل، ولم أرك سوى في الجرائد والمجلات.
ابتسم الرجل وذهب إلى درج مكتبه، واخرج صورة قديمة صغيرة؛ وأراها لسعيد الذي بهت لرؤيتها كأنه قد ضربته الصاعقة، فقال وهو يكاد يصرخ :
- هذه صورة المرحوم أبي! من أين لك بها هل كنت تعرفه؟
قال الرجل :
- المرحوم؟ هل مات هذا الرجل الطيب؟ رحمه الله وغفر له وجعل مثواه الجنة .
قال سعيد:
- ولكني لا أفهم.. فمن أين لأحد كبار أثرياء البلد أن يعرف أبي، وهو رجل متواضع جداً، عاش مستوراً حتى آخر يوم في حياته؟
قال الرجل :
- دعني أخبرك بالحكاية منذ البداية, فمنذ سنوات عديدة كنت ما زلت شاباً في مقتبل العمر، ولكني كنت مثلك دون واسطة ودون نقود, وفي أحد الأيام كنت أريد أن أتقدم بطلب وظيفة مثلما تفعل أنت الآن، ولكن المشكلة أني لم أمتلك أي نقود كي اذهب بها إلى المدينة التي تعرض الوظيفة، فجلست حائراً مهموماً في محطة الباصات، ولا أدري من أين أحصل على ثمن التذكرة, وكان يجلس إلى جانبي شاب آخر سألني عن سبب حزني فأخبرته بما يحدث معي، فمد يده في جيبه واخرج محفظته؛ واخرج منها كل ما فيها من نقود وأعطاني إياها, استغربت وأخبرته أني لا أستطيع قبولها، ولكن بعد إصراره الشديد أخذتها، وسألته كيف أردها له؟ فاخبرني أنه لا يريدها، ولكن إذا منّ الله علي فيجب أن اجعلها صدقة جارية ؛أن أساعد كل يوم شخصاً محتاجاً دون أعرف من هو..
فقلت له: أخبرني اسمك على الأقل؟ فقال لي: أن اسمه وحيد فريد ويلقبونه أصدقائه بأبي سعيد، وعندما تركته وذهبت؛ وجدت أنه نسي صورة له بين النقود، فاحتفظت بها ذكرى عن هذا الرجل الكريم, و مضيت إلى المدينة وتوظفت وترقيت وأسست شركتي الخاصة، وازدهرت أعمالي وبحثت عن والدك في كل مكان فلم أجده، وأقسمت أن أحفظ أمانته ما حييت.. ومن يومها وأنا أساعد كل يوم شخصاً لا اعرفه، فتارة اجلس في محطات الباص وتارة في المساجد، وتارة في المستشفيات، ويشهد الله أنه لم يمض يوم واحد إلا وقد ساعدت محتاجاً، وكلما شكرني قلت له عليك أن تشكر أبو سعيد، فلولاه لما كنت قادراً على مساعدتك.. فاعلم يا ولدي أنّ المرحوم أبوك شريك لي في كل خير عملته وكل صدقة أعطيتها .
دمعت عين سعيد وقال :
رحم الله والدي كان دوماً يحضني على مساعدة الآخرين، ويقول لي: يا ولدي ساعد خلق الله فيجزيك خالقهم عنك خير جزاء؛ في حياتك أو مماتك أو أولادك من بعدك، ولا تستخف بأي عمل خير مهما صغر فقد يغير حياة إنسان دون أن تدري .
نهض الثري وعيناه تدمع هو الاخر، وقال :
والله إني لم افحص طلب توظيف لأي أحد بنفسي منذ عشرين سنة، ولدي أشخاص معنيين بذلك؛ إلا أن هاتفاً دفعني أن اطلب من المدير كل ملفات التوظيف الجديدة، وأنا نفسي لا أدري لماذا, وأخذت أتفحصها واحداً واحداً، وما أن وقعت عيني على صورتك حتى عرفتك فوراً، فأنت صورة طبق الأصل عن المرحوم والدك، والحمد لله أني سأستطيع أن أرد جميله وفضله، واعلم أنك قد تعينت عندي وفي مكتبي الخاص، وسأحرص على أن اجعل منك إنساناً ناجحاً يفخر بك المرحوم والدك .
القصة حقيقية كما وصلتني.. د. يحيى الغوثاني
دخل سعيد على مدير شؤون الموظفين وقدم أوراقه وطلب منه الرجل أن ينتظر اتصالاً كي يتم إعلامه بالنتيجة. خرج سعيد وهو شبه متيقن من أن النتيجة ستكون سلبية؛ هذا إذا اتصل به احد أصلاً ولم يرموا طلبه في أقرب سلة مهملات.
مضت عدة أيام وفجأة جاء الاتصال الموعود، وطلب منه المتحدث أن يأتي الشركة في مساء نفس اليوم لإجراء مقابلة. فرح سعيد ولبس أحسن ما وجده من ثيابه المتواضعة، وذهب حسب الموعد وابلغ موظف الاستعلامات باسمه، فقال له الأخير وهو ينهض احتراماً:
- أهلا وسهلا يا سيد سعيد, شرفتنا يا سيد سعيد, تفضل أوصلك إلى غرفة رئيس مجلس الإدارة.
ضحك سعيد وقال للرجل :
- يا صديقي أنت قد خلطت بيني وبين شخص آخر, أنا مجرد شخص بسيط طالب وظيفة !!
سأله الرجل:
- ألست الأستاذ سعيد وحيد فريد؟ وعندك موعد الساعة الخامسة؟
اجاب سعيد :
- نعم أنا هو .
- اجاب الرجل مبتسماً:
- إذاً أنا لست مخطأ يا سيدى، وموعدك مع السيد رئيس مجلس الإدارة الذي أوصانا باستقبالك بحفاوة تليق بمقامك .
ذهب سعيد مع الموظف وهو مشدوه، فدخل إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة الفخم؛ وما أن عرف موظف الاستعلامات عنه حتى نهض جميع من في المكتب احتراماً له, لم يصدق سعيد ما يرى ولم يفهم ما الذي يحدث، وكان متيقناً أن هناك لبساً قد حصل، وسرعان ما سيدرك الجميع هذا اللبس، وسيطرد شر طردة فلو كان ابن وزير لما استقبل بهذه الحفاوة .
انتظر سعيد عدة دقائق ثم طلبت منه السكرتيرة الدخول فدخل إلى المكتب الفخم، ورأى رئيس مجلس الإدارة جالساً وما أن رآه الأخير حتى نهض عن كرسيه، وجاء إلى سعيد وأخذه بالأحضان وهو يقول:
- أهلاً بك, أهلاً بالعزيز الغالي, أهلاً بالحبيب.
تلعثم سعيد وقال :
- أشكرك يا سيدي على هذه الحفاوة، ولكن أغلب الظن أنك تحسبني شخصاً آخر، فأنا لم أتشرف بلقائك من قبل، ولم أرك سوى في الجرائد والمجلات.
ابتسم الرجل وذهب إلى درج مكتبه، واخرج صورة قديمة صغيرة؛ وأراها لسعيد الذي بهت لرؤيتها كأنه قد ضربته الصاعقة، فقال وهو يكاد يصرخ :
- هذه صورة المرحوم أبي! من أين لك بها هل كنت تعرفه؟
قال الرجل :
- المرحوم؟ هل مات هذا الرجل الطيب؟ رحمه الله وغفر له وجعل مثواه الجنة .
قال سعيد:
- ولكني لا أفهم.. فمن أين لأحد كبار أثرياء البلد أن يعرف أبي، وهو رجل متواضع جداً، عاش مستوراً حتى آخر يوم في حياته؟
قال الرجل :
- دعني أخبرك بالحكاية منذ البداية, فمنذ سنوات عديدة كنت ما زلت شاباً في مقتبل العمر، ولكني كنت مثلك دون واسطة ودون نقود, وفي أحد الأيام كنت أريد أن أتقدم بطلب وظيفة مثلما تفعل أنت الآن، ولكن المشكلة أني لم أمتلك أي نقود كي اذهب بها إلى المدينة التي تعرض الوظيفة، فجلست حائراً مهموماً في محطة الباصات، ولا أدري من أين أحصل على ثمن التذكرة, وكان يجلس إلى جانبي شاب آخر سألني عن سبب حزني فأخبرته بما يحدث معي، فمد يده في جيبه واخرج محفظته؛ واخرج منها كل ما فيها من نقود وأعطاني إياها, استغربت وأخبرته أني لا أستطيع قبولها، ولكن بعد إصراره الشديد أخذتها، وسألته كيف أردها له؟ فاخبرني أنه لا يريدها، ولكن إذا منّ الله علي فيجب أن اجعلها صدقة جارية ؛أن أساعد كل يوم شخصاً محتاجاً دون أعرف من هو..
فقلت له: أخبرني اسمك على الأقل؟ فقال لي: أن اسمه وحيد فريد ويلقبونه أصدقائه بأبي سعيد، وعندما تركته وذهبت؛ وجدت أنه نسي صورة له بين النقود، فاحتفظت بها ذكرى عن هذا الرجل الكريم, و مضيت إلى المدينة وتوظفت وترقيت وأسست شركتي الخاصة، وازدهرت أعمالي وبحثت عن والدك في كل مكان فلم أجده، وأقسمت أن أحفظ أمانته ما حييت.. ومن يومها وأنا أساعد كل يوم شخصاً لا اعرفه، فتارة اجلس في محطات الباص وتارة في المساجد، وتارة في المستشفيات، ويشهد الله أنه لم يمض يوم واحد إلا وقد ساعدت محتاجاً، وكلما شكرني قلت له عليك أن تشكر أبو سعيد، فلولاه لما كنت قادراً على مساعدتك.. فاعلم يا ولدي أنّ المرحوم أبوك شريك لي في كل خير عملته وكل صدقة أعطيتها .
دمعت عين سعيد وقال :
رحم الله والدي كان دوماً يحضني على مساعدة الآخرين، ويقول لي: يا ولدي ساعد خلق الله فيجزيك خالقهم عنك خير جزاء؛ في حياتك أو مماتك أو أولادك من بعدك، ولا تستخف بأي عمل خير مهما صغر فقد يغير حياة إنسان دون أن تدري .
نهض الثري وعيناه تدمع هو الاخر، وقال :
والله إني لم افحص طلب توظيف لأي أحد بنفسي منذ عشرين سنة، ولدي أشخاص معنيين بذلك؛ إلا أن هاتفاً دفعني أن اطلب من المدير كل ملفات التوظيف الجديدة، وأنا نفسي لا أدري لماذا, وأخذت أتفحصها واحداً واحداً، وما أن وقعت عيني على صورتك حتى عرفتك فوراً، فأنت صورة طبق الأصل عن المرحوم والدك، والحمد لله أني سأستطيع أن أرد جميله وفضله، واعلم أنك قد تعينت عندي وفي مكتبي الخاص، وسأحرص على أن اجعل منك إنساناً ناجحاً يفخر بك المرحوم والدك .
القصة حقيقية كما وصلتني.. د. يحيى الغوثاني