المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : والعصر، فما العصر



امـ حمد
13-02-2013, 03:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

(والعصر،إن الإنسان لفي خسرٍ)العصر،قال ابن عباس هو الدهر،وأن العصر هو الزمن،أو هو بعض الزمن،

والمعنى تتركز في ربط الوقت بالخسارة,وقد زاد النص القرآني،فلم يقل مثلاً ،إن الإنسان ليخسر،بل قال(لفي خسر)

وفي ذلك إشارة دقيقة لقيمة الوقت في حياة المسلم,وأن الخسارة في الحقيقة،هي الخسارة في وقت المسلم وساعات عمره,فالوقت

كفرسي رهان إن لم يغلبه هو غلبه الوقت,وويل للمسلم إذا غلبه الوقت،فإن دقيقة من العمر تمضي،لهي صحيفة من صحائف

الأعمال تطوى بما فيها طي السجل,وليس تفتح إلى يوم الدين,فانظر على ماذا طويت تلك الدقيقة،وقد وعى السلف هذه

القضية الدقيقة, فكان أحدهم لو يباع وقتٌ بالذهب ابتاعه بالذهب,لإيمانه أن الوقت أغلى في رصيد الآخرة من الذهب,

فكانوا كما قيل فيهم فرسان في النهار رهبان في الليل،وهذا داوود الطائي،كان يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز،فقيل له في

ذلك,فقال،بين مضغ الخبز،وشرب الفتيت قراءة خمسين آية،وأطال جماعة القعود عند معروف الكرخي,فقال،إن ملك

الشمس لا يفتر من سوقها أفما تريدون القيام،أولئك السلف فاطوِ صحيفتهم المشرقة،ترى العجب من واقع المسلمين

اليوم,أمة علّـمها كتاب ربها وسنة نبيها،أن الوقت أثمن ما يملكه الإنسان في هذه الحياة, فإذا هم وأزهد ما لديهم

الوقت,وأهون ما عندهم ساعات العمر,ولو تنبه المسلمون كبيرة لا تقل عن السرقة والزنا وشهادة الزور, فهم اليوم ينفقون

الساعات الطوال من عمرهم على التافه،مما هو من سقط المتاع أو مما هو دون ذلك, ياحر القلوب على أعمارٍ تذهب هباء,

كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف،فهذا مسلم أدمن جلوس المقهى وما أكثرهم اليوم،يقعد منه مقعداً للسمع واللهو,يبدد

ساعات عمره،لا يزيد فيها على البطالة والعبث الضائع,فإن كلّ وملّ ترك جلساءه وراح يقلب النظر في المارة على حيد

الطريق,وألقى حبل الخاطر على غاربه فسرح يهيم في كل فجٍ وواد,ولو تنبه،أحوج للدقيقة من عمره يبذلها لها, فأين هو،أين

هو من فقه(والعصر،إن الإنسان لفي خسرٍ)فأقسم تعالى،بذلك على أن الإنسان لفي خسر،أي،في خسارة وهلاك(إلا الذين آمنوا

وعملوا الصالحات )فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم،وعملوا الصالحات بجوارحهم(وتواصوا

بالحق)وهو أداء الطاعات،وترك المحرمات(وتواصوا بالصبر ) على المصائب والأقدار،وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف

وينهونه عن المنكر،انظر لبعض من المسلمين,يسمرون ليلهم وليس إلا اللهو التافه،والعبث الفارغ,يضيعون ساعات عمرهم حتى العشاء بل أدنى من ثلثي الليل ونصفه,وي كأنهم فرغوا من أمر الآخرة واتخذوا عند

الرحمن عهداً أن لهم الجنة,فراحوا يحرقون أعمارهم في اللهو واللعب،وما بينهم وبين الجنة إلا أن يموتوا،أولئك لا تراهم إلا

عالة على الأمة,لا يكونون من معدنها إلا كالصدأ يخرج من الحديد،حيث تذهب أعمار المسلمين هباء تذروه الساعات,وحيث

اللغو الفارغ واللغط الحرام,ومتى كان لدى المسلم فيض من وقته,وزيادة في ساعات عمره ينفقها ثمّ غير مأسوف عليها،إن

دل ذلك على شيء،إنما يدل على ابتعاد المسلمين عن روح الدين وجوهره,وإلا فالمسلم حق إسلامٍ ،مؤمن في قرارة نفسه أن

أنفاسه بله ساعاته محسوبة عليه في الدنيا ومسئول عنها في الآخرة،إن الإسلام لا يعرف ما يسمى اليوم بالفراغ,فراغ الوقت

الذي يصيب المرء أول ما يصيبه بتفاهة المضمون,ذاك أن وقت المسلم ممتلئ كله إما بشأن من الدنيا أو بأمر الآخرة,وليس بين

شأن الدنيا والآخرة متنفس لساعة أو بضع ساعة،إن فراغ الوقت الذي يعيشه المسلم اليوم,شيء غريب على الحس

الإسلامي الأصيل,وعلى المجتمع المسلم,فالإسلام كله جدّ وكله حركة وسعي,ليس فيه فائض من الساعات ملؤها الملل والسآمة

والضجر,يحار المسلم كيف ينفقها,فيلجأ إلى اللهو والعبث أو الـبطالة الفارغة,ليس في الإسلام ذلك وما ينبغي أن يكون

ذلك،إن خسارة ساعة من عمر مسلم،لهي خسارة لا في رصيده هو فحسب,بل خسارة في رصيد الأمة،علم ذلك من علمه،وجهله

من جهله,ذاك وهي ساعة,فكيف إذا كانت خسارة ساعات العمر هي الطابع العام للمجتمع المسلم،والأمة إن لا تنهض بأبناءها

لن تنهض بغيرهم,وكيف يكن المسلمون تكن طبيعة الأمة,فإن كان المسلم مضياعاً لعمره متلافاً لساعاته،فأمته على ذلك
ضائعة،أو هي صائرة إلى ضياع،فكلما كثرت ساعات الأمة بالحركة والسعي والجدّ،كلما قويت الأمة وحفظت بنيانها،وكلما

أخلدت الأمة إلى اللهو والبطالة والعبث,وتبديد العمر بغير نفع،كلما كانت أوهى بنياناً وأضعف أساساً،كهيئتها اليوم,إن

ساعات عمرك أثمن ما تملك أنت وأثمن ما تملك أمتك,فلا تمر بك ساعة إلا وقد أودعتها من الخير والنفع،ما يعود على أمتك

في الدنيا نهضة وبنياناً,ويعود عليك في الآخرة مغفرة من الله ورضواناً،‏‏وذلك لأن الإنسان مجبول علي الإيمان بالله تعالي،فإذا

وجد الهداية الربانية الصحيحة التي تصله بالإيمان الفطري في داخله‏,‏فهم حقيقة نفسه‏,‏وتعرف علي خالقه‏,‏وأدرك أبعاد رسالته

في هذه الحياة الدنيا‏،عبداً لله‏,‏يعبده،بما أمر‏,‏ويلتزم أوامره‏,‏ويجتنب نواهيه‏,‏ومستخلفاً صالحاً في الأرض يجتهد قدر

طاقته في عمارتها‏,‏ وإقامة شرع الله سبحانه وتعالي،وعدله فيها حتي يلقي ربه وهو راض عنه‏,‏فيحقق بذلك نجاحه في الدنيا

والآخرة‏,‏ولكن الإنسان إذا لم يصل بجهده إلي الدين الصحيح‏,‏أو أن ينتكس بالتنكر لخالقه‏,‏وللفطرة السليمة التي فطره الله

عليها‏,‏فيرفض فكرة التدين رفضاً كاملاً كأغلب الضالين،وكلا الموقفين خاطئ تماماً،لأنه سيجعل صاحبه يعيش في الدنيا

عيشة التعساء‏,‏ ويموت ميتة الخاسرين‏,‏ثم يبعث في الآخرة مع الأشقياء من أهل النار‏,‏وذلك هو الخسران المبين‏,‏فالحمد لله علي

نعمة القرآن‏,‏ونعمة الإسلام‏,‏والحمد لله علي بعثة خير الأنام الذي بعثه الله تعالي،بالدين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون‏.