المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدنيا مقبلة ومدبرة



امـ حمد
26-02-2013, 04:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الله جل وعلا،في وصف الدنيا(إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار)غافر،وحذر سبحانه،من فتنة الأموال والأولاد،فقال تعالى(واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم)الأنفال،ونهى جل وعلا عن النظر إلى ما في أيدي الناس(ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم


زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه)طه،وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم،نظرته إلى الدنيا بقوله(مالي وللدنيا،إنما مثلي ومثل الدنيا،كمثل راكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها)رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني،ولكثرة مشاغل الدنيا وأعمال الحياة حث عليه الصلاة والسلام،على


الاستعداد ليوم الرحيل والتزود للدار الآخرة،فقال(كن في الدنيا،كأنك غريب أو عابر سبيل)رواه البخاري،ومن رأى تهافت الناس على الدنيا وانكبابهم على جمع حطامها من حلال وحرام، تذكر قوله صلى الله عليه وسلم(إذا رأيت الله،عز وجل،يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج)رواه


أحمد والبيهقي،ومن تعلق بالدنيا الزائفة،وجرى في اللهث وراء المادة، فإن ذلك ربما يصرفه عن الطاعة، والعبادة، وعن تأدية الواجبات في وقتها،قال صلى الله عليه وسلم(اقتربت الساعة،ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً،ولا يزدادون من الله إلا بعداً) رواه الحاكم،أما جمع الدنيا بحلال وصرفه في حلال


فهذه،عبادة يتقرب بها إلى الله جل وعلا،أما إذا كانت من حرام، أو وضعت في حرام،فبئست الزاد إلى النار،قال عون بن عبد الله،الدنيا والآخرة في القلب،ككفتي الميزان،ما ترجح أحدهما تخف الأخرى،وقيل للحسن،يا أبا سعيد،من أشد الناس صراخاً يوم القيامة،فقال،رجل رزق نعمة؛ فاستعان بها على


معصية الله،ولا شك أن من استعان على الدنيا بالطاعة،فإنه في خير عظيم،يتصدق،وينفق، ويساهم في نشر العلم وبناء المساجد،وهذه نعمة من الله له أن وجهه لاستعمال هذا المال فيما ينفعه في آخرته،والدنيا مقبلة ومدبرة،فمن غنى إلى فقر،ومن فرح إلى ترح، لا تبقى على حال، ولا تستمر على منوال،فهذه


سنة الله في خلقه،والناس يجرون خلف سراب،سنوات معدودة وأيام معلومة،ثم تنقضي،قال عمر بن الخطاب، الزهد في الدنيا،راحة القلب والبدن،وقال الحسن،أدركت أقوامًا لا يفرحون بشيء من الدنيا أتوه،ولا يأسفون على شيء منها فاتهم،وقال الإمام أحمد،الزهد في الدنيا،قصر الأمل،والمؤمن لا ينبغي له


أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً فيطمئن فيها،ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه فيها على جناح سفر،ذكر ذلك يحيى بن معاذ فقال،كيف لا أحب دنيا، قدر لي فيها قوت،أكتسب به حياة، أدرك بها طاعة،أنال بها الجنة،هذا هو من يغبط في هذه الدنيا،لا أصحاب الدور والقصور،المفرطون في العبادات،والمضيعون للطاعات،وقال عبد الله بن عمر، إن الدنيا،جنة

الكافر وسجن المؤمن،وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه،كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه، فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها،إن سهام الموت صوبت إليكم، فانظروها،وحبالة الأمل قد نصبت بين أيديكم، فاحذروها،وفتن الدنيا قد

حاطت بكم من كل جانب،فاتقوها،ولا تغتروا بما أنتم فيه من حسن الحال، فإنه إلى زوال،ومقيمة إلى ارتحال،وممتدة إلى تقلص واضمحلال،فمن تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر،عن أنس بن عياض

قال،رأيت صفوان بن سليم،ولو قيل له،غداً القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة،عجبت لحالنا،الدنيا مولية عنا، والآخرة مقبلة علينا،ونشتغل بالمدبرة،ونعرض عن المقبلة،كأننا لن نصل إليها،ولن نحط رحالنا فيها،

والناس تتصارع وتتكالب على هذه الدنيا،يفقد البعض دينه،وينسى الكثير أبناءه،انتشرت الأحقاد،وزرعت الضغائن،وعمت البغضاء،لنرى كيف نظر الفضيل إلى هذه الدنيا


بقوله،لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي من أكل الدينا،قال بلال بن سعد،ليذكرنا بمآلنا ومصيرنا،يا أهل التقى،إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما تنقلون من دار إلى دار،كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا،ومن الدنيا إلى


القبور،ومن القبور إلى الموقف،ومن الموقف إلى الخلود في جنة أو نار،ولذلك قال الحسن،إياكم وما شغل من الدنيا،فإن الدنيا كثيرة الاشتغال،لا يفتح رجل على نفسه باب شغل، إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب،وقال ابن


السماك،من جرعته الدنيا حلاوتها لميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها،إليكم هذه القصة،كان الرسول محمد صلي الله عليه وسلم،يجلس وسط اصحابه عندما دخل شاب يتيم الي الرسول يشكو اليه،قال الشاب(يارسول الله ،كنت


اقوم بعمل سور حول بستاني فقطع طريق البناء نخله هي لجاري،طلبت منه ان يتركها لي لكي يستقيم السور،فرفض ، طلبت منه ان يبيعني اياها فرفض )فطلب الرسول ان يأتوة بالجار،أتي الجار الي الرسول،وقص عليه الرسول شكوي


الشاب اليتيم،فصدق الرجل علي كلام الرسول صلي الله عليه وسلم،فسأله الرسول صلي الله عليه وسلم،ان يترك له النخله او يبيعها له فرفض الرجل،فأعاد الرسول صلي الله عليه وسلم قوله ( بع له النخله ولك نخله في الجنه يسير


الراكب في ظلها مائه عام )فذهل اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم،من العرض المغري جداً جداً،وما الذي تساويه نخله في الدنيا،مقابل نخله في الجنه،لكن الرجل رفض مرة اخري طمعاً في متاع الدنيا،فتدخل أحد اصحاب الرسول


ويدعي ابا الدحداح،فقال للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم،أأن اشتريت تلك النخله وتركتها للشاب ألي نخله في الجنه يارسول الله،فأجاب الرسول صلي الله عليه وسلم نعم،فقال ابا الدحداح للرجل،أتعرف بستاني يا هذا،فقال الرجل،نعم،فمن


في المدينه لا يعرف بستان ابا الدحداح ذو الستمائه نخله،والقصر المنيف والبئر العذب والسور الشاهق حوله،
فكل تجار المدينه يطمعون في تمر ابا الدحداح من شده جودته،فقال ابا الدحداح،بعني نخلتك مقابل بستاني وقصري


وبئري وحائطي،فنظر الرجل الي الرسول صلي الله عليه وسلم،غير مصدق ما يسمعه،أيعقل ان يقايض ستمائه نخله من نخيل ابا الدحداح مقابل نخله واحده،فيا لها من صفقه ناجحه بكل المقاييس،فوافق الرجل،وأشهد الرسول الكريم صلي


الله عليه وسلم،والصحابه علي البيع،وتمت البيعه،فنظر ابا الدحداح الي رسول الله صلي الله عليه وسلم،سعيداً سائلاً(أ لي نخله في الجنه يارسول الله)فقال الرسول صلي الله عليه وسلم(لا ) فبهت ابا الدحداح من رد رسول الله،


فأستكمل الرسول صلي الله عليه وسلم،قائلاً ما معناه (الله عرض نخله مقابل نخله في الجنه،وأنت زايدت علي كرم الله ببستانك كله ،ورد الله علي كرمك وهو الكريم،ذو الجود بأن جعل لك في الجنه بساتين من نخيل أعجز علي عدها من


كثرتها،وقال الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ( كم من مداح الي ابا الدحداح )( والمداح هنا،هي النخيل المثقله من كثرة التمر عليها )وظل الرسول صلي الله عليه وسلم يكرر جملته اكثر من مرة لدرجه ان الصحابه تعجبوا من كثرة


النخيل التي يصفها الرسول لأبا الدحداح،وتمني كل منهم لو كان ابا الدحداح،وعندما عاد الرجل الي امرأته،دعاها الي خارج المنزل وقال لها(لقد بعت البستان والقصر والبئر والحائط )فتهللت الزوجه من الخبر،فهي تعرف خبرة زوجها في


التجاره وشطارته وسألت عن الثمن،فقال لها (لقد بعتها بنخله في الجنه يسير الراكب في ظلها مائه عام )فردت عليه متهلله(ربح البيع ابا الدحداح،ربح البيع )فما عندك زائل وما عند الله باق.