المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشهد الإحسان في سورة يوسف



امـ حمد
27-02-2013, 04:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشهد الإحسان في سورة يوسف

جاء في آخر سورة يوسف قول الله تعالى(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)أي،لأهل العقول الذين يتدبرون،ويتفكرون،

وينظرون في عواقب الأمور،والحديث سيكون حول عبرة عظيمة،ألا وهو مشهد الإحسان،الإحسان في معاملة الحق،

والإحسان في معاملة الخلق،ولا ريب أن الإحسان أعلى مرتبة من مراتب الدين كما في حديث جبريل عليه السلام،لما قال

للنبي،أخبرني عن الإسلام،وعن الإيمان،فأخبرهما عنهما، ولما قال أخبرني عن الإحسان،قال(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن

تراه فإنه يراك)والله تبارك وتعالى،يحب المحسنين،وأن يحسن الإنسان في كل عمل يقوم به، سواء في معاملته للخالق، أو في

معاملته للخلق،وفي هذه السورة يتجلى هذا المقام العظيم،لمقام الإحسان ألا وهو ما قام به نبي الله يوسف عليه السلام،حيث لزم

الإحسان في شتى شؤونه،في سرائه،وضرائه،وفي خاصة نفسه،ومع والديه،ومع إخوته،وفي حال الفتنة،وفي حال

الانتصار،وفي حال عبادته لربه تبارك وتعالى،قال الله عز وجل،في بداية السورة(نحن نقص عليك أحسن القصص)ومن

مظاهر الإحسان فيها أن يوسف عليه السلام،لـمَّا رأى تلك الرؤيا العظيمة أحسن في عرضها،وأحسن في اختيار من يعرضها

عليه،حيث عرضها على والده الذي أوتي النبوة،والحكمة،ولا ريب أن الوالد هو الشفيق على ولده،حيث يتمنى له الخير،

ويأمل أن يكون أحسن الناس،فلم يعرض يوسف الرؤيا على أحدٍ غير والده،ولما عرضها عليه،وأنس والدُه أن هذه الرؤيا

حق،وأنها عظيمة،أوصاه بألا يقص هذه الرؤيا على إخوته،
قال يعقوب عليه السلام(لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا

لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين)يوسف،وناط ذلك بالشيطان،ولم يقل،إن في إخوتك شراً،فيكون ذلك موغراً لصدر

يوسف عليهم،وإنما قال،الشيطان،فالشيطان ينزغ بين الناس عموماً،وينزغ بين الإخوة،فما كان من يوسف عليه السلام،إلا أن

أحسن في استماع هذه الوصية،ولم يخبر بهذه الرؤيا،ثم حصل ليوسف ما حصل عندما حسده إخوته،وألقوه في غيابة الجب، ثم

لما أخرج من غيابة الجب، وشُري بثمن بخس دراهم معدودة،وحصلت له تلك الفتنة العظيمة، وذلك لما راودته امرأة

العزيز،فماذا كان منه،لقد واصل إحسانه،فقال(معاذ اللَّه)فأحسن عندما استعاذ بالله تبارك وتعالى،بقوله(إنه ربي أحسن مثواي)

ويقصد بربه ههنا،سيده الذي هو زوجها،ففيه إحسان في معاملة الخالق، ومعاملة المخلوق، ومقابلة الحسنة بالحسنة،فقال،لا

يليق بي أن أخون من أحسن مثواي،إنما يليق بي أن أفي معه غاية الوفاء،وألا أستسلم لهذه الفتنة العظيمة،ثم أحسن لما ألفيا

سيدها لدى الباب،وذلك لما جاء العزيز،زوج المرأة،ورأى هذا المشهد أمامه،فأرادت هذه المرأة أن تدفع عن نفسها

التهمة،وقالت(ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم) فماذا قال يوسف عليه السلام،لقد أحسن في الرد،ولم

يظلم،ولم يتجاوز،ولم يقل،هذه المرأة فيها وفيها،وكيف يليق بك أيها العزيز أن تجعلها زوجة لك،لا، إنما أجاب بما يناسب هذا

المقام،حيث قال(هي راودتني عن نفسي)ولما حضر النسوة اللاتي شمتن بامرأة العزيز،فلما أعتدت لهن متكأً،وقالت،اخرج

عليهن،أكبرنه لما رأينه، أكبرن جماله الحسي الظاهر،وبهرهن أكثر من ذلك جمالُه المعنوي الباطن،وما كان عليه من العفَّة

التي ينطوي عليها،فجمال الباطن أعظم من جمال الظاهر،قال الله عز وجل(فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش للَه ما هذا

بشراً إن هذا إلا ملك كريم)وقد كان سائداً عندهم أن الملائكة على درجة عالية من الطهر،والقداسة،والعفة فشبهنه

بالملك،ولما حصل ذلك كله،ماذا كان من يوسف عليه السلام،لقد أحسن في هذا المقام،حيث لم يطش تيهاً،ولم يتعاظم كبراً

وزهواً،وإنما لزم التواضع والسكينة،ولما دخل يوسف السجن أحسن في معاملة من في السجن، ولهذا قال له صاحبا السجن

(إنا نراك من المحسنين)حيث رأوا من أخلاقه وحسن معاملته ما جعلهم يقولون ذلك،ثم لما عرضوا عليه الرؤيا لم يستنكف عن

الإجابة وتعبير الرؤيا،وقبل أن يجيبهم دعاهم لما هو أهم من الرؤيا،حيث دعاهم إلى توحيد الله،والبعد عن الشرك،ولما قال

(واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب)بين لهم أن هذه النعمة هي أعظم النعم،وبين أن الناس فيها إما شاكر،وإما

كفور،وهكذا أحسن في اغتنام الفرصة لما طلبوا منه التأويل، فأرشدهم هذا الإرشاد العظيم،وذلك لما أرسل إليه الملك حينما

رأى تلك الرؤيا العظيمة،وأراد أن تفسر له،وسأل الناس عن تلك الرؤيا التي رآها فأخبروه أنهم ليسوا من أهل التعبير،ثم تذكر

الفتى الذي هو صاحب السجن،الذي ما أوصاه به يوسف من أن يذكره عند ربه، فقال ذلك الفتى(أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون)فأتى

إلى يوسف عليه السلام،وأخبره برؤيا الملك فلم يقل يوسف،أريد أن أعبرها،وأشترط أن أخرج، لا،إنما هو محسن، حيث عبرها

لهم أحسن تعبير، ووقع ذلك التأويل موقع القبول لدى الملك، وطلب أن يؤتى بيوسف،ولما دعي يوسف إلى الملك،وجاء الأمر

بإخراجه،أحسن في تلقي الخبر،فلم تأخذه الدهشة من شدة الفرح فتخرجه عن رزانته،وتدبره للعواقب،بل أراد قبل ذلك أن تستبين

براءته، فقال لصاحبه(ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن)فلم يزد في عرض القضية،وإنما ختم ذلك

بقوله(إن ربي بكيدهن عليم) فما اتهمهن بتهم تزيد على الحد،وإنما قال،اسألهن عن تلك المكيدة التي عملنها بي،وأحسن

كذلك لإخوته لما قالوا،إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل،ولو كان غير يوسف، لربما قال،أنتم ماذا فعلتم،وماذا صنعتم،ولكن

يوسف أسرها في نفسه،ولم يبدها لهم،بل قال في نفسه(أنتم شر مكاناً)ولما أتوه أذلة صاغرين لم يقرعهم،ويمكر عليهم،بل قال

(لا تثريب عليكم اليوم)أي،أن هذه صفحة طويت،وناطها بالشيطان، فقال(اليوم يغفر اللَه لكم)فزاد على العفو بالدعاء،

وهذا غاية ما يكون في الصفح،والإحسان،ولهذا قال الله تعالى(وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب

برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين)فالله عز وجل،لا يضيع أجر من أحسن عملاً،فكم من الناس من يحسن إلى الناس

أو يحسن إلى والديه، أو يحسن إلى أولاده،أو يحسن إلى أصدقائه، ثم يقول،ما قوبلت إلا بالكنود والجحود،ولم يعترف

أحد لي بفضل، يقال له،ليس الأمر كذلك،فالله سبحانه وتعالى،مطلع عليك،ولن يضيعك في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا قال

يوسف في آخر القصة(إنه من يتق ويصبر فإن اللَه لا يضيع أجر المحسنين) فإذا اجتمعت التقوى مع الصبر،تقوى الله عز

وجل،والصبر على الناس خصوصاً فيما يلقاه الإنسان من أذى،فإن الله لا يضيع من كان كذلك لا في الدنيا ولا في الآخرة.

عضوو
27-02-2013, 10:43 AM
موضوع مفيد جدا جدا بارك فيك ياختنا الكريمه

امـ حمد
27-02-2013, 04:03 PM
موضوع مفيد جدا جدا بارك فيك ياختنا الكريمه

وبارك الله في حسناتك عضوو
وجزاك ربي جنة الفردوس