المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجاء القبول مع الخوف



امـ حمد
02-03-2013, 05:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رجاء القبول مع الخوف
من الأمور المهمة في العبادة وتربية النفس عليها، رجاء القبول مع الخوف من الرد، فإن بعض الناس إذا عملوا أعمالاً

وعبادات أصيبوا بنوع من الغرور أو الاغترار بالعبادة، وشعروا أن فيهم صلاحاً عظيماً، وأنهم صاروا من أولياء الله، ولكن المسلم

يخشى ألا تقبل عباداته،والمؤمن يجب أن يعيش بين الخوف والرجاء، مهما كثرت العبادة يخشى على نفسه لربما وقع في

عجب أذهب أجره، أو وقع في شيء من الرياء أو الاغترار،ومن صفات المؤمنين،احتقار النفس أمام الواجب من حق الله،كله

عبادات متواصلة في مرضاة الله عز وجل،وحق الله يرى أن ما عمله طيلة حياته من يوم ولد إلى يوم يموت،يراه لا شيء بجانب

حق الله،

وبعد كل طاعة وعبادة سواءً كانت عمرة،حج،صيام،صلاة، صدقة،وبعد كل طاعة نردد أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه

(أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك)
ولقد قال عليّ رضي الله عنه(لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا

للقَبول)قال تعالى(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)المائدة،لا تكن مثل بعض المسلمين،الذين ليسوا حريصين على قبول طاعاتهم ، فإن

التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول،وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال

ترد على صاحبها لأسباب كثيرة،كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول ،فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله ، وليعمل على الثبات

على الاستمرار عليها ، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه،العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى،ما هي علامات المقبولين،عدم الرجوع

إلى الذنب بعد الطاعة،فإن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخسران,استعن بالله واعزم على عدم العودة،والوجل من عدم

قبول العمل،فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا،قال عز وجل(وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)لقمان،وقال

تعالى(إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)الزمر،والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات،

والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة،رضي الله

عنها،قالت،سألت رسول الله،صلى الله عليه وسلم،عن هذه الآية(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)المؤمنون،أهم الذين

يشربون الخمر ويسرقون،قال(لا يا ابنة الصديق،ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون،وهم يخافون أن لا يقبل منهم،

أولئك الذين يسارعون في الخيرات)فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات،فإنه لا يركن إلى جهده،ولا يدل بها على

ربه،ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف

الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه،والتوفيق إلى أعمال صالحة بعدها،إن علامة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها،

وإن من علامات قبول الحسنة،فعل الحسنة بعدها،وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله،أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص

فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى،ليزيده منه قرباً،فالعمل الصالح شجرة طيبة،تحتاج إلى سقاية ورعاية،حتى تنمو

وتثبت،وتؤتي ثمارها،وأن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها،ونزيد عليها شيئاً فشيئاً،وهذه هي الاستقامة،

استصغار العمل وعدم العجب والغرور به،إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة,فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من

النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك

كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم،

ويكسلوا عن الأعمال الصالحة،ومما يعين على استصغار العمل، معرفة الله تعالى،ورؤية نعمه،وتذكر الذنوب والتقصير،

ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى( يا أيها المدثر،قم فأنذر،وربك فكبر،وثيابك

فطهر،والرجز فاهجر،ولاتمنن تستكثر)فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري،لاتمنن بعملك على ربك تستكثره،قال الإمام ابن

القيم(كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس،وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك
الحق، ولو جئت بعمل الثقلين،خشيت عاقبته،وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله،ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله،مدارج

السالكين،وحب الطاعة،وكره المعصية،من علامات القبول ،أن يحبب الله في قلبك الطاعة ,فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال

تعالى(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )الرعد،وأن تكره المعصية والقرب منها وتدعو الله أن

يُبعدك عنها قائلاً(اللهم حبب إليَّ الإيمان وزينه في قلبي وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين)والرجاء وكثرة

الدعاء،إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف

يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته،ورجاء قبول العمل،مع الخوف من رده يورث

الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى،فيزيد إيمانه،وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله، فإنه وحده

القادر على ذلك،وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام،في بنائهم الكعبة فقال(وَإِذْ يَرْفَعُ

إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)البقرة،التيسير للطاعة والإبعاد عن المعصية،سبحان الله إذا

قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان ,بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها،قال تعالى(فَأَمَّا مَن أَعْطَى

وَاتَّقَى،وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى،وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى،وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)الليل،وحب الصالحين

وبغض أهل المعاصي،بأن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين،أهل الطاعة،ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي،و لقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال(إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله)والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا،

وفعلنا وتركنا لله،سبحانه وتعالى،لا شريك له، ممتثلين قوله، صلى الله عليه وسلم(من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله،

فقد استكمل الإيمان)رواه أحمد،وكثرة الاستغفار،المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد بالاستغفار،فإنه

مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير،فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى(ثُمَّ أَفِيضُواْ

مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)البقرة،
وبعد الصلاة،علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله ثلاثاً

،وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم يختمون ذلك بالاستغفار في الأسحار،قال تعالى(وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )الذاريات،وأوصى

الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقول (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)محمد،فكان يقول صلى الله

عليه وسلم،في ركوعه وسجوده( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)رواه البخاري،والمداومة على الأعمال

الصالحة،كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم،المداومة على الأعمال الصالحة،فعن عائشة،رضي الله عنها،قالت(كان رسول الله

صلى الله عليه وسلم،إذا عمل عملاً أثبته)رواه مسلم،وأحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى

الله عليه وسلم(أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)متفق عليه،وبشرى لمن داوم على عمل صالح،ثم انقطع عنه بسبب

مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل

مقيماً صحيحاً) رواه البخاري،وهذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها،وقال صلى

الله عليه وسلم،ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته،وكان نومه صدقة عليه)أخرجه النسائي.


أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار.