المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يا من عمرت الدنيا وخربت الآخرة



امـ حمد
06-03-2013, 06:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة وبركاته

يا من عمرت الدنيا وخربت الآخرة

نقِف اليوم مع التي تُلهِي الإنسان وتشغَله عن طاعة الله تعالى،مع التي تضرُّ بدين المسلم كضرر الذئب


الضاري على الغنم،مع التي تؤدِّي إلى الهلاك وإراقة الدماء، مع الدنيا الفانية، مع التي قال تعالى عنها(وَمَا


هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)العنكبوت،وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ


الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ


شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)الكهف،مع الدنيا التي قال عنها نبينا الكريم،صلى الله عليه وسلم،يومًا لأصحابه(فَوالله مَا


الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ،وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ،فَتَنَافَسُوهَا كَمَا


تَنَافَسُوهَا،فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ)متفقٌ عَلَيْهِ،وقال،صلى الله عليه وسلم(لو كانت الدنيا تعدِل عند الله جناح


بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء)رواه الترمذى،يا ترى لماذا أصبحنا نحب الدنيا ونكره الموت،العارف بالله


أبي حازم،عندما استدعاه أمير المؤمنين سليمان بن عبدالملك أحد أمراء الدولة الأموية،فعندما دخل العالم


على الأمير،وجَّه الأمير إليه هذا السؤال،يا أبا حازم، لماذا أصبحنا نحب الدنيا ونكره الموت،واسمعوا إلى


إجابة هذا الإمام التي لو أُلقِيت على جبلٍ أشمَّ، لتحرك الجبل من مكانه، قال،يا سليمان، لأنكم عمَّرتم الدنيا


وخرَّبتم الآخرة،ومحال أن يحب الإنسان الخروج من العمار إلى الخراب،كيف لا يحب الدنيا من عمَّرها،وكيف


يحب الآخرة من خربها،يا من عمرت دنياك الفانية وخربت الآخرة الباقية،


أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا نَضَارَةُ أَيْكَةٍ*** إِذَا اخْضَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ
هِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إلاَّ فَجائِعٌ*** عَليْها، وَلاَ اللَّذَّاتُ إلاَّ مَصَائِبُ
فَلاَ تَكْتَحِلْ عَيْنَاكَ فِيهَا بِعَبْرَةٍ*** عَلَى ذَاهِبٍ مِنْهَا فَإِنَّكَ ذاهِبُ


كان علي بن أبي طالب،رضي الله عنه،يقول،إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة،وإن الآخرة قد ارتحلت مقبِلة، ولكل


منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة،ولا تكونوا من أبناء الدنيا،فإن اليوم عمل ولا حساب،وغداً حساب ولا


عمل،كم من الناس نراهم يتراكضون لطلب الدنيا مسرعين،مخافة أن تفوتهم،ولكن نراهم يتأخرون عن


حضور المساجد لأداء الصلوات الخمس التي هي عمود الدين،ونرى من شباب المسلمين من يتسابقون إلى


ملاعب الكرة،ومقاهي الانترنت،والألعاب الإلكترونية،ويدفعون الأموال في سبيلها،وربما قضوا


الساعات الطويلة،وكل ذلك في سبيل اللهو والغفلة، ولكن إذا دُعوا إلى حضور الصلوات في المساجد بـ


(حي على الصلاة، حي على الفلاح)أعرضوا عن داعي الفلاح(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ


يَسْتَطِيعُونَ،خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)القلم،قال سعيد بن


المسيب،في معنى هذه الآية،كانوا يسمعون (حيَّ على الصلاة،حيَّ على الفلاح)فلا يجيبون وهم أصحاء


سالمون،وقال كعب الأحبار،والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعة،إن كثيراً من الناس


أصبح يصبر على تحمل المشاق في طلب الدنيا ولا يصبر على أدنى مشقة في طاعة الله،ونراهم يغضبون


إذا انتُقص شيء من دنياهم، ولا يغضبون إذا انتُقص شيءٌ من دينهم،وكثيرٌ من الناس،لشدة حبه للدنيا،لا


يقنع بما أباح الله له من المكاسب، فتجده يتعامل بالمعاملات المحرَّمة والمكاسب الخبيثة،من


الربا،والرشوة،والغش في البيع والشراء،بل يفجُر في خصومته،أو يقيم شهادة الزور،ليستولي على مال غيره


بغير حقٍّ،وهو يسمع قول الله تعالى(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)البقرة،وقوله تعالى


(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ البقرة،لقد استولى حبُّ الدنيا على القلوب فآثرتها على


الآخرة، فبعضهم شغلته الدنيا عن الصلاة،وإذا صلى فربما لا يصليها مع الجماعة،وحتى في أثناء صلاته تجد


قلبه منصرفًا عن صلاته إلى الدنيا، يفكِّر فيها، ويعدُّ أمواله،ويتفقَّد حساباته،وكثير من الناس حملهم حبُّ


الدنيا وإيثارها على الآخرة على البُخل والشُّح بالنفقات الواجبة والمستحبَّة حتى بَخِل بالزكاة التي هي رُكن من


أركان الإسلام،قال رجل، آه عليَّ، عمرتُ دنياي، وخرَّبتُ أخراي، وعصيتُ مولاي، ثم لا أشتهي النقلة من العمران إلى الخراب،وأنشد،


مَنَازِلُ دُنْيَاكَ شَيَّدْتَهَا*** وخَرَّبْتَ دَارَكَ فِي الآخِرَهْ
فَأَصْبَحْتَ تَكْرَهُهَا لِلخَرَابِ*** وَتَرْغَبُ فِي دَارِكَ العَامِرَه


اعمل فإن العمل الحلال والكسب الحلال والنفقة الحلال عبادةٌ يتقرَّب بها العبد إلى الله، ولكن بشرط أن تكون


الدنيا في الأيدي ولا تكون في القلوب، وشعارنا كما قال الإمام علي،اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً،واعمل لآخرتك


كأنك تموت غداً،فأين المسافرون بقلوبهم إلى الله،أين المشمِّرون إلى المنازل الرفيعة والدرجات العالية،أين عشاق الجنان وطُلاب الآخرة،اللهم إجعلنا منهم،


اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر،اللهم اّمين.