المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من حق صاحب البيت أن يقول للزائر إرجع



امـ حمد
14-03-2013, 05:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال تعالى﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾

النور،لقد جعل الله البيوت سكناً يأوي إليها أهلها،تطمئن فيها نفوسهم ويأمنون على حرماتهم،يستترون بها مما يؤذي الأعراض والنفوس،لا يستباح حماها إلا بإذن أهلها،في الأوقات التي يريدون،إن اقتحام البيوت من غير استئذان،هتك لتلك

الحرمات،وتطلع على العورات،وقد يفضي إلى ما يثير الفتن،أو يهيئ الفرص لغوايات تنشأ من نظرات عابرة،تتبعها نظرات مريبة،تنقلب إلى علاقات آثمة،واستطالات محرمة،وفي الاستئذان وآدابه ما يدفع هاجس الريبة،والمقاصد السيئة،إن كل

امرئ في بيته قد يكون على حالة خاصة،أو أحاديث سرية،أو شؤون بيتية،فيفاجأه قريباً كان أو غريباً،داخل عليه من غير إذن،وصاحب البيت مستغرق في حديثه،أو مطرق في تفكيره،فيزعجه هذا أو يخجله، فينكسر نظره حياءً،ويتغيظ سخطاً

وتبرماً،ولقد يقصِّر في أدب الاستئذان بعض الأجلاف ممن لا يهمه إلا قضاء حاجته، وتعجُّل مراده، بينما يكون دخوله محرجاً للمزور مثقلاً عليه،وما كانت آداب الاستئذان وأحكامه إلا من أجل ألا يفرِّط الناس فيه أو في بعضه،معولين على

أوهامهم في عدم المؤاخذة،أو رفع الكلفة،تأملوا قوله سبحانه﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾النور،إنه استئذان في استئناس،يعبر عن اللطف الذي يجب أن يكون عليه الزائر أو الطارق مراعاةً لأحوال النفوس وتهيؤاتها،وإدراكاً لظروف الساكنين في

بيوتاتهم وعوراتهم،أدبٌ رفيع يتحلى به الراغب في الدخول لكي يطلب إذناً لا يكون معه استيحاش من رب المنزل، بل بشاشة وحسن استقبال،ينبغي أن يكون الزائر والمزور متوافقين مستأنسين،فذلك عون على تأكيد روابط الأخوة،ولقد

بسطت السنة المطهرة هذا الأدب العالي،وازدان بسيرة السلف الصالح تطبيقاً وتبييناً،فكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن،أو الأيسر، ويقول(السلام عليكم،السلام

عليكم)رواه البخاري وأبوداود وصححه الألباني،وقف سعد بن عبادة مقابل الباب فأمره النبي،صلى الله عليه وسلم،أن يتباعد،وقال له(وهل الاستئذان إلا من أجل النظر)رواه

الطبراني،والمستأذن،يستأذن ثلاث مرات،فإن أُذن له وإلا رجع،وقد قيل،إن أهل البيت بالأولى يستنصتون،وبالثانية يستصلحون،وبالثالثة يأذنون أو يردُّون،

ويقول في استئذانه،السلام عليكم،أأدخل،فقد استأذن رجل على النبي وهو في بيته(فقال،أألج،فقال النبي لخادمه،اخرج إلى هذا،فعلِّمه الاستئذان فقل

له،قل،السلام عليكم،أأدخل،فسمعه الرجل،فقال،السلام عليكم،أأدخل،فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل)[رواه أحمد وأبو داود،وله أن يستأذن بنداءٍ أو قرع أو نحنحة أو نحو ذلك،تقول زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما(كان

عبد الله إذا دخل تنحنح وصوَّت)ويقول الإمام أحمد(يستحب أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته،لئلا يدخل بغتة،وقال مرةً،إذا دخل يتنحنح) ومن الأدب أن الطارق إذا سئل عن اسمه فليبينه،وليذكر ما يُعرف به،ولا يجيب بما فيه

غموضٌ أو لبسٌ،يقول جابر رضي الله عنه(أتيت إلى النبي،صلى الله عليه وسلم،في دين كان على أبي،فدققت الباب،فقال،من ذا،فقلت،أنا،فقال النبي،أنا أنا،كأنه كرهها)رواه البخاري ومسلم،وإذا قرع الباب فليكن برفق ولين من غير إزعاج أو إيذاء

ولا ازدياد في الإصرار،ولا يفتح الباب بنفسه وإذا أذن له في الدخول فليتريث،ولا يستعجل في الدخول،ريثما يتمكن صاحب البيت من فسح الطريق وتمام التهيؤ،ولا يرم ببصره هنا وهناك،فما جعل الاستئذان إلا من أجل النظر،والاستئذان حقٌّ على

كل داخل من قريب و بعيد من الرجل والمرأة،عن عطاء بن يسار(أن رسول الله،صلى الله عليه وسلم،سأله رجل فقال،يا رسول الله،أأستأذن على أمي،فقال،نعم،قال الرجل،إني معها في البيت،فقال رسول الله،صلى الله عليه وسلم،استأذن

عليها،فقال الرجل،إني خادمها،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم،استأذن عليها،أتحب أن تراها عريانة،قال،لا،قال،فاستأذن عليها)رواه مالك بإسناد جيد،ويقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه،إذا دخل أحدكم على

والدته فليستأذن،والأعمى يستأذن كالبصير،فلربما أدرك بسمعه ما لا يدركه البصير ببصره،عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام،وقد أخرجه الإمام البخاري في صحيحه،قال(ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو

يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة)رواه البخاري،والآنك هو الرصاص المذاب،وهناك أدب قرآني عظيم،لا يكاد يفقهه كثير من المسلمين،إنه قول الله عزَّ وجل﴿وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾النور،إن من حق صاحب البيت

أن يقول بلا غضاضة للزائر والطارق،إرجع،فللناس أسرارهم وأعذارهم،وهم أدرى بظروفهم، فما كان الاستئذان في البيوت إلا من أجل هذا،وعلى المستأذن أن يرجع من غير حرج، وحسبه أن ينال التزكية القرآنية،إن من الخير لك

ولصاحبك أيها الطارق،أن يَعتذر عن استقبالك بدلاً من الإذن على كراهية ومضض،ولو أخذ الناس أنفسهم بهذا الأدب، وتعاملوا بهذا الوضوح،لاجتنبوا كثيراً من سوء الظن في أنفسهم وإخوانهم،إن هذه التفاصيل الدقيقة في آداب الاستئذان

تؤكد فيما تؤكد حرمة البيوت،ولزوم حفظ أهلها من حرج المفاجآت،والمحافظة على ستر العورات،عورات كثيرة تعني كل ما لا يُرغب الاطلاع عليه من أحوال البدن، وصنوف الطعام واللباس وسائر المتاع، بل حتى عورات المشاعر والحالات

النفسية، حالات الخلاف الأسري، حالات البكاء والغضب والتوجع والأنين،كل ذلك مما لا يرغب الاطلاع عليه لا من الغريب ولا من القريب،إنها دقائق يحفظها ويسترها أدب الاستئذان.