المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولنا في وارن بوفيت نموذج كرم وتضحية وشهامة



صناعات قطر
14-07-2006, 10:54 AM
اعلن وارن بوفيت ثاني اغنى رجل في العالم في الخامس والعشرين من يونيو الماضي تبرعه بما يعادل 85 % من ثروته الطائلة التي تناهز 44 مليار دولار للاعمال الخيرية، وانه بدأ بتسليم تلك الاموال الى مؤسسة بيل غيتس الخيرية اعتبارا من مطلع شهر يوليو الجاري.
وتقول كارون لوميس المحررة الاقتصادية في مجلة فورتشن انه عندما دعا بوفيت الصحافيين لابلاغهم بما لم يكن احد يتوقعه، بدت عليه ملامح غير عادية. وقال وهو مقطب الحاجبين 'احبسوا انفاسكم'، وتحدث عن تغييرخطير في تفكيره وقال 'انه في خلال اشهر، سيبدا في التخلي عن ثروة شركة بيركشاير هاتاوي التي يملكها'، حيث تساوي في الوقت الحاضر اكثر من 40 مليار دولار.
وتضيف كارول 'لقد كانت هذه الانباء مفاجئة بحق، حيث ان بوفيت البالغ من العمر 75 عاما، ظل طيلة عقود يعلن ان ثروته قد تؤول الى الاعمال الخيرية، ولكنه كان واضحا في كل مرة ان ذلك الامر سيتم عقب وفاته'. اما الآن فان الجدول الزمني بالنسبة له قد تغير بشكل جذري. وقال 'انني اعلم ما انا مقدم عليه تماما، وان المضي في تنفيذه في هذا الوقت له معنى كبير'. وربما كان بوفيت يريد ان يعطي صورة عن نفسه: انه بوفيت النموذجي، العقلاني، الاصيل الذي يقدم القدوة كيف يمكن ان يكون تبرع الاغنياء باموالهم.
اضخم تبرع في التاريخ
ونظرا لضخامة تبرعه ولان قيمة هذا التبرع مرتبطة بالمستقبل، ولعدم معرفة سعر اسهم بيركشاير بالضبط في الوقت الحاضر، فانه ليست ثمة وسيلة لتحديد قيمة معينة بالدولار، غير ان اسهم الشركة التي سيتخلى عنها ذات قيمة تصل الى 31 مليار دولار. وستكون هذه العملية اضخم عملية تبرع لاعمال خيرية يشهدها التاريخ البشري. واذا كان بوفيت محقا في توقعاته بارتفاع سعر سهم الشركة، فان القيمة النهائية للتبرع ستزيد بكثير عما هي عليه الآن.
ترى اين نحن في العالم العربي والاسلامي من مثل هذه التبرعات. هذا الرجل الذي يتخلى عن السواد الاعظم من ثروته لمساعدة الاطفال الفقراء والمعدمين حول العالم، يؤمن بالضرورة ان الاموال التي آلت الى الاثرياء كان مصدرها شرائح المجتمع المختلفة، وان من حق هذه الشرائح ان تؤول اليها جوانب من هذه الثروات لتخفف عنها المعاناة والبؤس.
ماذا لو تبرع اثرياء العرب والمسلمين بجزء صغير من ملياراتهم؟، ولا نقول بنسبة 85 % منها كما فعل بوفيت، ان جانبا بسيطا من ثرواتهم كفيل باستئصال بعض بؤر الفقر والامية من المجتمعات البائسة.ولكن اميركا التي انجبت وارن بوفيت، انجبت آخرين ينتقدون قرار هذا الرجل الذي اختص الفقراء بمعظم ثروته، ومن هؤلاء المحرر الاقتصادي في صحيفة لوس انجلوس تايمز جوناثان تشيت، الذي يقول 'صحيح ان بوفيت حقق شهرة مدوية من خلال تبرعه هذا، ولكن كان بامكانه الحصول على مزيد من البريق والصخب الاعلامي لو تبرع بجانب من امواله لرجال اعمال ذوي توجهات وميول مجتمعية تعمل لخدمة الاهداف التي يريد بوفيت تحقيقها'، وكانما كان بوفيت يسعى الى الدعاية والصخب الاعلامي من اتخاذ هذا القرار.
تخفيف معاناة الاطفال
وفي مقال له تحت عنوان 'لماذا يتبرع بوفيت بمبلغ 31 مليار دولار لحفنة فقراء'؟ قال الكاتب المذكور في مقاله في صحيفة لوس انجلوس تايمز:
اعتقد انه لامر رائع حقا ان يقرر وارن بوفيت التبرع بمبلغ يجاوز ثلاثة ارباع ثروته الطائلة الى مؤسسة بيل غيتس الخيرية، التي ستقوم باستخدام هذه الاموال في محاربة الامراض في دول العالم الثالث وتأمين فرص العمل، ضمن امور اخرى، منها تخفيف معاناة الاطفال حول العالم وتحسين اوضاع المدارس التي يتلقون العلم فيها لتخليصهم من شبح الامية البغيض. ولذلك ارجو من القراء ألا يسيئوا فهمي عندما اقول انه بدلا من هذا السخاء العارم الذي اسبغه على الاطفال المحرومين والمعدمين والذين لا يجدون ما يقتاتون به، كان جديرا بوارن بوفيت ان يخصص شيئا من هذه الثروة الى القادة السياسيين المهرة وذوي البراعة في ادارة شؤون البلاد.
مجلس النواب يخفض الضرائب
ففي خطابه الذي اعلن من خلاله قراره المذكور، قال بوفيت 'انه غير متحمس للثروات التي تهبط على المرء عن طريق الارث'. ولسوء الحظ فاني انتهز هذه الفرصة التي اتيحت لي في هذه المساحة الضيقة لأشير الى ان الافراد الذين يديرون شؤون البزنس والانظمة العربية - على عكس بوفيت - متحمسون للثروات التي يتم توارثها من جيل الى جيل. فقد وافق مجلس النواب الاميركي في الآونة الاخيرة على قرار قد يكون من شأنه ان يخفض الضرائب المفروضة على الثروات التي تؤول الى مالكين جدد بطريق الارث، وهو ما يكلف خزينة الدولة 774 مليار دولار على مدى عشر سنوات.
ومن هنا فانه سيكون لمنحة بوفيت الخيرية اثر يقدر بواقع عشر واحد بالمائة 0.1 % من الميزانية الفيدرالية الاميركية - بالزيادة او النقصان. ولذلك فان منحته تعادل فقط كسرا بسيطا مما يمكن ان تخسره الميزانية من اتخاذ قرار بتخفيض معدلات ضرائب الولايات. ولا يعني هذا القول ان هذه المنحة ليست مهمة، ولكنها تظهر الى أي مدى يمكن مقارنة اثار الثروات الفردية بما يمكن ان تحدثه السياسات العامة في الدولة.
مؤمن بالالتزام الاجتماعي
وبالرغم من ان بوفيت قد لا يكون ليبراليا محبا للظهور، فإن من الواضح ايمانه القوي بفكرة ما تتعلق بالالتزام الاجتماعي ، وكما قال في حديثه 'ان الثروات الطائلة التي يتدفق جانب ضخم منها من جيوب افراد المجتمع الى خزائن الاثرياء يجب ان يتدفق جانب ضخم منها ايضا في الاتجاه المعاكس لصالح المجتمع'. وهذا هو الاساس لنظام الضرائب التصاعدية التي ترتفع معدلاتها بزيادة الثروات، كما انه المضاد الرئيسي لوجهة نظر المحافظين الذين يعتقدون - حسب التعبيرات الموروثة عنهم والمحببة الى قلوبهم - ان الثروات الخاصة 'تعود للاشخاص الذين جمعوها'.
استخدام الأموال بفعالية
والان اصبح المتحمسون لمؤسسة غيتس يشيرون الى ان هذه المؤسسة اكتشفت وسائل ذات فعالية عالية في استخدام اموالها، والتي بطبيعة الحال لا داعي للقول ان الحكومة الاميركية لا تقوم بها دائما. غير ان بعض البرامج الحكومية الخاصة تؤتي ثمارها. والى جانب ذلك فانه يمكن للمبادرات الخاصة ان تستخدم كنموذج لتقتبس منه الحكومة كيفية استخدامها لمواردها المالية على نحو اكثر كفاءة.
ومن الاشياء التي تقوم بها مؤسسة غيتس انها تتبنى الابحاث النزيهة المحايدة التي قد تعمل من خلالها بعض الوسائل وتؤتي الثمار المرجوة، في ما قد لا يعمل البعض الاخر. وهذا في حد ذاته يعتبر خطوة اولى عظيمة. ولكن لسوء الحظ فان واشنطن لا تكترث دائما بما هو صالح للتطبيق، حيث ان الرئيس والكونغرس يعيرون آذانا صاغية فقط لمناصري الشركات الكبرى اكثر من اصغائهم الى الباحثين المتعمقين في السياسات العامة.
ان المشكلة الرئيسية المؤلمة تتمثل في ان اصحاب الاعمال الاميركيين اصبحوا اكثر جشعا وحبا في جمع المال بالطرق كافة مع الانغلاق على انفسهم ومصالحهم على نطاق ضيق. ففي حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان قادة الاعمال ينظرون الى انفسهم كما يفعل وارن بوفيت في الوقت الحاضر: باعتبارنا قادة للمجتمع فاننا نتحمل بعض المسؤولية تجاه قاعدة المجتمع وجمهوره حسب المفهوم الاوسع. وقد تقبل هؤلاء، بل انهم اعتنقوا فكرة فرض قوانين وتنظيم ضرائب معقولة. وقد كتب احد المحررين الاقتصاديين في الستينات قائلا 'لقد اعتنق مجتمع الاعمال الاميركي اخيرا، وعلى نحو مفاجئ وغير متوقع، الفكرة القائلة بسياسة التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية داخل البلاد او في الشؤون السياسية للبلدان الاخرى.
انحسار أرباح الشركات
بدات ارباح الشركات منذ حقبة سبعينات القرن الماضي بالانحسار في ظل المنافسة العالمية المتزايدة، وبدا رجال الاعمال الاميركيون يتخوفون بفهم واضح من التطرف الذي كان رالف نادر ينادي به، والنظرة التعطشة لمناهضة مجتمع الاعمال. وهكذا فقد نمت الانشطة والاعمال على خلفية انغماسها في السياسة وباتت اهدافها ومقاصدها اكثر انانية وتركيزا على ذاتها ومصالحها. وبصورة اكثر تعبيرا، يمكن القول ان معظم ما نشاهده على الساحة السياسية الاميركية في الوقت الحاضر من اشتغال او انخراط رجال الاعمال في هذا الحقل انما هو نتيجة لجهود ترمي الى الحصول على اكبر قدر ممكن من المنافع من واشنطن، في الوقت الذي تحاول فيه تقليص ما تدفعه للحكومة بقدر ما تستطيع. ان افضل وصف لهذا الوضع هو ان قطاع الاعمال يخضغ لفكرة تستحوذ عليه تتمثل في التركيز على تحقيق نتائج ومنافع على المدى القصير، دون ايلاء مشاكل المجتمع ذي القاعدة الاعرض والتي تؤثر في الاعمال وفي كل فرد في المجتمع، أي اهتمام او انتباه.
اذن ماذا يحدث لو قرر وارن بوفيت ان يوجد مؤسسة تعمل على لم شمل نظرائه من الرؤساء التنفيذيين الذين يحملون مثله توجهات مجتمعية وحثهم على القيام بعمل مشترك؟ يمكن ان يكون الهدف من مثل هذه الخطوة تثقيف التنفيذيين وتنظيمهم للعمل على تبني مشاكل مثل تخفيض العجز في الميزانية العامة، او الاستثمار في العلوم والثقافة واصلاح انظمة العناية الصحية (ان تصاعد تكاليف العناية الصحية يمثل مشكلة كبرى بالنسبة لرجال الاعمال الاميركيين، غير ان ايا منهم لا يتحالف او يمد يده لواشنطن للتصدي لهذه المشكلة والبحث عن حلول لها).
ربما يكون القيام بحملة بارعة يتولاها اشخاص اذكياء وذوو قدرات عالية وتضع نصب اعينها خلق تحالف في اوساط رجال الاعمال يستهدف خدمة المجتمع بروح عالية، ربما تكون مثل هذه الحملة ذات اثار طيبة وتساعد كل محتاج في الوقت المناسب.
فلماذا يستأثر الاطفال الفقراء بكل تلك الاموال؟