المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ░▒▓██▓▒░ عندما مرت رياح ربيعنا على الهند القديمة!! ░▒▓██▓▒░



أبو عبدالعزيز
25-03-2013, 03:24 PM
السلام عليكم..
وأنا أطالع في بعض كتب تراثنا العربي؛ قرأت حكاية فيها الكثير مما يشابه الأحوال التي تمر به دول منطقتنا العربية، فدولة عظمى في ذلك الزمان (إمبراطورية فارس) تطمع في الاستيلاء على مقدرات إقليم من أقاليم الهند، فتشجع فيه نعرات الثورة والتمرد... تمهيدا لتنفيذ مخططاتها، ويبقى الحاكم محتارا هل يقمع أولئك المتمردين من شعبه، والمتعاطفين معهم أم كيف يفعل في ظل الأخطار المحدقة بدولته!!؟؟
تعالوا بنا ننظر كيف كانت آراء رجال دولته وخاصة وزرائه، وما القرار الذي اتخذه ذلك الملك الهندي، وكيف استطاع تحمل المخاطر، وامتصاص غضب شعبه، حتى انتصر في النهاية!! أعتقد من سيتأمل هذه الحكاية التاريخية فسيقف على الكثير من الفوائد والعبر، وإليكم إياها كما وردت، مع خالص التقدير


#################
يحكى أن كسرى أنو شروان وصفت له أرض من التخوم الهندية تقارب أقصى بلاده بحسن المنظر وطيب الهواء والماء وكثرة العمائر وحصانة المعاقل ووصف له أهل تلك الأرض بعظم الجسوم وبلادة الفهوم وشجاعة النفوس وقوة الأبدان والصبر على ملازمة الطاعة لملكهم ولين الانقياد فشرهت نفس كسرى إلى تملك تلك الأرض فسأل عن ملكها فأخبر أنه شاب منقاد لشهوته مقبل على لذته غير أن رعيته قد أشربت قلوبها وده وانصرفت آمالها إلى ما عنده قال فجمع كسرى وزراءه وأعلمهم أن نفسه تائقة إلى تملك تلك الأرض وعرفهم صفات ملكها وإقبال رعيته على طاعته ومحبته فاجتمع رأيهم على أن ينتدب لاستفساد رعيته رجالا يحسنون نصب الدعوات وقلب الدول فأحضر رجالا من دهاة الفرس ونساكهم وأمدهم بالأموال ونصب لهم مثالا يحذون عليه فنفذوا لما أمرهم به وتفرقوا في تلك المملكة وأعمل كل منهم قوته فيما انتدب فأحكموا أمرهم في عامين وبثوا الدعوة حتى استمالوا قلوب الرعية ثم كتبوا بذلك إلى كسرى فأحضر المرزبان الذي يلي تلك الأرض وأمره بالتجهيز إليها ثم أخذ ذلك المرزبان في الإعداد والحشد وكان عسكره خمسين ألف فارس سوى أتباعها فكتب إلى الملك الهندي عيونه يخبرونه بخروج المرزبان إليه ثم ظهر النفاق ببلاده وهمس الناس فيه فانتبه الملك من غفلته وبحث عن الأمر فوقف على حقيقته وكان امر مملكته يقوم على خمسة رجال أربعة منهم وزراؤه وجلساؤه وسماره والخامس هو مستشاره الخاص وكان حكيما عالما، فجمعهم الملك وأطلعهم على ما انتهى إليه من فساد الرعية وتجهيز جيوش أنو شروان إلى جهتهم وأمرهم في النظر في ذلك وإمعان الفكر فيه فجلسوا لإدارة الرأي.
#################
فقال أحد الوزراء الأربعة:
الرأي أن يستصلح الملك رعيته فيملأ أيديها رغبات وقلوبها آمالا فإن العدو إذا علم كان ذلك جريا عن الإقدام وإن أقدم لقيناه كلنا بكلمة مجتمعة وقلوب سليمة.
فقال له المستشار الحكيم:
هذا لو كان فساد الرعية أوجبه جور وعسف سيره فيزال حكم الفساد بإزاحة علته وأما فساد هؤلاء فإنما أورده عليهم الجهل بمواقع الصواب والنظر لترادف النعم وقد قيل أربعة إذا أفسدهم البطر لم تزدهم التكرمة إلا فسادا: (الولد والزوجة والخادم والرعية) فإن هذه الأربعة إذا هاجت لم تزدهم المداراة والرفق إلا هيجانا وطغيانا وإنما تعان بحسم موادها.
قال الملك: صدق الحكيم.
#################
قال الوزير الثاني:
الرأي أن تضرب بمن صلح من الرعية من فسد منها حتى ترجع راغمة منقادة ثم نلقي عدونا بمن لا نخاف دغله.
فقال المستشار الحكيم:
هذا أنفع لعدوك من جيشه وأدعى إلى طاعته من دعاته لأنا نعلم أن رعيتنا لا تخلو من عاقل محروم لم يمنعه من سل سيفه إلا الخوف وإذا فعل الملك ما أشرت به فقد أباحه سل سيفه وإذا سله لم يسله لنا بل إنما يسله علينا ويتبعه الجمهور لما قد طبعوا عليه من حسد الملوك والتعصب للضعفاء وقد قيل أربعة من استقبلها بالعنف والردع في أربعة أحوال هلك بها وهي: (الملك في حال غضبه والسيل في حال هجومه والفيل في حال غلمته والرعية في حال هيجها) وقالت الحكماء: أشبه شيء يردع العامة عند هيجها معاناة الجدري في حال إنبعاثه إلى سطح الجسد بالأطلية الرادعة.
فقال الملك: صدق الحكيم.
#################
وقال الوزير الثالث:
الرأي أن يطلب الملك تعيين من فسدت طاعته بالأمناء الثقات من الجواسيس فإذا تعينوا عوملوا بما تقتضيه أحوالهم من قلة أو كثرة.
فقال المستشار الحكيم:
إن البحث الان عن هذا خطر لأنه لابد أن يفطن له وإذا فطن له خاف المريب فحذر ثم لايخلو أمره بعد ذلك من حالين: أما أن يتحرك إلى جهة عدونا فيعتمده بالنصائح والدلالة على العورات ثم يقاتل معه بصيرة ليست للعدو لأنه يطلب العودة إلى وطنه وأهله وماله، وأما أن لا ينفصل ولا يرهبنا بل يكاشفنا في العداوة ويتكثر علينا بأشكاله من الرعية فينصرونه علينا وإن لم يكونوا على مثل رأيه. إذ إن في الرعية من أعقده الحرمان ومن أحقده التأديب وجمهور الرعية يتعصبون على الأجناد لأنهم لن يعدموا منهم أذى واستطالة، فإن سومحوا أفسدوا المملكة، وإن قصد المسيء بالعقوبة خاف البريء أن تتعدى العقوبة إليه فانحاز إلى المسيء لعلة المشاكلة له ولو كان عدوا له كما أن الكلبين إذا تهارشا فرأيا ذئبا فإنهما يتركان تهارشهما ويجتمعان على الذئب وإن كان مثلهما في الخلقة لكنهما يعاديانه فيصطلحان عند التعاون عليه، وكذلك العامي لاينظر الى الملك من حيث تحققه في الخلق الإنساني بل ينظر إليه من حيث تفرده وأنفته وعلو همته وجرأته وشجاعته وكثرة ماله فينافره ويألف بالعامي الذي هو يشاكله في جهله وطبعه وغير ذلك من أخلاقه. ولا تخلو الرعية من ناسك أحمق يظن أنه يغضب للدين فيحمله حمقه وجهله على الخروج من واجب الطاعة فيكون أمره في الرعية أنفذ من أمر الملك في الجند وقد قيل: ثلاثة إن كاشفتهم في امتحان ما عندك في ثلاثة أحوال خسرتهم:
- أحدهم المؤدب لك إذا امتحنت ماعنده من العلم في حال تأدبك
- الثاني صديقك إذا امتحنت ما عنده من البذل في حال فاقتك
- الثالث زوجتك إذا امتحنت ما عندها من محبتك في حال كهولتك
وامتحان الرعية في هذه الحال أشبه شيء بما ذكرناه، وقد قال الحكماء: إن للدولة أمراضا يخاف أن تموت بها أخطرها، أربعة أشياء:
1) مايعرض للملك من الكبر
2) وما يعرض من له من الغضب
فإن دولته في هاتين الحالتين تضطرب لخروجه عن حد الاعتدال في السياسة
3) والثالث ما يعرض له من الحرص فإنه إذا حرص عسف وظلم
4) والرابع هيج الرعية.
فقال الملك: صدق الحكيم
#################
قال الوزير الرابع وكان أوسعهم علما وأفضلهم رأيا:
إني وأصحابي كأصابع الراحة في حاجة بعضها إلى بعضها وقوم بعضها ببعض وكل منا يستمد من نور عقل الملك ينظره إلينا استمداد النجوم الدراري من نور الشمس وإني أرى غير رأي أصحابي لا مترفعا عليهم ولا عائبا لآرائهم لأن القبول والرد إلى الملك لا إلى غيره فإن أذن الملك ذكرته؟
فقال الملك:
قل أيها الوزير الناصح فلك ولأصحابك عندنا الثقة بكم والكرامة لأنكم من المناصحة لنا والأداء إلينا كالحواس الخمس للقلب
فقال الوزير:
إن الرعية قليلة النظر في العواقب غير متحفظة من المعاطب وقد دب فيها اسم الفساد ومكاشفتها الآن خطر، والظفر بها وهن في الملك، والعدو قوي الطمع شديد الحرص مستشعر بالظفر ولا يرضيه إلا الغلب فإن رأى الملك أن يصرف همته أولا إلى الاستظهار باتخاذ معقل حرير يأمن فيه على أهله وخواصه وذخائره ومن خلصت نيته من رعيته فإني أعرف في مملكته عقلا شاهقا يطل على أهل الأرض إطلال زحل على الكواكب وهو مع ذلك لذيذ الهواء فرات الماء وقد كان بعض أسلاف الملك أثر فيه آثارا محكمة فإن رأى الملك أن يتم به سعى سلفه ثم يودعه ذخائره ويجعله للإقامة استظهارا ثم يلق عدوه إن أقدم على بلاده فإن ظهرت خيانة أنصاره؛ انحاز بأوليائه إلى ذلك المعقل وألزم نفسه الصبر وانتظار الفرج.
فسر الملك برأي الوزير ووقع إجماعهم على ترجيحه ثم ركب في خاصته وحماته حتى أتى ذلك المعقل فحشد إليه الأعوان وألزمهم الإسراع في إكمال بنائه وبادر من فوره فنقل إليه خاص بيوت أمواله ونفائس ذخائره وخزائن سلاحه وشحنه بالأقوات والأطعمة وهو مع ذلك يسد الثغور وأن المرزبان اقتحم أطراف بلاده بالجيوش المتوافرة ونازل الثغور وظهرت دعاة كسرى في تلك الناحية فيمن استمالوه من أهلها فظهر المرزبان على من نازله ثم جعل يطوي تلك البلاد لا يمتنع عليه مرام حتى وافته جنود الملك الهندي فدافعته بعض المدافعه ثم انهزموا، وانهزم المناصحون بإنهزامهم واستولى المرزبان على تلك الأرض وإنحاز الملك الهندي وأتباعه المناصحون إلى ذلك المعقل فسار خلفه المرزبان حتى أشرف على معقله فرآه منظرا رائعا ومعقلا مانعا فلم يمكنه النزول بساحته فرجع من فوره إلى البلاد فولي فيها الولاة والعمال واستقامت المملكة للمرزبان ثم إن اغتام الفرس جعلوا يعاملون أهل الهند بالقسوة والفظاظة ويعبثون بهم ويسخرون منهم فبدت الشحناء في النفوس ورأى أهل الهند خراج بلادهم يحمل ويصرف إلى غيرهم وقد دخلوا تحت حكم الأعاجم فداخلتهم الغيرة والحمية فعرفوا فضل ما كانوا فيه أيام ملكهم السابق، ومشقة ما صاروا إليه بعده!! فبسطوا ألسنتهم بالتسخط وتوقف المرزبان عن ردعهم لئلا يوحشهم فكان أمرهم إلى زيادة.
وأما الملك الهندي فإن وزرائه أشاروا عليه بالصبر وكف الأذى وبسط العدل والإحسان وبذل المال والصفح عن المجرم وتألف المستوحش فكانت سمعته تزداد حسنا والنفوس إليه ميلا والألسنة له شكرا، والمرزبان بعكس ذلك.
ثم اتفق أن غلاما من عمال المرزبان على بعض الثغور أساء السيرة فقام إليه ناسك من نساك الهند يعظه فغضب عليه وأمر بقتله فثار أهل البلد على العامل فقتلوه فبلغ الخبر إلى المرزبان فجاءه بجنوده فانحاز أهل تلك الناحية إلى حصن ملكهم السابق ثم ثارت الهنود في البلاد وسار المرزبان راجعا إلى بلاده لما قامت الرعية وخرج من تلك المملكة وعاد الملك إلى دار ملكه فجرى على سنن العدل قامعا للشهوات باذلا للراحات مستعملا ما أفادته التجارب من الأداب حتى بلغ أجله.

Stars
26-03-2013, 01:17 PM
قصه رائعه وشكرا للنقل