مغروور قطر
17-07-2006, 07:12 AM
الشفافية في البورصة تئن تحت وطأة أزمة الاستيقاظ مبكراً والنوم في العسل
كتب سعيد حبيب:
لم يكن قد أكمل نومه بعد، كان أسيراً للمنطقة الوسطى بين الغفوة والنوم.. عقارب الساعة تؤكد أنها الثامنة صباحا وصوت الموبايل يتصاعد ويتصاعد.. في هذه اللحظة تحديدا أدرك الجانب السيئ لمنصبه كرئيس لمجلس ادارة احدى الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية.. نهض متثاقلا ومتثائبا في آن واحد.. قاوم رغبته في الاطاحة بالموبايل أرضا لكن مخاوفه من الآتي منعته.. تحامل على نفسه وعندما وصل الموبايل سالما الى أذنه ابتسم ابتسامة ظفر ونصر واضحة اتبعها بكلمة تمتعت بالوضوح والسرعة : انفي الخبر.. وسرعان ما عاد مجددا الى فراشه الوثير في محاولة لاستدعاء حلم لذيذ قطعه رنين الموبايل المتكرر.
لم يكن هذا المشهد عبثيا ولم يكن مجرد قصة ساذجة تصلح للأطفال الصغار قبل النوم وانما مشهد يعكس قمة المأساة التي تعيشها الشركات المدرجة في البورصة ومساهميها المساكين ويكشف أيضا عن أزمة الشفافية التي تحاصر البورصة في ظل ادمان بعض رؤساء مجالس ادارات الشركات على نفي الأخبار التي تخص شركاتهم لمجرد أن موعد استيقاظهم لم يحن بعد.. لا يهتم المسؤول بمعرفة الخبر ولا يعنيه ايضاح موقف الشركة أمام المساهمين.. كل ما يهمة فقط أن يواصل نومه وليذهب أي شيء آخر للجحيم وهذا لن يتحقق الا عن طريق العبارة الأثيرة: خبر منشور عن الشركة.. انفيه!.. هكذا بكل بساطة لمجرد أن سيادته لا يريد الاستيقاظ من النوم مبكرا أما الشفافية وقواعدها وآلياتها فلتذهب هي الأخرى الى الجحيم
شائعات وصفقات
وسأردد البديهيات اذا أكدت أن الجهات الرقابية ولوائحها بشأن تقديم المعلومات عن الشركات وشفافية السوق متخلفة بكل المقاييس ولعل ابرز دليل على ذلك أن كثيرا من الصفقات تبرم في سوق الأسهم معتمدة على الشائعات رغم أن الجميع يؤكد أن استقرار سوق الكويت للأوراق المالية أو أي سوق أسهم في العالم يعتمد على تكريس مبادئ الشفافية التي تعد أمرا حيويا للحفاظ على استقرار البورصة في ظل توافر ميزة العائدات والفوائض النفطية الضخمة.
وبات مؤكدا أن البورصة تتحرك بسرعة معينة غير أن المناخ الرقابي لا يحمي هذا النمو ويظهر ذلك واضحا في اتباع معظم المتداولين لخطى أقاربهم أو جيرانهم لذا فان ظهور أي بوادر خطر في السوق قد يثير تدافعا مذعورا على البيع.
واعتقد أن هذا الكلام يبدو معادا ومكررا كما أن طرح بدائل من قبيل المطالبة بدور أكبر من الجهات الحكومية وانشاء هيئة سوق المال المستقلة المزمع يبقى نوعا من أنواع اجترار المتون الا انه ينبغي التأكيد على أن سوق الكويت للأوراق المالية يجب أن يتعدى مفهوم اصدار الأسهم وعمليات البيع والشراء الى ايجاد سوق مالي متقدم بالمفهوم الدولي لهذه الأسواق.
السوق الهندي
والمتابع لحال وواقع الأسواق العالمية لن يبذل جهدا كبيرا لملاحظة تخلف الشفافية في السوق الكويتي بمجرد النظر حيث تقوم كل شركة مدرجة بالاعلان عن خططها ومشاريعها المستقبلية بكل شفافية وعند تسرب خبر ما الى المستثمرين تبادر بتوضيحه اما بالنفي او بتأكيده واذا نفت اي شركة خبرا او معلومة ما ثم اعلنتها لاحقا تتعرض لعقوبات شديدة غير ان السيناريو يبدو مغايرا تماما في سوق الكويت للأوراق المالية الذي تختفي فيه كل معالم الشفافية حيث بات اعلان الشركة عن عقد او مشروع سبق ان نفته في اعلانات البورصة أمرا مألوفا ان لم يكن تحول الى قاعدة اما بحسن نية واما بسبب تداخل المصالح الشخصية لبعض مسؤولي الشركات مع المستثمرين في سوق الأسهم رغم أن السوق الهندي مثلا يوجد فيه أكثر من خمسة آلاف شركة يتم تداول أسهمها ورغم ذلك العدد المحدود جدا فان مستويات الشفافية كبيرة جدا وتعزز مكانة كفاءته وقوته.
صغار المستثمرين
جانب آخر من الأزمة في سوق الكويت للأوراق المالية يتعلق بسلوك صغار المستثمرين الذين يتجمعون بأعداد غفيرة في مقر البورصة التي تحولت الى اكبر ديوانية في الكويت رغم أن التداول الالكتروني ملأ الدنيا وشغل الناس ولا يستدعي اصدار الأوامر بالبيع أو الشراء سوى ضغطة زر واحدة غير أن حرص المتداولين على الاقتراب اكثر والتعامل بحميمية مع أسهمهم يدفعهم للمواظبة على الذهاب لمقر البورصة مما يفسح المجال خصبا للاشاعات المضللة ويعزز أزمة غياب الشفافية أما صغار المستثمرين فيسيرون وراء سلوك الآخرين، حيث يهرع المستثمر الى الشراء حين ترتفع البورصة مما يؤدى الى زيادة السعر مما يخلق زيادة في الطلب تؤدي بدورها الى رفع الأسعار بشكل لا يعبر عن القيمة الحقيقية للأسهم
لكن ان كان ذلك يعد أحد الأسباب فقد يقول البعض ان سلوك صغار المستثمرين، الذين يهرعون الى البيع عند أول اشاعة أو اشارة بانخفاض الأسعار والعكس فيما يطلق عليه البعض «سياسة القطيع» ـ هو سلوك قديم لا جديد فيه لكن الفارق أن صغار المستثمرين في الأسواق العالمية ينظرون الى نسبة العائد للقيمة السوقية للسهم، وبالتالي كان من المهم أن تؤخذ في الاعتبار العوامل الموضوعية للأسهم كما يتابعون قراءة الميزانية وبعض المؤشرات البسيطة التي يستدل منها على مدى جوهرية ارتفاع سعر السهم وعدم اعتماده على المضاربة واعتبارات تتعلق بجودة الأوراق المالية ذاتها.
صعوبات ومعوقات
ولذا يبدو مناسبا في هذا السياق ان نستدعي مقتطفات من تقرير اللجنة التي كلفها مجلس الوزراء بتقييم أداء سوق الكويت للأوراق المالية ووضع المقترحات اللازمة لتطوير صلاحيات ادارة البورصة والتي أكدت أن هناك مجموعة من الصعوبات التي تواجه السوق في سبيل أداء مهمته وتفعيل دوره الاشرافي، بما يكفل تحقيق مزيد من الشفافية والانضباط من اجل الحفاظ على كفاءة وسلامة المعاملات في السوق، ولعل أهمها عدم وجود جزاءات مالية وعقوبات جنائية رادعة للمخالفين للقواعد المقررة لعمليات التداول في السوق وهو ما يتطلب اجراء تعديل في التشريعات القانونية ذات العلاقة.
وأكد التقرير أن الدور الرقابي المفروض على الاسواق المالية والشركات المدرجة وغير المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ومكاتب التدقيق المحاسبي وشركات الاستثمار بالاضافة الى شركات الوساطة المالية يتوزع ما بين لجنة السوق، ووزارة التجارة والصناعة، والبنك المركزي، وسوق الكويت للأوراق المالية، مما يؤدي لتشتت الدور الرقابي والتشريعي والتفتيشي بين هذه الجهات الأربع ويجزئ ويقلل من فعاليته ويترك ثغرات في كثير من الأمور مما يؤدي ويسهل تلاعب الجهات المشاركة في السوق. كما ان قيام سوق البورصة بأداء الدورين التنفيذي والرقابي تشوبه شائبة تعارض المصالح، ان القانون الخاص بتنظيم سوق الكويت للاوراق المالية 1983، يحتوي على اشكالية تتمثل في عدم تفعيل وتحديد آلية واضحة المعالم بشأن الدور الرقابي والتشريعي الذي تم اسناده الى لجنة السوق غير المتفرعة وذات الصلاحيات المحدودة، مما أدى الى اسناد هذا الدور بشكل غير مباشر الى الجهة التنفيذية متمثلة بادارة السوق.
تشريعات منقوصة
وأكد التقرير عدم وضوح وعدم تكامل القوانين والتشريعات المنظمة او ذات العلاقة بالسوق وتداخلها وعدم توحيد مرجعيتها لتكون في سجل واضح في حال الحاجة للرجوع اليها من قبل المشاركين في السوق او اي جهة خارجية اخرى. قانون الشركات رقم 15 لسنة 1960 وتعديلاته، قانون التجارة لسنة 1980وتعديلاته، قانون تنظيم تداول الأوراق المالية الخاصة بالشركات وصناديق الاستثمار رقم 32 لسنة 1970 وتعديلاته، مرسوم تنظيم سوق الكويت للأوراق المالية رقم 30 لسنة 1983 وتعديلاته، ومرسوم رقم 158 لسنة 2005 الخاص بتعديل المرسوم الخاص بتنظيم سوق الكويت للأوراق المالية.
فعلى سبيل المثال، عند قيام صندوق النقد الدولي باجراء تقييم للوضع المالي في دولة الكويت، نص التقرير صراحة على صعوبة اجراء هذا التقييم، وصعوبة قياس مدى اتباع الجهات المشاركة في السوق للمعايير والمبادئ المعمول بها دوليا، وذلك بسبب كثرة وتداخل القوانين وعدم وضوحها وتوحيدها تحت مرجعية واحدة.
تداخل وتعدد الجهات الرقابية والاشرافية، التي تخضع لها الشركات وتوزعها ما بين وزارة التجارة والصناعة، لجنة السوق، البنك المركزي، والبورصة، مع ضعف التنسيق فيما بين هذه الجهات مما يقلل من فعالية الدور الرقابي ويسهل التلاعب عليه في ظل وجود ثغرات وعدم مركزية.
ونوه التقرير الى قصور قانون الجزاءات والعقوبات الحالي الخاص بمعاقبة المتلاعبين من الأفراد أو الشركات، واقتصاره على دفع غرامات مالية منخفضة أو توقيف التداول للشركات المخالفة لفترة قصيرة مما يسهل التلاعب والمخالفة، حيث تعتبر هذه العقوبات غير رادعة.كما أن شروط الادارج الحالية لا تتواكب مع التطورات العالمية في القطاع المالي وبحاجة الى تطوير، حيث انها لا تحتوي على المعايير والقواعد المرتبطة بحوكمة الشركات ذات التأثير الايجابي والفعال في رفع الاداء وتفعيل الدور الرقابي الذاتي داخل الشركات عن طريق مجالس ادارتها للحد من التلاعب وتوفير الحماية للمستثمرين.
واشار ايضا الى عدم توافر الشفافية الكاملة: وعدم وجود تعريف مفصل ودقيق بالقانون للمقصود بالشفافية، مما يؤدي الى غياب معلومات مهمة عن شريحة كبيرة من المتعاملين بالاسهم والذي من شأنه ان يضلل المستثمرين.
كما أشار الى عدم تطوير شركات الوساطة المالية العاملة في السوق لتتواكب مع التطور الذي شهده السوق في الفترة الاخيرة، فعلى سبيل المثال لا يحمل اغلبية العاملين في هذه المكاتب شهادات عالمية للوسطاء لمزاولة المهنة. بالاضافة الى عدم وجود ميثاق شرف لمهنية الوساطة المالية على غرار الدول المتقدمة. الى جانب عدم وضوح دور شركات الاستثمار او تعريفها بالقانون الحالي، وعدم كفاية الرقابة المفروضة عليها. فلقد كشف تقرير Fasp لصندوق النقد الدولي ان معظم مديري المحافظ ومديري الصناديق والاصول المالية العاملين لدى شركات الاستثمار لا يحملون تراخيص عالمية. وايضل قصور القوانين والتشريعات الخاصة بالصناديق الاستثمارية لتنسيق وتنظيم عملها، وذلك لحداثة عهدها في السوق الكويتي، حيث يتوزع الدور الرقابي والاشرافي المفروض عليها بين ثلاث جهات، هذا بالاضافة الى ان سياسة الاستثمار المتبعة وطريقة احتساب صافي القيمة الحالية للصندوق غير معلنة للجمهور بشكل يومي ولا تبين كيفية او طريقة احتساب اسعار الاسهم التي يحتوي عليها الصندوق. وعدم مواكبة السوق لكثير من الآليات للتطورات العالمية، فعلى سبيل المثال، لا يتم تحديث البيانات الخاصة بالشركات المدرجة في الموقع الالكتروني للسوق بشكل فوري عند حدوث اي تغيير في اعضاء مجلس الادارة، او الادارة التنفيذية، او الملكيات، او توزيعات الارباح، او الارباح المحققة وزيادات رؤوس الاموال لهذه الشركات. كما ان محدودية ساعات التداول بواقع اربع ساعات يوميا تحتاج الى اعادة نظر وزيادة لتتناسب مع حجم وعدد الشركات المدرجة ولتساعد على رفع كفاءة السوق.
اصلاحات منتظرة
ويطالب الخبراء الاقتصاديون باصلاحات تتركز في تكريس الشفافية وتطوير قواعد البيانات في الشركات والبورصة والاقتصاد بشكل عام. عن طريق انشاء هيئة مستقلة لسوق المال مع الحذر في التعامل مع الآثار السلبية للتحركات السريعة لرؤوس الأموال قصيرة الأجل وانعكاساتها.و اقرار بقية القوانين المُعطلة في مجلس الأمة لتحفيز الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.
وفي هذا الصدد فانني لا أمل من التذكير بأن الشفافية في سوق الكويت للأوراق المالية في خطر وتجاوزت كل الخطوط وتقترب من مرحلة كارثية.. وقديما قالت العرب إنه اذا وصلت الأمور الى منحى خطر وتعقدت فان دق نواقيس الانذار بأعلى صوت يصبح واجباً ليس فقط من باب انكار المنكر ولكن أيضا تحسبا لوقوع ما هو أتعس وأنكر!
تاريخ النشر: الاثنين 17/7/2006
كتب سعيد حبيب:
لم يكن قد أكمل نومه بعد، كان أسيراً للمنطقة الوسطى بين الغفوة والنوم.. عقارب الساعة تؤكد أنها الثامنة صباحا وصوت الموبايل يتصاعد ويتصاعد.. في هذه اللحظة تحديدا أدرك الجانب السيئ لمنصبه كرئيس لمجلس ادارة احدى الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية.. نهض متثاقلا ومتثائبا في آن واحد.. قاوم رغبته في الاطاحة بالموبايل أرضا لكن مخاوفه من الآتي منعته.. تحامل على نفسه وعندما وصل الموبايل سالما الى أذنه ابتسم ابتسامة ظفر ونصر واضحة اتبعها بكلمة تمتعت بالوضوح والسرعة : انفي الخبر.. وسرعان ما عاد مجددا الى فراشه الوثير في محاولة لاستدعاء حلم لذيذ قطعه رنين الموبايل المتكرر.
لم يكن هذا المشهد عبثيا ولم يكن مجرد قصة ساذجة تصلح للأطفال الصغار قبل النوم وانما مشهد يعكس قمة المأساة التي تعيشها الشركات المدرجة في البورصة ومساهميها المساكين ويكشف أيضا عن أزمة الشفافية التي تحاصر البورصة في ظل ادمان بعض رؤساء مجالس ادارات الشركات على نفي الأخبار التي تخص شركاتهم لمجرد أن موعد استيقاظهم لم يحن بعد.. لا يهتم المسؤول بمعرفة الخبر ولا يعنيه ايضاح موقف الشركة أمام المساهمين.. كل ما يهمة فقط أن يواصل نومه وليذهب أي شيء آخر للجحيم وهذا لن يتحقق الا عن طريق العبارة الأثيرة: خبر منشور عن الشركة.. انفيه!.. هكذا بكل بساطة لمجرد أن سيادته لا يريد الاستيقاظ من النوم مبكرا أما الشفافية وقواعدها وآلياتها فلتذهب هي الأخرى الى الجحيم
شائعات وصفقات
وسأردد البديهيات اذا أكدت أن الجهات الرقابية ولوائحها بشأن تقديم المعلومات عن الشركات وشفافية السوق متخلفة بكل المقاييس ولعل ابرز دليل على ذلك أن كثيرا من الصفقات تبرم في سوق الأسهم معتمدة على الشائعات رغم أن الجميع يؤكد أن استقرار سوق الكويت للأوراق المالية أو أي سوق أسهم في العالم يعتمد على تكريس مبادئ الشفافية التي تعد أمرا حيويا للحفاظ على استقرار البورصة في ظل توافر ميزة العائدات والفوائض النفطية الضخمة.
وبات مؤكدا أن البورصة تتحرك بسرعة معينة غير أن المناخ الرقابي لا يحمي هذا النمو ويظهر ذلك واضحا في اتباع معظم المتداولين لخطى أقاربهم أو جيرانهم لذا فان ظهور أي بوادر خطر في السوق قد يثير تدافعا مذعورا على البيع.
واعتقد أن هذا الكلام يبدو معادا ومكررا كما أن طرح بدائل من قبيل المطالبة بدور أكبر من الجهات الحكومية وانشاء هيئة سوق المال المستقلة المزمع يبقى نوعا من أنواع اجترار المتون الا انه ينبغي التأكيد على أن سوق الكويت للأوراق المالية يجب أن يتعدى مفهوم اصدار الأسهم وعمليات البيع والشراء الى ايجاد سوق مالي متقدم بالمفهوم الدولي لهذه الأسواق.
السوق الهندي
والمتابع لحال وواقع الأسواق العالمية لن يبذل جهدا كبيرا لملاحظة تخلف الشفافية في السوق الكويتي بمجرد النظر حيث تقوم كل شركة مدرجة بالاعلان عن خططها ومشاريعها المستقبلية بكل شفافية وعند تسرب خبر ما الى المستثمرين تبادر بتوضيحه اما بالنفي او بتأكيده واذا نفت اي شركة خبرا او معلومة ما ثم اعلنتها لاحقا تتعرض لعقوبات شديدة غير ان السيناريو يبدو مغايرا تماما في سوق الكويت للأوراق المالية الذي تختفي فيه كل معالم الشفافية حيث بات اعلان الشركة عن عقد او مشروع سبق ان نفته في اعلانات البورصة أمرا مألوفا ان لم يكن تحول الى قاعدة اما بحسن نية واما بسبب تداخل المصالح الشخصية لبعض مسؤولي الشركات مع المستثمرين في سوق الأسهم رغم أن السوق الهندي مثلا يوجد فيه أكثر من خمسة آلاف شركة يتم تداول أسهمها ورغم ذلك العدد المحدود جدا فان مستويات الشفافية كبيرة جدا وتعزز مكانة كفاءته وقوته.
صغار المستثمرين
جانب آخر من الأزمة في سوق الكويت للأوراق المالية يتعلق بسلوك صغار المستثمرين الذين يتجمعون بأعداد غفيرة في مقر البورصة التي تحولت الى اكبر ديوانية في الكويت رغم أن التداول الالكتروني ملأ الدنيا وشغل الناس ولا يستدعي اصدار الأوامر بالبيع أو الشراء سوى ضغطة زر واحدة غير أن حرص المتداولين على الاقتراب اكثر والتعامل بحميمية مع أسهمهم يدفعهم للمواظبة على الذهاب لمقر البورصة مما يفسح المجال خصبا للاشاعات المضللة ويعزز أزمة غياب الشفافية أما صغار المستثمرين فيسيرون وراء سلوك الآخرين، حيث يهرع المستثمر الى الشراء حين ترتفع البورصة مما يؤدى الى زيادة السعر مما يخلق زيادة في الطلب تؤدي بدورها الى رفع الأسعار بشكل لا يعبر عن القيمة الحقيقية للأسهم
لكن ان كان ذلك يعد أحد الأسباب فقد يقول البعض ان سلوك صغار المستثمرين، الذين يهرعون الى البيع عند أول اشاعة أو اشارة بانخفاض الأسعار والعكس فيما يطلق عليه البعض «سياسة القطيع» ـ هو سلوك قديم لا جديد فيه لكن الفارق أن صغار المستثمرين في الأسواق العالمية ينظرون الى نسبة العائد للقيمة السوقية للسهم، وبالتالي كان من المهم أن تؤخذ في الاعتبار العوامل الموضوعية للأسهم كما يتابعون قراءة الميزانية وبعض المؤشرات البسيطة التي يستدل منها على مدى جوهرية ارتفاع سعر السهم وعدم اعتماده على المضاربة واعتبارات تتعلق بجودة الأوراق المالية ذاتها.
صعوبات ومعوقات
ولذا يبدو مناسبا في هذا السياق ان نستدعي مقتطفات من تقرير اللجنة التي كلفها مجلس الوزراء بتقييم أداء سوق الكويت للأوراق المالية ووضع المقترحات اللازمة لتطوير صلاحيات ادارة البورصة والتي أكدت أن هناك مجموعة من الصعوبات التي تواجه السوق في سبيل أداء مهمته وتفعيل دوره الاشرافي، بما يكفل تحقيق مزيد من الشفافية والانضباط من اجل الحفاظ على كفاءة وسلامة المعاملات في السوق، ولعل أهمها عدم وجود جزاءات مالية وعقوبات جنائية رادعة للمخالفين للقواعد المقررة لعمليات التداول في السوق وهو ما يتطلب اجراء تعديل في التشريعات القانونية ذات العلاقة.
وأكد التقرير أن الدور الرقابي المفروض على الاسواق المالية والشركات المدرجة وغير المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ومكاتب التدقيق المحاسبي وشركات الاستثمار بالاضافة الى شركات الوساطة المالية يتوزع ما بين لجنة السوق، ووزارة التجارة والصناعة، والبنك المركزي، وسوق الكويت للأوراق المالية، مما يؤدي لتشتت الدور الرقابي والتشريعي والتفتيشي بين هذه الجهات الأربع ويجزئ ويقلل من فعاليته ويترك ثغرات في كثير من الأمور مما يؤدي ويسهل تلاعب الجهات المشاركة في السوق. كما ان قيام سوق البورصة بأداء الدورين التنفيذي والرقابي تشوبه شائبة تعارض المصالح، ان القانون الخاص بتنظيم سوق الكويت للاوراق المالية 1983، يحتوي على اشكالية تتمثل في عدم تفعيل وتحديد آلية واضحة المعالم بشأن الدور الرقابي والتشريعي الذي تم اسناده الى لجنة السوق غير المتفرعة وذات الصلاحيات المحدودة، مما أدى الى اسناد هذا الدور بشكل غير مباشر الى الجهة التنفيذية متمثلة بادارة السوق.
تشريعات منقوصة
وأكد التقرير عدم وضوح وعدم تكامل القوانين والتشريعات المنظمة او ذات العلاقة بالسوق وتداخلها وعدم توحيد مرجعيتها لتكون في سجل واضح في حال الحاجة للرجوع اليها من قبل المشاركين في السوق او اي جهة خارجية اخرى. قانون الشركات رقم 15 لسنة 1960 وتعديلاته، قانون التجارة لسنة 1980وتعديلاته، قانون تنظيم تداول الأوراق المالية الخاصة بالشركات وصناديق الاستثمار رقم 32 لسنة 1970 وتعديلاته، مرسوم تنظيم سوق الكويت للأوراق المالية رقم 30 لسنة 1983 وتعديلاته، ومرسوم رقم 158 لسنة 2005 الخاص بتعديل المرسوم الخاص بتنظيم سوق الكويت للأوراق المالية.
فعلى سبيل المثال، عند قيام صندوق النقد الدولي باجراء تقييم للوضع المالي في دولة الكويت، نص التقرير صراحة على صعوبة اجراء هذا التقييم، وصعوبة قياس مدى اتباع الجهات المشاركة في السوق للمعايير والمبادئ المعمول بها دوليا، وذلك بسبب كثرة وتداخل القوانين وعدم وضوحها وتوحيدها تحت مرجعية واحدة.
تداخل وتعدد الجهات الرقابية والاشرافية، التي تخضع لها الشركات وتوزعها ما بين وزارة التجارة والصناعة، لجنة السوق، البنك المركزي، والبورصة، مع ضعف التنسيق فيما بين هذه الجهات مما يقلل من فعالية الدور الرقابي ويسهل التلاعب عليه في ظل وجود ثغرات وعدم مركزية.
ونوه التقرير الى قصور قانون الجزاءات والعقوبات الحالي الخاص بمعاقبة المتلاعبين من الأفراد أو الشركات، واقتصاره على دفع غرامات مالية منخفضة أو توقيف التداول للشركات المخالفة لفترة قصيرة مما يسهل التلاعب والمخالفة، حيث تعتبر هذه العقوبات غير رادعة.كما أن شروط الادارج الحالية لا تتواكب مع التطورات العالمية في القطاع المالي وبحاجة الى تطوير، حيث انها لا تحتوي على المعايير والقواعد المرتبطة بحوكمة الشركات ذات التأثير الايجابي والفعال في رفع الاداء وتفعيل الدور الرقابي الذاتي داخل الشركات عن طريق مجالس ادارتها للحد من التلاعب وتوفير الحماية للمستثمرين.
واشار ايضا الى عدم توافر الشفافية الكاملة: وعدم وجود تعريف مفصل ودقيق بالقانون للمقصود بالشفافية، مما يؤدي الى غياب معلومات مهمة عن شريحة كبيرة من المتعاملين بالاسهم والذي من شأنه ان يضلل المستثمرين.
كما أشار الى عدم تطوير شركات الوساطة المالية العاملة في السوق لتتواكب مع التطور الذي شهده السوق في الفترة الاخيرة، فعلى سبيل المثال لا يحمل اغلبية العاملين في هذه المكاتب شهادات عالمية للوسطاء لمزاولة المهنة. بالاضافة الى عدم وجود ميثاق شرف لمهنية الوساطة المالية على غرار الدول المتقدمة. الى جانب عدم وضوح دور شركات الاستثمار او تعريفها بالقانون الحالي، وعدم كفاية الرقابة المفروضة عليها. فلقد كشف تقرير Fasp لصندوق النقد الدولي ان معظم مديري المحافظ ومديري الصناديق والاصول المالية العاملين لدى شركات الاستثمار لا يحملون تراخيص عالمية. وايضل قصور القوانين والتشريعات الخاصة بالصناديق الاستثمارية لتنسيق وتنظيم عملها، وذلك لحداثة عهدها في السوق الكويتي، حيث يتوزع الدور الرقابي والاشرافي المفروض عليها بين ثلاث جهات، هذا بالاضافة الى ان سياسة الاستثمار المتبعة وطريقة احتساب صافي القيمة الحالية للصندوق غير معلنة للجمهور بشكل يومي ولا تبين كيفية او طريقة احتساب اسعار الاسهم التي يحتوي عليها الصندوق. وعدم مواكبة السوق لكثير من الآليات للتطورات العالمية، فعلى سبيل المثال، لا يتم تحديث البيانات الخاصة بالشركات المدرجة في الموقع الالكتروني للسوق بشكل فوري عند حدوث اي تغيير في اعضاء مجلس الادارة، او الادارة التنفيذية، او الملكيات، او توزيعات الارباح، او الارباح المحققة وزيادات رؤوس الاموال لهذه الشركات. كما ان محدودية ساعات التداول بواقع اربع ساعات يوميا تحتاج الى اعادة نظر وزيادة لتتناسب مع حجم وعدد الشركات المدرجة ولتساعد على رفع كفاءة السوق.
اصلاحات منتظرة
ويطالب الخبراء الاقتصاديون باصلاحات تتركز في تكريس الشفافية وتطوير قواعد البيانات في الشركات والبورصة والاقتصاد بشكل عام. عن طريق انشاء هيئة مستقلة لسوق المال مع الحذر في التعامل مع الآثار السلبية للتحركات السريعة لرؤوس الأموال قصيرة الأجل وانعكاساتها.و اقرار بقية القوانين المُعطلة في مجلس الأمة لتحفيز الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.
وفي هذا الصدد فانني لا أمل من التذكير بأن الشفافية في سوق الكويت للأوراق المالية في خطر وتجاوزت كل الخطوط وتقترب من مرحلة كارثية.. وقديما قالت العرب إنه اذا وصلت الأمور الى منحى خطر وتعقدت فان دق نواقيس الانذار بأعلى صوت يصبح واجباً ليس فقط من باب انكار المنكر ولكن أيضا تحسبا لوقوع ما هو أتعس وأنكر!
تاريخ النشر: الاثنين 17/7/2006