المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلاقات الاقتصادية الخليجية الدولية نحو آفاق جديدة



فريق أول
23-07-2006, 02:46 AM
شهدت دول مجلس التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة مرحلة جديدة في علاقاتها الاقتصادية الدولية، كنتيجة حتمية لجملة من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي برزت خلال السنوات الماضية. فعلى صعيد المتغيرات المحلية، طرأت تطورات جمة في حقلي التنمية والإصلاح الاقتصاديين، واللذين استدعيا إعادة النظر في أجندة التفاعلات الاقتصادية لهذه الدول في المحيط الدولي. أما المتغيرات الإقليمية فهي الآثار الناجمة عن التغيرات الجيو سياسية واستحقاقاتها الاقتصادية لدول المنطقة. فيما برزت المتغيرات الدولية بصورة جلية نتيجة لمجموعة من الظواهر، أهمها تنامي وتائر العولمة، والحرب على الإرهاب التي بدأت منذ أحداث سبتمبر/ايلول 2001، وتصاعد دور الشركات عابرة القوميات في الاقتصاد العالمي، والمزيد من تحرير التجارة العالمية مع تنامي أعداد الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، اضافة الى دور المؤسسات المالية الدولية في تدويل رأس المال.

والواقع أن ثمة مؤشرات إيجابية على صعيد هذه العلاقات، أي الدولية، لا يمكن إسقاطها من سجل إنجازات دول المجلس التي احتفلت قبل أيام بيوبيله الفضي، ومثلها الدخول بسلسلة من الاتفاقيات مع عدد من الدول العربية والأجنبية والتي استهدفت في نهاية المطاف التوقيع على اتفاقيات منطقة التجارة الحرة، وكما حصل مع كل من لبنان وسوريا والمغرب. أما على صعيد الجماعات الدولية، فأهم هذه الاتفاقيات هي التجارة الحرة بين المجلس والاتحاد الأوروبي، والتي تبرز في ظل الأهمية الاستثنائية للعلاقات الاقتصادية القائمة بينهما خاصة في المجال التجاري، إذ تعد أوروبا الموحدة الشريك التجاري الأول لدول المجلس. ولا تزال المفاوضات جارية بين المجموعتين للتوصل إلى اتفاق نهائي في شأن القضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك مثل الطاقة والبيئة وغيرهما. كما تعتزم دول المجلس الدخول في اتفاقية مشابهة مع مجموعة الشراكة لدول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (saarc)، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (asean).

أما على صعيد الاقتصادات الناهضة، فنلاحظ الإعلان عن دخول دول المجلس في مفاوضات لإقامة اتفاقية مشابهة مع الصين بعد أن وقع الطرفان على الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني، وينطبق الحال ذاته على مفاوضات المجلس مع كل من الهند والباكستان، اضافة الى الاتصالات الحثيثة مع مجموعة من الدول لإبرام اتفاقيات مماثلة مثل تركيا.

ان أهم معالم العلاقات الاقتصادية الخليجية الدولية الراهنة هو التوجه نحو إقامة مناطق تجارة حرة مع عدد كبير من الدول الصناعية كما انه يجب الاعتماد على آلية اتفاقيات منع الازدواج الضريبي، كما ثمة توجه نحو آسيا، اضافة الى بحثها عن أسواق جديدة. وتعد الزيارة التاريخية للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى مجموعة من الدول الآسيوية إحدى دلالات هذا التوجه، حيث بدأ بالصين والتي نوقشت خلالها القضايا التجارية إلى جانب موضوعات في مجال النفط والطاقة وعودة في علاقاتهما الدبلوماسية منذ العام 0,199 وكذلك زيارته للهند وماليزيا وباكستان تشكل منعطفاً في طريق العلاقات الاقتصادية السعودية الدولية، حيث تمخضت عن هذه الزيارات إبرام عدد من الاتفاقيات والصفقات الضخمة والمشروعات المشتركة في مختلف المجالات. وتجدر الإشارة إلى أن المملكة فتحت أبوابها للمستثمرين الأجانب لجلب أموالهم وتوظيفها في مشروعات تقدر بمئات المليارات من الدولارات في العديد من القطاعات الحيوية كالطاقة والاتصالات والبتروكيمياويات، وغيرها. بيد أن العلاقات مع الصين تكتسب دلالات بالغة بالنسبة للسعودية ومنطقة المجلس نظراً لوزنها، أي الصين، في الاقتصاد الخليجي وهو البلد الأكثر نهوضاً في آسيا والذي يشهد طفرات اقتصادية قياسية، اضافة الى ما تستأثر به الصادرات الخليجية النفطية إلى الصين من حصة كبيرة، ولا ريب أن تأتي هذه العلاقات على حساب حجم التعاملات مع دول أوروبا والولايات المتحدة. وفي السياق ذاته، لابد من الإشارة إلى الزيارة التي قام بها العاهل السعودي إلى الولايات المتحدة في وقت سابق والتي تشير التقارير الى أنها فتحت المجال لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية.

كما يلاحظ تحرك مشابه لدولة الإمارات باتجاه الأسواق الآسيوية والعديد من الواجهات التجارية في مناطق عدة من العالم، ولعل الفعاليات التي شهدتها غرفة تجارة دبي وفي سائر الإمارات خير شاهد على التطور الحاصل في تنويع مصادر التصدير والتوريد للاقتصاد الوطني والبحث المستمر عن الفرص التي تتيحها التجارة الحرة عبر الحدود. وينطبق الحال نفسه على قطر والكويت وبقية دول المجلس.

ولا بد من الإشارة إلى أن تركيا تعد من الأسواق الواعدة للاستثمارات الخليجية والتي ترتبط معها بوشائج عدة، بدء بتراثها المشترك مع دول المنطقة، ناهيك عن وجود المصالح المتبادلة، حيث تشكل تركيا مصدراً مهماً للمياه الإقليمية، وسوقاً متنوعاً للمنتجات، مقابل حاجتها للطاقة الخليجية حيث تستورد %90 من احتياجها من الطاقة، في وقت أن دول المجلس تعاني من تخمة مالية تراكمت لديها خلال العامين الماضيين من جراء ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي فهي تبحث عن فرص استثمارية إقليمية ناجعة. ووقعت دول المجلس وتركيا قبل عام ونيف في العاصمة البحرينية المنامة اتفاقية إطارية لإقامة منطقة تجارة حرة استهدفت تطوير العلاقات بين الجانبين. ويتوقع أن تشهد الفترة القريبة المقبلة مفاوضات للإسراع في إقرار الاتفاقية. ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين الخليجيين أن هذه التحركات ذات أهمية كبيرة، خصوصاً أنها تأتي في وقت تعافي الاقتصاد التركي من بعض الأزمات المالية على يد الحكومة الحالية. ولعل من بين المشروعات التي أعلن عنها أخيرا هي مشروع دبي تاور في اسطنبول بكلفة 500 مليون دولار، كما سيتم الإعلان عن مشروعات أخرى في الفترة المقبلة. كما تشير الأنباء إلى نية شركة دبي القابضة استثمار 5 مليارات دولار أمريكي في مشروعات في تركيا. وتأتي الإمارات بهذه الاستثمارات في المرتبة الثالثة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك فهناك مجالات واعدة ينتظر أن تغذي بقوة العلاقات بين الجانبين في مجال البنوك خاصة الإسلامية، والسياحة وكذلك والإنشاءات، وفي هذا الصدد هناك مساهمة تركية في بناء المنشآت الأساسية في قطر.

إن كل ما ذكرناه في مستجدات العلاقات الاقتصادية الخليجية الدولية تعد جيدة، ولكن يبقى الأمر بحاجة إلى بنية أساسية متطورة من أجل تعزيز هذه العلاقات، خصوصاً في مجال تبادل المعلوماتية وقطاع النقل، إضافة إلى السعي الدؤوب للبحث عن أسواق وفرص واعدة للاستثمارات الخليجية في الخارج، والعكس من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الخليجية التي تحتاج إلى الخبرة العالمية ورأس المال الأجنبي. كما لا ننكر أهمية استحداث مؤسسات في إطار المجلس تتولى رسم الاستراتيجيات التي يتم بمقتضاها حسن التعاطي مع المتغيرات الاقتصادية الدولية، خصوصا العولمة والتكتلات الإقليمية، فضلاً عن العلاقات مع الدول الكبرى لاسيما من خلال تأهيل كوادر خليجية قادرة على إدارة الحوار والمفاوضات مع الشركاء الرئيسيين، ليس بهدف تعزيز الصادرات الخليجية فحسب، بل في الكيفية التي يمكن لهذه العلاقات أن تعمل بمثابة دينامو لتعزيز الاقتصاد الخليجي من دون تعارضها مع الهدف المركزي وهو التكامل الاقتصادي. كما نرى أن الأوان آن لدول المجلس للتخلي عن تبنيها سياسة “الحليف الأوحد” في علاقاتها الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية)، إذ إن خريطة العالم تحتضن مجموعة من الدول الكبرى المتقدمة منها والناهضة والتي يمكن أن تشكل كل منها شريكاً استراتيجياً للمجلس من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، مثل أوروبا الموحدة والصين وروسيا.