تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نجعل من سوقنا الطائشة سوقا ناضجة؟!



شمعة الحب
26-07-2006, 10:14 AM
كيف نجعل من سوقنا الطائشة سوقا ناضجة؟!
د. عبد العزيز الغدير - - - 01/07/1427هـ
كاتب اقتصادي

Abdalaziz3000@hotmail.com


اقتنعنا قناعة تامة بأن السوق المالية في المملكة العربية السعودية سوق ناشئة كمثيلاتها في الدول النامية، بخلاف الأسواق المالية في الدول المتقدمة التي تصنف بأنها أسواقا ناضجة، لأنها نشأت وتطورت بشكل متواز مع التطور الصناعي والتكنولوجي في تلك الدول، في حين أننا في الدول النامية استوردنا ما توصلت إليه الدول المتقدمة في مجال الأسواق المالية (أنظمة، لوائح، متعاملين، .. إلخ) بهدف تطبيقها لتطوير أسواقنا المالية وتنظيمها لتلعب دورها المهم في تنمية الاقتصاد الوطني.
اقتنعنا ورضينا بذلك، كما رضينا بأن نتسابق مع الزمن لتحويل أسواقنا الناشئة إلى ناضجة لنفعّل دورها في أسرع وقت في التنمية الاقتصادية من ناحية ونقي أسواقنا الهزات الخطيرة على الاقتصاد المترتبة على انهيارات الأسواق المالية من ناحية أخرى، ولكن ما نعيشه اليوم يثبت أننا نمر بمرحلة تسبق مرحلة الأسواق الناشئة، إذ إننا, في ظني, نعيش مرحلة الأسواق الطائشة ـ إذا جاز التعبير - وهي مرحلة أكثر خطورة على المتعاملين وعلى الاقتصاد الوطني من مرحلة الأسواق الناشئة.
الثور الهائج طائش، ذلك لأنه يتحرك في اتجاهات متضادة وبالقوة نفسها دون مبرر لهذه الحركة سوى أنه هائج، فهو ثور لاعقل له، فلا يستطيع أن يقف ويحكم عقله بالنظر في الواقع وتحليله لاتخاذ القرار المناسب, قرار يحدد الاتجاه ومقدار الجهد الذي سيبذله للتحرك في الاتجاه الذي يحقق له مصحلته، وسوقنا اليوم ليست بعيدة عن ذلك فهي تتحرك في اتجاهات متضادة وبالدرجة نفسها من القوة، ففي لمحة بصر تراها مرتفعة بأكثر من 300 نقطة ثم ما تلبث أن تتحرك إلى أسفل لتراها منخفضة بأكثر من 300 نقطة دون معلومات جوهرية تذكر تؤدي إلى مثل هذه الذبذبة الهوجاء.
هذا على مستوى المؤشر، أما على مستوى الشركات فلا يختلف الأمر كثيرا, فكثيرا ما نرى شركة في النسبة السفلى ارتفعت إلى النسبة العليا في دقائق دون سبب أو بسبب معلومات ثانوية لا يمكن أن تؤدي إلى هذا التغير المهول (20 في المائة في المحصلة)، حركة المؤشرة وحركة الأسهم الطائشة تؤكد أن سوقنا, وهي أكبر أسواق الشرق الأوسط المالية وثانية أسواق العالم الناشئة "وهنا مكمن الخطورة", مازالت سوقا طائشة وتحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لترويضها لتصبح سوقا ناشئة كمرحلة أولى، لنرتقي بها فيما بعد إلى مرحلة النضوج التي نصبو إليها جميعا كمرحلة ثانية.


مَن السبب في تأخير نضج سوق الأسهم وتغير الاتجاه إلى الطيش بدلا من النضوج؟ الأسباب كثيرة ولكن أهمها جشع بعض كبار المضاربين أصحاب ثقافة "التدبيلة"، كبار المضاربين الذين يهدفون إلى تحقيق أرباح كبيرة في أوقات قصيرة وبأي طريقة كانت ولو على حساب السوق والمتعاملين فيها، هؤلاء رغم علمهم علم اليقين أنه لا توجد محفزات حقيقية لصعود كبير يمكنهم من تحقيق تلك الأرباح، إلا أنهم مازالوا مصرين على ذلك ولو لمدة قصيرة قبل أن تصبح هذه المهمة مستحيلة نتيجة التغيرات التي تحصل في السوق ونتيجة ما تبذله هيئة السوق المالية من جهود كبيرة تسابق بها الزمن لضبط السوق المالية لتلعب دورها الحقيقي الذي أنشئت من أجله.
وهذا ما جعلهم يتجهون إلى تكتيك جديد يقوم على إحداث ذبذبة يومية كبيرة (نحو ألف نقطة في بعض الأيام) دون أسباب جوهرية، تمكنهم من تحقيق أرباح كبيرة تعادل ما كانوا يحصلون عليه من أرباح أيام وجود المحفزات التي أدت إلى الصعود الجنوني قبل انهيار شباط (فبراير)، اتجهوا إلى هذا التكتيك لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم لا يستطيعون رفع المؤشر بشكل كبير وإلى الأرقام السابقة لعدة أسباب، أهمها قدرة هيئة السوق المالية على رصد وضبط المتلاعبين وتحويلهم إلى المحاسبة الشديدة، بما لديها من تقنيات تمكنها من الكشف على التدوير الوهمي للأسهم بين المحافظ، وبما لديها من صلاحيات للادعاء على هؤلاء لدى لجنة منازعات الأوراق المالية, خاصة أن مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, وجه الجهات المعنية "ومن أهمها هيئة السوق المالية " باتخاذ جميع الخطوات والإجراءات المؤدية إلى انتظام سوق الأسهم وحسن أدائها والتعامل مع كل العوامل المؤثرة فيها, حيث أكد على مضاعفة الجهود لمراقبة التداول بدقة وعدم التهاون في تطبيق النظام.

وأكاد أجزم أن الاستمرار بهكذا تذبذبات سيؤول في النهاية إلى طرد الأموال الاستثمارية الراغبة في الدخول إلى سوق الأسهم، وهو ما بدأنا نلاحظه منذ مدة، وهذا بالتأكيد سيجعل سوقنا تنزل إلى أرقام لا نتمنى رؤيتها أو حتى السماع بها، كون الأموال الاستثمارية هي عماد استقرار الأسواق المالية, أما الأموال المضاربة فهي أموال ساخنة تدخل سريعا وتخرج أسرع بعد تحقيق الأرباح الطائلة.
وإذا علمنا أن مكرر الربحية في السوق السعودية نحو 20 وهو ما لا يتناسب مع أسعار الفائدة التي أعلنتها مؤسسة النقد العربي السعودي, التي تعتبر أكثر جذبا من الأسهم في حال بقاء المكرر في هذا الحال أو أكثر، وإذا علمنا أيضا أن مكرر الربحية في السوق السعودية هو الأكبر عالميا "في الأسواق المجاورة أقل من 15"، وأضفنا إلى كل ذلك نتائج الربع الثاني التي تشير إلى انخفاض أو ثبات ربحية الشركات القيادية, خاصة البتروكيماوية منها, لأدركنا اتجاه السوق في القادم من الأيام.

كيف ننتقل بسوقنا وبالتالي اقتصادنا إلى بر الأمان؟ في ظني أن على جميع المتعاملين في سوق الأسهم مسؤولية يجب تحملها لدعم جهود هيئة السوق المالية في سعيها إلى إيجاد سوق مالية ناضجة. نعم على جميع المتعاملين, خاصة المؤسسات المالية التي رخصت لها هيئة السوق المالية أن تسهم إسهاما فاعلا في التوعية والتوجيه، توعية المستثمرين لتطوير قدراتهم وخبراتهم المالية والاستثمارية في مجال الأوراق المالية، وتوجيه الغالبية منهم, خاصة صغار المستثمرين, إلى الاستعانة بمكاتب المشورة أو الاستثمار من خلال المتاح من الصناديق الاستثمارية المرخصة التي تأخذ في عين الاعتبار معدلات الربحية ومستويات المخاطرة.
وختاما لا يفوتني أن أنوه بالجهود التي تبذلها جميع الوسائل الإعلامية والعاملين فيها لتوعية المستثمرين بالبدائل الاستثمارية المتاحة وكيفية الاستفادة منها في تنمية مدخراتهم، وهم يشكرون على هذا الدعم الذي يعزز دور هيئة السوق المالية في ضبط السوق وتطويرها وتنظيمها، لينعم المستثمرون بقناة استثمارية جيدة، وينعم رجال الأعمال بمصدر تمويلي أمثل لتأسيس الشركات أو لتوسيعها، وينعم الوطن بنهضة شاملة تتناسب وحجم الإيرادات التي حبانا الله بها.