ليال
28-07-2006, 09:49 PM
الحـمـد لله رب الـعـالمـيـن، وصلى الله وسلم وبــارك على عـبـده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. أما بعد:
فلم يعد خافياً على أحد ما تـشـهـده مجتمعات المسلمين اليوم من حملة محمومة من الذين يتبعون الشهوات على حجاب الـمـرأة وحـيـائـهـــا وقرارها في بيتها؛ حيث ضاق عطنهم وأخرجوا مكنونهم ونفذوا كثيراً من مخططاتهم في كـثـيـر من مجتمعات المسلمين؛ وذلك في غفلة وقلة إنكار من أهل العلم والصالحين.
ثبت عــــــن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "ما تركت فتنة هي أضر على الرجال من النساء"، وقـــوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
في مجتمع محافظ لا يعرف نساؤه إلا الحجاب الكامل والبعد عن الأجانب لنا في ذلك عدة وقفات:
الوقفة الأولى:
إن هناك فرقاً في تناول قضية الحجاب ـ وهل يدخل في ذلك الوجــــه أم لا؟ ـ بين أن يقع اختلاف بين العلماء المخلصين في طلب الحق، المجتهدين في تحري الأدلـــة، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ بين مضاعفة الأجر مع الشكر، وبين الأجر الواحد مـــــع العذر ـ هناك فرق بين أولئك وبين من يتبع الزلات، ويحكم بالتشهي، ويرجِّح بالهوى؛ لأن وراء الأكمة ما وراءها؛ فيؤول حاله إلى الفسق وَرِقَّة الدين ونقص العبودية وضعف الاسـتـسلام لشرع الله ـ عز وجـل ـ.
ثم يأتي القوم فيحملون رخصة الإسلام للمرأة في الخروج من البيت للحاجة وهي الرخصة المشروطة بالتستر والتعفف؛ على أنه يحـــــل لها أن تغدو وتروح في الطرقات، وتتردد إلى المتنزهات والملاعب والسينما في أبهى زينة، وأفـتـنـها للناظرين، ثم يتخذ إذن الإسلام لها في ممارسة أمور غير الشؤون المنزلية ـ وتدخل في النشاط السياسي والاقتصادي والعمراني تماماً وحذو القُذَّة بالقذة كما فعلت الإفرنجية.
الوقفة الثانية:
وهي نـتـيـجة للوقفة الأولى، وذلك بأن ينظر إلى قضية الحجاب اليوم وما يدور بينها وبين السفور مـن معارك إلى أنها لم تعد قضية فرعية ومسألة خلافية فيها الراجح والمرجوح بين أهل العلـم، ولكنها باتت قضية عقدية مصيرية ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله ـ عز وجـــل ـ فـي كل صغيرة وكبيرة وعدم فصله عن شؤون الحياة كلها؛ لأن ذلك هو مقتضى الرضى بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
إن التشنيع عـلـى تـغـطـيـــــة المرأة وجهها والتهالك على خروجها من بيتها واختلاطها بالرجال ليست اليوم مسألة فقهية فرعية ولكنها مسألة خطيرة لها ما بعدها؛ لأنها تقوم عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس وعلى تغريب المجتمع وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنه بالطلقة الأولى.
وإن لنا في جعل قضية الحجــاب اليوم قضية أصولية كلية مع أن محلها كتب الفروع ـ إن لنا في ذلك أسوة في سلف الأمة؛ حيث صنفوا بعض المسائل الفرعية مع أصول الاعتقاد لَمَّا رأوا أن أهل البدع يشنِّعون على أهل السنة فيها ويفاصلون عليها.
ويراه مـــــن إنصاف المرأة المهضومة الحق على دعواه! فهذا يكفر لثلاثة أوجه:
الأول: لمخالفته القرآن:((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ))[الأحزاب: 59].
الثاني: لمحبته إظهار الفاحشة في المؤمنين. ونتيجة رفع الحجاب، وإطلاق حرية المرأة، واختلاط الرجال بالنساء: هو ظهور الفاحشة، وهو بيِّنٌ لا يحتاج إلى دليل.
الثالث: نسبةُ الحيف على المرأة وظلمها إلى الله ـ تعالى الله عما يقول المارقون ـ؛ لأنه هو الذي أمر نبيه بذلك، وهو بيِّنٌ أيضاً.
وصرح الشيخ محمد بن يوسف الكافي أيضاً بتكفير من أظهرت زينتها الخلقية أو المكتسبة، معتقدة جواز ذلك، فقال في كتابه المشار إليه ما نصُّه: "المسألة السادسة والثلاثون": من أظهرت من النساء زينتها الخِلقـيــة أو المكتسبة؛ فالخلقية: الوجه والعنق والمعصم ونحو ذلك، والمكتسبة ما تتحلى وتتزين به الخلقة كالكحل في العين، والعقد في العنق، والخاتم في الإصبع، والأساور في المعصم، والخلخال في الرِّجل، والثياب الملونة على البدن، ففي حكم ما فعلتْ تفصيل:
فإن أظهرت شيئاً مما ذُكِرَ معتقدة عدم جواز ذلك، فهي مؤمنة فاسقة تجب عليها التوبة من ذلك، وإن فعلته معتقدة جواز ذلك فهي كافرة لمخالفتها القرآن؛ لأن القرآن نهاها عن إظهار شيء من زينتها لأحد إلا لمن استثناه القرآن، قال الله ـ تعالى ـ: ((ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ)) [النور: 31].
قال هشام بن عمار: سمعت مالكاً يقول من سَبَّ أبا بكر وعمر أُدِّب، ومن سَبَّ عائشة قُتِل؛ لأن الله يقول:((يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) [النور: 71]. فمن سَبَّ عائشة فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قُتِل أي لأنه اسـتـبــاح ما حرَّم الله ـ تعالى ـ انتهى.
الوقفة الثالثة:
لـيـس الـمقصود في هذه الوقفات حشداً للأدلة الموجبة لستر وجه المرأة وكفيها عن الرجال الأجانب ووجــــوب الابتعاد عنهم؛ فهي كثيرة وصحيحة وصريحة ـ والحمد لله ـ ويمكن الرجوع إليها في فــتـاوى أهــــــــل العلم الراسخين ورسائلهم كرسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين. ومن الكتب التي توسعت في هذا الموضوع وردَّت على شبهات المخالفين كتاب: (عـودة الحجاب/ القسم الثالث) للــدكتور محـمـد بـن إسماعيل المقدم ـ حفظه الله ـ وإنما المقصود في هذه المقالة ما ذكر سابقاً مــــن فــضـــح نوايا المنادين بكشف الوجه والاختلاط بالرجال، وأن وراء ذلك خطوات وخطوات من الفـســاد والإفساد؛
وأخرجـوهـــا من بيتها بوسائل الدعاية والمكر والخداع؛ فمن قال بعد ذلك: إن كشف المرأة عــن وجهها أو شـيء من جسدها لا يثير الفتنة فهو ـ والله ـ مغالط مكابر لا يوافقه في ذلك من له مُسْكَة من دين أو عقل أو مروءة.
وفيما يلي نُقُول عن بعض الأئمة تؤكد أن التزام الحجاب كـــــــــان أحد معالم "سبيل المؤمنين" في شتى العصور: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تـعــالى ـ: "كانت سُنَّة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب، والأَمَةُ تبرز".
وقال أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ: "لم يزل الرجــــال عـلـى مـــر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات".
وقــال الحافظ ابن حجر: "لم تزل عـــادة الـنـســاء قديماً وحديثاً أن يسترن وجوههن عن الأجانب".
وقــد يتعلق دعاة السفور أيضاً ببعض الحالات التي أذن الشارع للمرأة فيها بكشف وجهها لغير مـحـارمـها كرؤية الخاطب لمخطوبته، وعند التداوي ـ إذا عدمت الطبيبة بشرط عدم الخلوة ـ وعند الـشـهـــادة أمـــام الـقـاضــي ونحوها، وهذا كله من يُسْر الشريعة وسماحة الإسلام؛ حيث رُخِّص للمرأة إذا اقتضت المصلحة الراجحة والحاجة الماسة أن تكشف عن وجهها في مثل هذه الأحكام؛ وليس في هــــــذا أدنى مُتَعَلَّق لدعاة السفور؛ لأن الأصل هو الحجاب الكامل وهذه رخص تزول إذا زالت الحاجة إليه.
الوقفة الرابعة:
ومن منطلق النصح والشفقة وإقامة الحجة أتوجـــــه بالكلمات الآتية إلى أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم وأساؤوا إلى مجتمعهم وأمتهم وخانوا أمـانـاتهم وحملوا بذلك أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم ـ ألا ساء ما يزرون ـ فأرجو أن تجــــد هذه الكلمات آذاناً صاغية وقلوباً واعية قبل مباغتة الأجل وهجوم الموت؛ حيث لا تقبل الـتـوبـــة ولا ينفع الندم.
1 - أذكِّركم بموعظة الله تعالى ؛ إذ يقول: ((قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)) [سبأ: 46].
سيأتي اليوم الذي يمقت فيه أهل الفساد أنفسهم، ويتحسرون على ما فرطوا وضيعوا وأفسدوا، وذلك في يوم الحسرة؛ حيث لا ينفع التحسر ولا التندم، فعليكم بالتوبة قبل أن يـحــــــــال بينكم وبينها.
2 - أذكِّركم بيوم الحسرة والندامة يوم يتبرأ منكم الأتباع وتتبرؤون من الأتباع، ولكن حين لا يـنـفــع الاستعتاب ولا التنصل ولا التبرؤ، بل كما قال ـ تعالى ـ: ((وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَذِينَ كَفَرُوا هـَــــــلْ يُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [سبأ: 33].
أذكِّـركــم بالأثقال العظيمة التي ستحملونها يوم القيامة من أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم إن لــم تتوبوا، قال ـ تعالى ـ: ((ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ولَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)) [العنكبوت: 13]، وقال ـ عز وجل ـ:((لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ ومِنْ أَوْزَارِ الَذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)) [النحل:25].
وإن الظالمين جميعهم رئيسهم ومرؤوسهم، تابعهم ومتبوعهم لهم يوم مشهود ويوم عصيب، يوم يـكـفــر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ويحيل التبعة بعضهم على بعض؛ ولكن حين لا يجدي لهم ذلك إلا الخزي والبوار.
3 - إن لم يُـجْـدِ واعــظُ الله ـ سبحانه ـ والـدار الآخرة فيكم فلا أقل من أن يوجد عندكم بقية مروءة وحياء تمنعكم من إفساد المرأة وإفساد المجتمع بأسره.
إن المتأمل لحال المتبعين للشهوات اليوم لـيـأخــــــذه العجب والحيرة من أمرهم! فما لهم وللمرأة المسلمة التي تقر في منزلها توفر السكن لزوجـهــــــا وترعى أولادها؟ ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها؟ ماذا يريدون من عملهم هذا؟!
ثــم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخير والدين والخصال الكريمة؟ ماذا يريـدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد المختلفة عليهم؟ هل يريدون جيلاً منحلاًّ يكون وبالاً على مجتمعه ذليلاً لأعدائه عبداً لشهواته؟ إن هذه هي النتيجة؛ وإن من يسعى لهذه النتيجة الوخيمة التي تتجه إليها الأسر المسلمة اليوم لهو من أشد الناس خيانة لمجتمعه وأمته وتاريخه.
4 - يا قومنا! أعدوا للسؤال جواباً وذلك حين يسألكم عالم الغيب والشهادة عن مقاصدكم في حملتكم وإجلابكم على المرأة وحـجــابـهــــا وقرارها في بيتها، فماذا أنتم قائلون لربكم ـ سبحانه ـ؟ إنكم تستطيعون أن تفروا مــن المخلوق فتدلِّســـون وتلبِّسون، وقـد يظهــر ذلك للناس في لحـن القــول وقـد لا يظهر؛ لكن كيف الفرار ممن يعلم ما تخفون وما تعلنون؟ ((يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" [الحاقة: 81]. فتوبوا إلى علاَّم الغيوب ما دمتم في زمن التوبة، وصحِّحوا بواطنكم قبل أن يُبعثَر ما في القبور ويُحَصَّل ما في الصدور.
وختاماً:
أوصي نفسي وإخـــواني المسلمين الحريصين على دينهم وأعراضهم وسلامة مجتمعاتهم من الفساد بأن يكونوا يقظين لما يطرحه الظالمون لأنفسهم وأمتهم من كتابات وحوارات مؤداها دعوة إلى سفور الـمـــــرأة واختلاطها بالرجال الأجانب، فما دامت المدافعة بين المصلحين والمفسدين فإن الله ـ عــز وجــــل ـ يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق.
أســــــأل الله ـ عز وجل ـ أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعز دينه ويـعـلـي كلمته، وأن يرد كيد المفسدين في نحورهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
منقول
فلم يعد خافياً على أحد ما تـشـهـده مجتمعات المسلمين اليوم من حملة محمومة من الذين يتبعون الشهوات على حجاب الـمـرأة وحـيـائـهـــا وقرارها في بيتها؛ حيث ضاق عطنهم وأخرجوا مكنونهم ونفذوا كثيراً من مخططاتهم في كـثـيـر من مجتمعات المسلمين؛ وذلك في غفلة وقلة إنكار من أهل العلم والصالحين.
ثبت عــــــن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "ما تركت فتنة هي أضر على الرجال من النساء"، وقـــوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
في مجتمع محافظ لا يعرف نساؤه إلا الحجاب الكامل والبعد عن الأجانب لنا في ذلك عدة وقفات:
الوقفة الأولى:
إن هناك فرقاً في تناول قضية الحجاب ـ وهل يدخل في ذلك الوجــــه أم لا؟ ـ بين أن يقع اختلاف بين العلماء المخلصين في طلب الحق، المجتهدين في تحري الأدلـــة، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ بين مضاعفة الأجر مع الشكر، وبين الأجر الواحد مـــــع العذر ـ هناك فرق بين أولئك وبين من يتبع الزلات، ويحكم بالتشهي، ويرجِّح بالهوى؛ لأن وراء الأكمة ما وراءها؛ فيؤول حاله إلى الفسق وَرِقَّة الدين ونقص العبودية وضعف الاسـتـسلام لشرع الله ـ عز وجـل ـ.
ثم يأتي القوم فيحملون رخصة الإسلام للمرأة في الخروج من البيت للحاجة وهي الرخصة المشروطة بالتستر والتعفف؛ على أنه يحـــــل لها أن تغدو وتروح في الطرقات، وتتردد إلى المتنزهات والملاعب والسينما في أبهى زينة، وأفـتـنـها للناظرين، ثم يتخذ إذن الإسلام لها في ممارسة أمور غير الشؤون المنزلية ـ وتدخل في النشاط السياسي والاقتصادي والعمراني تماماً وحذو القُذَّة بالقذة كما فعلت الإفرنجية.
الوقفة الثانية:
وهي نـتـيـجة للوقفة الأولى، وذلك بأن ينظر إلى قضية الحجاب اليوم وما يدور بينها وبين السفور مـن معارك إلى أنها لم تعد قضية فرعية ومسألة خلافية فيها الراجح والمرجوح بين أهل العلـم، ولكنها باتت قضية عقدية مصيرية ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله ـ عز وجـــل ـ فـي كل صغيرة وكبيرة وعدم فصله عن شؤون الحياة كلها؛ لأن ذلك هو مقتضى الرضى بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
إن التشنيع عـلـى تـغـطـيـــــة المرأة وجهها والتهالك على خروجها من بيتها واختلاطها بالرجال ليست اليوم مسألة فقهية فرعية ولكنها مسألة خطيرة لها ما بعدها؛ لأنها تقوم عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس وعلى تغريب المجتمع وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنه بالطلقة الأولى.
وإن لنا في جعل قضية الحجــاب اليوم قضية أصولية كلية مع أن محلها كتب الفروع ـ إن لنا في ذلك أسوة في سلف الأمة؛ حيث صنفوا بعض المسائل الفرعية مع أصول الاعتقاد لَمَّا رأوا أن أهل البدع يشنِّعون على أهل السنة فيها ويفاصلون عليها.
ويراه مـــــن إنصاف المرأة المهضومة الحق على دعواه! فهذا يكفر لثلاثة أوجه:
الأول: لمخالفته القرآن:((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ))[الأحزاب: 59].
الثاني: لمحبته إظهار الفاحشة في المؤمنين. ونتيجة رفع الحجاب، وإطلاق حرية المرأة، واختلاط الرجال بالنساء: هو ظهور الفاحشة، وهو بيِّنٌ لا يحتاج إلى دليل.
الثالث: نسبةُ الحيف على المرأة وظلمها إلى الله ـ تعالى الله عما يقول المارقون ـ؛ لأنه هو الذي أمر نبيه بذلك، وهو بيِّنٌ أيضاً.
وصرح الشيخ محمد بن يوسف الكافي أيضاً بتكفير من أظهرت زينتها الخلقية أو المكتسبة، معتقدة جواز ذلك، فقال في كتابه المشار إليه ما نصُّه: "المسألة السادسة والثلاثون": من أظهرت من النساء زينتها الخِلقـيــة أو المكتسبة؛ فالخلقية: الوجه والعنق والمعصم ونحو ذلك، والمكتسبة ما تتحلى وتتزين به الخلقة كالكحل في العين، والعقد في العنق، والخاتم في الإصبع، والأساور في المعصم، والخلخال في الرِّجل، والثياب الملونة على البدن، ففي حكم ما فعلتْ تفصيل:
فإن أظهرت شيئاً مما ذُكِرَ معتقدة عدم جواز ذلك، فهي مؤمنة فاسقة تجب عليها التوبة من ذلك، وإن فعلته معتقدة جواز ذلك فهي كافرة لمخالفتها القرآن؛ لأن القرآن نهاها عن إظهار شيء من زينتها لأحد إلا لمن استثناه القرآن، قال الله ـ تعالى ـ: ((ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ)) [النور: 31].
قال هشام بن عمار: سمعت مالكاً يقول من سَبَّ أبا بكر وعمر أُدِّب، ومن سَبَّ عائشة قُتِل؛ لأن الله يقول:((يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) [النور: 71]. فمن سَبَّ عائشة فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قُتِل أي لأنه اسـتـبــاح ما حرَّم الله ـ تعالى ـ انتهى.
الوقفة الثالثة:
لـيـس الـمقصود في هذه الوقفات حشداً للأدلة الموجبة لستر وجه المرأة وكفيها عن الرجال الأجانب ووجــــوب الابتعاد عنهم؛ فهي كثيرة وصحيحة وصريحة ـ والحمد لله ـ ويمكن الرجوع إليها في فــتـاوى أهــــــــل العلم الراسخين ورسائلهم كرسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين. ومن الكتب التي توسعت في هذا الموضوع وردَّت على شبهات المخالفين كتاب: (عـودة الحجاب/ القسم الثالث) للــدكتور محـمـد بـن إسماعيل المقدم ـ حفظه الله ـ وإنما المقصود في هذه المقالة ما ذكر سابقاً مــــن فــضـــح نوايا المنادين بكشف الوجه والاختلاط بالرجال، وأن وراء ذلك خطوات وخطوات من الفـســاد والإفساد؛
وأخرجـوهـــا من بيتها بوسائل الدعاية والمكر والخداع؛ فمن قال بعد ذلك: إن كشف المرأة عــن وجهها أو شـيء من جسدها لا يثير الفتنة فهو ـ والله ـ مغالط مكابر لا يوافقه في ذلك من له مُسْكَة من دين أو عقل أو مروءة.
وفيما يلي نُقُول عن بعض الأئمة تؤكد أن التزام الحجاب كـــــــــان أحد معالم "سبيل المؤمنين" في شتى العصور: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تـعــالى ـ: "كانت سُنَّة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب، والأَمَةُ تبرز".
وقال أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ: "لم يزل الرجــــال عـلـى مـــر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات".
وقــال الحافظ ابن حجر: "لم تزل عـــادة الـنـســاء قديماً وحديثاً أن يسترن وجوههن عن الأجانب".
وقــد يتعلق دعاة السفور أيضاً ببعض الحالات التي أذن الشارع للمرأة فيها بكشف وجهها لغير مـحـارمـها كرؤية الخاطب لمخطوبته، وعند التداوي ـ إذا عدمت الطبيبة بشرط عدم الخلوة ـ وعند الـشـهـــادة أمـــام الـقـاضــي ونحوها، وهذا كله من يُسْر الشريعة وسماحة الإسلام؛ حيث رُخِّص للمرأة إذا اقتضت المصلحة الراجحة والحاجة الماسة أن تكشف عن وجهها في مثل هذه الأحكام؛ وليس في هــــــذا أدنى مُتَعَلَّق لدعاة السفور؛ لأن الأصل هو الحجاب الكامل وهذه رخص تزول إذا زالت الحاجة إليه.
الوقفة الرابعة:
ومن منطلق النصح والشفقة وإقامة الحجة أتوجـــــه بالكلمات الآتية إلى أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم وأساؤوا إلى مجتمعهم وأمتهم وخانوا أمـانـاتهم وحملوا بذلك أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم ـ ألا ساء ما يزرون ـ فأرجو أن تجــــد هذه الكلمات آذاناً صاغية وقلوباً واعية قبل مباغتة الأجل وهجوم الموت؛ حيث لا تقبل الـتـوبـــة ولا ينفع الندم.
1 - أذكِّركم بموعظة الله تعالى ؛ إذ يقول: ((قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)) [سبأ: 46].
سيأتي اليوم الذي يمقت فيه أهل الفساد أنفسهم، ويتحسرون على ما فرطوا وضيعوا وأفسدوا، وذلك في يوم الحسرة؛ حيث لا ينفع التحسر ولا التندم، فعليكم بالتوبة قبل أن يـحــــــــال بينكم وبينها.
2 - أذكِّركم بيوم الحسرة والندامة يوم يتبرأ منكم الأتباع وتتبرؤون من الأتباع، ولكن حين لا يـنـفــع الاستعتاب ولا التنصل ولا التبرؤ، بل كما قال ـ تعالى ـ: ((وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَذِينَ كَفَرُوا هـَــــــلْ يُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [سبأ: 33].
أذكِّـركــم بالأثقال العظيمة التي ستحملونها يوم القيامة من أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم إن لــم تتوبوا، قال ـ تعالى ـ: ((ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ولَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)) [العنكبوت: 13]، وقال ـ عز وجل ـ:((لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ ومِنْ أَوْزَارِ الَذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)) [النحل:25].
وإن الظالمين جميعهم رئيسهم ومرؤوسهم، تابعهم ومتبوعهم لهم يوم مشهود ويوم عصيب، يوم يـكـفــر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ويحيل التبعة بعضهم على بعض؛ ولكن حين لا يجدي لهم ذلك إلا الخزي والبوار.
3 - إن لم يُـجْـدِ واعــظُ الله ـ سبحانه ـ والـدار الآخرة فيكم فلا أقل من أن يوجد عندكم بقية مروءة وحياء تمنعكم من إفساد المرأة وإفساد المجتمع بأسره.
إن المتأمل لحال المتبعين للشهوات اليوم لـيـأخــــــذه العجب والحيرة من أمرهم! فما لهم وللمرأة المسلمة التي تقر في منزلها توفر السكن لزوجـهــــــا وترعى أولادها؟ ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها؟ ماذا يريدون من عملهم هذا؟!
ثــم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخير والدين والخصال الكريمة؟ ماذا يريـدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد المختلفة عليهم؟ هل يريدون جيلاً منحلاًّ يكون وبالاً على مجتمعه ذليلاً لأعدائه عبداً لشهواته؟ إن هذه هي النتيجة؛ وإن من يسعى لهذه النتيجة الوخيمة التي تتجه إليها الأسر المسلمة اليوم لهو من أشد الناس خيانة لمجتمعه وأمته وتاريخه.
4 - يا قومنا! أعدوا للسؤال جواباً وذلك حين يسألكم عالم الغيب والشهادة عن مقاصدكم في حملتكم وإجلابكم على المرأة وحـجــابـهــــا وقرارها في بيتها، فماذا أنتم قائلون لربكم ـ سبحانه ـ؟ إنكم تستطيعون أن تفروا مــن المخلوق فتدلِّســـون وتلبِّسون، وقـد يظهــر ذلك للناس في لحـن القــول وقـد لا يظهر؛ لكن كيف الفرار ممن يعلم ما تخفون وما تعلنون؟ ((يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" [الحاقة: 81]. فتوبوا إلى علاَّم الغيوب ما دمتم في زمن التوبة، وصحِّحوا بواطنكم قبل أن يُبعثَر ما في القبور ويُحَصَّل ما في الصدور.
وختاماً:
أوصي نفسي وإخـــواني المسلمين الحريصين على دينهم وأعراضهم وسلامة مجتمعاتهم من الفساد بأن يكونوا يقظين لما يطرحه الظالمون لأنفسهم وأمتهم من كتابات وحوارات مؤداها دعوة إلى سفور الـمـــــرأة واختلاطها بالرجال الأجانب، فما دامت المدافعة بين المصلحين والمفسدين فإن الله ـ عــز وجــــل ـ يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق.
أســــــأل الله ـ عز وجل ـ أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعز دينه ويـعـلـي كلمته، وأن يرد كيد المفسدين في نحورهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
منقول