فريج النجادة
27-09-2013, 11:58 PM
عندما يميل الطفل ذو الحولين إلى تجنب الاتصال بالعين وملامسة الأشخاص والتحرك بشكل لولبي، يكون القدر قد فتح على عائلته أبوابا من البلاء، ستظل مشرعة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ففي لحظة جزم الطبيب بأن الطفل مصاب بالتوحد يُعد ذلك إيذانا بأن أبويه ينتظرهم من المصائب والمشاغل ما لا يقدّر حجمه المعافون من النكبات.
ومع أن الكثير من الأمراض بات يحتضر بحكم الاكتشافات العملية والأبحاث الطبية، فإن داء التوحد لا يزال صامدا أمام زحف المعامل والمختبرات، ورغم تطور البنية الطبية والبحثية في قطر، فإن أولياء أمور المتوحدين يتحدثون عن فظاعات ومآس يندى لها الجبين.
ففي حديث أجرته «العرب» مع العديد من العوائل تبين أن ذوي المصابين بالتوحد تتملكهم الحيرة والقلق, ويعانون من تشتت ذهني جراء تضارب المعلومات وتدني الخدمات.
وفي الحالات التي يقرر فيها أولياء الأمور الاعتماد على أنفسهم وشد الرحال بحثا عن العلاج يجدون أمامهم من المعاناة والتكاليف الشيء الكثير.
ورغم الحديث عن جهود قطر في رعاية المتوحدين، فإن الخدمات متواضعة والعلاجات البديلة غير متوفرة إطلاقا، بينما تُطلب النجدة من أميركا للحصول على المكملات الغذائية والفيتامينات.
وأمام هذا الواقع المهول يدعو أولياء الأمور المعنيون بالشأن الصحي إلى جلب طواقم متخصصة في هذا المجال، وتوفير الغذاء، وتجويد الخدمات.
تقصير كبير
ويقول أحمد الأنصاري إنه غير راض عن أسلوب الجهة المعنية بالتشخيص في قطر «وهناك تقصير كبير في التفاعل مع المصابين».
وحسب الأنصاري، وهو أب لطفلة مصابة بالتوحد، فإن الخطوات الإرشادية في قطر غير سليمة، وأحيانا يعطي الطبيب الخاص إرشادات خاطئة، قائلا إن الخدمات متواضعة ولا يوجد في الوقت الحالي أي علاج.
ويأسف الأنصاري, فحتى مع تطور البحوث ذات العلاقة بالتوحد ووجود أطباء يعالجون المصابين في مصر والكويت والسعودية لا يوجد في قطر أي علاج، ويقتصر التدخل على العلاج التأهيلي فقط.
لكن التأهيل في الرميلة غير منتج أيضا، نظرا لاقتصاره على ثلاث ساعات في الأسبوع، بينما التأهيل يتطلب وقتا كثيرا, ومن الطبيعي أن تكون النتيجة على حسب مقدار الجرعة، ومع أن مركز الشفلح مركز متكامل ويقدم خدمات تأهيلية ناضجة وناجحة، فإنه لا يقدم سوى رعاية طبية أولية فقط.
أما حول الخدمات أو الإعانات التي يقدمها الضمان الاجتماعي للمتوحدين فيلاحظ الأنصاري أن العديد من أولياء الأمور لا يعلمون عنها شيئا, ما ينم عن تقصير في التوعية والتثقيف.
بيد أن الأنصاري يحمل مستشفى حمد هذا التقصير، فمن المفروض عند تشخيص الحالة إخبار ذويها بحقوقهم والخدمات التي تقدم لهم في مختلف المؤسسات.
الطب البديل
وينادي الأنصاري بضرورة أن تلتحق قطر بركب الطب البديل الذي بات ينجح في علاج نسبة %20 من المتوحدين، ويفتح آمالا عريضة أمام أولياء الأمور.
ويقول إن «مؤسسة التوحد للأبحاث» في أميركا باتت منتدى للطب البديل, وتضم ألف دكتور من مختلف العالم, يقدمون طرق علاج مختلفة للمصابين تعطي نتائج, ومن غير أضرار جانبية.
وما دامت طرق الطب البديل تعطي نتائج إيجابية، فمن الضروري اتباعها في قطر، بحسب قول الأنصاري الذي خاطب مستشفى حمد باستعداده لتجريب هذه الطرق على ابنته، لكن المعنيين رفضوا الأمر بشكل قاطع.
ويضيف غياب هذه الحلول في قطر رتب أعباء كبيرة على أولياء أمور المتوحدين، حيث يضطرون للسفر إلى مصر والسعودية والكويت لمقابلة الأطباء.
ويقول الأنصاري إنه سافر أكثر من مرة إلى الكويت ومصر, ولم يحصد نتائج إيجابية لعدم تمكنه من المتابعة بشكل متقارب، حيث يزور الأطباء كل ستة شهور, بينما الطبيعي أن تكون المتابعة كل شهر.
وبالإضافة إلى أعباء السفر والانشغالات تكلف زيارة الأطباء في الخارج مبالغ طائلة، حيث يتقاضى المعالج دفعة أولية بقيمة 15 ألف ريال.
وتتعدد أوجه معاناة المتوحدين, حيث يلزمهم الحصول على مكملات غذائية وأدوية غير متوفرة في المنطقة, ما يستدعي طلبها من الولايات المتحدة، وتكلف الوصفة الواحدة 4 آلاف ريال.
وبين الحيرة والقلق والتشتت تخور قوى أولياء الأمور, فيعيشون في وضع نفسي فظيع لا يمكن تقدير حجمه.
ويقول الأنصاري إن شعور الشخص بأنه عاجز عن مساعدة فلذة كبده وإنقاذه من الضياع، تترتب عليه معاناة نفسية لا يمكن تحملها ولا يجدي معها سوى طلب اللطف من الله واحتساب الأجر عنده.
نقص الخبرة
أما سعيد الشحي فيقول إنه لا توجد خبرة ولا توجيه «فنحن تائهون وقد شاركنا في الكثير من الدورات التي لم تسعفنا في التعامل مع الولد».
ويلاحظ الشحي أن هناك فرقا كبيرا بين المعاملة التي يلقاها مرضى التوحد في قطر ونظراؤهم في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويتعزز مأزق أولياء أمور المتوحدين في مجال التغذية بالذات, حيث ينصح المصاب بتناول ما يسمى الأكلات العضوية والتي لم تتوفر في قطر إلى الآن، رغم ما يشاع عن تقدم رعاية الدولة لهذه الشريحة من المجتمع، حسب الشحي.
وكثيرا ما يضطر الشحي للسفر للسعودية من أجل شراء مأكولات لولده المتوحد، ما يضيف عليه أعباء مادية وبدنية لا يمكن تحملها على مرّ السنين.
وبعد مقابلات كثيرة مع مسؤولي التغذية في مستشفى حمد، خرج الشحي خالي الوفاض، ولم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حتى إنه باب يعتقد أن المعنيين بالتوحد لا يفقهون عنه شيئا «فلم نتوصل لأية معلومة مفيدة حتى الآن».
ويأسف لأنه لا توجد حلول لمرضى التوحد ولا بدائل غذائية «فكل طبيب له رأي مغاير للآخر وبعد الركض وراء الجميع لم نلحظ أي تحسن».
رقم كبير
وحسب تقدير الشحي، فإن المصابين بالتوحد كثيرون في قطر, ومن الملح جلب خبراء واختصاصيين في هذا المجال، في نظره.
ويضيف أن زيارة صالة استقبال أولياء المتوحدين في قسم التأهيل الاجتماعي بمشفى الرميلة تكشف عن مآسٍ وفظاعات ترهق كواهل الأسر ويندى لها الجبين.
وبين رعاية الأطفال والركض وراء سراب الحلول يتوزع وقت أولياء أمور المتوحدين، ليعودوا في مسائهم يسألون ربهم العون على محنة لا يلوح لها حل في الأفق.
ويستغرب الشحي: وحتى مركز الشفلح الذي يضم مراكز بحثية وكوكبة من المختصين لا يملك إجابات شافية تهدئ من روع أولياء الأمور.
وأمام الحيرة يسلم أولياء الأمور إرادتهم لمحرك جوجل يبحثون عن تجارب ومعلومات شخصية تبدو متضاربة ومرهقة، من حيث التجربة ثم تكون مخيبة للآمال في نهاية المطاف.
وحسب صلات الشحي بأولياء أمور المتوحدين فإن مؤشر القلق مرتفع في صفوهم, ولا توجد أية جهة في البلد يمكن أن تهدئ من روعهم وتمنحهم الأمان.
توتر نفسي
وإلى جانب التوتر النفسي والإرهاق البدني تبدو التكاليف المادية للمتوحدين جحيما لا يطيقه حتى أصحاب الدخول المرتفعة، لأن بعض الفحوص غير متوفرة في قطر، ويكلف إجراؤها في الخارج عشرات الآلاف من الدولارات.
ويقول الشحي: إنه يشتري وجبات خفيفة لابنه من «ميجامرت» تكلف في المتوسط 900 ريال, وأحيانا لا تتوفر, ويتطلب الحصول عليها شد الرحال للرياض، حيث تتوفر كل احتياجات المصابين بالتوحد.
ويكلف جلب الوجبات من الرياض خمسة آلاف ريال شهريا في المتوسط «بينما المكملات الغذائية والأدوية نحضرها من أميركا».
ويقول الشحي: إنه أجرى فحوص دم لابنه في الرياض كلفته 21 ألف ريال قطري، في حين يدفع شهريا أربعة آلاف لمدرسين خاصين, ويرى أن التكاليف المادية رغم كونها باهظة لا تمكن مقارنتها بالمتاعب الأخرى من قبيل التعقيدات السلوكية واضطرابات النوم، والكثير من المشاكل التي تجعل الأبوين في بحث دائم عن منقذ «ولكن لا حياة لمن تنادي».
ويقول إن ولده مثل بقية المتوحدين لا يحبذ الاختلاط بالأطفال ويتمتع بذكاء خارق يمكن استثماره لو توفرت الظروف الملائمة لهذه الشريحة من الأطفال.
وينادي الشحي بجلب طواقم متخصصة في التوحد وبناء مصحات ومشاف يقضي فيها المتوحدون نهارهم على الأقل، وخلق بيئة مناسبة لقدراتهم للتخفيف عن كواهل أولياء الأمور.
الأعراض والأسباب
ووفقا لمجلة «طيبة» الطبية يعتبر مرض التوحد اضطرابا يصيب الدماغ ويؤدي إلى الحد من قدرة الشخص على التواصل والارتباط بالأشخاص الآخرين.
وتظهر أعراض التوحد عند الأطفال في البداية، ويتم تصنيف مرض التوحد حسب شدة الأعراض التي يعاني منها الطفل.
ووفق مقال علمي بالمجلة يكون لدى بعض المصابين بالتوحد قدرة على استكشاف عالمهم، ويملك بعضهم قدرات ومهارات استثنائية «في حين أن آخرين يكافحون من أجل تعلُّم القدرة على الكلام».
ويصيب التوحد حوالي طفل واحد من كل مئة وعشرة أطفال، وتبلغ نسبة الإصابة لدى الفتيان الذكور حوالي أربعة أضعاف النسبة لدى الفتيات الإناث.
وتتفاوت أعراض التوحد من خفيفة إلى شديدة، ويوجد العديد من الطرق المستخدمة في علاج التوحد عند الأطفال التي تشمل البرامج السلوكية والتقنيات المساندة والأدوية.
ورغم التطور العلمي لم يحدد العلماء حتى الحين السبب الكامن وراء مرض التوحد «ولكن بما أن التوحد يكون منتشرا لدى عائلات معينة دون غيرها، فإنه من المرجح أن تلعب الجينات الوراثية دورا محوريا في الإصابة به».
ويعكف باحثون حاليا على معرفة ما إذا كانت المواد الكيميائية في البيئة المحيطة أو الالتهابات قبل الولادة هي المسؤولة عن الإصابة بالتوحد.
دوران لولبي
أما الأعراض فتتمثل في تكرار الحركات بشكل ترددي أو بشكل دوراني لولبي وتجنب الاتصال بالعين أو التلامس الجسدي، والتأخر في تعلم التحدث، وتكرار الكلمات أو العبارات التي تصدر عن الآخرين، والشعور بالانزعاج من أبسط التغييرات.
ويوضح تقرير علمي نشره موقع الجزيرة الإلكتروني نقلا عن وكالة الأنباء الألمانية أن المصابين بالتوحد يميلون للعزلة, ويعجزون عن تفسير العواطف، وفيما لا يقدر البعض على الكلام يتمتع البعض الآخر بقدرات كلامية وحركية متميزة، لكنهم يبقون مختلفين عن أقرانهم. ولا تزال الأبحاث جارية لتحديد أسباب هذا الاختلاف.
ورغم هذه الاختلافات فإن مرضى التوحد يجتمعون في خاصية واحدة، وهي انعزالهم الاجتماعي وصعوبة اندماجهم مع الآخرين.
ووفقا للتقرير تظهر صور دماغ الأشخاص المصابين بالتوحد أن المناطق المسؤولة عن استقبال العواطف واللغة بالدماغ لا تعمل بشكل جيد. في حين تنشط المناطق المسؤولة عن التعرف على الأشياء وتفاصيل الأمور, وهذا يعني وجود نمط معين للسلوك الدماغي يميزهم عن الأشخاص الآخرين.
«كما أن أدمغة الأفراد المصابين بالتوحد تختلف أيضا عن أدمغة العاديين في كيفية توزيع النواقل العصبية كالدوبامين والسيروتونين، والتي تلعب دورا أساسيا في التحكم بالخوف والتحفيز».
وتخلص دراسة أجرتها جامعة فرايبورج بألمانيا إلى وجود علاقة بين الطفرة الجينية والإصابة بالتوحد, بينما توصلت دراسة دنماركية حديثة إلى وجود علاقة بين الإصابة بمرض التوحد والالتهابات الفيروسية التي تحدث خلال الحمل.
ويطالب أولياء الأمور بمركز متكامل يقدم العلاج عن الطب البديل وتقنينه عن طريق جهة حكومية وبإشراف أطباء مختصين.
ففي لحظة جزم الطبيب بأن الطفل مصاب بالتوحد يُعد ذلك إيذانا بأن أبويه ينتظرهم من المصائب والمشاغل ما لا يقدّر حجمه المعافون من النكبات.
ومع أن الكثير من الأمراض بات يحتضر بحكم الاكتشافات العملية والأبحاث الطبية، فإن داء التوحد لا يزال صامدا أمام زحف المعامل والمختبرات، ورغم تطور البنية الطبية والبحثية في قطر، فإن أولياء أمور المتوحدين يتحدثون عن فظاعات ومآس يندى لها الجبين.
ففي حديث أجرته «العرب» مع العديد من العوائل تبين أن ذوي المصابين بالتوحد تتملكهم الحيرة والقلق, ويعانون من تشتت ذهني جراء تضارب المعلومات وتدني الخدمات.
وفي الحالات التي يقرر فيها أولياء الأمور الاعتماد على أنفسهم وشد الرحال بحثا عن العلاج يجدون أمامهم من المعاناة والتكاليف الشيء الكثير.
ورغم الحديث عن جهود قطر في رعاية المتوحدين، فإن الخدمات متواضعة والعلاجات البديلة غير متوفرة إطلاقا، بينما تُطلب النجدة من أميركا للحصول على المكملات الغذائية والفيتامينات.
وأمام هذا الواقع المهول يدعو أولياء الأمور المعنيون بالشأن الصحي إلى جلب طواقم متخصصة في هذا المجال، وتوفير الغذاء، وتجويد الخدمات.
تقصير كبير
ويقول أحمد الأنصاري إنه غير راض عن أسلوب الجهة المعنية بالتشخيص في قطر «وهناك تقصير كبير في التفاعل مع المصابين».
وحسب الأنصاري، وهو أب لطفلة مصابة بالتوحد، فإن الخطوات الإرشادية في قطر غير سليمة، وأحيانا يعطي الطبيب الخاص إرشادات خاطئة، قائلا إن الخدمات متواضعة ولا يوجد في الوقت الحالي أي علاج.
ويأسف الأنصاري, فحتى مع تطور البحوث ذات العلاقة بالتوحد ووجود أطباء يعالجون المصابين في مصر والكويت والسعودية لا يوجد في قطر أي علاج، ويقتصر التدخل على العلاج التأهيلي فقط.
لكن التأهيل في الرميلة غير منتج أيضا، نظرا لاقتصاره على ثلاث ساعات في الأسبوع، بينما التأهيل يتطلب وقتا كثيرا, ومن الطبيعي أن تكون النتيجة على حسب مقدار الجرعة، ومع أن مركز الشفلح مركز متكامل ويقدم خدمات تأهيلية ناضجة وناجحة، فإنه لا يقدم سوى رعاية طبية أولية فقط.
أما حول الخدمات أو الإعانات التي يقدمها الضمان الاجتماعي للمتوحدين فيلاحظ الأنصاري أن العديد من أولياء الأمور لا يعلمون عنها شيئا, ما ينم عن تقصير في التوعية والتثقيف.
بيد أن الأنصاري يحمل مستشفى حمد هذا التقصير، فمن المفروض عند تشخيص الحالة إخبار ذويها بحقوقهم والخدمات التي تقدم لهم في مختلف المؤسسات.
الطب البديل
وينادي الأنصاري بضرورة أن تلتحق قطر بركب الطب البديل الذي بات ينجح في علاج نسبة %20 من المتوحدين، ويفتح آمالا عريضة أمام أولياء الأمور.
ويقول إن «مؤسسة التوحد للأبحاث» في أميركا باتت منتدى للطب البديل, وتضم ألف دكتور من مختلف العالم, يقدمون طرق علاج مختلفة للمصابين تعطي نتائج, ومن غير أضرار جانبية.
وما دامت طرق الطب البديل تعطي نتائج إيجابية، فمن الضروري اتباعها في قطر، بحسب قول الأنصاري الذي خاطب مستشفى حمد باستعداده لتجريب هذه الطرق على ابنته، لكن المعنيين رفضوا الأمر بشكل قاطع.
ويضيف غياب هذه الحلول في قطر رتب أعباء كبيرة على أولياء أمور المتوحدين، حيث يضطرون للسفر إلى مصر والسعودية والكويت لمقابلة الأطباء.
ويقول الأنصاري إنه سافر أكثر من مرة إلى الكويت ومصر, ولم يحصد نتائج إيجابية لعدم تمكنه من المتابعة بشكل متقارب، حيث يزور الأطباء كل ستة شهور, بينما الطبيعي أن تكون المتابعة كل شهر.
وبالإضافة إلى أعباء السفر والانشغالات تكلف زيارة الأطباء في الخارج مبالغ طائلة، حيث يتقاضى المعالج دفعة أولية بقيمة 15 ألف ريال.
وتتعدد أوجه معاناة المتوحدين, حيث يلزمهم الحصول على مكملات غذائية وأدوية غير متوفرة في المنطقة, ما يستدعي طلبها من الولايات المتحدة، وتكلف الوصفة الواحدة 4 آلاف ريال.
وبين الحيرة والقلق والتشتت تخور قوى أولياء الأمور, فيعيشون في وضع نفسي فظيع لا يمكن تقدير حجمه.
ويقول الأنصاري إن شعور الشخص بأنه عاجز عن مساعدة فلذة كبده وإنقاذه من الضياع، تترتب عليه معاناة نفسية لا يمكن تحملها ولا يجدي معها سوى طلب اللطف من الله واحتساب الأجر عنده.
نقص الخبرة
أما سعيد الشحي فيقول إنه لا توجد خبرة ولا توجيه «فنحن تائهون وقد شاركنا في الكثير من الدورات التي لم تسعفنا في التعامل مع الولد».
ويلاحظ الشحي أن هناك فرقا كبيرا بين المعاملة التي يلقاها مرضى التوحد في قطر ونظراؤهم في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويتعزز مأزق أولياء أمور المتوحدين في مجال التغذية بالذات, حيث ينصح المصاب بتناول ما يسمى الأكلات العضوية والتي لم تتوفر في قطر إلى الآن، رغم ما يشاع عن تقدم رعاية الدولة لهذه الشريحة من المجتمع، حسب الشحي.
وكثيرا ما يضطر الشحي للسفر للسعودية من أجل شراء مأكولات لولده المتوحد، ما يضيف عليه أعباء مادية وبدنية لا يمكن تحملها على مرّ السنين.
وبعد مقابلات كثيرة مع مسؤولي التغذية في مستشفى حمد، خرج الشحي خالي الوفاض، ولم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حتى إنه باب يعتقد أن المعنيين بالتوحد لا يفقهون عنه شيئا «فلم نتوصل لأية معلومة مفيدة حتى الآن».
ويأسف لأنه لا توجد حلول لمرضى التوحد ولا بدائل غذائية «فكل طبيب له رأي مغاير للآخر وبعد الركض وراء الجميع لم نلحظ أي تحسن».
رقم كبير
وحسب تقدير الشحي، فإن المصابين بالتوحد كثيرون في قطر, ومن الملح جلب خبراء واختصاصيين في هذا المجال، في نظره.
ويضيف أن زيارة صالة استقبال أولياء المتوحدين في قسم التأهيل الاجتماعي بمشفى الرميلة تكشف عن مآسٍ وفظاعات ترهق كواهل الأسر ويندى لها الجبين.
وبين رعاية الأطفال والركض وراء سراب الحلول يتوزع وقت أولياء أمور المتوحدين، ليعودوا في مسائهم يسألون ربهم العون على محنة لا يلوح لها حل في الأفق.
ويستغرب الشحي: وحتى مركز الشفلح الذي يضم مراكز بحثية وكوكبة من المختصين لا يملك إجابات شافية تهدئ من روع أولياء الأمور.
وأمام الحيرة يسلم أولياء الأمور إرادتهم لمحرك جوجل يبحثون عن تجارب ومعلومات شخصية تبدو متضاربة ومرهقة، من حيث التجربة ثم تكون مخيبة للآمال في نهاية المطاف.
وحسب صلات الشحي بأولياء أمور المتوحدين فإن مؤشر القلق مرتفع في صفوهم, ولا توجد أية جهة في البلد يمكن أن تهدئ من روعهم وتمنحهم الأمان.
توتر نفسي
وإلى جانب التوتر النفسي والإرهاق البدني تبدو التكاليف المادية للمتوحدين جحيما لا يطيقه حتى أصحاب الدخول المرتفعة، لأن بعض الفحوص غير متوفرة في قطر، ويكلف إجراؤها في الخارج عشرات الآلاف من الدولارات.
ويقول الشحي: إنه يشتري وجبات خفيفة لابنه من «ميجامرت» تكلف في المتوسط 900 ريال, وأحيانا لا تتوفر, ويتطلب الحصول عليها شد الرحال للرياض، حيث تتوفر كل احتياجات المصابين بالتوحد.
ويكلف جلب الوجبات من الرياض خمسة آلاف ريال شهريا في المتوسط «بينما المكملات الغذائية والأدوية نحضرها من أميركا».
ويقول الشحي: إنه أجرى فحوص دم لابنه في الرياض كلفته 21 ألف ريال قطري، في حين يدفع شهريا أربعة آلاف لمدرسين خاصين, ويرى أن التكاليف المادية رغم كونها باهظة لا تمكن مقارنتها بالمتاعب الأخرى من قبيل التعقيدات السلوكية واضطرابات النوم، والكثير من المشاكل التي تجعل الأبوين في بحث دائم عن منقذ «ولكن لا حياة لمن تنادي».
ويقول إن ولده مثل بقية المتوحدين لا يحبذ الاختلاط بالأطفال ويتمتع بذكاء خارق يمكن استثماره لو توفرت الظروف الملائمة لهذه الشريحة من الأطفال.
وينادي الشحي بجلب طواقم متخصصة في التوحد وبناء مصحات ومشاف يقضي فيها المتوحدون نهارهم على الأقل، وخلق بيئة مناسبة لقدراتهم للتخفيف عن كواهل أولياء الأمور.
الأعراض والأسباب
ووفقا لمجلة «طيبة» الطبية يعتبر مرض التوحد اضطرابا يصيب الدماغ ويؤدي إلى الحد من قدرة الشخص على التواصل والارتباط بالأشخاص الآخرين.
وتظهر أعراض التوحد عند الأطفال في البداية، ويتم تصنيف مرض التوحد حسب شدة الأعراض التي يعاني منها الطفل.
ووفق مقال علمي بالمجلة يكون لدى بعض المصابين بالتوحد قدرة على استكشاف عالمهم، ويملك بعضهم قدرات ومهارات استثنائية «في حين أن آخرين يكافحون من أجل تعلُّم القدرة على الكلام».
ويصيب التوحد حوالي طفل واحد من كل مئة وعشرة أطفال، وتبلغ نسبة الإصابة لدى الفتيان الذكور حوالي أربعة أضعاف النسبة لدى الفتيات الإناث.
وتتفاوت أعراض التوحد من خفيفة إلى شديدة، ويوجد العديد من الطرق المستخدمة في علاج التوحد عند الأطفال التي تشمل البرامج السلوكية والتقنيات المساندة والأدوية.
ورغم التطور العلمي لم يحدد العلماء حتى الحين السبب الكامن وراء مرض التوحد «ولكن بما أن التوحد يكون منتشرا لدى عائلات معينة دون غيرها، فإنه من المرجح أن تلعب الجينات الوراثية دورا محوريا في الإصابة به».
ويعكف باحثون حاليا على معرفة ما إذا كانت المواد الكيميائية في البيئة المحيطة أو الالتهابات قبل الولادة هي المسؤولة عن الإصابة بالتوحد.
دوران لولبي
أما الأعراض فتتمثل في تكرار الحركات بشكل ترددي أو بشكل دوراني لولبي وتجنب الاتصال بالعين أو التلامس الجسدي، والتأخر في تعلم التحدث، وتكرار الكلمات أو العبارات التي تصدر عن الآخرين، والشعور بالانزعاج من أبسط التغييرات.
ويوضح تقرير علمي نشره موقع الجزيرة الإلكتروني نقلا عن وكالة الأنباء الألمانية أن المصابين بالتوحد يميلون للعزلة, ويعجزون عن تفسير العواطف، وفيما لا يقدر البعض على الكلام يتمتع البعض الآخر بقدرات كلامية وحركية متميزة، لكنهم يبقون مختلفين عن أقرانهم. ولا تزال الأبحاث جارية لتحديد أسباب هذا الاختلاف.
ورغم هذه الاختلافات فإن مرضى التوحد يجتمعون في خاصية واحدة، وهي انعزالهم الاجتماعي وصعوبة اندماجهم مع الآخرين.
ووفقا للتقرير تظهر صور دماغ الأشخاص المصابين بالتوحد أن المناطق المسؤولة عن استقبال العواطف واللغة بالدماغ لا تعمل بشكل جيد. في حين تنشط المناطق المسؤولة عن التعرف على الأشياء وتفاصيل الأمور, وهذا يعني وجود نمط معين للسلوك الدماغي يميزهم عن الأشخاص الآخرين.
«كما أن أدمغة الأفراد المصابين بالتوحد تختلف أيضا عن أدمغة العاديين في كيفية توزيع النواقل العصبية كالدوبامين والسيروتونين، والتي تلعب دورا أساسيا في التحكم بالخوف والتحفيز».
وتخلص دراسة أجرتها جامعة فرايبورج بألمانيا إلى وجود علاقة بين الطفرة الجينية والإصابة بالتوحد, بينما توصلت دراسة دنماركية حديثة إلى وجود علاقة بين الإصابة بمرض التوحد والالتهابات الفيروسية التي تحدث خلال الحمل.
ويطالب أولياء الأمور بمركز متكامل يقدم العلاج عن الطب البديل وتقنينه عن طريق جهة حكومية وبإشراف أطباء مختصين.