عشرج
01-10-2013, 08:56 PM
تتلخص أفكار سياسة القوة الناعمة (والتي كشف عنها جوزيف صموئيل ناي ونظر لها) الخطيرة، والتي تتبناها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، في فرض هيمنتها الاستعمارية، وباتفاق كامل على صحتها وأهميتها، وبنسب متفاوتة في التطبيق بالتالية:
1. إن الشكل العسكري في الاستعمار الأمريكي ينجز كثيرا من الأهداف، ولكنه لا يجب أن يكون الوحيد. وإن من الأهمية بمكان أن تضع أمريكا برامج في السياسة، تجذب الآخرين إليها، وأن لا تجبرهم على الانصياع لإرادتها، من خلال التهديد، أو استعمال القوة العسكرية أو الاقتصادية كخيار وحيد. وهذا لا ينفي أن القوة القاسية (العسكرية) تساعد الآخرين (خصوصا في بلاد المسلمين) على قبول أدوات القوة الناعمة، والرضوخ لها، فسياسة العصا تساعد سياسة الجزرة.
2. القوة الناعمة لا تعني الإقناع، فهي أكثر من الإقناع والبرهنة بالجدل على صحة الفكر والسياسات، تعتمد الترغيب والجذب والإغراء، الذي يؤدي إلى التقليد والرضوخ.
3. إن فرض ثقافة أمريكا كثقافة عالمية (العولمة)، وقدرتها على وضع قواعد مفضلة، ومؤسسات تحكم مناطق النشاط الدولي (بلاد المسلمين)، هي مصادر حاسمة للقوة، كقيم الديمقراطية، والحرية، والتطور السريع، والمؤسساتية، والانفتاح، والشخصية المحبوبة. فهذه لا ترتبط بالحكومة الأمريكية وصورتها البشعة في عين العالم، كما ترتبط بها القوة القاسية.
4. إن أسلحة القوة الناعمة، التي تجذب الآخرين إليك، تجعل الآخرين يعجبون بمثلك، وتغريهم مبادئك، وتجعلهم يتطلعون إلى ما تقوم به، فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك، وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك. وبذلك تخلق لنفسك جاذبية - بدرجة ما - تعجز الأسلحة الدموية أن تتحصل عليها. إن القوة الناعمة تعتمد على قدرة أمريكا، على صياغة رغبات الآخرين، بعد أن تكون بمثابة قدوةٍ لهم، يتبنون قِيَمها وأسلوب حياتها، وبذلك تغني عن استخدام أسلوب العصا والجبر، إضافة إلى أنها تستمر إلى أمد بعيد.
5. المطلوب هو (قوة ذكية) تدمج - حسب جوزيف ناي- "بين أدوات القوة الناعمة، والقوة الصلبة، في استراتيجيات ناجحة." وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في غير مناسبة. تقول كلينتون "إن الولايات المتحدة ينبغي أن تستخدم ما يطلق عليه (القوة الذكية)، وهي جميع الأدوات المتاحة لدينا،" والتي تشمل الدبلوماسية، والاقتصاد، والقوة المسلحة، والقانون، والثقافة. وتقول أيضا "في ظل القوة الذكية، ستكون الدبلوماسية في مقدمة سياستنا الخارجية،" وتضيف أن هذا "يتطلب التواصل مع الأصدقاء، والمعارضين، لتعزيز تحالفات قديمة، وإقامة تحالفات جديدة".
6. إن أسلحة الحرب الدموية باهظة التكاليف على أمريكا، مقابل ما يمكن أن تقوم به أدوات القوة الناعمة. فأمريكا - بحسب جوزيف ناي- تنفق 17 ضعفا من المال، على حروبها، على ما تنفقه على أعمالها الناعمة، ولذلك نرى جوزيف ناي يستنكر تجاهل أعمال القوة الناعمة، وأثرها الكبير، في تحقيق تفوق وسطوة أمريكا.
7. القوة الناعمة هي أداة من أدوات الحرب النفسية التقليدية (وإن تطورت أدواتها كثيرا منذ مدة)، القصد منها تجنب اللجوء للقوة العسكرية المكلفة، والمراهنة على درء خطر، أو تحصيل غنيمة، دونما كلفة حرب، قد يذهب في خضمها الأخضر واليابس، من كلا الطرفين. ووفق جوزيف ناي، فقد أضحى من الصعب – في العالم المعاصر- استخدام العصا "إذ أن القوة العسكرية، وعلى الرغم من ضرورتها كسياسة ردع وإكراه، إلا أنها أصبحت صعبة جدا، وأصبحت الحرب أمرا جد مكلف من الناحية المادية." ناهيك عن مناهضة الرأي العام المتزايدة للحروب، واستخدام القوة. 8. أمريكا تمتلك مصادر ثرية للقوة الناعمة: فهي تملك 62% من أهم العلامات التجارية، وبها 28% من جميع الطلاب الدارسين خارج بلادهم، وهي أكثر دولة تستقطب المهاجرين، وتنشر الكتب الثقافية، والمؤلفات الموسيقية، وتنتج البحوث العلمية، والتقنية، إضافة إلى كونها أهم مصدر للأفلام، والبرامج التلفزيونية. كما أن تجارة أمريكا الدولية واتصالاتها الكونية الهائلة، تساعدها إلى حد بعيد في فرض ثقافتها.
9. الثقافة النخبوية أداة فاعلة من أدوات القوة الناعمة، ولذلك يجب الاهتمام بالمبادلات الأكاديمية، والعلمية، وصناعة القادة، والتي تروج للفكر الأمريكي الرأسمالي، وتجعل حامليه أبواقا لها في بلادهم. يقول كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق في ذلك "لا استطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل، الذين تلقوا تعليمهم هنا." ويضيف "وذلك لأن الطلبة الدوليين، يعودون لأوطانهم، في العادة، بتقدير اكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية، فهم يشكلون خزانا رائعا للنوايا الحسنة تجاه البلد الذي درسوا فيه، وفي كون الكثير منهم سينتهي به الأمر إلى تولي سلطة القرار هناك، في بلده الأم." كما أن الثقافة الشعبية، المتمثلة بالأفلام والأغاني والرياضة، وما إلى ذلك، مما يبث القيم الأمريكية، (خصوصا هوليوود) لها مفعول السحر في العالم، وهي أكبر مروج للفكر البصري، الذي يعتمد عليه الكثيرون اليوم. ناهيك عن سيطرة أمريكا على مواقع النت، على الشبكة العنكبوتية، وألعاب الفيديو، التي تصل كل بيت.
10. المؤسسات غير الحكومية تتمتع بقوة ناعمة كبيرة، ويمكن أن تلعب دورا هاما، في إخضاع الآخرين، لما تريد، مثل المنظمات الحقوقية، والشركات عابرة القومية، خاصة وأنها تستفيد الآن من الثورة المعلوماتية والاتصالات، التي تتحكم بها أمريكا.
11. إن مساعدات التنمية الدولية، والدبلوماسية العامة، من أهم أدوات القوة الناعمة. وهذه تساعد، إلى حد بعيد، في تحسين صورة أمريكا في العالم. ومن أجل ذلك يقترح جوزيف ناي استخدام ثلاثة أبعاد للدبلوماسية العامة وهي
(1) الاتصالات اليومية: أي توضيح السياسات المحلية، والخارجية، عبر الإعلام
(2) الاتصال الاستراتيجي: أي الحملات السياسية الدعائية المركزة و (3) العلاقات الدائمة مع الشخصيات، وذلك عبر المنح الدراسية، والمبادلات الأكاديمية، والتدريب، والمؤتمرات.
12. نشر المعلومات المضللة، وفبركتها، من خلال وسائل الإعلام، والدعاية (التي تسيطر عليها أمريكا) من جهة، وكتم كل ما يعكس سلبيات الرأسمالية، ومكر السياسات الخبيثة لحكامها من جهة أخرى. وما شراء البنتاغون للآلاف من النسخ (من أجل تدميرها)، لكتاب "عملية القلب المظلم" لأحد الضباط في أفغانستان، مؤخرا، يكشف فيه عن إجرامها هناك، إلا مثال يؤكد ذلك.
13. الشرق الأوسط (بلاد المسلمين) يمثل تحديا خاصا أمام استخدام القوة الناعمة فيه، لأسباب عديدة، منها الفوارق الثقافية الكبيرة، بين أميركا، والشرق الأوسط، ونزعة العداء لها. لذلك فقد وضعت لجنة استشارية بعض التوجيهات، لزيادة قوة أميركا الناعمة في البلاد العربية الإسلامية، مثل إنشاء المكتبات، وترجمة الكتب الغربية إلى العربية، وزيادة المنح الدراسية، والزيارات الأكاديمية. وفي هذا الصدد يشدّد جوزيف ناي، على أن "أهم شيء، هو تطوير إستراتيجية، بعيدة الأمد، للمبادلات الثقافية والتعليمية، والتي تنمي مجتمعًا مدنيًا، أغنى وأخصب، وأكثر انفتاحا، في بلدان الشرق الأوسط." ويضيف "إن أكثر الناطقين باسم أميركا، فاعلية وتأثيرًا، ليسوا هم الأمريكيون، بل وكلاؤهم المحليون، من أهل البلاد الأصليين، الذين يفهمون فضائل أميركا!" وبالتالي يعملون على الترويج لها.
هذه أبرز ملامح القوة الناعمة من منظور السياسة الأمريكية. ونحن المسلمون، عندما ننظر في أدوات (القوة الناعمة)، التي تستخدمها أمريكا، خصوصا ما تعلق منها بسياستها تجاه بلادنا وقضايانا، تتجلى لنا الأمور التالية:
1. إن استخدام أساليب القوة الناعمة، بجانب القوة العسكرية، هدفه المزيد من الهيمنة الرأسمالية، في بلاد المسلمين. أي أن هذه الأساليب والأدوات، ليست نظيفة، فأمريكا تعادي الإسلام، وتعادي أمة الإسلام، وهي بعقليتها الرأسمالية الاستعمارية، لا تقدم للمسلمين إلا كل شر، حتى وإن أظهرت عكس ذلك.
2. تعترف سياسية (القوة الناعمة) الأمريكية، أن أدواتها (اللينة)، تكمل البلطجة العسكرية، والهيمنة الاقتصادية، وهذا دليل دامغ على نوايا أمريكا الاستعمارية ضدنا.
3. إن الهدف الأوحد (بعد الهيمنة الاستعمارية طبعا) لأدوات القوة الناعمة، المعمول بها في بلادنا، هو تضليلنا، حتى نسير في ما تريده أمريكا، ونحن نصفق لها، وننظر لها بإعجاب، فنقوم بما تريده، ونحن غافلون عن أهدافها وسياساتها. فأمريكا تدرك، حق الإدراك، أن أعمال القوة الناعمة، التي تقودها في بلادنا، لا تستفز الناس، كالأعمال العسكرية (التي تجعلهم يقفون ضدها)، بل يمكن أن يقبلها الكثيرون، على أنها منح من دولة عظمى، تحب الخير للبشرية؟! وهكذا فسياسة القوة الناعمة الأمريكية تقوم على القيام بالأعمال، وإخفاء الأهداف. وأعمال القوة الناعمة، لا تستهدف حكام المسلمين، وأنظمتهم المأجورة، فالحكام في صف أمريكا ضد شعوبهم، وقد فتحوا بلادهم، ليس فقط أمام الناعم من الأفكار والأعمال والسياسات الخبيثة لأمريكا، بل تمترسوا معها، في حربها العسكرية، على شعوبهم.
4. إن أساليب ووسائل القوة الناعمة، التي تنتهجها أمريكا في بلادنا، أخطر علينا من حربها العسكرية بكثير، ذلك أن ما لا تستطيع أمريكا تحقيقه بالقوة الغاشمة، كما يحصل في العراق وأفغانستان، يمكن لها أن تحققه بقوتها الناعمة.
5. إن الأعمال السياسية، التي تقودها أمريكا في بلادنا (والتي تعتبر من أدوات القوة الناعمة)، لم تجلب للمسلمين، وبلادهم إلا الدمار. والناظر في كل قضايا المسلمين، والتي تملك أمريكا ملفاتها، بوصفها العراب الأول للسياسات في العالم، يرى بوضوح أن تلك السياسات تعادينا بامتياز، والواقع يغني عن ضرب الأمثلة. كما أن التصريحات السياسية الكاذبة، التي تستخدمها الإدارة الأمريكية، أثناء (رعايتها) لقضايانا، مثل شعار اوباما الأخير، من أن أمريكا "ليست في حرب مع الإسلام،" تسقط وتتهافت مع صواريخها، التي تفتك الآن بالآلاف، من المسلمين الأبرياء، في أفغانستان، وتسقط مع سجونها الممتلئة بنساء ورجال المسلمين هنا وهناك، وتسقط مع رعايتها لمن يهاجم دين الإسلام، وعقيدة الإسلام، وقرآن المسلمين، وإمام المسلمين الرسول الكريم.
6. إن سياسة أمريكا في بلاد المسلمين ثابتة، ولا تتأثر بذهاب إدارة، وقدوم أخرى، وهي سياسة تقوم على إستراتيجية عدائية استعمارية، و تصنعها دوائر أكبر من الرئيس نفسه. لكن الفرق بين الإدارات، هي في التعبير عن هذه السياسة، فبوش الابن كان واضحا صريحا في إعلانها حرب "صليبية" علينا، أما اوباما، فيحاول الضرب بقفاز من حرير، وهذا أدهى وأمر. وللتأكيد على ذلك نتساءل: هل توقف الغزو الصليبي، لبلادنا، على عهد الإدارة الحالية ؟ وهل توقف القتل بالجملة للمسلمين ؟ وهل توقف النهب المنظم لمقدراتنا بينما يعيش الملايين منا في فقر مدقع ؟ وهل (أنصفتنا) الإدارة الحالية، وهي تلعب بقضايانا، أم أن السياسات الاستعمارية استمرت وبقوة؟!
7. يخطىء من يظن أن أمريكا، الرأسمالية، لديها ما تقدمة للبشرية، من أفكار، وقيم، وطراز عيش يحتذى. وما تفرضه أساليب، ووسائل القوة الناعمة الأمريكية علينا، من أفكار وشعارات وسياسات... زائف متهافت، لا يقبله، وينادي به، إلا كل مضبوع بثقافة العم سام، المصنوع على يديه. فالرأسمالية شر مستطير، في كل مناحي الحياة الإنسانية: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وذلك لفساد الأسس، التي بنيت عليها أحكامه، وقوانينه، والتي جعلت الإنسان، وحياته العملية، إنسانا ماديا بحتا. وهذا يعود للعقيدة الفاسدة، التي ينادي بها المبدأ الرأسمالي، وهي فصل الدين عن الحياة (عقيدة الحل الوسط)، والتي لم تقنع عقلا، ولم توافق فطرة سليمة. ومن يبرر لأمريكا نشر ثقافتها، حول العالم، وخصوصا في بلاد المسلمين المستهدفة، في المقام الأول، على أساس أنها ثقافة حضارية رفيعة ومقبولة، عليه إدراك مفردات تلك الثقافة، وإدراك ما فيها من فساد كبير. فأمريكا الديمقراطية الرأسمالية، لا يجوز أن تكون محط أنظار أحد منا، نحن المسلمين، وبالتالي إعطاءها الحق في فرض قيمها، وأفكارها علينا. هذا إن نحن طبعا فهمنا مبدأنا، وأدركنا أنه وحده الصحيح، ولم نفقد هويتنا بالانبطاح أمام كل فكر مستورد دخيل، ظاهره يسرق النظر، وداخله سم زعاف. إن الناظر في الرأسمالية الفاسدة التي تقودها أمريكا، يرى إجرامها في حق البشرية، عموما، وفي حق الأمة الإسلامية، على الخصوص... ومن ذلك:
أ. استعمارها السياسي، خصوصا في بلاد المسلين، من أجل السيطرة على النظم السياسية، التي تمكن لها نهب كل مقدراتنا، وإبقائنا فقراء.
ب. استعمارها الاقتصادي، ومنه التحكم النقدي، وسياسة القروض، مسخرة في ذلك المنظمات الدولية، وبعض الأفكار الخداعة، كسياسات السوق، وأفكار العولمة، والخصخصة، وغيرها، علما أنها تمارس نقيض هذه الأفكار، إذا تعارضت مع مصالحها.
ت. حروبها العسكرية المباشرة (خصوصا في بلاد المسلمين)، التي تخوضها باسم محاربة الإرهاب، لبسط هيمنتها السياسية، والاقتصادية، سواء بإثارة الفتن، أو التدخل لحل المنازعات، إضافة إلى زرع الكيانات المرفوضة، وإثارة فتن الحدود.
ث. سياستها في التشويه، والتضليل الفكري، والسياسي، والحرب المباشرة لضرب العمل الإسلامي، والذي يهدف إلى الانعتاق من هيمنتها، بالعمل من أجل وحدة الأمة، في كيانها السياسي، المسلوب منها، الخلافة.
ج. محاربتها للديمقراطية الكاذبة، ولجمها للحريات، في البلاد المستعمرة (خصوصا في بلاد المسلمين)، فأمريكا تنادي بها، وفي نفس الوقت، تحاربها سرا، ومن طرف خفي!! وهي تفعل ذلك، حتى يبقى مبدأها الرأسمالي قائما، وحتى لا يضرب في صميمه، وبالتالي تتخلى عنه الشعوب. فأمريكا لا تقبل أن تأخذ الشعوب بأفكارها - على فسادها وكذبها وخداعها - فتملك إرادتها السياسية، وتوقف الهدر في ثرواتها لصالحها، وبالتالي تكشف اقتصادها الهش، وتحطمه. ونحن نتساءل هنا: هل تريد أمريكا (الديمقراطية) أن ينتخب المسلمون بالفعل حكامهم؟ أليست هذه هي الديمقراطية التي تتشدق بها ليل نهار؟ إن أمريكا تريد وجها واحدا للديمقراطية في بلاد المسلمين: أن يتخلى المسلمون عن دينهم، وأن يأخذوا تشريعاتها، وأفكارها الزائفة، التي تكرس انحطاطهم، وتبعيتهم لها، وبالتالي عدم نهوضهم. إن أمريكا لا تقبل أن ينتخب المسلمون حكامهم، لأنهم لو فعلوا، نصبوا عليهم حاكما مؤمنا مخلصا قويا، أول ما يفعله هو أن يقطع رأس الرأسمالية الاستعمارية.
ح. إن آفات المجتمعات الرأسمالية - ومنها الأمريكي- دليل على فساد مبدأها، ويجعلها غير مؤهلة لأن تقدم للبشرية أي خير يرجى. فكيف ينادي من ينادي، بعد ذلك، بنشر الأيدولوجيا، والثقافة الأمريكية، كأداة قوة ناعمة، في بلادنا، بينما تعم الجريمة على أنواعها عندهم، وتنتشر الإباحية والمخدرات انتشار النار في الهشيم، وينعدم الأمن، وتعم القلاقل الاقتصادية، ويسود التفاوت الطبقي الفاحش، وتعم الفوضى الجنسية، وتضيع الأنساب، وتتفكك الأسرة، بل تنقرض، وينتشر النهب، والاحتيال القانوني، والاحتكارات، والرشوات... ناهيك عن سياساتها البلطجية، وحروبها الاستعمارية، وهيمنتها الاقتصادية، التي تستبيح بلادنا ليل نهار؟! إن من ينادي بذلك منا، إما أن يكون عميلا فكريا، بامتياز، يخدم أسياده الأمريكان، وإما جاهل بمفردات الواقع، عليه أن يتعلم، وإما مجنون، عليه مراجعة قواه العقلية!
نخلص إلى القول أن (القوة الناعمة)، في المفهوم العملي لأمريكا، هي الصورة الأخرى للقوة الصلبة، أو الأعمال العسكرية، فهما وجهان لعملة واحدة: العصا والجبر والحرب المادية من جانب، والجزرة أو أعمال الجذب اللينة، في الجانب الآخر، في تناسق وتكامل (حتى وإن ظهرا متناقضين عضويا) لتحقيق الأهداف الاستعمارية في بلادنا.
إن الغرب في حرب شرسة مع الإسلام، وأمة الإسلام، وهذه حقيقة عقدية تاريخية سياسية، لا ينكرها إلا كل مكابر. وإذا كان المسلمون يعون أعمال أمريكا العسكرية، وأهدافها في بلادهم، عليهم أن يدركوا - وبنفس المستوى - خطر أعمالها الناعمة الخفية، في سياستها تجاههم، فيتصدون لها، ويناوؤنها، ويعملون على أن لا يكونوا حجارة شطرنج تحرك وهي راغبة. إن أمريكا اليوم لا تخاف إلا من شيء واحد: تحرك أمة الإسلام الظاهر والمتنامي باتجاه وحدتها السياسية، في دولتها دولة الخلافة، وهذا ما يدفعها لأن تبذل وتبذل (سواء في حربها العسكرية أو أعمال قوتها الناعمة) من أجل منعها من النهوض مرة أخرى.
فهل نتركها تفعل ما تريد؟
منقول
1. إن الشكل العسكري في الاستعمار الأمريكي ينجز كثيرا من الأهداف، ولكنه لا يجب أن يكون الوحيد. وإن من الأهمية بمكان أن تضع أمريكا برامج في السياسة، تجذب الآخرين إليها، وأن لا تجبرهم على الانصياع لإرادتها، من خلال التهديد، أو استعمال القوة العسكرية أو الاقتصادية كخيار وحيد. وهذا لا ينفي أن القوة القاسية (العسكرية) تساعد الآخرين (خصوصا في بلاد المسلمين) على قبول أدوات القوة الناعمة، والرضوخ لها، فسياسة العصا تساعد سياسة الجزرة.
2. القوة الناعمة لا تعني الإقناع، فهي أكثر من الإقناع والبرهنة بالجدل على صحة الفكر والسياسات، تعتمد الترغيب والجذب والإغراء، الذي يؤدي إلى التقليد والرضوخ.
3. إن فرض ثقافة أمريكا كثقافة عالمية (العولمة)، وقدرتها على وضع قواعد مفضلة، ومؤسسات تحكم مناطق النشاط الدولي (بلاد المسلمين)، هي مصادر حاسمة للقوة، كقيم الديمقراطية، والحرية، والتطور السريع، والمؤسساتية، والانفتاح، والشخصية المحبوبة. فهذه لا ترتبط بالحكومة الأمريكية وصورتها البشعة في عين العالم، كما ترتبط بها القوة القاسية.
4. إن أسلحة القوة الناعمة، التي تجذب الآخرين إليك، تجعل الآخرين يعجبون بمثلك، وتغريهم مبادئك، وتجعلهم يتطلعون إلى ما تقوم به، فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك، وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك. وبذلك تخلق لنفسك جاذبية - بدرجة ما - تعجز الأسلحة الدموية أن تتحصل عليها. إن القوة الناعمة تعتمد على قدرة أمريكا، على صياغة رغبات الآخرين، بعد أن تكون بمثابة قدوةٍ لهم، يتبنون قِيَمها وأسلوب حياتها، وبذلك تغني عن استخدام أسلوب العصا والجبر، إضافة إلى أنها تستمر إلى أمد بعيد.
5. المطلوب هو (قوة ذكية) تدمج - حسب جوزيف ناي- "بين أدوات القوة الناعمة، والقوة الصلبة، في استراتيجيات ناجحة." وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في غير مناسبة. تقول كلينتون "إن الولايات المتحدة ينبغي أن تستخدم ما يطلق عليه (القوة الذكية)، وهي جميع الأدوات المتاحة لدينا،" والتي تشمل الدبلوماسية، والاقتصاد، والقوة المسلحة، والقانون، والثقافة. وتقول أيضا "في ظل القوة الذكية، ستكون الدبلوماسية في مقدمة سياستنا الخارجية،" وتضيف أن هذا "يتطلب التواصل مع الأصدقاء، والمعارضين، لتعزيز تحالفات قديمة، وإقامة تحالفات جديدة".
6. إن أسلحة الحرب الدموية باهظة التكاليف على أمريكا، مقابل ما يمكن أن تقوم به أدوات القوة الناعمة. فأمريكا - بحسب جوزيف ناي- تنفق 17 ضعفا من المال، على حروبها، على ما تنفقه على أعمالها الناعمة، ولذلك نرى جوزيف ناي يستنكر تجاهل أعمال القوة الناعمة، وأثرها الكبير، في تحقيق تفوق وسطوة أمريكا.
7. القوة الناعمة هي أداة من أدوات الحرب النفسية التقليدية (وإن تطورت أدواتها كثيرا منذ مدة)، القصد منها تجنب اللجوء للقوة العسكرية المكلفة، والمراهنة على درء خطر، أو تحصيل غنيمة، دونما كلفة حرب، قد يذهب في خضمها الأخضر واليابس، من كلا الطرفين. ووفق جوزيف ناي، فقد أضحى من الصعب – في العالم المعاصر- استخدام العصا "إذ أن القوة العسكرية، وعلى الرغم من ضرورتها كسياسة ردع وإكراه، إلا أنها أصبحت صعبة جدا، وأصبحت الحرب أمرا جد مكلف من الناحية المادية." ناهيك عن مناهضة الرأي العام المتزايدة للحروب، واستخدام القوة. 8. أمريكا تمتلك مصادر ثرية للقوة الناعمة: فهي تملك 62% من أهم العلامات التجارية، وبها 28% من جميع الطلاب الدارسين خارج بلادهم، وهي أكثر دولة تستقطب المهاجرين، وتنشر الكتب الثقافية، والمؤلفات الموسيقية، وتنتج البحوث العلمية، والتقنية، إضافة إلى كونها أهم مصدر للأفلام، والبرامج التلفزيونية. كما أن تجارة أمريكا الدولية واتصالاتها الكونية الهائلة، تساعدها إلى حد بعيد في فرض ثقافتها.
9. الثقافة النخبوية أداة فاعلة من أدوات القوة الناعمة، ولذلك يجب الاهتمام بالمبادلات الأكاديمية، والعلمية، وصناعة القادة، والتي تروج للفكر الأمريكي الرأسمالي، وتجعل حامليه أبواقا لها في بلادهم. يقول كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق في ذلك "لا استطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل، الذين تلقوا تعليمهم هنا." ويضيف "وذلك لأن الطلبة الدوليين، يعودون لأوطانهم، في العادة، بتقدير اكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية، فهم يشكلون خزانا رائعا للنوايا الحسنة تجاه البلد الذي درسوا فيه، وفي كون الكثير منهم سينتهي به الأمر إلى تولي سلطة القرار هناك، في بلده الأم." كما أن الثقافة الشعبية، المتمثلة بالأفلام والأغاني والرياضة، وما إلى ذلك، مما يبث القيم الأمريكية، (خصوصا هوليوود) لها مفعول السحر في العالم، وهي أكبر مروج للفكر البصري، الذي يعتمد عليه الكثيرون اليوم. ناهيك عن سيطرة أمريكا على مواقع النت، على الشبكة العنكبوتية، وألعاب الفيديو، التي تصل كل بيت.
10. المؤسسات غير الحكومية تتمتع بقوة ناعمة كبيرة، ويمكن أن تلعب دورا هاما، في إخضاع الآخرين، لما تريد، مثل المنظمات الحقوقية، والشركات عابرة القومية، خاصة وأنها تستفيد الآن من الثورة المعلوماتية والاتصالات، التي تتحكم بها أمريكا.
11. إن مساعدات التنمية الدولية، والدبلوماسية العامة، من أهم أدوات القوة الناعمة. وهذه تساعد، إلى حد بعيد، في تحسين صورة أمريكا في العالم. ومن أجل ذلك يقترح جوزيف ناي استخدام ثلاثة أبعاد للدبلوماسية العامة وهي
(1) الاتصالات اليومية: أي توضيح السياسات المحلية، والخارجية، عبر الإعلام
(2) الاتصال الاستراتيجي: أي الحملات السياسية الدعائية المركزة و (3) العلاقات الدائمة مع الشخصيات، وذلك عبر المنح الدراسية، والمبادلات الأكاديمية، والتدريب، والمؤتمرات.
12. نشر المعلومات المضللة، وفبركتها، من خلال وسائل الإعلام، والدعاية (التي تسيطر عليها أمريكا) من جهة، وكتم كل ما يعكس سلبيات الرأسمالية، ومكر السياسات الخبيثة لحكامها من جهة أخرى. وما شراء البنتاغون للآلاف من النسخ (من أجل تدميرها)، لكتاب "عملية القلب المظلم" لأحد الضباط في أفغانستان، مؤخرا، يكشف فيه عن إجرامها هناك، إلا مثال يؤكد ذلك.
13. الشرق الأوسط (بلاد المسلمين) يمثل تحديا خاصا أمام استخدام القوة الناعمة فيه، لأسباب عديدة، منها الفوارق الثقافية الكبيرة، بين أميركا، والشرق الأوسط، ونزعة العداء لها. لذلك فقد وضعت لجنة استشارية بعض التوجيهات، لزيادة قوة أميركا الناعمة في البلاد العربية الإسلامية، مثل إنشاء المكتبات، وترجمة الكتب الغربية إلى العربية، وزيادة المنح الدراسية، والزيارات الأكاديمية. وفي هذا الصدد يشدّد جوزيف ناي، على أن "أهم شيء، هو تطوير إستراتيجية، بعيدة الأمد، للمبادلات الثقافية والتعليمية، والتي تنمي مجتمعًا مدنيًا، أغنى وأخصب، وأكثر انفتاحا، في بلدان الشرق الأوسط." ويضيف "إن أكثر الناطقين باسم أميركا، فاعلية وتأثيرًا، ليسوا هم الأمريكيون، بل وكلاؤهم المحليون، من أهل البلاد الأصليين، الذين يفهمون فضائل أميركا!" وبالتالي يعملون على الترويج لها.
هذه أبرز ملامح القوة الناعمة من منظور السياسة الأمريكية. ونحن المسلمون، عندما ننظر في أدوات (القوة الناعمة)، التي تستخدمها أمريكا، خصوصا ما تعلق منها بسياستها تجاه بلادنا وقضايانا، تتجلى لنا الأمور التالية:
1. إن استخدام أساليب القوة الناعمة، بجانب القوة العسكرية، هدفه المزيد من الهيمنة الرأسمالية، في بلاد المسلمين. أي أن هذه الأساليب والأدوات، ليست نظيفة، فأمريكا تعادي الإسلام، وتعادي أمة الإسلام، وهي بعقليتها الرأسمالية الاستعمارية، لا تقدم للمسلمين إلا كل شر، حتى وإن أظهرت عكس ذلك.
2. تعترف سياسية (القوة الناعمة) الأمريكية، أن أدواتها (اللينة)، تكمل البلطجة العسكرية، والهيمنة الاقتصادية، وهذا دليل دامغ على نوايا أمريكا الاستعمارية ضدنا.
3. إن الهدف الأوحد (بعد الهيمنة الاستعمارية طبعا) لأدوات القوة الناعمة، المعمول بها في بلادنا، هو تضليلنا، حتى نسير في ما تريده أمريكا، ونحن نصفق لها، وننظر لها بإعجاب، فنقوم بما تريده، ونحن غافلون عن أهدافها وسياساتها. فأمريكا تدرك، حق الإدراك، أن أعمال القوة الناعمة، التي تقودها في بلادنا، لا تستفز الناس، كالأعمال العسكرية (التي تجعلهم يقفون ضدها)، بل يمكن أن يقبلها الكثيرون، على أنها منح من دولة عظمى، تحب الخير للبشرية؟! وهكذا فسياسة القوة الناعمة الأمريكية تقوم على القيام بالأعمال، وإخفاء الأهداف. وأعمال القوة الناعمة، لا تستهدف حكام المسلمين، وأنظمتهم المأجورة، فالحكام في صف أمريكا ضد شعوبهم، وقد فتحوا بلادهم، ليس فقط أمام الناعم من الأفكار والأعمال والسياسات الخبيثة لأمريكا، بل تمترسوا معها، في حربها العسكرية، على شعوبهم.
4. إن أساليب ووسائل القوة الناعمة، التي تنتهجها أمريكا في بلادنا، أخطر علينا من حربها العسكرية بكثير، ذلك أن ما لا تستطيع أمريكا تحقيقه بالقوة الغاشمة، كما يحصل في العراق وأفغانستان، يمكن لها أن تحققه بقوتها الناعمة.
5. إن الأعمال السياسية، التي تقودها أمريكا في بلادنا (والتي تعتبر من أدوات القوة الناعمة)، لم تجلب للمسلمين، وبلادهم إلا الدمار. والناظر في كل قضايا المسلمين، والتي تملك أمريكا ملفاتها، بوصفها العراب الأول للسياسات في العالم، يرى بوضوح أن تلك السياسات تعادينا بامتياز، والواقع يغني عن ضرب الأمثلة. كما أن التصريحات السياسية الكاذبة، التي تستخدمها الإدارة الأمريكية، أثناء (رعايتها) لقضايانا، مثل شعار اوباما الأخير، من أن أمريكا "ليست في حرب مع الإسلام،" تسقط وتتهافت مع صواريخها، التي تفتك الآن بالآلاف، من المسلمين الأبرياء، في أفغانستان، وتسقط مع سجونها الممتلئة بنساء ورجال المسلمين هنا وهناك، وتسقط مع رعايتها لمن يهاجم دين الإسلام، وعقيدة الإسلام، وقرآن المسلمين، وإمام المسلمين الرسول الكريم.
6. إن سياسة أمريكا في بلاد المسلمين ثابتة، ولا تتأثر بذهاب إدارة، وقدوم أخرى، وهي سياسة تقوم على إستراتيجية عدائية استعمارية، و تصنعها دوائر أكبر من الرئيس نفسه. لكن الفرق بين الإدارات، هي في التعبير عن هذه السياسة، فبوش الابن كان واضحا صريحا في إعلانها حرب "صليبية" علينا، أما اوباما، فيحاول الضرب بقفاز من حرير، وهذا أدهى وأمر. وللتأكيد على ذلك نتساءل: هل توقف الغزو الصليبي، لبلادنا، على عهد الإدارة الحالية ؟ وهل توقف القتل بالجملة للمسلمين ؟ وهل توقف النهب المنظم لمقدراتنا بينما يعيش الملايين منا في فقر مدقع ؟ وهل (أنصفتنا) الإدارة الحالية، وهي تلعب بقضايانا، أم أن السياسات الاستعمارية استمرت وبقوة؟!
7. يخطىء من يظن أن أمريكا، الرأسمالية، لديها ما تقدمة للبشرية، من أفكار، وقيم، وطراز عيش يحتذى. وما تفرضه أساليب، ووسائل القوة الناعمة الأمريكية علينا، من أفكار وشعارات وسياسات... زائف متهافت، لا يقبله، وينادي به، إلا كل مضبوع بثقافة العم سام، المصنوع على يديه. فالرأسمالية شر مستطير، في كل مناحي الحياة الإنسانية: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وذلك لفساد الأسس، التي بنيت عليها أحكامه، وقوانينه، والتي جعلت الإنسان، وحياته العملية، إنسانا ماديا بحتا. وهذا يعود للعقيدة الفاسدة، التي ينادي بها المبدأ الرأسمالي، وهي فصل الدين عن الحياة (عقيدة الحل الوسط)، والتي لم تقنع عقلا، ولم توافق فطرة سليمة. ومن يبرر لأمريكا نشر ثقافتها، حول العالم، وخصوصا في بلاد المسلمين المستهدفة، في المقام الأول، على أساس أنها ثقافة حضارية رفيعة ومقبولة، عليه إدراك مفردات تلك الثقافة، وإدراك ما فيها من فساد كبير. فأمريكا الديمقراطية الرأسمالية، لا يجوز أن تكون محط أنظار أحد منا، نحن المسلمين، وبالتالي إعطاءها الحق في فرض قيمها، وأفكارها علينا. هذا إن نحن طبعا فهمنا مبدأنا، وأدركنا أنه وحده الصحيح، ولم نفقد هويتنا بالانبطاح أمام كل فكر مستورد دخيل، ظاهره يسرق النظر، وداخله سم زعاف. إن الناظر في الرأسمالية الفاسدة التي تقودها أمريكا، يرى إجرامها في حق البشرية، عموما، وفي حق الأمة الإسلامية، على الخصوص... ومن ذلك:
أ. استعمارها السياسي، خصوصا في بلاد المسلين، من أجل السيطرة على النظم السياسية، التي تمكن لها نهب كل مقدراتنا، وإبقائنا فقراء.
ب. استعمارها الاقتصادي، ومنه التحكم النقدي، وسياسة القروض، مسخرة في ذلك المنظمات الدولية، وبعض الأفكار الخداعة، كسياسات السوق، وأفكار العولمة، والخصخصة، وغيرها، علما أنها تمارس نقيض هذه الأفكار، إذا تعارضت مع مصالحها.
ت. حروبها العسكرية المباشرة (خصوصا في بلاد المسلمين)، التي تخوضها باسم محاربة الإرهاب، لبسط هيمنتها السياسية، والاقتصادية، سواء بإثارة الفتن، أو التدخل لحل المنازعات، إضافة إلى زرع الكيانات المرفوضة، وإثارة فتن الحدود.
ث. سياستها في التشويه، والتضليل الفكري، والسياسي، والحرب المباشرة لضرب العمل الإسلامي، والذي يهدف إلى الانعتاق من هيمنتها، بالعمل من أجل وحدة الأمة، في كيانها السياسي، المسلوب منها، الخلافة.
ج. محاربتها للديمقراطية الكاذبة، ولجمها للحريات، في البلاد المستعمرة (خصوصا في بلاد المسلمين)، فأمريكا تنادي بها، وفي نفس الوقت، تحاربها سرا، ومن طرف خفي!! وهي تفعل ذلك، حتى يبقى مبدأها الرأسمالي قائما، وحتى لا يضرب في صميمه، وبالتالي تتخلى عنه الشعوب. فأمريكا لا تقبل أن تأخذ الشعوب بأفكارها - على فسادها وكذبها وخداعها - فتملك إرادتها السياسية، وتوقف الهدر في ثرواتها لصالحها، وبالتالي تكشف اقتصادها الهش، وتحطمه. ونحن نتساءل هنا: هل تريد أمريكا (الديمقراطية) أن ينتخب المسلمون بالفعل حكامهم؟ أليست هذه هي الديمقراطية التي تتشدق بها ليل نهار؟ إن أمريكا تريد وجها واحدا للديمقراطية في بلاد المسلمين: أن يتخلى المسلمون عن دينهم، وأن يأخذوا تشريعاتها، وأفكارها الزائفة، التي تكرس انحطاطهم، وتبعيتهم لها، وبالتالي عدم نهوضهم. إن أمريكا لا تقبل أن ينتخب المسلمون حكامهم، لأنهم لو فعلوا، نصبوا عليهم حاكما مؤمنا مخلصا قويا، أول ما يفعله هو أن يقطع رأس الرأسمالية الاستعمارية.
ح. إن آفات المجتمعات الرأسمالية - ومنها الأمريكي- دليل على فساد مبدأها، ويجعلها غير مؤهلة لأن تقدم للبشرية أي خير يرجى. فكيف ينادي من ينادي، بعد ذلك، بنشر الأيدولوجيا، والثقافة الأمريكية، كأداة قوة ناعمة، في بلادنا، بينما تعم الجريمة على أنواعها عندهم، وتنتشر الإباحية والمخدرات انتشار النار في الهشيم، وينعدم الأمن، وتعم القلاقل الاقتصادية، ويسود التفاوت الطبقي الفاحش، وتعم الفوضى الجنسية، وتضيع الأنساب، وتتفكك الأسرة، بل تنقرض، وينتشر النهب، والاحتيال القانوني، والاحتكارات، والرشوات... ناهيك عن سياساتها البلطجية، وحروبها الاستعمارية، وهيمنتها الاقتصادية، التي تستبيح بلادنا ليل نهار؟! إن من ينادي بذلك منا، إما أن يكون عميلا فكريا، بامتياز، يخدم أسياده الأمريكان، وإما جاهل بمفردات الواقع، عليه أن يتعلم، وإما مجنون، عليه مراجعة قواه العقلية!
نخلص إلى القول أن (القوة الناعمة)، في المفهوم العملي لأمريكا، هي الصورة الأخرى للقوة الصلبة، أو الأعمال العسكرية، فهما وجهان لعملة واحدة: العصا والجبر والحرب المادية من جانب، والجزرة أو أعمال الجذب اللينة، في الجانب الآخر، في تناسق وتكامل (حتى وإن ظهرا متناقضين عضويا) لتحقيق الأهداف الاستعمارية في بلادنا.
إن الغرب في حرب شرسة مع الإسلام، وأمة الإسلام، وهذه حقيقة عقدية تاريخية سياسية، لا ينكرها إلا كل مكابر. وإذا كان المسلمون يعون أعمال أمريكا العسكرية، وأهدافها في بلادهم، عليهم أن يدركوا - وبنفس المستوى - خطر أعمالها الناعمة الخفية، في سياستها تجاههم، فيتصدون لها، ويناوؤنها، ويعملون على أن لا يكونوا حجارة شطرنج تحرك وهي راغبة. إن أمريكا اليوم لا تخاف إلا من شيء واحد: تحرك أمة الإسلام الظاهر والمتنامي باتجاه وحدتها السياسية، في دولتها دولة الخلافة، وهذا ما يدفعها لأن تبذل وتبذل (سواء في حربها العسكرية أو أعمال قوتها الناعمة) من أجل منعها من النهوض مرة أخرى.
فهل نتركها تفعل ما تريد؟
منقول