المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هنا سبدأ بادراج دروس عن علوم القران تفضلو...



كازانوفا
20-10-2013, 09:01 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دروس مهمة جدا في مادة (علوم القرآن) متجدد إن شاء الله
الشيخ الفاضل: عبد الرحمن الشهري

أسأل الله لكم الإفادة فيها وأن يجعل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم

تنبيه:لست أنا من يفرغ الدروس.

فهي منقوله من اخت فاضله من منتدى اهل الحديث

السيرة الذاتية :
الاسم : عبدالرحمن بن معاضة بن حنش بن عبدالله البكري الشهري .

مكان الميلاد : مدينة النماص بمنطقة عسير .

المؤهلات والدورات التدريبية:

دكتوراه في القرآن وعلومه من كلية أصول الدين بالرياض عام 1425هـ
ماجستير في القرآن وعلومه من كلية أصول الدين بالرياض عام 1419/1420هـ
بكالوريوس في الشريعة من كلية الشريعة بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالجنوب 1414/1415هـ
بكالوريوس في اللغة العربية من كلية اللغة العربية بجامعة الملك خالد 1421هـ .
دبلوم اللغة الانجليزية من معهد تعليم اللغة ELI في جامعة UBC بفانكوفر بكندا 1420هـ
دبلوم في البرمجة العصبية اللغوية .
دورة مكثفة في البرمجة بلغة الدلفي على بيئة Windows .
دورة مكثفة في تصميم الشبكات وإدارتها .
دورات متفرقة في التصميم والطباعة وصيانة الحاسب الآلي .
دورات في خط النسخ والرقعة .
أسانيد في القراءات .
الأعمال الوظيفية :

معيد في كلية الشريعة بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من عام 1415هـ حتى عام 1427هـ التي أصبحت جامعة الملك خالد بعد 1419هـ .
العمل بإدارة الامتحانات في كلية الشريعة (1417هـ) .
مدير مكتب عميد كلية الشريعة (1415هـ).
رئيس لجنة الحاسب الآلي بكلية الشريعة خلال (1415-1419هـ).
مشرف على الحاسب الآلي بعمادة القبول والتسجيل بجامعة الملك خالد عام 1421هـ.
أمين اللجان الدائمة بجامعة الملك خالد(1419-1420هـ).
مدير مكتب وكيل جامعة الملك خالد للدراسات العليا والبحث العلمي(1420هـ)
المشرف العام على شبكة التفسير والدراسات القرآنية على الانترنت www.tafsir.net
عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه 1427-1430هـ.
أستاذ مساعد بقسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود .
المشرف على موقع قسم الثقافة الإسلامية على الانترنت .
رئيس مجلس إدارة مركز تفسير للدراسات القرآنية.
عضو في المجلس التأسيسي للهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم .
إمام مسجد الصحابة بحي الغدير بالرياض .

الإنتاج العلمي :

الشاهد الشعري في تفسير القرآن الكريم (رسالة دكتوراه) مطبوع .
جهود ابن فارس في التفسير وعلوم القرآن (رسالة الماجستير) .
تحقيق متن ألفية السيوطي في البلاغة (تحت الطباعة) .
تحقيق كتاب ذريعة الوصول لعلم الأصول وهو شرح لمنظومة أبي بكر الأشخر من علماء القرن العاشر في أصول الفقه (مخطوط) .
القول بالصرفة في إعجاز القرآن (دراسة نقدية).
الشيخ عبدالله فودي ونظمه للإتقان في علوم القرآن : دراسة في المنهج.
تحقيق كتاب (البحر الملآن في اقتناص درر ومعاني القرآن) لأبي عِمران موسى بن عمر المَصْموديّ الحَسَنِي العلامي .
ديوان شعر (مخطوط).
المشاركات الإعلامية :
مشارك في تقديم برنامج (يتدارسونه بينهم) في تفسير القرآن على قناة المجد العامة .
مشارك في تقديم برنامج (بينات) على قناة المجد العلمية .
معد ومقدم برنامج التفسير المباشر على قنادة دليل الفضائية .
معد ومقدم برنامج شواهد الشعر على قناة صفا الفضائية .
مشاركات متفرقة في إذاعة القرآن الكريم السعودية .
محاضرات متفرقة في الرياض ومكة والمدينة المنورة وغيرها من مناطق المملكة .
مشاركة في عقد دورات علمية خارج المملكة في بنجلاديش وكشمير وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وكوسوفا وألبانيا وكندا .
اللجان والجمعيات والمجالس التي شارك فيها :

عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه .
رئيس مجلس إدارة مركز تفسير للدراسات القرآنية .
لجنة الخطط والمناهج العلمية بجامعة الملك خالد .
لجنة شعار جامعة الملك خالد .
لجنة الخطط بقسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية .
لجان الاختبارات في كلية الشريعة بأبها وكلية أصول الدين بالرياض وكلية التربية بجامعة الملك سعود .
لجان القبول بعمادة القبول والتسجيل بأبها لعدة سنوات .
لجنة الحاسب الآلي .
لجنة التطوير والمتابعة بقسم الثقافة الإسلامية.
لجنة قبول طلبة الماجستير بالقسم .
لجنة المعيدين والمحاضرين بالقسم
__________________

كازانوفا
20-10-2013, 09:03 AM
المحاضرة الأولى :محاور علوم القرآن



الأكاديمية الإسلامية المفتوحة
الفصل الدراسي الثاني لعام 1433 هـ
مادة علوم القرآن
د. عبد الرحمن الشهري
تفريغ الدرس الأول

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله أيها الإخوة الكرام هنا في داخل الاستوديو, وحياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الذين يشاهدوننا ويتابعوننا من وراء الشاشات في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة, وفي هذا المقرر مقرر علوم القرآن.
ومقرر علوم القرآن نبدأ بلمحة موجزة عن أهمية هذا المقرر قبل أن ندخل في تفاصيل موضوعات.
علوم القرآن الكريم, هذا مقرر قائم بذاته يُدرس اليوم في المعاهد العلمية ويُدرَّس في الكليات الشرعية, ويُدرس بصفة مستقلة في الأكاديميات المختلفة, ومنها الأكاديمية الإسلامية المفتوحة, فأصبح يعني هذا المقرر يعني مستقلاً بذاته تقريبًا من القرن الثامن, أو قبل القرن الثامن, قبل أن يؤلف فيه الزركشي كتابه "البرهان في علوم القرآن" سبقه "فنون الأفنان" لابن الجوزي, وابن الجوزي متوفى 597 هجرية, وكتابه "فنون الأفنان في علوم القرآن", فالكتاب.., الموضوع, موضوع علوم القرآن موضوع متقدم, وأهميته تظهر في نقاط:
من أوجه أهمية علوم القرآن أنه متصل بالقرآن الكريم بشكل مباشر، فالحاجة إليه حاجة ماسة لكل من يتعامل مع القرآن الكريم، كل مسلم يتعامل مع القرآن الكريم فهو في حاجة إلى أن يعرف مفردات علوم القرآن؛ لأن علوم القرآن سوف يتحدث عن تعريف القرآن الكريم، ما المقصود به؟ ما هي خصائص القرآن الكريم التي ينفرد بها عن الكتب السماوية السابقة؟ ما الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي والحديث النبوي؟ كيف نشأ هذا العلم وتطور عبر التاريخ؟ سوف نتحدث عن نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف نزل؟ متى نزل؟ ما هو أول ما نزل؟ آخر ما نزل؟ أقسام القرآن الكريم من حيث المكيُّ والمدنيُّ، الذي نزل في مكة، والذي نزل في المدينة، نزل بينهما، نزل في الغزوات، سوف نتحدث عن أسباب النزول والمقصود بها، سوف نتحدث عن الوحي، كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلقى الوحي؟ كيف كان جبريل -عليه السلام- يلتقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ويتدارسون القرآن الكريم، ما المقصودُ بالمدارسة؟
سوف نتحدث أيضًا عن دلالات الألفاظ في القرآن الكريم، وكيف تفهم القرآن الكريم فهما صحيحا؟ سوف نتحدث عن أصول فهم القرآن الكريم فهما صحيحا، لأن هناك أناس اليوم يا شباب يحرفون القرآن الكريم عن مواضعه، كما كان يفعل بنو إسرائيل بكتبهم، ﴿ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41]، فهناك أيضًا من يفعل ذلك مع القرآن الكريم اليوم، أدخل الآن إلى المكتبات وستجد عدد كبير من الكتب التي تحمل القرآن الكريم على غير وجهه، وتفسره بطريقة خاطئة لا تستقيم مع أصول التفسير الصحيحة.
سوف نناقش أيضًا في هذا المقرر قواعد التعامل مع القرآن الكريم، قواعد الترجيح بين أقوال المفسرين، سوف تأتي إلى كتاب من كتب التفسير فتقرأ فيه معنًى، تذهب إلى كتاب من كتب التفسير الأخرى تجد معنًى آخر، فتأتي تسأل: كيف؟! ماذا أصنع مع هذه الأقوال المختلفة؟! كيف أرجح بينها؟ كيف أتعامل معها؟ أيها أقدم؟ أيها أؤخر؟ هذه كلها هي مفردات مقرر علوم القرآن.
وطبعا تفاصيل كثيرة سوف تأتي معنا -إن شاء الله- أثناء هذه المادة..
نشأة علوم القرآن
هي في الحقيقة نشأت مع نزول القرآن الكريم، منذ نزل القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأت علوم القرآن، ويمكن أن نقسم علوم القرآن الكريم لكي نفهمها بشكل مبسط، إلى أربعة أقسام رئيسية:
يمكن أن نُسميها: محاور علوم القرآن:
المحور الأول: نزول القرآن، وكل ما يتعلق بنزوله، وسوف نفصل فيه إن شاء الله.
المحور الثاني: كتابة القرآن الكريم، نسميه محور كتابة القرآن الكريم، أو نسميه تدوين القرآن.
المحور الثالث: تفسير القرآن.
المحور الرابع: ماذا نسميه، يعني نزول القرآن وتدوين القرآن وتفسير القرآن، والمحور الرابع يمكن أن نسميه..، يعني، العمل بالقرآن، يعني هذه المحاور الأربعة، محور النزول والتدوين والنقل والقراءة..، عفوًا..، نعم، وقراءة القرآن، قراءة القرآن، هذه أربعة محاور.
المحور الأول: نزول القرآن الكريم:
سوف ندرس في هذا المحور كل ما يتعلق بالنزول، وكيف أنا قسَّمتها، قسمتها تقسيمًا منطقيًّا؛ لأن القرآن الكريم أول ما حدث أنه نزل به جبريل -عليه الصلاة والسلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- فندرس هذه المرحلة بكل ما فيها من تفاصيلَ.
أولا: كيف نزل، متى نزل، أول ما نزل، آخر ما نزل، ويدخل فيه المكيُّ والمدنيُّ، والصيفي والشتائي، والليلي والنهاري، والنومي، وما نزل في أثناء..، يعني هكذا، أو الفراشي كما يسمونه، نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في الفراش، وفيها تفاصيل -إن شاء الله- ستظهر معنا.
المحور الثاني: محور تدوين القرآن الكريم:
النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما نزل عليه القرآن، بلَّغه للصحابة -رضي الله عنهم- وكان يأمرهم بكتابته، كُتَّاب الوحي، وفي أول نزول للقرآن الكريم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يسمح بكتابة شيء بين يديه إلا القرآن فقط، أي واحد يرغب أنْ يكتب أي تعليق أو حديث نبوي؛ ممنوع.
فيقول -عليه الصلاة والسلام-: «لا تكتبوا عني شيئًا غيرَ القرآن، ومَن كتب عني شيئًا؛ فليمحه».
فنحن في هذا المحور، المحور الثاني سندرس كتابة القرآن، وندرس الرسم العثماني، وجمع القرآن الكريم والمصاحف، وما يتعلق بالمصاحف حتى نصل إلى المصاحف الإلكترونية اليوم، هذا محور كامل يتعلق بتوثيق القرآن ونقله وتدوينه والمصاحف وأنواع المصاحف وتاريخ المصاحف، والحبر والضبط والرسم وكل ما يتعلق بهذا، أدخله تحت محور تدوين القرآن الكريم وكتابته.
المحور الثالث: محور فهم القرآن، أو تفسير القرآن الكريم.
وسندخل تحته كل ما يتعلق بفهم النص القرآني، التفسير، قواعد التفسير، أسباب اختلاف المفسرين، قواعد الترجيح عند المفسرين، دلالات الألفاظ كلها، العام والخاص والمطلق والمقيد والعام، وكل ما يتعلق بدلالات الألفاظ في علوم القرآن سوف ندخله تحت هذا المحور، وهو محور: تفسير القرآن الكريم وفهم القرآن الكريم.
المحور الرابع هو: قراءة القرآن، وربما يكون مكان المحور الرابع أنه كان في الثاني، والتدوين أخرناه، لكن هي مسألة تنظيمية بسيطة ليس فيه مشكلة، لكن الفكرة أن قراءة القرآن محور كامل، كيف قُرئ القرآن؟ كيف تُلقي القرآن الكريم؟ التجويد وما يتعلق بمباحث التجويد، كلها تدخل تحت هذا المحور، القراءات والقراء وتاريخ القراء وتراجمهم، كلها ندخلها تحت محور قراءة القرآن، فيكون معنا أربعة محاور، هذه محاورُ رئيسية في دراسة علوم القرآن، يمكن أن نُسمي محورًا خامسًا، نسميه: مجالات أخرى خادمة لهذه المجالات، مثلا إعجاز القرآن الكريم، أين ندرسه؟ سندرسه في محور مستقل، إعجاز القرآن الكريم، بلاغة القرآن، إلى آخره من هذه القضايا، ندخلها تحت، أو الانتصار للقرآن الكريم والدفاع عن القرآن الكريم، وما هي أصول الدفاع عن القرآن الكريم والانتصار له، والضوابط المتعلقة بها، هذا يمكن أن نجعله في محور خامس، ونسميه: المسائل العامة، أو شيئا نحوه، لكن نقصد بها، يعني مسائل لا تدخل تحت المجالات الأربعة، وهي مهمة في فهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا.
طيب، نعود يا شباب إلى مسائل علوم القرآن، نبدأ بالمسألة الأولى العلمية، تكلمنا عن نشأة علوم القرآن أو يعني مقدمة في أهمية هذا العلم، ثم المحاور الرئيسية التي يمكن أن ندرس تحتها مسائل علوم القرآن، وهذه الأربعة: نزوله وتدوينه وقراءته وفهمه.
والمجال الخامس: مسائل عامة تخدم هذه المسائل الأساسية.
نبدأ الآن بالتعريف بالقرآن، ما المقصود بالقرآن الكريم؟
وأنا أريد أن أسأل من عنده الميكروفون منكم يا شباب، عندك سؤال..، القرآن..، عندما أسأل عن القرآن، وأنت كطالب علم تتعامل مع القرآن، ماذا تعرف، ما المقصود بالقرآن الكريم؟
{هو كلام الله تعالى المتعبد بتلاوته، المنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم- المتلو والمدون في المصاحف}.
الشيخ:
جميل، جيد، طيب هل ترون أنتم يا شباب الآن عندما نسأل، نقول: أعطني القرآن، هل يلتبس عليك هذا المعنى بأي شيء آخر، يعني ممكن أنك تخطئ فتذهب فتحضر له مثلا كتاب رياض الصالحين؟ لا.. معروف، صح.
والقرآن الآن خاصة عند المسلمين، أصبح عَلَمًا على كتاب الله -سبحانه وتعالى- وعلى هذا المصحف الذي يضم بين دفتيه القرآن الكريم، القران الكريم غني عن التعريف، هذا الكلام.
ولكن نحن عندما نأتي في مقرر علوم القرآن نبدأ بالتعريف، مع أنه معروف ومشهور، فالعلماء يُعرفون دائمًا أي علم أو أي مصطلح، دائمًا يعرفونه لغةً ويعرفونه اصطلاحًا.
وهنا نحن نقول: تعريف القرآن الكريم لغة وشرعًا، لغة واصطلاحًا، المقصود بها، تعريفه في اللغة، نقصد به تعريف هذه اللفظة في لغة العرب مطلقًا يعني، نذهب إلى معاجم اللغة ونبحث عن مادة قرأ مثلا، أو مادة قرن، على حسَب هل هي مشتقة أو غير مشتقة، فالعلماء عندما يعرفون القرآن الكريم يأتون فيقولون: نعرفه لغة ونعرفه اصطلاحًا، وعندما تأتي إلى التعريف اللغوي، يقولون: هناك من العلماء من يقول: إن القرآن اسم جامد غير مشتق، ومنهم من يقول: لا، هو اسم مشتق، ثم يختلفون في اشتقاقه، هل هو مشتق من قَرَن، من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه، قَرَن الشيء بالشيء إذا ضمه إليه، ومنه قول جرير أو الفرزدق، نسيت، هو واحد منهما، أظنه الفرزدق، يقول:
وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قرن
لم يستطع صَولة البُزلِ القَناعيسِ

مَن يشرح لي البيت يا شباب؟
وابنُ اللبونِ إذا ما لُزَّ في قرن
لم يستطعْ صَولة البُزلِ القَناعيسِ

وماذا تفهم من قَرَنٍ؟ وابن اللبون إذا ما لز في قرن، هي في الإبل، لكن إبل ناقة طبعًا، ابن اللبون هو: الصغير من الإبل، والبازل: الجمل المكتمل النمو، فهو يقول يعني أن الجمل الصغير، صغير الجمال، إذا وضعته مع ابن اللبون في قَرَن واحد، بمعنى وضعتهم الاثنين في القَرَن وهي: خشبة يُربط بها الجملُ الصغير مع الجمل الكبير، فلن يستطيعَ هذا أن يُجاري هذا؛ لأن الجمل البازل قوي، وابن اللبون صغير، تمامًا كما لو قلت الآن: أنك لا تستطيع أن تأتي بأستاذ مثلا متخصص له عشرون سنة مع طالب في الخامسة الابتدائية، ثم تُجري بين الاثنين مسابقة في تخصص الأستاذ، فنقول هذه مسابقة غير عادلة؛ لأنك تُوازن بين واحد له عشرون سنة أو ثلاثون سنة وهو يتعلم ويُعلم، وبين طفل صغير ما زال في بداية حياته، فالفرزدق يقول، يفخر بنفسه ويقول:
وابن اللبون -يقصد به خصمه- إذا ما لزَّ في قرن
لم يستطع صولة البزل القناعيس

ما تستطيع أن تجاريني، فالشاهد قولهم: قَرَن هنا، أن القرآن مأخوذ من قرنتُ الشيء بالشيء إذا ضممته إليه، فسُمي القرآن قرآنًا لأنه ضُمت آياته مع بعضها البعض فأصبح قرآنًا، هذا الذين يقولون إن نونَه أصلية، وهناك من يقول: إن نونه ليست أصليةً، عفوًا أن يقول نونه أصلية ولكنه ليس من قرن الشيء إلى الشيء بمعنى ضمه إليه وإنما من القرائن جمع قرينة، وهذه طبعًا مسألة يعني خلافية بسيطة.
والذين يرون أن نونه غير أصلية ليس من قَرَن، وإنما هو من قرأ المهموزة، قالوا: إنه مصدر مهموز من قَرَأ، فيقال: قرأته قرآنًا، فسُمي قرآنًا لأنه مقروء، ومنهم من يقول: إنه ليس مهموزًا، وهذا كما كان الشافعيُّ -رحمه الله- يرى هذا الرأي، ويرى أن القرآن: اسم عَلَم للقرآن الكريم، غير مهموز، قُرَان، بدون همزٍ، قُران، وهذه قراءة ابنِ كثير، قراءة أهل مكةَ، على رأيِ الشافعيِّ.
فإذنْ أهل اللغةِ يقولون هذا، ومنهم مَن يقول إنه جامد، ومنهم مَن يقول إنه مشتقٌّ، ثم المشتق منهم من يَرى أنَّ نونه أصلية، ومنهم مَن يرى أنها غيرُ أصلية، ثم الذين قالوا نونه أصلية، بعضهم يقول: إنه من قرنت الشيء إلى الشيء بمعنى ضممته، ومنهم من يقول: إنه من القرائن.
وأمَّا الذين يرون أنَّ نونه غيرُ أصلية، يرون أنه مصدر مهموز من قرأ بمعنى جَمَعَ، يقولون: تقول العرب: قرأتُ الماء في الحوض يعني جمعت الماءَ في الحوضِ، ويَستدلون على ذلك ببيت من الشعر لعمرو بن كلثوم، يقول:
هِجَان اللون لم تقرأ جَنينًا
........................
قالوا: بمعنى أنها لم تضم في رحِمها جنينًا قط.
ومنهم من يقول: إنَّ نونه غير أصلية، ولكنه مأخوذ على وزن فعلان من قرأ، وليس يعني من المصدر المهموز.
طيب، جميل، هذا ما يتعلق بالجانب اللغوي في القرآن الكريم، والذي يظهر والله أعلم أنه مأخوذ من المصدر المهموز "قرأ"؛ لأنَّ القرآن الكريم بدأ بهذه اللفظةِ، ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق: 1]، أول كلمة نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- ﴿ اقْرَأْ ﴾، ثم إنَّ القرآن الكريم يُتلى بالألسنةِ، ويقرأ في الصلواتِ، ويعني ومن أبرزِ أوجهِ التَّعامل مع القرآنِ الكريمِ قراءته وتلاوته، والتعبُّد بذلك، «اقرأْ، وارتقِ، ورتلْ، كما كنتَ تُرتل في الدُّنيا»، فالذي يظهر والله أعلم أنه من هذا الاشتقاقِ وأنه من "قرأ" المهموز، ثم أصبح علمًا على كلام الله سبحانه وتعالى، ونزل في القرآن الكريم هذا فـ ﴿ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 185]، وأصبح يعني عَلَمًا على كلام الله -سبحانه وتعالى-، إذا قلنا اليوم "قرآن" رأيتُ القرآن، حملتُ القرآن، حفظتُ القرآن، يعني أصبح عَلَمًا معروفًا على كتاب الله -سبحانه وتعالى- الذي نَزَلَ على محمد -صلى الله عليه وسلم-.

كازانوفا
20-10-2013, 09:04 AM
نأتي إلى المعنى الاصطلاحي، وهو مكتوب أمامكم في السبورة، المعنى الاصطلاحي يُريد العلماءُ به أنْ يُميزوا بين هذا وبيْن غيره مما يُمكن أنْ يُشابهه القرآن، التوراة والإنجيل، الحديث القدسي الذي نَزَلَ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من الله، فيريدون أن يميزوا القرآن الكريم عن هذه الأمور، فعرفوه بهذا التعريف، وقالوا: كلام الله -حقيقة- المنَزَّل على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أو محمد -صلى الله عليه وسلم- المتعبَّد بتلاوتِه.
وأنا أُلاحظُ أنَّ مُعظم كتبِ علومِ القرآن تعرف القرآن، فتقول: كلام الله المنزل.. إلى آخره، لا تذكر كلمة (حقيقة)، وحقيقة أنا أضفتها؛ لأنها هي التي تُميز التعريف الصحيح لأهلِ السنة للقرآن الكريم عن غيرهم من المذاهبِ.
فنحنُ نقولُ في تعريف كتابِ الله: هو كلام الله حقيقة، بمعنى أنه كلام الله الذي نتكلم به على وجه الحقيقة، كما يَليق به -سبحانه وتعالى-، ونُثبت أنَّ الله -سبحانه وتعالى- مُتكلم، تكلم بهذا القرآن، ولا يَزال مُتكلمًا -سبحانه وتعالى- كيف شاء ومتى شاء، وهذه صفة الكلام، نُثبتها لله -سبحانه وتعالى- كما أثْبتَها لنفْسِه: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيما ﴾ [النساء: 164]، إلى آخره من الأدلة المعروفة في إثباتِ صفة الكلام لله -سبحانه وتعالى-.
نأتي إلى محترزات التعريف، "كلام الله" إذا قلنا: كلام الله، فقد أخرجنا كلامَ غيره، فلا يُسمى قرآنًا، فلا يسمى الحديث النبوي قرآنًا، ولا تُسمى الخطب قرآنًا، ولا يُسمى غير كلام الله -سبحانه وتعالى- قرآنًا، واضح يا شباب.
إلا أن بعضهم يتجوزون، فيطلقون على بعض الكتب المهمة في العلوم، كما يسمي بعضهم كتاب سيبويه "قرآن النحو"، هذا نوع من التجوُّز، وإلا فليس من اللائق أن يُسمى بهذا الاسم، فهذا كلام الله، فإذا قلنا كلام الله حقيقة، نحن هنا نريد أن نُثبت صفةَ الكلام لله -سبحانه وتعالى-، وأنَّ القرآنَ الكريمَ هو كلام الله حقيقة، وليس مجازًا كما يذهب بعض الطوائفِ وبعض المذاهب إلى ذلك.
ثم إذا قلنا: "المنزَّل" أخرج ذلك غير المنزل؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- كلامه أكثر من القرآن الكريم، الله -سبحانه وتعالى- تكلم بالتوراة وتكلم بالإنجيل وتكلم بالزَّبُور، وتكلم بغير ذلك، ولا يزال -سبحانه وتعالى- يتكلم بما شاء كيف شاء، فالقرآن الكريم هو جزء من كلام الله، وهو الذي نزل به جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو جزء من كلام الله، فلما نقول: المنزل، أخرج غير المنزل.
فإذا قلنا: "على محمد -صلى الله عليه وسلم-" أخرج كل ما نزل على غيره، فلا يسمى قرآنًا، ما نزل على موسى، ما نزل على عيسى، ما نزل على داود، كل هذا لا يسمى قرآنًا بالمعنى الاصطلاحي الذي ندرسه في هذا المقرر، لأننا سندرس علوم القرآن، علوم القرآن، ما هو القرآن الذي سوف ندرس علومه؟ هذا الكتاب المصحف الذي نزل كلام الله حقيقة ونزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-.
"المتعبد بتلاوته" هذا قيد أيضًا يذكره بعض العلماء، وإلا يكفي أن نقول..، أن نتوقف عند -صلى الله عليه وسلم-، يعني لو توقفنا يا شباب الآن عند قوله: "صلى الله عليه وسلم" هنا لكان كافيًا، لماذا؟ لأنه يؤدي الغرض، كلام الله حقيقة المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكنهم يضيفون "المتعبد بتلاوته" لماذا؟ لكي يخرج ما ليس متعبدًا بتلاوته، مثل ماذا؟ قالوا: مثل الحديث القدسي، فحتى نخرج الحديث القدسي لا بد أنْ نذكرَ قيد "المتعبَّد بتلاوته"؛ لأنَّ الحديث القدسي لا يُتعبد بتلاوتِه في الصلاةِ ولا في غير الصلاة، وإنما هو حديث نبوي ألفاظه -على الصحيح طبعًا- ولعله يأتي معنا الفرقُ بين الحديث النبوي القدسي، الحديث القدسي والقرآن الكريم.
فيقال: الحديث القدسي: لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناه من الله -سبحانه وتعالى-، علمًا أن كل بقية أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها هذا القيد؛ لأن الله يقول: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم 3-4]، فقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلا: «إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، نقول: معناه صحيح وهو وحي من الله، ولكن اللفظ من النبي -صلى الله عليه وسلم-.
لكن الحديث القدسي فيه خاصية: وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصدره بقوله «يقول الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا» فهذا حديثٌ قدسي، نُسميه حديثًا قدسيًّا يَنسبه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى اللهِ تعالى مباشرةً بألفاظٍ من عند النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، هذا يختلف به الحديث القدسي عن القرآن الكريم.
القرآن الكريم: ألفاظه كما هي من الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس له دور إلا البلاغ فقط، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجتهد في القرآن الكريم بأي وجه من أوجه الاجتهاد في نقل حروفه، إنما ينقله كما هو، والقراءات كذلك، لأنكم قد تسمعون مَن يقول: طيب هذه القراءات السبع التي تقرأون بها اليومَ هل هي من عند الله؟ أم هي اجتهاد من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟
الجواب: هي من عند الله.
ما هو الدليل؟
الدليل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهم قد اختلفوا في قراءة سورة الفرقان، عندما دخل هشام بن حكيم في المسجد وصلَّى بمفرده، فسمع عمر بن الخطاب تلاوته لسورة الفرقان، وإذا به يتلوها بتلاوةٍ غير التي يَعرفها عمر بن الخطاب، فانتظره حتى انتهى من صلاته، ثم قال له: يا هشام، ما هذه التلاوة التي أراك تقرأ بها؟ قال: هكذا أقرأني النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: كذبتَ، أنا أقرأني بغير هذه القراءة، وذهب به إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أليس كذلك؟ فلما ذهب به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يا عمر: أرسله، يعني اتركه، لأنه كان ماسكَه بعنف، كما يقولون: لَبَّبَه بردائه، يعني أن عمر غاضب، ما هذا العبث بالقرآن؟!! فلما تركه، قال: اقرأ يا هشام. فلما قرأ قال: «صدقت، هكذا أنزلت»، ما قال -عليه الصلاة والسلام- هكذا قرأتها، أو هكذا اجتهدت في قراءتها، لا.. «صدقت؛ هكذا أنزلت». عمر سمع الكلام استغرب، فقال: اقرأ يا عمر، فقرأ عمر بقراءته التي تعلمها، فلما قرأها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «صدقت، هكذا أنزلت»، أليس كذلك؟ جميل جدًّا.
الشاهد: أن هذه الأوجه المختلفة في القراءة أيضًا هي نزلت من الله على محمد -صلى الله عليه وسلم- ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجتهد في قراءة القرآن الكريم إلا كما عُلِّم -عليه الصلاة والسلام- وكما أخذ من جبريل، وهذه مسألة مهمة جدًّا ينبغي أن تَرسخ في أذهانِكم من الآن، وترسخ في أذهانِ كل المشاهدينَ والمشاهدات من الآنِ، القرآن ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193]، الذي هو جبريل -عليه الصلاة والسلام- ﴿ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ [الشعراء 194-195]، جبريل رسول ومحمد -عليه الصلاة والسلام- رسول، نقل لنا القرآن كما أُنزل بأحرفه وبرواياته.
طيب، إذنْ هذا ما يتعلقُ بتعريف القرآن الكريم اصطلاحًا، نقول: إنه كلامُ الله حقيقة -وأن نُصرَّ على كلمة "حقيقة" كما قُلنا لكيْ يختلفَ تعريف القرآن الكريم عند أهل السنة عن غيرهم من المذاهب الذين يقولون إن كلام الله هنا ليس كلامًا حقيقيًّا، وإنما هو الكلام النفسيُّ، وليس متكلمًا بحروف، نقول: لا؛ هو متكلم -سبحانه وتعالى- ولكن بما يليق به وبالصفة التي تليق به -سبحانه وتعالى-، نثبت له حقيقة الكلام، أنه تكلم، وكلَّم الملائكة، وكلَّم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والله قال: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الشورى: 51] كما في سورة الشورى.
طيب، وقلت لكم: المتعبد بتلاوته، هذه أيضًا تخرج الحديث القدسي كما تحدثنا، وهنا مَن يضيف قيدًا آخرَ، ويقول: المعجِز بأقصر سورة منه، فيُضيف قيدًا للتعريف، تعريف القرآن الكريم، وهو أنه معجز بأقصر سورة منه، لماذا؟ لأنَّ الله تحدَّى العرب أن يأتوا بمثل القرآن الكريم، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور، وتحداهم أن يأتوا بسورة، فأقل كمية وأقل مقدار تحدى به هو: السورة، وأقصر سورة في القرآن الكريم كم عدد آياتها؟ ثلاث آيات، ما هي؟ الكوثر صحيح.
{والعصر}.
الشيخ:
والعصر صحيح.
{والنصر}.
الشيخ:
والنصر صحيح، ثلاث سور، فهذه أقل سورة من القرآن الكريم بحيث المقدار ثلاث آيات، منها النصر، منها الكوثر، منها العصر، فقال العلماء: المعجز بأقصر سورة منه، والإعجاز سوف يأتي -إن شاء الله- في أثناء المحاضرات، المقصود بإعجاز القرآن الكريم، وما هو وجه الإعجاز، إلى آخره.
فهذا هو تعريف القرآن الكريم الذي يعني يدلُّ على حقيقة القرآن وماهيته، ويميزه عن غيره من الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
هل هناك أي سؤال حول هذه المسألة يا مشايخ؟
تفضل المايك، أي واحد يريد أن يسأل...
{شيخ، أحسن الله إليك، وما شأن القراءات العشر أو الأربعة عشر، بعضهم يقول خمسة عشر، ما شأن هذه؟}
الشيخ:
شأنها يا أخي الحبيب أنها كلها ينطبق عليها ما قلناه، أنها كلها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، نعم القراءات العشر المتواترة؛ لأن القراءات أوسع من العشرة، والعلماء -رحمهم الله- من التابعين ومن أتباع التابعين ومَن بعدهم كانت أوجه القراءات عندهم أكثر من خمسين وجهًا، ولذلك هناك للهُذَلي كتاب لعله يُطبع "الكامل في القراءات الخمسين"، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- علَّم الصحابة -رضي الله عنهم- فانتشر الصحابة في الأمصار، فأخذ كل مِصرٍ بقراءة الصحابيِّ الذي ذهب إليهم، والصحابي أخذها من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
فمثلا عبد الله بن مسعود استقر في الكوفة، فانتشرت قراءة عبد الله في الكوفة، وأبو الدرداء استقر في دمشق الشام، فسارت قراءة أبي الدرداء التي أخذها، وفي البصرة استقر أبو موسى الأشعري وأيضًا انتشرت قراءته، وفي المدينة قراءة الصحابة، فلما أخذ كل أهل مصر يقرأون بالقراءة التي تعلموها؛ كَثُر الاختلاف كما هو اليوم تمامًا، يعني اليوم على سبيل المثال يا شباب، لو سمعتم قارئًا يقرأ بقراءة رويس عن يعقوب الحضرمي مثلا فيقول: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَه * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة 1-2]، ويقول: ﴿ وَلاَ الضَّالِّينَه ﴾، ستستنكرها هذه القراءة، صح؟ في الصلاة، وربما عامة الناس يقولون: هذا يعبث في القرآن، وربما يرد عليك وأنت في الصلاة، طيب لو قرأ واحد منكم مثلا في الصلاة وهو مقرئ، وقال: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهامُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى ﴾ [البقرة: 260]، يأتي واحد من ورائك ويقول: ﴿ إِبْرَاهِيمُ ﴾، ويظنك أخطأت عندما قلت: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهامُ ﴾، وهذه قراءة هشام بن عمار عن ابن عامر الدمشقي.

كازانوفا
20-10-2013, 09:04 AM
فحتى اليوم سيقع بيننا كما وقع بين عُمر وهشام بن حكيم -رضي الله عنهما-، لماذا؟ لأننا نجهلُ، وليس عندنا خلفية عن هذه القراءة أو عن هذا الوجه، أو هذا..، فنرد عليه، يأتي واحد يقرأ: ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ في بيئة هم لا يعرفون إلا قراءة حفص، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، سيردون عليك، صح؟ هل قراءتك خطأ؟ القراءة السبعية الصحيحة، لكنها غير مشهورة في هذا الوسط فيُنكرها الناس عليك.
ولذلك في عهد عثمان -رضي الله عنه- لما تجمع الصحابة في فتح أذربيجان، أبناء الصحابة وأبناء أبنائهم نشأوا على قراءة واحدة يعرفونها في الكوفة، في البصرة، فلما لما جاء الناس واجتمعوا في مكان واحد، جاءوا من مكة، من المدينة، من اليمن، شعروا باختلافٍ في قراءتهم، مع أنها صحيحة كلها، لكن وقع الاختلاف، فعثمان -رضي الله عنه- جمع المصحف، وكان من أهداف جمع المصحف ذلك الوقت إقناع الناس وإثبات للناس أن هذه القراءات التي يقرأ بها الناس قراءات صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأرسل مع كل مصحف إلى الأمصار مقرئًا يُقرئ الناس، جميل، واستمرت القراءات، ولذلك يقول نافع: "إني قرأتُ على سبعين من التابعين"، ثم اختار قراءته التي قرأ بها من قراءات هؤلاء جميعًا، قال: "فما أجمع عليه القرَّاء أختاره"، فهو اختار قراءة تختلف عن مجموع قراءات الجميع، لكنها صحيحة، ومثله عاصم، ومثله حمزة، والآن لما جاء ابن مجاهد -رحمه الله- سنة ثلاثمائة وربما وعشرة، ثلاثمائة وخمسة عشر، توفي 324، وصنف كتابًا سماه "السبعة في القراءات"، اختار فقط من القراء الكثير جدًّا، ستين سبعين قارئا، فاختار هؤلاء السبعة فقط، واختار أشهرهم وأجودهم وأكثرهم شهرة وعلمًا وإتقانًا، فلما اختار السبعة؛ اشتهرت عند الناس، وانضبطت هذه السبعة واقتصروا عليها، تمامًا مثلما يحصل مع المعلقات السبع، هل لم يُنقل عن العرب من الشعر إلا هذه المعلقات السبع؟ لا، نُقل عنهم، لكن هذه السبع اختارها اختيارًا لأبرز الشعراء، ويعني القرآن أعلى وأجلّ من ذلك، لكن الفكرة أنها تقريبية.
فلما أصبحت هذه السبع هي المشهورة، جاء بعد ابن مجاهد مَن قال: لا.. هناك أيضًا قراء لا يقلون عن هؤلاء السبعة شهرة وإتقانًا مثل يعقوب الحضرمي وخلف وبقية القراء، يعني فأكمل العشرة، مَن جاء بعد ابن مجاهد، أصبحت القراءات العشر، وهناك مَن أوصلها إلى أربعة عشر، واختار لكل واحد قارئين، فهذه هي حقيقة القراءات، فالموجود عندنا اليوم العشر..، القراءات العشر، والقراءات الأربعة عشر ليست هي القراءات فقط التي كانت مروية معروفة مشهورة، وإنما لأن العلماء اختاروها وانتشرت وذهب ما عداها، لم يُنقل ولم يتناقل، فنحن الآن لا نعرف إلا هذه القراءات العشر أو المتواترة.
كلنا نقول فيها هذا القول الذي قلته لكم، أنها كلها من عند الله، لا يمكن ولا يصح لنا وليس بصحيح أن نقول: أن أحدًا من القرَّاء اجتهد فقرأ بوجه لم يسمعه. هذه نقطة مهمة جدًا، لو لم نخرج من درسنا في هذه المحاضرة إلا بهذه المعلومة لكانت كافية، ليس أحد من القراء اجتهد في قراءته بشكل لم يسمع من القرَّاء الذي أخذ عنهم من شيوخه، وليس أحد من الصحابة اجتهد في قراءة القرآن بغير الوجه الذي أقرأه به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولذلك في بعض الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبعض مَن اختلف في القراءة، قال: «اقرءوا كما عُلمتم»، تمامًا، لا تجتهد فلا تزيد ولا تنقص، والأدلة كلها تثبت فعلا أن الصحابة -رضي الله عنهم- قد التزموا بهذا، بهذا التوجيه.
طيب، نأتي الآن إلى تعريف علوم القرآن، كلامنا كله تكلمنا عن القرآن ونريد أن نتكلم الآن عن المقصود بعلوم القرآن، وهو هذا المقرر الذي ندرسه في هذا الفصل -إن شاء الله-.
مقرر علوم القرآن، هذه مادة موجودة في الجامعات الآن، وموجودة عندكم الآن، مادة علوم القرآن.
كلمة "علوم" جمع علم، معناها: العلم كما يعرفه العلماء يقولون: العلم هو نقيض الجهل، طيب والجهل؟ قالوا: نقيض العلم. وهذا من أوجه التعريف، مقبولة أحيانًا، وأحيانًا غير مقبولة، أنك تعرف الشيء بضده، تقول ما هو اللون الأسود؟ قالوا: خلاف الأبيض، والأبيض؟ قالوا: خلاف الأسود، ما هو البصر؟ قالوا: خلاف العمى. طيب والعمى؟ قالوا: خلاف البصر، وهكذا..
فهناك مَن يفعل ذلك ويعرف بالنقيض، لكن نحن نقول: أن العلم هو: إدراك الشيء على ما هو عليه، العلم هو: إدراك الشيء على ما هو عليه، أن تتعلم، يعني مثلا الآن: علم الفقه، علم الفقه هو مجموعة من المسائل المتعلقة بالمسائل التفصيلية، الأحكام التفصيلة، صح؟ حكم الصلاة، حكم المسح على الخفين، قصر الصلاة، جمع الصلاة، أحاكم فقهية، صح؟ تتعلق بدين المسلم، مجموع هذه الأحكام المرتبة يسمى علم الفقه، إدراك هذه المسائل بأدلتها؛ هذا هو العلم، وبه يتميز، فيقال: والله فلان عالم وفلان غير عالم، لأنك أنت أدركت هذه المسائل فسميناك عالمًا بها، وأنت لم تدركها، فلم نطلق عليك هذا الوصف، فإذن نقول: العلم، صحيح أنه نقيض الجهل، لكن التعريف الأفضل والأدق له هو أن نقول: إدراك الشيء على ما هو عليه، هذا هو العلم.
أما اصطلاحًا هنا في علوم القرآن فنقول: العلم بالاصطلاح هو: مجموعة مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة، علوم القرآن، هذه المسائل المتعلقة بالمحاور التي ذكرتها لكم في بداية الدرس، العلوم: المسائل المتعلقة بنزول القرآن زائد المسائل المتعلقة بكتابته زائد المسائل المتعلقة بقراءته زائد المسائل المتعلقة بفهمه، مجموع هذه المسائل يسمى علوم القرآن.
فإذن نقول: العلوم اصطلاحًا هنا هي: مجموعة من المسائل العلمية التي تكون أصول، تجمعها جهة واحدة.
مثل علم النحو: مجموعة المسائل المتعلقة بإصلاح اللسان والإعراب وإلى آخره، نسميه علم النحو.
علم أصول الفقه مثلا هو: معرفة دلائل الفقه إجمالا وكيفية الاستفادة منه وحال المستفيد، هذه المسائل التي تدخل تحت هذه المحاور نسميها علم أصول الفقه.
علم الفقه: معرفة الأدلة التفصيلية للأحكام الفقهية.
أما علوم القرآن الكريم، طبعًا تكلمنا عن معنى القرآن، معنا علوم القرآن، يمكن أننا نقول في مسائل علوم القرآن هي: المسائل المتعلقة...، ثم نعدد المحاور التي عندنا، فنقول: المسائل المتعلقة بنزول القرآن وتدوينه وقراءته وفهمه، وإن شئتم أن نحطاط لأنفسنا نقول: وتتمات لذلك، حتى ندخل تحت "تتمات لذلك" هذه المسائل التي قلت لكم أنها قد تخرج أو لا يمكن أن ندرجها تحت محور من هذه المحاور، مثل إعجاز القرآن مثلا، مثل الانتصار للقرآن، إلى آخره.
إذن هذا هو تعريف علوم القرآن، ودعونا نكتبه لو شئتم، إن لم يكن مكتوبًا، دعنا نكتبه على اللوح، لأنه ما هو مكتوب، وهذا التعريف قد لا تجدونه في كتب علوم القرآن.
تعريف علوم القرآن، تعريف علوم القرآن اصطلاحًا طبعًا، فنقول: دعونا نعبر المسائل المتعلقة ثم نكمل على نفس الفكرة، المسائل المتعلقة بنزول القرآن وقراءته وتدوينه وفهمه..، أو وتفسيره، ما رأيكم؟ وتفسيره باعتبار أن كلمة تفسير كلمة مشهورة، وتفسيره، وتتمات لذلك.
طبعًا كلمة "تتمات لذلك" كلمة مشهورة في التعريف عند العلماء لعلم التفسير، وتتمات لذلك.
لاحظوا المسائل المتعلقة بنزول القرآن وقراءته وتدوينه وتفسيره، هذه أربعة محاور مهمة جدًا في علوم القرآن، لا يستغنى عنها في تدريس هذا العلم، وتتمات لذلك تتدخل تحتها إعجاز القرآن، بلاغته، يعني من هذا القبيل، وهذه مسائل يعني ستمرّ معنا كثيرًا.
نأتي على حكم تعلم علوم القرآن الكريم، كما قلنا في البداية: علوم القرآن مهمة لكل مسلم، حتى يعرف..، لأنه ممكن أن يأتيك واحد ويقول لك: يا محمد، القرآن الكريم هذا كلام محمد، فأنت إذا كنت لا تعلم أن القرآن الكريم كلام الله وعندك معرفة وعندك خلفية وعندك أدلة ستتورط ولا تستطيع أن تجيب على سؤال هذا الرجل، أو على شبهته التي ألقاها عليك.
فنحن نقول: أن حكم تعلم القرآن الكريم إذا كنا نتحدث عن حكم تكليفي، فنحن لا نستطيع أن نقول: أنه واجب على كل مكلف، لأن معنى كلامنا إذا لم يتعلمه فإنه آثم، وهذا لا بد أنك لا تقولها إلا بدليل، لكننا نقول: حكم تعلم علوم القرآن الكريم كمقرر: هو فرض كفاية، إذا قام به مَن يكفي سقط الإثم عن الباقين، ولا نقول: إذا قام به البعض سقط عن الباقين، لأن هذه خطأ في تعريف فروض الكفاية، وأن الصواب أن تقول: إذا قام به مَن يكفي، ولذلك سموه فرض كفاية، فإذا لم تتحقق الكفاية بهذا الباب، يبقى الإثم حتى تتحقق الكفاية.
باختصار نحن تحدثنا عن نشأة علوم القرآن الكريم، يمكن أن نشير هنا إلى الأسباب، المنهج المتبع في تعلم القرآن وعلومه، المدارس العلمية في تدريس القرآن، ظهور اصطلاح علوم القرآن.
علوم القرآن الكريم نشأت مع نزول القرآن الكريم، منذ أن نزل القرآن الكريم، النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ مباشرة يمارس علوم القرآن، كيف؟ كان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يلقي القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فماذا يصنع الرسول؟ يحرك لسانه وراء جبريل؟ لماذا؟ يخاف أن ينسى ويفوت عليه هذا الوحي، فماذا قال الله تعالى؟ قال: ﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]، أثناء سماعك له من جبريل؟ ﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾، يعني خوفًا عليه من أن يذهب ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]، يعني جمعه في صدرك وأيضًا جمعه في الصحف بعد ذلك ﴿وَقُرْآنَهُ﴾، أي وإقدارك وتمكينك من قراءته وتلاوته بعد انتهاء جبريل، وهذا الذي حدث، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسكت وينصت حتى يفرغ جبريل ثم يعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة.
هذا أول ما نشأ علوم القرآن، نشأ مبكرًا، النبي بدأ يهتم بكتابة الوحي، خصص أناس من الصحابة -رضي الله عنهم- يكتبون الوحي بين يديه، كان يدارس القرآن الكريم؛ هذا من علوم القرآن، كتابته هي من علوم القرآن الكريم، حفظه وتلاوته وتعليمه من علوم القرآن الكريم، أيضًا الناسخ والمنسوخ من علوم القرآن الكريم، موجودة في القرآن الكريم نفسه ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [البقرة: 106]، فنشأته مع نزوله، نشأة علوم القرآن.
لكن اهتم به بعض الصحابة أكثر من بعض، هذا صحيح، عبد الله بن عباس ليس في التفسير وعلوم القرآن مثل مثلا خالد بن الوليد، خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لم يشتغل بالتفسير وعلوم القرآن والسؤال عنها والبحث فيها والتصدي لها، لكنه كان يعرف ما يحتاج إليه، لكن ابن عباس تفرغ له تقريبًا، فأصبح ترجمان القرآن ويعتني به ويسأل الصحابة فيه وعن أسباب النزول.
وعبد الله بن مسعود أيضًا -رضي الله عنه- كان من هذا النوع، ولذلك يقول عبد الله بن مسعود: يقول: "والله ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيمن نزلت ومتى نزلت" هذه أيضًا من علوم القرآن، مواضع النزول وأوقات النزول وأسباب النزول.
بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم- جاء التابعون فزاد الأمر اختصاصًا، وبعض العلماء يرى أن هناك من التابعين مَن ألَّف في علوم القرآن، ثم بعد ذلك أتباع التابعين، وبدأت تُكتب التفاسير، تفسير الطبري -على سبيل المثال- توفي سنة 310، هو يعتبر من الكتب التي كتبت في علوم القرآن، لماذا؟ لأن تفسير القرآن هو جزء من علوم القرآن.

كازانوفا
20-10-2013, 09:05 AM
الآن علوم القرآن، عندما نقول علوم القرآن، هي علم واحد يجمع كل هذه العلوم المتعلقة بالقرآن، المتعلقة بالنزول والفهم والقراءة والتفسير والتدوين وتتمات لذلك، هذا علم واحد، ولذلك ممكن تذهب تشتري كتاب في علوم القرآن، مثل كتاب شيخنا مثلا، "مباحث في علوم القرآن" للشيخ مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، هذا كتاب في علم واحد، الذي يسمونه "علوم القرآن"، لكننا نعبر نحن بالجمع بالإشارة إلى العلوم التي داخله، التي تنضم تحته، ولو قلنا الآن: كتاب في علم الناسخ والمنسوخ، صح هذا علم، علم أسباب النزول هذا علم، علم التفسير هذا علم، علم التجويد هذا علم، علم القراءات هذا علم، أجمعها كلها تحت مادة علوم القرآن، فنحن ندرس في علوم القرآن الآن يعني تأصيل هذه المسائل، الناسخ والمنسوخ تعريفه، ضوابط النسخ في القرآن، أمثلة، لكن لو أردنا أن نأخذ الناسخ والمنسوخ في القرآن كله، فهذا علم مستقل تطبيق.
أسباب النزول: أُعرف لك سبب النزول وأذكر لك أمثلة، لكن أستقصي لك كل أسباب النزول في القرآن؛ هذا محله كتب أسباب النزول، وقل مثل ذلك في المحكم والمتشابه، المطلق والمقيد، العام والخاص، المكي والمدني، وهكذا..
إذن هذه يا شباب كانت المحاضرة، كانت المقدمة للمقصود بعلوم القرآن، كيف بدأت باختصار، ولعلنا -إن شاء الله- نتدارس في محاضرات قادمة حول نشأت علوم القرآن، المؤلفات الأساسية التي ينبغي على طالب العلم أن يقرأ فيها في هذا الفن، الكتب الموثوقة، الكتب الجيدة التي ننصح بها، المناسبة لحسب السن، يعني في بداية الطلب، في وسط الطلب، في آخره، سوف نتحدث عنها -إن شاء الله- في المحاضرات القادمة بإذن الله تعالى، أيضًا سوف نتوقف مع مسائل علوم القرآن القادمة، في المحاضرات القادمة، وإذا فيه أي سؤال عندكم قبل أن نختم درس اليوم يا شباب؟ هل هناك أي سؤال أو شيء نختم به؟
{شيخ. أحسن الله إليك، هل يصح القراءة بالقراءات الشاذة؟}
الشيخ:
القراءات الشاذة، المقصود بها القراءات التي خالفت أو التي تخلف ركن من أركان القراءة الصحيحة، ما هي أركان القراءة الصحيحة؟ قالوا: ثلاثة: أن تكون صحيحة الإسناد، وأن تكون موافقة لرسم المصحف ولو احتمالا، وأن تكون موافقة لوجه من أوجه النحو ولو احتمالا أيضًا.
فلو جاءتنا قراءة مخالفة للنحو، نقول: هذه قراءة شاذة، صحيحة الإسناد، لكن مخالفة لوجه من النحو، فنقول: هذه شاذة، أو غير موافقة لرسم المصحف، نقول: هذه شاذة.
هل تجوز القراءة بها؟ لا يجوز القراءة بها في الصلاة، ولا يجوز القراءة بها على وجه التعبد في الصلاة، ولكن يجوز القراءة بها على سبيل التعلم والتعليم، بمعنى لأنك إذا جئت إلى شيخك لكي تتعلم القراءة الشاذة فتقرأ بها، فيقول: هذه قراءة شاذة، وتتعلم كيفية القراءة الشاذة وكيف تؤديها، وإلا لو لم نسمح بذلك لاندثرت من الأمة، فهناك مَن يتعلمها ويأخذها على سبيل التعلم والتعليم وإلا القراءات الشاذة عند القراء يُستفاد منها في الفقه ويستفاد منها في الأحكام ويستفاد منها في النحو، وأنها وجه من أوجه اللغة، وهي أقوى من الاستدلال بشاهد الشعر وأولى بالاستشهاد من كلام الأعرابي الذي لا نعرف مَن هو، وإنما هي أقوى منهما؛ لأنها رُويت بإسناد صحيح وإنما خالفت وجهًا من أوجه الرسم أو وجهًا من أوجه النحو.
{شيخ. وهل نزلت على الرسول هذه القراءات الشاذة؟}
الشيخ:
طبعًا إذا لم تصح سندًا، فنحن لا نستطيع أن نجزم بذلك، إذا لم تصح إسنادًا فلا نجزم بذلك، لكننا نستفيد منها من فوائد في النحو وفي الفقه.
ونختم بهذا؛ فقد انتهى وقت هذه الحلقة، أشكركم أيها الإخوة في الأستوديو هنا، وأشكركم أيها الإخوة المشاهدون على متابعتكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بهذه المحاضرات، وأرجو أن يكون أثناء المحاضرات أن تدونوا هذه الفوائد وهذه المسائل حتى ننتفع بها -إن شاء الله- في المستقبل وفي الاختبارات، وأن تبقى معنا هذه المعلومات، فهي مهمة جدًّا لكل من يتعامل مع كتاب الله -سبحانه وتعالى- وكلنا نتعامل مع كتاب الله تعالى، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم فهم كتابه، وإلى لقاء قادم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

امـ حمد
20-10-2013, 04:09 PM
الله يعطيك العافيه على المحاضرات المفيده
وجزاك ربي جنة الفردوس

كازانوفا
21-10-2013, 07:17 AM
ويعافيكي يارب
وجزيتي على المرور الطيب
كان بودي يكون في اقبال لدراسته من قبل الاعضاء خساره والله

كازانوفا
21-10-2013, 08:36 AM
مادة علوم القرآن
د. عبد الرحمن الشهري
تفريغ الدرس الثاني
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله أيها الإخوة الكرام هنا في داخل الأستوديو، وحياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الذي يشاهدوننا ويتابعون من وراء الشاشات في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وفي هذا المقرر، مقرر علوم القرآن.
قلنا إن علوم القرآن الكريم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأت مع نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمكن أن نقول: علوم القرآن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل فيها نزول القرآن، وعلم نزوله، وتدوينه، وقراءته، وتلاوته، وتلقيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، واشتهر أناسٌ من الصحابة كانوا متخصصين في الأخذ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث: «مَن أراد أن يقرأ القرآن الكريم غضًّا كما أنزل؛ فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»، وهو عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وهو هذلي، من قبيلة هذيل، القبيلة المضرية المعروفة.
وأيضًا قال: «خذوا القرآن عن أربعة»، وذكر منهم عبد الله بن مسعود، وذكر منهم أُبيَّ بن كعب، فإذن هناك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أناس مختصون أيضًا من الصحابة بتلقِّي القرآن الكريم على الوجه الذي تلقاه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من جبريل، وهذا علم من علوم القرآن الكريم.
أيضًا، النبي كان يُكلف مَن يكتبُ القرآن الكريم، فأيضًا كتابة القرآن الكريم هي من عُلوم القرآن الكريم.
فإذن نقول: علم القرآن الكريم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يشمل نزولَه، وكل ما يتعلقُ بالنزولِ، يَشمل أيضًا كل ما يتعلقُ بنزولِ القرآن الكريم، فهو في عهد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لأنه تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- فانقطع الوحي، فليس هناك مسألة من مسائل النزول حدثت بعده، خلاص واضحة هذه المسألة؟
ولذلك ذَهب أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وعمر يَزوران امرأةً كبيرةً في السن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزورها، فوجداها تبكي، فقالا: النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ذهب إلى خير مما كان فيه، يُخففان من حزنها، فقالت كلمة جميلة تتعلق بموضوعنا في علوم القرآن، فقالت: "والله، ما أبكي لأنني لا أعلمُ أنه انتقل إلى خير مما هو فيه، أنا متأكدة أنه انتقل إلى شيء أفضل، وإنما أبكي انقطاع الوحي"، وهذه كلمة جميلة جدًّا، انقطاع الوحي، فإذن بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطعَ الوحيُ، وكل مَن ادعى أن هناك وحيًا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو كاذب.
طيب نأتي إلى عهد الصحابة -رضي الله عنهم- فنجد أن من الصحابة مَن اشتهر بالتفسيرِ، ويعني بعلوم القرآن التي.. بتفسيره والتصدي لتفسيره وفهمه من أمثال عبد الله بن مسعود كما قلت لكم، وعبد الله بن مسعود يعتبر هو أعلم الصحابة بالقرآن الكريم، عبد الله بن مسعود الهذلي، ولذلك ينبغي العناية بتفسيره، وقد جُمع تفسيره وأقواله في التفسير وفي علوم القرآن في رسائلَ علمية، وطُبعت الكتب.
فعبد الله بن مسعود الهذلي له مكانة عالية جدًّا في الصحابة -رضي الله عنهم-، كان ملازمًا للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- تلقى منه سبعين سورة مباشرة، وتلقى منه البقية عن قرب، كان عالمًا يرعى أسباب النزول، يرعى أين نزلت الآيات؟ وكيف نزلت؟ ولماذا نزلت، يعرف الملابسات -رضي الله عنه- كبيرًا في السن، أدرك النبي، أسلم مبكرًا وبقي بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- سنين طويلة، وتوفي عبد الله بن مسعود سنة 32 من الهجرة.
أيضًا من الصحابة المشهورين جدًّا بالتفسير والعناية به: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- خصوصًا، علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان أيضًا من أعلم الصحابة بتفسير القرآن وما يتعلق به، ولولا اشتغاله بالحروب والغزوات في خلافته -رضي الله عنه- لوصلنا علم أكثر مما وصلنا عنه -رضي الله عنه-.
ومن مزايا عبد الله بن عباس أنه قد أخذ علم ابن مسعود وعلم علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- وعاش بعدهما سنين طويلة جدًّا، يعني علي بن أبي طالب توفي سنة كم؟
{أربعين.}
الشيخ:
تقريبًا 40 هجرية، وابن عباس عاش إلى 68 هجرية، فعاش بعده كم؟ 28 سنة، ومات عبد الله بن مسعود 32، وعاش بعده كم؟ تقريبًا 36 سنة، عاش بعد عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- تعلم فيها الكثير وعلم فيها الكثير، فهو وارث علم هذين الجبلين من جبال التفسير في عهد الصحابة، أيضًا أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، لهم عناية بالتفسير ولكن ليست كعناية علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-.
ابن عباس، يعني يعتبر هو من أعلم الصحابة -رضي الله عنه- في التفسير؛ لأنه قد أخذ علم كبار الصحابةِ، ثم أيضًا عاش بعدها سنين طويلة، بث فيها علمًا غزيرًا، ولذلك يُسميه العلماء، وسماه الصحابة "ترجمان القرآن"، وأيضًا عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين أيضًا عالمة بالتفسير، وقد جُمعت أقوالها أيضًا في التفسير.
وفي عهد التابعين -رضي الله عنهم- يمكن أن ننظر إلى مدارس نشأت في عهد التابعين، في المدينة، في مكة، في الكوفة، في البصرة، في دمشق، هذه حواضر الإسلام في ذلك الوقت، في اليمن، في مصر، فمدرسة مكة استقر فيها ابن عباس -رضي الله عنه- استقر في مكة، واجتمع التلاميذ عليه، وكان يخصص يومًا للتفسير، واشتهر بذلك حتى أتاه الطلبة من الكوفة، وسعيد بن جبير يعتبر من تلاميذ عبد الله بن عباس وهو من أهل الكوفة، فكان يأتي إلى عبد الله بن عباس في مكة يطلب عليه علم التفسير، ثم يرجع ويعود، ويرجع ويعود حتى أخذ العلم..، من تلاميذه المشهورين جدًّا عكرمة -مولاه- والتفسير بعكرمة مولى ابن عباس، أيضًا أخذ عن ابن عباس علمًا غزيرًا، وكان ابن عباس يعني من فرط حرصه وعنايته بتلميذه عكرمة، يقيده بالقيد لكي يستمع إلى التفسير في حضرته، يبدو أنه كان مشاغبًا بعض الشيء، يعني يريد أن يخرج فكان يقيده ويبقى لكي يتعلم منه التفسير -رضي الله عنهم أجمعين-.
أيضًا من تلاميذه المشهورين جدًّا مجاهد بن جبر، وهو من أشهر تلامذة عبد الله بن عباس -رضي الله عنهم أجمعين-، مجاهد بن جبر هو تلميذ ابن عباس في التفسير، وهو من أشهر تلاميذه إن لم يكن أشهر تلاميذ ابن عباس، توفي سنة 105 للهجرة، عرض القرآن الكريم على ابن عباس كثيرًا، في بعض الروايات يقول: "عرضت القرآن -أو قرأت القرآن- على ابن عباس ثلاثين مرة"، ويقول في رواية أخرى: "عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات، أو ثلاث عرضات، أقفه عند كل آية، أسأله عن معناها"، وفي بعض الروايات أنه كتب عنه التفسير كاملاً، مجاهد، أنه سأل ابن عباس وكتب عنه التفسير كاملاً، لكن لم يصلنا هذا الكتاب، وإن كان جُمعَ، يعني موجود تفسير مجاهد ومطبوع، ويقال إنه نُقل إلينا عن طريق الرواة الذين نقلوه، فهو متناول، وقد نقل منه ابن جرير الطبري كثيرًا في تفسيره، تجد أقوال ابن مجاهد كثيرة جدًّا في التفسير، ولذلك كان يحب السلف -رضي الله عنهم- والأئمة، كانوا يحبون تفسير مجاهد، ويثقون به كثيرًا، ويقول سفيان الثوري -رحمه الله-: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد؛ فحسبك به"، انتهى الأمر، لا تبحث.
أيضًا عندكم مدرسة في المدينة المنورة، المدرسة التي في المدينة المنورة نشأت في الحقيقة على يد شيخها الذي تفرغ للتعلم وتدريس القرآن وإقرائه وبيان معانيه وتفسيره، وهو أُبيّ بن كعب الأنصاري -رضي الله عنه وأرضاه-، وأُبيّ بن كعب الأنصاري مقدم جدًّا في عُلوم القرآن، وفي القراءات، وفي التفسير، وفي كلِّ ما يتعلق بالقرآن الكريم، كان من الملازمين للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته إلى المدينةِ.
وأيضًا زيد بن ثابت -رضي الله عنه- وهو إمام أيضًا من أئمة الصحابة -رضي الله عنهم-، وهو الذي -كما تعلمون- كان يكتب الوحي بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وملازمًا له، وكان جارًا للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فإذا نزل الوحي ناداه، ينادون زيدًا، تعال يا زيد، اكتب هذه الآية، اكتب هذه الآيات، إلى آخره.
أيضًا هو الذي أمره أبو بكر الصديق بجمع القرآن، وهو الذي أمره أيضًا عثمان بجمع القرآن، فهو رجل قرآنيٌّ متخصص في هذا مبكرًا -رضي الله عنه- زيد بن ثابت. وأيضًا من تلامذته، أبي بن كعب، وكلهم نشأوا في المدينة وانتشروا في الآفاق.
عندنا في الكوفة، هذا أستاذ التفسير حقيقة، استقر في الكوفة، وهو عبد الله بن مسعود الهذلي -رضي الله عنه- استقر في الكوفة، وتلاميذه الذين أخذوا عنه مثل علقمة وغيره، ورثوا علمًا غزيرًا من علم عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وكان عمر بن الخطاب يَرى ويقول لأهل الشام أو لأهل الكوفة: "لقد آثرتكم بابن مسعود على نفسي"، يعني يقول: أنا في أمسِّ الحاجة إلى عبد الله بن مسعود في المدينة، وأنا الخليفة، ولكنني إكرامًا لكم آثرتكم بعبد الله بن مسعود يُقيم بينكم يُوصيهم به -رضي الله عنه-، يوصيهم بالأخذ عنه والاستفادة منه.
إذن: هذا هو ما يتعلق بعلوم القرآن في عهد الرسول وفي عهد الصحابة -رضي الله عنهم-، وفي عهد التابعين -رضي الله عنهم أجمعين-، تلاحظون أن العلم كله شفوي، ليس فيه كتابة إلا ما قِيل عن مجاهدٍ وعكرمةَ وبعض أتباع التابعين أو التابعين أنهم كانوا يكتبون.
نأتي الآن بعد عهد التابعين بدأ التدوين يظهرُ، وبدأوا يكتبونَ الحديث والتفسير والقرآن، وبدأت العلوم تُكتب وتُدوَّن، خشية عليها من الضياع ومن فقدانها وإلى آخره.
وأيضًا استقر المسلمون في الأمصار، فبدأت هذه مظاهر المدنية -إن صحَّ التعبير- الكتابة والتأليف، وهذه مظاهر المدنية، أما عدم الكتابة والاكتفاء بالحفظ فهو ليس من مظاهر المدنية، يعني كان العرب بطبيعتهم في الجاهلية، يعني أهل حروب وأهل صيد وأهل قنص وأهل ذاكرة، فلا يعولون كثيرًا على الكتابة، وإنما يكتفون بالحفظ، لا، الآن جاء التدوين في عهد بعض أتباع التابعين وبدأ يظهر يعني علم علوم القرآن الكريم.
أول يمكن أن نقسم هذا إلى قسمين قبل ظهور مصطلح علوم القرآن وبعد ظهور مصطلح علوم القرآن.
فقبل ظهور مصطلح علوم القرآن، هناك تأليفات وكتابات في علوم القرآن لكن ليست باسم علوم القرآن، فمثلا يأتي واحد ويكتب في الوقف والابتداء من القراء المتقدمين، والوقف والابتداء من مباحث علو القرآن، واحد يكتب -مثلاً- في الناسخ والمنسوخ، مثل كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى 224هـ، واحد يكتب في موضوع غريب القرآن، وهناك كتب نسبت إلى عطاء بن أبي رباح من التابعين في غريب القرآن.
وبعد التدوين ظهور مصطلح علوم القرآن بدأت تظهر لنا كتب بهذا الاسم مثلاً: "فنون الأفنان في علوم القرآن" لابن الجوزي، وابن الجوزي متوفى 597، هناك كتاب اسمه: "التنبيه" لمؤلفه الحارث المحاسبي، له كتاب بعنوان: "فهم القرآن" وهذا في الحقيقة يمكن أن نقول إنه هو أول كتاب صُنِّف في علوم القرآن بمعناه الاصطلاحيِّ، كتاب الحارث المحاسبي، الحارث المحاسبي توفي سنة 243، فهو متقدم من طبقة الإمام أحمد بن حنبل تقريبًا، له كتاب باسم: "فهم القرآن" ذكر فيه كثيرًا من مسائل علوم القرآن المعروفة اليوم، المطلق والمقيد، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، ونزول القرآن، إلى آخره، لكنه مختصر، ما فيه تفصيل كثير، لكن جاء بعده كتاب اسمه: "التنبيه على بعض علوم القرآن" أو كذا، لابن حبيب النيسابوري المتوفى 402 هجرية، ثم جاء بعده ابن الجوزي فكتب: "فنون الأفنان في علوم القرآن" كما قلت لكم، وجمع فيه عددا من علوم القرآن، ذكر الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص وذكر أسباب النزول، وذكر المكي والمدني، إلى آخره، لكن لم يستوعب يعني مسائل علوم القرآن.
جاء بعده السخاوي، وصنف كتابًا سماه: "جمال القراء وكمال الإقراء"، والسخاوي -رحمه الله- توفي سنة 643 هجرية، يعني نقدر نقول في القرن السابع، يعني من 600 إلى 699 يعتبر القرن السابع، فـ643 يعني عاش 43 سنة في القرن السابع الهجري.
جاء بعده -يا شباب- بدر الدين الزركشي، صنف كتابا رائعا جدًّا جدًّا سماه: "البرهان في علوم القرآن"، هذا الكتاب يُعتبر نقطة فارقة في تاريخ التأليف في علوم القرآن الكريم، وهو يشتمل على سبعة وأربعين علما من علوم القرآن الكريم: المناسبات بين الآيات والسور، أسباب النزول، المكي والمدني، جمع القرآن، أسباب النزول، الوحي، تفسير القرآن، أسباب اختلاف المفسرين، لغة القرآن، إلى آخره، غريب القرآن، وقد طُبع الكتاب مؤخرًا، يعني يمكن عام 1370 هجرية طبعه الشيخ محمد أبو الفضل إبراهيم -رحمه الله- في أربعة مجلدات عن دار البابي الحلبي، فاشتهر الكتاب، وانتشر بين الباحثين وطلبة العلم، وأفضل طبعات الكتاب هي الطبعة التي حققها يوسف المرعشلي في أربع مجلدات وطبعتها دار المعرفة، اعتنى بتحقيقه عناية فائقة، وكان كل علم من علوم القرآن، يعني مثلا أسباب النزول يضع في الحاشية بأسفل، انظر ثم يورد لك كل كتب أسباب النزول، والكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع بتوسع، فأثرى الحواشي بشكل كبير جدًّا في خدمة النص كتاب: "البرهان في علوم القرآن"، بقية التحقيقات ما تفصل هذا التفصيل، ولا تُعنى بهذه العناية.
جاء بعد "البرهان في علوم القرآن" الزركشي، جاء بعده البُلقيني، جلال الدين البلقيني فصنَّف كتابًا قيمًا مختصرًا، سماه: "مواقع العلوم في علوم القرآن" يعني مواقع العلوم ومواضع النجوم، وشيء مثل هذا، لكن مشهور بـ"مواقع العلوم" للبلقيني، وقسم فيه علوم القرآن تقسيمًا جميلاً، لأن الزركشي في الحقيقة قسم الكتاب بطريقة لا يظهر من خلالها تنظيم معين، فبدأ مثلاً بالمناسبات بين السور، ثم أسباب النزول ثم أول ما نزل، آخر ما نزل، مزج علوم القرآن بشكل غير منظم، لكن البلقيني نظمها، فقال:
أولاً: العلوم المتعلقة بالنزول، ثم تحدث عن أول ما نزل، آخر ما نزل، أسباب النزول، المكي، المدني.
ثم قال: العلوم المتعلقة بتلاوته وأدائه، ثم العلوم المتعلقة بفهمه وهكذا..

كازانوفا
21-10-2013, 08:37 AM
قريب مما ذكرت لكم في المحاضرة الأولى، عندما قسمنا علوم القرآن أربعة محاور أساسية: النزول والتلاوة والتدوين والتفسير.
ثم جاء بعدهم السيوطي، السيوطي يعتبر من الأئمة الكبار الذين أثروا في علوم القرآن، فصنف أول ما صنف رسالة صغيرة سماها، أو في أصول التفسير، كان ضمنها كتابا له سماه: "النُّقاية في علوم الدارية"، يعني الخلاصة في هذه العلوم، فصنف فيها أربعة عشر متنا، كل متن في علم من العلوم، متن في علوم القرآن، متن في النحو، ومتن في الطب، ومتن في المعاني والبيان في البلاغة، وهكذا.. في أصول الفقه، متن في أصول الحديث، أو في علم مصطلح الحديث، ثم شرحها في كتاب سماه: "إتمام الدارية لقراء النقاية" مُلخِّصًا هذا الكتاب الذي كتبه في خمس أو ست صفحات، وكان صغيرًا في السن ربما أتوقع أنه كان في السابعة عشرة من عمره أو السادسة عشرة.
ثم صنف السيوطي بعد ذلك كتابًا سماه: "التحبير في علوم التفسير"، وأنا أتصور أنه صنف هذا الكتاب وهو في الرابعة أو الخامسة والعشرين من عمره، "التحبير في علم التفسير" وذكر فيه مئة نوع من علوم القرآن ونوعين، يعني 102، وطُبع هذا الكتاب في دار العلوم هنا في مكتبة دار العلوم في الرياض بتحقيق جيد، ذكر فيه 102 من علوم القرآن، ذكر الناسخ والمنسوخ، إلى آخره، وذكر في هذا الكتاب أنه قد اطلع على كتاب البلقيني، هذا الذي ذكرته لكم، وهو شيخه، جلال الدين البلقيني، ثم ألف كتابه الكبير والشهير الذي تعرفونه جميعًا، وأظن كثيرًا من الإخوة المشاهدين يعرفونه كتاب "الإتقان في علوم القرآن" هذا كتاب مشهور، صح يا شباب؟ مضى عليكم يا حمد؟ قرأت فيه شيئا؟ ما مرَّ عليك! هو كتاب في أربعة مجلدات، والآن طُبع في سبع مجلدات.
عبد الحكيم مرَّ عليك "الاتقان في علوم القرآن"؟
{نعم.}
الشيخ: قرأت فيه شيئا؟
{تصفح فقط.}
الشيخ: تصفح، جميل، يعني ما تقدر تقول لي كم ذكر فيه نوعًا من أنواع علوم القرآن؟ ثمانين. جميل، ذكر ثمانين نوعًا. الكتاب هذا، كتاب "الإتقان في علوم القرآن" والمخرج يعاتبني، يقول دائمًا إذا تكلمتم في المايك، لكن هذه أسئلة سريعة.
"الإتقان في علوم القرآن" يعتبر أشهر كتاب في علوم القرآن، هذا الكتاب، صنفه السيوطي وعمره ثمانية وعشرون عاما، نعم.. رأيتم الشباب يستطيعون أنهم يصنعون، يُغيِّرون، يطوِّرون، ويتركون آثارًا عظيمة، شاب عمره ثمانية وعشرون عاما صنف كتاب: "الإتقان في علوم القرآن"، وأصبح هذا الكتاب هو أشهر كتاب في علوم القرآن إلى اليوم، ذكر في أول شيء، جمع كتاب الزركشي، كتاب ابن الجوزي، كتاب البلقيني، كتبه السابقة، وأخرج لنا كتاب "الإتقان في علوم القرآن"، قسمه إلى ثمانين نوعا، ورتبه ترتيبًا غيرَ منظم، نفس المشكلة التي عند الزركشي، وأنا أستغرب الحقيقة من السيوطي -رحمه الله- لماذا لم يستفد من ترتيب البلقيني؟! وكتابه موجود "مواقع العلوم" لأنه رتبه ترتيبًا جميلا، على حَسَبِ النزول، القراءة، التفسير، لكن على الذي حدث، صنَّف كتابه "الإتقان في علوم القرآن"، وجمع فيه خلاصة ما ذكره المتقدمون، وصنف كتبًا أخرى، السيوطي صنف كتبًا كثيرة في الناسخ والمنسوخ، في المعرب في القرآن الكريم، وإلى آخره، "معترك الأقران في إعجاز القرآن"، "مفحمات الأقران في مبهمات القرآن"، له كتب كثيرة في علوم القرآن، وكلها الحقيقة كتب قيمة وجديرة بالقراءة.
"الإتقان في علوم القرآن" زائد "البرهان في علوم القرآن" للزركشي، كتابان مهمان جدًّا في تاريخ علوم القرآن، وجاء بعدهما عالم جليل اسمه ابن عقيلة المكي، ابن عقيلة المكي توفي سنة 1150 هجرية، نعم 1150 هجرية ابن عقيلة المكي، ماذا صنع ابن عقيلة يا حمد؟ جاء قال: هذا كتاب الزركشي وهذا كتاب السيوطي، كتابان مشهوران جدًّا في علوم القرآن، لماذا لا أجمعهما في كتاب واحد وأخرج للناس ولطلاب العلم كتابًا موسوعة في علوم القرآن، وفعلاً صنف كتابًا سماه: "الزيادة والإحسان في علوم القرآن"، وذكر فيه 154 نوعًا من علوم القرآن الكريم، هو في الحقيقة جمع بين كتاب الزركشي وبين كتاب السيوطي، والحقيقة أضاف بعض الإضافات وتوسَّع واستطرد فيه بعض الاستطرادات، وشقق العلوم أو المسائل الموجودة في كتاب الزركشي وفي كتاب السيوطي، وإلا لو جمعنا 80+47 كم؟ 127، وهو ذكر كم؟ 154، فتستغرب كيف تقول جمعت بين كتابين وأنت أصلا أكثر منهما، نقول: يأتي مثلاً ما نزل ليلاً وما نزل نهارًا، هذا نوع من الأنواع عند السيوطي، يأتي ابن عقيلة يقول: ما نزل ليلاً نوع، ما نزل نهارًا نوع ثانٍ، فكثرت ..، أعجبني في ابن عقيلة في بعض المسائل عندما تحدث عن غريب القرآن أفاض وتكلم بكلام جميل جدًّا.
أفرد نوعًا من أنواع علوم القرآن للاستشهاد بالشعر على معاني غريب القرآن الكريم، وهذا أيضًا جيد ولم يفرده السيوطي بباب مع أنه ذكر مسائل نافع بن الأزرق المتعلقة بالشواهد الشعرية.
طيب.. هناك كتب كثيرة طبعًا في التاريخ بهذا العنوان: "البرهان في علوم القرآن"، هناك كتاب مشهور اسمه: "الحاوي في علوم القرآن"، وفيه كتاب اسم: "البرهان في تفسير القرآن" للحوفي، هو في التفسير القرآن فعلاً، "البرهان في متشابه القرآن" للكرماني، أيضًا هو من الكتب، الكتب المصنفة في علوم القرآن مفردة في الناسخ والمنسوخ، في أسباب النزول، في المطلق والمقيد، في المحكم والمتشابه في القرآن الكريم كثيرة جدًا، ولكن أنا ذكرت لكم أبرز الملامح الرئيسية، ونشأة علوم القرآن كيف تطورت.
اليوم، اليوم في المدارس والجامعات الآن، هناك كتب كثيرة معاصرة، تجدون كتاب "مباحث في علوم القرآن" للشيخ مناع القطان، مشهور جدًّا وربما تدرسونه في الجامعات وفي المعاهد العلمية، هنا كتاب: "مناهل العرفان في علوم القرآن" للشيخ الزرقاني -رحمه الله-، وهذا من أقدم الكتب المعاصرة التي صُنفتْ في القرن الماضي، كان يدرسه لطلابه أيضًا في مرحلة الماجستير، وهو عبارة عن محاضراتٍ أملاها، أيضًا هناك كتاب: "المدخل لدراسة القرآن الكريم" للشيخ محمد أبو شهبة -رحمه الله-، وهو كتاب قيم أيضًا، هنا كتاب سماه: "التبيان لمباحث في علوم القرآن على منهج الإتقان أو على وجه الإتقان أو كذا..، للشيخ طاهر الجزائري -رحمه الله-، والشيخ طاهر الجزائري توفي سنة 1338 هجرية في القرن الماضي، وكتابه هذا كتاب قيم حقيقة، واستقصى فيه، وأبدع في تأليفه وخاصة في بعض المسائل تتعلق مثلا بتسميات السور، كيف تعرب أسماء السور، تقول: قرأتُ سورة العنكبوت -مثلاً- أو بدأتُ بالعنكبوتِ، هل تتعامل معها كألفاظ، العنكبوتِ أو العنكبوت، المهم يعني تحدث عن كيف تعرب السور، مسائل جديرة بالوقوف والعناية، وأنا أنصح بقراءة هذا الكتاب، كتاب "التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن" للشيخ طاهر الجزائري -رحمه الله-.
أيضًا، كتاب: "المحرر في علوم القرآن" لزميلنا الدكتور مساعد الطيار، أيضًا كتاب جيد ومدرسي، وهناك كتاب: "الميسر في علوم القرآن"، أنا كتبت هذا الكتاب أيضًا على وجه ميسر وطبعه معهد الإمام الشاطبي في جدة، أيضًا كتاب "المقدمات الأساسية في علوم القرآن" للشيخ عبد الله الجديع، أيضًا كتاب قيم ومرتب في علوم القرآن الكريم، والكتب كثيرة في علوم القرآن المعاصرة، لو تدخل المكتبة الآن تجد عددًا كبيرًا جدًّا من الكتب: "البرهان في علوم القرآن"، "الإتقان في علوم القرآن"، "الزوائد.."، "الأفنان في علوم القرآن"، فالكتب ولله الحمد أصبحت كثيرة، وكل واحد فيها يتميز بميزة ليست في الآخر، محاولة لتقريب معلومات هذا العلم.
دعونا نأخذ أيضًا مسألة أخرى وهي مسألة الوحي، ... القرآن الكريم، لما بدأ الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي -صلى الله عليه وسلم- نشأ في مكة، وكان رجلاً أمينًا شهمًا وقورًا -عليه الصلاة والسلام- معروفًا بالأمانة والصدق في قومه، ثم النبي -صلى الله عليه وسلم- من أسرة شريفة، فوالده عبد الله، وجده عبد المطلب، وجده هاشم، كلهم من سادات قريش، وخاصة جده عبد المطلب وجده هاشم وقصي، يعني أجداده كلهم أهل شرف وعائلة كريمة من عوائل قريش الكبار، فلما ذهب، كان حُبب إليه العزلة والخلاء والانفراد، وأصبح -عليه الصلاة والسلام- يذهب إلى غار حراء، ويبقى هناك ينقطع للتحنث، التحنث يعني التعبد، طيب.. التعبد على أي دين؟ على ملة الحنيفية، يعني لم يكن -عليه الصلاة والسلام يصلي، وإنما كان ينقطع، وكأنه -عليه الصلاة والسلام- يستعد لهذا الحدث العظيم وهو حدث النبوة، لكنه لم يكن يعلم -عليه الصلاة والسلام- أبدًا، ولم يكن ينتظر وحيًا، ولم يكن ينتظر جبريل، ولا يعرف جبريل، ولا عمره سمع بجبريل، ولا يعرف يقرأ ولا يعرف يكتب -عليه الصلاة والسلام- أبدًا، لكن لحكمة أرادها الله أصبح يخلو بنفسه قبل الوحي، وذات يوم وطبعًا هي ليلة القدر، وهي في شهر رمضان كما ثبت، فجاءه جبريل -عليه الصلاة والسلام- ، جاءه وهو في غار حراء فغطه كما في الحديث، صح؟ قال: «فغطني»، يعني ضمني ضمة شديدة، «ثم أرسلني، فقال: اقرأ»، تخيلوا يا شباب، موقف صعب جدًا جدًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بمفرده في الغار، ثم إنه كان في الليل، لأن الله يقول: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3]، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما وقع له هذا الحدث؛ خاف خوفًا شديدًا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أنا بقارئ»، يعني قالها مع الخوف، ما معنى: ما أنا بقارئ يا عبد الحكيم، وخذ المايك لو سمحت حتى يسمع المشاهدين.

كازانوفا
21-10-2013, 08:37 AM
{أي: لا أجيد القراءة.}
الشيخ:
أحسنت، ممتاز؛ لأن بعض الناس يفهم «ما أنا بقارئ» يعني لن أقرأ، يعني كأنه يعاند، يقول: اقرأ، قال: لن أقرأ، لا.. ليس هذا هو المعنى، وإنما المعنى: أنا لا أحسن القراءة، أنا لا أعرف القراءة، «فأخذه جبريل -عليه الصلاة والسلام- مرة أخرى فضمه، ثم قال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فضمه الثالثة، ثم قال له: ﴿ اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾» [العلق 1-5]، هذه خمس آيات، هي أول خمس آيات نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصحيح، ولاحظوا -سبحان الله- أول الآيات تخرج، أو تنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- تتحدث عن العلم، وتأمره بالقراءة مع أنه لا يقرأ ولا يكتب، يعني بداية الإسلام تتحدث عن الأقلام والكتابة والكرم، لذلك عندما قال: ﴿ اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ فيه إشارة إلى ارتباط القراءة بجود الله -سبحانه تعالى- على العبد بفتحه عليه في العلم وفي الفهم، وأن القراءة مفتاح العلم والازدياد منه.
﴿ اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ ، طبعًا نحن نتحدث اليوم عن تاريخ لكن ضع نفسك مكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الموقف، لأنه هذا الذي نزل غيَّر وجه الدنيا، هذا الوحي، ولذلك نحن نقول: قبل الوحي، وبعد الوحي، قبل الوحي كان الناس في عالم، وبعده أصبحوا في عالم آخر، كانوا في ظلام أصبحوا في نور، كانوا في ضلال أصبحوا في هدى، فهذه نقلة عظيمة، ثم لاحظوا يا شباب أن هذا الوحي الذي نزل به جبريل، جبريل دائمًا ينزل بالوحي بالمناسبة، نزل على موسى وعلى نوح وعلى عيسى وعلى كل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- مختص بالوحي، لكن كان دائمًا ينزل بوحي خاص، موسى لبني إسرائيل فقط، عيسى: لبني إسرائيل فقط، لوط: قومك فقط، إبراهيم: قوم إبراهيم فقط، عاد أرسل إليهم هود، وإلى ثمود أخاهم صالحًا، شعيب لأهل مدين فقط، كلها دعوات محلية وجبريل كان ينزل بهذا، لكن هذه المرة لا، نزل برسالة ماذا؟ عالمية، ليست عالمية فقط يا عبد الحكيم، للجن والإنس، وهذه طبعًا من خصائص دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الأنبياء كانوا يُرسَلون بشكل خاص لأممهم، هو لا..، أُرسل للبشر، للجن والإنس، والله -سبحانه وتعالى- قال في سورة الفرقان ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً ﴾ [الفرقان: 51]، في كل قرية، ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً * فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ [الفرقان 51-52]، أو نراجعها لو كنت أخطأت في قرية..
{ ﴿نَّذِيراً﴾.}
الشيخ: نعم ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً * فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ طبعًا وما معناها يا شباب؟ معناها: ما دام أنه سنبعث في كل قرية نذيرًا سنبعثه بلغة، بلغة قومه، أليس كذلك؟ لأنه قال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4]، لكننا قد اختصرنا كل هؤلاء الرسل في محمد -عليه الصلاة والسلام-، واختصرنا كل هذه الألسنة في اللسان العربي، أليس هذا مؤشر يا شباب على فضل العربية؟ أليس كذلك؟
يعني لماذا الآن يختارون اللغة العربية وهو مرسل إلى البشر جميعًا؟! مع أنه سوف يُرسل إلى الفرنسية والإنجليزية والهندية والفارسية، كلهم مطالبون بأن يؤمنوا بهذا الكتاب وبهذا الرسول، ونحن سوف نترجم إلى هذه اللغات، وهذا إشارة واضحة جدًّا على فضل اللغة العربية، لأن هناك مَن يُشكك في هذا، يقول: اللغة العربية نزلت..، نزل القرآن بالعربية لأنه نزل على محمد وهو عربي، ولو نزل القرآن على موسى لكان بالعبرية، ولو نزل على عيسى لكان بالسريانية، وهكذا..
فنقول: نزوله على محمد بالعربية مع أنه عام لكل البشر إشارة إلى فضل العربية وأنها قادرة على استيعاب كل المعاني التي تتحملها اللغات الأخرى، وهذه خصيصة في اللغة العربية ينبغي أن نتنبه لها يا شباب، وأن نعرف لها قدرها، فأنت إذا وُفقت في تعلم العربية وإتقانها فأنت قد وُفقت إلى لغة عظيمة جدًا جدًا، وكل ما بعدها فهو سهل من حيث المعاني، ويعجبني قول حافظ إبراهيم -رحمه الله- عندما تحدث على لسان العربية في قصيدته المشهورة العربية تنعى حظها بين قومها، فيقول في مطلع القصيدة، يقول:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي

رموني بعقم في الحياة وليتني
عقمت فلم أجزع لقول عداتي

ثم يقول:
وسعت كتاب الله لفظًا وغايةً
وما ضقت عن آيٍ به وعظات

فكيف أضيق اليومَ عن وصف آلةٍ
وتنسيق أسماء لمخترعات

أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟

إلى آخره..
فالشاهد: أن اللغة العربية وسعت كتاب الله لفظًا وغاية واستوعبت هذه المعاني العظيمة التي اشتمل عليها القرآن الكريم، الله -سبحانه وتعالى- تكلم بها، ولا شك أن هذا شرف عظيم.
الوحي، كيف نزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ الرسول -صلى الله عليه وسلم- جالس في غار حراء، فوجئ بجبريل جاء به الوحي، ومن ذاك اليوم بدأ جبريل يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بشكل مستمر ويبلغه القرآن الكريم، نحن نريد أن نعرف ما هو الوحي هذا؟ كيف كان ينتقل.. تفضل يا عبد الحكيم.. عندك سؤال؟
{شيخ.. أحسن الله إليك، بحكم أن المؤلفات في هذا الفن كثيرة، فبماذا يُنصح المبتدئون في هذا الفن والمتقدمون؟ بِمَ ينصحون في فن علوم القرآن؟}
الشيخ:
أحسنت، يعني من الكتب الجيدة الآن كتاب: "مباحث في علوم القرآن" للشيخ مناع القطان، كتاب جيد ومختصر وإن كان فيه بعض الاستطرادات، أيضًا كتاب: "الميسر في علوم القرآن" أنا ألفته، راعيتُ فيه هذا الجانب، وهو أن يكون مناسبًا للمبتدئ وللمتوسط ومزود بالأسئلة وبالتمارين، كتاب أيضًا: "دراسات في علوم القرآن" للشيخ فهد الرومي، كتاب جيد وسهل، كتاب أيضًا: "المحرر في علوم القرآن" للشيخ مساعد الطيار، كتاب أيضًا جيد ويصلح للمتوسطين والمتقدمين أيضًا، أيضًا من الكتب التي تصلح للمتقدمين كتاب السيوطي "البرهان" أو "الإتقان في علوم القرآن"، و"البرهان" للزركشي كذلك، هذه خاصة بالمتقدمين، نحن نتحدث عن المتقدمين، والمتقدمون هم طلاب الجامعات وطلاب الدراسات العليا، المبتدئون هم طلاب المتوسط والابتدائي الذي يريد أن يتعرف على الأشياء الأساسية المتعلقة بعلوم القرآن، والآن ما شاء الله، يعني أنتم يا شباب الآن في الثانويات وفي الجامعات، يعني أنتم تعتبرون متقدمين في مستواكم العلمي، وهناك منظومات في علوم القرآن أيضًا، لكن ليست كثيرة، يعني هناك منظومة للزمزمي كنت نشرتها قديمًا على شبكة الإنترنت ثم طُبعت، اسمها "منظومة الزمزمي" نظم فيها كتاب السيوطي: "النقاية في علوم الدراية"، وهناك ألفية في علوم القرآن نسيت أن أخبركم بها، نظم فيها مؤلفها كتاب: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي، في ألف ومائتين بيت تقريبًا، وهو الشيخ عبد الله فودي النيجيري المتوفى سنة 1250 هجرية، وقد حققتُ هذه الألفية ولعلها تُطبع إن شاء الله قريبًا، وهي ألفية جيدة نظم فيها كل ما في الإتقان، وأيضًا ما في "النقاية" المختصر.
فهذه هي الكتب يا عبد الحكيم التي تناسب هذه المستويات، هناك الحمد لله، الآن المختصرات كثيرة، يعني: "الوجيز في علوم القرآن" للأخ مشعل الحداري، مختصر جدًا، لخص فيه كتاب: "مباحث علوم القرآن" للشيخ مناع القطان، وهنا كتاب: "مباحث في علوم القرآن" للشيخ صبحي الصالح، كتاب قيم جدًّا أيضًا، أنا أيضًا أنصح بقراءته، وكتب كثيرة في هذا، كلها إن شاء الله تلبي أغراض الدارسين.
نأتي إلى الوحي، المقصود بالوحي: الوحي في اللغة هو: الإشارة، يأتي الوحي بمعنى الإشارة، يعني أنا الآن لو أشرتُ بيدي هكذا لكم، يسمى هذا وحيًا، ولذلك ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِياًّ ﴾ [مريم: 11]، أوحى إليهم يعني: أشار إليهم إشارة فهموا منها مقصوده، فهذا يسمى وحيًا في اللغة.
وأيضًا يأتي الوحي في اللغة بمعنى الإلهام، لقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾ [النحل: 68]، يعني ألهمها.
ويأتي الوحي بمعنى، بمعنى ماذا في اللغة؟ يأتي ماذا؟
{الإعلام أو الإخبار.}
الشيخ:
أحسنت، يأتي بمعنى الإعلام على وجه الخفاء والسرعة، يعني هذا ه المعنى إن صحَّ التعبير، يمكن أن نقول هذا هو المعنى الدقيق اللغوي، أن الوحي هو: بمعنى الإعلام على وجه السرعة والخفاء، الإعلام السريع على وجه الخفاء والسرعة، هذا هو معنى الوحي في اللغة.
معناه في الاصطلاح هو: يمكن أن نقول هو: نقل ما يوحيه الله -سبحانه وتعالى- لأنبيائه -عليهم الصلاة والسلام- بواسطة جبريل، هذا هو الوحي.
فكل ما نقله جبريل -عليه الصلاة والسلام- إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- يسمى وحي، هذا وحي، فمثلاً: «إنما الأعمال بالنياتِ، وإنما لكل امرئ ما نوى» هذا وحي، وهو يسمى حديثًا نبويًّا، صح؟
طيب.. قول الله: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]، ويسمى: قرآنًا.
طيب.. قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا» هذا وحي، صح؟ ويسمى حديثًا قدسيًّا.
طيب.. فيه شيء ما أدري ماذا يسميه العلماء؛ ما أدري، ما وجدتُ له اسمًا؛ وهو الحديث الذي يكون من كلام جبريل، ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يقول فيه النبي «قال الله تعالى»، كما في حديث جبريل -عليه الصلاة والسلام- عندما قال: «يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به»، إلى آخر الحديث، الشاهد: أن هذا نوع من أنواع الوحي، يعني هو من جبريل، من كلام جبريل، لم يقل فيه جبريل أنه: «قال الله تعالى».
{المدارسة.}
الشيخ:
ماذا يسمى هذا، ما رأيك أحمد، ماذا يسمى هذا؟ نسميه جبريليًّا؟
{يدارس النبي -عليه الصلاة والسلام- بالقرآن ويدارسه أيضًا بالموعظة أو بالذكرى.}
الشيخ:
طيب.. جيد، لكن ماذا نسميه؟ الحديث القدسي عرفناه، الحديث النبوي عرفناه، هذا ما نسميه؟
{مدارسة.}
الشيخ:
كيف؟ ما هو باسم دقيق! يعني لا يدل على أنه خاص بجبريل، فكِّروا فيها ويفكر فيها الإخوة المشاهدون ما يسمون هذا النوع من أنواع.. أنا ما أذكر أني اطلعت على كلام العلماء فيه، يعني أن جبريل، يعني هذا قول الله تعالى واضح القرآن، قول النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة واضح، الحديث القدسي واضح، الحديث الذي من كلام جبريل هذا، لم ينسبه لله وإنما لجبريل فقط، كما في هذا الحديث.
طيب.. هذا أنواع الوحي، أنواع الوحي هنا نقول: هناك الوحي بمعنى كيف كان يوحى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وهذا سؤال سأله الصحابة -رضي الله عنهم- النبي، يا سول الله كيف يأتيك الوحي؟
طبعًا الصحابة -رضي الله عنهم- القريبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- يشاهدونه وهو ينزل عليه الوحي أحيانًا، فكانوا يلاحظون بعض الملابسات التي تظهر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتلقى الوحي، فكان بعضهم مثلاً وهو جالس بجنب النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تكون ركبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو فخذه على فخذ أحد الصحابة، فينزل الوحي، فيشعر الصحابي بثِقل شديد عليه حتى تكاد ترض ركبتاه ورجله، هذا مظهر من مظاهر مشاهدتهم للوحي كيف ينزل، أحيانًا ينزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض الصحابة قريب منه يُسمع للنبي -صلى الله عليه وسلم- وعند رأسه دويٌّ كدوي النحل، بعض الصحابة يكون يشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- راكبًا على ناقته فينزل عليه الوحي وهو راكب على الناقة، فيرى الناقة يعني تكاد تبرك من ثِقل الوحي، فيقول بعضهم، "مُوَتِّدَةً يديها"، عندما يكون الوحي ثقيلا على الناقةِ، وتريد أن تبركَ، ولكنها تقاوم، فتمد يديها يشكل قوي جدًّا من ثقل الوحي.
ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل قال له أحد الصحابة، أظنه هشام بن حكيم، يا رسول الله..، أو الحارث بن هشام: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال -عليه الصلاة والسلام: «أحيانًا يأتيني كصلصلة الجرس، فيُفصم عني وقد وَعيتُ عنه ما يقول».
تخيلوا معي يا شباب، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أحيانًا يأتيني الوحي -القرآن الكريم، أو غيره- مثل صلصلة الجرس» تدرون صلصلة الجرس؟ صلصلة الجرس يعني..، طبعًا ما هو بالجرس المقصود به الجرس الذي عندنا الآن الذي تضغط زر وتسمع صوت جرس، قريبًا منه، لكن يقصدون بالجرس، صلصلة الجرس قالوا: إذا عندك حلقات حديد، الجرس المعروف، قطعة حديد ولكن حلقات مربطة في بعضها البعض، ثم تأخذها وتلقيها على صخرة، فتسمع لها صوتا، صلصل، حديد تلقيه على صخر، سُمع له صوت، هذه صلصلة جرس.
فيقولُ النبي -صلى الله عليه وسلم-: أحيانًا اسمع، يأتيه الوحي بهذه الطريقة، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع هذه صلصلة الجرس، لكن الذي حوله يسمعون صلصلة جرس؟ الجواب: لا، لم ينقل أحد من الصحابة أنني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ينزل عليه الوحي أسمع صوتا كصوت صلصلة الجرس، لكن سمعت من يقول منهم، له دوي كدوي ماذا؟ النحل، كيف دوي النحل؟
{ أزيز.}
الشيخ:
أزيز، من منكم يعرف النحل وخلايا النحل؟ ذهب إليها وسمع صوت النحل؟ جربوها وشاهدوها، قربوا من خلية النحل وشاهد صوت النحل وهي تشتغل تعمل، مممممممممممم نعم..، حتى ممكن أنك تدخل على اليوتيوب الآن وتبحث عن خلايا النحل وتسمع صوتها، فالفكرة الآن هذا مظهر من مظاهره.

كازانوفا
21-10-2013, 08:38 AM
النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أحيانًا يأتيني كصلصلة الجرس، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما يقول» يعني لاحظ كلمة «يفصم» كأنك تقطع سلسلة حديد، كأنه قوي هذا الصوت، يستمر يستمر ثم ينقطع، كذلك عبَّر النبي بكلمة «يفصم»، «يفصم» ما تُستخدم إلا في فصم أشياء قوية، حديد، أو شيء قوي، فيقول: أن النبي يأتي جبريل وأسمع هذا الصوت ثم يتوقف، وقد وعيت عنه كل الذي قاله، ثم قال: «وهو أشده علي»، ولذلك تصف عائشة -رضي الله عنها- تقول: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه الوحي في اليوم شديد البرد" برد شديد، تعرفون برد المدينة، برد قارص، يعني يعتبر مناخ المدينة تقريبًا من المناخ المتطرف القاسي الصحراوي، شديد البرودة شتاءً وشديد الحرارة صيفًا، فتقول: "في اليوم الشديد البرد، ينزل عليه الوحي، فيَتَفَصَّد جبينه عرق" هذا يلد على ماذا؟ على ثقل الوحي ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ [المزمل: 5]، ولذلك قال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ [الإنسان 23-24]، قال: «وأحيانًا يأتيني على هيئة رجل يكلمني وأكلمه، فأعي عنه ما يقول» هذه ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يشاهدون، يشاهدون عرق يتصبب من جبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانوا أيضًا يرون، يتأثروا حول النبي -صلى الله عليه وسلم- الناقة، أو أي مظهر من مظاهر تأثر مَنْ حول النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوحي، إما الناقة، أو الذي جالس بجانبه يرى ثقل رِجْل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو نحو ذلك.
لكن السؤال يا شباب، والوقت ضاق علينا في المحاضرة، ما هي حقيقة الوحي؟ نحن رأينا عرق يتصبب، رأينا، سمعنا صوت مثل النحل، أو كأزيز النحل، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أسمعه كصلصلة الجرس»، طيب.. جبريل -عليه الصلاة والسلام- كيف كان يوصل الوحي إليك؟ حقيقة انتقال الوحي، هذه لا نعرفها، الله أعلم.
ولذلك جاء بعضهم يقول: أنه يتغيَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من صفته البشرية إلى صفة ملائكية ثم يلتقي مع جبريل فينتقل..، هذا كلام غير صحيح، وليس عليه دليل، نحن نتوقف في هذه المسألة على ما ورد به النص، وما نُقل إلينا، وحقيقة الوحي لا نعرفها، تمامًا كما هي حقيقة الروح في الإنسان، كما قال الله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 85]، فحقيقة الوحي كذلك، كيف ينقل، لكنه نُقلَ إلينا مظاهر التي يشاهدها الإنسان العادي أثناء نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونقل إلينا ما كان يشعر به النبي -صلى الله عليه وسلم- تجاه هذا الوحي، وكيف كان ينقل إليه.
نكتفي بهذا في هذه المحاضرة، ونتم إن شاء الله مسائل الوحي في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى، أشكركم على حضوركم وعلى استماعكم يا شباب، وأشكركم أنتم أيها الإخوة المشاهدون الكرام على متابعتكم، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يفقهنا وإياكم في كتابه، وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، ونراكم إن شاء الله في المحاضرة القادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ضوى
21-10-2013, 08:41 AM
عزيزتي كازانوفا

جزاج الله خير الجزاء

تقبلي اقتراحي في الموضوع

الموضوع جدا رائع ومفيد دينيا ودنيوياً ونسال الله لك الاجر ان شاء الله

اقترح عليك عزيزتي ان تدرجي المواضيع تباعاً يعني تنزلين محاضرة ويتم النقاش بها وعند الانتهاء يتم ادراج المحاضرة الاخرى وهكذا دواليك

اسال الله لك السداد والتوفيق فعلوم القران هي طريق الفلاح ان شاء الله

امـ حمد
21-10-2013, 03:24 PM
ما شاء الله محاضرات مفيده
الله يعطيج العافيه حبيبتي
ويعله في ميزان حسناتج يالغلا

كازانوفا
22-10-2013, 08:07 AM
عزيزتي كازانوفا

جزاج الله خير الجزاء

تقبلي اقتراحي في الموضوع

الموضوع جدا رائع ومفيد دينيا ودنيوياً ونسال الله لك الاجر ان شاء الله

اقترح عليك عزيزتي ان تدرجي المواضيع تباعاً يعني تنزلين محاضرة ويتم النقاش بها وعند الانتهاء يتم ادراج المحاضرة الاخرى وهكذا دواليك

اسال الله لك السداد والتوفيق فعلوم القران هي طريق الفلاح ان شاء الله


اللهم امين وجزيتي خيرا على اقتراحك
المشكله اني ادرسها وانقلها لكم لانها مكتوبه ومنقوله فمش قادره اسوي اللى اقترحتيه علي
:(

كازانوفا
22-10-2013, 08:07 AM
ما شاء الله محاضرات مفيده
الله يعطيج العافيه حبيبتي
ويعله في ميزان حسناتج يالغلا

ويعافيكي يارب يا حبيبتي ام حمد

اللهم امين
:)

كازانوفا
22-10-2013, 08:15 AM
الدرس الثالث"




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، مرحبا بكم أيها الإخوة المشاهدون الكرام في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، ومرحبا بكم أيها الإخوة في الأستوديو هنا، في مقرر علوم القرآن.
وكنا توقفنا في المحاضرة الماضية عند موضوع الوحي، وناقشنا بعض المسائل المتعلقة بالوحي، فتحدثنا عن تعريفه في اللغة وفي الاصطلاح، وأشرنا بعض الإشارات إلى الزوايا التي يمكن أن نناقش منها موضوع الوحي.
نعود اليوم باختصار شديد نراجع ما قلناه في الموضوع، ونحاول أن نفصل في بعض النقاط التي لم نفصل فيها في المحاضرة الماضية.
تحدثنا عن تعريف الوحي، وقلنا إن الوحي في اللغة: يأتي بمعنى الإعلام الخفي مع السرعة، نعم.. فكل إعلام خفي سريع يسمى وحيا، وأيضا يطلق الوحي في اللغة على الإشارة كما استشهدنا بقوله تعالى عن زكريا: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِياًّ﴾ [مريم: 11]، إشارة.. ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ يعني أشار إليهم إشارة فهموا منها هذا المعنى.
وأما في الاصطلاح فهو يأتي لمعنيين: إما بمعنى الوحي نفسه فنقول: الوحي اصطلاحا هو: القرآن الكريم والسنة النبوية تسمى وحيا، فيأتي بمعنى الموحى نفسه، القرآن الكريم والسنة النبوية يقال له: وحي، ويأتي بمعنى الإيحاء نفسه، وهو: إعلام الله -سبحانه وتعالى- لنبي من أنبيائه بواسطة جبريل أو بغير واسطة يكون إيحاءً مباشرًا من وراء حجاب.
أنواع الوحي: كنا أشرنا إلى أنواع الوحي على وجه الاختصار، ويمكن أن نقول: إن أنواع الوحي في القرآن الكريم بالذات، ونحن في مقرر علوم القرآن الكريم نناقش المسائل دائما من وجهة نظر قرآنية، يعني عندما نقول الوحي، نتحدث عن الوحي في القرآن الكريم، والمعاني التي وردت في القرآن الكريم، فالقرآن الكريم استخدم كلمة الوحي في عدة معان.
المعنى الأول هو: المعنى اللغوي، فيأتي الوحي في القرآن الكرم بمعنى الإلهام الفطري للإنسان، ويأتي بمعنى الإلهام الغريزي للحيوان، كما قلنا: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً﴾ [النحل: 68]، هذا وحي بمعنى إلهام غريزي لهذا الحيوان أن يفعل كذا أو كذا.
وفي قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ﴾ [القصص: 7]، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، المقصود بالوحي لأم موسى هنا: الإلهام الغريزي الفطري، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ جميل.
أيضًا يأتي الوحي بمعنى الأمر الكوني للجمادات في القرآن الكريم، ويأتي أيضا بمعنى الأمر للملائكة، الوحي.. ويأتي بمعنى الإشارة السريعة، ويأتي بمعنى وسوسة الشيطان، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: 112]، فهذا المعنى اللغوي ورد في القرآن الكريم -كما تلاحظون- في أكثر من معنى.
والنوع الثاني هو: النوع يعني الوحي بمعنى: ما يبلغ من الملائكة إلى البشر، فجاء ما يبلغه جبريل أو الرسول -عليه الصلاة والسلام- بلفظه يسمى وحيا. وأيضا ما يبلغه جبريل أو الرسول بالمعنى، فما يبلغه لفظا أو ما يبلغه بالمعنى كلٌّ يسمى وحيا، ولذلك ما يبلغه جبريل -عليه الصلاة والسلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظه فهذا هو القرآن الكريم، والسنة النبوية هي وحي أيضًا، ولكنَّ اللفظ من النبي -صلى الله عليه وسلم- والمعنى من الله -سبحانه وتعالى-.
أما الوحي بالمعنى الشرعي، وهو هذا الوحي القرآن الكريم، فمنه ما يكون كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يكون بينه وبين الله، الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلمه الله -سبحانه وتعالى- مباشرة، عندما عرج بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، ففرضت عليه الصلوات الخمس، كان فرض الصلوات الخمس من الله -سبحانه وتعالى- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة من وراء حجاب طبعًا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قال: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: 51].
فهذه اختلاف صيغ، إما أن يكلمه الله وحيا بمعنى من وراء حجاب، مباشر، أو ﴿إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ ، فالوحي هنا المقصود به: الإلهام ﴿أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ المكالمة المباشرة من وراء حجاب، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج، وكما فعل مع موسى -عليه الصلاة والسلام- وغيرهم من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فليس نبي الله موسى مختص مكالمة الله -سبحانه وتعالى- المباشرة، طبعا ليس هناك أحد كلمة الله مباشرة بغير حجاب، هذا لا يتأتى في الدنيا، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- عندما قال له موسى: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: 143]، فالبشر في الدنيا لا يمكنهم أن يشاهدوا الله -سبحانه وتعالى- إلا في الجنة، وهذا من نعيم أهل الجنة أنهم يمكنون من رؤية الله -سبحانه وتعالى-.
عندك سؤال يا عبد الحكيم؟
{شيخ، أحسن الله إليك، هناك حديث فيما معناه أن الصحابي الذي استشهد في إحدى الغزوات فقال النبي: «فكلمه كفاحا»، عبد الله بن حرام، ما معنى "كفاحا"؟}
الشيخ:
أيضًا هو مباشر، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحدث عنه في الآخرة، وليس في الدنيا.
{طيب.. الآخرة لم تأت بعد!}
الشيخ:
هذا، لعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: «إن الله قد كلم أباك كفاحا»؛ لكي يطمئن جابرٌ -رضي الله عنه- يقصد بها أنه ليس هذا في الدنيا، أن الله يكلم عبدا من عباده في الدنيا، الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لم يفعل معهم ذلك، لا يستطيع الإنسان، يعني موسى -عليه السلام- عندما طلب المكالمة المباشرة قال: لن تراني، ولذلك رأي أهل السنة أنه لا يمكن للعبد أن يرى الله -سبحانه وتعالى- في الدنيا، واختلفوا في المنام، الرؤيا المنامية، هل يمكن أن ترى الله -سبحانه وتعالى- في المنام أو لا؟
لكن الذي يظهر لي -والله أعلم- في فهم حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، والحديث الذي يشير إليه عبد الحكيم، أنَّ جابرَ بن عبد الله بن حرام الأنصاري عندما استشهد والده، فسأل جابر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فأراد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يجبر قلبَ جابرٍ -رضي الله عنه- وأخواته فقال: «إن الله قد كلم أباكم كفاحا» يعني بلا واسطة، فتحمل على هذا المعنى: أنه كلمه من وراء حجاب، كما هو الحال في الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، أو أن يكون هذا في الآخرة في الجنة، -والله أعلم-.
{طيب.. وأحسن الله إليك، في قصة الرجل الصالح في سورة البقرة: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾، قال في الآية: ﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ﴾ [البقرة: 259]، من الذي قال هنا؟}
الشيخ:
جميل، هو طبعا هنا نفس الفكرة؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قد يعبر أن الله قال للعبد كذا، وهو على لسان الملائكة، أو على لسان نبي من أنبيائه، كما كان يفهم أيضًا الصحابة -رضي الله عنهم-، وهذه مسألة مهمة، عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- بلغه أن امرأة تُنمص حواجبها، فلعنها، فلما بلغها أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يلعنها، ذهبت إليه وقالت: كيف تلعنني؟! فقال لها كلمة مهمة، قال: كيف لا ألعن من لعن الله؟! فقالت: وأين لعنني الله؟ فقال: في القرآن، فقالت: لقد قرأته من الجلدة إلى الجلدة فما وجدت ما تقول! قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، ألم تقرأي قول الله تعالى ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 7]؟ قالت: بلى. قال: والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد لعن النامصة والمتنمصة، فعبد الله بن مسعود اعتبر لعْن النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه لعنٌ من الله، جميل، فكذلك أيضًا يمكن نوجه مثل هذه الآيات عندما قال الله للبشر أنهم من وراء حجاب، أو أنه بواسطة نبي من الأنبياء؛ لأن الله قال في هذه الآية: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً﴾ بمعنى الإلهام، ﴿أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ يعني يكلمهم مباشرة ولكن من وراء حجاب، كما هو مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع موسى، ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ كما فعل فأرسل جبريل وأرسل.. ويأتي جبريل أحيانا في هيئة رجل من الصحابة مثل دحية بن خليفة الكلبي، ونحوه. طيب، إذن هذه واحدة.
أن تكون أيضًا، هناك من الوحي ما يكون منامًا، بمعنى أن يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا في النوم فتكون وحيًا، ولذلك إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لما رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، ثم تكرر عليه هذا الوحي اعتبر هذه الرؤيا وحيًا، باشر تنفيذ هذه الرؤيا، ولذلك فهم هذا إسماعيل عندما قال له: ﴿قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ [الصافات: 102]، فاعتبر هذه الرؤيا المنامية أمرًا ووحيًا، والله -سبحانه وتعالى- قد أثنى على إبراهيم في هذا، وقال: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات: 105]، يا إبراهيم وأثنى عليه بذلك، فدل على أن الرؤيا المنام المنامية للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هي جزء من الوحي.

عاشق العديد
22-10-2013, 08:16 AM
الله يجزاج خير اختي .. لو تقدرين تكبرين الخط وتغيرين اللون افضل لنا للقراءه ..

كازانوفا
22-10-2013, 08:18 AM
أيضا هناك ما يكون -كما قلنا- (إلهامًا)، أو ما يكون بين العبد وربه، وما يكون إلهامًا، أيضا هناك الوحي المباشر من جبريل -عليه الصلاة والسلام- والنبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا في المحاضرة الماضية وصف الحالة التي تعتريه -عليه الصلاة والسلام- عندما يأتيه الوحي، عندما سأله الصحابة -رضي الله عنهم- فقالوا: كيف يأتيك الوحي يا رسول الله؟ فقال -عليه الصلاة والسلام- «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس».
فالشعور الذي يَشعر به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنه مثل صلصلة الجرس، يُسمع صوتٌ مثل صوت صلصلة الجرس، لكن الصحابة الذين بجانبه -عليه الصلاة والسلام- والذين في مجلسه أثناء نزول الوحي لا يسمعون صلصلة جرس، وإنما يسمعه بعضهم مثل دوي النحل، ولذلك الذي يظهر -والله أعلم- أن هذا الوصف الذي يصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- خاص به هو فقط، هو الذي يشعر بهذا، يسمع هذا الصوت الذي يشبه صوت الجرس، أما من حوله فلا يشعرون.
الصحابة -رضي الله عنهم- الذين.. ولذلك قال: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يأتيني في هيئة رجل يكلمني وأكلمه»، والصحابة الذين كانوا يرون النبي وهو ينزل عليه الوحي، كانوا يرون يعلوه ..، كما تقول عائشة -رضي الله عنها- في حديث الإفك أنها قالت: «فبينما النبي -صلى الله عليه وسلم- جالس في يوم شديد البرد علاه -قالت- علاه ما يعلوه أثناء نزول الوحي» من البرحاء أو الرحضاء وشدة.. الشدة مما يتصبب به أو تتصبب عرق النبي -صلى الله عليه وسلم- منه في اليوم الشديد البرد، فهذه حالة كان يصفها بعض الصحابة الذين يجلسون حول النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء نزول الوحي، يسمعون له غطيطا كغطيط البكر، صوت مثل صوت الجمل أو البكر، وهو الشاب الفتيل من الجِمال، يسمعون له غطيط، وأيضا يرون عرقه يتصبب.
والذي يكون قريبًا من النبي -صلى الله عليه وسلم- إما ملامسًا لركبته أو كذا يَشعر أنها ثقيلة جدًّا على الأرض، حتى كادت تُرض ركبةُ أو فخذُ من يكون بجانبِ النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء نزول الوحي، هذه كلها، ذكرنا أيضا أنه كان رُبما ينزل عليه الوحي وهو على ناقتِه -عليه الصلاة والسلام- فيشعرُ، فتلاحظ صاحب الناقة إما أن تبرك وإما أن تجد مشقة شديدة في الصبر على القيام حتى ينقضي الوحي، وهذا كله يدل على أنَّ الوحيَ كان ثقيلا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأثَّر على صحته -عليه الصلاة والسلام- مع الزمن، ولذلك حاطمه هذا وهو في الخمسين، الخامسة والخمسين -عليه الصلاة والسلام- تأثر بهذا؛ لأنَّ الوحي وإن كان قد أعد -عليه الصلاة والسلام- إعدادا خاصا لتلقي الوحي قبل النبوة عندما جاءه جبريل فشقَّ صدرَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وانتزع منه حظَّ الشيطان، وغسله بماء زمزم، هذه كلها كانت إرهاصات ومقدمات لكي يتحمل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر.
طيب.. وأيضًا كان يأتي جبريل ربما على هيئة رجلٍ إلى -صلى الله عليه وسلم- وهذه واضحة، كما كان يفعل.. أو يأتي في صورة دحية الكلبي غالبا، ودحية -رضي الله عنه- كان من الصحابة الذين كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعثهم في بعض المراسلات وكان شابًّا وضيئًا، يأنس النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يبعث به رسولا إلى القبائلِ، وربما إلى الملوكِ يدعوهم إلى الله -سبحانه وتعالى-.
طيب.. نأتي إلى مسألة مهمة وهي مسألة حاجة البشرية إلى الوحي.
نحن الآن ولله الحمد نشأنا في بيئة إسلامية، ونحن نقرأ القرآن من نعومة أظفارنا، ولذلك لا نتصور معنى الوحي وقيمة الوحي للبشرية إلا إذا رجعنا إلى تاريخ الناس قبل الوحي، كيف كانوا يعيشون، كيف كانت حياة الناس، وكيف يكون حال البشر إذا تُركوا لعقولهم وأهوائهم، فالله -سبحانه وتعالى- عندما خلق آدم -عليه الصلاة والسلام- وخلقه وهو على عقيدة التوحيد وعلى الفطرة، ثم لم تزل الشياطين تغوي أبناء آدم -عليه الصلاة والسلام- حتى اجتالتهم عن الحنيفية السمحة وعن التوحيد، وإلى آدم -عليه الصلاة والسلام- قد فَطَرَه الله على التوحيدِ -عليه الصلاة والسلام-.
فلمَّا بدأ الناسُ يَنحرفون عن الجادةِ أرسلَ اللهُ الرسلَ، فأرسلَ نوحا، وأرسل إدريسَ، وأرسل صالحًا، وأرسل ثمود، وأرسل هودًا، وأرسل شعيبًا، وأرسل موسى، وأرسل عيسى، وأرسل محمدًا -عليه الصلاة والسلام-، كل هؤلاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وعددهم كبير جدا أوصلهم بعض العلماء إلى 25 ألف نبي من الأنبياء عبر التاريخ، ذكر الله منهم في القرآن الكريم عددا قليلا كما قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء: 164].
النبي هو الوحيد في تاريخ الرسل -عليهم الصلاة والسلام- الذي أرسل إلى البشر كافة، من آدم إلى عيسى كلهم يرسلون إلى أقوامهم خاصة، ويرسلون بلسان قومهم، النبي هو الوحيد.. أولا هو خاتم الأنبياء -عليه الصلاة والسلام- وهو خاتم المرسلين، وقد أرسل بلغة عربية، ونزل عليه كتاب عربي.
أيضا كان الأنبياء السابقون -عليهم الصلاة والسلام- تنزل.. أو يؤيدون بمعجزات حسية، ما معنى معجزة حسية يا عبد الحكيم؟
{المعجزات الحسية مثل ما حدث لموسى من العصا، وأيضا من بياض يده عندما يخرجها، وتسع آيات التي ذكرها الله في كتابه، وأيضا ما حدث لمحمد -صلى الله عليه وسلم- من نبع الماء من أصابعه، أو من يده.}
الشيخ:
جميل، أحسنت، هذه هي المعجزات الحسية، فمعجزة موسى -عليه الصلاة والسلام- العصا، معجزة عيسى -عليه الصلاة والسلام- إبراء الأكمه والأبرص، كلها معجزات حسية تتعلق بأشياء مشاهدة، ولذلك موسى -عليه الصلاة والسلام- عندما طلب منه فرعون البينة على أنه مرسل: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: 59]، فلاحظوا أنه اختار وقتا تشاهد فيه المعجزة وهو وقت الضحى، طبعا في وقتهم ما كان فيه مصابيح ولا.. فرأى أن وقت الضحى هو الوقت الذي تجتمع فيه الناس ويشاهدون بالعين المجردة هذه المعجزة، فلما اجتمع الناس في هذا الصعيد وفي هذا الوقت بالذات ألقى عصاه وكانت هي المعجزة الكبرى له كما قال: ﴿فَأَرَاهُ الآيَةَ الكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى﴾ [النازعات20-21].
طيب جميل.. أسألكم سؤال يا شباب الآن؛ هل أحد منكم شاهد عصا موسى في أي متحف من المتاحف العالمية؟ أحمد..
{لا.}
الشيخ:
ما أحد شاهدها لا في كتب التراث ولا كتب الآثار.
{لا ما أحد شاهدها.}
الشيخ:
أحسنت، مع أنهم احتفظوا في المتاحف ببعض جثامين فراعنة وتاريخ الفراعنة، وكانوا معاصرين لموسى -عليه الصلاة والسلام-، لكن عصا موسى ليست موجودة في أي متحف في العالم، طيب.. نحن نؤمن بعصا موسى؛ لأنه ذكرها القرآن الكريم، لكننا لم نشاهدها، ولذلك عصا موسى، المعجزة الحسية تقوم الحجة على من شاهدها مباشرة، أما من لم يشاهدها فيؤمن بها إما بالتواتر وإما بالخبر، يعني بنقل، وكذلك معجزة ناقة صالح، نحن ما شاهدناها لكننا نؤمن بها؛ لأن الله ذكرها في القرآن الكريم، وقس على ذلك بقية المعجزات الحسية.
لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء بمعجزة مخالفة لتاريخ المعجزات كله، فموسى -عليه الصلاة والسلام- معجزته في العصا التي يلقيها، جاء السحرة من كل مكان، والسحرة يعني لديهم من المهارات في قلب الأشياء وفي التعامل مع هذه الأمور خاصة الحيات والحبال والعصي كما قال الله: ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ﴾ [الشعراء: 44]؛ لأن هذه هي الأدوات التي يستخدمها هؤلاء السحرة، فلما ألقى موسى -عليه الصلاة والسلام- عصاه، وحولها الله -سبحانه وتعالى- وصيرها حية تسعى، تأكل كل هذه الحيات أسقط في أيدي السحرة، وعرفوا أن هذا ليس من جنس السحر الذي يعرفونه ويعهدونه أسلموا.
لكن لما جاء موسى -عليه الصلاة والسلام- لقومه بالشريعة جاء لهم بالتوراة، فالتوراة فيها هدى وفيها نور، وهي كتاب التشريع، لكن العصا هذه آية تدل على صدقه، القرآن الكريم جمعت فيه الأمرين، فهو يشتمل على الشريعة، وفي نفس الوقت هو المعجزة الكبرى، ولذلك معجزة القرآن الكريم معجزة عقلية، وباقية، ولذلك انظروا الآن، نحن نتدارس القرآن الكريم، وندرس علوم القرآن، وندرس هذه القضايا كما كان يدرسها السلف المتقدمون، نقرأ سورة القدر، نقرأ سورة العلق، نقرأ القرآن كله كما قرأه أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وغيرهم من الصحابة الكرام، وهذه نعمة عظيمة.
أيضًا القرآن الكريم اشتمل على دلائل عقلية وعلى أخبار غيبية وعلى أخبار للمستقبل، فالقرآن الكريم مليء بالأحداث التاريخية التي لم نشاهدها ولكننا نؤمن بها، ومليء بالأحداث التي سوف تأتي في المستقبل، ونحن نؤمن بها، مليء بالتشريعات والأحكام الفقهية العملية في أحكام القصاص وأحكام الديات وأحكام المواريث وأحكام الطلاق وأحكام الظهار وأحكام اللعان وأحكام القذف، وهكذا.. فلاحظوا كيف جاء القرآن الكريم هو في نفسه معجزة كبرى، وفي نفس الوقت أيضًا شريعة، بخلاف المعجزات السابقة كانت الشريعة شيئا والدليل أو المعجزة شيئا آخر.
ولذلك بقيت معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم، وستبقى حتى يأذن الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك يقول أحمد شوقي في البردة أو في نهج البردة، يقول:
جاء النبيون بالآيات فانصرمت
وجئتنا بحكيم غير منصرم

آياته كلما طال المدى جدد
يزينهن جلال العتق والقدم

كازانوفا
22-10-2013, 08:20 AM
فآيات القرآن الكريم -تلاحظون- كلما تقادم العهد بها، لها الآن 1460 سنة ولا يزيدها ذلك إلا قوة وإقناعًا، والناس إلى اليوم يقرأون القرآن ويدخلون في الإسلام، يقرأون ترجمة القرآن الكريم ويدخلون في الإسلام؛ لأنه من عند الله -سبحانه وتعالى- لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فحاجة الأمة إلى هذا الوحي كحاجة الإنسان للطعام والشراب بل أشد؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- سمى القرآن الكريم نورًا، وسماه هُدًى، فليس هناك بعد النور وبعد الهدى إلا الضلال والظلمات، ولذلك قال: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: 122]، هذا الذي استنار بنور الوحي، وهذا الذي أعرض عن الوحي، تمامًا كمثل الحي والميت والأعمى والبصير، لا يستويان.
فحاجة الأمة إلى الوحي حاجة ماسة، فطر الله -سبحانه وتعالى- الناس على النزوع والبحث عن الفطرة، فطر اله الإنسان على التوحيد، ولذلك كل الذين انحرفوا عن التوحيد انحرفوا عن الفطرة، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه» ولم يقل -عليه الصلاة والسلام- "أو يمسلمانه" صح؟؛ لأنه هو يخلق على هذه الفطرة، لكن أي انحراف عنها، يهودية نصرانية مجوسية، أي شيء آخر.. فهو انحراف عن هذه الفطرة، وأي هداية وأي تعليم يعيدك إلى الفطرة فهو منها، كما هو الوحي الذي بين أيدينا وهو القرآن الكريم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحنث، وكان ينزع بفطرته إلى التوحيد، ولكنه يحتاج إلى علم، لمن العقل لا يهدي وحده يا شباب، مهما كنت ذكيا وعبقري، لا تستطيع أن تستقل بعقلك، فتعرف أن هناك جنة ونارًا وحسابًا وملائكةً، ما يمكن! هذه قضايا لا مدخل للعقل فيها.
يعني مثلا الآن: لا يمكن أن نعرف بالعقل أن جبريل -عليه الصلاة والسلام- هو الذي نزل بالوحي مهما كان ذكاؤنا، ولا يمكن أن نعرف بالعقل أن الله يوم القيامة يجمع الناس في صعيد واحد، وأن الله -سبحانه وتعالى- ينصب الموازين للناس، وأن الله -سبحانه وتعالى- قد جعل الجنة، وجعل نار، وأن الجنة فيها هذه التفاصيل، وأن النار فيها هذه التفاصيل، العقل لا يمكن أن يصل لهذه ويعرفها، ولو كان العقل يستقل ويستطيع أنه يصل لهذه الأشياء، كان الله -سبحانه وتعالى- أغنى عن بعث الرسل، لكن لأن الله الذي خلق الإنسان، وخلق العقل، يعلم أن الإنسان بعقله له حدود وإمكانيات محددة، وأنه لا بد له من النور -الوحي-؛ لأنه هو الذي خلقك، ولذلك قال: ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]، -سبحانه وتعالى-.
فنحن نقول إذن حاجة البشر هي حاجة ماسة، كما أنك تحتاج إلى الغذاء في جسمك، فأنت في حاجة إلى الوحي لروحك، ولذلك الذي ينقطع عن الوحي يصاب بتيه، الذي ينقطع عن القرآن يصاب بتيه، فما إن يدخل الإنسان في الدين ويعرف القرآن يشعر بأنه قد دخل في حياة جديدة، في روح جديدة، ولذلك لاحظوا الآن الذين يدخلون في الإسلام، الجدد الآن، ويخالط الإيمان قلوبهم كيف يقبلون على القرآن؟ أليس كذلك؟ ربما المسلم الذي ولد على الإسلام لا يستشعر هذه النعمة كما ينبغي، كما هو الحال مثلا في الناس الذين يعيشون حول الحرم، ربما تمر الأسابيع والشهور ولا يذهبون إلى الحرم، تعودوا!، لكن يأتـي مسلم من أقصى الدنيا، فيجهش بالبكاء ولا.. ويذهل ويدهش عندما يرى الكعبة ويرى مكة، ويرى زمزم؛ لأن هذا المعنى جديد على قلبه، وهذه حقيقة الوحي عندما يتشرب الإنسان هذا الوحي.
طيب... أدلة الوحي من القرآن الكريم كثيرة، لكن نذكر منها مثلا قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3، 4]، يتحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ينطق عن الهوى، لا يتحدث -عليه الصلاة والسلام- بهواه، وإنما يتحدث -عليه الصلاة والسلام- بما أوحى الله إليه، فدافع الله عن لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو لا يكذب، ولا ينطق عن الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ .
وأيضا من الأدلة قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: 163]، أيضًا، وأدلة الوحي كثيرة جدا في القرآن الكريم، لمن أراد أن يتتبعها.
أيضا من السنة قول عائشة -رضي الله عنها- «أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي؛ الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا كانت مثل فلق الصبح».
وأيضًا من العقل يمكن أن نذكر أيضًا أدلة من العقل على أن الوحي ممكن عقلا؛ وأنه لا يتعارضُ مع العقلِ أبدًا، أنَّ الإنسان بعد ولادتِه لا يُمكن التحكُّم في نفسه، يعني لاحظوا الآن الإنسان عندما يُولد، يولد وهو في حاجة إلى أمه في كل شيء، لا يحرك شيء، لا يتحدث، لا يستطع أن ينظر حتى، ولا يجلس، ولا .. ثم بعد ذلك يستطيع أن يتحدث ويتحرك ويأكل ويشرب، وتلاحظون هذا في الأطفال الصغار، أنه ما إن يتحرك شيئا فشيئا يصبح بالفطرة يأكل ويمضغ أليس كذلك؟ فالله -سبحانه وتعالى- قد فطره على هذه المسائل، فكذلك الله -سبحانه وتعالى- كما أنه جعل في فطرة الإنسان أنه يأكل ويشرب ويمارس حياته، فطرة الله -سبحانه وتعالى- ألهمه فكذلك لا غرابة أن -سبحانه وتعالى- يرسل إليك وحيا بشيء لم يكن في مقدور عقلك أن يهتدي إليه من غير هذا الوحي، فهذا طبعا نقوله لأن هناك من يقول أن الوحي هذا مخالف للعقل، شيء ما يدخل العقل، نقول له أبدًا، بالعكس هو يتناسق ويتسق مع العقل تماما، لأنك انظر الإنسان كيف هَداه الله إلى أشياء بالفطرة، وكذلك الحيوان.
أيضًا من الأدلة العقلية أن بعض الحشرات كالنحل والنمل تأتي بعجائب الأمور، يعني مثلا لو تراقب النحل الآن وهي تصنع العسل وتصنع الخلايا؛ فهو شيء عجيب من الدقة والانضباط، لعلكم شاهدتم شيئا من هذا، صح أم لا يا شباب؟
في النمل أيضًا، وبالمناسبة كان هناك أستاذ مصري -رحمه الله- اسمه طنطاوي جوهري، وكان مدرس علوم، في عام 1360 تقريبًا، فرأى أن من المناسب أن نُقرب هذه المعاني إلى الناس، لأننا في زمان الاكتشافات والاختراعات الحديثة، أصبح الناس يَنبهرون بها، فمن الأفضل أن نأتي للقرآن الكريم ونبرز هذه الجوانب فيه، ما يمكن أن نُسميه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فبدأ يتتبع مثل هذه الآيات، ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ﴾ [النحل: 68]، ولما جاء عند هذه الآية تحدث عن النحل، وعن ممالك النحل، وعن الملكة والعاملة، وكيف تعيش وكيف تأكل وكيف تتدخرُ، وكيف تصنع العسل، وكيف تمتصُّ الرحيق، إلى آخره، ورأى أن هذا مما يزيد ويوثق الإيمان في نفوس الناس.
وأيضًا النمل في قصة النمل عندما ذكر الله النملة التي قلت لجيش سليمان عندما جاء، ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ [النمل: 18]، فتحدث في هذا الموضع عن قرى النمل وعن الدقة البالغة في صناعة بيوت النمل وكيف يدخرون.
طيب.. الله -سبحانه وتعالى- الذي ألهم هذه الحيوانات، هذه الدقة العجيبة في صنع بيوتها وفي ادخار قوتها، وفي ترتيب حياتها، أليس الله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلق وفطر، فكذلك ما الذي يمنع أن الله يُرسل من الملائكة من يدل البشر على: كيف يعبدون الله -سبحانه وتعالى- وكيف يتعبدون لله كما كان جبريل يفعل، جبريل -عليه الصلاة والسلام- كان يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمه الدين ويعلمه الإسلام، النبي -صلى الله عليه وسلم- تأتيه النازلة من النوازل فلا يدري ماذا يفعل! فيأتي جبريل -عليه الصلاة والسلام- ويقول افعل كذا أو كذا، كما في قصص كثيرة في القرآن الكريم، أنها يأتي مثلا أحد الصحابة فيسأل سؤالا، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: 219]، إلى آخره.
طيب والجواب هذا من الذي جاء به؟ جبريل -عليه الصلاة والسلام-، طيب لماذا لم تجب أنت يا رسول الله مباشرة؟ أحسنت لأنه وحي، وهذا يرد على من يقول بأن القرآن هو كلام محمد، أليس كذلك؟ لأنه لو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان فيه ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ قل: كذا..﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ قل: كذا.. كان مباشرة تكلم -عليه الصلاة والسلام- بالجواب.
أيضًا تلاحظون الآن في المكتشفات الحديث الآن، نحن الآن نتحدث في هذا الأستوديو يا شباب، ونعلم أن هناك من يشاهدنا خلف الشاشات، أليس كذلك؟ طيب هل الكاميرات الآن تلتقط الصورة وتحول الصورة إلى موجات كهربائية، ثم الأجهزة التي تلتقط ... يعني قصة أصبحنا اليوم نعرفها، أليس كذلك؟ تشاهد الآن.. هناك من يشاهدك في أي مكان في العالم، ممكن أن يلتقط هذه القناة وهذا التردد ويشاهد هذا الذي نقوله، ويسمعه كما تسمعونه أنتم تمامًا، بل ربما يركز أكثر منا هنا في القاعة، أليس كذلك؟ طيب نحن الآن أصبحنا نستوعب هذه المخترعات، فيعني الوحي ممكن عقلًا، ما الذي يمنع؟
أيضًا أن النبوة ثابتة بأدلة كثيرة، أدلة شرعية عقلية والصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يشاهدون النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يلاحظون، يعني يعرفونه من قبل النبوة وبعد النبوة، فيعني مسألة الوحي عقلًا وشرعًا وكل الأدلة، والفطرة تؤيد أن الوحي هذا ممكن وليس هناك ما يمنعه عقلًا، وليس هناك ما يمنعه شرعًا، وليس هناك ما يمنعه فطرة، وأن الله الذي خلقنا وهو أعلم -سبحانه وتعالى- بما يصلحنا، وكل الذي جاء به الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من الوحي، يتفق مائة بالمائة مع فطر الناس ومع حياة الناس، من عهد آدم إلى اليوم لم يأت نبي من الأنبياء بأمر يخالف فطرة الناس، أو يخالف يعني المعروف في فطرة الناس، وإنما كل التعاليم يعني... لاحظوا كل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يأمرون بالصدق، لم يأت أحد من الأنبياء يأمر بالكذب، وكل الأنبياء يأمرون بالأمانة والإخلاص في العبادة، لم يأت نبي من الأنبياء بغير ذلك، وهذه الأوامر هي التي تتفق وتتسق مع المعروف ومع فطرة الإنسان التي فطر الناس عليها.
هذه يعني بعض المسائل التي أرنا أن نشير إليها في موضوع أنواع الوحي، وكيفية وحي الله -سبحانه وتعالى- إلى الأنبياء.
أيضًا من المسائل كيفية وحي الله تعالى إلى الملائكة، الله -سبحانه وتعالى- ذكر، أو ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله إذا أراد أن يوحي بالأمر في السماء، فإن الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- يعني -إن صح التعبير- يقال: إنهم يسجدون لله -سبحانه وتعالى- هيبة وإجلالًا له -سبحانه وتعالى- ولهذا الوحي، ثم يرفع جبريل -عليه الصلاة والسلام- رأسه، ويتلقى الوحي، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- ذكر في سورة النحل قال: ﴿مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً﴾ [النحل: 30]، فينزل جبريل -عليه الصلاة والسلام- بالوحي بعد أن يتلقاه من الله -سبحانه وتعالى- وينزل به حتى يصل إلى محمد -عليه الصلاة والسلام-، فطريقة الوحي أنه يؤخذ من الله -سبحانه وتعالى- مباشرة بواسطة جبريل، وأن الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- يخضعون إجلالًا وإكرامًا وإكبارًا لهذا الوحي العظيم، ولا يسمعونه، ما يسمعه إلا جبريل، فينزل به جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، كيف ينزل به؟ الله أعلم؛ لأن جبريل -عليه الصلاة والسلام- له هيئة ملائكية ضخمة جدًّا، وقد رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- على هيئته الملائكة مرتين، مرة في الأرض ومرة في ليلة الإسراء والمعراج، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن له ست مئة جناح، وأن كل جناح منها يسد ما بين المشرق والمغرب، فخلقة جبريل -عليه الصلاة والسلام- خلقة عظيمة لا يعلم قدرها إلى الله -سبحانه وتعالى- الذي خلقه، فنحن لا نعرف كيف كان يعني يتلقاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف كان جبريل يأتي إلا كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس»، الصحابة لا يرون أحدا في المجلس، فجبريل لا يرونه.
أيضًا كان في بعض الأحيان كما في حديث عمر بن الخطاب، كان جبريل يدخل كهيئة رجل -كما قلت- ليس في صورة دحية بن خليفة الكلبي في كل حال، وإنما يدخل في هيئة رجل، لا يعرفونه لكنه رجل، ولذلك لما قال عمر -رضي الله عنه- «بينا نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ دخل علينا رجل، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد»، لاحظوا، ما أجمل وصف عمر -رضي الله عنه- لهذا الرجل، يعني يقول: ثيابه نظيفة، وهذا يدل على أنه مقيم، جاء من بيته، هذا ما جاء من سفر، «ولا يرى عليه أثر السفر» وهو في نفس الوقت «لا يعرفه منا أحد»، يعني لا ترى عليه أثر السفر فنقول هذا رجل غريب، ولا يعرفه منا أحد فنعرف أنه مقيم، فكانت هذه الأوصاف جميلة، تدل على أنه غريب، لا يعرفونه، «فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم جلس إليه فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ..» الحديث المعروف.. قال: «صدقت، فيقول -الراوي: عمر- فعجبنا له، يسأله ويصدقه» إما أنك تسأل سؤال مستفهم، أو... ثم سأله عن الإحسان وسأله عن الإسلام، فلما خرج جبريل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «هل تعلمون من هذا الرجل؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم»، جميل؟
فلاحظوا، هذا من المواقف التي كان جبريل يظهر فيها للصحابة جميعا في هيئة رجل ليس في هيئة دحية بن خليفة الكلبي، وإنما في هيئة رجل غريب لا يعرفونه، ووصفه عمر وصف دقيق، فهذا أيضًا من الصور التي كان ينزل فيها الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بين الصحابة -رضي الله عنه-، وهذه المسألة مهمة يا شباب لكم، لأنكم تتعرضون الآن إلى الكثير من وسائل الإعلام التي تبث الشبهات والشكوك حول الوحي، فيأتي أناس ويقولون: هذا الوحي غير معقول، والذي كان يحدث للنبي هو نوع من الصرع، نوع من الأمراض النفسية، يعني محمد -عليه الصلاة والسلام- كان يصاب بصرع ثم يفيق، فيظن الصحابة أن هذا وحي، هذا يقوله المستشرقون الكفار، وبعض من يأخذ بكلامهم من أبناء المسلمين، فيقولون: هذا الذي كان يعتري النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الغطيط وصوت دوي النحل هو مرض، نحن نقول لهم: هذا غير صحيح؛ لأن المريض لا يتكلم بمثل هذا الكلام، والمصروع إذا قام وأفاق من الصرع، فإنه يكون في غاية الضعف والهزال والتعب، ولا يتحدث بمثل هذا القرآن.
النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب عنه جبريل فإنه يقوم النبي -صلى الله عليه وسلم- ويبلغ الصحابة -رضي الله عنهم- هذا الوحي، وهو هذا القرآن الذي بين أيدينا في غاية البلاغة، وفي غاية الإعجاز.. عندك سؤال يا عبد الحكيم؟
{شيخ.. أحسن الله إليك، ذكرتم بالأمس في الحلقة الأولى أن جبريل -عليه السلام- عندما نزل على محمد في غار حراء، فقال له: اقرأ، فقال له محمد: ما أنا بقارئ، فذهب وضمه إلى صدره ضمة قوية، فما الحكمة من هذا الفعل؟}
الشيخ:
طبعا ليس هناك ما... تكلم عنها ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- في كتابه فتح الباري، وتكلم غيره، محاولين معرفة الحكمة، وإلا ليس هناك نصٌّ ينصُّ على أن هذا الضمَّ لغرض كذا أو كذا، ولكن قد يقال -والله أعلم-: إن هذا نوع من تهدئة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وتهدئة روع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول لقاء بينه وبين جبريل -عليه الصلاة والسلام-، وأنه كان في هذه الضمة أو الضمتين أو الثلاث التي ضمها جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- معنى لا نفهمه؛ لأن هذه مسألة الملائكة مسألة غيبية لا نعرفها، لا نعرف كان يجلس جبريل مع محمد -عليه الصلاة والسلام- ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس مع جبريل يتغير، يعني هو رفيق صالح، ولذلك عندما كان يدارسه في رمضان، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغير، ويصبح.. الرسول -صلى الله عليه وسلم- بطبيعته رجل جواد، يجود بكل ما في يده، لكن كان إذا لقيه جبريل «أجود من الريح المرسلة»، أنا أفسر هذا -والله أعلم- أنه عندما يلقى جبريل يشعر بسعادة غامرة تخرجه عن حيز الدنيا، ويرى أنه جبريل -عليه الصلاة والسلام- هذا الملك العظيم، يعني هو من أعظم الملائكة هو الذي يدارسني ويجالسني، فلماذا أبخل على الناس بهذه الدنيا الفانية، وهذه الدنيا الرخيصة، وأنا أجلس مع جبريل، فكان -عليه الصلاة والسلام- يُنفق في رمضان إنفاقًا يلمسه من حوله، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتغير في رمضان، ولذلك قال في الحديث: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل يدارسه القرآن».
فأقول: إن ضمة الملك جبريل -عليه الصلاة والسلام- ليست كضمة غيره من الملائكة بالتأكيد، وأن فيها معنى لا ندركه نحن بعقولنا، لكن نتوقع -والله أعلم- أنه كان فيها معنى هذا الضم الذي ضمه النبي -صلى الله عليه وسلم- معنى من معاني التثبيت والتأييد والتقوية لتلقي هذا الوحي المتتابع، وذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبح يحن إلى جبريل، لما انقطع الوحي أو فتر الوحي في أول الإسلام، شعر النبي بالمشقة، مع أنه كان شعر في البداية برعب -والله أعلم-.

كازانوفا
22-10-2013, 08:21 AM
{شيخ.. طيب ألا يستفاد من هذه الضمة، تأديب المعلم للمتعلم إذا رفض أمره؛ لأنه فعلها بعدما قال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فذهب وضمه، فهل يستفاد منه ذلك؟}
الشيخ:
والله طبعا ما أدري يا عبد الحكيم، هذه لا يمكن أن نقيس عليها، يعني نقول المعلم كلما رفض الطالب أنه يتلقى المعلومة أن تقوم وتضمه!
{أنا قصد ليس بخصوص.. تأديب بأي نوع، يعني نوع تأديب.}
الشيخ:
ممكن طبعًا، أصلا الترفق -في حد ذاته- مطلب، بغض النظر عن هذا المعنى أو عن هذا الموقف أننا نستخرج هذا الأدب من هذا الموقف، ولا شك أن جبريل -عليه الصلاة والسلام- خير معلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- خير تلميذ في مثل هذا الموقف، لا شك أن هذا موقف وأصلا بصفة عامة موقف تدارس جبريل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعني القرآن الكريم موقف عبرة وتعلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتتلمذ على يد جبريل ثلاثا وعشرين سنة، وهو يتلقى عنه الوحي، وأن هذه المواقف التي كان يجلسها مع جبريل جديرة بأن يستفاد منها المعلم، ولا تنسَ أنه كان يدارسه، فكان يستمع جبريل للقرآن والنبي يقرأ، وجبريل يقرأ والنبي يسمع، هذا معنى المدارسة، لذلك نحن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قرأ القرآن على جبريل، وجبريل قرأ القرآن على محمد، تدارسوه، وأيضًا يشمل المدارسة: المعنى ويشمل اللفظ، -والله أعلم-.
هل هناك أسئلة أخرى يا شباب حول الوحي، طبعا هناك كتب ألفت عن الوحي بشكل خاص عن كيفية الوحي عن صفاته عن أنواعه، عن الشبهات التي أثيرت حول الوحي، أبرز شبهة تُثار حول الوحي: أن الوحي ليس من عند الله، وإنما هو من عند البيئة المحيطة بمحمد -عليه الصلاة والسلام-، فهناك من يقول إنه بحيرا الراهب الذي لقيه محمد في أثناء رحلة من رحلاته التجارية، لقي الراهب وهو الذي أعطاه القرآن وعلمه، طبعا هذه كذبة باردة وتافهة، يقول بها بعض المستشرقين، كيف يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- أصلا ما كان أوحي إليه الوحي في ذلك الوقت، ولا يعرف أنه نبي هو، ولا يعلم، ولا ينتظر، لكن يقال إن هذا الراهب تفرس فيه، فهل يعني في هذا الوقت الضيق يوحى إليه بهذا الكلام؟ هذا كلام سخيف.
أيضا هناك من يقول إنه أحد الغلمان الفرس أو الروم كان يعمل حدادًا في مكة نصراني، فيقولن أن محمد كان يأخذ منه، فلذلك الله -سبحانه وتعالى- يقول في الرد عليهم: ﴿لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ [النحل: 103]، يعني الرجل الذي يقولون إن محمدًا أخذ منه القرآن أعجمي، وهذا لسان عربي، كيف يأخذه؟ كلام فارغ أيضًا، ما له أي قيمة.
وهناك من يقول إنه صَرْعٌ كان يُصاب به النبي -صلى الله عليه وسلم-، كل هذه المعاني قالها مستشرقون يهود ونصارى وملاحدة، لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يعرفون معنى الوحي ولم يدرسوه ولم يتعلموه، ولذلك هم لا يؤمنون به، يرون أن مصدر القرآن من محمد والبيئة المحيطة به، وهذا الدرس الذي تكلمنا به اليوم يدلنا دلالة واضحة، نحن لا نأتي بشيء من فراغ، نحن نبحث عن حقائق تاريخيةٍ، النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه لم يكن ينتظرُ الوحي، الصحابة ما كانوا ينتظرون أنه يُوحى إلى محمد من بينهم، لكنه فجأة نزل عليه جبريل وتأكد له ذلك بقرائن كثيرة، فقال للناس: أيها الناس، أنا رسول إليكم من الله -سبحانه وتعالى- وجبريل هو الذي يأتيني بهذا الوحي، وهذا القرآن، اعرضوه على عقولكم وعلى... فعقلاؤهم لما سمعوا القرآن استقر في نفوسهم أنه ليس من كلام البشر، ولذلك حتى كبارهم الوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة عرفا أن هذا الكلام كلام عظيم ما يمكن أن يقوله بشر، ولكن الكبر والأنفة، وكل هذه المعاني التي حالت بين كثير منهم وبين الإيمان، هي التي جعلتهم يبقون في هذا الضلال، ولكن هناك من اهتدى واتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- تصديقًا لهذا القرآن العظيم.
نحن اليوم ننعم بآثار تلك النعمة، منذ نزل جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، كل ما نصليه، نزكيه، نحج، نصوم، نتحدث العلم، الذي نتحدث فيه في علوم القرآن اليوم، ما نحن فيه من خير، ما نحن فيه من رفاهية، ما نحن فيه من مخترعات، من تفكير، من قراءة، كل هذا من آثار ذلك اللقاء بين محمد وجبريل -عليه الصلاة والسلام-، فتح الله به أعينا عميًا وآذانا صمًّا، وفتح القلوب لهذا الوحي والنور، وهدى الله -سبحانه وتعالى- من شاء من عباده لهذا النور، وأضل من شاء -سبحانه وتعالى- عن هذا النور، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم والإخوة المشاهدين على الحق.
عندك سؤال نختم به لأنه لم يبق لنا وقت.
{يا شيخ: ما الفرق بين القرآن والكتب الأخرى السماوية، هل كانت تنزل بنفس طريقة الوحي؟}
الشيخ:
نعم.. هذا سؤال ممتاز جدا، ولكننا سوف نتعرض إليه بالتفصيل عند نزول القرآن الكريم، وهو الدرس القادم إن شاء الله، ونفرق بين نزول القرآن ونزول الكتب السابقة إن شاء الله تعالى، فنستأذنك أن نؤجله للدرس القادم إن شاء الله.
طيب أيها الإخوة الكرام شكرا لكم على متابعتكم لهذا الدرس، كما أشكر إخواني هنا في الأستوديو على أسئلتهم وتفاعلهم، واسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما نقول وما نسمع، وأن يرزقنا الإخلاص والتوفيق في تعلم كتابه -سبحانه وتعالى-، حتى نلقاكم في اللقاء القادم وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كازانوفا
22-10-2013, 08:22 AM
الله يجزاج خير اختي .. لو تقدرين تكبرين الخط وتغيرين اللون افضل لنا للقراءه ..

ويجزيك كل خير يارب
وان شالله فيها فائده طيبه لكم
تم التغير

رذاذ
22-10-2013, 08:25 AM
الله يبارك فيك موضوع طيب ..
فعلا الخط صغير .. ويحتاج تركز ..

بـارود
22-10-2013, 04:41 PM
زادكم الله من فضله وعلمه ، بورك فيكم

كازانوفا
23-10-2013, 08:37 AM
زادكم الله من فضله وعلمه ، بورك فيكم

اللهم امين امين امين

نكمل على بركة الله وتوفيقه

كازانوفا
23-10-2013, 08:39 AM
الدرس الرابع"


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله أيها الإخوة الكرام جميعا، أيها الإخوة المشاهدون، أيها الإخوة الفضلاء هنا في الاستوديو في حلقات مقرر "علوم القرآن" في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة.
كنا توقفنا في اللقاء الماضي عند مسألة الوحي، وانتهينا من الحديث عن الوحي، وأنواع الوحي، وكيفية نزول الوحي على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
واليوم سوف ننتقلُ للحديث عن نُزول القرآن الكريم، ونزول القرآن الكريم كنا أشرنا في المحاضرة الأولى إلى أنه محور من أهم محاور علوم القرآن الكريم، وهو كل ما يتعلق بنزول القرآن الكريم، اليوم سوف نتحدث أيضا.. ما زلنا في هذا المحور، والوحي هو يندرج تحت محور نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
نزول القرآن، المقصود بنزول القرآن الكريم، معنى نزول القرآن، المقصود به في اللغة: النزول في اللغة هو: الانتقال من الأعلى إلى الأسفل، هذا هو النزول في اللغة، ونحن نتحدث عن نزول القرآن الكريم من الله -سبحانه وتعالى- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كان؟ من هو الذي كان ينزل بالوحي؟ كم المدة التي نزل فيها القرآن الكريم؟ عشرون سنة؟ خمسة عشر عاما؟ أكثر، أقل؟ كيف كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الوحي؟ هل كانت تنزل عليه السور كاملةً؟ تنزل عليه أجزاء من السور، آيات فقط، آتاتن، ثلاث، أربع؟ ونحو ذلك من المسائل سوف نتحدث عنها إن شاء الله في هذا اللقاء.
ولعلي أجيب أيضا على سؤالك يا عبد الحميد الذي سألته في المحاضرة الماضية وهو: ما الفرق بين نزول الكتب السماوية السابقة التوراة، الإنجيل، الزبور وغيرها، وبين نزول القرآن الكريم؟ وهل هناك فرق بينهم؟
أولا: نتحدث عن أقوال العلماء في نزول القرآن الكريم، كيف كان نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قلنا في المحاضرات الماضية كان في غار حراء، وجاءه جبريل -عليه الصلاة والسلام- لأول مرة، هو لم يلق جبريل من قبل، وفوجئ -عليه الصلاة والسلام- بجبريل، فلما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أول القرآن: ﴿اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾ [العلق: 1-3]، كانت هذه هي أول مواجهة أو أول لقاء بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين جبريل -عليه الصلاة والسلام-.
وجبريل هو أمين الوحي، وهو الملك الموكل بالوحي، هو الذي ينزل بالوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي كان ينزل بالوحي على الأنبياء السابقين أيضًا.
القرآن الكريم فيه آيات تشير إلى النزول، ففيه الآية التي في سورة القدر التي يقول الله -سبحانه وتعالى- فيها: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: 1].
وهناك آية أخرى تقول في سورة الدخان: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [الدخان: 3].
وهناك آية في سورة البقرة يقول الله -سبحانه وتعالى- فيها: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].
هذه ثلاث آيات، الأولى تقول: إن القرآن أنزل في ليلة القدر ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: 1]، وهناك آية في سورة الدخان يقول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [الدخان: 3]، وهي نفسها ليلة القدر، وهناك آية في سورة البقرة يقول: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ [البقرة: 185]، هل هناك تعارض بين هذه الآيات، آية تقول في ليلة القدر، وآية تقول في ليلة مباركة، وآية تقول في شهر رمضان؟
الصواب: أنه ليس هناك تعارض يا شيخ عبد الحميد، لأن ليلة القدر هي ليلة مباركة، وهي في شهر رمضان، فإذن هذا جمع بين هذه الآيات الثلاث، هذه الآيات الثلاث تحتمل معنيين، ولذلك لما جاء رجل إلى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- وقال وهو عطية بن الأسود، اسمه عطية بن الأسود، من التابعين، فسأل ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك، في قول الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ [البقرة: 185]، وقوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: 1]، وقوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ [الدخان: 3]، لماذا وقع في قلبك الشك يا عطية؟ قال: وقد أنزل القرآن في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة وفي المحرم وفي صفر وفي شهر ربيع الأول، فكيف نفهم هذه الآيات؟ الله يقول هنا: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾، ﴿فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾.
في الواقع الذي يعرفه الصحابة أن القرآن كان ينزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة وفي ربيع أول وفي رجب، فما معنى هذه الآيات؟ فقال له ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام".
هذه مسألة مهمة جدا من مسائل النزول، وهي: أن هذه الآيات التي ذكر الله -سبحانه وتعالى- أن القرآن أُنزل في ليلة القدر، وفي ليلة مباركة وفي شهر رمضان، العلماء لهم فيها قولان:
- القول الأول: أن المقصود بها: نزول القرآن الكريم جملة واحدة، يعني كله مع بعضه، من أول الفاتحة إلى آخر الناس، أُنزل جملة واحدة من السماء إلى مكان مخصوص اسمه بيت العزة في السماء الدنيا، هل سمعت بهذا يا عبد الحميد من قبل، بيت العزة في السماء الدنيا؟
{هو نفسه البيت المعمور؟}
الشيخ:
لا.. بيت العزة في السماء الدنيا، هذا موضع خاص في السماء الدنيا، أما البيت المعمور فهو ليس في السماء الدنيا، أنزل الله فيه القرآن جملة واحدة في ليلة القدر وفي شهر رمضان أول ما أنزل القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا القول الأول، أنه نزل به جبريل من اللوح المحفوظ.. أو من الله -سبحانه وتعالى- إلى بيت العزة في السماء الدنيا، طيب ممتاز هذا القول الأول.
- القول الثاني: أن المقصود بقوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ المقصود به: ابتداء نزول القرآن الكريم في رمضان، ثم بعد ذلك تتابع في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة، وفي محرم وبقية شهور السنة، واضح يا شباب الفرق بين الرأيين؟ طيب.
ما هو القول الراجح في هذين القولين والمشهور؟
القول الراجح والمشهور والذي عليه أكثر العلماء هو: القول الأول، أنه أنزل جملة واحدة من السماء إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزل بعد ذلك مفرقا على حَسَبِ الوقائع والأحداث بدلالة قوله تعالى.. بدلالة الواقع أولا، لأنه فعلا كان ينزل حَسَبَ الواقعة والأحداث في كل شهور السنة، هذا الواقع الذي حصل.
والدليل الثاني: دليل من القرآن الكريم في قوله -سبحانه وتعالى- ﴿وَقَالَ﴾؛ أي المشركون ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: 32]، يعني مرة واحدة مع بعض، فقال الله: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ وهذا في سورة الفرقان.
إذن: لنزول القرآن الكريم تنزلان، النزول الأول من السماء إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، والنزول الثاني: نزول مفرق من الله -سبحانه وتعالى- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

كازانوفا
23-10-2013, 08:39 AM
طيب يسأل أحدكم سؤالا، ويقول: طيب أنت الآن يا عبد الرحمن تقول: إن القول الراجح في هذا هو قول ابن عباس، وأنه نزل القرآن الكريم جملة واحدة إلى بيتِ العزة في السماء الدنيا، وهذا القول لم يعرف إلا عن ابن عباس فقط، هذا القول لم يحفظ إلا عن ابن عباس فقط، وهذا قول لا بد له من قول معصوم، يعني ينبغي أننا لا نقول بأن القرآن نزل جملةً واحدةً إلى بيت العزة في السماء الدنيا، إلا إذا أخبرنا بذلك الله أو الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وليس هناك حديث يدل على هذا الرأي، وإنما هو مجرد رأي قاله ابن عباس، فكيف نجيبه؟
وهذا سؤال مهم جدا سوف يأتيكم في الاختبار يا شباب، وأيضا هذه أسئلة مهمة جدا، يعني كيف الآن نقول: أن القرآن أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، مع أنه لا يوجد حديث يدل على هذا القول، وإنما مجرد قول عن ابن عباس -رضي الله عنهما-؟
الجواب: أن نقول: عبد الله بن عباس فعلًا هو الذي انفرد بهذا القول، ولكن لم يخالفه أحد من الصحابة ومن التابعين، كلهم وافقوه، وعلماء الحديث لهم ضابط مهم جدا في مثل هذه الأحاديث، ما هو؟ يقولون: إذا كان القول الذي انفرد به الصحابي أو الذي قاله الصحابي لا مدخلَ للرأي فيه، ما يمكن أنَّ واحدًا يأتي به بعقله برأيه، فإنه يكون له حُكم المرفوع إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فإذن قول ابن عباسٍ هنا بأن القرآن نزل جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، هذا لا يمكن أنْ يكون اجتهادًا من ابن عباسٍ أبدا؛ لأنه لا مدخلَ للعقلِ في هذه الأشياءِ، هذه الأشياء ما تُعرف إلا بالوحي، فما دام أنه قاله، ولم يخالفْه أحدٌ، بل أكثر العلماءِ الذي جاؤوا بعده يُوافقونه في هذا من الصحابةِ ومن التابعين، فإذن هو مما له حُكم المرفوعِ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا سببُ قبولنا لهذا القول عن ابن عباس، واضح يا شباب؟
إذن هذا القول الراجح في هذا الموضوع، وهو أن القرآن الكريم نزل جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا وهو الذي عليه أكثر العلماء واختاره الأئمة مثل الطبري والسيوطي وابن تيمية، والقرطبي والآلوسي وغيرهم، وحكى القرطبي الإجماع على ذلك، وقال أن هذا القول هو الذي عليه الإجماع.
طبعا والسبب -كما قلت لكم- أنَّ له حُكم المرفوع، طيب.. يأتي سؤال مهم جدا وهو: ما هي الحكمة من نزول القرآن الكريم جملةً واحدةً إلى بيت العزة في السماء الدنيا؟ ما هي الفائدة من نزول القرآن الكريم جملةً واحدةً إلى بيت العزةِ في السماء الدنيا؟ علما أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ما كان يستفيد من وجود القرآن في بيت العزة في السماء الدنيا، بحيث أنه كلما نزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- جبريل لا يأخذه من بيت العزة مباشرةً، وينزل به على النبي -صلى الله عليه وسلم- أبدا، والنبيُّ لم يكن يعلم ما هو الذي في بيت العزة قبل نزوله، وإنما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ينتظر كلما جدَّ شيء في الأمور أو سأل سائل عن أمرٍ أو وقعتْ حادثة، كان ينتظر الوحي من جبريل -عليه الصلاة والسلام- ماذا كان يفعل جبريل؟ كان جبريل يسمع القرآن مباشرة من الله، ثم ينزل به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- دون أن يرجع إلى بيت العزة في السماء الدنيا ليأخذَ منه القرآن، ولذلك يُخطئ مَن يقولُ: أنَّ جبريل كان يَنزل بالقرآن من بيت العزةِ في السماء الدنيا إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، لا، هذا غير صحيح، إنما كان ينزل به من الله مباشرة.
نقول في الجواب: أن فيه فوائد:
أولا الفائدة الأولى: تعظيم مكانة الأمة الإسلامية، وأن في إنزال القرآن الكريم، وهو الكتاب المقدس عند المسلمين، وهو معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه في نزوله إلى بيت العزة في السماء الدنيا تعظيم لمكانة الأمة الإسلامية وأنها ذات شأن.
الأمر الثاني: تعظيم لشأن القرآن الكريم نفسه، يعني الآن نعود إلى جوابك يا عبد الحميد عندما سألت عن التوراة والإنجيل، المشهور عند العلماء أنها نزلت جملة واحدة، كيف؟ لما ذهب موسى -عليه الصلاة والسلام- للقاء ربه، فأنزل الله عليه التوراة، وأعطاه إياها مكتوبة في ألواح، والله -سبحانه وتعالى- كتبها لموسى بيده، ولذلك قال: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [الأعراف: 144]، وقال: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: 150]، فموسى أخذ التوراة مكتوبة في ألواح، أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد نزل عليه القرآن مسموعًا، لم ينزل عليه مكتوبًا، وإنما كان جبريل يُسمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- والنبي يحفظه في صدره ثم يُسمعه الصحابة -رضي الله عنهم- ويأمرهم بكتابته.. واضح هذا يا شباب؟
طيب.. ففي نزول القرآن الكريم جملة واحدة إلى السماء الدنيا، في بيت العزة في السماء الدنيا فيه نوع من مشابهة نزول الكتب السماوية السابقة، يعني هذه التوراة نزلت جملة واحدة عليك يا موسى، أيضا القرآن نزل جملة واحدة، ولكن لم ننزله على محمدٍ، وإنما تركناه في السماء، في بيت العزة في السماء الدنيا، واضح هذا؟
طيب.. أيضا من فوائد نزول القرآن جملة واحدة تعظيم شأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى تعرف الملائكة ملائكة السماوات تعرف قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الله -سبحانه وتعالى- فقد أنزل عليه القرآن مفرقا وجملة واحدة أيضًا.
أيضًا: إعلام أهل السماوات السبع والملائكة أن هذا الكتاب وهو القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
وأيضًا فيه إشارة إلى أن الله -سبحانه وتعالى- علام الغيوب. كيف؟ يعني الآن هذا القرآن الذي في بيت العزة في السماء الدنيا، فيه ما في القرآن كاملًا، وفيه حوادث لم تقع بعد، موجودة في هذا القرآن، يعني -مثلا- الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: 1]، طيب.. هذه الآيات موجودة في القرآن في بيت العزة في السماء الدنيا قبل أن تقع في الواقع، ولا شك أن علم الله -سبحانه وتعالى- يعني له خصائص منها: أنه غير مسبوق بجهل -سبحانه وتعالى-، وأنه غير متبوع بنسيان، وأن الله -سبحانه وتعالى- يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وهذا لأنَّ الله يعلم الغيب -سبحانه وتعالى-، فهذا أيضًا فيه إشارة أو فيه نوع من الإشارة.
وفيه أيضًا: أن القرآن الكريم فيه خصوصية على الكتب السماوية أنه نزل جملة واحدة ونزل مفرقا، طيب.. إذن هذه هي المسألة الأولى، أو من المسائل المهمة في مسألة نزول القرآن الكريم، وأنه نزل مفرقًا، ونزل مجموعًا، وهذا مما يتعلق بمسألة كيفية نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فنقول: أنه نزل به جبريل -عليه الصلاة والسلام- جملة واحدة، ونزل به أيضًا مفرقًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- على حَسَبِ الوقائع والأحداث، فكانت تنزلُ أو تقعُ الحادثة للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فينزل القرآن الكريم بشأنها.
فمثلًا لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في معركة بدر، فوقعت المعركة، فلمَّا انتهت المعركة وجدَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- الغنائم التي غنموها من المشركين، طيب.. كيف يَقتسمونها؟ سؤال: يا رسول الله كيف نقسم الغنائم؟ ما عنده جواب -عليه الصلاة والسلام- لأنها أول مرة تحصل هذه الحادثة، أول مرة يكون هناك غنائمُ للجيشِ المسلم، فأنزل الله -سبحانه وتعالى-: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1] إلى آخر السورة، واضح يا شباب؟
طيب، عندما يأتيك الجواب وأنت في حاجة ماسة إليه، يعني أنت الآن في ورطة، وقعت الحادثة وتريد جواب، فيأتيك الجواب، هل هذا أبلغ في التعليم وفي التربية، أو أنه ينزل عليك القرآن الكريم كاملًا، فتأخذ القرآن الكريم.. النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يأتي سؤالا عن الأنفال، يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتح سورة الأنفال، ويقول: والله، الجواب أنكم تفعلوا كذا وكذا وكذا، كما كان في عهد موسى -عليه الصلاة والسلام-، عنده التوراة موجودة كاملة، أي سؤال، النبي -صلى الله عليه وسلم- موسى يجيب من التوراة، لهذا ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: 44] وإلى آخره.
القرآن الكريم.. لا، تقع حادثة الأنفال يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي لا يجيب؛ لأنه لا يعلم الغيب، ولا يتكلم من تلقاء نفسه، ما يتكلم -عليه الصلاة والسلام- بمجرد الهوى، لا، وإنما لا يتكلم إلا بالوحي، في وحي أجيبك، ما في وحي، الله أعلم.
ولذلك وقع بعض الحوادث النبي -صلى الله عليه وسلم- انتظر الوحي وطال انتظاره، فمثلا في قصة الإفك التي اتهمت فيها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بقي النبي -صلى الله عليه وسلم- ينتظر الوحي شهرًا كاملًا، والناس يتكلمون في عِرضه -عليه الصلاة والسلام- ويتهمون زوجته عائشة -رضي الله عنها- بالفاحشة، وهو لا يعرف ما الجواب، ويقول لزوجته عائشة -رضي الله عنها-: «يا عائشة، إنْ كنتِ ألممتِ بذنب؛ فتُوبي إلى اللهِ واستغفري الله». طيب.. لو كان الوحيُ من عند النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وتحدثْنا في المحاضراتِ الماضية عن الوحي وأنه من السماء، من الله -سبحانه وتعالى- وجبريل هو الذي يأتي به، النبي لا يتكلم من تلقاء نفسه، طيب.. لو كان كما يقول المستشرقون والمشركون: أن القرآن الكريم أساطير الأولين وأنت تتكلم به من عند نفسك، طيب، هل كان سينتظر شهرًا كاملا، ثم يجيب الناس؟ لا، لو كان هو الذي يتكلم بالقرآن، كان جاءه مباشرة، وقال: لا، أبدا، عائشة لم تفعل، و﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾، لكن بعد شهر كامل ينزل الجواب، أليس هذا أبلغ في التربية وفي الفهم وفي الحفظ، لأنه تأتيك هذه الأجوبة وأنت في أحوج حال، أو في أحوج ما تكون إليها فتحفظها ولا تنساها أبدا، وهذا الذي كان، فإنه نزل القرآن الكريم على حَسَبِ الوقائع والأحداث فكان أبلغ في الفهم، وأبلغ في الحفظ، وأسهل، وأبلغ في التربية، وفي تهذيب أخلاق الصحابة -رضي الله عنهم- ولذلك قالت عائشة -رضي الله عنها- : "أول ما نزل من القرآن الكريم، الآيات التي فيها الإيمان وتثبيت الإيمان وتثبيت العقيدة في نفوس الناس، حتى إذا تاب الناس -يعني استجابوا لأمر الله وآمنوا وانقادوا- أنزل الله الحلال والحرام"، وإلا لو كان الله أنزل مباشرة تحريم الخمر وتحريم الفواحش، وتحريم عبادة الأصنام، الناس بطبيعتهم لا يحبون ترك العادات التي تعودوا عليها، فسيكونون رفضوا هذا تمامًا، ولذلك فائدة نزول القرآن مفرقًا ومُنًجَّمًا التدرج في التشريع وسوف يأتي معنا، إذن هذا ما يتعلق بنزول القرآن مُفَرَّقًا.

كازانوفا
23-10-2013, 08:40 AM
الواسطة في نزول القرآن الكريم هو جبريل -عليه الصلاة والسلام- فقط: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ﴾ [الشعراء: 193، 194].
نأتي إلى مسألة أخرى وهي: في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ [الإسراء: 106]، وهناك قراءة أخرى ﴿فَرَّقْنَاه﴾، ﴿وَقُرْآناً فَرَّقْنَاه﴾ من التفريق يعني ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾، فمن حكمة إنزال القرآن الكريم مفرقًا على حسب الوقائع والأحداث، تثبيت فؤاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأيضًا قراءته بشيء من التريث والتأني والمكث حتى يفهم الذي يتلقون القرآن الكريم هذا الوحي، ويأخذونه شيئًا فشيئًا، ولذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- ينتظرون كل يوم النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر، ينتظرون ماذا سيقول، يقول أنزل علي البارحة سورة كذا، أنزل علي البارحة سورة كذا، فكانوا يتباشرون في صلاة الفجر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيخبرهم بهذا الأمر.
المدة التي نزل فيها القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذه مسألة من المسائل أيضًا التي نريد أن نشير إليها، هناك من يقول: أن القرآن الكريم نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في عشرين سنة، وهناك من يقول: لا، نزل في ثلاث وعشرين سنة، وهذان القولان هما المشهوران، وهناك من يقول: لا، نزل في خمس وعشرين سنة، طيب.. ما هو السبب؟ أو ما هي الأدلة؟ هنا أدلة: عائشة -رضي الله عنها- وابن عباس كما في صحيح البخاري، قالا: «لبث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا» عشرة وعشرة كم؟ عشرين سنة.
والقول الثاني: ثلاثة وعشرين سنة، قالوا: ثلاث عشر سنة في مكة والبقية عشر سنوات في المدينة، والدليل على ذلك في البخاري أيضا في قول ابن عباس -رضي الله عنهما- «بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأربعين سنة» يعني كان عمره أربعين سنة، «فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة» واضح هذا، ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنوات في المدينة، وهذا أيضًا رواه البخاري.
والحديثان في البخاري، فهما صحيحان، كيف نجمع بينهما؟
نجمع بينهما أن مدة الوحي بالمنام والرؤيا الصالحة ستة أشهر، النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، واستمرت ستة أشهر، ثم نزل الملك بالوحي في شهر رمضان، بصدر سورة اقرأ كما تقدم معنا، ثم فتر الوحي، وكانت مدة الفترة له، كما يذكر بعض العلماء، تفاوتت المدة، بعضهم يقول: سنتين، بعضهم يقول سنتين ونصف، ثم تتابع الوحي، وتتابع بعد ذلك لمدة عشر سنين، فلذلك يقول العلماء: من قال مدته عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة التي كانت وهي ثلاث سنوات، فقال: عشر سنوات في مكة، عشر سنوات في المدينة، طيب والثلاث سنوات، قال: الثلاث سنوات كانت رؤيا منامية، وكان فيه فتور في الوحي، فلم يحسبها، ومن قال: ثلاث عشرة سنة في مكة فحسبها من بداية الرؤيا الصالحة في النوم، هذا هو الجمع بين القولين، وقد ذكر ذلك السهيلي -رحمه الله- في كتابه في السيرة النبوية "الروض الأنف في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-".
حكمة نزول القرآن الكريم جملة واحدة ذكرناه لكم، تفخيم شأن القرآن، وشأن المسلمين، وشأن الأمة الإسلامية، وشأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأيضًا إظهار مكانة هذه الأمة وهذا القرآن عند الملائكة في السماء السابعة.
نأتي إلى الحكمة من نزول القرآن مفرقًا فقلنا: تثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في نص الآية في قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾، ومنها أيضًا تسلية النبي -صلى الله عليه وسلم- بذكر قصص الأنبياء والسابقين من قبله، فلا يكاد النبي -صلى الله عليه وسلم- تمر به أزمة أو يمر به موقف من تكذيب قومه أو صدهم إلا وينزل عليه من قصص أنبياء السابقين ما يثبت به فؤاده -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك قال الله في سورة هود: ﴿وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [هود: 120]؛ لأنه إذا علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نوحًا قد مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولم يؤمن به ابنه، ولم تؤمن به زوجته، وكذبه قومه، سوف يخفف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكذيب قومه له، ثم إذا عُلم أن نوحًا جلس تسع مئة وخمسين سنة يهون عليه أنه بقي عشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة هذه لا توازن بتسع مئة وخمسين سنة، وهكذا.. ولا شك أن الاقتداء بهؤلاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُخفف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يشعر به.
أيضًا، أمر الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالصبر والاحتساب في قوله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35]، ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: 49]، ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ [هود: 115]، ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل: 127]، أيضًا في قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]، إلى آخره.
وتبشير النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بأنه سوف يكون له الغلبة، وسوف تكون لك العاقبة، ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 21]، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].
هذه كلها كانت تنزل تباعًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فتثبت فؤاده وتفتح له الأمل، وتفتح له آفاق الاستبشار بالنصر، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا السبب ولهذا الوحي الذي ينزل منجمًا، كان أكثر الناس تفاؤلا -عليه الصلاة والسلام- وأشد الناس تفاؤلًا، ونحن على خطى النبي -صلى الله عليه وسلم- نتفاءل بنصر الأمة الإسلامية مهما اشتدت ظلمة الطغيان وقهر اليهود، وقهر النصارى لنا، وقهر الطغاة، فإن المسلم يستبشر دائمًا بنصر الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن القرآن الكريم كان ينزل لهذا التثبيت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا زلنا نقرأه حتى اليوم.
أيضًا، من فوائد نزول القرآن الكريم مُنَجَّمًا، فائدة تربوية مهمة جدًّا، وهي مفيدة لكم أيها الإخوة المشاهدون أيضًا، وهي التدرُّج في التربية، في تربية الأبناء أو في تربية الطلاب، أو في دعوة الناس، ليس من المناسب أن تبادرَ الناس دائما بتغيير عاداته، وإجبارهم على التخلي عن أشياء تعودوا عليها مباشرة، وإنما تأخذ الناس بالرفق واللين خطوةً خطوةً، وهذا أسلوب تربوي، كان هذا مستفادًا من نزول القرآن الكريم بالتدرج.
نأخذ مثالا على هذا: الخمر كان الناس في الجاهلية يَشربونها كما نشرب الماء، موجودة في البيوت وموجودة في كل مكان، يبيعها الناس ويشترونها، ما جاء القرآن الكريم من أول الأمرِ، وقال: حرمت عليكم الخمر -مثلا- لا..، وإنما شيئًا فشيئًا، واستمر في التدرج في تحريمها أكثر من ربما أربع عشرة سنة أو ست عشرة سنة، أو أكثر، لماذا؛ لأنه منذ أن نزل القرآن في مكة، جاءت إشارات خفيفة جدًّا في مكة، مثل ماذا؟ مثل قوله -سبحانه وتعالى- في سورة النحل وهي سورة نزلت في مكة، قال: ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً﴾ [النحل: 67]، الله يمتن علينا فيقول: أني قد خلقت لكم هذه الثمرات وهذا النخيل وهذه الأعناب، وهذه الثمرات، النخيل والأعناب: التمر والعنب، أنتم تتخذون منها شيئين، سَكَرا، ورزقا حسنا، سكرا يعني ماذا؟ يعني: خمرًا، تأخذون التمر، وتأخذون العنب، وتضعونها في كوز أو أي شيء، وتبقى حتى تتخمر، ثم تصبح خمرًا وتشرب، هذه خمر.
والأمر الثاني: أنكم تأكلونها، تأكلون التمر وتأكلون العنب بشكل مباشر فهذا رزق حسن، كيف؟ ما فيها شيء هذه الآية، يعني هل فيها ذم للخمر أو فيها إشارة إلى تحريمه؟ الجواب: نعم. لكنها إشارة خفية جدًّا، كيف؟ الله يقول: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً﴾، ولم يصفه بأنه سكرٌ حسنٌ أو شيء، قال: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً﴾، فوصف الرزق بأنه حَسَن، وسكت عن السكر، فالعرب تفهم أنه ما دام سَكَتَ عنها، كأن تقول مثلا: دخل محمد وعلي المجتهد، فالناس يفهمون أن محمدا أنت غير راض عن مستواه؛ لأنك قلت: دخل محمد وعلي المجتهد، فوصفت عليٌّ أنه مجتهد وسكت عن محمد، فكذلك هنا: سكت عن وصف السكر، وقال: ﴿وَرِزْقاً حَسَناً﴾ فاللبيب يفهم أن السكر غير حسن، لكنه ليس محرمًا، لم يحرمه، ثم شيئًا فشيئًا، جاء سؤال آخر في سورة البقرة، فقال الله -سبحانه وتعالى- ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ [البقرة: 219]، فهل كان الجواب: قل: إنه محرم، لا.. فقال الله: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾، هل هذا الجواب يحرم الخمر؟ لا..، ليس صريحًا في التحريم، وإنما فيه إشارة إلى الإثم الذي في الخمر، وفيها منافع أيضًا، قد يقول قائل: ما هي المنفعة التي في الخمر؟ نقول: الواحد الذي يبيع ويشتري يحصل من ورائها خيرٌ من المال، يحصل ربح، وإن كان لا بَرَكَةَ فيه، لكن هو بنظر الناس ربح، وأيضًا فيها من المنافع ما يشعر به شارب الخمر من النشوة كما يقولون، لكن الله قال: ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾، العاقل يفهم من هذه الآية أن الخمر إثمها أكبر من نفعها ولا خير فيها، وهذه إشارة إلى أنها محرمة، لكنها ليست صريحة في التحريم.
طيب.. لاحظوا كيف تدرج في التحريم، ما حرمها مباشرة، ثم بعد سنوات ينزل قول الله تعالى في سورة النساء: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: 43]؛ يعني لا تقرب الصلاة وأنت سكران، طيب وما معنى هذه الآية؟ معناها: تضييق وقت الخمر وشُرب الخمر، يعني لا يجوز لك أنت تشرب بعد صلاة المغرب؛ لأن صلاة العشاء قريبة من المغرب، وسوف تأتي صلاة العشاء وأنت ما زالت فيك آثار الخمر، ممنوع أن تشرب في هذا الوقت، فيسمح لك أن تشرب بعد العشاء -مثلا-؛ لأن الوقت طويل، أو بعد الفجر لأن الوقت طويل أنك تشرب وتسكر ثم تصحو، واضح هذا؟ فهذه الآية ضيقت وقت الشرب على الناس، فالذين انتهوا من أول الأمر، انتهينا منهم، لكن فيه ناس استمروا للمرحلة الثانية حتى قال الله: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ تركوها، جاءت المرحلة الثالثة ضيقت وقت السكر، وقت الصلاة إذا كانت قريبة ممنوع، ثم جاءت المرحلة الأخيرة الآن، وحرمت الخمر تمامًا، بعد أن هيأت نفوس الناس، ما جاءت مباشرة حرمت شيئا وهو متغلغل في المجتمع، وإنما شيئًا فشيئًا سحبت هذه العادة القبيحة، ثم جاءت في الآية الأخيرة في سورة المائدة، سورة المائدة من أواخر نزول القرآن الكريم، أنا قلت لكم: استمر تحريم الخمر والتدرج فيه ست عشرة سنة، أنا أتوقع أنها أكثر من ست عشرة سنة، لأنك تخيل ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنوات في المدينة، وهذه المائدة من آخر ما نزل، وهي التي نزل فيها ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3]، في آخر حجة الوداع، يعني ربما إحدى وعشرون سنة أو اثنتان وعشرون سنة، فماذا قال الله -سبحانه وتعالى-؟ قال: ﴿إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ [المائدة: 90]، كلمة ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ هي الآية التي حرمت الخمر تحريما تصريحا ونهائيًّا، أصبح شرب الخمر محرمًا بهذه الآية، واضح يا شباب؟
فلاحظوا نزول القرآن الكريم منجما ومفرقا على حَسَبِ الوقائع والأحداث مفيد جدًّا في مسألة التدرج التربوي في التشريع الإسلامي، التدرج في غرس العادات الحسنة، وانتزاع العادات القبيحة من نفوس الناس، ولذلك نجحت هذه الطريقة التربوية وأخبرنا الصحابة -رضي الله عنهم- أنها بمجرد نزول هذه الآية ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾، أَخَذَ الناس كلهم الخمر الذي كان موجودًا عندهم في البيوت، وصبوه في الشوارع، وأهرقوه في الشوارع، ولذلك قال: سالت طرق المدينة بالخمر، انتهى الموضوع، لكن كيف؟ لأنه جاء الأمر بالانتهاء عن الخمر بعد أن استقر الإيمان في النفوس، وتدرج هذا الأمر سنوات طويلة.
قيسوا على ذلك أي مسألة تربوية، مثلا: ترك التدخين -مثلا- الآن، ترك المخدرات، ترك أي أمر من الأمور المحرمة يحتاج المربي أن يتدرج في سحب أبنائه، أو سحب من يريد أن يُخرجه من هذه الآفات وهذه المحرمات بطريقة تربوية متدرجة، ويستلهم فيها طريقة نزول القرآن الكريم منجمًا؛ حتى لا ينفر الناس منه.
طبعا، الفوائد كثيرة من التدرج، كثيرة جدًّا، منها فضح المنافقين أثناء نزول الوحي، الذين كانوا ينخرون في الصف الإسلامي، فكان القرآن ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين ما كان يفعله هؤلاء المنافقون، ولذلك الله ذكر في سورة التوبة، قال: ﴿يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 64]، طيب.
يأتينا سؤال، وهو مقدار ما ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ نحن الآن تحدثنا عن نزول القرآن الكريم، كان ينزل منجما، طيب كم كان ينزل على النبي في كل مرة؟
كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- أحيانا كلمة واحدة، وأحيانا ينزل عليه آية، أو آيتان أو خمس آيات، وأحيانا تنزل سورة كاملة، سواء من قصار السور أو من طوال السور، فمثلا مما نزل عليه -عليه الصلاة والسلام- كلمة واحدة، في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ إلى أن قال الله -سبحانه وتعالى- ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ﴾ [البقرة: 187]، هذه الآية، ثم نزل بعد ذلك، عندما وقع الخلل في فهمها كلمة: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ﴾ أنزل الله الكلمة الأخيرة ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ بمفردها، فهذه كلمة واحدة نزلت.
مما نزل خمس آيات، أول الآيات التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي سورة اقرأ: ﴿اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5]، خمس آيات، جزء من سورة.
قد ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- سورة كاملة، وأكثر ما نزل هذا في قصار السور، قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، إنا أنزلناه في ليلة القدر، هذه سور قصيرة نزلت كلها جملة أو دفعة واحدة.
ومن السور الطويلة التي ورد نزولها جملة واحدة سورة الأنعام، وهذا نادر في السور الطويلة، أنها تنزل جملة واحدة، وسورة الأنعام من هذا النادر، أما مثل البقرة وآل عمران، فقد نزلت على فترات طويلة جدا، مثل البقرة على سبيل المثال، بدأ نزولها منذ هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، واستمر نزولها حتى وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبقيت تنزل على النبي عشر سنوات، ولذلك بقي بعض الصحابة يقرأها ويدرسها ثمان سنوات مثل عبد الله بن عمر، فهي نزلت في عشر، ودرست في ثمان سنوات.
يعني هذه من المسائل المهمة التي نريد أن نناقشها ونتعرض له في موضوع مقدار ما ينزل.
مدة النزول كما قلت لكم، هناك من قال: إنها ثلاثة وعشرون، وهناك من قال: إنها عشرون، وهناك من قال: إنها خمسة وعشرون، والصحيح المشهور: أنها نزلت في ثلاثة وعشرين عاما، يحسب الثلاث سنوات الأولى من ضمن الوحي، وأنها نزلت في ثلاث وعشرين سنة، ثلاث عشرة في مكة، وعشر سنوات في المدينة.
وتحدثنا عن الحكمةِ من نزول القرآن الكريم بهذا الشكل على النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا نزل مُفرقًا، لماذا نزل جملة واحدة؟ وقلنا إنه نزل جملة واحدة لبيان مكانة الأمة، ومكانة القرآن ومكانة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ونزل مفرقًا على حسب الوقائع والأحداث لكي يكون ادعى للفهم والحفظ والعمل، وكان هذا منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في تعليم الصحابة -رضي الله عنهم- يعني الصحابة الكرام يقولون: كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل، فتعلمنا الإيمان والعلم والعمل جميعًا.

كازانوفا
23-10-2013, 08:41 AM
ونحن نقول اليوم هذه الطريقة النبوية في تعريف أو في تعليم القرآن الكريم هي الطريقة الْمُثلى حتى نستفيدَ من القرآن الكريم على أكمل وجه، نتدرب على ما فيه من المعاني ونفهم ما فيه من الأحكام والحِكم، وفي نفس الوقت يَرسخ في أذهان الحفاظِ، وفي قلوب العاملين والمتدبرين.
وتعلمون أيها الإخوة أن القرآن الكريم ما نزل لكي يكون فقط في الرفوف، أو نزل القرآن الكريم لكي نقرأه في افتتاح الحفلات، بحيث كلما جاءت حفلة نقول: وخير ما نبدأ به آيات من الذكر الحكيم، ثم لا يكون له أي انعكاس في واقع الناس ولا في حياة الناس، لا.. أبدا، وإنما القرآن الكريم نزل لكي يكونَ سلوكًا نتحلى به ونتخلق به، ولذلك عائشة -رضي الله عنها- عندما جاءها أحدُ الصحابة فسألها عند أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- كان جوابها جوابا حكيمًا، فقالت: «هل تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قالت: كان خُلقه القرآن»، كيف كان خلقه القرآن؟ يعني كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقف عند حدوده، يأتمر بأوامره، ينتهي عن نواهيه، يعمل بمُحْكَمه، ويؤمن بمُتشابهه، وهكذا..
ولا شك أن عناية العلماء كما تلاحظون بهذه المسائل، يعني لا حظوا.. ما هو أول ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ كم مدة النزول؟ وهذه القضايا كلها دلالة على شدة عناية الصحابة -رضي الله عنهم- وعناية العلماء أيضا من بعدهم بالقرآن الكريم.
نأتي إلى مسألة نختم بها الدرس وهي: ما هو أول ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الآيات؟
هناك للعلماء أقوال، منهم من يقول: سورة اقرأ، الخمس الآيات الأول: ﴿اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ وهذا هو الراجح، وهو الذي عليه أكثر العلماء.
وهناك من يقول: سورة المدثر، وهناك من يقول سورة الفاتحة، وهناك من يقول: البسملة.
والصحيح الذي عليه أكثر العلماء أن أول ما نزل هي سورة الفاتحة، والذين قالوا: المدثر، يقصدون أنه بعد فتور الوحي نزلت المدثر، أما مطلقًا فهي سورة اقرأ.
أما آخر ما نزل، أيضا هناك خلاف بين العلماء، ما هي الآيات التي آخر ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنهم من يقول أنها قوله تعالى: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 3]، في سورة المائدة، ويستدلون بقوله: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ قالوا: هذه آخر آية إذن، والصحيح أنها ليست آخر آية، صحيح أنها نزلت في حجة الوادع، لكن نزل بعدها آيات أخرى، وهي من أواخر سورة البقرة.
وهناك من يقول: إنها آخر ما نزل هي: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ [سورة النصر]، الصحيح أنها ليست آخر ما نزل، ولكنها آخر سورة نزلت كاملة، هي آخر سورة نزلت كاملة، ليست هي آخر الآيات التي نزلت.
وهناك من يقول: إنها آيات الربا في سورة البقرة ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: 275].
وهناك من يقول: إنها قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
الصحيح من الأقوال يعني -لضيق الوقت- أن هذه الآية هي آخر آية نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281]، وهي مرتبطة بآيات الربا في سورة البقرة، فنجمع بين الأقوال ونقول أن: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ صحيح أنها نزلت في حجة الوداع، وليس المقصود إكمال الدين هنا إكمال نزول القرآن الكريم، ولكن إكمال الشرائع العامة الأساسية، أما بعض التشريعات البسيطة التي أُضيفت في هذه الآيات فهي نزلت بعد ذلك.
وأما القول بأنها آيات الربا ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ فهي أصلًا قطعة واحدة نزلت مع بعض، أما سورة النصر فهي آخر آية نزلت، أو آخر سورة نزلت كاملة.
هناك أوائل مخصوصة اهتم بها العلماء، يعني يقولون -مثلا- أول ما نزل في الخمر قوله تعالى ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً﴾ [النحل: 67].
أول ما نزل -مثلا- في الزكاة كذا، أول ما نزل في الحج كذا، فهي يعني تحدث عنها العلماء في كتب علوم القرآن على أنها أوائل مخصوصة، فيقال -مثلا- أول ما نزل في الغنيمة الآيات التي في سورة الأنفال، أول ما نزل في الحج، الآيات التي في سورة كذا، أول ما نزل في الخمر الآيات التي في سورة النحل، وهكذا.
وهذا من تدقيق العلماء -رحمهم الله- في تتبع كل مسائل علوم القرآن الكريم كيف نزل، أين نزل، متى نزل، وسوف يأتي معنا إن شاء الله في المحاضرة القادمة الحديث عن أسباب نزول القرآن الكريم، المقصود بأسباب النزول؟ كلام العلماء وعنايتهم بأسباب النزول، الكتب التي صُنفت في أسباب النزول، ومن أجود ما كتب في موضوع نزول القرآن الكريم الذي تحدثت عنه في هذه المحاضرة، هناك كتاب بعنوان: "نزول القرآن الكريم" للأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع، وهو بحث متين مطبوع في مكتبة العبيكان، وموجود على ملتقى أهل التفسير على الإنترنت مصورًا، هذا الكتاب ناقش المسائل التي ناقشتها أنا وإياكم في هذه المحاضرة بشكل مفصل بالأدلة والبراهين، ولمن أراد أن يَستوفيَ الأدلة في هذا فليرجع إلى كتاب الدكتور محمد الشايع -وفقه الله-.
هل هناك سؤال يا عبد الحميد أو شيء في هذا الذي قلناه؟
{نعم، بالنسبة للتوراة والإنجيل، هي أيضا كلام الله -سبحانه وتعالى- هل كانت معجزة في وقتها؟}
الشيخ:
أحسنت، بالنسبة للتوراة والإنجيل، فأكثر العلماء على أنها نزلت جملة واحدة كما قلنا، وأما القرآن الكريم فقد نزل جملة واحدة في السماء الدنيا، ثم نزل مُفرَّقًا على حسب الوقائع والأحداث، فاختلف عن نزول الكتب السماوية.
ويستدل العلماء على ذلك بقوله تعالى في سورة الفرقان: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: 32] ، كأنهم يريدون أن يقولوا: جملة واحدة كما نزلت الكتب السماوية السابقة، فالذي نعرفه المشهور -كما يظنون- أنها نزلت جملة واحدة، وإلا بعض العلماء يقول: ليس هذا كافيًا في الاستدلال على أن التوراة والإنجيل نزلت جملة واحدة، بعضها نزلت مفرقة، هكذا يفهمون هذه الدلالة.
أما كونها معجزة في وقتها، فليست كذلك، لأننا تحدثنا في المحاضرة الماضية ربما، أن الإعجاز والتحدي كان في شيء غير التوراة والإنجيل، يعني النبي موسى -عليه الصلاة والسلام- جاء بالتوراة، أليس كذلك؟ ولكن معجزته الكبرى التي تحدى بها فرعون ومن معه، هي العصا، وهي اليد، والآيات التسع التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ﴾ [الأعراف: 133]، واضح يا شباب؟
فإذن الإعجاز لم يكن مرتبطا بهذه الكتب السماوية السابقة، وإنما كان الإعجاز مرتبطًا بالقرآن الكريم فقط، والتحدي، مع أن الكتب السماوية السابقة اشتملت على معانٍ وعلى تشريعات عظيمة، لا تكون إلا من عند الله -سبحانه وتعالى- ولا يستطيعها البشر، لكن نتحدث عن الإعجاز الأسلوبي في أسلوبها كما في هو في القرآن الكريم.
نختم هذا اللقاء وإن شاء الله نكمل الحديث عن أسباب النزول وما يتعلق بها في المحاضرة القادمة بإذن الله تعالى، أشكركم يا شباب على إنصاتكم واستماعكم، كما أشكركم أيضًا أيها المشاهدون الكرام من وراء الشاشة، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبل منا ومنكم وأن يجعلنا وإياكم من عباده المخلصين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، حتى ألقاكم في المحاضرة القادمة وأنتم على خير،
__________________

بشائر
23-10-2013, 10:34 AM
جزاك الله خيرا
ونفع الله بك ..
طرح مفيد جدا ً جعله في ميزان حسناتك ..
استمري على هذا المنوال .

كازانوفا
23-10-2013, 12:18 PM
جزاك الله خيرا
ونفع الله بك ..
طرح مفيد جدا ً جعله في ميزان حسناتك ..
استمري على هذا المنوال .

وجزيتي خيرا ان شالله
اللهم امين
ان شالله كل يوم لي ان انزل درس باذنه تعالى

امـ حمد
23-10-2013, 03:19 PM
تسلمين حبيبتي على المجهود الرائع
الله يعطيج العافيه يالغلا

كازانوفا
24-10-2013, 07:36 AM
تسلمين حبيبتي على المجهود الرائع
الله يعطيج العافيه يالغلا

الله يسلمك حبيبتي في الله

نكمل على بركة الله

كازانوفا
24-10-2013, 07:38 AM
الدرس الخامس




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله أيها الإخوة الكرام في مقرر علوم القرآن، وسوف نواصل -بإذن الله تعالى- في هذه الحلقة وفي هذا الدرس ما سبق أن تحدثنا عنه -إن شاء الله- في الحلقات الماضية، مرحبًا بكم أيها الإخوة معي في الاستوديو وحياكم الله.
كنا توقفنا في المحاضرة الماضية، تحدثنا عن أول ما نزل من القرآن الكريم، وآخر ما نزل، وناقشنا هذه المسألة بشيء من التفصيل وذكرنا بعض الأمثلة، وكان مما ذكرناه أن أصح ما ذُكر في أن أول ما نزل على الإطلاق هو قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، وكل الذي قيل في أنها سورة المدثر أو أنها: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضحى1-2]، أو غيرها من الآيات فهي أوليات نسبية -إن صح التعبير- يعني أول شيء نزل بعد فتور الوحي أو بعد انقطاع الوحي هو كذا، وهكذا..
وذكرت لكم أن تدقيق العلماء -رحمهم الله- وحرصهم على بيان هذه الأشياء التفصيلية، أول ما نزل، آخر ما نزل، هو من فرط عنايتهم بعلوم القرآن الكريم، ولذلك أنتم الآن عندما تحرصون على تعلم هذه المسائل الدقيقة، وأنتم أيضًا -أيها الإخوة الطلاب والأخوات الطالبات- فأنتم تحرصون على أمور حرص عليها الصحابة -رضي الله عنهم-، وحرص عليها التابعون، وحرص عليها أتباعهم -رضي الله عنهم أجمعين- وهؤلاء هم القدوة الذين نقتدي بهم في العلم وفي العمل.
واليوم بإذن الله تعالى سوف نتحدث عن أسباب النزول.
موضوع أسباب النزول موضوع من الموضوعات المهمة جدا في علوم القرآن، وهو يتعلق بالمحور الأول إن كنتم تذكرون المحاور التي ذكرنها في أول لقاء، وقلنا أنه يمكن أن نتحدث في أربعة محاور رئيسية في علوم القرآن:
- المحور الأول: يتعلق بنزول القرآن.
- والمحور الثاني: يتعلق بتلاوة القرآن الكريم وقراءته.
- والمحور الثالث: يتعلق بكتابته وتدوينه.
- والرابع: بفهمه وبيان معانيه وتفسيره.
فالمحور الأول: هو نزول القرآن الكريم، من المسائل المهمة التي تتعلق بالنزول: أسباب نزول القرآن الكريم، وقطعًا أنكم قد قرأتم كتبًا في هذا ومر عليكم أسباب النزول للواحدي، وأسباب النزول للسيوطي، وغيرها من الكتب المفردة التي أفردت موضوع أسباب النزول بمؤلفات خاصة.
دعونا في البداية نتعرف على المقصود بأسباب النزول.
تعريف أسباب النزول: العلماء يقسمون أسباب النزول إلى قسمين:
يقولون:
- ما نزل عقب واقعة.
- وما نزل عقب سؤال.
يعني فيه بعض الآيات نزلت بعد سؤال، يُسأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سؤالا فيجيب عنه، أو واقعة تحدث فينزل القرآن الكريم ببيان الصواب فيها، وقبل هذا التقسيم؛ هناك تقسيم قبله، وهو أن يقال: أن القرآن الكريم من حيث أسباب النزول، ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: ما نزل ابتداءً دون أن يكون له سبب خاص مباشر.
- وقسم: كان له سبب خاص، وهذا الذي نتحدث عنه في هذا الدرس، ما يمكن أن نسميه "سبب النزول" هو: السبب الخاص.
السبب العام الذي نزل القرآن الكريم من أجله هو: الهداية إلى الطريق المستقيم، يعني لو سألتك يا حمد، وقلت: قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة 2-5]، سورة الفاتحة، ما هو سبب نزول سورة الفاتحة؟
سوف تقول: والله لا يوجد في كتب الحديث، ولا في كتب التفسير سبب نزول خاص، لكن تقول: يمكن أن نقول إنها نزلت هداية للناس.
فأقول لك: الجواب صحيح؛ لأن هذا سبب عام يمكن أن تدخل فيه القرآن الكريم كاملاً، ولذلك يقول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- في كلمة جملة له: "إن سورة الفاتحة جاءت في أول القرآن الكريم، في أول المصحف، لكي تكون استدعاء يقدمه المؤمنون طلبًا لله -سبحانه وتعالى- للهداية، فيقولون في سورة الفاتحة: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6].
وهذا الطلب يتكرر في كل ركعة -في كل قراءة للفاتحة أنت تطلب الهداية- فجاء الجواب مباشرة في سورة البقرة: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1-2]، يعني أنت تقولون: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، طيب هذا هو الهداية، وبدأ في القرآن الكريم، ولذلك القرآن من أوله لآخره نزل لهداية البشرية، هذا سبب عام، يدخل فيه القرآن كاملاً.
ونحن لا نقصده في الدرس، الذي نزل ابتداءً، هذا لا نقصده، لكن الذي نقصده هو السبب الخاص، واحد يأتي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: يا رسول الله، كيف نقسم الغنائم؟ نحن الآن في معركة بدر حصلنا على عدد من الغنائم، كيف نقسمها؟
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يتوقف، لا يوجد لدى النبي -صلى الله عليه وسلم- توجيه حتى الآن، فينزل قول الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال: 1]، ثم يقول في الآية في منتصف السورة: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: 41]، ويُقسم الغنائم.
إذن نقول: هذه الآيات في سورة الأنفال نزلت بعد سؤال سؤله النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كيفية قسمة الغنائم، واضحة هذه يا شباب؟ طيب..
ولذلك يُعرّف علماء علوم القرآن، يقولون: سبب النزول هو: ما نزل القرآن الكريم بشأنه وقت نزوله كحادثة أو سؤال، ما نزل القرآن الكريم بشأنه وقت نزوله كحادثة أو سؤال.
ما نزل القرآن الكريم بشأنه: هذه واضحة، ولكن كلمة: وقت نزوله، يعني وقت نزول القرآن الكريم، يعني لا بد أن تكون الحادثة التي تقع أو السؤال الذي يُسأل يتعلق بوقت نزول الوحي، يعني مثلا: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ ﴾ [البقرة: 158]، هذه نزلت وقت نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان الصحابة بعضهم يتحرج من السعي بين الصفا والمروة، فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، يا رسول الله، كان في أصنام في الجاهلية بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام وأمروا بالسعي بين الصفا والمروة تحرجوا، يعني كان في أصنام، فنزل قول الله تعالى ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ﴾ [البقرة: 158]، إذن هذا وقت النزول.
مثلاً: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، نزل عليه قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا، جبل الصفا في المساء، ونادى في قريش، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، حتى يجتمعوا جميعًا، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- : «لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل -أو الوادي- تريد أن تُغير عليم، أكنتم مصدقي؟! فقالوا كلهم: ما عهدنا عليك كذبًا قط»، النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجاهلية معروف بصدقه وأمانته، فقال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، وبدأ يدعوهم إلى الإسلام. «فقال عمه أبو لهب: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا، فنزل قول الله تعالى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1] ».
فلو سألتك يا عبد الحميد الآن وقلت: ما هو سبب نزول سورة: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾، التي هي سورة المسد؟ تذكر لي هذه الحادثة، صح؟ وهذه الواقعة وقعت وهي صحيحة في البخاري ومسلم، فإذن هذه حادثة وقعت، نزل القرآن الكريم بشأنها، صح؟ متى وقعت هذه الحادثة؟ في وقت نزول الوحي، صح أم لا؟
طيب.. أعطيكم حادثة أخرى.. ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾ [الفيل: 1-4]، متى وقعت هذه الحادثة؟ هل وقعت وقت نزول الوحي؟ التي هي حادثة الفيل؟ قبل.. أليس كذلك؟ يعني وقعت عند ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني قبل بعثته بأربعين سنة، فيأتي الإمام الواحدي -رحمه الله- في كتابه "أسباب النزول" ويقول: "نزلت هذه السورة بسبب حادثة الفيل"، فقال له السيوطي: "لا.. هذا غير صحيح". السورة تتحدث عن قصة الفيل، لكن هل قصة الفيل هي سبب النزول؟ لا، حسب تعريفنا الذي عرفناه قبل قليل، وقلنا: ما نزل القرآن الكريم بشأنه وقت نزوله، فلا بد أن يكون هذه الحادثة أو هذا السؤال وقت نزول الوحي، وليس قبله بمدة طويلة جدًا. واضح هذا يا شباب، وإنما نقول: هذه من القصص السابقة التي تكلم عنها القرآن، لكن هي ليست السبب المباشر للنزول.

كازانوفا
24-10-2013, 07:39 AM
إذن عرفنا الآن ما نزل القرآن الكريم بشأنه وقت نزوله وما المقصود بها، وكحادثة مثل حادثة سورة المسد، أو سؤال مثل سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الغنائم، أو مثل قول الله -سبحانه وتعالى- ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 219]، نزلت بسبب سؤال، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ﴾ [البقرة: 189]، بسبب سؤال، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ [البقرة: 220]، وهكذا..
أيضًا، هناك يمكن أن نفصل في النقطة هذه بالذات، أن هذه الحادثة قد تقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو حادثة تقع لأحد الصحابة، أو حادثة تقع مثلاً للكافرين، أو للمنافقين، فينزل الوحي بشأنها، والسؤال قد يأتي من الصحابة، أو قد يأتي من اليهود.. ﴿ وَيسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85]، أو يأتي من المشركين، وكلها تدخل في سبب النزول، واضح المقصود بها إذن؟ جميل جدًّا.
إذن هذا ما يتعلق بتعريف أسباب النزول، ما نزل عقب واقعة مثل المسد، وما نزل عقب سؤال مثل السؤال عن موضوع الأهلة، السؤال عن الخمر والميسر، السؤال عن الغنائم، إلى آخره.
فوائد معرفة أسباب النزول:
ما هي الفائدة يا شباب من معرفة أسباب النزول، هل هو مهم؟ أنا قلت لكم في البداية أنه من أهم مباحث علوم القرآن فعلاً، أن نعرف أسباب نزول الآيات والسور، لماذا؟
نقول: من فوائد معرفة أسباب النزول: معرفة حكمة التشريع، لماذا؟
تذكرون أنني قلت لكم في بداية المحاضرات أن القرآن الكريم فيه ميزة عن الكتب السماوية السابقة، أنه هو المعجزة الكبرى للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي نفس الوقت هو يشتمل على الشريعة، لكن موسى -عليه الصلاة والسلام- المعجزة الكبرى التي جاء بها العصا، ولكن الكتاب الذي جاء به التوراة، منفصل تمامًا، التعاليم والشرائع موجودة في التوراة، والمعجزة موجودة في العصا، أما القرآن الكريم اندمجت المسألة، أصبح القرآن نفسه هو المعجزة وهو التشريع، وهذا لم يحدث في أي شريعة سابقة، يعني أصبحت اثنين في واحد، المعجزة والشريعة في نفس الوقت، وهذا من خصائص رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم.
معرفة حكمة التشريع كيف؟ يعني مثلاً: التدرج في تربية الناس، عندما نأتي الآن إلى -مثلاً- الخمر في القرآن الكريم، وحكم الخمر.
نقول: الخمر في القرآن الكريم مرت بمراحل، بدأت من مكة وانتهت في العهد المدني في المدينة المنورة، جاء الإسلام، وجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس يشربون الخمر كما يشربون الماء إلى حد بعيد، إلا قليل من عقلائهم لا يشربونها، مثل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ما كان يشربها في الجاهلية..
القرآن ماذا صنع؟ لم يأت إليهم مباشرة ويقول: حرمت عليكم الخمر، لا.. لماذا؟ لأن هذه أشياء تعودوا عليها، يعني أشبه ما تكون -كما نسميها اليوم- مدمنين على الخمر، الإدمان يحتاج علاجه إلى تدرج، ولا ينفع فيه الفطام الحاد.
فجاء القرآن الكريم تدرج في تحريم الخمر شيئًا فشيئًا، فأول آية نزلت في تحريم الخمر أو الإشارة إليه هي قول الله تعالى في سورة النحل: ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: 67]، ما الدلالة في هذه؟ ﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ﴾، يظهر لك يا حمد ما هو وجه التحريم هنا، أو الإشارة إلى ذم الخمر، أين تظهر في الآية؟ تظهر لك يا حمد؟ يعني الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ﴾ النخيل والأعناب يعني التمر والعنب، ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ يعني خمرًا. ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾، نحن نقول في هذه الآية إشارة إلى ذم الخمر، فأين هي هذه الإشارة؟ تظهر لك؟
{قد يكون في قوله تعالى ﴿ سَكَرًا ﴾.}.
الشيخ:
نعم.. وما وجه الذم فيها؟ ﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا ﴾ ما فيها شيء، ﴿ وَرِزْقًا حَسَنًا ﴾.
{قد يكون في السكر ذهاب للعقل.}
الشيخ:
صحيح.
{فيه ذم له.}
الشيخ:
بالضبط، لكن نحن نقول الآن هذه الآية هي أول إشارة إلى تحريم الخمر، كيف؟ دعني أشرح لك: الله يقول ﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا ﴾ وسكت، ما وصف السكر بأنه حسن أو مفيد، ولكن قال ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ فوصف الرزق بأنه حسن، وسكت عن السكر، ففهم الناس أن السكر هذا غير حسن وأنه مذموم، هذه إشارة غير مباشرة.
جاءت الآية التي بعدها في قوله -سبحانه وتعالى- ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219]، تدل على التحريم هذه؟ لا.. ما تدل على التحريم، لكنها تدل على ذم الخمر، وأنَّ فيها إثمًا كبيرًا، ولكنْ فيها منافع للناس أيضًا، منافع للذين يبيعون ويشترون فيها، فهذه الآية أيضًا جاءت أصرح من التي قبلها، وفهم الناس منها أن الخمر يعني في طريقها إلى التحريم، ولذلك كان يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "اللهم بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا"، يعني نريد فصل في الموضوع؛ لأنَّ ما زال الناس يشربون، لأنها ما حُرمت.
فجاءت الآية التي في سورة النساء، رقم ثلاثة، ماذا يقول الله تعالى؟ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43]، أيضًا ما حرمت الخمر، ولكنها ضيقت أوقات الشرب، فحرم عليك أن تقرب الصلاة وأنت سكران، والعادة لو نظرت الآن في الفرائض الصلوات الخمس، صلاة المغرب مثلاً لو شربت بعد صلاة المغرب خمرًا ستبقى سكرانَ إلى بعد العشاء بمدة طويلة، فمعناها هذا الوقت الضيق هذا ممنوع تشرب فيه، أيضًا بين الظهر والعصر، وهكذا.. فضيقت أوقات الشرب.
جاءت المرحلة الأخيرة والناس قد استشعروا أنها مكروهة ومذمومة ومنبوذة وإثمها أكثر من نفعها، فجاء قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ [المائدة: 90]، أصول الفقه يقولون: الأمر المجرد عن القرائن يقتضي التحريم، الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ أمر بالاجتناب يدل على تحريم الخمر والأزلام والأصنام التي في هذه الآية.
لاحظتم كيف تدرج التشريع في تحريم الخمر؟ ممتاز.. هذا عرفناه من أسباب النزول، أسباب نزول هذه الآيات كيف نزلت، فعرفنا حكمة التشريع، ثم مثلا على سبيل المثال: عندما وقعت الغنائم في أيدي الصحابة -رضي الله عنهم- في معركة بدر، فجاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوه عن الغنائم، فتوقف في شأنها، فنزلت الآيات وأجابت عن السؤال، انظر كيف تتعرف على حكمة المشرع -سبحانه وتعالى؟ وكيف أنه أجَّل نزول هذا الحكم حتى احتاج الناس إليه؟.
لما يأتيك الجواب وأنت تتشوف إليه؛ يقع في نفسك وتطبقه وأنت راض، وأنت مطمئن، وأنت مقبل، بخلاف إذا نزل الحكم وأنت لست حاجة إليه، ولم يحتج الناس إليه، فإنه في الغالب يؤخذ بشكل بارد -إن صح التعبير- وليس بشكله عندما يكون بسبب سؤال وتشوف وانتظار.. إلى آخره.
فإذن من فوائد معرفة أسباب النزول: معرفة حكمة التشريع، ما هي حِكم الله -سبحانه وتعالى- في تشريع هذا الحكم، في التدرج في هذا الحكم، فهذه من فوائد معرفته، أو من فوائد معرفة علم أسباب النزول، أسباب نزول الآيات.
أيضًا من الفوائد التي يمكن أن نذكرها أيضًا لمعرفة أسباب النزول: معرفة من نزلت فيه الآية بعينه، مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1]، هذه الآيات في سورة المجادِلة أو المجادَلة، كلاهما صحيح، نزلت في شأن: خولة بنت ثعلبة -رضي الله عنها- وزوجها أوس بن الصامت.
فنحن عرفنا أنها نزلت في هذين الصحابيين -رضي الله عنهما- من خلال معرفة سبب النزول؛ لأنه قد ورد في الصحاح أن خولة -رضي الله عنها- بنت ثعلبة، جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: "يا رسول الله أوس ظاهر مني" يعني أنه قال له كلمة تدل على تحريمها عليه، وقال لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي.
فإذن من فوائد معرفة سبب النزول أننا نعرف من نزلت فيه الآية بعينه، لكن سؤال -وهذا سيأتي معنا إن شاء الله الآن- وهو: نزلت هذه الآيات في أوس بن الصامت وفي زوجته خولة بن ثعلبة، طيب.. هل هذه الآيات مقتصرة على هذين فقط؟ يعني نقول: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة: 1] وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: 3]، هل هذا الحكم وهذه الآيات تُطبق فقط على أوس وعلى خولة وكل من ظاهر من زوجته أو وقع في هذا نقول: والله هذه الآيات ما تخصك، هذه خاصة فقط بأوس! هل هذا صحيح؟! وإنما نقول ماذا؟
نقول: هذا الحكم عام، يشمل خولة ويشمل أوس ويشمل كل من وقع في هذا الحكم، أليس كذلك؟ وهذه ستأتي معنا في قاعدة الآن مهمة، وهي "العبرة في عموم اللفظ وليست بخصوص السبب"، لكن لا شك أن السبب الذي نزلت من أجله الآيات يدخل دخولاً أوليًّا؛ لأنه هو السبب المباشر، يعني هو على رأس القائمة، قصة أوس وزوجته، ولكن يدخل فيها كل من وقع في هذا بعد ذلك.
إذن من فوائد معرفة سبب النزول أيضًا أن نقول: أنها معرفة مَن نزلت فيه الآيات.
أيضًا الإعانة على فهم الآيات، كيف الإعانة على فهم الآيات؟ ليس هذا في حال، يعني ليست كل أسباب النزول تؤثر في فهم الآية، لكن بعض أسباب النزول لا يمكن أنك تفهم الآيات إلا بمعرفة سبب النزول، كيف ذلك؟
يعني مثلاً الآن في قوله -سبحانه وتعالى- ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: 1]، إلى آخر الآيات، افرض أننا لم نعرف سبب النزول؟ هل كان هذا سيؤثر في معنى الآيات؟ الجواب: لا، الآيات واضحة.. ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ ﴾ كذا وكذا..، ثم يقول ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾ [الأنفال: 41]، تستطيع تُقسم وتفهم الآيات من دون أن تعرف سبب النزول، لكن هناك من الآيات ما لا يمكنك أن تعرف معناها بدقة إلا إذا عرفت سبب النزول، فهذا الذي يصح فيها أن نقول: الإعانة على فهم الآيات.
أضرب لكم مثالاً: في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158]، الآيات تدل.. ظاهر الآية يقول: أن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر، الذي يذهب إلى الحج أو يذهب للعمرة لا جناح عليه أن يسعى بين الصفا والمروة، لا جناح عليك، يعني مثلاً الآن أقول: أن تذهب تعتمر يا عبد الحميد، لا جُناح عليك أن تطوف بالكعبة، كيف لا جناح عليه أن يطوف بالكعبة؟!
أصلاً هذا ركن من أركان العمرة، يجب عليَّ أن أطوف، كيف تقول: لا جناح علي أن أطوف؟! المفروض أن تقول: فيجب عليك أن تطوف، فالصحابة بعضهم استغربوا، ما التعبير هذا ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾، وكانوا يتوقعون: فليطوَّف بهما. فسألوا عائشة -رضي الله عنها- قالوا: كيف تكون ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾؟ يعني وكأنهم يقولون: المفروض أن يقول: بل عليه جناح إن لم يطوَّف بهما، لأنك إن لم تطف بين الصفا والمروة فما لك عمرة، ركن من أركان العمرة، فأجابت بسبب النزول الذي وضح معنى الآية، ماذا قالت؟
قالت: إن العرب في الجاهلية كان لهم صنمان، عند الصفا صنم، وعند المروة صنم، صنم يسمى إيساف، وصنم يسمى نائلة، وكان إيساف ونائلة رجلا وامرأةً في الجاهلية فاجرين، فمسخها الله أصنامًا، كما يقولون في الأسطورة -إن صح التعبير- فالناس تعودوا في الجاهلية يرون صنم إيساف موجودًا وصنم نائلة موجودًا عند الصفا والمروة.

كازانوفا
24-10-2013, 07:40 AM
فلما أسلموا وجاء الله بالإسلام، ما زال في نفوسهم حرج، كيف يسعون بين الصفا والمروة وفيها الأصنام، التي كانت أصنام موجودة؟! فنزلتِ الآية لتنفيَ من نفوسهم الحرج، فكأن الله يقول: الصفا والمروة موجودة من قبل هذه الأصنام التي أحدثها الناس، ونحن الآن أزلنا الأصنام، فزال هذا المحظور ويبقى للمكان قدسيته وجلالته.
وهذا فيه فائدة مهمة جدًّا أن الأشياء المشروعة والأماكن المشروعة والمقدسة لا يضرها ما يحدثه الناس فيها من المحرمات، فمثلاً: في مكة -مثلاً- النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف، كان يطوف -عليه الصلاة والسلام- في الحرم والأصنام في الحرم عند الكعبة، وهو جلس في مكة -عليه الصلاة والسلام- كم سنة قبل أن يهاج؟ ثلاث عشرة سنة، يعني ثلاث عشرة سنة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يطوف حول الكعبة والأصنام حولها، كم صنمًا يا حمد، تذكر؟ حوالي ثلاثمائة وستين صنمًا، تخيل الآن، رأيت المكان الذي فيه مقام إبراهيم والمناطق، كانت كلها أصنام.
لاحظ يعني أصنام في أقدس بقعة على وجه الأرض، فهل توقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الطواف؟ وقال: والله هذه الأصنام أنا ما أود أطوف حولها؟! لا.. النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف، كان يطوف حول الكعبة، ما يطوف حول الأصنام، فلما تمكن -عليه الصلاة والسلام- يوم فتح مكة من إزالة هذه الأصنام؛ أزالها كلها، ورجع للمكان قدسيته وحرمته ولم يتأثر بها، فكذلك الصفا والمروة، هذه الأصنام لم تؤثرْ في قدسيتها، وإنما هي مما أحدثه المشركون، فأزالها النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجعت الأمور كما كانت، لو لم تعرفْ سبب النزول لأشكل عليك معنى هذه الآية.
آية أخرى أشد غموضًا لولا معرفة سبب النزول ما عرفنا معناها، وهي قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: 189]، المفسرون اختلفوا في قوله: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾، قالوا: ما معنى أن تأتي البيت من ظهره؟ هل المقصود أن تأتي البيوت من أبوابها يعني أن تأتي الأمور من مداخلها الصحيحة، فمثلاً على سبيل المثال: أنت الآن تريد مثلاً -على سبيل المثال- أن تخطب امرأة، فما هو المدخل الصحيح للخطبة؟ أليس المدخل الصحيح أن تذهب إلى وليّ أمرها فتخطبها منه؟ صح؟ هذا المدخل الصحيح.
أما أنك تأتي البيت من ظهره، أن تذهب بطريقة ملتوية، تتصل مباشرة بالمخطوبة، أو.. إلى آخره؛ هذا يدخل تحت المعنى العام للآية، أنك تأتي للبيت من ظهره أو تدخل البيت من بابه، ويمكن أن يدخل فيها دخولا مباشرًا المعنى العام، أن تأتي البيت، إذا دخلت إلى بيتك أن مع الباب، ولا تدخل بسلم من خلفه مثلاً أو تدخل إلى بيوت الناس من غير أبوابها، ولها معان أخرى ذكرها المفسرون.
طيب.. وما المعنى الصحيح؟ المعنى الصحيح: هو ما بينه سبب النزول، ما هو سبب النزول: قال المفسرون: كان الأنصار والعرب في الجاهلية، أو بعض العرب في الجاهلية حتى لا نعمم كانوا يرون أنهم إذا حجوا إلى بيت الله الحرام، ثم رجعوا من الحج، فإنهم لا يدخلون بيوتهم من الأبواب، أبواب المنازل، وإنما يثقبون فتحة في ظاهر البيت ثم يدخلون معها، ويرون أن هذا يدل على أنهم قد خرجوا من ذنوبهم وفتحوا صفحة جديدة -إن صح التعبير- طبعًا هذا الاعتقاد صحيح؟ لا.. ليس بصحيح، وليس له أي قيمة.
فالله -سبحانه وتعالى- قال ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ﴾ [البقرة: 189]، وتجلسون تفتحون البيوت من الخلف وترون أن هذا من البر، ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ [البقرة: 189]، اتركوا عنكم هذه الاعتقادات الجاهلية.
إذن: هذا سبب النزول كشف لنا المعنى الصحيح للآية، ولولا معرفة سبب النزول ما عرفنا المعنى المباشر والصحيح للآية، واضح يا شباب؟ عندك سؤال يا حمد؟
طيب.. إذن هذا من فوائد معرفة سبب النزول، الإعانة على فهم الآية، وقلت لكم أنه ليس كل سبب نزول يتحقق فيه هذا المعنى، بعض أسباب النزول لا تنكشف الآية إلى بمعرفته، ولذلك هم يقولون: ومعرفة سبب النزول تعين على فهم الآية، وهذا من أصول التفسير، وهذا من أصول التفسير المهمة.
طيب.. تيسير الحفظ وتثبيته، كما ذكرت لكم الآن هذه القصص عندما تتذكر الآن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب على الصفا ونزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ وأنت تحفظ سوف تعينك القصة عل تذكر السورة وعلى معانيها وكذا، وكذلك الأنفال عندما تتذكر قصة الأنفال وتقسيمها والإشكال الذي حصل، فتثبت في ذهنك فيقول هي تيسير حفظ القرآن الكريم لا شك أنه من فوائد معرفة أسباب النزول.
طيب.. يأتينا الآن مسألة أيضًا من مسائل.. وهي معرفة أسباب النزول، كيف نعرف سبب النزول؟
العلماء يقولون إن له طريقتين، وفي الحقيقة أنها طريقة واحدة ولكن يعني الرواية أو السماع، السماع يصح في عهد الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأن سبب النزول مرتبطٌ بنزول القرآن، أليس كذلك؟ طيب.. الذين رووا لنا قصة نزول سورة المسد، رووا شيئًا شاهدوه، صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا، فقال وقال وقال، فنزل قول الله تعالى كذا وكذا..
النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يثبت عنه في كتب السنة أنه قال: نزلت هذا الآية، أو نزلت هذه السورة في كذا وكذا، ما فيه.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر سبب نزول لشيء من الآيات، كل الذين ذكروا سبب نزول هم الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأنهم هم الذين كانوا معاصرين لنزول القرآن، وشهدوا الوقائع والأحداث ونقلوها لمن يعدهم، ولذلك نحن لا نقبل سبب النزول إلا منهم، من الصحابة فقط.
الصحابة قد يكون بعضهم شاهد مباشرة، روى بنفسه، وقد يكون سمعها من أحد الصحابة -رضي الله عنهم-، ولذلك نحن نقول: أن طريق معرفة سبب النزول هي الرواية فقط، الرواية، فلا يمكن يأتي واحد الآن عام 1433 ويقول أنا فكرت في الآيات الفلانية فتبين لي أن سبب نزولها كذا وكذا، أين وجدت هذا السبب؟ يقول: والله من عقلي، فكرت وتبين لي أن هذا سبب النزول، ماذا تقول له يا حمد؟ تقول له: جزاك الله خير، وعقلك هذا لا مدخل له في هذا الموضوع.
هل تستطيعون يا شباب الآن أن تقولوا: والله وقعت معركة بين المسلمين وبين النصارى بالعقل.. تستطيعون أن تقولون هذا بالعقل أم لا بد أن يكون التاريخ يحدثنا بهذا؟ أليس كذلك؟ فالأشياء التاريخية مثل أسباب النزول هي مسألة تاريخية نزلت هذه القصة في كذا، عائشة -رضي الله عنها- عندما ذكرت لنا قصة خولة، وقالت إني كنت في بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءت خولة وهي تبكي، وتقول يا رسول الله كذا وكذا وكذا وكذا..
وقالت أيضًا في رواية أخرى: «سبحان من وسع سمعه الأصوات، والله إني لفي البيت» يعني جالسة هي وخولة والرسول -صلى الله عليه وسلم- في غرفة واحدة «وإني أسمع بعض كلام خولة وبعض الكلام ما أسمعه» ويبدو أنها كانت تتكلم بصوت خفيف بينها وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، فينزل قول الله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ [المجادلة: 1] سبحان الله!! عائشة قالت: سبحان الله! سمع كل كلامها وأنا جانبها ما سمعت بعضه.
وبالمناسبة قصة طريفة وقعت لعمر -رضي الله عنه- كان عمر -رضي الله عنه- ومعه كبار من الصحابة، وبعضهم ما كان يعرف خولة -رضي الله عنها- وكانت امرأة كبيرة في السن، فلما مر -رضي الله عنه- بخولة استوقفته، نادت عمر، فوقفت معه تحدثه، فبعض الصحابة يعني.. وبعضهم ما يعرفونها، استنكروا، يعني أوقفت الناس كلها، من هي هذه العجوز، فقال: هذه والله لو استوقفتني إلى الغد -أو كلمة نحوها- ما قطعت حديثها، هذه التي سمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، التي نزل فيها: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: 1]، أرأيتم يا شباب؟
فالشاهد أن الآن معرفة معرفة سبب النزول مرتبطة بماذا؟ بالرواية، لا بد أن يصح عندنا أن هذا سبب النزول صحيح حتى نقول به، إذا كان غير صحيح لا نقول إن سبب نزول هذه الآية كذا أبدًا، ونتركها من السبب الأول، أو من النوع الأول الذي نزل ابتداءً؛ لأنه ليس بالضرورة أن تكون كل آية في القرآن الكريم نزلت من أجل سبب خاص، وهذا معظم آيات القرآن الكريم نزلت بدون سبب مباشر، واضح يا عبد الحميد؟
طيب.. الحمد لله، طيب.. نأتي الآن إلى صورة عناية العلماء بأسباب النزول.
العلماء -رحمهم الله- اعتنوا بموضوع أسباب النزول، وقلت لكم كلمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال كلمة جميلة، قال: "والله ما من آية في كتاب الله إلا وأعلم أين نزلت -المكان- ومتى نزلت -الزمان- وفيمن نزلت -سبب النزول-"، هذا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنا أكرر دائمًا أنا أحب هذا الصحابي الجليل، وأحب كل الصحابة -رضي الله عنهم-، وهذا من ديننا، جزء من ديننا.
لكن عبد الله بن مسعود أحبه محبة خاصة لأنه كان أعلم الصحابة بالتفسير بدون منازع -رضي الله عنه- وقد توفي مبكرًا في سنة 32 من الهجرة، وإلا فهو أعلم الصحابة بكتاب الله، بأسباب النزول، بمواضع النزول، بقراءاته، بحروفه -رضوان الله عليه-.
وكان ملازمًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وما كان أحد من الصحابة يعارضه في قوله أنه أعلم الصحابة، ولذلك قال: "والله لو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لرحلت إليه".
يقول: لو أعرف واحد أقدر أوصل له بالإبل أو بأي طريقة لرحلت إليه، ولذلك عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في عهد عمر بن الخطاب أرسله إلى الكوفة؛ لكي يعلم الناس القرآن، ولذلك قراء الكوفة كلهم تلاميذ عبد الله بن مسعود، فعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- بقي في الكوفة حتى توفي -رحمه الله- هناك.
وجاء الحجاج من الكوفة في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين عندنا رجل في الكوفة، يقول: "سلوني عما شئتم من كتاب الله، فوالله لو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله لرحلت إليه"، طبعًا هذه دعوى عريضة، صح؟ من هو الذي يقدر أن يقول الكلام هذا، فعمر -رضي الله عنه- غضب، فقال: من هذا الذي يقول هذا الكلام؟ فقال الرجل: عبد الله بن مسعود، قال: أما عبد الله فنعم، أما عبد الله فنعم. هو رقم واحد.
فنحن نقول: عبد الله -رضي الله عنه- عبد الله بن مسعود كان مهتمًا بموضوع أسباب النزول، ونُقل عنه بعض آثار أسباب النزول، ولكن لم يُنقل عنه هذا العلم الذي ذكره، يعني يقول: "ولا آية من كتاب الله إلا وأعرف فيمن نزلت"، فهذا يدل على أن علم أسباب النزول كان أوسع من هذا الذي نُقل إلينا، إلا إن كان يقصد عبد الله بن مسعود يعني فيما نزلت سببًا عامًا وسببًا خاصًا، قلنا إن السبب العام في نزول القرآن الكريم هو هداية الناس إلى الخير.
إذن نقول من صور عناية العلماء -رحمهم الله- بأسباب النزول: الإفراد بباب مستقل في علوم القرآن، تذكرون ما ذكرنا بعض الكتب الرئيسية في علوم القرآن، فقلنا منها كتاب: "الإتقان في علوم القرآن"، "البرهان في علوم القرآن"، "الزيادة والإحسان في علوم القرآن"، "فنون الأفنان في علوم القرآن"، كل هذه الكتب التي في علوم القرآن أفردت بابا خاصًّا، بموضوعنا الذي نتحدث عنه، وهو أسباب النزول، وهذا من دليل عنايتهم واهتمامهم بموضوع أسباب النزول.
أيضًا إيراد أسباب النزول في التفاسير، لا تأتي آية من الآيات التي لها سبب نزول في القرآن الكريم -سبب خاص يعني- إلا ويذكرها المفسرون، ابن جرير الطبري يعتني كثيرًا بأسباب النزول في كتابه التفسير، الواحدي في تفاسيره الثلاثة يعتني بأسباب النزول، والواحدي له ثلاثة تفاسير: البسيط والوجيز والوسيط، ابن عطية يعتني بهذا في تفسيره المحرر الوجيز، ابن كثير -رحمه الله- في تفسير ابن كثير أيضًا اعتنى بأسباب النزول، كل المفسرين إلا من كانت تفاسيرهم مختصرة، ففي العادة ربما لا يذكرون السبب بكثرة، لكن معظم التفاسير تعتني بأسباب النزول، وخاصة أسباب النزول التي لا يمكن أن تفهم الآية إلا بها، فهذه كلهم يذكرونها، ومن أغفلها منهم فهذا من تقصيره.
أيضًا من صور عنايتهم بأسباب النزول: إفراد مؤلفات مستقلة فيها، وهذا قديم أيضًا عند العلماء، فمن أول من صنف في أسباب النزول قديمًا: علي بن المديني، شيخ الإمام البخاري -رحمه الله- ألَّف كتابًا سماه "أسباب النزول"، وأيضًا منهم، ومن أشهرهم الإمام الواحدي -رحمه الله-، هو علي بن أحمد الواحدي، متى تُوفي الواحدي -رحمه الله- ؟ توفي سنة468 هجرية، متقدم، جاء بعده الإمام الجعبري -رحمه الله- وألف كتابًا في أسباب النزول، ماذا فعل؟ أخذ كتاب الواحدي وحذف الأسانيد، وسماه "أسباب النزول للجعبري".
جاء بعده الإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- وألف كتابًا رائًع جدًا، اسمه "العجاب في بيان الأسباب" هذا رائع جدًا، كان مفقودًا ثم عُثر عليه الحمد لله مؤخرًا، أو على الجزء الذي كتبه منه، لأنه لم يُكمله ابن حجر العسقلاني، فحققه زميلنا وصديقنا الدكتور عبد الحكيم الأنيس، وهذا كتاب أنصح به كل طالب علم يهتم بالقرآن وعلومه، يشتري الكتاب، عنوانه "العجاب في بيان الأسباب" طُبع في مجلدين، الجزء الموجود منه تكلم في مقدمته بكلام رائع جدًا عن أسانيد التفسير وتعريف سباب النزول، وإلى آخره. طبعًا الإمام ابن حجر العسقلاني معروف صاحب كتاب "الفتح الباري" في شرح صحيح البخاري، وغيرها من الكتب الرائعة.

كازانوفا
24-10-2013, 07:41 AM
أيضًا من أشهر كتب أسباب النزول كتاب اسمه "لباب النقول في أسباب النزول"، للإمام السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي -رحمه الله- تُوفي سنة 911، السيوطي صاحب كتاب "الإتقان في علوم القرآن"، أيضًا أضاف على الواحدي بعض الإضافات البسيطة، واستدرك عليه بعض الأشياء التي يرى أنها ليست من أسباب النزول، مثل سورة الفيل -كما قلت لكم-، سورة الفيل، قال الواحدي: أن سبب نزولها قصة الفيل، قال السيوطي: لا ما هو بصحيح، سبب نزولها ليست قصة الفيل، قصة الفيل متقدمة على النزولِ بأكثر من 45 سنة أو أكثر، لكن نقول أنها نزلت في حادثة الفيل ونقصد بها أنها تذكر قصة أصحاب الفيل وليس معناه أنها سبب نزول مباشر.
إذن: هذه من صور عناية العلماء بها، إفراد أسباب... أنا أريد أن ادخل بكم يا شباب..، هناك بعض زملائنا المعاصرين مثل الدكتور خالدي المزيني -حفظه الله- هو زميلنا في جامعة القصيم، له كتاب ثمين جدًّا أنصحكم به اسمه: المحرر في أسباب نزول القرآن الكريم، المحرر في أسباب نزول القرآن الكريم من خلال الكتب التسعة، في مجلدين وطبعته دار ابن الجوزي، أنا أنصح الباحثين وطلاب العلم أن يَشتروا هذا الكتاب ويقرؤوه؛ لأنه مهم جدًّا، يعني هو من أفضل ما كتب في أسباب النزول من الكتب المعاصرة، وهو مرجع مهم جدًّا لكل باحث وكل طالب علم في موضوع سباب النزول، إذن هذا الموضوع الذي أردنا أن نتحدث عنه.
الآن نأتي إلى مسألة أو محور من محاور الدرس وبقي معنا ربما وقت قصير من المحاضرة، عندكم أسئلة يا شباب فيما مر معنا؟ عند سؤال يا حمد؟
{قد يكون السؤال يعني في الكتب التي يبتدئ بها طالب العلم في علوم القرآن، يعني هل من تدرج في ذلك؟}
الشيخ:
والله يا حبيبي هناك كتب كثيرة الحمد لله الآن في علوم القرآن كثيرة جدًّا الحمد لله يعني، هذا الآن خاصة في المعاصرين كتبوا كتابات كثيرة، هناك كتاب: "مباحث في علوم القرآن" لشيخنا مناع القطان، كتاب جيد، وهناك اختصار له اسمه "الوجيز في علوم القرآن" للأخ مشعل الحداري، أخذ لب ما في كتاب الشيخ مناع القطان، وهو مطبوع في دار غراس في الكويت، ملخص مركز.
أيضًا من الكتب الجيدة في موضوع علوم القرآن المختصرة كتاب: "المحرر في علوم القرآن" للدكتور مساعد الطيار، أيضًا هو كتاب مختصر ومركز، وإن كان يستفيد منه طلبة العلم المتوسطون والمتقدمون.
هناك كتاب أيضًا: "علوم القرآن وإعجازه" للدكتور عدنان زرزور، أيضًا كتاب قيم في هذا.
هناك كتاب: "محاضرات في علوم القرآن" للدكتور غانم قدور الحمد، كتاب قيم أيضًا.
وهناك كتاب لكنه لم ينتهِ من الطباعة بعد أنا ألفته: "الميسر في علوم القرآن" أنا راعيت فيه أن يكون مناسبًا للمتوسطين والمبتدئين، وأرجو إن شاء الله أن يخرج ويستفيد منه -إن شاء الله- الباحثون، ونعطيكم هدية منه يا حمد إن شاء الله، أنت والشباب بإذن الله.
نأتي يا شباب إلى طرق الاستفادة من معرفة سبب النزول في التعلم، الآن نحن في محاضرة الآن، أنتم تستمعون إليها ومعنا عدد من الشباب والأخوات يتابعوننا من وراء الشاشة.
نقول: الآن يمكن أن نستفيد من أسباب النزول في موضوع الربط بين المعلومات، الآن الربط بين المعلومات مهم جدًا في التعلم، عندما يعرفون أسباب النزول وارتباطها بالآيات.
مثلاً: الغنائم الآن، عندما نعرف أنه قبل قصة الأنفال وقصة معركة بدر ما كان هناك مسألة، ما كان هناك حاجة أصلا للحديث عن غنائم ولا شيء؛ لأنه لا يوجد أصلا حرب انتصر فيها المسلمون وغنموا من أعدائهم، فلما وقعت هذه المعركة ووجدت الغنائم احتاج الناس للسؤال فنزلت الآيات.
الآن عندما يحفظ الطلاب هذه السورة ويعرفون سبب النزول ترتبط هذه المعلومة بالحفظ، الآن أتحدى أي واحد منكم يا شباب بعد اليوم لما يقرأ سورة الأنفال إلا ويتذكر هذه القصة، صح؟ يتذكر ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ﴾ مباشرة يرتبط في ذهنه سؤال الصحابة والقصة والاختلاف إلى آخره، فهذه تفيد في ربط المعلومات أيضًا.
إثارة انتباه الطلاب أيضًا هي مفيدة في هذا، يمكن الاستفادة منها في الدروس، الآن أنت يا عبد الحميد الآن أنت وحمد والشباب، لما يكون الواحد منكم مدرسًا -إن شاء الله-، ويبدأ يُدرس الطلاب، إثارة انتباه الطلاب، هذا مهم جدًّا للأستاذ، فمثلاً: تأتي وتقول: في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: 224]. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الشعراء: 227]، ما سبب نزول هذه الآية؟ سؤال مثلا، أريد من خلال هذا السؤال أن أثير انتباهكم فيه، فتقول: والله أنا ما أعرف صراحة، والله أنا ما أتذكر، واحد يقولك حادثة، واحد يقول لك: يمكن في حسان بن ثابت، واحد يقول: يمكن في كعب بن زهير مثلا، فتقول أنت: هذه الآيات ليست في شخص بعينه يعني، هذا مفيد جدًا، السؤال والحديث عنه وربطه بمثل هذه القصص مفيد في إثارة انتباه الطلاب أيضًا.
بقيت تكوين قاعدة: الانطلاق من معلومة إلى أخرى.
أيضًا هذه طبعًا مَن وضع مثل هذه العبارات رجل تربوي، فهو يريد أن يفكر في سبب النزول كيف يمكن الاستفادة منه تربويًّا، وأرجو أن تكون أيضًا هذه المعلومة جيدة في قضية أنك عندما تشرح مثلاً سبب النزول، ثم تنطلق منه لبيان معاني الآيات يكون عندك قاعدة جميلة قصصية تنطلق منها لفهم للآية، وهذه جيدة طبعًا في الأسلوب التربوي؛ لأنك..، يمل الطلاب، يعني الآن..، كم ونحن نتكلم الآن؟ 40 دقيقة ربما، صح؟ وهذا شيء ممل، وأنا أتمنى أن يكون فيه تمارين ويكون فيه أشياء أثناء الحلقة حتى يكون فيه طرد للملل، لكن يعني هذا منهج الإخوة الذي وجهونا بالسير عليه..
وأرجو إن شاء الله أن نكون في هذه المحاضرة نجحنا في تعريف سبب النزول والمقصود به، وبيان أهم الكتب التي كُتبت فيه، وعناية العلماء به، وتعريفه، وكلام العلماء عن ذلك، وذكرنا بعض الأمثلة، وأعتقد أن الوقت يعني ما زال معنا فقط دقيقتان يمكن أن نشير فيها إلى مسألة وهي مسألة التابعي، عندما يروي التابعي سبب النزول.
نحن قلنا الآن الصحابة هم الطريق الوحيدة لمعرفة سبب النزول؛ لأنهم هم الذين شاهدوا نزول القرآن، فلما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطع النزول تمامًا، فعندما يأتي تابعي من التابعين ويقول: نزلت هذه السورة في كذا، فماذا نقول؟ نقول: ما أدراك؟ صح؟ رأيت بعينك؟ الجواب: لا، طيب.. سمعت من صحابي؟ فإن قال: نعم، فنقبل منه؛ لأنه سمع من صحابي، أما إذا لم يسمع من صحابي فلا نقبله؛ لأن هذه المسألة ليس فيها مدخل للاجتهاد والرأي.
وذكر العلماء ثلاثة شروط لقبول رواية التابعي لسبب النزول، قالوا:
الأول: أن تكون عبارته صريحة في السببية، وسوف نشرحها -إن شاء الله- في محاضرة خاصة، عندما نتحدث عن عبارات أسباب النزول.
-الثاني: وأن يكون التابعي من المفسرين الكبار الذين أخذوا عن الصحابة.
- والثالث: أن يكون.. أو يُعضد برواية تابعي آخر تتوافر فيه الشروط نفسها.
هذه ثلاثة شروط ذكروها، قالوا: أن يكون معروفًا بالتفسير، وأن يكون مؤيد برواية أخرى عن تابعي آخر، وأن يكون صريحًا في السببية.
الحقيقة مع تقديري للذين ذكروا هذه الشروط أنها ليست دقيقة؛ لأنها لا تتوافر هذه في كل الموضوع، لكن نحن نضع ضوابط عامة ونقول: لا نقبل رواية أي تابعي في أسباب النزول إلا إذا صرح بأنه أخذها من الصحابي، وأما ما سوى ذلك فإننا نعتبرها اجتهادًا منه، والاجتهاد في أسباب النزول غير مقبول؛ لأنه مبني على الرواية، وليس مبني على الدراية، فلا بد أن يكون مرتبط بحادثة رآها أو رواية سمعها من الصحابة -رضي الله عنهم- وأما مجرد أن يقال سبب النزول بالرأي فهذا غير مقبول.
وبقيت معنا مسألتان إن شاء الله لعلنا نؤجلها إلى الدرس القادم عندما نبدأ في الدرس نشير إن شاء الله إلى مسألة صيغ أسباب النزول وهذه مسألة مهمة جدًّا، وقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهي مرتبطة بأسباب النزول أيضًا، نؤجلها إلى بداية الحلقة القادمة، لعلكم إن شاء الله تذكرونني بها.
أشكركم على حسن استماعكم، كما أشكركم أيها الإخوة المشاهدون وراء الشاشة على إصغائكم واستماعكم، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعله عونًا لنا على فهم القرآن وتدبره، وأن يجعله من العلم النافع الذي يبقى لنا ولكم إن شاء الله.، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كازانوفا
27-10-2013, 09:14 AM
الدرس السادس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم علوم القرآن، وفي مقرر علوم القرآن في دروس الأكاديمية العلمية، وحياكم الله أيها الإخوة في الاستوديو وأسأل الله لكم التوفيق.
كنا في المحاضرة الماضية تحدثنا عن أسباب نزول القرآن الكريم، وقلنا في تعريف سبب النزول أنه: ما نزل القرآن الكريم بشأنه وقتَ نزوله كحادثة أو سؤال.
وتذكرون أننا تحدثنا عن فوائد معرفة أسباب النزول كيف يمكن أن نعرفها، وقلنا: إنها مقتصرة على الرواية، ولا مدخلَ للعقل والاستنباط، والاجتهاد في معرفة سبب النزول.
وبقي مسألة مهمة جدًّا وهي مسألة الصيغة التي تُرد بها روايات أسباب النزول في كتب التفسير، وفي كتب علوم القرآن، وهذه مسألة مهمة.
العلماء يقسمونها إلى قسمين: صيغ صريحة في السببية، وصيغة غير صريحة في السببية.
والعلماء يقولون كلمة، يقولون: إن الاجتهاد لا يدخل في أسباب النزول، فنقول: هذا صحيح، ما دام المقصود به الرواية، جانب الراوية، أما إذا كان المقصودُ بسبب النزول التفسير، فيدخل فيه الاجتهاد، وأنا أشرحُ لكم الفكرة، فمثلا: نقول: صيغ النزول قسمين: صيغ صريحة، وصيغ غير صريحة في السببية.
الصيغ الصريحة هي التي تصرح بالسببية، مثل ماذا؟ مثل أن يأتي قائل فيقول: أنها وقعت حادثة صعود النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا، فقال أبو لهب: "تبًّا لك، ألهذا جمعتنا"، فنزل قول الله تعالى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1]، فنزلت: هذه صيغة ماذا؟ صريحة.
أو يقول: جاءت خولة بنت ثعلبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله عن زوجها أوس بن الصامت ومظاهرته منها، فنزل قول الله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ [المجادلة: 1]، نقول: هذه صيغة صريحة في السببية، وهذا سبب صحيح وصريح في لنزول هذه الآية.
لكن عندما يقول عبد الله بن مسعود مثلا: نزلت -انظر- نزل قول الله تعالى: ﴿ وَيلٌ لّلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [المطففين: 1] فيمن يختلس في صلاته، كيف؟ يعني الرجل الذي يأتي فيصلي صلاة سريعة ينقرها نقرا هذا مطفف، غشاش، مع أن الآية ليست مباشرة فيها، الله يقول: ﴿وَيلٌ لّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين1-3]، يتكلم عن المطففين في المكاييل والموازين.
ولكن ابن مسعود يرى أن الذي يغش في صلاته ويختلس الصلاة يعتبر مطفف، فهو يدخل في معنى التطفيف، فيقول: نزلت هذه الآية في المطفف.
أو مثلا شيء أشد وضوحا من هذا، عندما يقول بعض المفسرين أو بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أو بعض التابعين: نزلت هذه الآية في الخوارج. الخوارج أصلا مما ظهروا إلا في عهد الصحابة بعد انقطاع الوحي، فليس معنى الآية.. فمعنى كلام الصحابي أو التابعي أن سبب نزولها الخوارج، وإنما المقصود أنهم يدخلون في معنى الآية، فهذا يدخل في باب التفسير، عندما يقول: نزلت هذه الآية في كذا، فهذا ليس من الصيغ الصريحة المباشرة وإنما هو من الصيغ غير الصريحة، والمقصود به غالبا التفسير يعني أن هذا الخوارج أو الغشاش في صلاته أو المختلس في صلاته يدخل في معنى هذه الآية، فالمقصود بها التفسير.
ولذلك نحن نقول: إذا كانت الصيغة صريحة فلا يدخل الاجتهاد في سبب النزول فعلا، أما إذا كانت الصيغة غير صريحة وغير مباشرة والمقصود بها التفسير فإنه يدخل الاجتهاد في أسباب النزول في هذا المعنى، هذه مسألة مهمة نريد أن ننتهي منها.
المسألة الثانية التي أريد أن أشير إليها فيما يتعلق بأسباب النزول، هي مسألة، أو قاعدة مهمة جدا يقولها العلماء دائما: هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟
هذه فيها خلاف بين العلماء، منهم من يقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومنهم من يقول: العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظِ، والصحيح أن العبرة في الغالب هي بعموم اللفظ وليست بخصوص السبب؛ لأنَّ القرآن الكريم نزل لهداية الناس أجمعين، ولم يأت لخولة بنت ثعلبة أو أوس بن الصامت أو عائشة -رضي الله عنها-، لا.. إنما نزل للأمة كافة وللناس أجمعين، ولكن كانت هذه الحادث أو هذا السبب هو الشرارة التي انطلقت بسببها هذه الآية أو هذا الحكم، وأصبح عاما للناس جميعا.
فنقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، في كثير منها، لكن صفة السبب أو صورة السبب تدخل دخولا أوليًّا، فمثلا: في قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [المجادلة: 3]، إلى آخره، تدخل فيه خولة، أليس كذلك؟ ويدخل فيه أوس بن الصامت دخولا أوليًّا؛ لأنه هو كان السبب المباشر للنزول، ويدخل فيه كل من وقع في هذا الحدث بعد ذلك.
بعض الآيات نقول: العبرة فيها بخصوص السبب وليس لعموم اللفظ، مثال ذلك: يقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 188]، الآية ظاهرها خطير، أن الله -سبحانه وتعالى- يهدد ويتوعد بالعذاب كل من يحب أن يحمد ويشكر ويثنى عليه من الناس بأمر لم يفعله.
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ﴾ يعني بأعمالهم التي أتوها، ﴿ وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ﴾، سيقعون في العذاب لا محالة، فقال مروان بن محمد أو ابن الحكم يوما: "لئن كان كل من فرح بما أتى سيعذب لنعذبن أجمعين"، فلن ينجو أحد من العذاب؛ لأن كل واحد منا إذا عمل عملا يفرح به، فلما سمع ابن عباس بقوله هذا قال: "ليس هذا هو المقصود، وإنما هذه الآية نزلتْ في اليهود"، فقصرها على سبب خاص، وليست لعموم من يدل عليه لفظها.
فإذن نحن نقول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، في معظم الأسباب، ولكن هناك بعض الأسباب هي العبرة بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ. واضحة هذه يا شباب؟
طيب.. نكتفي الآن وننتهي من موضع أسباب النزول، وندخل اليوم في درس المكي والمدني.
المكي والمدني من الموضوعات المهمة التي تكلم عنها أصحاب علوم القرآن الكريم، وطبعا أول ما تسمع الموضوع هذا تتذكر مكة والمدينة، صح؟ لأن المكي نسبة إلى مكة، والمدني نسبة إلى المدينة. صح؟
فما هو المقصود بالمكي والمدني؟
هناك.. أول شيء التعريف، دعونا نتحدث عن تعريفه، ثم نأتي إلى صور من عناية العلماء به.
للعلماء في تعريف المكي والمدني ثلاثة اصطلاحات أو ثلاثة مذاهب:
- المذهب الأول -وهو الصحيح والراجح: أن المكي ما نزل قبل الهجرة، قبل الهجرة إلى المدينة المنورة، ما نزل قبلها يُسمى مكيًّا، بغض النظر عن المكان الذي نزل فيه، يعني آيات مثلا نزلت في الطائف قبل الهجرة مكية، آيات نزلت قبل الهجرة في عرفات مكية، نزلت في مكة مكية طبعا، لكنك لما تتأمل فيها تجد أن معظم الآيات التي نزلت قبل الهجرة نزلت في مكة أصلا، لكن هناك بعضها نزل خارج مكة.
وما نزل يعد الهجرة يسمى مدنيا، ولو نزل في غير المدينة، الذي نزل في تبوك نسميه مدنيًّا، الذي نزل في مكة بعد الهجرة -لاحظوا-، شيء نزل بعد الهجرة في مكة نسميه مدنيًّا، مثل قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 3]، هذه بالإجماع نزلت في حجة الوداع في مكة، وبالرغم من ذلك نسميها: مدنيا؛ لأنها نزلت بعد الهجرة.
إذن نقول: التعريف الأول للمكي والمدني اعتبر موضوع ماذا؟ الزمن، زمن النزول، فقال: ما كان قبل الهجرة مكي، ما كان بعد الهجرة مدني، يتكلم عن الزمن.
النقطة الثانية أو التعريف الثاني، أو المذهب الثاني: قالوا: لا .. نحن لا ننظر إلى الزمان، إذن إلى ماذا تنظرون؟ قالوا: ننظر إلى المكان، فما نزل في مكة نسميه مكيا، وما نزل في المدينة نسميه مدني.
طيب.. فيه نقطة، ما نزل في الطائف، ماذا تسمونه، قالوا: هذه مشكلة! طيب ما نزل في تبوك، ما تسمونه؟ تبوكيا؟! طائفيًّا؟! ما في القرآن الكريم لا تبوكي ولا طائفي، ما تكلم بها العلماء، مع أنهم لو قالوا بذلك كافيه مشكلة، يصير القرآن فيه تبوكي وطائفي ومكي ومدني ما فيه شيء، تقول: هذه آية تبوكية، هذه آية طائفية، مكية، لا توجد فيه مشكلة، لكن العلماء لم يستخدموا هذا الاصطلاح، مصطلح المكان، لم يعتمدوه، فقالوا: ما نزل في مكة يسمى مكيا، طيب الذي نزل في ضواحيها؟ قالوا: ما نزل في ضواحي مكة نلحقه بالمكي، والذي بالمدينة نسميه مدني، وما نزل بضواحي المدينة أو أقربها مثل تبوك، نلحقها بالمدني، هذا التعريف الثاني.
التعريف الثالث يعني أشد غرابة من الثاني، مع العلم أن التعريف الثاني هو الذي يتبادر إليه الذهن عندما تقول مكي ومدني؛ لأنها منسوبة للمكان الذي نزلت فيه، مكة والمدينة.

كازانوفا
27-10-2013, 09:15 AM
التعريف الثالث قالوا: نحن نعرف المكي والمدني باعتبار المخاطب، فما كان خطابًا لأهل مكة نسميه مكيًّا، وما كان خطابًا لأهل المدينة نسميه مدنيا، أيضا هناك مشكلة في التعريف هذا، طيب كيف تعرفون الذي هو خطاب لأهل مكة؟ فقالوا: والله مشكلة صح! كيف تعرفونه؟
قالوا: نحن نعرفه بطريقة، إذا كان ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فهو خطاب لأهل مكة؛ لأنَّ الخاطب لأهل مكة في الغالب كانوا أكثرهم مشركين فجاء الخطاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، طيب والمدينة؟ قالوا: المدينة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، طيب هل القرآن كله فيه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾؟ طيب في سور من القرآن الكريم ما فيها ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ ولا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، يعني ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾، ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، ما فيها ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ ولا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؟! قالوا: والله مشكلة صح!
هذا تعريف ضعيف، هو أضعف التعريفات، ولذلك لا تعتمدوه، واعتمدوا التعريف الأول، التعريف الأول هو الذي يقول: أن المكي ما نزل قبل الهجرة، ولو نزل في غير مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو نزل في غير المدينة، هو التعريف المنضبط، وهو الذي أخذت به كل كتب التفسير وكتب علوم القرآن.
والقول الثاني وهو الذي يقول: المكي هو ما نزل في مكة، والمدني ما نزل في المدينة، يعني له حظ كبير من النظر، ولو دققنا في الآيات التي قيل فيها مكي ومدني لوجدنا أن ربما 98% من الآيات التي نزلت قبل الهجرة نزلت في مكة، وربما 98% من الآيات التي نزلت بعد الهجرة نزلت في المدينة أيضًا، فالجمع فيها.. نجمع بين القولين، تكون نزلت قبل الهجرة ونزلت في مكة، فهي موافقة من حيث الزمان ومن حيث المكان للتعريف، وأيضا في المدينة، تكون نزلت في المدينة بعد الهجرة، أيضا هي موافقة، وهناك آيات قليلة خرجت عن هذا، فنزلت بعد الهجرة في مكة، أما أنها نزلت قبل الهجرة في المدينة لا يوجد؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر نزل عليه في المدينة، لكن قبل الهجرة ما ذهب للمدينة أصلا ولا سافر للمدينة، واضح يا شباب؟ انتهينا من موضوع التعريف. وما الراجح الذي قلناه؟ الأول الذي يعتبر الزمان، وهذا هو الذي عليه الكلام فاعتنوا به.
صور عناية العلماء بالمكي والمدني. كيف اعتنى العلماء بموضوع المكي والمدني؟
اعتنوا به بإِفراده بالتأليف، نفس الفكرة، أفردوا كتبًا عن المكي والمدني، وأيضًا من صور عنايتهم بذلك أنهم تكلموا عن المكي والمدني في كُتب التفسير، فيذكرون سبب النزول، ويذكرون مكان النزول، ويقولون نزل في مكة، نزل في كذا، نزل في كذا، لا يكادون يذكرون آية من الآيات التي في المكي والمدني إلا ويذكرونها في كتب التفسير.
أيضًا، في كتب علوم القرآن يفردون دائما أبوابا خاصة بموضوع المكي والمدني في كتب علوم القرآن، وطبعًا الصحابة -رضي الله عنهم- هم المصدر الوحيد لمعرفة المكي والمدني، كما أنهم هم المصدر الوحيد لمعرفة أسباب النزول.
ولذلك نحن يا شباب عندما نتحدث، يعني انظروا من فوائد دراسة علوم القرآن، يمكن أنت يا عبد الحميد وحمد والأخ الكريم تقولون: ما فائدة المكي والمدني الآن؟ يعني أنت أزعجتنا الآن بالمكي والمدني وأنواعه، ما الفائدة منه؟ أقول لكم حتى تعرفون: من ضمن فوائده، أنكم تعرفون قيمة الصحابة -رضي الله عنهم-، نعم أن الصحابة -رضي الله عنهم- هم المصدر الوحيد لهذه العلوم، وهذه العلوم مهمة جدًا جدًا في فهمنا للقرآن.
إذن: نحن لا نستطيع أن نفهم القرآن الكريم بعيدا عن فهم الصحابة وأقوال الصحابة، ولذلك نحن نحذر يا شباب الآن، يعني أنتم الآن مقبلين على حياة جديدة وإنترنت، يعني انفتاح عالمي، ستجدون في الإنترنت وفي الصحف، وفي القنوات الفضائية من يقول: نحن غير ملزمين بفهم الصحابة، نحن غير ملزمين بقول عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، يعني أريحونا منهم! فتقول: لا .. ما نستطيع أن نريحك منهم؛ لأنَّ المنهج العلمي يلزمنا بالالتزام بفهمهم، لماذا؟ لأن المكي والمدني والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، واللغة التي نزل بها القرآن، المصدر الذي وصلنا، كل هذا عن طريقه هم الصحابة، فمنهجيًّا نحن لا بد أن نلتزم بفهمهم لأنهم هم أهل اللغة، وهم الذي شاهدوا التنزيل، وشاهدوا مواطن النزول. واضح يا شباب؟
فلما يأتيك واحد الآن حتى لو كان مهندسًا أو طبيبًا أو عنده سبعمائة ألف كتاب، فليس لكلامه قيمة إذا تعارض مع كلام هؤلاء السلفِ -رضي الله عنهم ورحمهم-، ولذلك نحن عندما نُدرس لكم المكي والمدني الآن وأسباب النزول، نحن لا نعبث، نحن ندرس لكم قواعدَ وأصولا تفهمون بها كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وتفهمون مباشرة عندما يأتيكم واحد يطعن في الصحابة وفي التابعين وفي فهمهم؛ فأنه يطعن في القرآن نفسه، واضح؟
طيب.. نأتي إلى أنواع المكي والمدني، وقلنا إن أنواع المكي والمدني هي التي ذكرناها، قصدنا بها قبل الهجرة، وبعد الهجرة ما نزل بالمدينة، إلى آخره.
طيب.. نأتي إلى مسألة وهي يعني ما يتحدث عنه أصحاب علوم القرآن في الأنواع، أنواع التي هي رقم ثلاثة، دعونا نرجع إلى الأنواع..
هم يقولون: ما نزل في مكة، هذا نوع، نزل في مكة قبل الهجرة، طيب.. ما نزل في المدينة وهو مكي، موجود عندنا في القرآن الكريم شيء من هذا، طيب.. ما نزل خارج مكة والمدينة، مثل في عرفات، في الطائف، في تبوك، هذا موجود، ما نزل بمكة وحكمه مدني، ما نزل بالمدينة وحكمه مكي، هذا موجود، ما يشبه نزول المكي في المدني، وما يشبه نزول المدني في المكي، هذه طبعا يذكرونها في كتب علوم القرآن، ما حمل من المدينة إلى مكة، وما حمل من مكة إلى المدينة، ما نزل بالحضر وما نزل بالسفر، كل هذه لها أمثلة في القرآن الكريم -عفوا- في القرآن وفي كتب علوم القرآن.
فمثلا: يأتون النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة الحديبية، نزل عليه سورة، ما هي هذه السورة، تذكرونها يا شباب؟ لما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة يريد أن يعتمر فصددته قريش، صح؟ فغضب بعض الصحابة، ونزلت هذه السورة، فماذا قال الله تعالى؟ قال: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ [الفتح: 1] صح؟ سورة الفتح نزلت في السفر، ونزلت في الليل؛ لأنه قام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفجر وقال: «نزلت عليَّ البارحة سورةٌ»، فالعلماء يقولون: ما نزل في السفر مثل سورة الفتح، ما نزل بالليل مثل سورة الفتح؛ لأنها نزلت بالليل، مثلا، ما نزل -مثلا- في تبوك مثل سورة التوبة وكثير من آياتها نزل هناك، فالعلماء يمثلون بهذه الأمثلة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يقول: «نزلت علي البارحة سورة»، قالوا: إذن نزلت بالليل، ومعظم القرآن نزل في النهار، نزلت في السفر، ومعظم القرآن نزل في الحضر، وهكذا.
فالعلماء يدققون في هذه المسألة ويفصلون فيها وهي مفيدة جدا للباحث، أيضا طرق معرفة المكي والمدني، قلت لكم أن هذا مرتبط بالصحابة -رضي الله عنهم- هم الذين يذكرون لنا أن هذا نزل بمكة ونزل بالمدينة بالرواة، لكنْ هناك كما يقول علماء علوم القرآن طريقتان لمعرفة المكي والمدني، ما هي هذه الطريقة؟
قالوا: الطريقة الأولى طريق الرواية مثل أسباب النزول تماما، وأن يذكر المفسرون يقولون: نزلت هذه في الحديبية، نزلت في كذا، فنعرف المكي والمدني لأنه مرتبط بالزمان والمكان.
والطريقة الثانية: طريق القياس، القياس على ماذا؟ قالوا: القياس على ما عرفنا أنه مكي أو مدني، فمثلا جاء العلماء إلى السور التي نزلت في مكة، مثل سورة الأنعام، سورة يس، سورة الصافات، سورة الواقعة، سورة الطور، سورة الذاريات، سورة الكافرون، سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، سورة ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾، السورة المكية التي أجمع على أنها من السور المكية، قالوا: هذه فيها مميزات متشابهة، مثل ماذا؟ قالوا: السور المكية فيها ميزة:
1- فيها قصص الأنبياء بكثرة، مثل سورة الأعراف.
2- آياتها قصيرة بصفة عامة، مثل الشعراء.
3- فيها وعيد وتهديد للكافرين، صح؟
4- تتحدث عن العقيدة، تتحدث عن الإيمان بالله واليوم الآخر والبعث والجنة والنار.
أيضًا قالوا: السور المكية لا تتحدث عن الأحكام، الصلاة والزكاة والحج والصيام، ما فيها، إذن هذه كما يقال: ضوابط لمعرفة المكي والمدني، هذه السور المكية.
المدنية: قالوا: المدنية بالعكس، آياتها طويلة، القصص فيها قليل، الحديث فيها أكثر عن العبادات والأحكام التفصيلية مثل: سورة البقرة مثلا، البقرة مليئة بالأحكام وأحكام الطلاق والرضاع والمداينة والصيام والقصاص، أليس كذلك؟
سورة المائدة -مثلا- مليئة بالأحكام، مليئة بالأحكام، أحكام الطعام، وأحكام النكاح.
سورة النساء، فيقولون: السور المدنية طويلة الآيات، مليئة بالأحكام، تتحدث عن التنظيم للمجتمع، تتحدث عن الجهاد، الجهاد في المدينة كله، الحديث عن الجهاد كله في المدينة، في مكة ما كان فيه حديث عن الجهاد؛ لأنه لم يشرع إلا بعد الهجرة، وهكذا..
فإذن هذه من طرق معرفة المكي والمدني، فلذلك هم ماذا يقولون هنا في المكي والمدني؟ قالوا: المكي يتحدث عن تأسيس العقيدة في النفوس، صحيح، العقيدة واضحة في السور المكية، ولذلك عندنا مثلا كيف نستفيد من هذه المسألة، تأتي مثلا أنت الآن يا عبد الحميد تريد أن تدرس طلابك العقيدة من خلال كتب القرآن الكريم، فماذا تفعل؟ تذهب إلى السور المكية؛ لأنها فعلا هي أكثر ما تركز على مسألة العقيدة.
أيضا، من مزاياه: تشريع أصول العبادات والمعاملات والآداب، الأصول، أما التفاصيل كانت في المدينة.
3- الاعتماد أو التفصيل في قصص الأنبياء، ولذلك انظروا قصة نوح على سبيل المثال، ما ذكرت في العهد المدني، وإنما ذكرت وفصلت في العهد المكي كله.
أيضا من مزاياه: قوة الألفاظ، يعني انظروا مثلا سورة: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ * قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ وهكذا..، ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور: 1-5]، وهكذا.. ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا﴾ [الواقعة: 1-5].
فهذه السور المكية فيها قوة وقصيرة الآيات، جرس ألفاظها قوي، السورة المدنية تجد أنها ليست بهذا الميزة، المدنية يقول: طول الآيات والسور غالبا، الحديث عن أهل الكتاب كثيرًا في السور المدنية، لأن الرسول سكن بجنب اليهود، وصار فيه نقاشات بينه وبين اليهود وأسئلة وأخذ ورد، فذكرها الله وجادلهم في سورة آل عمران فيها مجادلة لأهل الكتاب، في سورة البقرة، في أمثال هذه السور.
أيضا تقرير الأحكام التشريعية، أحكام العبادات التشريعية، الصيام، الجهاد، الحج، كلها جاءت تفاصيلها في السور المدنية.
طيب أيضًا المنافقين، ولذلك إذا وجدت حديث عن المنافقين تعرف أن هذا من مزايا السور المدنية، وليست المكية، إلا سورة العنكبوت حصل فيها خلاف؛ لأنه ذكر فيها حديث عن المنافقين، فاختلف المفسرون فيها هل هي مكية أو مدنية؟ وإلا التوبة وسورة المنافقون، كلها مجمع على أنها سور مدنية.
طيب.. هناك ضوابط، يعني هذه مميزات، وهناك ضوابط، قال العلماء: نحن جئنا إلى السور المكية، فوجدنا بها ضوابط نعرفها بها، بحيث أنك تسهل على الطلاب، تقول انظروا يا شباب؛ أي سورة، أي سورة في القرآن الكريم، ابتدأت بالأحرف المقطعة: الم، كهعيص، فهي سور مكية، إلا البقرة وآل عمران فقط، هذه مدنية، أما بقية السور التي ابتدأت بالحروف المقطعة فهي ماذا؟ مكية، مثل ماذا؟ يس، طه، الشعراء، طسم سورة القصص، والنمل، الحواميم، ونحو هذه السور التي ابتدأت بالحروف المقطعة، البقرة وآل عمران فقط.
طيب.. هناك ضابط آخر، قالوا: أي سورة فيها: كلا، فهي مكية، هذا ضابط مذكور في كتب علوم القرآن، وأنا أستثني سورة واحدة فقط، التكاثر، التكاثر مدنية وليست مكية، وفيها كلا، ولذلك نحن نجيب على قول الناظم، وهو الديريني، الإمام الديريني يقول في منظومة له، يقول:
وما نزلت "كلا" بيثرب فاعلمن
وما وردت في الذكر في نصفه الأعلى

هذه صح، أما ... لا، فيقول:
وما نزلت كلا بيثرب: يعني في المدينة المنورة، فكل سورة فيها كلا فهي مكية، ونحن نقول للشيخ: لا .. إلا سورة التكاثر، هذه سورة مدنية وفيها "كلا"، وطبعا هي وردت ثلاثا وثلاثين مرة في القرآن الكريم، "كلا" وردت ثلاثا وثلاثين مرة، فنقول: اثنين وثلاثين مرة هذا في المكي، و"كلا" التي في سورة التكاثر نزلتْ في المدينة.
وما وردت في الذكر في نصفه الأعلى: صحيح، فـ"كلا" لم ترد من سورة الفاتحة إلى نهاية سورة الكهف، ما في "كلا"، أما من سورة الكهف إلى نهاية القرآن هي وردت فيها كلها، هذا ضابط من الضوابط، فمباشرة إذا رأيت كلا تقول: هذه مكية، مكية، مكية، مثل ماذا؟ مثل: ﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19]، ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهِم ﴾ [المطففين: 14]، وغيرها من المواضع التي وردت فيها "كلا".
أيضًا من ضوابط المكي: كل سورة فيها سجدة تلاوة فهي مكية، كل سورة فيها سجدة تلاوة فهي سورة مكية.
أيضًا كل سورة مبدوءة بقسم، ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴾ [الذاريات: 1]، ﴿ وَالطُّورِ ﴾ [الطور: 1]، هذه مكية، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1]، كل سورة ابتدأت بقسَم فهي سورة مكية، وهذه أيضًا من مزايا السور المكية، كثرة القسم فيها، كثرة في القسم، فلا أقسم، فلا أقسم، كلها سور مكية.
وطبعًا سبحان الله هذه يمكن أن نعرف سببها؛ لأنَّ الناس في مكة كانوا كلهم مكذبين، أو أكثرهم مكذبين للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمكذب دائمًا يحتاج أنك تُقسم له، أما واحد خالي الذهن، لا يكذبك، ولا ينتظر منك خبر، فهذا لا يحتاج دائما أن تقول: أقسم بالله أنه حصل كذا وكذا، سيقول لك مباشرة: لماذا تقسم؟ أنا أصدقك بدون قسم، لكن عندما تكون أنت مشكك في كلامه أو ترد كلامه يحتاج أنه ماذا؟ يقسم لك، أحسنت، مؤكدات، فهذا شيء طبيعي أن القسم يكثر في السور المكية.

كازانوفا
27-10-2013, 09:16 AM
ونحن نقول أيضا: القسم والتأكيد بأنواع، التأكيد بنون الثقيلة، والنون الخفيفة موجود في السور المكية بكثرة، لأن الجمهور المتلقي كان مكذبًا ومتشككًا ومعاندًا فكثرت هذه الأساليب.
أيضًا، يمكن أن نذكر من ضوابط المكي: كل سورة مفتتحة بالحمد فهي مكية، ما هي السور المفتتحة بالحمد يا شباب في القرآن الكريم؟ أول واحدة: الفاتحة، ثاني واحدة: الأنعام ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: 1]، وسورة الكهف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ [الكهف: 1]، وسورة فاطر ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر: 1]، وسورة سبأ، هذه خمس سور في القرآن الكريم وكلها مكية، ضابط يعني، يعني كيف؟ نحن نعرف أن هذه السور مجمع على أنها مكية فنتتبعها، والله ما في أي سورة مبتدأة بالحمد من السور إلا وهي مكية، إذن نقول هذا ضابط، إذا وجدت أي سورة مبتدأة بالحمد فهي سورة مكية.
أيضًا كل سورة فيها قصص الأنبياء بالتفصيل ما عدا البقرة، البقرة هي مدنية مع أن فيها قصصًا، لكن بقية السور التي فيها قصص أنبياء، فهي مكية، مثل سورة الأعراف، سورة هود، سورة القصص، وإلى آخره، أي سورة فيها قصص أنبياء فهي سورة مكية، وهذا أيضًا يتوافق مع الحاجة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة كان في حاجة ماسة إلى التثبيت، وأفضل ما كان يثبت به النبي -صلى الله عليه وسلم- القصص، يعني لما يكذبه قومه -عليه الصلاة والسلام- فيأتي الله -سبحانه وتعالى- يقول: لا، هناك نوح، إبراهيم، عيسى، موسى، كلهم كذبهم أقوامهم، فيثبت النبي -صلى الله عليه وسلم.
ولذلك الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [هود: 120]، وفعلا أنت الآن لو واحد منكم مثلا مر بتجربة صعبة في الاختبارات، فيأتي يقول: يا حمد لا تخف يا حمد من الاختبار هذا، هذا دخل عبد الحميد ومحمد وأخذوا فيه امتياز، فأنت مباشرة تقول: الحمد لله، ما دام أن عبد الحميد أخذ فيه تقدير امتياز، إن شاء الله آخذ فيه امتياز.
وكذلك الإنسان دائما ينظر للقدوة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى هؤلاء القدوات مروا بهذه التجربة القاسية، ثبت -عليه الصلاة والسلام-.
مثلا، أعطيكم فكرة جميلة، الله -سبحانه وتعالى- ذكر قصة نوح للنبي -صلى الله عليه وسلم- في مواضع كثيرة في القرآن، أليس كذلك؟ فذكر قصة نوح بتفصيل في سورة الأعراف، وذكر قصة نوح بتفصيل في سورة هود، وذكر قصة نوح بتفصيل في سورة نوح: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾ [نوح: 1]، ولا ذكر في أي واحدة منها المدة التي بقيها في قومه، لا في الأعراف ولا في هود ولا في سورة نوح، مع أنه ذكر في نوح: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴾ [نوح5-6]، لكنه قال لنا أن نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ما قالها إلا في آخر آية نزلت في قصة نوح وهي في سورة العنكبوت.
سورة العنكبوت العلماء مختلفون فيها، هل هي أول سورة نزلت في المدينة، أو آخر سورة نزلت في مكة، سواءً كانت آخر سورة نزلت في مكة، أو في الطريق إلى المدينة، أو في المدينة فيها فائدة مهمة، ما هي هذه الفائدة؟ وهذه أنا أريد منكم ومن الإخوة المشاهدين أن ينتبهوا إليها، النبي -صلى الله عليه وسلم- سيهاجر الآن إلى المدينة، كم بقيت يا محمد في مكة، ثلاث عشرة سنة، ثلاث عشرة سنة وأنا في مكة، ولم يستجب لي إلا القليل، طيب بسيطة، كم بقي نوح؟ قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة العنكبوت: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 14]، يعني ما ثلاث عشرة سنة مقارنة بتسعمائة وخمسين سنة؟! ألا تدعو للثبات هذه؟! بلى، يعني يقول له: أنت ثلاث عشرة سنة، هذا تسعمائة وخمسين سنة، أنت آمن معك عدد لا بأس به، هو ما آمن معه إلا قليل، فيثبت -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك لاحظ حتى في القصص، متى تنزل هذه المعلومة، ومتى تنزل هذه المعلومة، لها دلالة في سياق حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذن هذه أيضًا من ضوابط المكي.
طبعا في ضابط وهو أنهم يقولون: كل سورة فيها ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، وليس فيها ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فهي مكية، وكل سورة فيها ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ وليس فيها ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ فهي مدنية.
إذن هذه الضوابط، أو بعض الضوابط التي ذكروها للمكي، وهذه بالمناسبة الضوابط للمكي والمدني يمكن الزيادة عليها، يعني ممكن يأتي حمد مثلا ويقول: والله أنا تبين لي في السور المكية مسألة، وما هي؟ يقول مثلا: كثيرا ما تأتي كلمة كذا في السور المكية، ولم أجدها في السور المدنية، فنقول: أضيفوا الضابط هذا، أن السورة التي ترد فيها هذه الكلمة تعتبر مكية، ويصير ضابط جديد من ضوابط المكي، ولذلك يمكن الزيادة عليها، يعني يمكن تجد في بعض الكتب ستة ضوابط، تجد في كتاب ثان عشرة ضوابط، لا تستغرب، وممكن يأتي واحد يجعلها اثنا عشر ضابط، لأنها مبنية على التتبع والموازنة وكذا، فيثبت لك أن هذا الموجود فقط في المكي فتذكره.
من مميزات أو من ضوابط المدني: كل سورة فيها ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ كما قلت، وليس فيها ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ فهي مدنية.
منها أيضًا: كل سورة فيها ذكر للمنافقين، كل سورة فيها ذكر للمنافقين فهي مدنية، إلا سورة العنكبوت فيها خلاف -كما قلت لكم.
أيضًا من ضوابطه: كل سورة فيها حد أو بيان فريضة، مثل حد مثلا الظهار، هذا موجود في سورة ماذا؟ المجادلة، صح؟ السورة ما هي؟ مدنية إذن ما دام فيها حد، طيب.. حد القصاص.
{في سورة البقرة.}
الشيخ:
البقرة، مدنية، وما رأيكم في حد الزاني المحصن؟
{في سورة النور.}
الشيخ:
جيد، إذن سورة النور مدنية، وهكذا.. أي حد تجد معناه أنها سورة مدنية؛ لأن الحدود كلها نزلت في المدينة، هناك ضوابط أخرى لو تتبعتموها ربما تجدون أكثر من ذلك، إذن هذه طرق معرفة المكي والمدني.
وقلت لكم أن هناك طريقة الرواية، وطريقة القياس بهذه الطريقة، لأنك ممكن الآن نعرف مائة بالمائة أن هذه مكية، الذاريات، الطور، هناك نوع مختلف فيه، ولذلك أنا أريد أن أذكر لكم المكي والمدني، انظروا العلماء قسموا المكي والمدني إلى ثلاثة أنواع:
1- متفق على أنه مدني.
2- متفق على أنه مكي.
3- مختلف فيه، هو مكي أو مدني.
وبعضهم قسمها أربعة، قال:
1- متفق على أنه مكي.
2- متفق على أنه مدني.
3- مختلف فيه والراجح أنه مكي.
4- مختلف فيه والراجح أنه مدني، هذه أربعة أنواع.
من التي اتفقوا على أنها مدنية: البقرة، وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والنور والأحزاب وسورة محمد -صلى الله عليه وسلم- وسورة الفتح، الفتح مع أنها نزلت في مكة، في الحديبية، والحديبية، أين الحديبية الآن يا شباب؟ من يعرف منكم الحديبية الآن، أين تقع؟ هذا سؤال في الجغرافيا؟
{بين مكة والمدينة.}
الشيخ:
طبعا لا.. هي في مكة في الحقيقة، يعني في ضواحي مكة، لكنها ليست من الحرم، يعني الآن لما تجيء من جدة الآن وأنت متجه إلى مكة، تجد مكتوب الشميسي مكتوب ماذا؟ الشميس عند نقطة التفتيش قبل أن تدخل الحرم، قبل ما تأتي صبة مكتوب عليها حدود الحرم، رأيتموها يا شباب أو ما رأيتموها؟ أكيد أنكم رأيتموها، ذهبتم أكيد إلى جدة ومكة، هذه المنطقة هي الحديبية، بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء هو والصحابة -رضي الله عنه- أقاموا في الحديبية، وكان إذا أراد أن يصلي اقترب قليلا من منطقة المصلى لكي يدخل في حدود الحرم، وهذا يُستدل به العلماء على أن الصلاة في الحرم نفسه لها أجر الصلاة في المسجد الحرام، يقولون: لو لم يكن هناك مضاعفة للأجر في الحرم، في الدخول في حد الحرم ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حرص أن يتقدم ويصلي في هذه المنطقة، فالحديبية هي تلك المنطقة، ونقول: ما نزل فيها يعتبر مدني، لأنه بعد الهجرة، مع أنه مكان النزول في مكة، من ضواحي مكة هذه، إذن الفتح تعتبر من المدني متفق عليها.
الحجرات أيضا من المدني، سورة الحديد سورة مدنية أيضا، سورة الحشر؛ لأنها نزلت في اليهود، سورة الممتحنة، سورة الجمعة، المنافقون، الطلاق، التحريم، النصر، هذه كلها متفق على أنها نزلت في المدينة.
طيب.. الذي نزل في مكة متفق عليه أيضًا، ما عداها، المختلف فيه محدود وهو: الفاتحة، والصحيح أنها مكية، الرعد، الرحمن، الصف، التغابن، المطففين، القدر، البينة، الزلزلة، الإخلاص، الفلق، الناس. هذه مختلف فيها هل هي مكي أو مدني؟ وبعض العلماء يرجح أنها مكية، وبعضهم يرجح أنها مدنية.
الآن تجدون في المصاحف الآن، مثل مصحف مجمع الملك فهد، افتح الصفحة الأخيرة، وفي بعض النسخ الآن تفتح تجد مكتوب: سورة الفاتحة سبع آيات مكية، سورة البقرة 286 آية مدنية، صح؟ وأحيانا تجد جدول في آخر المصحف مكتوب: السورة، رقمها، مكية أو مدنية، فتجد الجدول، هذا مبني على الاجتهاد خاصة في المختلف فيه، أما المتفق عليه ما في مشكلة، لكن المختلف فيه يجتهدون ويرجحون أيها مكي وأيها مدني.
طيب.. فوائد معرفة المكي والمدني. هيا أعطوني الفوائد يا شباب، وأنا أريد أن تناقشوني. اذكر لي فائدة يا حمد في معرفة المكي والمدني، ما هي؟
{من ذلك معرفة الناسخ والمنسوخ.}
الشيخ:
الله يرحم والديك، هذه أهم فائدة في المكي والمدني، معرفة الناسخ والمنسوخ يا شباب هي من أهم فوائد معرفة المكي والمدني، كيف؟ طيب ما معنى الناسخ والمنسوخ يا حمد؟ حتى نفهم نحن والإخوة المشاهدون.
{أن تأتي آية بعد آية أخرى فتنسخ حكمها كما في التدرج في حكم الخمر.}
الشيخ:
ممتاز، يعني النسخ الآن، يعني أنا أحب دائما أني أقرب موضوع النسخ، لأن هناك من ينكر النسخ، واحد اتصل علي مرة وقال: يا شيخ أنا سمعت واحد في التليفزيون يقول أنه لا يوجد في القرآن الكريم نسخ، وما معنى النسخ؟ فقلت: والله هذه مشكلة، انظر حاجة الناس، المفروض الناس يعرفون هذه الأشياء، وسيأتي معنا طبعا في درس مستقل للنسخ، لكن النسخ أنا أريد أن أقرب المسألة أنه أشبه ما يكون بقرار إداري يُلغي قرارًا إداريًّا سابقًا، مثلا: أنتم الآن تدرسون في ..، ماذا تدرس يا عبد الحميد؟ في أي مرحلة؟
الجامعة مثلا..
{الآن عامل ما ؟؟؟.}
الشيخ:
جميل، المهم أنك تدرس في أي مكان، جاء مدير المدرسة وقال: تداومون يا عبد الحميد بداية من شهر خمسة، الساعة التاسعة صباحا، وأنتم الآن تداومون الساعة السابعة، جيد؟ طيب.. أنتم الآن تداومون الساعة السابعة حتى بداية شهر خمسة تبدؤون تداومون الساعة كم؟ تسعة، فنحن نقول: القرار السابق منسوخ، والقرار الجديد ناسخ طيب.. ما رأيك في المدير أو أستاذ المدرسة الذي يأتي الساعة السابعة في شهر خمسة، فنقول له: القرار تغير، الآن الدوام الساعة تسعة وليس الساعة سبعة، فنحن نعمل بالقرار الثاني،وليس بالقرار الأول، تماما هذا موضوع النسخ.
طيب.. هل هذا تصرف المدير تصرف صحيح أم تصرف خاطئ؟ تصرف يخضع للمصلحة صح أم لا؟ طيب.. وما السبب الذي جعله يؤجل أن يقدم؟ مصلحة معينة. كذلك الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، الله -سبحانه وتعالى- أنزل حكما في القرآن الكريم، فقال: المرأة التي يتوفى زوجها فلتعتد لمدة سنة كاملة، ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ [البقرة: 240]، جيد؟ يعني المرأة إذا مات زوجها تبقى سنة كاملة في العدة، نزلت آية بعدها قالت: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]، فخفضت الحكم، بدل ما تجلس سنة كاملة تجلس أربعة أشهر وعشر أيام، فنقول: الحكم سنة هذا منسوخ، والحكم أربعة أشهر وعشرة ناسخ، ماذا نطبق منها؟ نطبق الناسخ، نلغي المنسوخ.
أن عندما نعرف المكي والمدني غالبًا أن المدني ينسخ المكي غالبًا، ولا يوجد قرآن مكي ينسخ المدني، لا يمكن؛ لأن هذا متقدم وهذا متأخر، فقط هذا من فوائد المكي والمدني، غيرها..، ما هي من فوائد المكي والمدني يا شباب؟
الاستفادة من أسلوب القرآن الكريم في الدعوة، لاحظ أسلوب القرآن الكريم في الدعوة إلى الله في مكة، وأسلوبه في المدينة، هذا فيه أسلوب تربوي، كيف ربى الله الناس في مكة، وكيف رباهم في المدينة، ويستفيد المربي كيف يتعامل مع الناس حسب هذه المستويات.
أيضا من فوائده: تاريخ التشريع وتدرجه، مثل الخمر، مثل تحريم الربا، التدرج في التشريع، كيف من مكة إلى المدينة، تعرف المكي والمدني، تعرف كيف تدرج تشريع هذا الحكم أثناء نزول القرآن الكريم.
أيضًا طبعًا الاستعانة به في تفسير القرآن الكريم، عندما تأتي الآن وتفسر للناس سورة الذاريات يا حمد، وأنت تقول لهم: هذه نزلت في مكة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في ضعف، وكان عمه أبو طالب قد توفي، هذه..، أنت معرفتك لكونها مكية ومُلابسات النزول تعينك على فهمها وعلى تفسيرها لطلابك.
أيضا استخراج سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- من القرآن، تستطيع تستخرجها من المكي والمدني، ولذلك الآن لو تتبع القرآن الكريم، وتتبع ذكر لاستطاع أن يستخرج السيرة النبوية من خلال القرآن الكريم، وقد فعل ذلك عدد من الباحثين.
أيضا بيان عناية المسلمين بالقرآن الكريم، كيف عنايتهم بتتبع المكي والمدني، وتفاصيل ذلك، المميزات ذكرتها لكم التي هي بماذا يتميز المكي وبماذا يتميز المدني من حيثُ الأسلوب، من حيث اللغة، من حيث البلاغة، إلى آخره.
هل هناك أي سؤال يا شباب؟
{قد يكون من الفوائد في معرفة المكي والمدني: من معرفة وسائل الثبات من خلال قصص الأنبياء.}
الشيخ:
أحسنت أحسنت، هذه فائدة ممتازة جدا، وهي يمكن أن ندخلها في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفاصيلها، وهي فعلا فائدة مهمة جدا وهي أن تعرف كيف ثبت الله أنبياءه -عليهم الصلاة والسلام-، كيف تدرج القرآن مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ يعني لما مات عمه وماتت زوجته خديجة -رضي الله عنها-.
فالله -سبحانه وتعالى- أخرجه من هذا الجو ومن هذا الحزن فأسريَ به إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء السابعة، تخيلوا بالله كيف أخرجه من هذا الجو جو الحزن، وصعد به إلى السماء! ولا شك أن هذا من كرامته -عليه الصلاة والسلام- وكيف أنه خرج به من هذا الجو الخانق في مكة والمكذبين، وأمّ الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كلهم في المسجد الأقصى، ثم عرج به وجبريل -عليه الصلاة والسلام- يرافقه حتى بلغ سدرة المنتهى، صح؟
فهذا أيضًا من فوائد المكي والمدني، وكيف تدرج الوحي ونزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي .. نحن ندرس الآن الدرس هذا بشكل نظري، وأنا أتمنى أننا نأخذ القرآن الكريم ونطبق، فنأتي ونقول: اقرأ يا حمد هذه الآيات، فتقرأ مثلا سورة ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [الطارق: 1-5]، أسألكم: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾، ما رأيكم: مكية أم مدنية؟ شيخ عبد الحميد..
{مكية؛ لأن فيها قسم.}
الشيخ:
الله يرحم والدك، أحسنت، مكية؛ لأنك ذكرنا أن كل سورة فيها قسم، تبتدئ بالقسم .. كل سورة تبتدئ بالقسم في مكية، ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾ هذا ضابط من الضوابط.
{قصر الآيات.}
الشيخ:
أحسنت، فيها أيضا قصر الآيات، ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ [الطارق 1-3]، جيد، ما تلاحظون قوة العبارات، أيضا هذا ضابط من الضوابط، مثلا، فيستطيع الطلاب من خلال القراءة والتطبيق أنه يميز المكي والمدني، طيب لماذا ذكرت أن هذا مكي؟ قال: والله أنا أحس أن العبارات قوية، أو أحس أن فيها قصص الأنبياء كثير، وهكذا..، فيتدرب الطلاب بهذه الطريقة على تمييز المكي والمدني من خلال الضوابط التي ذكرناه، وأنا أدعو للتطبيق دائما، وأحب دائما في دروس علوم القرآن أن يكون فيه تطبيق أكثر، لكن نحن في دروسنا نحاول بقدر المستطاع أن نطبقَ لكن لو كنا جالسين أنا وإياكم وعندنا مكتبة وكتب بعيدا عن الكاميرات، ربما كنا أكثر حرية، وأكثر قدرة على تطبيق ما نريد في هذه الدروس.
وعلوم القرآن بالذات -وأنا أختم بها هذا الدرس- أريد أن تفهموا هذا يا شباب، ويفهم الإخوة المشاهدون والطلاب، علوم القرآن من العلوم التي من أجمل ما يكون فيها التطبيق، ولكن نحن كمدرسين قصرنا في ربط الطلاب بالتطبيق تطبيق علوم القرآن من خلال كتب التفسير، تأتي إلى كتاب تفسير ابن كثير، هيا ندرس علوم القرآن من خلال تفسير ابن كثير، فنجد عنده أسباب النزول، نجد عنده العناية بالمكي والمدني، العناية بالمطلق والمقيد، العام والخاص، كيف يرجح بين الآيات ويرجح بين التفاسير، هذه كلها علوم قرآن كيف طبقها المفسر؟ تجد بعض المفسرين ماهرا جدا في تطبيقها، مثل ابن جرير الطبري، وبعض المفسرين عنده تقصير في تطبيقه، وبعضهم ضعيف جدا، وهذا كله لا يتبين للطالب إلا من خلال التطبيق، ومن خلال الدخول في تفاصيل كتب التفسير.
إن شاء الله يتاح لنا -بإذن الله- في عدد من محاضراتنا في هذا البرنامج وفي هذه المحاضرات تطبيق ولو كان بشكل يسير، لكن يكفي في مثل هذه المحاضرات نماذج تطبيقية، والطالب يستطيع -إن شاء الله- أن يواصل.
انتهى وقت هذه المحاضرة يا شباب، أشكركم شكرا جزيلا، كما أشكركم أيها الإخوة المشاهدون على متابعتكم، وأرجو أن تكونوا قد استفدتم ولو بعض الفوائد في هذا اللقاء.
وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بعلم كتابه، وأن يجعل الكتاب حجة لنا لا علينا، وأن يجعله شافعًا لنا، إنه سميع مجيب، وإلى لقاء قادم، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كازانوفا
29-10-2013, 09:04 AM
[الدرس السابع




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة المشاهدون الكرام، حياكم الله في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، وفي مقرر علوم القرآن، وحياكم الله أيها الإخوة هنا في الاستوديو وأهلا وسهلاً بكم.
وكنا في المحاضرات الماضية، والدروس التي أخذناها؛ تحدثنا عن عدد من علوم القرآن الكريم، وتحدثنا عن المكي والمدني، وتحدثنا عن نزول القرآن الكريم، وأسباب النزول، والوحي، وما يتعلق بهذه المسائل.
اليوم سوف نتحدث عن مسألة مهمة جدًّا من مسائل علوم القرآن، وهذه المسألة يكثُر طعن الطاعنين في القرآن الكريم بسببها، دائمًا يأخذون من هذه النقطة التي سنتحدث عنها اليوم منطلقًا للتشكيك في القرآن الكريم، والطعن فيه وأنه ناقص، وأنه ليس بكامل، وأنه قد فُقدَ منه بعض الآيات.
ونريد -إن شاء الله- أن نخرج من هذا الدرس بإذن الله تعالى، والدروس التي ربما تَليه، الدرسان أو الثلاثة؛ أننا نؤكد على أن الله -سبحانه وتعالى- قد حفِظ هذا القرآنَ الكريم، فلم يضعْ منه حرفٌ واحدٌ، ولا حتى حركة من الحركات التي على الحرف، كلها مضبوطة ووصلت إلينا بشكل كامل تام.
درس اليوم سوف يكون عن جمع القرآن الكريم. وجمعُ القرآن الكريم، في كتب علوم القرآن يقصدون به عدة معانٍ:
- يُطلقون جمع القرآن الكريم، ويقصدون به جمعه في الصدور، بمعنى حفظه في الصدور.
- ويُطلق جمع القرآن الكريم، ويُراد به جمعه في المصاحف، بمعنى كتابة القرآن الكريم.
- ويطلق أيضًا -وهذا مصطلح جديد- جمع القرآن الكريم، ويُراد به جمعه في الوسائل التقنية الحديثة، بمعنى جمعه صوتيًّا في المسجلات، في الكاسيت، في الـ CD Room أو الـ MP3 أو الموبايل، هذه تعتبر مِن طرق الجمع الحديثة لجمع القرآن الكريم صوتيًّا، وربما يمكن أن نتحدث -إن شاء الله- عن جمع القرآن الكريم تليفزيونيًّا، بمعنى أنه يُسجل القرآن الكريم عن طريق الشاشة للقُراء المتقنين ويَظهر ذلك كيف ينطق القرآن الكريم، وكيف يقرأ القرآن الكريم قراءة مرتلة.
نبدأ في هذا الدرس بجمع القرآن الكريم بمعنى جمعه، حفظه في الصدور، عندنا ثلاثة أنواع:
- جمعه، حفظه في الصدور.
- وبمعنى كتابته.
- وبمعنى تسجيله صوتيًّا.
هذه ثلاثة معانٍ لجمع القرآن الكريم، سوف نأخذها إن شاء الله واحدة واحدة بإذن الله تعالى.
جمع القرآن الكريم بمعنى حفظه في الصدور:
أولاً: ما هو الفضل لهذا النوع من الجمع، يعني الآن الواحد منكم الآن يا عبد الحميد أو..، كيف الآن يتشجع المسلمون الآن لحفظ القرآن الكريم في صدورهم، فضله، يعني الآن الذي يحفظ القرآن الكريم، هل له فضيلة؟
الجواب: له فضيلة، أليس كذلك؟ بلى، لذلك كان المسلمون من عهد الصحابة إلى اليوم يتنافسون في حفظ القرآن الكريم، أليس كذلك؟ لأنهم يَعلمون ما له من الفضل.
طبعًا، قبل ذلك الله -سبحانه وتعالى- قد تكفل بحفظ القرآن الكريم، وهذه ميزة للقرآن الكريم، ليست لغيره من الكتب السماوية، الكتب السماوية السابقة أوكل الله -سبحانه وتعالى- حفظها إلى أهلها، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [المائدة: 44]، ولذلك وقع التحريف في التوراة، ووقع التحريف في الإنجيل خصوصًا، هذه نحن متأكدون أنه قد وقع فيها التحريف، في التوراة وفي الإنجيل، أما بقية الكتب السماوية مثل الزبور، مثل صحف إبراهيم، فهذه لم يرد عندنا، أصلاً هي لم تصلنا، لا محرفة ولا تامة، لم تصلنا. لكن التوراة والإنجيل وصلت إلينا محرفة، ومُغيَّرة، ومبدلة؛ ولذلك لا يوثق بهذه الكتب أبدًا حتى أهلها يجدون مشقة شديدة في الوثوق بهذه الكتب. وقد سمعت أنا شخصيًّا كلام من أصحابها يقولون هذا.
أما القرآن الكريم، فإن الله -سبحانه وتعالى- قد تكفل بحفظه، حفظه -سبحانه وتعالى- بنفسه، كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، ولذلك قصة طريفة، يعني لعل من المناسب أن نذكرها في هذا المقام؛ وهي: أن أحد الصابئة -إن صح التعبير- إن لم أكن واهمًا أنه من الصابئة، والصابئة هم فئة ما زالوا حتى اليوم موجودين في العراق وفي الشام، يعني اختُلف فيه، هل هم المقصود بالصابئة هم هم أو لا، ولكن الأهم يعبدون الكواكب، يعني هم ممن يعبد الكواكب، فكان أحدهم خطاطًا، خطه جميل، وكان يجالس المأمون، فيقول يحيى بن أكثم وهو قاضٍ من قضاة العباسيين في عهد المأمون، يقول: قال المأمون لهذا الخطاط: لماذا لا تسلم وأعطيك كذا وكذا، فقال: دعني وديني يا أمير المؤمنين -يعني يقول دعني على ديني وعلى اختياري-، ثم غاب مدة طويلة عن مجلس المأمون، وبعد مدة جاء إلى المأمون وقد أسلم، فقال له المأمون: أنا كنت عرضت عليك الإسلام، ومنيتك أن أعطيك مالاً، فكيف يعني أسلمت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت تعلم أنني خطاط، وذهبت إلى كتاب اليهود، وما هو كتاب اليهود يا شباب؟ التوراة، فكتبت نسخة وبالغت في تجويدها، كتبت نسخة، خططت نسخة من التوراة وبالغت في تجويد هذه النسخة، قال: وزدت فيها ونقصت -يريد أن يختبر علماء اليهود- هل يشعرون بهذا التغيير في التوراة أو لا يشعرون.
قال: فجئت بها إلى أحبار اليهود وقدمت لهم هذه النسخة من التوراة لأختبر هل يعرفون التغيير أو لا يعرفونه، قال: فاحتفوا بها غاية الاحتفاء، انبسطوا من هذه النسخة الرائعة جدًّا من التوراة، ولم يشعروا بأي تغيير ولا تبديل، فهو طبعًا عرف مباشرة أنهم لو كانوا فعلا يحسنون ويقرؤون التوراة ويحفظونها، ويحرصون على ألا يتغير فيها حرف؛ لتنبهوا له؛ ولكن..، لاحظوا أنه أعطاه علماء اليهود، ما أعطاها أي واحد من اليهود عامة الناس، لا..، أعطاها للعلماء، قال: فعلمت أنه لو كان دينهم صحيحًا لشعروا فيه بهذا التغيير، قال: فعمدت إلى كتاب النصارى فصنعت مثلما صنعت، وهو الإنجيل، قال: فكتبت نسخة وجودتها وزدت فيها ونقصت، وأعطيتها لعلماء النصارى، قال: فكان احتفاؤهم أشد من احتفاء اليهود.
قال: فعمدت إلى القرآن، وكتبت نسخة كاملة من القرآن، وتحرزت غاية التحرز، لا أزيد فيه ولا أنقص إلا في موضع واحد، قال: لعلمي بحساسية المسلمين أنهم يحفظون القرآن ويراعون أيَّ تغيير في القرآن الكريم، قال: ثم قلت لنفسي: لو ذهبت بها إلى علماء المسلمين لاكتشفوا هذه الزيادة، أذهب بها إلى الوراقين في بغداد، الوراقين: الذي يبيعون الكتب، والعادة أن الذي يبيع الكتب لا يكون مثل العالم الذي يقرأ الكتاب ويراجع الكتاب، المتخصص، قال: والله يا أمير المؤمنين، ما إن أخذها أحد الوراقين، يعني جئت بها إلى واحد..، طبعًا يعرفون، هم يعرفون، فلما رأى النسخة وفتحها، وقعت عينه على الزيادة التي زدتها، قال: فرد النسخة عليَّ، وقال: لا حاجة لنا بها، وصاح في الناس في سوق الوراقين، قال: ترى هذه النسخة فيها زيادة، قال: فأفسد علي فكرتي، فقلت له: ما زدت إلا في هذا الموضع، قال: لا نأمنك، انتهى، ما دام أننا فقدنا الثقة بك، تضيف حرف؟! انتهى ضاعت النسخة عليه.
قال: فعلمت يا أمير المؤمنين أن هذا الدين دينُ حقٍّ، وإلا كيف اهتدى؟ كيف دَلَّه الله على هذا الموضع بالذات؟ وأنا لم أضع إلا هذا الحرف الزائد، وكيف غابت عن اليهود والنصارى وقد أعطيتها علماء هؤلاء؟
قصة طريفة أخرى، وطبعا هذا يحيى بن أكثم، قاضي المأمون لما جاء في الحج، قال لسُفيان الثوري هذه القصة، حدثه بهذه القصة، فقال: هذا في كتاب الله، يقول سفيان، يعني الدليل على كلامك هذا موجود في كتاب الله، وما هو الدليل؟ قال: الدليل: أن الله -سبحانه وتعالى- أوكل حفظ التوراة والإنجيل إلى أهلها، فقال: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [المائدة: 44]، وتكفل هو بحفظ القرآن، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فيعني هذه قصة مشهورة عن سفيان وعن يحية بن أكثم.
أذكر قصة أخرى في زماننا هذا، حدثني بها أحد الإخوة الذين وقعت لهم القصة، وهو يقول: عندنا في الكويت، وكذلك في السعودية قديمًا، وأظنه ما زال حتى اليوم، وفي مصر، وفي المغرب وفي كل البلاد الإسلامية هناك لجان متخصصة تراجع المصاحف، ولا تقبل دخول أي مصحف إلى البلد إلا أذا رُوجع مراجعة كاملة ودقيقة من لجنة متخصصة، ثم هي تأذن بدخوله، أو تمنع دخوله إلى البلد، وإذا كانت مثلا..، نحن سوف نتحدث عنها إن شاء الله، إذا كانت الدولة تطبع مصاحف، كما يُطبع في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف أو في قطر، أو في الكويت، أو في الأردن، فإن هناك لجانًا متخصصة تشرف على طباعة وكتابة هذا المصحف، وتقوم بالتدقيق الشديد في مراحل هذه الطباعة.
فيقول: جاءنا مصحف لكي يطلب بالفسح في الكويت، قال: فجيء بهذا المصحف، لمراجعة هذا المصف هنا في لجنة المطبوعات، قال: فلما فتحت أنا -يقول هذا الموظف- فلما فتحت المصحف وقعت عيني على زيادة، حرف زائد، قال: فوضعت عليه علامة، قال: ثم قرأت القرآن من أوله إلى آخره، فما وجدت فيه إلا هذا الموضع فقط، قال: فأعطيته زميلي فراجعه كاملاً فما وجد فيه إلا هذا الموضع، قال: فكتبنا بأن فيه هذا الحرف الزائد، ولذلك منعنا دخوله في الكويت.
فهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى- وحفظه لكتابه الكريم، والله -سبحانه وتعالى- عندما قال: {إنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ} [القيامة: 17]، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أول ما نزل عليه القرآن الكريم، كان إذا جاء جبريل يقرأ، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستعجل في مراجعة ما يسمع حت لا ينسى، فقال الله -سبحانه وتعالى- لا تفعل ذلك يا محمد، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]، قال: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ}[القيامة 16-17] يعني جمعه في صدرك، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، ثم نقدرك ونمكنك من قراءته بعد ذلك، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] يعني إيضاحه وبيان معانيه، ولذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحفظ القرآن الكريم من أول مرة، ولم يكن -عليه الصلاة والسلام- ينسى منه شيئًا.

إذن: نقول في هذا الموضوع: جمع القرآن الكريم في الصدور فضله عظيم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحث على حفظ القرآن الكريم، وكان -عليه الصلاة والسلام- يعني يفضل بين أصحابه بناءً على حفظهم القرآن لكريم، فيؤمر على الجماعة أكثرهم أخذًا للقرآن، فيقول: «أيكم أكثر أخذًا للقرآن؟»، فإن قال أحدهم أنا. قال: «أنت أميرهم»، بل حتى لما جاء يدفن شهداء أحد وضاق المكان، وأصبح فيه ازدحام، فقال: «أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟»، قال: فلان، قال: «قدموه»، حتى في القبر، لماذا؟ لفضل حافظ القرآن الكريم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ ورتل وارتقِ، فإن منزلتَك عند آخر آية تقرأها»، معنى تقرأها هنا: تحفظها. لماذا؟ لأنه إذا كان المقصود بالقراءة هنا القراءة من النظر، من المصحف، فإنه يعني ذلك أننا سنكون جميعًا في منزلة واحدة، لأننا سوف نقرأ القرآن كاملاً، لكنه دليل على أنه المقصود بالقراءة هنا: الحفظ، أنه سيحفظ كل منا بقدر، يعني سيرتقي كل واحد منا بقدر ما يحفظ في صدره من هذا القرآن، وهذا أيضًا من أدلة فضل حفظ القرآن الكريم في الصدور.
طيب.. مسألة أخرى وهي حكمه، حكم حفظ القرآن الكريم في الصدور.
نقول: أنه يجب على الأمة كلها أن تحفظ القرآن الكريم، ولكنه لا يجب على الفرد الواحد أن يحفظ القرآن الكريم، لكن مجموع الأمة يجب أن تحفظ القرآن الكريم، وهو من فروض الكفايات، إذا قام به مَن يكفي من الأمة سقط الإثم عن الباقين، لكن كل واحد من المسلمين يجب عليه أن يحفظ من القرآن ما يقيم به عبادته وصلاته لأنه لا بد أن تحفظ الفاتحة، وتحفظ ما تيسر من غيرها، لكي تصلي به صلاتك.
فضله:
كما قلنا، إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يُفاضل بين أصحابه بناءً على حفظهم القرآن الكريم.
أيضًا كان في المعارك يعقد الراية لأكثرهم أخذًا للقرآن وحفظًا له، فيجعله هو القائد ويجعله هو الذي يجمل الراية.
أيضًا كان -عليه الصلاة والسلام- إذا غاب؛ استخلف بعده مَن يصلي بالناس من الصحابة، ويختار لذلك أكثهم أخذًا للقرآن الكريم.
أيضًا -كما قلت لكم- كان يقدم للحد في القبر أكثر الصحابة أخذًا للقرآن الكريم.
وربما أيضًا كان يُزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض الصحابة بما معه من القرآن، فيجعل مهر الزوجة ما يحفظه الإنسان من القرآن الكريم، وهذا قلَّ في زمان الناس هذا، قليل مَن يزوج ابنته اليوم بما يحفظ الخاطب من القرآن الكريم، وإنما أصبح الناس الآن يغالون في المال وفي المهر.
أيضًا هنا أحاديث طبعا كثيرة في فضل قراءة القرآن وحفظه، «خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه»، يدخل في ذلك حفظه، وغيرها من الأحاديث التي تدل على فضل حفظ القرآن لكريم، ولا شك أننا نحن نؤمن بهذا، ولذلك نحرص على حفظ القرآن الكريم وعلى مراجعته، وعلى العناية به، لعلمنا بما له من الأجر، وما له من الفضل في الدنيا وفي الآخرة، نسأل الله العظيم من فضله.
من المسائل أيضًا خصائصه، يعني خصائص حفظ القرآن الكريم في الصدور، هل له خصائص انفرد بها؟
قلنا إنه يجب على كل مسلم أن يحفظَ ما تقوم به صلاته، أليس كذلك؟ ينبغي على كل واحد منَّا أن يحفظَ من القرآن الكريم ما تقومُ به صلاته، يجب عليك أن تحفظَ الفاتحة، لذلك عندما يدخل المسلم الجديد في الإسلام؛ أول شيء نعلمه بعد أن يدخل الإسلام؛ الفاتحة؛ لأنه سيُصلي بها، ولذلك أنا أدعو نفسي، وأدعو الجميع وأدعوكم أيها الإخوة المشاهدين إلى الحرص الشديد على تعليم أبنائكم الفاتحة، وتعليم مَن تستطيعون الفاتحة؛ لأن هذا فضل عظيم، فأنت إذا استطعت أن تعلم..
ولذلك أنا أغبطُ المعلمين والمعلمات الذين يُعلمون الطلاب الصغارَ، الأطفال في الروضةِ وفي التمهيدي وفي الابتدائية، يعلمونهم الفاتحة؛ لأنها ستكون في موازين حسنات هذا المعلم طول عمر هذا الرجل، أو هذه البنت، لأنه سيقرأ بها في صلاته طيلة عمره، وتكون في ميزان حسنات المعلم أو المعلمة الذي علمه الفاتحة، فأنا دائمًا أقول: احرص على تعليم الآخرين الفاتحة، وأقول دائمًا لمن يذهب إلى التعليم، علمهم كيف يقيمون الفاتحة، حتى إن أحدهم يومًا قال: يا شيخ، نحن نبالغ، تبالغون في هذا!، قلت: لماذا نبالغ؟ نحن لا نبالغ! عندما نُؤكد على وجوب حفظ الفاتحة أو العناية الشديدة بأن تكونَ أنت تسبق الآخرين إلى تعليم أبنائك وتعليم طلابك، وتعليم المسلمين الجدد الفاتحة؛ لأنه سيُصلي بها طيلة حياته، ويكون ذلك كله في ميزان حسنات مَن علمه هذه السورة العظيمة. وكانوا أيضًا يعلمونهم قصار السور حتى يصلوا بها في صلاتهم.
أيضًا؛ الحفظ في الصدور طبعًا هو ليس خاصًّا بالقرآن الكريم؛ لأن العرب عندما نزل عليهمُ القرآن الكريم كانت أمة حافظة، فكانوا يسمعون القرآن الكريم ويحفظونه، وكانت ثقافةُ الحفظ الثقافةَ الشائعةَ، ولا زالت في البادية وفي بعض المناطق هي السائدة على الكتابة، لذلك القرآن الكريم نزل متلوًّا، وهذا من خصائصه، يعني كل كتاب، كل كتاب في الأرض كتب أولا ثم قرئ إلا القرآن الكريم أنه قُرئ ثم كتب.
يعني جاء به جبريل -عليه الصلاة والسلام- من الله، سمعه جبريل من الله، ولم ينزلْ به جبريل مكتوبًا، ثم جاء جبريل، وأسمعه للنبي -صلى الله عليه وسلم- النبي لم يكتبه لأنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ومات -عليه الصلاة والسلام- وهو كذلك، ثم جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصحابة وقرأ عليهم القرآن الكريم، فسمعوه منه وحفظوه منه، وكتبوه، ولذلك عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "أخذت من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعين سورة"، حفظتها مباشرة من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر الصحابة يكتبون القرآن الكريم ويوثقونه بالكتابة.
أيضًا يمكن أن نقول -إن صح التعبير- أنه من أوائل، وإن كان بعضهم يقول أنه أول علم نشأ من علوم القرآن، وهو بمعنى حفظ القرآن الكريم في الصدور، سواء حفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو حفظ الصحابة عنه، لكن دعونا نقول: أنه من أوائل، من أوائل علوم القرآن الكريم، ومن أهمها أيضًا.
تاريخ، تاريخ حفظ القرآن الكريم في الصدور، مَن هو أول مَن حفظ القرآن الكريم في صدره يا شباب؟ أجبني يا عبد الحميد، مَن هو أول شخص حفظ القرآن الكريم في صدره؟
{الرسول}.
الشيخ: ما فيه أحد قبله؟
{جبريل}.
الشيخ: جبريل، نعم أحسنت، جبريل -عليه الصلاة والسلام- هو الذي جاء بالقرآن الكريم وحفظه، وكان يراجع للنبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، ويجالسه، وهو أول مَن حفظه، سبق النبي -صلى الله عليه وسلم- في حفظه، ثم النبي -صلى الله عليه وسلم- حفظه من جبريل، ولكم أن تتخيلوا يا شباب، كيف كان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يأتي كل رمضان فيدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن، يعني تخيلوا مجلسًا فيه جبريل ومحمد -عليه الصلاة والسلام- وهما يتدارسان القرآن.

كازانوفا
29-10-2013, 09:08 AM
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيضًا، هو أيضًا حفظ القرآن الكريم، ثم أيضًا الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- كانوا يتشوفون وينتظرون كل صباح، يعني يصلي بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- الفجر، ثم يلتفت إليهم، وعادة أنه يخبرهم بما نزل عليه من الوحي، «لقد أنزلت عليَّ البارحة سورة أحب إلي مما طلعت عليه الشمس»، فكانوا يتشوفون -رضي الله عنهم- بهذه..، جديد الوحي، لذلك لما تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء أبو بكر -رضي الله عنه- وعمر إلى امرأة من الصحابة، كانت امرأة كبيرة في السن، فوجدوها أنها تبكي، فقال لها أبو بكر، يعني "لقد انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خير مما كان فيه"، فقالت: "والله ما أبكي لأنني لا أؤمن أنه انتقل إلى خير مما هو فيه، ولكني أبكي لانقطاع الوحي" انتهى، توفي محمد -عليه الصلاة والسلام- وانقطع الوحي من السماء إلى اليوم، أيلس كذلك؟
ثم الصحابة -رضي الله عنهم- كما قلت، كانوا أيضًا يحفظونه ويصلون به في صلاتهم، ويقومون الليل به، وهناك بعض العوامل التي ساعدت في حف الصحابة للقرآن الكريم، مثل قوة الحافظة عندهم -رضي الله عنهم-، اختيار الله -سبحانه وتعالى- لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- اختيار مقصود، فالله -سبحانه وتعالى- لم يختر لصحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا خيرة البشر في زمانه، وهم خير القرون حقًّا، فقد حفظوا القرآن الكريم، ووثقوه ونقلوه إلينا تامًا غير منقوص، ومَن يطعن في الصحابة يا إخواني، مَن يطعن في الصحابة؛ فهو يطعن في ديننا كله، يطعن في ديننا كله، لأنهم هم الذين أوصلوا إلينا القرآن، فمن طعن فيهم طعن في القرآن الكريم.
وهذا الذي يصنعه هؤلاء الرافضة، وهؤلاء الذين يطعنون في ديننا ويسبون الصحابة -رضي الله عنهم- فإنما يطعنون في شهودنا الذين أوصلوا إلينا القرآن الكريم، والسنة النبوية، فهم يطعنون في القرآن وفي السنة، وفي الإسلام كله.
أيضًا، الصحابة -رضي الله عنهم- كانت المنية منتشرة، نحن عندما نقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أميًّا لم يقرأ ولم يكتب، لم يكن هذا خاصًّا بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في زمانه، وإنما كان معظم الناس كذلك، لا يقرؤون ولا يكتبون، لكن كان هناك من الصحابة من يقرأ ومن يكتب، وكان النبيُّ يستعين بهؤلاء في الكتابة وفي القراءة، ولكن منذ أن جاء الإسلام حث على العلم، وعلى الكتابة، وعلى التعلم، ولذلك تذكرون في حديثنا عن أول ما نزل من القرآن الكريم، قلنا: إن أول ما نزل هي سورة اقرأ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق 1- 4]، {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، فالقرآن الكريم والإسلام جاء بالحث على العلم والاستكثار منه والحث على تعلُّم الكتابة والقراءة، وليس هناك دين من الأديان السابقة اعتنت بالعلم والقراءة وأدوات الكتابة كما اعتنى به القرآن الكريم، فديننا هو دين العلم، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحث عليه، ولم يؤمر -عليه الصلاة والسلام- بالازدياد من شيء إلا من علم، في قوله -سبحانه وتعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وأيضًا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ربما يفدي الأسير من أسرى بدر بشرط أن يعلم عشرة من الصحابة الكتابة، فعندما أسر النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعين من قريش، كان لا يخرج الواحد منهم إلا بفدية، فإذا لم يكن معه ما يفتدي به من المال، يقول له: تعلم عشرة من الصحابة أو الأنصار الذين لا يحسنون القراءة والكتابة، تعلمهم القراءة والكتابة، فإذا علمتهم القراءة والكتابة أطلقنا سراحك، وهذا دليل على حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على نشر ثقافة القراءة والكتابة في أصحابة -رضي الله عنهم- وفي أمته بصفة عامة.
أيضًا، يمكن أن نقول أن من دوافع عناية الصحابة -رضي الله عنهم- بحفظ الرآن الكريم؛ لأنه إذا لم يكن هناك محفزات، دائمًا إذا لم يكن هناك محفزات على العلمل؛ فإن العادة الإنسان يكسل ويتراخى، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- ملأ القرآن الكريم بالوعد، وعدنا بالجنة وقال لنا: الجنات تجري من تحتها الأنهار، وقال فيها أنها من خمر لم يتغير طعمه، وأنهار من لبن مصفى، وأنهار من عسل، وذكر لنا..، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يقول: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، هذه كلها تغري المؤمن بالعمل؛ لأنه ينتظر هذا النعيم، وينتظر هذه المكافأة، هذه طبيعة في البشر أنه دائمًا يحب المكافأة، يحب التقدير، يحب الجزاء، فكذلك، الله -سبحانه وتعالى- قد وعد مَن يحفظ القرآن الكريم.
ومَن يحرص عليه، هناك دوافع تدفع إلى العناية به، لكن هناك دوافع ذاتية في القرآن نفسه لما سمع الصحابة هذا القرآن، كان من دوافع حفظهم له فوق هذا الأجر العظيم والتعبد لله بلاغة القرآن الكريم، سمعوا بلاغة، وسمعوا جلالاً في هذا القرآن لم يسمعوه قبل، حتى الكفار منهم كانوا ينجذبون لهذا القرآن..، الكلام الجليل، بل حتى الجن عندما قال الله -سبحانه وتعالى-: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1]، عجيب، عجبًا من حيث بلاغته، عجبًا من حيث تشريعاته، عجبًا من حيث قوته ومن حيث مصدره.
طيب.. طبعًا استمرت الأمة من عهد الصحابة -رضي الله عنهم- إلى عهد التابعين إلى أتباع التابعين تحرص على نقل القرآن الكريم، ودفع أناس لهذا الأمر، لتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه، وكان منهم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- بعد أن تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- تفرغ عبد الله بن مسعود لهذا، ومثله أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وتلاميذهم بعد ذلك، حتى عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، لذلك يقول عبد الرحمن السلمي، وهو من كبار التابعين الذين اشتغلوا بإقراء القرآن الكريم، وهو الذي نقلت لنا رواية حفص ورواية عاصم عنه، يقول: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري؛ أنهم كانوا لا يجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل"، فالشاهد أنهم كانوا يقرئون، عثمان بن عفان، فلما اشتغل بالخلافة بعد ذلك انشغل عن إقراء القرآن الكريم، ومثله علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
وتلاميذهم كثر تفرغوا أيضًا، مثل أبو عبد الرحمن السلمي مثلاً، هو الذي روى حديث: «خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه»، ولذلك جلس يقرئ القرآن الكريم منذ شبابه، ربما من الثامنة عشرة حتى توفي -رضي الله عنه-، وهو جالس في مسجد الكوفة يُقرئ الناس القرآن الكريم، ويقول: هذا الحديث، يعني «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، هو الذي أجلسني في هذا المجلس منذ أربعين سنة.
ففضيلة حفظ القرآن الكريم في الصدر دفعت هذه الأمة كلها إلى العناية به، اليوم حفظ القرآن الكريم في الصدور ظاهر، وكما تلاحظون الآن في مدارس تحفيظ القرآن الكريم في العالم الإسلامي كله، الإحصائيات الآن تقول: أن هنا في الرياض فقط ثمان مئة ألف حافظ، أو أكثر...، عفوًا، أكثر من مئة وثمانين ألفا أو يقارب المئتين ألف طالب وطالبة في مدارس التحفيظ وفي جمعيات التحفيظ.
في المملكة ربما ما يقارب المليون حافظ وحافظة، في الجزائر ربما أكثر من هذا العدد، في ليبيا يقارب أو يزيد على هذا العدد، في السودان، في موريتانا، في المغرب، في الأردن، في الخليج بصفة عامة، في اليمن، الأمة أقبلت ولله الحمد على حفظ كتاب الله، وعلى تلاوته وعلى حفظه في الصدور.
وأنشئت من أجل ذلك جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في العالم الإسلامي الآن كثيرة، أنشئت الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، واشتغلت الآن بمتابعة مسألة التحفيظ ومحاولة ضبطها، ومحاولة دعمها، حتى يعني تأخذَ بعدًا أكبر.
كل هذا أيها الإخوة هو إقبال على حفظ القرآن في الصدور، لاحظوا يا شباب، منذ نزولِ القرآن الكريم إلى اليوم، ونحن نتنافس في حفظ القرآن الكريم، وتجد حتى اليوم ولله الحمد حافظ القرآن الكريم له مكانته الخاصة، وله منزلته، الناس، الناس تقدره ويعني تعرف له قدره، ولا شك أن هذا من علامات الخيرية في هذه الأمة أن تعرف لقارئ القرآن قدره ومكانته، وأنه يجب أن يكون مقدرًا ومعززًا، ومكرمًا في المجتمعات الإسلامية.
أيضًا أُنشئت كليات القرآن الكريم للعناية به وتحفيظه وتعليمه، معاهد القرآن الكريم ومعاهد القراءات في مصر وفي العالم الإسلامي في كل مكان، ومصر رائدة في معاهد القرآن الكريم وفي تعليمه، وقد نفع الله بالأساتذة المصريين في العالم الإسلامي كله، انتشروا فعلموا القرآن والقراءات وبقيت حية بجهدهم.
هذه أبرز المسائل التي نُريد أن نتحدث عنها في مسألة حفظ القرآن الكريم في الصدور.
مسألة أخرى، وهي: حفظ القرآن الكريم في السطور، ولا أدري كم بقي معنا من الوقت في هذه المحاضرة، لكن لعله بقي ما يقارب العشرين دقيقة نتحدث فيها، ربما نكمل في محاضرة قادمة عن مسألة أخرى وهي مسألة جمع القرآن الكطريم بمعنى كتابته.
يعني الآن انتهينا من موضوع جمع القرآن الكريم بمعنى تلاوته أو حفظه في الصدور.

كازانوفا
29-10-2013, 09:10 AM
نأتي إلى جمع القرآن الكريم بمعنى كتابته، أولاً: سؤال: كم مرة كُتب القرآن الكريم أو جُمع القرآن الكريم كتابتة؟ تذكرون يا عبد الحميد أي معلومة في هذا الموضوع؟ هل سبق أنك قرأت في موضوع كتابة القرآن الكريم في المصحف؟ متى بدأت كتابته؟ وكيف وكذا؟ ما تذكر! جيد.
طبعًا هذا السؤال أيضًا نسأل الإخوة المشاهدين، كل واحد منكم، يعني هل قرأتم شيئًا حول كتابة القرآن الكريم؟ كيف كانت؟ متى بدأت؟
طبعًا الجواب: أنها بدأت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، طبعًا ليست بيد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فالرسول لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة، وقلتُ لكم في أول المحاضرة إن الذين يطعنون في القرآن الكريم يُوردون شبهات، منها:
يقولون: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ ويكتب.
فنقول لهم: الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48]، الله يقول: أنت يا محمد ما كنت تقرأ وما كنت تكتب، فيأتي أحد المستشرقين قال: صح، هذه الآية تقول: ما كنت تقرأ وما كنت تكتب قبل النبوة، لكن بعدها أصبحت تقرأ وأصبحت تكتب، قلنا: وأيضًا هذا غير صحيح؛ لأن الصحابة -رضي الله عنه- لم ينقلوا لنا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تدخل في كتابة المصحف أبدًا، ولم ينقل لنا أنه كان يقرأ -عليه الصلاة والسلام- حرفًا.
بل من الأدلة، هناك من الأدلة ما يرد هذا، النبي لما جاء في معركة أو في غزوة، أو في صلح الحديبية، جاء سهيل بن عمرو يفاوض عن قريش، وعلي بن أبي طالب يكتب الوثيقة، فقال: «اكتب يا علي»، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو»، فقال سهيل بن عمرو: لا، لو كنا نعلم أنك رسول الله ما حاربناك، قال: «وماذا تريد؟» قال: اكتب من محمد بن عبد الله، أو: هذا ما اتفق عليه محمد بن عبد الله، اسمك واسم أبيك، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: «امسح كلمة رسول الله، واكتب بدلا منها: محمد بن عبد الله»، فرفض علي بن أبي طالب أن يمسح هذه الكلمة، كيف أمسح كلمة "رسول الله" وأنت رسول الله حقًّا، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بعض الروايات «أرني»، يريد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعرف أين هي كلمة "رسول الله" حتى يمسحها، طيب.. لو كان يعرف يقرأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هل سيقول لعلي "أرني كلمة رسول الله حتى أمسحها"؟! كان قرأها ومسحها بنفسه، لكن هذا دليل على أنه لا يقرأ -عليه الصلاة والسلام-.
وبعضهم يقول: إنه لم يسأل عليًّا، وأنه مسحها، وهو لا يعرف القراءة والكتابة؛ لأنه يعرف أنها آخر كلمة كتبها علي فمسحها.
فالشاهد: أن هذه من الأشياء التي لو كانت وقعت، لو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ ويكتب؛ لكان هذا مما استفاض نقله، لأنهم قد نقل لنا الصحابة -رضي الله عنهم- أشياءًا قليلة، أقل من ذلك، فكيف يتركون مسألة مهمة أنه يقرأ ويكتب أنهم ينقلونها، دليل على أنه لم يكن يقرأ -عليه الصلاة والسلام- ولا يكتب، وهذا من كمالات النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن خصائصه، ومن صفات المديح له، يعني الآن لو قلت لك يا عبد الحميد أنت لا تقرأ ولا تكتب، ما شاء الله عليك، هل هذا مديح لك أم ذم؟
{لا.. ذم.}
الشيخ: صح، ولذلك يقولون الان الواحد الذي لا يقرأ ولا يكتب، هذا مسكين، هذا أمي، لا يقرأ ولا يكتب، يذمونه بذلك.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما نحن نقول له أنه كان أميًّا، نحن نمدحه بذلك، ولذلك يقولون: إن الأمية نقص في الإنسان إلا في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فهي مديح، لماذا؟ لأنه بالرغم من أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، جاء بهذا القرآن، وجاء بهذه السنة النبوية العظيمة التي لم يأتِ بها أحد، علمًا وعمقًا وتشريعًا وبلاغة وإعجازًا، هذا دليل على أنه من عند الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه لو كان الرسول يقرأ ويكتب كان قالت قريش وقال الطاعنون: هو الذي كتبها وجمعها من هنا وهنا، أصلا هم قالوا ذلك وهو لا يقرأ ولا يكتب، كيف لو كان يقرأ ويكتب؟ {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الفرقان: 5] كذبوا!
طيب.. أيضًا من المسائل، -يبدو أن جهازكم هذا يا مشايخ فيه مشكلة- جمع القرآن الكريم بمعنى كتابته هو في الحقيقة له ثلاث مراحل، وليس كما هو موجود أمامكم على الشاشة، مكتوب أمامكم على الشاشة الجدول، وهذا جدول جيد حقيقة، يرسمه الإخوة الطلاب، الجدول، في العمود الأول مكتوب: أوجه المقارنة، الأسباب، كيفيته، الأدوات، القائمون به، المميزات، المنهج.
وفي العمودين الذين على اليسار: الجمع في عهد الصديق -رضي الله عنه- والجمع في عهد عثمان -رضي الله عنه-.
أنا كان بودي أن يكون هناك عمود ثالث: الجمع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر الصحابة يَكتبون الوحي بين يديه -عليه الصلاة والسلام- وهذا هو الجمع الأول.
ونُسمي "الجمع في عهد أبي بكر الصديق" الجمع الثاني. ونسمي "الجمع في عهد عثمان -رضي الله عنه-" الجمع الثالث.
كيف كان ينزل الوحي؟ كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ينزل به جبريل، يسمعه النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقرؤه للصحابة، يخبرهم به، الصحابة -رضي الله عنهم- يكتبونه، ولذلك يقول أحد الصحابة، يقول: "كنا نؤلف الوحي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الرقاع" كيف؟ يعني كان...، وأيضًا يقول زيد بن ثابت: "كنت جارًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا في المدينة، فكانت إذا نزلت آية أو آيات، أرسل إلي، فجئته، فأمرني بكتابة هذه الآيات التي نزلت".
فالقرآن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مجموعًا، كان يُجمع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ويُكتب بين يديه -عليه الصلاة والسلام-، ولكن يُكتب غير مرتب على حسب السور، يعن مثلا تجد صحيفة فيها سورة الماعون مكتوبة، صحفية أخرى مكتوب فيها سورة الفيل، صحيفة أخرى مكتوب فيها سورة التين والزيتون، لكنها ليست مرتبة ترتيبًا بمعنى أن هذه السورة، ثم هذه السورة، ثم هذه السورة، واضح؟ كانت مرتبة، يعني الآيات مرتبة، لكن السور غير مرتبة، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- بعضهم يكتب لنفسه، يعني مثلاً علي بن أبي طالب ينزل الوحي فيكتب لنفسه هو يقرأ فيه، وعبد الله بن مسعود يكتب لنفسه ويقرأ، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يجعل مَن يكتب، لا نقول: يكتب لنفسه -عليه الصلاة والسلام- لأنه لا يحتاج إلى القراءة ولا يعرفها، ولا يحسنها، ومات -عليه الصلاة والسلام- وهو لا يعرف يقرأ ولا يكتب، لكنه كان -عليه الصلاة والسلام- يحفظه في صدره، والله قد تكفل له بذلك، فقال: إن علينا جمعه في صدرك، فكان -عليه الصلاة والسلام- لا ينسى القرآن أبدًا، إلا إذا أراد الله أن ينسيه آية من الآيات، ويرفعها -سبحانه وتعالى- كما قال: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]، وهذه مسائل سوف إن شاء الله ندرسها، وهي مسألة النسخ في علوم القرآن.
طيب.. الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- الذين اشتغلوا بكتابة الوزحي بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد منكم يذكر منهم أحدا؟ علي بن أبي طاب كان ممن يكتب الوحي.
{ومعاوية بن أبي سفيان.}
الشيخ: أحسنت، معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كان يكتب الوحي للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن معاوية طبعًا متأخر؛ لأن معاوية -رضي الله عنه- أسلم يوم فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، أو التاسعة تقريبًا، فيعني هو كتب الوحي للنبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، لكن هناك مَن كتب الوحي للنبي في مكة، أبو بكر كان..، وعثمان كان يكتب..
{زيد بن ثابت.}
الشيخ: زيد بن ثابت في المدينة، في المدينة أيضًا، أبي بن كعب في المدينة أيضًا، لكن من الكتاب الأوائل الذين كانوا يكتبون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم أجمعين-
ولذلك يعني جمع العلماء مَن كتب الوحي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فوجدوا أنهم يكادون يصلون إلى أربعين كاتبًا من الصحابة -رضي الله عنهم- لكن تميز منهم زيد بن ثابت، أبي بن كعب، علي بن أبي طالب.
ولذلك لما تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، لاحظوا، تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن الكريم لم يجمع في مصحفٍ واحدٍ، في كتاب واحد، لكن مكتوبة السورة كاملة مرتبة، آياتها مرتبة داخلها، لكن ترتيبها ترتيبًا كاملا في كتابٍ واحد غير مرتبة.
طيب.. سؤال: هل النبي -صلى الله عليه وسلم- كان علم الصحابة أن القرآن الكريم يبدأ بالفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم النساء؟ الجواب: أنه كان -عليه الصلاة والسلام- يصلي بهم هكذا، فيقرأ بهم هذه السور مرتبة، وكانوا يعرفون أن ترتيبها على هذا النحو، لكنه غير موجودة في كتاب، تفتح البقرة، آل عمران، النساء، غير موجود في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرَ الصحابة -رضي الله عنهم- حاجة إلى جمع القرآن في كتاب واحد، ولذلك لم يكن يُعرف أصلا شيء اسمه "المصحف" ما كان عندهم شيء اسمه "المصحف" في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن المصحف في اللغة هو الكتاب الذي جمعت الصحف مع بعضها البعض، فأصبحت مصحفًا، المصحف يعني هو الذي جُمعت الصحف فيه في مكان واحد.
فلما جاءت حادث، ولذلك لاحظوا الجدول الذي أمامكم الآن، نحن نقول أسباب الجمع، سبب الجمع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يأمر به -عليه الصلاة والسلام- يقول: (اكتبوا)، بل إنه كان -عليه الصلاة والسلام- ينهى أصحابه أن يكتبوا شيئًا غير القرآن، أن بعضهم كان إذا سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يحدث، يكتب عنه، فيقول: «لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن، ومَن كتب عني شيئًا غير القرآن؛ فليمحه»، فكان النبي يأمر بكتابة القرآن، فهذا سبب من أسباب جمع القرآن في عهده -عليه الصلاة والسلام-، لكن عهد أبي بكر، في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- نقول سبب جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق حادثة وقعت، تقريبًا وقعت في السنة الثالثة عشرة تقريبًا، أو الثانية عشرة تقريبًا في منتصف السنة الثانية عشرة، وقعت حادثة وهي حرب الردة، ارتدت بعض قبائل العرب، وخاصة في نجد، فسير أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الجيوش لمحاربتهم.
إحدى المعارك التي هي معركة اليمامة كان فيها عدد من الصحابة القراء، يعني القراء الذين يحفظون القرآن الكريم، فلما رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هذه المقتلة العظيمة، التي قُتل فيها ما يقارب سبعون من الحفاظ؛ جاء لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: يا أمير المؤمنين، أشير عليك بأن تجمع القرآن الكريم في كتاب واحد، لأنه قد قتل هذا العدد الكبير من الحفاظ، وأخشى أن يتفلت ويضيع منه شيء، فلم ينشرح صدر أبي بكر الصديق لهذا، وقال أبو بكر: كيف أصنع شيئًا لم يصنعه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ يعني هذا موضوع، النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فعله، وهو أنه يجمع القرآن الكريم، فكيف تريد مني أن أفعل شيئًا ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! فلم يزل عمر -رضي الله عنه- يراجع أبو بكر حتى انشرح صدره لجمع القرآن الكريم في مصحف واحد، فلما اقتنع أبو بكر أرسل إلى زيد بن ثابت، فلما جاء زيد بن ثابت قال له أبو بكر الصديق: يا زيد أنت شاب عاقل ثقة، كنت تكتب الوحي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإني أريد منك أن تجمع القرآن، كيف؟ تجمع القرآن الكريم من الصحف، ومن الذين كتبوا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتجمعها لنا في مصحف واحد.
فقال زيد ين ثابت: "والله لو كلفوني بنقل جبل من الجبال لكان أهون علي من هذا العلم"، المهمة، يرى أنه مهمة شاقة، وفعلاً بدأ زيد بن ثابت -رضي الله عنه- يجمع القرآن الكريم من الصحف، ومن اللخاف، طبعًا يأتي معنا مسألة مهمة وهي مسألة: كيف كان يُكتب الوحي في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وسائل الكتابة أصلا كانت وسائل بدائية، ما في أقلام، الورق ما فيه، يعني أشياء بدائية جدًّا، كيف يكتبون؟ يأتون على العظام، يعني عندما يجدون عظمًا من عظام الجمل الكبيرة، أو عظام البقر الكبيرة أو عظام الغنم، ولكن عظام الغنم صغير، فما تستوعب أن يُكتب عليها شيء، لكن فيه مثلاً عظم الكتف في الغنم، يمكن تكتب عليه كتابة بسيطة، ما يستوعب شيئا.
تخيل نفسك الآن لو أعطيتك الآن يا عبد الحميد لحم أو عظم كتف، خروف مثلاً، ماذا تكتب عليه، يعني صغير جدًّا، أشبه ما يكون بورقة المرذكرة الصغيرة، فليس هناك..
أضف إلى ذلك أن القلم الذي ستكتب به ليس قلما جافًّا من الأقلام الدقيقة هذه التي في جيوبنا هذه، هذا..، انظر الآن ما أسهل أنك تكتب الآن، الحمد لله، يعني الآن القلم في جيبك الآن، تخرج القلم بكل بساطة وتكتب ما تشاء، تكتب على ورق a4، a3، ما أدري، لكن في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- المسألة لم تكن بهذه الصورة، الأقلام ثخينة غليظة، ولا يوجد أوراق، هناك رقاع يجمعونها من الجلود، والعرب لم تكن منفتحة على وسائل الكتابة، يعني القرآن الكريم لما جاء، جاء معه بثورة علمية، لأنه ذكر الأقلام، وذكر الكتابة، يعني وسائل الكتابة وأدوات الكتابة، وقد كتب أحد الباحثين وهو أظنه عثمان ذو النون، كتب كتابًا عن أدوات الكتابة في القرآن الكريم جمعها {وَ لْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كاتِب بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق 1- 5]، إلى آخره.
وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعل هذا العلم الذي نتعلمه مما يشفع لنا عند الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة، ألقاكم إن شاء الله في المحاضرة القادمة وأنتم على خير.

(الراقي)
11-12-2013, 01:08 AM
جزاكم الله خيرا