الحريّه
25-10-2013, 08:38 AM
رسالة إلى كلِّ أم , تريد أن تحصل على تقدير امتياز في حياتها
جاءتني موظفة الاستقبال في المدرسة لتعلن وجود وليّة أمر الطالب فلان . أطلقتُ تنهيدة عميقة , و قلت في نفسي " أخيراً "!! فقلت دعيها تتفضل .
بعد طول عناء و معاناة مع مشاكله المتعددة المستمرة , و فشل جميع برامج المتابعة التي تصممها المدرسة لإصلاح شأنه , و عجز المدرسة أمام تقاعس البيت في إيجاد حلًّ تضبط من خلاله سلوك الطالب لكي يتعلم , قمت بإرسال رسالة نصية إلى جوال الأم , التي وصلت الرسائل المُرسلة إليه حتى ذلك الحين ما يقارب الثمانية عشر رسالة , أخبرها فيه أنني سأقوم بالتواصل مع حقوق الأم و الطفل إذا لم أجدها أمامي خلال نصف ساعة . و هكذا كان .
لقد استمرت أعذار الأم ثلاثة أعوام , ينصب جميعها في عدم قدرتها على القيام بواجبات الأمومة لأنها منشغلة تماماً مع أمها المريضة , التي تضطر للسفر معها للعلاج أكثر أوقات السنة . و أعذار الأب بانشغاله في أمور العمل التي لا تترك له متنفس . إلى أن جاء الأسبوع الفائت , حين جاءت ولية أمر تتابع المدرسة في موضوع ابنٍ لها . و جاء ذكر طالبنا هذا في سرد شكوىً لها عليه . فحاولت أن أفهمها أنه في آخر المطاف طفل ليس له ذنب , و أن انشغال أمه بوالدتها ينكّس عجلة العمل عليه و هذا أمر طبيعي . ما صدمني هو الضحكة التي أطلقتها هذه الأم , التي أفهمتني أنها جارة لهم , و أن أم الطالب صديقتها. و الأمر الذي صعقني هو كشفها لأمر غير متوقع و هو أن أم جارتها متوفية منذ أعوام و أنه لا يوجد لديها أي شاغل غير عنايتها الفائقة بنفسها ( سفرات , سهرات , عمليات تجميل ) التي تجعل حصيلة بيتها في الأخير إهمال للأبناء و الزوج و الأسرة .
و حين جلست مع الطالب للمرة الألف , محاولةً استخلاص هذا منه بطريقة خفية , خفض رأسه و تنهّد و قال أن أمه ستضربه إن قال أي شيء , فهي تضربه على أقل هفوة.
الشاهد , أنني اتصلت بالأب , و لم يحضر , و قمت بعدها بإرسال تلك الرسالة التي أجبرت الأم على الحضور مباشرة.
جاءت إلى مكتبي و هي – لدهشتي - تغطي وجهها , ثم رفعت الغطاء فعرفت لماذا كانت تغطيه , لقد أجرت عملية تقشير كانت آثارها واضحة .
سألتها " هل ابنك غير مهم لهذه الدرجة يا أختي الفاضلة ؟!!!! " لقد طال انتظاري لكِ. ما يهمني هو أن نصل بهذا الطالب إلى بوابة يكون قد وصل إلى مرحلة من الوعي و الأدراك يستطيع بعدها أن يحدد و يختار مصيره . و بدون تعاون الأسرة , لن نستطيع حتى تعليمه القراءة و الكتابة.
بدأت بسرد انشغالها المؤبد بوالدتها و اضطرارها إلى السفر معها للخارج من أجل عمليات دقيقة و خطيرة لا تستطيع معها ترك والدتها .
انتظرت أن تقول شيء آخر قبل أن أتحدث , لكي لا تضطر بعد ذلك إلى إضافة تبرير آخر أتحول بعده إلى مجرد مديرة تتصيد لأخطاء أولياء الأمور . فقلت لها " أنا أعتذر منكِ لأنني لم أعزيكِ في والدتك . لم أعلم بموتها إلا بالأمس " نظرت إلي في دهشة و ريبة في نفس الوقت . توقعت أن تقول " فال الله ولا فالك " إلا أنها خفضت رأسها و لم تعقّب .
فسألتها " هل تسمحين لي أن أتحدث معك ببعض الصراحة المؤلمة ؟ فأنا أعتبرك مثل أختي الصغرى " نظرت إلي بتوجس و قالت " أنا أكره الحضور إلى المدرسة لأنني أعلم أنكم ستشتكون من سلوكياته . أنا لا أستحمل ذلك . إنني أضربه كثيراً و لكن " ما منه فايده " ! .
قلت " نحن في هذه الدنيا نحيا أنماطاً من الحياة . فعندما تكون إحدانا صغيرة و قبل أن تتزوج , يكون نمط حياتها مختلفاً عنه و هي متزوجة و أم لأطفال . إن هؤلاء الأبناء يصبحون جزءاً من واقعنا , نحيا لهم و بهم و معهم . لا نستطيع أن نعيش حياتنا نفسها عندما كنا غير مرتبطين بزوج و اسرة.
لا يرضي الله أن نحضرهم إلى هذه الحياة و نتركهم للخادمة أو شخص آخر أو للشارع يرسم على شخصياتهم ما يشاء بعشوائية مقيتة لا يقبلها عقل.
نظرتُ إليها و ابتسمت , و قلت " نعم , أنتِ الآن شابة لك تطلعات و أماني , إلا أن أماني الأم لا يجب أن تتجاوز مستقبل أبنائها إلى أوهام غرسها الإعلام في نفوس بناتنا , فظنت الواحدة فينا أن هؤلاء الممثلات هن قدوتها . إن دور الأم مقدس . دورها جاء في نصوص قرآنية أعطاها في مقابلها حقوق لن تحصل عليها إلا إذا أحسنت أداء دورها.
سيأتي يوم , تودّعكِ فيه الحياة, لن تكوني بضاعة صالحة لبهرجها , و حينها ستلتفتين حولك للبحث عمن يسندك , يمسك بيديك , حينها لن تجدي سوى مسوخاً لن ترضي عنها . لن تجدي أبناءً بررة يعينونك على لأواء الحياة و ضنكها . ببساطة , لأن هؤلاء لا يحدثون طفرة , بل يأتون من خلال عناية فائقة و تربية نَفني بها أعمارنا و أيامنا .
لا أعلم كم مما قلت تجاوز تراقيها ووصل إلى عقلها , إلا أنني اضطررتُ أن أكون أكثر إيلاماً حتى لا تقف يوماً أمام مرآة الزمن تندب حظها كأم فشلت في تربية أطفال جاءوها صفحة بيضاء فعجزت عن خَطِّ ما تريد عليها.
تحياتي :victory:
جاءتني موظفة الاستقبال في المدرسة لتعلن وجود وليّة أمر الطالب فلان . أطلقتُ تنهيدة عميقة , و قلت في نفسي " أخيراً "!! فقلت دعيها تتفضل .
بعد طول عناء و معاناة مع مشاكله المتعددة المستمرة , و فشل جميع برامج المتابعة التي تصممها المدرسة لإصلاح شأنه , و عجز المدرسة أمام تقاعس البيت في إيجاد حلًّ تضبط من خلاله سلوك الطالب لكي يتعلم , قمت بإرسال رسالة نصية إلى جوال الأم , التي وصلت الرسائل المُرسلة إليه حتى ذلك الحين ما يقارب الثمانية عشر رسالة , أخبرها فيه أنني سأقوم بالتواصل مع حقوق الأم و الطفل إذا لم أجدها أمامي خلال نصف ساعة . و هكذا كان .
لقد استمرت أعذار الأم ثلاثة أعوام , ينصب جميعها في عدم قدرتها على القيام بواجبات الأمومة لأنها منشغلة تماماً مع أمها المريضة , التي تضطر للسفر معها للعلاج أكثر أوقات السنة . و أعذار الأب بانشغاله في أمور العمل التي لا تترك له متنفس . إلى أن جاء الأسبوع الفائت , حين جاءت ولية أمر تتابع المدرسة في موضوع ابنٍ لها . و جاء ذكر طالبنا هذا في سرد شكوىً لها عليه . فحاولت أن أفهمها أنه في آخر المطاف طفل ليس له ذنب , و أن انشغال أمه بوالدتها ينكّس عجلة العمل عليه و هذا أمر طبيعي . ما صدمني هو الضحكة التي أطلقتها هذه الأم , التي أفهمتني أنها جارة لهم , و أن أم الطالب صديقتها. و الأمر الذي صعقني هو كشفها لأمر غير متوقع و هو أن أم جارتها متوفية منذ أعوام و أنه لا يوجد لديها أي شاغل غير عنايتها الفائقة بنفسها ( سفرات , سهرات , عمليات تجميل ) التي تجعل حصيلة بيتها في الأخير إهمال للأبناء و الزوج و الأسرة .
و حين جلست مع الطالب للمرة الألف , محاولةً استخلاص هذا منه بطريقة خفية , خفض رأسه و تنهّد و قال أن أمه ستضربه إن قال أي شيء , فهي تضربه على أقل هفوة.
الشاهد , أنني اتصلت بالأب , و لم يحضر , و قمت بعدها بإرسال تلك الرسالة التي أجبرت الأم على الحضور مباشرة.
جاءت إلى مكتبي و هي – لدهشتي - تغطي وجهها , ثم رفعت الغطاء فعرفت لماذا كانت تغطيه , لقد أجرت عملية تقشير كانت آثارها واضحة .
سألتها " هل ابنك غير مهم لهذه الدرجة يا أختي الفاضلة ؟!!!! " لقد طال انتظاري لكِ. ما يهمني هو أن نصل بهذا الطالب إلى بوابة يكون قد وصل إلى مرحلة من الوعي و الأدراك يستطيع بعدها أن يحدد و يختار مصيره . و بدون تعاون الأسرة , لن نستطيع حتى تعليمه القراءة و الكتابة.
بدأت بسرد انشغالها المؤبد بوالدتها و اضطرارها إلى السفر معها للخارج من أجل عمليات دقيقة و خطيرة لا تستطيع معها ترك والدتها .
انتظرت أن تقول شيء آخر قبل أن أتحدث , لكي لا تضطر بعد ذلك إلى إضافة تبرير آخر أتحول بعده إلى مجرد مديرة تتصيد لأخطاء أولياء الأمور . فقلت لها " أنا أعتذر منكِ لأنني لم أعزيكِ في والدتك . لم أعلم بموتها إلا بالأمس " نظرت إلي في دهشة و ريبة في نفس الوقت . توقعت أن تقول " فال الله ولا فالك " إلا أنها خفضت رأسها و لم تعقّب .
فسألتها " هل تسمحين لي أن أتحدث معك ببعض الصراحة المؤلمة ؟ فأنا أعتبرك مثل أختي الصغرى " نظرت إلي بتوجس و قالت " أنا أكره الحضور إلى المدرسة لأنني أعلم أنكم ستشتكون من سلوكياته . أنا لا أستحمل ذلك . إنني أضربه كثيراً و لكن " ما منه فايده " ! .
قلت " نحن في هذه الدنيا نحيا أنماطاً من الحياة . فعندما تكون إحدانا صغيرة و قبل أن تتزوج , يكون نمط حياتها مختلفاً عنه و هي متزوجة و أم لأطفال . إن هؤلاء الأبناء يصبحون جزءاً من واقعنا , نحيا لهم و بهم و معهم . لا نستطيع أن نعيش حياتنا نفسها عندما كنا غير مرتبطين بزوج و اسرة.
لا يرضي الله أن نحضرهم إلى هذه الحياة و نتركهم للخادمة أو شخص آخر أو للشارع يرسم على شخصياتهم ما يشاء بعشوائية مقيتة لا يقبلها عقل.
نظرتُ إليها و ابتسمت , و قلت " نعم , أنتِ الآن شابة لك تطلعات و أماني , إلا أن أماني الأم لا يجب أن تتجاوز مستقبل أبنائها إلى أوهام غرسها الإعلام في نفوس بناتنا , فظنت الواحدة فينا أن هؤلاء الممثلات هن قدوتها . إن دور الأم مقدس . دورها جاء في نصوص قرآنية أعطاها في مقابلها حقوق لن تحصل عليها إلا إذا أحسنت أداء دورها.
سيأتي يوم , تودّعكِ فيه الحياة, لن تكوني بضاعة صالحة لبهرجها , و حينها ستلتفتين حولك للبحث عمن يسندك , يمسك بيديك , حينها لن تجدي سوى مسوخاً لن ترضي عنها . لن تجدي أبناءً بررة يعينونك على لأواء الحياة و ضنكها . ببساطة , لأن هؤلاء لا يحدثون طفرة , بل يأتون من خلال عناية فائقة و تربية نَفني بها أعمارنا و أيامنا .
لا أعلم كم مما قلت تجاوز تراقيها ووصل إلى عقلها , إلا أنني اضطررتُ أن أكون أكثر إيلاماً حتى لا تقف يوماً أمام مرآة الزمن تندب حظها كأم فشلت في تربية أطفال جاءوها صفحة بيضاء فعجزت عن خَطِّ ما تريد عليها.
تحياتي :victory: