المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)



امـ حمد
08-11-2013, 11:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
ونلحظ أسلوب التقديم والتأخير في هذه الآية الكريمة،وهذا من حسن نظم القرآن الكريم حيث قال الله تعالى(فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)
ولم يقل،ذروا البيع واسعوا إلى ذكر الله، فالسعي إلى ذكر الله يكون بعد أن يذر المسلم البيع ولا يتصور وقوعه قبله،لكن القرآن الكريم قدم (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)وحقه التأخير،وأخّر(وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ)وحقه التقديم للتأكيد على أهمية هذه الصلاة ومكانتها في الإسلام، والحث عليها والمسارعة إليها،
يأمر الله تعالى،عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة إليها، من حين ينادى لها والسعي إليها،
والمراد بالسعي هنا،المبادرة إليها والاهتمام لها،وجعلها أهم الأشغال،وقوله(وَذَرُوا الْبَيْعَ )سورة الجمعة،
البيع يكون خارج هذا الوقت،هذا وقت الاتصال بالله،وذكر الله، وقت سماع الخطبة،هذا وقت تشحن به شحنة روحية، لعلها تمدك بقوة على طاعة الله،وبراحة نفسية،وبإرادة قوية،هذه الشحنة لا بدّ منها كل أسبوع،ففي صحيح مسلم ،والترمذي،من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله قال(من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها، طبع الله على قلبه)وفي رواية(من ترك الجمعة ثلاث مرات، من غير عذر ولا علة، طبع الله على قلبه)
اتركوا البيع،إذا نودي للصلاة،وامضوا إليها،فإن(ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ )من اشتغالكم بالبيع، وتفويتكم صلاة الفريضة، التي هي من آكد
الفروض(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )أن ما عند الله خير وأبقى، وأن من آثر الدنيا على الدين،فقد خسر الخسارة الحقيقية، من حيث ظن أنه يربح، وهذا الأمر بترك البيع مؤقت مدة الصلاة،
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ)لطلب المكاسب والتجارات،ولما كان الاشتغال في التجارة،مظنة الغفلة عن ذكر الله،أمر الله بالإكثار من ذكره،فقال( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا )أي،في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح،
قال تعالى(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا)أي،خرجوا من المسجد،حرصاً على ذلك اللهو،وتلك،التجارة، وتركوا الخير( وَتَرَكُوكَ قَائِماً)تخطب الناس، وذلك في يوم جمعة، بينما النبي صلى الله عليه وسلم،يخطب بالناس إذ قدم المدينة عير تحمل
تجارة،فلما سمع الناس بها، وهم في المسجد، انفضوا من المسجد،وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم،يخطب استعجالاً لما لا ينبغي أن يستعجل له،وترك أدب( قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ )من الأجر
والثواب، لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله(خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ )التي وإن حصل منها بعض المقاصد، فإن ذلك قليل منغص، مفوت لخير الآخرة،وليس الصبر على طاعة الله مفوتاً للرزق، فإن الله خير الرازقين، فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب،
وفي هذه الآيات فوائد عديدة
خصّ الله المسلمين بهذا اليوم وجعله عيدهم الأسبوعي،وفرض فيه صلاة الجمعة وخطبتها،وأمر المسلمين بالسعي إليها جمعاً
لقلوبهم،وتوحيداً لكلمتهم،وتعليماً لجاهلهم،وتنبيهاً لغافلهم، بعد أسبوع كامل من العمل والإكتساب،كما حرّم فيه الاشتغال بأمور الدنيا، وبكل صارف عن التوجه إلى صلاة الجمعة عند الدعوة إليها،
قال النبي صلى الله عليه وسلم(إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند اللَه،وهو أعظم عند اللَّه من يومِ الأضحى،ويومِ الفطرِ،وفيه
خمس خلالٍ،خلق اللَّه فيه آدم،وأهبط اللَّه فيه آدم إلى الأرض،وفيه توفى اللَه آدم،وفيه ساعة لا يسأل اللَّه فيها العبد شيئاً إلا أعطاه إياه
ما لم يسأل حراماً،وفيه تقوم الساعة،ما من ملك مقربٍ،ولا سماءٍ،ولا أرضٍ،ولا رياح،ولا جبالٍ،ولا بحر إلاَّ وهن يشفقن من يوم الجمعة)رواه أحمد وابن ماجه ،
منها،أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين، يجب عليهم السعي لها،والمبادرة والاهتمام بشأنها،
وأن الخطبتين يوم الجمعة،فريضتان يجب حضورهما، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين،فأمر الله بالمضي إليه والسعي له،
ومنها،مشروعية النداء ليوم الجمعة،والأمر به،والنهى عن البيع
والشراء، بعد نداء الجمعة، وتحريم ذلك،وما ذاك إلا لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه، فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مباحاً في الأصل، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب، فإنه لا يجوز في تلك الحال،
والأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة،وذم من لم يحضرهما،وإلزام الإنصات لهما،
ولقوله صلى الله عليه وسلم(الْجُمُعَةُ حَقٌ واجِبٌ على كلِّ مُسْلِمٍ في جَماعَةٍ، إِلا أَرْبَعَةٌ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَريضٌ)رواه ابو داود والبيهقي والحاكم وصححه الألباني،
وينبغي للعبد المقبل على عبادة الله،وقت دواعي النفس لحضور اللهو،والتجارات،والشهوات،أن يذكرها بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رضاه على هواه.