المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيراوي: الغاز الصخري طوق نجاة أمريكا من المشاكل الإقتصادية



رمــــــاح
03-12-2013, 07:55 PM
الشيراوي: الغاز الصخري طوق نجاة أمريكا من المشاكل الإقتصادية








كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الغاز الصخري والدول والشركات التي تتجه نحو التنقيب عنه. واختلفت آراء العاملين بقطاع الطاقة والمحللين والخبراء في هذا القطاع حول آثاره السلبية على البيئة وتأثيره في حال ما تم استخراجه على أسعار الغاز التقليدي والتوقعات بتراجع الطلب على وسائل الطاقة التقليدية وانخفاض عوائد استثمارات الدول والشركات بها وتأثير ذلك على الدول المنتجة والمصدرة لوسائل الطاقة التقليدية.

"الشرق" التقت السيد محمد حمد الشيراوي. مدير الشؤون المالية والخبير المالي السابق بقطر للبترول. وأحد الخبراء في مجال النفـط والغاز. لتأخذ وجهة نظره حول الآراء المختلفة بهذا الموضوع.. فإلى نص الحوار:


* كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الغـاز الصخري كيف ترى هذه القضية؟
- الغاز الصخري (أو الغاز الحجري) هو غاز طبيعي يتكون في الصخور نتيجة الحرارة والضغط ويبقى محبوساً داخل فراغات هذه الصخور الصلبة والتي لاتسمح له بالخروج حيث يكون موجوداً في باطن الأرض.وترجع أهمية الغاز الصخري والبترول الصخري إلى بدايات القرن الحالي حيث أجرت أمريكا دراسات وأبحاثا مكثفة للتوصل لتكنولوجيا متقدمة قادرة على التحكم وذات كفاءة عالية، في استخراج الغاز الصخري الموجود بكميات معقولة في أمريكا (وأيضاً في 33 دولة حالياً) على مستويات عمق ألفي متر ويمكن أن تصل إلى ثلاثة آلاف متر في بعض الدول، من مكونات طبقات صخرية وتسمى هذه التقنية بـ "فراكنغ" والتي تركز على تكسير الصخور في باطن الأرض عن طريق الضغط بكميات هائلة من الماء ومواد كيماوية والرمل لخلق مسامات وفراغات تسمح بسير الغاز وتتطلب كميات كبيرة من الماء ويتم استخدام تقنية الحفر أفقياً تحت الأرض وتصل لمسافات كبيرة من أجل الوصول إلى تلك الصخور هيدروليكياً(Hydraulic Fracturing - التكسير الهيدروليكي) وبطرق آمنة.

ومن الغرابة أن تتصف حقول الغاز الصخري بسرعة انخفاض معدلات إنتاجها في الفترات الأولى أي خلال الأعوام الأولى من بدء الإنتاج المبدئي ويصل إلى %60 تقريباً من أعلى مستوى للإنتاج ثم يتواصل في النزول ليصل إلى نفس مستوى سنوات بدء الإنتاج تدريجياً. ويستمر عند مستوى الإنتاج الذي وصل إليه لفترة طويلة حسب سلوكيات المكمن.

وقد بات الغاز الصخري أحد المصادر المهمة للطاقة على مستوى العالم. وتبين الإحصاءات أن أمريكا أنتجت في عام 1996 نحو 0.3 تريليون قدم مكعب من الإنتاج الأمريكي للغاز وارتفعت خلال الأعوام الخمس الأخيرة إلى 4.87 تريليون قدم مكعب أي 23% من مجموع استهلاك السوق الأمريكي ولديها حقول عده منتشرة في عدة ولايات وتقع مكامنها من الغاز الصخري في تكساس ولويزيانا وأركنساس وحقول منتجة في لويزيانا ومارسيلور وفي بنسيلفانيا ومناطق أخرى.


المخزون الأمريكي

يقدر الخبراء والعاملون في مجال الاستكشاف والفنيون والاقتصاديون أن حجم المخزونات من الغاز الصخري في أمريكا والقابل للاستخراج هي 60.6 تريليون قدم مكعب أي 6.9% من المخزون الصخري وهذا يعني في اعتقادي أن أمريكا قادرة على استخراج هذه الكمية خلال فترة لا تقل عن14 عاما مقبلة تقريباً ونفس الكلام ينطبق على النفط الصخري أيضاً. وهذه الكمية تعتبر متواضعة حالياً بالنسبة لمعدل استهلاك أمريكا السنوي الذي يقدر بـ 7.5 مليار قدم مكعب. ولكن يتوقع الخبراء أن عمليات الاستكشاف وعمليات الحفر الجديدة ربما تسفر عن كميات أخرى ومعطيات جديدة تغير الصورة بشكل جزئي أو بشكل كامل. كما أنه ربما تكون هناك إحصاءات جديدة لم يتم نشرها أو الانتهاء منها حتى الآن.

ومن المعلومات المتوفرة فإن هذا النوع من الغاز يتميز بارتفاع تكلفة إنتاجه ولكن تم التمكن من تنميته بسبب أسعار النفط المرتفعة وكسب اهتماما كبيراً من الحكومة في أمريكا لأسباب إستراتيجية، حيث صرح الرئيس الأمريكي في أحد المؤتمرات أمام مجموعة من رجال الأعمال الأمريكيين أن هذا الغاز سوف يسمح لهم بحرية النقاش والتباحث مع المسؤولين في الشرق الأوسط والتفاوض معهم بطرق وأساليب أكثر جدية.

وهناك عدة تقارير صدرت مؤخراً أهمها في هذا الشأن تقرير لوكالة الطاقة الدولية أشارت فيه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتفوق على السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم وربما في خلال الفترة من عام 2015 إلى عام 2018 سوف تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقليل اعتمادها على إمدادات أوبك. وهذا يعني أن دولاً منتجة ومصدرة ستعيد النظر في سياساتها النفطية وبالأخص سياسة تسويق الغاز والنفط وسياسة اختيار الأسواق المناسبة والأسواق المستقبلية التي يجب التركيز عليها.


تكنولوجيا جديدة

* ما هو تأثير استخدام الغاز الصخري على أمريكا؟
- كلنا يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية عانت كثيرا من مشاكلها الاقتصادية والمالية ويعتبر الغاز الصخري والبترول الصخري كطوق نجاة لكثير من مشاكلها وبعد سنوات عديدة من الدراسات والأبحاث طورت أمريكا وبنجاح تكنولوجيا جديدة استخدمتها في حقل بانيت في شمال ولاية تكساس أسهمت في خفض تكلفة حفر بعض الآبار للغاز الصخري في ولايتي أركنساس ولويزيانا أدت إلى تغييرات مهمة في مسار تجارة الغاز الدولية في العقد المقبل. إن تأثيره ملحوظ ففي مجال الصناعة سيتم إنشاء مصانع جديدة فعلى سبيل المثال لا الحصر. إنشاء صناعة السماد "دوراكيوم" والذي ارتبط بخطة لإنشاء مصنع للسماد الأزوتي في الجنوب الغربي لولاية "أيوا" لتزويد مزارع الذرة بمادة السماد الكيماوي وأيضاً هناك خطة لإنشاء مصنع بتروكيميائي في الشمال الغربي "بريسبورغ" بتكلفة ملياري دولار أمريكي باستخدام الغاز الصخري. بالإضافة إلى مصانع أخرى ضمن خطتها المستقبلية. هذا بالإضافة إلى مشاريع نفطية وغير نفطية كانت قد أوقفت بسبب عدم جدواها الاقتصادية في السابق.تم إعادة العمل بها بعد تعديل جدواها الاقتصادية. ولا أعتقد أن تكون هناك بلدان يمكنها أن تنافس الولايات المتحدة في طريقة استغلالها سواء للغاز الصخري أو للنفط الصخري بسبب احتكارها حالياً للتقنية المستخدمة في هذا المجال.


تغييرات إستراتيجية

* هل هناك تأثيرات سلبية على صناعة الغاز التقليدي في الشرق الأوسط وبالأخص الخليج العربي بسبب الغاز الصخري؟
-في اعتقادي الشخصي المتواضع ستحدث تغييرات إستراتيجية كبيرة وكثيرة في هذه المناطق على المدى المتوسط والطويل. وبالأخص إذا ما قيمنا ما نشره البنك الإفريقي في تقريره حول احتياطيات الغاز الصخري في 7 دول إفريقية مفاده أن أكبر الاحتياطيات المؤكدة للغاز الصخري توجد في جمهورية جنوب إفريقيا وقدرت بأكثر من 13 تريليون متر مكعب تليها ليبيا 8 تريليونات متر مكعب ومن ثم الجزائر التي قدرت احتياطياتها بنحو 6.5 تريليون متر مكعب وهذا سوف يساعد في زيادة العائد الاقتصادي لاستخراج الغاز الصخري وبالتالي سينعش سوق الغاز وستستفيد منها هذه الدول خاصة أن معظم هذه الدول تعاني اقتصاديا ومالياً ولديها مشاكل مختلفة سياسية واجتماعية. وقد كشف البنك الإفريقي أيضاً أن المغرب وتونس وموريتانيا من بين الدول التي توجد بها كميات مهمة من الغاز الصخري وعليه تعتبر دولا مهمة. إلا أن جميع هذه الدول سوف تحتاج إلى مساعدات فنية وتقنية ومالية لاستخراج هذه الكميات.

من ناحية أخرى هناك دول مثل الجزائر والسعودية وتركيا وأوكرانيا قد استجابت لمؤشرات التغير فتعاونت مع رياح التغيير وبدأت خطواتها الإيجابية. وأتوقع أن تمر أسواق الغاز الصخري والنفط الصخري بمرحلتين قبل عام 2022 حيث نشهد ارتفاعا في الإنتاج من النفط الصخري الخفيف والغاز الصخري ونتيجة لهذه الزيادة سيقل اعتماد دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية على نفط وغاز الشرق الأوسط لسنوات عديدة على أقل تقدير عشر سنوات. والمرحلة الثانية بعد عام 2022 ستكون هناك وفرة كبيرة من النفط والغاز وانخفاض الإنتاج في أمريكا تدريجياً مع ارتفاع الأسعار تدريجياً لاحقاً في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج.


التأثيرات على الأسعار

ونتيجة لهذه المؤشرات أتوقع أن تكون هناك تأثيرات سلبية مباشرة وغير مباشرة على بعض الدول. وكذلك إيجابية مباشرة وغير مباشرة على بعضها الآخر. وعلى الأسعار في السوق العالمي حيث إنها ستشهد بعض التقلبات وعلى الأسواق والكميات المصدرة والمستوردة وعلى طبيعة العقود وشروطها وأحكامها الحالية منها والمستقبلية وعلى الاستثمارات في مجال الطاقة وبالأخص الطاقة المعتمدة على النفط والغاز التقليدي وعلى الأمن البحري وشركات الناقلات النفطية وشركات التأمين التي تؤمن على الناقلات النفطية والعمليات النفطية ومشاريع الغاز الطبيعي والصخري وعلى ممرات المياه والبحار التي تحميها الأساطيل الأمريكية وحاملات الطائرات المتواجدة حالياً لحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المناطق. وبالطبع ربما سوف يكون له تأثير سلبي على بعض المشاريع وعلى الخطط الإستراتيجية لبعض الدول وفي اعتقادي أن أمريكا ربما سوف تخفض من موازناتها الخارجية في مجال الدفاع والقوة العسكرية.


منافسة حادة

فيما يخص الشرق الأوسط والخليج العربي وبشكل عام ربما سوف تحدث تغييرات إستراتيجية هامة في هذه المنطقة خلال العقد المقبل وبالأخص المنافسة التي ستكون حادة في قطاع الطاقة على مستوى العالم وقد يؤدي استخراج الغاز الصخري إلى هبوط أسعار الغاز التقليدي على المدى الطويل على خلفية زيادة المعروض وانخفاض الطلب بمعنى آخر أننا ربما نكون مقبلين على تغيير هيكلي لتجارة النفط والغاز والبتروكيماويات ورغم أن التقديرات للاحتياطيات المثبتة من الغاز الصخري تتغير بسرعة تبعاً للاكتشافات إلا أن أحدث التقديرات المعلنة من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في الآونة الأخيرة قدرت الغاز الصخري في 33 دولة بنحو 6.622 تريليون قدم مكعب. وأنباء تقول إن الإحصاءات تقدر بـ 7000 تريليون قدم مكعب تقريباً. ولكن يجب أن نعلم أن التغييرات في مستوى الاستهلاك العام في الطاقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل الصين والهند كمستهلكين رئيسيين وزيادة الاستهلاك في الشرق الأوسط. بما يعني أن الطاقة سيعاد نمط توزيعها ويتم استهلاكها برؤية مختلفة عما هو حاصل حالياً.


تحول بعض الدول إلى الإنتاج

هذه المعطيات تشير إلى إمكانية تحول بعض الدول المستوردة للغاز أو البترول الصخري إلى دول منتجة. وكذلك سوف تكون هناك تأثيرات سلبية على صناعة البتروكيماويات والأسمدة الكيماوية والتي تستخدم الغاز التقليدي نتيجة استخدام الدول المنافسة للغاز الصخري مما سيخلق منافسة حادة بين المنتجين ويؤدي إلى انخفاض الأسعار. وربما ستعود دول هجرتها الشركات النفطية سابقاً ليعاد فيها عمليات الاستكشاف وترجع إليها الشركات النفطية مرة أخرى نتيجة توفر معلومات سابقه لديها بوجود الغاز الصخري أو النفط الصخري لديها، وظهور تقنيات حديثة يمكنها من استخراجهما وبتكلفة أقل نتيجة تطوير التكنولوجيا والتي ربما كانت مستحيلة في السابق.

هذا بالإضافة إلى أن تكلفة الإنتاج قد تقل في صناعة البتروكيماويات في دول معينة وقد تزيد في دول أخرى. وقد يؤدي استخراج الغاز الصخري إلى هبوط أسعار الغاز التقليدي على خلفية زيادة المعروض وانخفاض الطلب بالإضافة إلى الترشيد في الاستهلاك المحلي وتغير سلوكيات الأسواق لهذه الصناعات.

خلاصة القول أن دول الشرق الأوسط خاصة الدول المنتجة للنفط في الخليج ربما ستمر بعشر سنوات عجاف على حسب المعطيات التي ذكرناها سابقاً. تتحول الأمور بعدها ربما لتعاود نشاطها كالسابق تقريباً مره أخرى.