تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إنذار للمديرين التنفيذيين حول العالم - عقوبة التلاعب المالي ...



شمعة الحب
11-08-2006, 09:43 AM
إنذار للمديرين التنفيذيين حول العالم - عقوبة التلاعب المالي
د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 17/07/1427هـ
maalabbad@kku.edu.sa

أخيرا صدر الحكم النهائي في قضية شركة الاتصالات "وردكم" عندما حكم قاضي المحكمة الفيدرالية على المدير التنفيذي للشركة الذي تسبب في إفلاسها بأن يمضي في السجن 25 سنة، ولأنه يبلغ من العمر 64 عاما فإنه قد يمضي بقية حياته في تنفيذ تلك العقوبة. أكد الادعاء في هذه القضية "أن المدير التنفيذي ايبيرز Mr. Ebbers قصد إظهار صورة محرفة أو خاطئة عن ربحية الشركة حتى على المحللين الماليين المتخصصين وذلك لخدمة أغراضه الشخصية". ولأن مثل هذا الحكم يعد قاسيا جدا في مثل هذا النوع من الجرائم التي تندرج تحت ما يسمي White-collar crime إلا أن القاضي الذي أصدر الحكم قال: "على الرغم من أنني أعرف أن هذا يعني أن السيد ايبيرز سيمضي بقية حياته في السجن إلا أن الحكم عليه بأقل من ذلك سوف لن يعكس خطورة الجريمة التي قام بها". الجدير بالذكر أيضا أن المدير التنفيذي لشركة إنرون Enron سوف يواجه حكم المحكمة يوم 23 من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بعد أن تمت إدانته بالعديد من جرائم الغش والتدليس والتحريف في القوائم المالية، ومن المتوقع أن يواجه الحكم نفسه الذي صدر على مدير شركة وردكم، أي عقوبة السجن لمدة تصل إلى 25 سنة.
ففي عام 2002 انهارت أكبر شركة اتصالات وتقنية اتصالات في العالم إنهاWorldcom ولو سئل أحد أكبر عباقرة التحليل المالي أو أحد أكبر خبراء البورصة من ذوي الشعر الرمادي قبل ذلك بعدة أشهر لما تنبأ بتلك النكبة التي أصابت السوق الأمريكية وأقلقت العالم بأسره حول مهنة المراجعة ومصداقية القوائم المالية ككل. انهارت هذه الشركة العملاقة بعد اكتشاف غش محاسبي وصلت قيمته إلى 11 مليار دولار وليتسبب اكتشاف هذا الغش في إفلاس الشركة وخسارة المساهمين لما قيمته 180 مليارا من الدولارات وأن يفقد وظيفته ما يقارب 20 ألف موظف. وقد كانت قضية "وردكم" ومعها قضية "إنرون" من أهم الأسباب التي أدت إلى زعزعة الثقة باستقلال مراجع الحسابات وإلى ظهور "قانون سربنسز أوكسلي Sarbanes-Oxley Act والذي هدف أساسا إلى إعادة الثقة بالتقارير المالية وتعزيز استقلال المراجع الخارجي ولذلك تم حظر عدد من الخدمات الأخرى بخلاف المراجعةnon-audit services ، كما أسهمت في أن يتربع موضوع حوكمة الشركات على قمة أكثر المواضيع أهمية في البحث العلمي والمؤتمرات المتخصصة. وبعد أن كنا نتحدث عن تطوير القوائم المالية لاستيعاب قرارات المستثمرين المختلفة أصبحنا نرجو فقط أن تعود الثقة فيها.
إن أول ما يمكن استنتاجه من هذه القضايا والأحكام الصادرة بحق مرتكبي جرائم التدليس والتحريف في القوائم المالية لخدمة الأغراض الشخصية أنها جرائم كبيرة جدا وأضرارها الاقتصادية بالغة التأثير ولا يمكن لأي سبب التهاون فيها أو التساهل والرأفة تجاه مرتكبيها. إن 25 سنة من السجن لرجل يبلغ من العمر 64 عاما لهي عقوبة شديدة جدا وبعيدة عن الرحمة والتساهل، ولكن كما قال القاضي إن أي عقوبة أقل لا يمكن أن تعكس خطوة نتائج هذا الجرم الذي تسبب في فقدان أكثر من 20 ألف موظف لوظائفهم ومصدر رزقهم وخسارة المساهمين لما يزيد على 180 مليارا. لذلك لا بد أن يؤخذ أمر التحريفات في القوائم المالية بكل جدية وعدم التهاون تجاه من يقوم أو يحاول القيام بذلك، كما أن أي إفصاح بهذا الخصوص يجب أن يؤخذ على محمل الجد من الأطراف المعنية كافة، بدءا من هيئة السوق المالية وهيئة المحاسبين القانونيين مرورا بوزارة التجارة والصناعة وحتى أصغر مساهم في الشركة.
إن عمليات التلاعب في القوائم المالية التي حدثت في أكثر الدول تقدما في المعايير المحاسبية ومعايير المراجعة بل وأكثرها تعقيدا والعقوبات التي صدرت أخيرا بحق مرتكبي التلاعب تشير أيضا إلى أن منع هذه الجرائم بشكل كامل يعتبر غاية لم تزل بعيدة المنال، بل إنما حدث يمثل إحباطا حقيقيا لكل الجهود التي بذلتها الهيئات العالمية للوصول إلى شفافية مقنعة على أقل تقدير. أضف إلى ذلك أنه ومهما بدا حجم الشركة كبيرا أو صغيرا ومهما حققت من أرباح أو من عوائد أو توزيعات فإنها تظل عرضة للتلاعب المالي والتحريف الجوهري في القوائم المالية. لذلك لا بد من اتخاذ القرار الاستثماري وتوزيع المخاطر في المحافظ الاستثمارية بشكل أكثر جدية مما سبق. كما أن قراءة القوائم المالية التي تصدرها الشركات وخاصة التقارير الأولية، يجب أن تتم بحذر وحرفية أكبر مع الأخذ في الاعتبار دوما احتمال الغش والتحريف. ولا أقصد أن أزعزع الثقة بالقوائم المالية ولا في الأسواق ولكن من المهم التحذير وخاصة في أسواق ناشئة تعج بمضاربين لا يعرفون من القوائم المالية إلا رقم صافي الربح واستنتاج مكرر الربحية فقط.
إن قدرة إدارة الشركات كانت وما زالت كبيرة في إظهار رقم صافي الأرباح الذي يقنع السوق عن أداء جيد وكفء وخاصة أننا أصبحنا نعتمد على التقارير المالية الأولية التي لا تدقق أرقامها ولهذا فهي أكثر عرضة للعديد من التحريفات والغش. وفي السوق السعودية شاهدنا كيف تحول العديد من الشركات ليصبح من ذوي العوائد على الرغم من بقاء جميع العوامل دون تغيير كما أن بعضها مازالت تحقق خسائر فلا هي أفلست ولا انتهى مسلسل خسائرها. وعلى الرغم من كل ذلك فإن القليل جدا من الدراسات تم إجراؤها على قدرة الشركات السعودية والإدارات التنفيذية في هذه الشركات على التلاعب برقم الأرباح وحجم مثل هذا التلاعب إن وجد ووقته وأضراره.