المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسحوا في المجالس



امـ حمد
05-02-2014, 09:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسحوا في المجالس
قال تعالى( يأيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا فى المجلس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا )المجادلة،قوله تعالى(تفسحوا فى )فالتفسح في المجالس خلق عظيم، ومسلك نبيل،
وقلة التفسح فيها خلق ذميم،ومسلك شائن،فهو ناتج عن ضيق النفس،وحبِّ الاستئثار، وقلة المبالاة في الآخرين،
فهناك من إذا جلس مجلساً أخذ فيه مكاناً واسعاً،لأجل أن ينعم بالراحة، فيسلم من المضايقة،
بل إن بعضهم قد يُوسَّع له في المجلس، فيأتي ويتربع، فيأخذ مساحة واسعة في المجلس،بل ربما لا يرضى أن يأتي أحد بعد ذلك بجانبه،
قال بعض الحكماء،رجلان ظالمان يأخذان غير حقهما،
رجل وسع له في مجلس ضيقٍ فتربع وتفتح،
ورجل أهديت له نصيحة فجعلها ذَنْباً،
ولهذا أدبنا الله،عز وجل،بأن نتفسح في المجالس،لما في ذلك من زرع للمودة،وتوثيق لعرى الأخوة،وتخلُّصٍ من الأخلاق الذميمة،
قال الواحدي،عن زيدِ بنِ أسلم،كان النبي صل الله عليه وسلم يجلس في المسجد،فجلس يوماً وكان في المجلس ضيق،إذ كان الناس يتنافسون في القرب من رسول الله،وفي سماع كلامه، والنظر إليه،وكان رسول الله،يكرم أهل بدر،فجاء أناس من أهل بدر،فلم يجدوا مكاناً في المجلس،فقاموا وِجاه النبي،يرجون أن يوسع الناس لهم، فلم يوسع لهم أحد، فأقام رسول الله،أناساً بقدر من جاء من النفر البدريين، فعرف رسول الله،الكراهية في وجوه الذين أقامهم، فنزلت الآية،
فقوله( إذا قيل لكم تفسحوا ) فيما إذا كان في المجلس ضيق، فيتفسح الناس بدون أن يقوم أحد،
وقوله(وإذا قيل انشزوا فانشزوا )أي إذا قيل لكم ارتفعوا وقوموا عن المجلس فافعلوا، أي إذا أمركم الرسول،في مجلسه بالقيام فلا تتحرجوا، وهو ضرب من التفسح،
وقيل،التفسح يكون بالتوسعة من قعود أو من قيام، فهما داخلان في قوله( تفسحوا )
والنشوز هو، أن يؤمروا بالانفضاض عن المجلس، فإذا أمروا بذلك فلا يتحرجوا،لأن رسول الله،يحب أحياناً الانفراد بأمور المسلمين، فربما جلس إليه القوم،فأطالوا،لأن كل أحد يحب أن يكون آخر الناس عهداً بالنبي، وكل ذلك من فرط محبتهم إياه، وحرصهم على تلقي هداه،
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله،هذا أدب من الله لعباده إذا اجتمعوا في مجلس من مجالس مجتمعاتهم، واحتاج بعضهم، أو بعض القادمين للتفسح له في المجلس،فإن من الأدب أن يفسحوا له،تحصيلاً لهذا المقصود،
وليس ذلك بضار للفاسح شيئاً،فيحصل مقصود أخيه من غير ضرر يلحقه،
والجزاء من جنس العمل، فإن من فسح لأخيه فسح الله له، ومن وسع لأخيه وسع الله عليه،
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه،مما يُصفّي لك ودَّ أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته،وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه،وأن توسع له في المجلس،
وقال الأصمعي رحمه الله،كان الأحنف إذا أتاه إنسان وسع له،فإن لم يجد موضعاً تحرك،ليريه أنه يوسع له،
تتأمل الآية،وهي قوله تعالى(يأيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا فى المجلس فافسحوا يفسح الله لكم )
فسترى فيها عجباً، وتأمل ذلك في نفسك عندما تكون في مكان ما، إما في مسجد وخصوصاً المسجد الحرام،أو المسجد النبوي وقت الزحام،أو في مكان عام يجتمع فيه جمهور من الناس، ويضيق عليهم ذلك المكان،ثم أقبل قادم، وصار يلتفت يمنة ويسرة يبحث عن مكان يجلس فيه، ثم تكرمت، وتحفزت، وناديته، وأجلسته بجانبك، تأمل كيف فرحه وسروره،واغتباطه بذلك، وتأمل أثر ذلك في نفسك، فسترى أن صدرك ينشرح، ويتسع، وسَترى أساريرك تتبلج، بل سيلقى ذلك التصرف النبيل قبولاً وارتياحاً ممن يراه،وربما اقتدوا بك، فصار لك مِثْل أجرِهم،
وإذا كنت تقود سيارتك في طريق مزدحم،
ثم أقبل شخص بسيارته يريد فرجة ينص من خلالها، ثم فسحت له الطريق، وآثرته بذلك، تأمل حالك، وهو يبتسم في وجهك، ويرفع يده مسلماً عليك شاكراً داعياً لك،
وانظر،في مقابل ذلك،إذا قطَّبت في وجهه، وتفتحت في مجلسك، أو لم تتح له فرصة المرور بسيارته،
انظر إلى صدرك كيف يكون في تلك الحال، وتأمل تقاسيم وجهك حينئذ،
لا شك أنك ستشعر بانقباض صدر، وسرعة ثورة،فهذا سر من أسرار تلك الآية الكريمة العظيمة،
ولا يبعد أن يدخل في إشارات تلك الآية فسحُ المجال للمتحدث، وتركُ الاستئثار بالحديث في المجلس، والبعدُ عن مقاطعة من يشرع بحديث، أو تكذيبه، أو إكمال كلامه، فلعل ذلك كله داخل في مدلول الآية التي تُشير إلى الأخذ بالإيثار، وترك الاستئثار،
وفي الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه ،للخير والأجر،فإن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه،وفي صحيح مسلم،قال صلى الله عليه وسلم(من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به)ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ فيخرجه الضيق عن موضعه،
روى البخاري ومسلم،عن ابن عمر،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه)وعنه النبي صلى الله عليه وسلم،أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا،
ولفظ البخاري(إذا قعد واحد من الناس في موضع من المسجد لا يجوز لغيره أن يقيمه حتى يقعد مكانه)
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إذا قام أحدكم من مجلسه،ثم رجع إليه فهو أحق به)

جعلنا الله ممن يفسحون لإخوانهم، ويحبون لهم ما يحبون لأنفسهم.