المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة "تاريخية" موجهة الى الـ"ـوالي"...من والده!



عابر سبيل
07-02-2014, 12:26 AM
1/4

هي احد الكنوز الثمينة المخبأة في ثنايا
المحيط العلمي المسمى
"مقدمة ابن خلدون"!..

لا تحتاج الى مقدمات..لكن تنبيه الى انه لن يسهل
ادراك كنهها الا لمن سيقرؤها.. بأناة و تؤدة...
من البداية للنهاية...ربما لأكثر من مرة
*
*
،،
يتبع

عابر سبيل
07-02-2014, 12:29 AM
2/4




من أحسن ما كتب في ذلك وأودع ..
كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله بن طاهر..
لما ولاه المأمون الرقة ومصر وما بينهما‏.‏
فكتب إليه أبوه طاهر كتابه المشهور ...
عهد إليه فيه ووصاه بجميع ما يحتاج إليه في دولته وسلطانه
من الأداب الدينية والخلقية والسياسة الشرعية والملوكية ..
وحثه على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم..
بما لا يستغني عنه مَلك ولاسُوقة‏.



"
نص كتاب طاهر بن الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ أما بعد فعليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته ومراقبته عز وجل ومزايلة سخطه‏.‏
واحفظ رعيتك في الليل والنهار‏.‏ والزم ما ألبسك الله من العافية بالذكر لمعادِك وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسوؤل عنه
والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله عز وجل وينجيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه‏.‏
فإن الله سبحانه قد أحسن إليك وأوجب الرأفة عليك بمن استرعاك أمرهم من عباده وألزمك العدل فيهم والقيام بحقه وحدوده عليهم
والذب عنهم والدفع عن حريمهم ومنصبهم والحقن لدمائهم والأمن لسربهم وإدخال الراحة عليهم‏.‏

ومُؤاخِذُكَ بما فرض عليك ومُوقِفُك عليه وسائِلُك عنه ومُثيبك عليه بما قدمت وأخرت‏.‏

ففرّغ لذلك فهمك وعقلك وبصرك ولا يشغلك عنه شاغل ..وإنه رأس أمرك وملاك شأنك وأول ما يوقفك الله عليه‏.‏

وليكن أول ما تلزم به نفسك وتنسب إليه فعلك
المواظبة على ما فرض الله عزوجل عليك من الصلوات الخمس والجماعة عليها بالناس قبلك
وتوقعها على سننها من إسباغ الوضوء لها وافتتاح ذكر الله عز وجل فيها ورتل في قراءتك
وتمكن في ركوعك وسجودك وتشهدك
ولتصرف فيه رايك ونيتك واحضض عليه جماعة ممن معك وتحت يدك
وادأَبْ عليها فإنها كما قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏تنهى عن الفحشاء والمنكر‏"‏‏.‏

ثم اتبع ذلك بالأخذ بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمثابرة على خلائقه
واقتفاء أثر السلف الصالح من بعده‏.‏
وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله عز وجل وتقواه وبلزوم ما أنزل الله عز وجل في كتابه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه وائتمام ما جاءت به الأثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..ثم قم فيه بالحق لله عزوجل‏.‏

ولا تميلن عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو لبعيد‏.‏ وآثر الفقه وأهله والدين وحملته وكتاب الله عز وجل والعاملين به
فإن أفضل ما يتزين به المرء الفقه في الدين والطلب له والحث عليه والمعرفة بما يتقرب به إلى الله عز وجل فإنه الدليل على الخير كله
والقائد إليه والآمر به والناهي عن المعاصي والموبقات كلها‏.‏ ومع توفيق الله عز وجل يزداد المرء معرفة وإجلالاً له ودركاً للدرجات العلى
في المعاد مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك والهيبة لسلطانك والأنسة بك والثقة بعدلك‏.‏
"
*
*
،،
يتبع

عابر سبيل
07-02-2014, 12:31 AM
3/4

*
*
،،

"
وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها فليس شيء أبيَن نفعاً ولا أخص أمناً ولا أجمع فضلاً منه‏.‏
والقصد داعية إلى الرشد ..والرشد دليل على التوفيق.. والتوفيق قائد إلى السعادة..
وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد فآثره في دنياك كلها‏.‏

ولا تقصر في طلب الأخرة والأجر والأعمال الصالحة والسنن المعروفة ومعالم الرشد والإعانة والاستكثار من البر والسعي له إذا كان يطلب به وجه الله تعالى ومرضاته ومرافقة أولياء الله في دار كرامته‏.‏

واعلم أن القصد في شأن الدنيا يورث العز ويمخص من الذنوب وأنك لن تحوط نفسك من قائل ولا تنصلح أمورك بأفضل منه فأته واهتد به تتم أمورك وتزد مقدرتك وتصلح عامتك وخاصتك‏.‏

وأحسن ظنك بالله عز وجل تستقم لك رعيتك والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها تستدم به النعمة عليك‏.‏

ولا تتهمن أحداً من الناس فيما توليه من عملك قبل أن تكشف أمره فإن إيقاع التهم بالبرآء والظنون السيئة بهم آثم إثم‏.‏

فاجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك واطرد عنك سوء الظن بهم وارفضه فيهم يعنك ذلك على استطاعتهم ورياضتهم‏.‏
ولا تتخذن عدو الله الشيطان في أمرك معمداً فإنه إنما يكتفي بالقليل من وهنك ويدخل عليك من الغم بسوء الظن بهم ما ينقص لذاذة عيشك‏.‏

واعلم أنك تجد بحسن الظن قوة وراحة وتكتفي به ما أحببت كفايته من أمورك وتدعو به الناس إلى محبتك والاستقامة في الأمور كلها‏.‏

ولايمنعك حسن الظن بأصحابك والرأفة برعيتك أن تستعمل المسألة والبحث عن أمورك‏.‏والمباشرة لأمور الأولياء وحياطة الرعية والنظر في حوائجهم وحمل مؤوناتهم أيسر عندك مما سوى ذلك فإنه أقوم للدين وأحيا للسنة‏.‏

واخلص نيتك في جميع هذا وتفرد بتقويم نفسك تفرد من يعلم أنه مسؤول عما صنع ومجزي بما أحسن ومؤاخذ بما أساء‏.‏
فإن الله عز وجل جعل الدين حرزاً وعزاً ورفع من اتبعه وعززه‏.‏

واسلك بمن تسوسه وترعاه نهج الدين وطريقه الأهدى‏.‏
وأقم حدود الله تعالى في أصحاب الجرائم على قدر منازلهم
ومااستحقوه ولا تعطل ذلك ولا تتهاون به ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة
فإن في تفريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك‏.‏

واعتزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة وجانب البدع والشبهات يسلم لك دينك وتتم لك مروءتك‏.‏

وإذا عاهدت عهداً فأوف به وإذا وعدت الخيرفأنجزه‏.‏
واقبل الحسنة وادفع بها‏.‏ واغمض عن عيب كل في عيب من رعيتك واشدد لسانك عن قول الكذب والزور وابغض أهل النميمة فإن أول فساد أمورك في عاجلها وآجلها تقريب الكذوب والجراءة على الكذب لأن الكذب رأس المآثم والزور والنميمة خاتمتها لأن النميمة لا يسلم صاحبها وقائلها لا يسلم له صاحب ولا يستقيم له أمر‏.‏

وأحبب أهل الصلاح والصدق وأعز الأشراف بالحق وأعن الضعفاء وصل الرحم وابتغ بذلك وجه الله تعالى وإعزاز أمره والتمس فيه ثوابه والدار الأخرة‏.‏

واجتنب سوء الأهواء والجورواصرف عنهما رأيك وأظهر براءتك من ذلك لرعيتك‏.‏ وأنعم بالعدل سياستهم وقم بالحق فيهم وبالمعرفة التي تنتهي بك إلى سبيل الهدى‏.‏

واملك نفسك عند وإياك أن تقول أنا مسلط أفعل ما أشاء فإن ذلك سريع إلى نقص الرأي وقلة اليقين لله عز وجل‏.‏

وأخلص لله وحده النية فيه واليقين به‏.‏ واعلم أن الملك لله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاءوينزعه ممن يشاء‏.‏ ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة إلى أحد أسرع منه إلى جهلة النعمة من أصحاب السلطان والمبسوط لهم في الدولة إذا كفروا نعم الله وإحسانه واستطالوا بما أعطاهم الله عز وجل من فضله‏.‏
"

عابر سبيل
07-02-2014, 12:35 AM
4/4

*
*
،،


"
ودع عنك شره نفسك ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تدخر وتكنز البر والتقوى واستصلاح الرعية وعمارة بلادهم والتفقد لأمورهم والحفظ لحمائهم والإغاثة لملهوفهم‏.‏

واعلم أن الأموال إذا اكتنزت واذخرت في الخزائن لا تنمو ..وإذا كانت في صلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف الأذية عنهم نمت وزكت وصلحت بها العامة وترتبت بها الولاية وطاب بها الزمان واعتقد فيها العز والمنفعة‏.
‏فليكن كنز خزائنك تفريق الأموال في عمارة الإسلام وأهله‏.‏ ووفر منه على أولياء أمير المومنين قبلك حقوقهم وأوف من ذلك حصصهم وتعهد ما يصلح أمورهم ومعاشهم فإنك إذا فعلت ذلك قرت النعمة لك واستوجبت المزيد من الله تعالى وكنت بذلك على جباية أموال رعيتك وخراجك أقدر وكان الجميع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسلس لطاعتك‏.‏ وطب نفساً بكل ما أردت وأجهد نفسك فيما حمدت لك في هذا الباب وليعظم حقك فيه وإنما يبقى من المال ما أنفق في سبيل الله وفي سبيل حقه‏.‏

وأعرف للشاكرين حقهم وأثبهم عليه وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها هول الآخرة فتتهاون بما يحق عليك فإن التهاون يورث التفريط والتفريط يورث البوار‏.‏ وليكن عملك لله عز وجل وفيه..
وارْج الثواب منه ..فإن الله سبحانه قد أسبغ فضله‏.‏ واعتصم بالشكر وعليه فاعتمد يزدك الله خيراً وإحساناً ... فإن الله عز وجل يثيب بقدر شكر الشاكرين وإحسان المحسنين‏.‏

ولا تحقرن ذنباً
ولاتمالئن حاسداً
ولا ترحمن فاجراً
ولا تصلن كفوراً
ولا تداهنن عدواً
ولا تصدقن نماما
ًولا تأمنن غداراً
ولا توالين فاسقاً
ولا تتبعن غاوياً
ولا تحمدن مرائياً
ولا تحقرن إنساناً
ولا تردن سائلاً فقيراً
ولا تحسنن باطلاً
ولا تلاحظن مضحكاً
ولا تخلفن وعداً
ولا تزهون فخراً
ولا تظهرن غضباً
ولا تباينن رجاء
ولا تمشين مرحاً
ولا تزكين سفيهاً
ولا تفرطن في طلب الأخرة
ولا ترفعن للنمام عيناً
ولا تغمضن عن ظالم ..رهبة منه أو محاباة
ولا تطلبن ثواب الآخرة في الدنيا‏.‏

وأكثر مشاورة الفقهاء واستعمل نفسك بالحلم وخذ عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي والحكمة‏.‏
ولا تدخلن في مشورتك أهل الرَفَه والبخل ولا تسمعن لهم قولاً!!
فإن ضررهم أكثر من نفعهم‏.‏ وليس شيء أسرع فساداً لما استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح‏.‏

واعلم أنك إذا كنت حريصاً كنت كثير الأخذ قليل العطية
وإذا كنت كذلك لم يستقم أمرك إلا قليلاً ...
فإن رعيتك إنما تعقد على محبتك بالكف عن أموالهم وترك الجور عليهم‏.‏

ووال من صافاك من أوليائك بالإفضال عليهم وحسن العطية لهم‏.‏ واجتنب الشح واعلم أنه أول ما عصى الأنسان به ربه وأن العاصي بمنزلة الخزي وهو قول الله عز وجل‏:‏
‏"‏ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون‏"‏‏.‏ فسهّل طريق الجود بالحق واجعل للمسلمين كلهم في فيئك حظاً ونصيباً وايقن أن الجود أفضل أعمال العباد فأعده لنفسك خلقاً و أرض به عملاًومذهباً‏.‏

وتفقد الجند في دواوينهم ومكاتبهم وأدر عليهم أرزاقهم ووسع عليهم في معايشهم يذهب الله عز وجل بذلك فاقتهم فيقوى لك أمرهم وتزيد قلوبهم فى طاعتك وأمرك خلوصاً وانشراحاً‏.‏

وحسب في السلطان من السعادة أن يكون على جنده ورعيته ذا رحمة في عدله وعطيته وإنصافه وعنايته وشفقته وبره وتوسعته‏.‏

فزايل مكروه أحد البابين باستشعار فضل الباب الأخر ولزوم العمل به تلق أن شاء الله تعالى به نجاحاً وصلاحاًوفلاحاً‏.‏

واعلم أن القضاء من الله تعالى بالمكان الذي ليس فوقه شيء من الأمور لأنه ميزان الله الذي تعدل عليه أحوال الناس في الأرض‏.‏
وبإقامة العدل في القضاء والعمل تصلح أحوال الرعية وتؤمن السبل وينتصف المظلوم وتأخذ الناس حقوق وتحسن المعيشة ويودى حق الطاعة ويرزق الله العافية والسلامة ويقيم الدين‏.‏
ويجري السنن والشرائع في مجاريها‏.‏

واشتد في أمر الله عز وجل‏.‏ وتورع عن النطف وامض لإقامة الحدود‏.‏ وأقلل العجلة وابعد عن الضجر والقلق واقنع بالقسم وانتفع بتجربتك وانتبه في صحتك
واسدد في منطقك وأنصف الخصم وقف عند الشبهة وأبلغ في الحجة ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم ...
وتثبت وتأن وراقب وانظر وتفكر وتدبرواعتبر وتواضع لربك ....

وارفق بجميع الرعية وسلط الحق على نفسك ولا تسرعن إلى سفك دم
فإن الدماء من الله عزوجل بمكان عظيم فلا تبغ انتهاكاً لها بغير حقها‏.‏

وانظر هذاالخراج الذي استقامت عليه الرعية وجعله الله للإسلام عزاً ورفعة ولأهله توسعة ومنعةً ولعدوه كبتاً وغيظاً ولأهل الكفر من معاديهم ذلاً وصغاراً ...
فوزّعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم ولا تدفعن شيئاً منه عن شريف لشرفه ولا عن غني لغناه ولا عن كاتب لك ولا عن أحد من خاصتك ولا حاشيتك
ولا تأخذن منه فوق الأحتمال له‏.‏ولا تكلف أمراً فيه شطط‏.‏

واحمل الناس كلهم على أمر الحق فإن ذلك اجمع لإلفتهم وألزم لرضاء العامة‏.‏

واعلم أنك جعلت بولايتك خازناً وحافظاً وراعياً وإنما سمي أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيمهم‏.‏

فخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ونفذه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم‏.‏
واستعمل عليهم أولي الرأي والتدبير والتجربة والخبرةبالعلم والعدل بالسياسة والعفاف‏.‏

ووسع عليهم في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمةلك فيما تقلدت وأسند إليك فلا يشغلك عنه شاغل ولا يصرفك عنه صارف‏.‏ فإنك متى آثرتهوقمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك وحسن الأحدوثة في عملك واستجررتبه المحبة من رعيتك وأعنت على الصلاح فدرت الخيرات ببلدك وفشت العمارة بناحيتك وظهرالخصب في كورك وكثر خراجك وتوفرت أموالك وقويت بذلك على ارتياض جندك وإرضاء العامةبإفاضة العطاء فيهم من نفسك وكنت محمود السياسة مرضي العدل في ذلك عند عدوك وكنت فيأمورك كلها ذا عدل وآلة وقوة وعدة‏.‏ فتنافس فيها ولا تقدم عليها شيئاً تحمد عاقبةأمرك‏.‏ أن شاء الله تعالى‏.‏ واجعل في كل كورة من عملك أميناً يخبرك خبر عمالكويكتب إليك بسيرهم وأعمالهم حتى كأنك مع كل عامل في عمله معايناً لأموره كلها‏.‏وإذا أردت أن تأمرهم بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك فإن رأيت السلامة فيهوالعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والصنع فأمضه وإلا فتوقف عنه وراجع أهل البصر والعلمبه ثم خذ فيه عدته فإنه ربما نظر الرجل في أمره وقد أتاه على ما يهوى فأغواه ذلكوأعجبه فإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره‏.‏ فاستعمل الحزم في كل ما أردتوباشره بعد عون الله عز وجل بالقوة‏.‏ وأكثر من استخارة ربك في جميع أمورك‏.‏

وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره لغدك وأكثر مباشرته بنفسك فإن لغد أموراً وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت‏.‏ واعلم أن اليوم إذا مضى ذهب بما فيه فإذا أخرت عمله اجتمع عليك عمل يومين فيشغلك ذلك حتى تمرض منه‏.‏ وإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت بدنك ونفسك وجمعت أمر سلطانك‏.‏

وانظر أحرار الناس وذوي الفضل منهم ممن بلوت صفاء طويتهم وشهدت مودتهم لك ومظاهرتهم بالنصح والمحافظة على أمرك فاستخلصهم وأحسن إليهم‏.‏

وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة واحتمل مؤونتهم وأصلح حالهم حتى لايجدوا لخلتهم منافراً وأفرد نفسك بالنظر في أمور الفقراء والمساكين ومن لا يقدر على ربع مظلمته إليك والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه فسل عنه أحفى مسألة وكل بأمثاله أهل الصلاح في رعيتك ومرهم برفع حوائجهم وخلالهم إليك لتنظر فيما يصلح الله بهأمرهم‏.‏ وتعاهد ذوي البأساء ويتماهم وأراملهم واجعل لهم أرزاقاً من بيت المال اقتداء بأمير المؤمنين أعزه الله تعالى في العطف عليهم والصلة لهم ليصلح الله بذلك عيشهم ويرزقك به بركة وزيادة‏.‏

وأجْر للأضراء من بيت المال وقدم حملة القرآن منهم والحافظين لأكثره في الجراية على غيرهم‏.‏

وانصب لمرضى المسلمين دُوراً تأويهم وقواماً يرفقون بهم وأطباء يعالجون أسقامهم وأسعفهم بشهواتهم ما لم يود ذلك إلى سرف في بيت المال‏.‏

واعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم وأفضل أمانيهم لم يرضهم ذلك ولم تطب أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى ولاتهم طمعاً في نيل الزيادة وفضل الرفق بهم‏.

‏وربما تبرم المتصفح لأمور الناس لكثرة ما يرد عليه ويشغل ذكره وفكره منها ما يناله به من مؤونة ومشقة‏.‏

وليس من يرغب في العدل ويعرف محاسن أموره في العاجل وفضل ثواب الأجل كالذي يستقل ما يقربه من الله تعالى وتلتمس به رحمته‏.‏

وأكثر الإذن للناس عليك وأرهم وجهك وسكّن لهم حواسك واخفض لهم جناحك وأظهر لهم بشرك ولِن لهم في المسألة والنطق واعطف عليهم بجودك وفضلك‏.‏

وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس والتماس للصنيعة والأجر من غير تكدير ولا امتنان فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاءالله تعالى‏.‏

واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى قبلك من أهل السلطان والرياسة في القرون الخالية ثم اعتصم في أحوالك كلها بالله سبحانه وتعالى والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسنته وبإقامة دينه وكتابه واجتنب ما فارق ذلك وخالفه ودعا إلى سخط الله عز وجل‏.‏

واعرف ما يجمع عمالك من الأموال وما ينفقون منها‏.‏ ولا تجمع حراماًولا تنفق إسرافاً‏.‏
وأكثِرْ مُجالسة العلماء ومُشاورتهم ومُخالطتهم وليكن هواك اتباعا لسنن وإقامتها وإيثار مكارم الأخلاق ومعاليها‏.‏

وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيباً لم تمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في ستر وإعلامك بما فيه من النقص فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك‏.‏

وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقّت لكل رجل منهم في كل يوم وقتاً يدخل فيه بكتبه ومؤامرته وما عنده من حوائج عمالك وأمورالدولة ورعيتك‏.‏

ثم فرّغ لما يورد عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك وكرر النظرفيه والتدبر له فما كان موافقاً للحق والحزم فأمضه واستخر الله عز وجل فيه
وما كان مخالفاً لذلك فاصرفه إلى المسألة عنه والتثبت منه‏.‏

ولا تمنن على رعيتك ولا غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم‏.‏
ولا تقبل من أحد إلا الوفاء والاستقامة والعون في أمورالمسلمين ولا تضعن المعروف إلا على ذلك‏.‏

وتفهم كتابي إليك وأمعن النظر فيه والعمل به واستعن بالله على جميع أمورك واستخره فإن الله عز وجل مع الصلاح وأهله‏.‏

وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله عز وجل رضاً ولدينه نظاماً ولأهله عزاً وتمكيناً وللملة والذمة عدلاً وصلاحاً‏.‏

وأنا أسأل الله عز وجل أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك والسلام‏.‏


"
رابط لمصدر الكتروني للكتاب..
http://www.al-eman.com/Islamlib/view...=163&CID=20#s4

الأصيلة
07-02-2014, 01:31 AM
استمتعت بالقراءة وبالفائدة..
وسأعود لتكرار القراءة..

سلمت يداك أخي عابر سبيل...

QTR TV
07-02-2014, 02:54 AM
عسى الله يكتب ها لك في ميزان حسناتك وأشكرك أخي عابر سبيل

عابر سبيل
07-02-2014, 06:32 PM
استمتعت بالقراءة وبالفائدة..
وسأعود لتكرار القراءة..

سلمت يداك أخي عابر سبيل...

ما انا الا ناقل لها،،،،

اتمنى المزيد من الفائدة و المتعة
مع تكرار القراءة

عابر سبيل
07-02-2014, 06:33 PM
عسى الله يكتب ها لك في ميزان حسناتك وأشكرك أخي عابر سبيل

العفو سيدي الكريم،
و شكرا على الدعاء الطيب.
أسأل الله ان يثيبك بمثل ما دعوته لي