المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا



امـ حمد
09-02-2014, 06:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)
هذه صفات عباد الله المؤمنين (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا)أي بسكينة ووقار من غير استكبار،كما قال( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )الإسراء،فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ، ولا أشر ولا بطر ، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعاً ورياء ،
وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع ، حتى روي عن عمر أنه رأى شاباً يمشي رويداً، فقال،ما بالك،أأنت مريض،قال،لا يا أمير المؤمنين،فأمره أن يمشي بقوة،
وإنما المراد بالهون هاهنا السكينة والوقار ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا)
وعن الحسن البصري في قوله( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) قال ،إن المؤمنين قوم ذلل ، ذلت منهم،الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ، وإنهم لأصحاء ، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا(الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن )أما والله ما أحزنهم حزن الناس ، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة ، أبكاهم الخوف من النار ، وإنه من لم يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو في مشرب ، فقد قل علمه وحضر عذابه،
وقوله(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) أي،إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، وكما قال تعالى( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين )القصص
عباد الرحمن الصالحون،يمشون على الأرض بسكينة متواضعين, وإذا خاطبهم الجهلة السفهاء بما يكرهون من الأذى،لم يقابلوهم عليه بمثله،بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما،
وأجابوهم بالمعروف من القول, وخاطبوهم خطابًا يَسْلَمون فيه من الإثم،ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله،وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال،
وعن الحسن, في قوله تعالى( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) قال،إن المؤمنين قوم ذُلُلٌ, ذلّت منهم والله الأسماع والأبصار والجوارح, حتى يحسبهم الجاهل مرضى, وإنهم لأصحاء القلوب, ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم, ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة, فقالوا،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ والله ما حزنهم حزن الدنيا, ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة, أبكاهم الخوف من النار, وإنه من لم يتعز بعزاء الله تَقَطَّعَ نفسه على الدنيا حسرات, ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم ومشرب, فقد قلّ علمه وحضر عذابه،
وذكر عباده المؤمنين وصفاتهم، وأضافهم إلى عبوديته تشريفا لهم، فمن أطاع الله وعبده وشغل سمعه وبصره ولسانه وقلبه بما أمره، فهو الذي يستحق اسم العبودية،
ومن كان بعكس هذا شمله قوله(أولئك كالأنعام بل هم أضل)الأعراف،يعني في عدم الاعتبار،
وقوله(هوناً) الهون مصدر الهين وهو من السكينة والوقار،وفي التفسير،يمشون على الأرض حلماء متواضعين،يمشون في اقتصاد،والقصد والتؤدة وحسن السمت من أخلاق النبوة،
وروي في صفته صلى الله عليه وسلم،أنه كان إذا زال زال تقلعا،ويخطو تكفؤا،ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب،التقلع، رفع الرجل بقوة والتكفؤ،الميل إلى سنن المشي وقصده،والهون الرفق والوقار،
والذريع الواسع الخطا،وكان يرفع فيه رجله بسرعة ويمد خطوه،خلاف مشية المختال، ويقصد سمته،وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة،كما قال،كأنما ينحط من صبب،لا يمشون لإفساد ومعصية، بل في طاعة الله والأمور المباحة،والمعروف والتواضع،حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا،لا يتكبرون على الناس،وهذه كلها معان متقاربة،
ويجمعها العلم بالله والخوف منه، والمعرفة بأحكامه والخشية من عذابه وعقابه؛ جعلنا الله منهم بفضله ومنه،وقد أتفق على أن السفيه من المؤمنين إذا جفاك يجوز أن تقول له سلام عليك،وهذا القول بدلائل السنة،
اللهم اجعلنا عباداً لك يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
(وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
اللهم آمين.