المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جدل بين الخبراء لإلزام الشركات العقارية بمعايير الاستدامة



رمــــــاح
17-02-2014, 05:10 PM
جدل بين الخبراء لإلزام الشركات العقارية بمعايير الاستدامة


الراية - 17/02/2014
















يشهد القطاع العقاري في قطر حالة من الجدل بعد مطالبات للجهات المعنية في الحكومة بإقرار بند في كود البناء القطري - الذي يتم تحديثه حاليًا - يلزم الملاك والشركات العقارية باتباع معايير الاستدامة والمباني الخضراء.

فقد اختلف الخبراء بين مؤيدٍ ومعارضٍ لهذا الإلزام، حيث يرى المؤيدون أنه حان الوقت لكي يتم تضمين قانون البناء القطري ما يلزم الشركات والمستثمرين العقاريين بمعايير الأبنية الخضراء، حرصًا على الصحة العامة وترشيدًا للاستهلاك في الطاقة والمياه لاسيما أن هناك منظومات لتقييم الاستدامة تتلاءم مع الثقافة وظروف الطقس المحلية مثل منظومة "جي ساس".

وقالوا إن الجهود التي تبذلها الحكومة القطرية لإلزام مشاريع البناء بالشروط والمواصفات البيئية السليمة لا تؤتي ثمارها لتقاعس العديد من شركات التطوير العقاري عن استخدام تقنيات صديقة للبيئة لأسباب تتعلق بالكلفة، مطالبين بضرورة أن يصبح النظام المرجعي للتنمية المستدامة إلزاميًا من خلال قانون البناء الجديد في قطر.

بينما يرى المعارضون لهذا التوجه أن قطر لا تزال في مرحلة نهضة عقارية تتطلب عدم إلزام العاملين فيها باشتراطات غير تقليدية قد تزيد من كلفة البناء وترفع أسعار السوق العقاري وتزيده اشتعالاً في وقت تسعى فيه الدولة إلى محاربة التضخم ومنع استفحاله حتى لا يؤثر على المجتمع بشكل عام.

وأكدوا أنه رغم وجاهة فكرة المباني الخضراء وفائدتها للبيئة العمرانية في قطر إلا أن ذلك لا ينبغي أن يجعلها إلزامية للعاملين في هذا القطاع الحيوي، والأفضل هو تقديم الحوافز المتنوعة للترغيب في اتباع هذه المعايير مثل منح المستثمرين مساحات أكبر أو ارتفاعات نسبية في المباني التي تنتهج معايير الاستدامة، وبهذا يستفيد المالك أو المستثمر ومعه الساكن ومن ثم المجتمع بشكل عام.

في البداية، يؤكّد السيد أحمد العروقي المدير العام لشركة "روتس" العقارية، أنه رغم وجاهة فكرة إلزام الشركات العقارية بمعايير الاستدامة، إلا أنه لضمان نجاح تجربة المباني الخضراء في قطر لابد من التطبيق التدريجي لها وليكن في غضون ثلاث سنوات حتى يتمكن الملاك والمستثمرين والشركات العقارية من القدرة على بناء هذا النوع من المباني الخضراء على اختلاف فئاتها.

وطالب العروقي بضرورة تقديم حوافز تشجيعية للمستثمرين العقاريين لكي يتبنوا معايير الاستدامة في مشاريعهم بمنحهم ارتفاعات أو مساحات أكبر في مشاريعهم حال تقيدهم بمستويات مرتفعة في معايير المباني الخضراء، فمثلاً يمكن تحفيزهم بزيادة مساحة "البنت هاوس" في الفيللات من 30% حاليًا إلى 50 % .. وفي الأبراج والمباني الرأسية يمكن منحهم حوافز في الارتفاعات، وهكذا.

وقال إنه رغم أن تكلفة البناء الأخضر تزيد بحوالي من 10 - 20 % عن البناء التقليدي، إلا أنه يتم استرداد هذه النسبة مع مرور 5 سنوات بعد تشغيل المبنى ثم يزيد العائد الاستثماري للمبنى بمرور الوقت من خلال توفير استهلاك الطاقة والمياه وطول العمر الافتراضي للمبنى مقارنة بالمبنى التقليدي.

وأضاف العروقي أن المباني الخضراء تعطي قيمة مضافة للاستثمار العقاري، ولكن هذا يستلزم تهيئة مكاتب الاستشارات الهندسية وقبلها الملاك والشركات العقارية للاقتناع بأهمية الانتقال بصناعة العقار إلى ما هو أفضل لها وللقاطنين في هذه العقارات عن طريق التوجه نحو المباني الصديقة للبيئة والمستدامة.

ولفت إلى أن التغيرات المناخية الحالية تتطلب أهمية الاستعداد لها خاصة في القطاع العقاري ومن الواضح أن أحوال الطقس في السنوات القادمة ستشهد تغييرات كبيرة الأمر الذي يتطلب سرعة المبادرة بتصميمات يمكنها التعامل مع تلك التغيرات، ولعل المباني الذكية والخضراء أفضل من غيرها في مواجهة هذه المتغيرات.

مصلحة البلاد

أما السيد خليفة المسلماني الخبير والمثمن العقاري، فيرى أن المصلحة العامة للبلاد تقتضي تنفيذ المشاريع وفق أنظمة الاستدامة والصديقة للبيئة، لكن الأهم هو كيفية تهيئة السوق العقاري من ملاك ومستثمرين وشركات لكي يتفهموا هذه الضرورة وذلك عبر الحوافز وتنويعها مثلما تفعل مدينة لوسيل التي تمنح ارتفاعًا في بعض المباني للمطورين الذين يتبنون نجومًا أعلى في منظومة "جي ساس" لتقييم الاستدامة والتي يتم تشييد مدينة لوسيل وفق معاييرها.

وقال إن بناء برج وفق معايير الاستدامة يساهم في خفض التكلفة التشغيلية له من 30 - 40 % على مدى خمس سنوات، إضافة إلى إطالة عمر المبنى وتوفير الصحة للقاطنين فيه، المهم أن يتم البناء وفق آليات ومواد تكون فعلاً صديقة للبيئة وليست مستوردة من جهات لا رقابة عليها من الدولة.

فكرة براقة

أما المهندس خالد عبد المولى المدير العام للشركة القطرية الاسترالية لأنظمة البناء فيرى أن فكرة المباني الخضراء تعتبر فكرة براقة ولكنها غير منتشرة كثيرًا على مستوى العالم، فمنظومات الاستدامة في أمريكا وأوروبا لم تنجح كثيرًا في خلق رأي عام عقاري يتبناها والدليل على ذلك أن منظومة "لييد" الأمريكية انطلقت خارج الولايات المتحدة بعد أن تعثرت داخلها ويقوم القائمون على المنظومة في تسويقها خارجيًا لجذب عملاء جدد، فمعظم المشاريع التي تم اعتمادها تقع خارج الولايات المتحدة.

وقال إن جوهر المباني الخضراء يقع على عاتق التصميم الذي تصممه المكاتب الهندسية، وما أتوقعه من أي مكتب هندسي أن يتضمن تصميمه ما يساهم في الحد من استهلاك الكهرباء وإعادة تدوير منظومة المياه المستخدمة بوسائل عديدة دون الحاجة إلى اتباع منظومة استدامة معينة.

وأضاف عبد المولى أن معظم القائمين على منظومات الاستدامة في العالم هدفهم تسويق منظوماتهم للاستدامة لجني الأرباح وتعظيم الموارد المالية عبر عقد ورش تدريبية وتقييم مبانٍ ووضع فئات تقييمية للمشاريع العقارية.

وأوضح أن الإمارات تبنت منذ سنوات المعايير الصديقة للبيئة إلا إنه بعد هذه السنوات لا تزال نسبة كبيرة من المباني يتم بناؤها بالنظم التقليدية، صحيح هناك بعض الحوافز مثل الإعفاء من دفع فواتير الكهرباء للمباني أو المنازل الأقل استهلاكًا للطاقة، إلا أن نسبة المنازل التي تحصل على إعفاء قليلة جدًا.

وأعرب المهندس خالد عبد المولى عن تخوفه من الكلفة المرتفعة للبناء وفق المعايير الخضراء خاصة في الفترة الأولى والتي لن يصبر المالك على استعادتها مع مرور عدة سنوات ولكنه سيحملها المستأجرين في أول ثلاث سنوات من تشغيل العقار ما سيرفع قيمته وبالتالي يساهم ذلك في ارتفاع مستويات التضخم بشكل عام.

وحذر من إصدار أي تشريع أو قرار يلزم الشركات العقارية باتباع معايير الاستدامة أو انتهاج معايير لمنظومات معينة لأن قطر في مرحلة بناء ونهضة شاملة ومنها القطاع العقاري، وأي إلزام من هذا النوع قد يؤثر سلبًا على القطاع بل قد يخلق أزمة في بعض مواد وأنظمة البناء الخضراء والسوق ليس مهيئًا بعد لها، لأنه قبل إلزام الشركات العقارية بانتهاج أنظمة معينة في البناء لابد من إتاحة الفرصة للموردين والمستوردين لاستيراد مواد البناء الصديقة للبيئة بحيث لا يحدث اختناق في السوق العقاري ولا نجد ما نحتاج إليه وتتوقف المشاريع.

ودعا إلى اتباع أسلوب الحوافز لإنجاح التجربة الخضراء في مشاريع قطر وفي كل شيء لأن الحوافز وليس الإلزام سوف تساهم في الإقبال على هذه المعايير.

أهمية الإلزام

وكان الدكتور يوسف الحر مؤسس ورئيس مجلس إدارة المنظمة الخليجية للبحث والتطوير "جورد"، قد أعرب - في تصريحات صحفية - عن أمله في أن يتضمن الإصدار الجديد من كود البناء القطري إلزام الجهات الحكومية باتباع معايير منظومة "جي ساس" للاستدامة في مشاريعها.

وقال إنه ينتظر من وزارة البيئة تعزيز المنظومة باتخاذ خطوة فعالة في هذا الاتجاه، لافتًا إلى أن معظم المشاريع الحكومية الكبرى تلتزم بمعايير جي ساس حاليًا مثل مدينة لوسيل والريل ومشاريع أشغال، ولهذا نطالب بإلزام كل المشاريع الحكومية بهذه المعايير بعد ثبات نجاحها في المشاريع الحالية، لذا لابد من نقلة تشريعية في هذا الصدد تلزم الجهات الحكومية باتباع منظومة جي ساس.

وأكّد الحر أن قطر تقود دول الخليج في التنمية العمرانية المستدامة، وسوف نعلن قريبًا عن أرقام وإحصاءات عن مدى تطبيق المعايير الخضراء في قطر والتي تعزز هذه الريادة في المنطقة.

نشجع الحوافز

وكان المهندس مشعل الشمري مدير مجلس قطر للمباني الخضراء، قد أكد في لقاء سابق مع الراية الاقتصادية أن التوجه لاتباع نظام جديد يعتمد على عاملين رئيسيين: إما بالاقتناع وإما بقوة القانون، وفي أوروبا اتجهوا إلى اتباع المعايير الخضراء ليس عن اقتناع بشكل كبير ولكن بهدف التقليل من كلفة استهلاك الطاقة لأن هناك أسعار الكهرباء مرتفعة وليست منخفضة مثل قطر، كما أن من يخفض استهلاك الكهرباء بشكل كبير في أوروبا يحصل على حوافز مادية مثل إعفائه من دفع رسوم الكهرباء الى حد معين، ولكن إذا اعتمدنا مثل هذه الحوافز في قطر فلن تكون مشجعة بالقدر الكافي، لكن تجربة لوسيل تعتبر رائدة حيث إن من يرتقي بدرجات المعايير الخضراء في مشروعه تتم مكافأته بالسماح له بالبناء على ارتفاع معين في المشروع الذي ينفذه، ونتمنى أن تتبنى الوزارات المختلفة مثل هذه الحوافز لكي نساهم في نشر المعايير الخضراء في مختلف المشاريع العقارية بالدولة، وحاليًا تقوم دول مجلس التعاون بإعداد كود الخليج الموحد والذي يتضمن كودًا خاصًا للمباني الخضراء، ونأمل أن يكون في هذا الكود ما يلزم بالبناء وفق هذه المعايير.

وقال إن هناك توجهًا إيجابيًا في كثير من الدوائر الحكومية في قطر لتبني منظومة خضراء مثل كهرماء التي تقوم حاليًا بوضع شروط لاستيراد أجهزة المكيفات والإنارة بما يتوافق مع معايير الاستدامة، فمثل هذه الأمور تساهم في وعي المجتمع بكل فئاته بأهمية الأنظمة الصديقة للبيئة والتي تحافظ على الصحة العامة أيضًا، ونحن في مجلس قطر للمباني الخضراء نعوّل كثيرًا على الحوافز أكثر من القوانين الإلزامية لنشر ثقافة الاستدامة في المجتمع.

وأضاف الشمري أن قطر تسجل ثاني دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث عدد المباني الخضراء، حيث يوجد حاليًا 200 مبنى أخضر في قطر مسجل وفق تصنيف "لييد" منهم 50 مبنى مصنفًا، وبعد الانتهاء من مشروع مشيرب سيضاف 100 مبنى جديد ليصل عدد المباني الخضراء الى 300 مبنى في قطر، إضافة إلى أنه قريبًا سيتم تسليم 50 مبنى أخضر تابعًا لمؤسسة قطر، وإذا تم ضم المشاريع التي تعتمد على منظومة "جي ساس" فسوف يرتفع عدد المباني الخضراء في قطر وأهمها مدينة لوسيل، إضافة الى المشاريع الخاصة والحكومية، فبعض المشاريع تعتمد في تصنيفها على منظومة "لييد" ، ومشاريع أخرى تعتمد على منظومة "جي ساس"، ونحن في قطر نحقق قفزات نوعية في مجال الأبنية المستدامة مقارنة بالدول الكبرى في المنطقة مثل السعودية والإمارات والكويت وغيرها، وقد تم مؤخرًا في الولايات المتحدة تكريم مبنى السكن الطلابي للبنين والبنات التابع لمؤسسة قطر كأكبر "لييد" بلاتيني في العالم، وهو أعلى تصنيف لمعايير "لييد" في العالم، حيث يضم السكن الطلابي 12 مبنى مستدامًا، كما أن مشروع مشيرب سيضم أكبر تجمع مبانٍ في العالم يتم تشييده وفق تصنيف "لييد" الذهبي، وهناك مشاريع أخرى كثيرة تتبع معايير مستدامة في قطر.

جدير بالذكر أن الدكتور محمد سيف الكواري، الوكيل المساعد لشؤون المختبرات والتقييس في وزارة البيئة، قال إن الوزارة بصدد إطلاق كود البناء الأخضر الذي سيساهم في تحويل الأبنية في قطر إلى أبنية خضراء وفق معايير البناء الأخضر وهو كود طموح للمستقبل، مشيرًا إلى أنه سيتم الانتهاء من معايير هذا الكود نهاية 2014 وسوف يتم اعتماده من الجهات العليا وسيكون متاحًا وملزمًا للقطاع الخاص والعام في تطبيقه، وسيؤدي هذا الكود إلى خلق أبنية توفر في استخدام الطاقة والمياه، حيث سيتم استخدام مواد إنشائية في هذه الأبنية صديقة للبيئة من خلال تقليل الانبعاثات الغازية من هذه المباني، وهذا الكود كذلك سيساهم في ترشيد استعمال المياه، وسيوفر أكثر من 30 % إلى 50 % من استخدام الكهرباء.

وأضاف الكواري في تصريحات صحفية أن وزارة البيئة ممثلة في شؤون المختبرات والتقييس تعمل حاليًا كذلك على وضع وتطوير مواصفات قطرية للإنشاء ستصدر في بداية 2014، حيث ستتميز هذه المواصفات باعتمادها على معايير عالية الجودة في مجال الإنشاءات والبناء.