المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة التكوير وأهوال يوم القيامة !ّّ



حفيد الأنصار
25-02-2014, 03:47 AM
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن سورة التكوير من أعظم سور القرآن الكريم , وهى مكية نزلت على رسول الله بمكة
وعدد آياتها (29 ) نزلت بعد المسد
وهى تحكى عن علامات يوم القيامة ,وما فيها من أهوال ,أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله « من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وإِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ. وإِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) ».

يقول الله تعالى
1} إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
جاء فى تفسير الجلالين
" إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ " لُفِّفَتْ وَذُهِبَ بِنُورِهَا,
ويقول الامام المراغي (إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ ) أي إذا كورت الشمس وأمحى ضوؤها وسقطت حين خراب العالم الذي يعيش فيه الحي في حياته الدنيا، ولا يبقى في عالمه الآخر الذي ينقلب إليه شيء من هذه الأجرام.
{2} وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ
جاء فى تفسير الجلالين
" وَإِذَا النُّجُوم اِنْكَدَرَتْ " اِنْقَضَّتْ وَتَسَاقَطَتْ عَلَى الْأَرْض
ويقول الامام المراغي (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) أي وإذا النجوم تناثرت وذهب لألاؤها كما جاء في قوله: « وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ».

{3} وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ " وَإِذَا الْجِبَال سُيِّرَتْ " ذُهِبَ بِهَا عَنْ وَجْه الْأَرْض فَصَارَتْ هَبَاء مُنْبَثًّا
ويقول الامام المراغي
(وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) أي وإذا الجبال قلعت عن الأرض وسيرت في الهواء حين زلزلة الأرض، فتقطع أوصالها وتقذف في الفضاء، وتمر على الرءوس مرّ السحاب ونحو الآية قوله: « وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا » وقوله: « وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً ».
{4} وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ " وَإِذَا الْعِشَار " النُّوق الْحَوَامِل " عُطِّلَتْ " تُرِكَتْ بِلَا رَاعٍ أَوْ بِلَا حَلْب لِمَا دَهَاهُمْ مِنْ الْأَمْر , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَال أَعْجَب إِلَيْهِمْ مِنْهَا
ويقول الامام المراغي وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) أي وإذا النوق العشار وهي أكرم الأموال لديهم، وأعزها عندهم - أهملت ولم يعن بشأنها لاشتداد الخطب، وفداحة الهول.
وهذا على وجه المثل، لأن يوم القيامة لا تكون فيه ناقة عشراء، ولكن مثّل هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه، قاله القرطبي

{5} وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ " وَإِذَا الْوُحُوش حُشِرَتْ " جُمِعَتْ بَعْد الْبَعْث لِيَقْتَصّ لِبَعْضٍ مِنْ بَعْض ثُمَّ تَصِير تُرَابًا
ويقول الامام المراغي
(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) أي ماتت وهلكت، تقول العرب إذا أضرّت السنة بالناس وأصابتهم بالقحط والجدب، حشرتهم السنة: أي أهلكتهم، وهلاكها يكون من هول ذلك الحادث العظيم.

{6} وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ " وَإِذَا الْبِحَار سُجِّرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد : أُوقِدَتْ فَصَارَتْ نَارًا
ويقول الامام المراغي
(وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي فجر الزلزال ما بينها حتى اختلطت وعادت بحرا واحدا وهذا على نحو ما جاء في قوله: « وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ».
وقد يكون المراد من تسجيرها إضرامها نارا. فإن ما في باطن الأرض من النار يظهر بتشققها وتمزّق طبقاتها العليا، وحينئذ يصير الماء بخارا، ولا يبقى إلا النار.
وقد أثبت البحث العلمي غليان البراكين، وهي جبال النار التي في باطن الأرض، وتشهد لذلك الزلازل الشديدة التي تشق الأرض والجبال في بعض الأطراف كما حدث في مسّينا بإيطاليا سنة 1909 م، وحدث في اليابان بعد ذلك.
وجاء في بعض الأخبار « إن البحر غطاء جهنم ».
وبعد أن عدد ما يحدث من مقدمات الفناء وبطلان الحياة في الأرض وامتناع المعيشة فيها - أخذ يذكر ما يكون بعد ذلك من البعث والنشور فقال:
{7} وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ " وَإِذَا النُّفُوس زُوِّجَتْ " قُرِنَتْ بِأَجْسَادِهَا
ويقول الامام المراغي
(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) أي وإذا زوجت الأرواح بأبدانها حين النشأة الآخرة، قاله عكرمة والضحاك والشعبي.
وفي هذا إيماء إلى أن النفوس كانت باقية من حين الموت إلى حين المعاد، فبعد أن كانت منفردة عن البدن تعود إليه.
{8} وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ " وَإِذَا الْمَوْءُودَة " الْجَارِيَة تُدْفَن حَيَّة خَوْف الْعَار وَالْحَاجَة " سُئِلَتْ " تَبْكِيتًا لِقَاتِلِهَا
ويقول الامام المراغي
(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟) أي وإذا سئلت الموءودة بين يدي وائدها عن السبب الذي لأجله قتلت، ليكون جوابها أشد وقعا على الوائد، فإنها ستجيب أنها قتلت بلا ذنب جنته.
وقد افتنّ العرب في الوأد، فمنهم من كان إذا ولدت له بنت وأراد أن يستحييها ولا يقتلها، أمسكها مهانة إلى أن تقدر على الرعي، ثم ألبسها جبة من صوف أو شعر وأرسلها في البادية ترعى إبله، وإن أراد أن يقتلها تركها حتى إذا كانت سداسية قال لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرا في الصحراء حتى إذا بلغها قال لها انظري فيها، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تسوى البئر بالأرض، ومنهم من كان يفعل ما هو أنكى وأقسى من ذلك.
فيالله، ما أعظم هذه القسوة بقتل البريئات بغير جرم سوى خوف الفقر أو العار، وكيف استبدلت الرحمة بالفظاظة، والرأفة بالغلظة، بعد أن خالط الإسلام قلوبهم، ومحا وصمة هذا الخزي عنهم.
{9} بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ " بِأَيِّ ذَنْب قُتِلَتْ " وَقُرِئَ بِكَسْرِ التَّاء حِكَايَة لِمَا تُخَاطَب بِهِ وَجَوَابهَا أَنْ تَقُول : قُتِلْت بِلَا ذَنْب


{10} وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ " وَإِذَا الصُّحُف " صُحُف الْأَعْمَال " نُشِرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد فُتِحَتْ وَبُسِطَتْ
ويقول الامام المراغي (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) أي وإذا صحف الأعمال ظهرت للعاملين في موقف الحساب حتى لا يرتابوا فيها، ولا ينبغي أن نبحث عن تلك الصحف، لنعلم أهي على مثال الأوراق التي نكتب فيها في الدنيا، أم تشبه الألواح أو نحو ذلك مما جرى استعماله في الكتابة، فإن ذلك مما لا يصل إليه علمنا، ولم يجئ نص قاطع عن المعصوم يفسر ذلك
{11} وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ " وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ " نُزِعَتْ عَنْ أَمَاكِنهَا كَمَا يُنْزَع الْجِلْد عَنْ الشَّاة
ويقول الامام المراغي
(وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) فلم يبق غطاء ولا سماء، ولم يوجد ما يطلق عليه اسم الأعلى والأسفل.
{12} وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ " وَإِذَا الْجَحِيم " النَّار " سُعِّرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أُجِّجَتْ
ويقول الامام المراغي وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) أي وإذا جهنم التي يعاقب فيها أهل الكفر والطغيان أوقدت إيقادا شديدا، فيكون ألم من يدخل فيها من أشد الآلام التي تحدث عن مسّ النيران للأجسام الحية، وقد جاء في سورة البقرة: « وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ».
{13} وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ " وَإِذَا الْجَنَّة أُزْلِفَتْ " قُرِّبَتْ لِأَهْلِهَا لِيَدْخُلُوهَا وَجَوَاب إِذَا أَوَّل السُّورَة وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا
ويقول الامام المراغي (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) أي وإذا الجنة أدنيت من أهلها: أي أعدت لنزولهم. ونحو الآية قوله تعالى: « وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
{14} عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ " عَلِمَتْ نَفْس " كُلّ نَفْس وَقْت هَذِهِ الْمَذْكُورَات وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة " مَا أَحْضَرَتْ " مِنْ خَيْر وَشَرّ
ويقول الامام المراغي عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) أي إذا حصل كل ما تقدم من الأحداث السالفة، تعلم كل نفس ما كان من عملها متقبلا وما كان منه مردودا عليها، فكثير من الناس كانوا في الحياة الدنيا مغرورين بما تزينه لهم الشياطين، وسيجدون أعمالهم يوم القيامة غير مقبولة ولا مرضي عنها، بل هي مبعدة من الله مستحقة لغضبه فالذين يعملون أعمالهم رئاء الناس ليس لهم من عملهم إلا الجهد والمشقة، ولا تكون متقبلة عند ربهم، فعلينا أن ننظر إلى الأعمال بمنظار الشرع، ونزنها بميزانه الصحيح.
والله لا يتقبل من الأعمال إلا ما صدر عن قلب مليء بالإيمان، عامر بحبه والرغبة في رضاه، والحرص على أداء واجباته التي فرضها عليه
{15} فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ " فَلَا أُقْسِم " لَا زَائِدَة " بِالْخُنَّسِ "
ويقول الامام المراغي
(فَلا أُقْسِمُ) إن هذه عبارة للعرب في القسم تريد بها تأكيد الخبر كأنه في ثبوته وظهوره لا يحتاج إلى قسم، وكأنه يقول: أنا لا أقسم بكذا وكذا على إثبات ما أذكره، ولا على وجوده فهو واضح جلي ليس في حاجة إلى الحلف والمراد به القسم المؤكد.

حفيد الأنصار
25-02-2014, 03:47 AM
{16} الْجَوَارِي الْكُنَّسِ " الْجَوَارِي الْكُنَّس " هِيَ النُّجُوم الْخَمْسَة : زُحَل وَالْمُشْتَرَى وَالْمَرِّيخ وَالزُّهَرَة وَعُطَارِد , تَخْنُس بِضَمِّ النُّون , أَيْ تَرْجِع فِي مَجْرَاهَا وَرَاءَهَا , بَيْنَمَا نَرَى النَّجْم فِي آخِر الْبُرْج إِذْ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى أَوَّله , وَتَكْنِس بِكَسْرِ النُّون : تَدْخُل فِي كِنَاسهَا , أَيْ تَغِيب فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تَغِيب فِيهَا
ويقول الامام المراغي (الْجَوارِ الْكُنَّسِ) أي بالكواكب جميعها، وهي تخنس بالنهار فتغيب عن العيون، وتكنس بالليل: أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها وقد أقسم بها سبحانه، لما في حركاتها وظهورها طورا واختفائها طورا آخر من الدلائل على قدرة مصرّفها، وبديع صنعه، وإحكام نظامه.
ويرى بعض العلماء أن المراد بها الدراري الخمسة وهي: عطارد، والزّهرة، والمرّيخ، والمشترى، وزحل، لأنها تجرى مع الشمس، ثم ترى راجعة حتى تختفى في ضوئها، فرجوعها في رأي العين هو خنوسها، واختفاؤها هو كنوسها.
{17} وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ " وَاللَّيْل إِذَا عَسْعَسَ " أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ أَوْ أَدْبَرَ
ويقول الامام المراغي
(وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) أي والليل إذا أدبر وولى، وفى إدباره زوال الغمّة التي تغمر الأحياء، بانسدال الظلمة وانحسارها.
{18} وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ " وَالصُّبْح إِذَا تَنَفَّسَ " اِمْتَدَّ حَتَّى يَصِير نَهَارًا بَيِّنًا
ويقول الامام المراغي
(وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) أي والصبح إذا أسفر وظهر نوره، وفى ذلك بشرى للأنفس بحياة جديدة في نهار جديد، إذ تنطلق الإرادات، لتحصيل الرغبات، وسدّ الحاجات، واستدراك ما فات، والاستعداد لما هو آت.
ثم ذكر المحلوف عليه فقال:
{19} إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ " إِنَّهُ " أَيْ الْقُرْآن " لَقَوْل رَسُول كَرِيم " عَلَى اللَّه تَعَالَى وَهُوَ جِبْرِيل أُضِيفَ إِلَيْهِ لِنُزُولِهِ بِهِ
ويقول الامام المراغي
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ) أي إن ما أخبركم به محمد من أمر الساعة ليس بكهانة ولا اختلاق، بل هو قول نزل به جبريل وحيا من ربه، وإنما كان قوله لأنه هو الذي حمله إلى النبي : وقد وصف هذا الرسول بخمسة أوصاف:
{20} ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ " ذِي قُوَّة " أَيْ شَدِيد الْقُوَى " عِنْد ذِي الْعَرْش " أَيْ اللَّه تَعَالَى " مَكِين " ذِي مَكَانَة مُتَعَلِّق بِهِ عِنْد
ويقول الامام المراغي (ذِي قُوَّةٍ) في الحفظ والبعد عن النسيان والخطأ، وقد جاء في آية أخرى: « عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ».
{21} مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ " مُطَاع ثَمَّ " تُطِيعهُ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاوَات " أَمِين " عَلَى الْوَحْي
ويقول الامام المراغي (مُطاعٍ ثَمَّ) أي هو مطاع عند الله في ملائكته المقربين، فهم يصدرون عن أمره، ويرجعون إلى رأيه.
{22} وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ " وَمَا صَاحِبكُمْ " مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُطِفَ عَلَى إِنَّهُ إِلَى آخِر الْمُقْسَم عَلَيْهِ " بِمَجْنُونٍ " كَمَا زَعَمْتُمْ
ويقول الامام المراغي
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) أي وليس محمد بالمجنون كما كانت ترميه قريش بذلك حين كانت تسمع منه غريب الأخبار عن اليوم الآخر مما لم يكن معروفا لهم كما حكى عنهم في قوله: « أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ » وقوله: « أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ » وقوله: « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ».
وفي التعبير (بِصاحِبِكُمْ) استدلال عليهم، وإقامة للحجة على كذبهم في دعواهم، فإنه إذا كان صاحبهم، وكانوا قد خالطوه وعاشروه، وعرفوا عنه ما لم يعرفه سواهم من استقامة، وصدق لهجة، وكمال عقل، ووفور حلم، وتفوّق على جميع الأنداد والأتراب في صفات الخير - لم يكن ادّعاؤهم عليه ما يناقض ذلك إلا باطلا من القول وزورا.
{23} وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ " وَلَقَدْ رَآهُ " رَأَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيل عَلَى صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا " بِالْأُفُقِ الْمُبِين " الْبَيِّن وَهُوَ الْأَعْلَى بِنَاحِيَةِ الْمَشْرِق
ويقول الامام المراغي (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) أي وإن محمدا رأى جبريل بالأفق الأعلى، وقد تمثل له جبريل في مثال يظهر ويبصر، فتجلى لعينيه، وأعلم أنه جبريل فعرفه.
وقد ذكرت هذه الرؤية في سورة النجم في قوله: « ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ».
{24} وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ " وَمَا هُوَ " مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَى الْغَيْب " مَا غَابَ مِنْ الْوَحْي وَخَبَر السَّمَاء " بِضَنِينِ " أَيْ بِمُتَّهَمٍ , وَفِي قِرَاءَة بِالضَّادِ , أَيْ بِبَخِيلٍ فَيَنْتَقِص شَيْئًا مِنْهُ
ويقول الامام المراغي وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أي وليس محمد بالمتهم على القرآن وما فيه من قصص وأنباء وأحكام، بل هو ثقة أمين لا يأتي به من عند نفسه، ولا يبدل منه حرفا بحرف، ولا معنى بمعنى، إذ لم يعرف عنه الكذب في ماضي حياته، فهو غير متّهم فيما يحكيه عن رؤية جبريل وسماع الشرائع منه.
ثم نفى عنه فرية أخرى كانوا يتقوّلونها عليه فقال:
{25} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ " وَمَا هُوَ " أَيْ الْقُرْآن " بِقَوْلِ شَيْطَان " مُسْتَرِق السَّمْع " رَجِيم " مَرْجُوم
ويقول الامام المراغي( وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) أي وما هذا الذي يتكلم به محمد بقول ألقاه
الشيطان على لسانه حين خالط عقله كما تزعمون، فإنه قد عرف بصحة العقل، وبالأمانة على الغيب، فلا يكون ما يحدّث به من خبر الآخرة والجنة والنار من قول الشياطين.
وقد حكى الله سبحانه عن الأمم جميعا أنهم رموا أنبياءهم بالجنون فقال: « كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ».
ثم ذكر أنهم قوم قد ضلوا طريق التدبر، وجهلوا سبيل الحكمة فقال
{26} فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ " فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ " فَبِأَيِّ طَرِيق تَسْلُكُونَ فِي إِنْكَاركُمْ الْقُرْآن وَإِعْرَاضكُمْ عَنْهُ
{27} إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ " إِنْ " مَا " هُوَ إِلَّا ذِكْر " عِظَة " لِلْعَالَمِينَ " الْإِنْس وَالْجِنّ
ويقول الامام المراغي
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي وما هذا القرآن إلا عظة للخلق كافة يتذكرون بها ما غرز في طباعهم من حب الخير، وإنما أنساهم ذكره ما طرأ عليهم بمقتضى الإلف والعادة من ملكات السوء التي تحدثها أمراض البيئة والمجتمع، والقدوة السيئة.
ثم بيّن أنه لا ينتفع بهذه النظم كل العالمين فقال:
{28} لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ " لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ " بَدَل مِنْ الْعَالَمِينَ بِإِعَادَةِ الْجَارّ " أَنْ يَسْتَقِيم " بِاتِّبَاعِ الْحَقّ
ويقول الامام المراغي
(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) أي إنه ذكر يتذكر به من وجّه إرادته للاستقامة على جادّة الحق والصواب أما من انحرف عن ذلك فلا يؤثر فيه هذا الذكر ولا يخرجه من غفلته.
والخلاصة - إن على مشيئة المكلف تتوقف الهداية، وقد فرض عليه أن يوجه فكره نحو الحق ويطلبه، ويجدّ في كسب الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
ثم دفع توهم أن إرادة الإنسان مستقلة في فعل ما يريد، وله الاختيار التام فيما يفعل، وهو منقطع العلاقة في إرادته من سلطان ربه فقال:
:
{29} وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " وَمَا تَشَاءُونَ " الِاسْتِقَامَة عَلَى الْحَقّ " إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ " الْخَلَائِق اِسْتِقَامَتكُمْ عَلَيْهِ .
ويقول الامام المراغي (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي إن إرادتكم الخير لا تحصل لديكم إلا بعد أن يخلقها الله فيكم بقدرته، الموافقة لإرادته، فهو الذي يودع فيكم إرادة فعل الخير فتنصرف هممكم إليه، ولو شاء لسلبكم هذه الإرادة وجعلكم كالحيوانات لا إرادة لها.
وفي قوله: « رَبُّ الْعالَمِينَ » بيان لعلة هذا، فإنه لما كان رب العالمين، وهو الذي منحكم كل ما تتمتعون به من القوى كالإرادة وغيرها، وهو صاحب السلطان عليكم - كانت إرادتكم مستندة إلى إرادته، وخاضعة لسلطانه، فلو شاء أن يوجهها إلى غير ما وجهت له توجهت، ولو شاء أن يمحوها محيت، فله الأمر وله الحكم وهو على كل شيء قدير.
هذا والله أعلم

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

" أهم المراجع "
1 - تفسير السعدى
2- تفسير المراغي

كازانوفا
25-02-2014, 11:42 AM
لا اله الا الله
بالفعل هول عظيم يكفي الوصف كيف على الطبيعه والحقيقه ما هي ردودنا حين نرى امام اعيينا هذا الوصف المخيف

حفيد الأنصار
27-02-2014, 05:25 AM
نسأل الله السلامة
شكرا لكي أختي كازانوفا

امـ حمد
27-02-2014, 05:29 AM
اللهم إنس أسألك السلامه لي والجميع المؤمنين
بارك الله في حسناتك
وجزاك ربي جنة الفردوس

حفيد الأنصار
27-02-2014, 08:35 PM
ولكي بالمثل أختي أم حمد
بارك الله فيك