المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكلمات ... كليات رسائل تحمل الخطاب للنفس ...



ريم الشمال
08-03-2014, 02:13 AM
الكلمات ... كليات رسائل تحمل الخطاب للنفس
بضع حقائق في حكايات قصيرة ، سأوردها اخاطب فيها نفسي بكلمات فمن يجد في نفسه الرغبة فاليلق نظرة هنا ...

فمن يجد كلمة هي حقيقة في حكاية ... يوردها لنا يخاطب فيها نفسه ... فليساهم في خطاب النفس ...


الكلمة الأولى

( بسم الله )

رأس كل خير وبدء كل أمر ذي بال ، فنحن أيضا نستهل بها .
فيا نفسي اعلمي أن هذه الكلمة الطيبة المباركة كما أنها شعار الإسلام ، فهي ذكر جميع الموجدات بألسنة أحوالها .

فإن كنت راغبة في إدراك مدى ما في ( بسم الله ) من قوة هائلة لا تنفذ ، ومدى ما فيها من بركة واسعة لا تنضب ، فاستمعي إلى هذه الحكاية التمثيلية القصيرة .

إن البدوي الذي ينتقل في الصحراء ويسيح فيها لا بد له أن ينتمي إلى رئيس قبيلة ويدخل تحت حمايته ، كي ينجو من شر الأشقياء ، وينجز أشغاله ويتدارك حاجاته ، وإلا فسيبقى وحده حائرا مضطربا أمام كثرة من الأعداء ، وكثرة من الحاجات التي لا حد لها وهكذا ... فقد توافق أن قام اثنان بمثل هذه السياحة .
كان أحدهما متواضع ، والآخر مغرورا . فالمتواضع انتسب إلى رئيس ، بينما المغرور رفض الانتساب . فتجولا في هذه الصحراء . فما كان المنتسب يحل في خيمة إلا ويقابل بالاحترام والتقدير بفضل ذلك الاسم . وإن لقيه قاطع طريق يقول له ( إنني أتجول باسم ذلك الرئيس ) فيتخلى عنه الشقي .
أما المغرور فقد لا قى من المصائب والويلات ما لا يكاد يوصف ، إذ كان طول السفرة في خوف دائم ووجل مستمر ، وفي تسول مستديم ، فأذل نفسه وأهانها .

فيا نفسي المغرورة !
اعلمي أنك أنت ذلك السائح البدوي . وهذه الدنيا الواسعة هي تلك الصحراء . وإن فقرك وعجزك لا حد لهما ، كما أن أعداءك وحاجاتك لا نهاية لهما .
فما دام الأمر هكذا فتقلدي اسم المالك الحقيقي لهذه الصحراء وحاكمها الأبدي ، لتنجي من ذل التسول أمام الكائنات ومهانة الخوف أمام الحادثات .

نعم ، إن هذه الكلمة الطيبة ( بسم الله ) كنز عظيم لا يفنى أبدا ، إذ بها يرتبط فقرك برحمة واسعة مطلقة أوسع من الكائنات ويتعلق عجزك بقدرة عظيمة مطلقة تمسك زمام الوجود من الذرات إلى المجرات .

فيا نفس !!
إن كنت تأبين أن تكوني مثل الأحمق الأبله ، فأعطي باسم الله .. وخذي باسم الله وابدئي باسم الله .. واعملي باسم الله

توشيبا
08-03-2014, 02:19 AM
بسم الله

السلام عليكم

احسنتي في اختيار الموضوع

يعطيج العافيه

ضوى
08-03-2014, 02:20 AM
بسم الله

رائعة ياريم الشمال

متابعة بشغف ان شاء الله

ريم الشمال
08-03-2014, 02:25 AM
شكراً h - p - ضوى ... تواصلنا يتم من خلال تشجعكم ومشاركتكم

الموضوع مفتوح لأبداعاتكم ولا اسهاماتكم واقلامكم الرائعة ...

بصمة قطرية
08-03-2014, 03:04 AM
ليس بجديد هذا الإبداع على صاحبة القلم المتميز ( ريم الشمال )
أتابع مشاركاتك دائماً و أستمتع بالقراءة ..

ريم الشمال
08-03-2014, 02:05 PM
الحمد لله على سلامتك بصمه
هذا من ذوقك الرفيع
يسرني المتابعة والمشاركة

ريم الشمال
08-03-2014, 02:08 PM
الكلمة الثانية

( الذين يؤمنون بالغيب ) البقرة 2

إن كنت تريد أن تعرف مدى ما في الإيمان من سعادة ونعمة ، ومدى ما فيه من لذة وراحة ، فاستمع إلى هذه الحكاية القصيرة .

خرج رجلان في سياحة ذات يوم ، من أجل الاستجمام والتجارة ، فمضى أحدهما وكان أنانيا شقيا إلى جهة ، ومضى الآخر وهو رباني سعيد إلى جهة ثانية .

فالأناني المغرور الذي كان متشائما لقى بلدا في غاية السؤ والشؤم في نظره ، جزاء وفاقا على تشاؤمه ، حتى إنه كان يرى – أينما اتجه – عجزة مساكين يصرخون ويولولون من ضربات أيدي رجال طغاه قساة ومن أعمالهم المدمرة .
فرأى هذه الحالة المؤلمة الحزينة في كل مايزوره من أماكن ، حتى اتخذت المملكة كلها في نظره شكل دار مأتم عام .
فلم يجد لنفسه علاجا لحاله المؤلم المظلم غير السكر ، فرمى نفسه في نشوته لكيلا يشعر بحاله ، إذ صار كل واحد من أهل هذه المملكة يتراءى له عدوا يتربص به ، وأجنبيا يتنكر له ، فظل في عذاب وجداني مؤلم لما يرى فيما حوله من جنائز مرعبة ويتامى يبكون بكاء يائسا مريرا .

أما الآخر الرجل الرباني العابد لله ، والباحث عن الحق ، فقد كان ذا أخلاق حسنة بحيث لقى في رحلته مملكة طيبة هي في نظره في منتهى الروعة والجمال .

فهذا الرجل الصالح يرى في المملكة التي دخلها احتفالات رائعة ، ومهرجانات بارعة قائمة على قدم وساق ، وفي كل طرف سرورا ، وفي كل زاوية حبورا ، وفي كل مكان محاريب ذكر ...
حتى لقد صار يرى كل فرد من أفراد هذه المملكة صديقا صدوقا وقريبا حبيبا له . ثم يرى أن المملكة كلها تعلن – في حفل التسريح العام – هتافات الفرح بصيحة مصحوبة بكلمات الشكر والثناء .
ويسمع فيها أيضا أصوات الجوقة الموسيقية وهي تقدم ألحانها الحماسية مقترنة بالتكبيرات العالية والتهليلات الحارة بسعادة واعتزاز للذين يساقون إلى الخدمة والجندية .

فبينما كان ذلك الرجل الأول المتشائم منشغلا بألمه وآلام الناس كلهم . كان الثاني السعيد المتفائل مسرورا مع سرور الناس كلهم فرحا مع فرحهم . فضلا عن أنه غنم لنفسه تجارة حسنة مباركة فشكر ربه وحمده .

ولدى عودته إلى أهله ، يلقى ذلك الرجل فيسأل عنه وعن أخباره ، فيعلم كل شيء عن حاله فيقول له :
( يا هذا لقد جننت ! فإن ما في باطنك من الشؤم انعكس على ظاهرك بحيث أصبحت تتوهم كل ابتسامة صراخ ودموع ، و أن كل تسريح و إجازة نهب وسلب .
عد إلى رشدك ، وطهر قلبك ، لعل هذا الغشاء النكد ينزاح عن عينيك . وعسى أن تبصر الحقيقة على وجهها الأبلج .
فإن صاحب هذه المملكة ومالكها وهو في منتهى درجات العدل والمرحمة والربوبية والاقتدار والتنظيم المبدع والرفق ...
وإن مملكة بمثل هذه الدرجة من الرقي والسمو مما تريك من آثار بأم عينيك ... لا يمكن أن تكون بمثل ما تريه أوهامك من صور .

وبعد ذلك بدأ هذا الشقي يراجع نفسه ويرجع إلى صوابه رويدا رويدا ، ويفكر بعقله ويقول متندما :
نعم لقد أصابني جنون لكثرة تعاطي الخمر ... ليرض الله عنك ، فلقد أنقذتني من جحيم الشقاء .

فيا نفسي ! اعلمي أن الرجل الأول هو الكافر أو الفاسق الغافل . فهذه الدنيا في نظره بمثابة مأتم عام ، وجميع الأحياء أيتام يبكون تألما من ضربات الزوال وصفعات الفراق .

أما الإنسان والحيوان فمخلوقات سائبة بلا راع ولا مالك ، تتمزق بمخالب الأجل وتعتصر بمعصرته .
وأمثال هذه الأوهام المدهشة المؤلمة الناشئة من كفر الإنسان وضلالته تذيق صاحبها عذابا معنويا مريرا .

أما الرجل الثاني فهو المؤمن الذي يعرف خالقه حق المعرفة ويؤمن به . فالدنيا في نظره دار ذكر رحماني ، وساحة تعليم وتدريب البشر والحيوان وميدان ابتلاء واختبار للإنس والجان . فالذين أنهو وظائف حياتهم ، يودعون هذه الدار الفانية وهم مسرورون معنويا ، حيث إنهم ينقلون إلى عالم آخر غير ذي قلق ..

فالموجودات كلها – في نظر هذا المؤمن – خدام مؤنسون ، موظفون أخلاء ، وكتب حلوة لسيده الكريم ومالكه الرحيم
فالإيمان إذن يضم بذرة معنوية منشقة من ( طوبى الجنة ) أما الكفر فإنه يخفي بذرة معنوية قد نفثته ( زقوم جهنم )
فالسلامة والأيمان إذن لا وجود لهما إلا في الإسلام والإيمان .

خالد البلوشي
08-03-2014, 04:08 PM
أهلاً بك ريم الشمال..

طرحٌ رائع و لعلنا سنجني الكثير من الفوائد من خلال هذا المتصفح بإذن الله ..

شكراً لكِ

خالد البلوشي
08-03-2014, 04:11 PM
كفى بالله شهيداً ، كفى بالله كفيلاً ..


التوكل على الله عبادة الصادقين ، وسبيل المخلصين ، أمر الله تعالى به أنبياءه المرسلين ، وأولياءه المؤمنين، قال رب العالمين:
" وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِير"


رُوي عن أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يُسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال : كفى بالله شهيداً ، قال : فأتني بالكفيل ، قال : كفى بالله كفيلا ، قال : صدقت ، فدفعها إليه إلى أجل مسمى ، فخرج في البحر فقضى حاجته ، ثم التمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركباً فأخذ خشباً فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى بها البحر فقال : اللهم إنك تعلم إني كنت تسلفت فلانا ألف دينار ، فسألني كفيلاً فقلت : كفى بالله كفيلا فرضى بك و سألني شهيداً فقلت : كفى بالله شهيداً فرضى بك ، و إني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر ، و إني أستودعكها ، فرمي بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف ، و هو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده ، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطبا ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ، فقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه ، قال : هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ قال : أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه ، قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرِفْ بالألف الدينار راشدا .


القصة فيها الكثير من الفوائد و منها بيان ثمرة التوكل على الله ببذل الأسباب و في القصة صورتان من صور التوكل الصادق ، توكل الدائن على الله و رضي بالله شهيدا و كفيلا ، و توكل المدين على ربه لما دفع المال في البحر ، و اتخذ ما يقدر عليه من الأسباب : كالدعاء و نقر الخشب ثم وضع المال في جوفها ثم إصلاح ثقبها و قد قال الله عز و جل : " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " ، فوكل أمورك لله و اتخذ ما تحت يدك من الأسباب و لا تعلق بها قلبك و الله ولي أمرك و من صح توكله أفلح سعيه ..



نقلتها من موقع صيد الفوائد ..

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم (18) (http://www.saaid.net/Doat/mehran/12-18.htm)

لمت اب
08-03-2014, 04:31 PM
ريم الشمال
بيض الله وجهك
مواضيع شيقة جدا

ريم الشمال
09-03-2014, 01:57 AM
أهلاً بك ريم الشمال..

طرحٌ رائع و لعلنا سنجني الكثير من الفوائد من خلال هذا المتصفح بإذن الله ..

شكراً لكِ



الشكر موصول لك أخي الكريم البلوشي
قلم مميز وأضافة قيمة بما تحمل من رسائل لأرواح قدر لها أن تكون مع الله وتوكله أمرها فلا يضيعها سبحانه جل شان وقدرته

ريم الشمال
09-03-2014, 01:58 AM
ريم الشمال
بيض الله وجهك
مواضيع شيقة جدا

ووجهك أبيض كما هي سريرتك أن شاء الله

يسعدني مرورك الكريم على هذا المتصفح
رائع بوجودكم

ريم الشمال
09-03-2014, 02:38 AM
الكلمة الثالثة

( يا أيها الناس اعبدوا ) البقرة 21

إن كنت تريد أن تفهم كيف أن العبادة تجارة عظمى وسعادة كبرى ، و أن الفسق والسفه خسارة جسيمة وهلاك محقق ، فانظر إلى هذه الحكاية التمثيلية وأنصت إليها ...

تسلم جنديان اثنان - ذات يوم - أمر بالذهاب إلى مدينة بعيدة فسافرا معا إلى أن وصلا مفرق طريقين ، فواجدا هناك رجلا يقول لهما :

إن هذا الطريق الأيمن ، مع عدم وجود الضرر فيه ، يجد المسافرون الذين يسلكونه الراحة والاطمئنان والربح مضمونا بنسبة تسعة من عشرة .

أما الطريق الأيسر كونه عديم النفع يتضرر تسعة من عشرة من عابريه . علما أن كليهما في الطول سواء ، مع فرق واحد فقط ، هو أن المسافر المتجه نحو الطريق الأيسر - غير المرتبط بنظام و حكومة - يمضي بلا حقيبة متاع ولا سلاح ، فيجد في نفسه خفة ظاهرة وراحة موهومة .

غير أن المسافر المتجه نحو الطريق الأيمن - المنتظم تحت شرف الجندية - مضطر لحمل حقيبة كاملة من مستخلصات غذائية تزن أربع ( أوقيات ) وسلاحا حكوميا يزن ( أوقيتين ) يستطيع أن يغلب به كل عدو .

وبعد سماع هذين الجندين كلام ذلك الرجل الدليل ، سلك المحظوظ السعيد الطريق الأيمن ، ومضى في دربه حاملا على ظهره وكتفه رطلا من الأثقال إلا أن قلبه وروحه قد تخلصا من آلاف الأرطال من ثقل المنة والخوف .

بينما الرجل الشقي المنكود الذي آثر ترك الجندية ولم يرد الانتظام والالتزام ، سلك سبيل الشمال . فمع أن جسمه قد تخلص من ثقل رطل فقد ظل قلبه يرزح تحت آلاف الأرطال من المن والأذى ، وانسحقت روحه تحت مخاوف لا يحصرها الحد ... فمضى في سبيله مستجديا كل شخص ، وجلا مرتعشا من كل شيء ، خائفا من كل حادثة ، إلى أن بلغ المحل المقصود فلاقى هناك جزاء فراره وعصيانه .

أما المسافر المتوجه نحو الطريق الأيمن - ذلك المحب لنظام الجندية والمحافظ على حقيبته وسلاحه - فقد سار منطلقا مرتاح القلب مطمئن الوجدان من دون أن يلتفت إلى منة أحد أو يطمع فيها أو يخاف من أحد ، إلى أن بلغ المدينة المقصودة وهنالك وجد ثوابه اللائق به كأي جندي شريف أنجز مهمته بالحسنى .

فيا أيتها النفس السادرة السارحة !
اعلمي أن ذينك المسافرين أحدهما أولئك المستسلمون المطيعون للقانون الإلهي ، والآخر هم العصاة المتبعون للأهواء .
وأما ذلك الطريق فهو طريق الحياة الذي يأتي من عالم الأرواح ويمر من القبر المؤدي إلى عالم الآخرة .
وأما تلك الحقيبة والسلاح فهما العبادة والتقوى .

فمهما يكن للعبادة من حمل ثقيل ظاهرا إلا أن لها في معناها راحة وخفة عظيمتين لا توصفان ، ذلك لأن العابد يقول في صلاته ( لا إله إلا الله ) أي لا خالق ولا رازق إلا هو ، النفع والضر بيده ، وإنه حكيم لا يعمل عبثا كما أنه رحيم واسع الرحمة والإحسان .

فالمؤمن يعتقد بما يقول ، لذا يجد في كل شيء بابا ينفتح إلى خزائن الرحمة الإلهية ، فيطرقه بالدعاء ، ويرى أن كل شيء مسخر لأمر ربه ، فيلتجىء إليه بالتضرع . ويتحصن أمام كل مصيبة مستندا إلى التوكل ، فيمنحه إيمانه هذا الأمان التام والاطمئنان الكامل .

نعم ، إن منبع الشجاعة ككل الحسنات الحقيقية هو الإيمان والعبودية ، وإن منبع الجبن ككل السيئات هو الضلالة والسفاهة

نحصل من هذا : أن سعادة الدنيا أيضا - كالآخر - هي في العبادة وفي الجندية الخالصة لله .

فعلينا إذن أن نردد دائما : ( الحمد لله على الطاعة والتوفيق ) وأن نشكره سبحانه وتعالى على أننا مسلمون

القبطان سلفر
09-03-2014, 03:10 AM
جميل ريم الشمال .

متابع ...........

العلياا
09-03-2014, 08:05 AM
طرح رائع
متابعة بإذن الله

ولد العرب
09-03-2014, 08:23 AM
معليه اختي سامحيني خليني اقرب كرسي واستوعب مافهمت محتاج المترجم :weeping:

زبرجد
09-03-2014, 02:07 PM
مخالطة الناس ... والكهف الحصين الذي ألجأ إليه ..!



في حياتنا نخالط البَر والفاجر ... والصالح والطالح .. المحب والحاقد .. والأخطر من هؤلاء جمعيا من يرديك إلى الهاوية من يريدك تكون على شاكلته في السوء والمعاصي ....

كيف نواجه هذا الإنسان ؟؟

تعلمت هذا الدرس من إنسانة علمتني التجويد كانت تقول أنا بعد أن أفرغ من تعليمي منكن أذهب فأراجع تجويدي حتى لا يتأثر لساني وتجويدي بالأخطاء التي سمعتها ... ومن هذا الموقف عرفت أن لابد لي من كهف معنوي ألجأ إليه وهو إيماني الذي إدخرته بأن أراجع أمور ديني وما يطلبه ربي مني فأنا أرى فتيات من حادت عن الطريق المستقيم ومن هان عليها إرتكاب المعاصي ... وهناك شباب ذهبوا وتغربوا ورأوا ما كان يراه حراما وعيبا رأوه شيئاً مسلماً به بل وإن لم تفعله إتهموك بالتخلف والرجعية ...!فأنا أقدم له هذه النصيحة أن يكون له كهف يراجع فيه ثوابته التي تربى عليها ولا ينجرف مع أمواج الإتحراف ....

زبرجد
09-03-2014, 02:08 PM
ولا أنسى تقديم الثناء والتقدير لأختي ريم الشمال ...

ريم الشمال
09-03-2014, 05:45 PM
جميل ريم الشمال .

متابع ...........

الجميل مرورك ومتابعتك



طرح رائع
متابعة بإذن الله

الروعة متابعتك ومرورك على هذا المتصفح .


معليه اختي سامحيني خليني اقرب كرسي واستوعب مافهمت محتاج المترجم :weeping:

أوكي = طيب
هذا نوع من الكتابات التي تختلط فيها الفلسفة مع التعمق في الفكر الديني ولا أنسبها إلي نفسي وإنما لكاتب اسلامي غني عن التعريف
بديع الزمان سعيد النورسي ... اقرأ وانتقي منه واقوم بسرده ووضعها ككلمات تحمل قصص يسردها وهو يحوي العديد من الابواب ومنها ما كتبته عن مناجاة تخطرت في القلب من البيان الفارسي ..
سعيده بمتابعتك

ريم الشمال
09-03-2014, 05:48 PM
[
مخالطة الناس ... والكهف الحصين الذي ألجأ إليه ..!



في حياتنا نخالط البَر والفاجر ... والصالح والطالح .. المحب والحاقد .. والأخطر من هؤلاء جمعيا من يرديك إلى الهاوية من يريدك تكون على شاكلته في السوء والمعاصي ....

كيف نواجه هذا الإنسان ؟؟

تعلمت هذا الدرس من إنسانة علمتني التجويد كانت تقول أنا بعد أن أفرغ من تعليمي منكن أذهب فأراجع تجويدي حتى لا يتأثر لساني وتجويدي بالأخطاء التي سمعتها ... ومن هذا الموقف عرفت أن لابد لي من كهف معنوي ألجأ إليه وهو إيماني الذي إدخرته بأن أراجع أمور ديني وما يطلبه ربي مني فأنا أرى فتيات من حادت عن الطريق المستقيم ومن هان عليها إرتكاب المعاصي ... وهناك شباب ذهبوا وتغربوا ورأوا ما كان يراه حراما وعيبا رأوه شيئاً مسلماً به بل وإن لم تفعله إتهموك بالتخلف والرجعية ...!فأنا أقدم له هذه النصيحة أن يكون له كهف يراجع فيه ثوابته التي تربى عليها ولا ينجرف مع أمواج الإتحراف ....


ولا أنسى تقديم الثناء والتقدير لأختي ريم الشمال ...

زبرجد ايتها الفراشة الجميلة كلنا في هذه الدنيا مازلنا نتعلم ونسمع للنصائح سعيدة بما خطته يدك وقلمك عن تجربتك
اعتبرية متصفحك تكتبين ما تشأين من تجارب ترتبط بك أو بما قرأتي

ريم الشمال
09-03-2014, 05:48 PM
الكلمة الرابعة
( الصلاة عماد الدين )
إن كنت أن تعرف أهمية الصلاة وقيمتها ، وكم هو يسير نيلها وزهيد كسبها ، وأن من لا يقيمها ولا يؤدي حقها أبله خاسر ... نعم ، إن كنت تريد أن تعرف ذلك كله بيقين تام – كحاصل ضرب الاثنين في اثنين يساوي أربعا – فتأمل في هذه الحكاية التمثيلية القصيرة :

يرسل حاكم عظيم – ذات يوم – اثنين من خدمه إلى مزرعته الجميلة ، بعد أن يمنح كلا منهما أربعا وعشرين ليرة ذهبية ، ليتمكنا بها من الوصول إلى المزرعة التي هي على بعد شهرين .
ويأمرهما : أنفقا من هذا المبلغ لمصاريف التذاكر ومتطلبات السفر ، واقتنيا ما يلزمكما هناك من لوازم السكن والإقامة .
هناك محطة للمسافرين على بعد يوم واحد ، توجد فيها جميع أنواع وسائط النقل من سيارة وطائرة وسفينة وقطار ... ولكل ثمنه .
يخرج الخادمان بعد تسلمهما الأوامر . كان أحدهما سعيدا محظوظا ، إذ صرف شيئا يسيرا مما لديه لحين وصوله المحطة ، صرفه في تجارة رابحة يرضي بها سيده ، فارتفع رأس ماله من الواحد إلى الألف .

أما الخادم الآخر ، فلسوء حظه وسفاهته صرف ثلاثا وعشرين مما عنده من الليرات الذهبية في اللهو والقمار ، فأضاعها كلها إلا ليرة واحدة منها لحين بلوغه المحطة .

خاطبه صاحبه : يا هذا ... اشتر بهذه الليرة الباقية لديك تذكرة سفر ، فلا تضيعها كذلك ، فسيدنا كريم رحيم ، لعله يشملك برحمته وينالك عفوه عما بدر منك من تقصير ، فيسمحوا لك بركوب الطائرة ، ونبلغ معا محل إقامتنا في يوم واحد .
فإن لم تفعل ما أقوله لك فستضطر إلى مواصلة السير شهرين كاملين في هذه المفازة مشيا على الأقدام ، والجوع يفتك بك ، والغربة تخيم عليك وأنت وحيد شارد في هذه السفرة الطويلة .
ترى لو عاند هذا الشخص ، فصرف حتى تلك الليرة الباقية في سبيل شهوة عابرة وقضاء لذة زائلة ، بدلا من اقتناء تذكرة سفر هي بمثابة مفتاح كنز له . ألا يعني ذلك أنه شقي خاسر ، وابله بليد حقا ؟ ألا يدرك هذا أغبى إنسان ؟

فيا من لا يؤدي الصلاة ! ويا نفسي المتضايقة منها !
إن ذلك الحاكم هو ربنا وخالقنا جل وعلا .
أما ذلكما الخادمان المسافران ، فأحدهما هو المتدين الذي يقيم الصلاة بشوق ويؤديها حق الأداء ، والآخر هو الغافل التارك للصلاة .
أما تلك الليرات الذهبية ( الأربعة والعشرون ) فهي الأربع والعشرون ساعةً من كل يوم من أيام العمر .
وأما ذلك البستان الخاص فهو الجنة .
وأما تلك المحطة فهي القبر .

وأما تلك السياحة والسفر الطويل فهي رحلة البشر السائرة نحو القبر والماضية إلى الحشر والمنطلقة إلى دار الخلود .
فالسالكون لهذا الطريق الطويل يقطعونه على درجات متفاوته ، كل حسب عمله ومدى تقواه .

فقسم من المتقين يقطعون في يوم واحد مسافة ألف سنة كأنهم البرق .
وقسم منهم يقطعون في يوم واحد مسافة خمسين ألف سنة كأنهم الخيال .
وقد أشار القرآن العظيم إلى هذه الحقيقة في آيتين كريمتين .
أما تلك التذكرة فهي الصلاة التي لا تستغرق خمس صلوات مع وضوئها أكثر من ساعة .
فيا خسارة من يصرف ثلاثا و عشرين من ساعتها على هذه الحياة الدنيا القصيرة ولا يصرف ساعة واحدة على تلك الحياة الأبدية المديدة ! ويا له من ظالم لنفسه مبين ! ويا له من أحمق أبله !

لئن كان دفع نصف ما يملكه المرء ثمنا لقمار اليانصيب – الذي يشترك فيه أكثر من ألف شخص – يعد أمرا معقولا ، مع أن احتمال الفوز واحد من ألف ، فكيف بالذي يحجم عن بذل واحد من أربعة وعشرين مما يملكه في سبيل ربح مضمون ، ولأجل نيل خزينة أبدية ، باحتمال تسع وتسعين من مائة ... ألا يعد هذا العمل خلافا للعقل ومجانبا للحكمة ؟
ألا يدرك ذلك كل من يعد نفسه عاقلا ؟

إن الصلاة بذاتها راحة كبرى للروح والقلب والعقل معا .

فضلا عن أنها ليست عملا مرهقا للجسم . وفوق ذلك فإن سائر أعمال المصلي الدنيوية المباحة ستكون له بمثابة عبادة لله ، وذلك بالنية الصالحة ، فيستطيع إذن أن يحول المصلى جميع رأس مال عمره إلى الآخرة ، فيكسب عمرا خالدا بعمر الفاني .

زبرجد
10-03-2014, 12:00 AM
عندما تكون وحيداً تأكد أنك ستجد من يشبهك ..!

يقول الله عز وجل في سورة النور( الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات ...
كيف ونحن نرى خبثاء مع الطيبين !! ... ولو تعمقنا لرأينا أن الخبيث لا ينسجم مع الطيب والعكس بالطبع صحيح وإن جمعتهم الظروف ... فلن يرتاح الطيب إلا إذا تخلص من هذا الخبيث ... وهذا مشاهد في العلاقات الإنسانية بشتى أنواعها ... لذلك أنا من تجربتي أن لا أستعجل الصداقة من أي إنسانة لأني أعلم أني سأجدها فأرواحنا هي التي تدلنا عليها ... وإن كنا أحياناً نخطئ الطريق فهذا يعود لقصور في طبيعة البشر ...

المهاجر
10-03-2014, 12:09 AM
موضوع رائع وقيم جداً اختي ريم الشمال

متابع

ريم الشمال
10-03-2014, 12:25 AM
الكلمة الخامسة

( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )

إذا أردت أن ترى إقامة الصلاة واجتناب الكبائر وظيفة حقيقية تليق بالإنسان ونتيجة فطرية ملائمة مع خلقته ، فتأمل في هذه الحكاية التمثيلية القصيرة واستمع إليها ...

كان في الحرب العالمية ، وفي أحد الأفواج ، جنديان اثنان ، احدهما مدرب على مهمته مجد في واجبه .
والآخر جاهل بوظيفته متبع هواه .
كان المتقن واجبه يهتم الاهتمام كله بأوامر التدريب وشؤون الجهاد . ولم يكن ليفكر قط بلوازم معاشه وأرزاقه ، حيث إنه أدرك يقينا أن إعاشته ورعاية شؤونه وتزويده بالعتاد ، بل حتى مداواته إذا تمرض ، بل حتى وضع اللقمة - إذا احتاج الأمر - في فمه ، إنما هو من واجب الدولة .
وأما واجبه الأساس فهو التدرب على أمور الجهاد ليس إلا ، مع علمه أن هذا لا يمنع من أن يقوم بشؤون التجهيز و بعض أعمال الإعاشة كالطهي وغسل المواعين ، وحتى في هذه الأثناء لو سئل :
ماذا تفعل ؟ ... لقال : إنما أقوم ببعض واجبات الدولة تطوعاً ، ولا يجيب : إنني أسعى لأجل كسب لوازم العيش .

أما الجندي الآخر ، الجاهل بواجباته فلم يكن ليبالي بالتدريب ولا يهتم بالحرب فكان يقول :
ذلك من واجب الدولة ، وما لي أنا ؟ !
فيشغل نفسه بأمور معيشته ويلهث وراء الاستزادة منها حتى كان يدع الفوج ليزاول البيع والشراء في الأسواق .

قال له صديقه المجد ذات يوم : يا أخي ! إن مهمتك الأصلية هي التدريب والاستعداد للحرب ، وقد جيء بك إلى هنا من أجل ذلك .
فاعتمد على السلطان واطمئن إليه في أمر معاشك ، فلن يدعك جائعا ، فذلك واجبه ووظيفته .
ثم إنك عاجز وفقير لن تستطيع أن تدير أمور معيشتك بنفسك . وفوق هذا نحن في زمن جهاد وفي ساحة حرب عالمية كبرى .
أخشى أنهم يعدونك عاصياً لأوامرهم فينزلون بك عقوبة صارمة .

نعم ، إن وظيفتين اثنين تبدوان أمامنا : إحداهما : وظيفة السلطان ، وهي قيامه بإعاشتنا .
ونحن قد نستخدم مجانا في إنجاز تلك الوظيفة . وأحدهما : هي وظيفتنا نحن ، وهي التدريب والاستعداد للحرب ، والسلطان يقدم لنا مساعدات وتسهيلات لازمة .

فيا أخي تأمل لو لم يعر الجندي المهمل سمعا لكلام ذلك المجاهد المدرب كم يكون خاسرا ومتعرضا للأخطار والتهلكة ؟ !

فيا نفسي الكسول !
إن تلك الساحة التي تمور مورا بالحرب هي هذه الحياة الدنيا المائجة .
وأما ذلك الجيش المقسم إلى الأفواج فهو الأجيال البشرية .
وأما ذلك الفوج نفسه فهو المجتمع المسلم المعاصر .
وأما الجنديان الاثنان ، فأحدهما العارف بالله والعامل بالفرائض والمجتنب الكبائر ، وهو ذلك المسلم التقي الذي يجاهد نفسه والشيطان خشية الوقوع في الخطايا والذنوب .

وأما الآخر فهو الفاسق الخاسر الذي يلهث وراء هموم العيش لحد اتهام الرزاق الحقيقي ، ولا يبالي في سبيل الحصول على لقمة العيش أن تفوته الفرائض وتتعرض له المعاصي .

وأما تلك التدريبات والتعليمات ، فهي العبادة و في مقدمتها الصلاة .
وأما تلك الحرب فهي مجاهدة الإنسان نفسه وهواه ، واجتنابه الخطايا ودنايا الأخلاق ، ومقاومته شياطين الجن والإنس ، إنقاذا لقلبه وروحه معا من الهلاك الأبدي والخسران المبين .
وأما تانك الوظيفتان الاثنتان ، فإحداهما منح الحياة ورعايتها ، والأخرى عبادة واهب الحياة ومربيها والسؤال منه والتوكل عليه والاطمئنان إليه .

فيا نفسي !
إن كنت تجعلين الحياة الدنيا غاية المقصد وأفرغت في سبيلها جهدك فسوف تكونين في حكم أصغر عصفور .
أما إن كنت تجعلين الحياة الأخرى غاية المنى وتتخذين هذه الحياة الدنيا وسيلة لها ومزرعة ، وسعيت لها سعيها ، فسوف تكونين في حكم سيد الأحياء والعبد العزيز لدى خالقه الكريم وستصبحين الضيف المكرم الفاضل في هذه الدنيا فدونك طريقان اثنان فاختاري أيما تشاين .

واسألي الرب الرحيم الهداية والتوفيق ...

ريم الشمال
10-03-2014, 12:33 AM
موضوع رائع وقيم جداً اختي ريم الشمال

متابع

تعلمنا من النخبة المتميزة في المنتدى الانتقاء لما تحمل الكلمة من أهداف سامية ورسائل مميزة

شكراً على المرور وننتظر الاضافة لما تجده مناسب من قرأتك وقلمك المبدع المميز

ريم الشمال
10-03-2014, 11:43 PM
الكلمة السادسة

( إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) التوبة 111

إذا أردت أن تعلم أن بيع النفس والمال إلى الله تعالى ، والعبودية له ، والجندية في سبيله أربح تجارة وأشرفها ، فانصت إلى هذه الحكاية التمثيلية القصيرة .

وضع سلطان ذات يوم لدى اثنين من رعاياه وديعة وأمانة ، مزرعة واسعة لكل منهما ، فيها كل ما تتطلبه من مكائن وآلات وأسلحة وحيوانات وغيرها .
وتوافق أن كان الوقت آنذاك وقت حرب طاحنة لا يقر قرار لشيء ، فإما أن تبدله الحرب وتغيره أو تجعله أثرا بعد عين .
فأرسل السلطان رحمة منه وفضلا أحد رجاله المقربين مصحوبا بأمره الكريم ليقول لهما :
بيعوا لي ما لديكم من أمانتي لأحفظها لكم ، فلا تذهب هباء في هذا الوقت العصيب ، وسأردها لكم حالما تضع الحرب أوزارها ، وسأوفي ثمنها لكم غاليا ، كأن تلك الأمانة ملككم ، وستشغل تلك المكائن والآلات التي في حوزتكم الآن في معاملي وباسمي وعهدتي ، وسترتفع أثمانها من الواحد إلى الألف ، فضلا عن أن جميع الأرباح ستعود إليكم أيضا وسأتعهد عنكم بجميع تكاليفها ومصاريفها ، حيث إنكم عاجزون فقراء لا تتحملون مصاريف تلك المكائن . وسأرد لكم جميع وارداتها ومنانفعها ، علما أني سأبقيها عندكم لتستفيدوا منها وتتمتعوا بها إلى أن يحين وقت أخذها .
فلكم خمس مراتب من الأرباح في صفقة واحدة
وإن لم تبيعوها لي فسيزول حتما كل ما لديكم ، حيث ترون أن أحداً لا يستطيع أن يمسك بما عنده ، وستحرمون من تلك الأثمان الغالية ، وستهمل تلك الآلات الدقيقة النفيسة والموازين الحساسة والمعادن الثمينة ، وتفقد قيمتها كليا ، وذلك لعدم استعمالها في أعمال راقية ، وستتحملون وحدكم إدارتها وتكاليفها وسترون جزاء خيانتكم للأمانة .
فتلك خمس خسائر في صفقة واحدة ، وفوق هذا كله إن هذا البيع يعني أن البائع يصبح جنديا حرا أبيا خاصا بي ، يتصرف باسمي ولا يبقى اسيرا عاديا وشخصا سائبا .

أنصت الرجلان مليا إلى هذا الكلام الجميل والأمر السلطاني الكريم .
فقال العاقل الرزين منهما : سمعاً وطاعة لأمر السلطان ، رضيت بالبيع بكل فخر وشكر .
أما الآخر المغرور المتفرعن الغافل فقد ظن أن مزرعته ، لا تبيد أبدا ولا تصيبها تل : لا قلبات الدهر واضطرابات الدنيا . فقال : لا ! ..
ومن السلطان ؟ لا أبيع ملكي ولا أفسد نشوتي !
ودارت الأيام ... فأصبح الرجل الأول في مقام يغبطه الناس جميعا ، إذ أضحى يعيش في بحبوحة قصر السلطان ، يتنعم بألطافه ويتقلب على أرائك افضاله .

أما الآخر فقد ابتلي نفسه في مرارة العذاب جزاء ما ارتكب من خطأ فلا دامت له نشوته ولا دام له ملكه .

فيا نفسي المغرورة !
انظري من خلال منظار هذه الحكاية إلى وجه الحقيقة الناصعة .
فالسلطان هو سلطان الأزل والأبد وهو ربك وخالقك .
وتلك المزرعة والمكائن والآلات والموازين هي ما تملكينه في الحياة الدنيا من جسم وروح وقلب ، وما فيها من سمع وبصر وعقل وخيال ، أي جميع الحواس الظاهرة والباطنة .
و أما الرسول الكريم فهو سيدنا محمد صل الله عليه وسلم . وأما الأمر السلطاني المحكم فهو القرآن الكريم الذي يعلن هذا البيع والتجارة الرابحة في هذه الآية الكريمة ( إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) التوبة 111

وأما الميدان المضطرب والحرب المدمرة فهي أحوال هذه الدنيا ، إذ لا قرار فيها ولا ثبات ، كلها تقلبات تلح على فكر الإنسان بهذا السؤال :

إن جميع ما نملك لا يستقر ولا يبقى في أيدينا ، بل يفنى ويغيب عنا ، أليس هناك من علاج لهذا ؟ ألا يمكن أن يحل البقاء بهذا الفناء ؟

بينما الإنسان غارق في التفكير ، إذا به يسمع صدى القرآن السماوي يدوي في الأفاق ويقول له تلك الآية :
نعم ، إن هناك علاجا لهذا الداء ، بل هو علاج لطيف فيه ربح عظيم في خمس مراتب .
سؤال : وما العلاج ؟
الجواب : بيع الأمانة إلى مالكها الحقيقي ، في هذا البيع خمس درجات من الربح في صفقة واحدة .

الربح الأول : المال الفاني يجد البقاء ، لأن العمر الزائل الذي يوهب للحي القيوم الباقي ، ويبذل في سبيله سبحانه ، ينقلب عمرا أبديا باقيا .
عندئذ تثمر دقائق العمر ثمارا يانعة وأزاهير سعادة وضاءة في عالم البقاء مثلما تفنى البذور ظاهرا وتنشق عنها الأزهار والسنابل .

الربح الثاني : الثمن هو الجنة .

الربح الثالث : يرتفع ثمن كل عضو وحاسة ويغلو من الواحدة إلى الألف .
فمثلا : العقل عضو و آلة ، إن لم تبعه لله ولم تستعمله في سبيله ، بل جعلته في سبيل الهوى والنفس ، فإنه يتحول إلى عضو مشؤوم مزعج وعاجزا ، إذ يحملك آلام الماضي الحزينة وأهوال المستقبل المخيفة ، فينحدر عندئذ إلى درك آلة ضارة مشؤومة .
ألا ترى كيف يهرب الفاسق من واقع حياته وينغمس في اللهو أو السكر إنقاذا لنفسه من إزعاجات عقله ؟
ولكن إذا بيع العقل إلى الله ، واستعمل في سبيله ولأجله ، فإنه يكون مفتاحا رائعا بحيث يفتح ما لا يعد من خزائن الرحمة الإلهية وكنوز الحكمة الربانية . فأينما ينظر صاحبه وكيفما يفكر يرى الحكمة الإلهية في كل شيء ، وكل موجود ، وكل حادثة .
ويشاهد الرحمة الإلهية متجلية على الوجود كله ، فيرقى العقل بهذا إلى مرتبة مرشد رباني يهيئ صاحبه للسعادة الخالدة .
فإن شئت فقس بقية الأعضاء والحواس على هذا ، وعندها تفهم أن المؤمن يكسب حقا خاصية تليق بالجنة ، كما الكافر يكتسب ماهية توافق جهنم ، لأن المؤمن يستعمل بإيمانه أمانة خالقه سبحانه باسمه وضمن دائرة مرضاته ، وأن الكافر يخون الأمانة فيستعملها لهواه ولنفسه الأمارة بالسوء .

الربح الرابع : إن الإنسان ضعيف بينما مصائبه كثيرة ، وهو فقير ولكن حاجته في ازدياد ، وعاجز إلا أن تكاليف عيشه مرهقة ، فإن لم يتوكل هذا الإنسان على العلي القدير ولم يستند إليه ، وإن لم يسلم الأمر إليه ولم يطمئن به ، فسيظل يقاسي في وجدانه آلاما دائمة ، وتخنقه حسراته وكدحه العقيم ، فإما يحوله إلى مجرم قذر أو سكير عابث .

الربح الخامس : إنه من المنتفق عليه إجماعا بين أهل الاختصاص والشهود والذوق والكشف ، أن العبادات والأذكار والتسبيحات التي تقوم بها الأعضاء عندما تعمل ضمن مرضاته سبحانه تتحول إلى ثمار طيبة لذيذة من ثمار الجنة ، وتقدم إليك في وقت أنت في أمس الحاجة إليها .

وهكذا ، ففي هذه التجارة ربح عظيم فيه خمس مراتب من الأرباح ، فإن لم تقم بها فستحرم من أرباحها جميعها ، فضلا عن خسرانك خمس خسارات أخرى هي :

الخسارة الأولى : إن ما تحبه من مال وأولاد ، وما تعشقه من هوى النفس ، وما تعجب به من حياة وشباب ، سيضيع كله ويزول ، مخلفا آثامه وآلامه مثقلا بها ظهرك .

الخسارة الثانية : ستنال عقاب من يخون الأمانة ، لأنك باستعمالك أثمن الآلات والأعضاء في أخس الأعمال قد ظلمت نفسك .

الخسارة الثالثة : لقد افتريت وجنيت على الحكمة الإلهية ، إذ أسقطت جميع تلك الأجهزة الإنسانية الراقية إلى دركات الأنعام بل أضل .

الخسارة الرابعة : ستدعو بالويل والثبور دائما ، وستئن من صدمة الفراق والزوال ووطأة تكاليف الحياة التي أرهقت بها كاهلك الضعيف مع أن فقرك قائم وعجزك دائم .

الخسارة الخامسة : إن هدايا الرحمن الجميلة - كالعقل والقلب والعين وما شابهها - ما وهبت لك إلا لتهيئتك لفتح أبواب السعادة الأبدية ، فما أعظمها خسارة أن تتحول تلك الهدايا إلى صورة مؤلمة تفتح لك أبواب جهنم !

ولآن ... سننظر إلى البيع نفسه . أهو ثقيل متعب حقا بحيث يهرب منه الكثيرون ؟
كلا ثم كلا ... فلا تعب فيه ولا ثقل أبدا ... لأن دائرة الحلال واسعة فسيحه ، تكفي للراحة والسعادة والسرور . فلا داعي للولوج في الحرام .

أما ما افترضه الله علينا فهو كذلك خفيف وضئيل . و إن العبودية لله بحد ذاتها شرف عظيم إذ هي جندية في سبيله سبحانه ، وفيها اللذة وراحة الوجدان ما لا يوصف .
أما الواجب فهو أن تكون ذلك الجندي ، فتبدأ باسم الله ، وتعمل باسم الله وتأخذ وتعطي في سبيله ولأجله ، وتتحرك وتسكن ضمن دائرة مرضاته وأوامره ، وإن كان هناك تقصير فدونك باب الاستغفار ، فتضرع إليه وقل :

اللهم اغفر لنا خطايانا ، واقبلنا في عبادك ، واجعلنا أمناء على ما أمنته عندنا إلى يوم لقائك ... آمين

ريم الشمال
12-03-2014, 01:45 AM
الكلمة السابعة

( آمنت بالله وباليوم الآخر )

إن كنت ترغب أن تفهم كيف أن الإيمان بالله وباليوم الآخر ، أثمن مفتاحين يحلان لروح البشر طلسم الكون ولغزه ، ويفتحان أمامها باب السعادة والهناء ... وكيف أن توكل الإنسان على خالقه صابرا ، والرجاء من رزاقه شاكرا ، أنفع علاجين ناجعين ... وأن الإنصات إلى القرآن الكريم ، والانقياد لحكمة ، وأداء الصلوات وترك الكبائر ، أغلى زاد للآخرة وأسطع نور للقبر ، وأيسر تذكرة مرور في رحلة الخلود .
أجل ، إن كنت تريد أن تفهم هذه الأمور كلها فأنصت معي إلى هذه الحكاية التمثيلية القصيرة .

وقع جندي - في الحرب العالمية - في مأزق عصيب ووضع محير ، إذ أصبح جريحا بجرحين غائرين في يمينه وفي شماله .
وخلفه أسد هصور يوشك أن ينقض عليه . أمامه مشنقة تبيد جميع أحبته وتنتظره أيضا ، زد على ذلك كانت أمامه رحلة نفي شاقة طويله رغم وضعه الفظيع المؤلم ! ...
وبينما كان هذا المسكين المبتلى مستغرقا في تفكير يائس من واقعه المفجع هذا ، إذ برجل خير كأنه الخضر عليه السلام يتلألأ وجهه نورا يظهر عن يمينه ويخاطبه :

لا تيأس ولا تقنط . سأعلمك طلسمين اثنين ، إن أحسنت استعمالهما ينقلب ذلك الأسد فرسا أمينا مسخرا لخدمتك ، و تتحول تلك المشنقة أرجوحة مريحة لطيفة تأنس بها ، وسأولك دواءين اثنين ، إن أحسنت استعمالهما يصيران جرحيك المنتنين زهرتين شذيتين ، وسأزودك بتذكرة سفر تستطيع بها أن تقطع مسافة سنة كاملة في يوم واحد كأنك تطير .
وإن لم تصدق بما أقول فجربه مرة ، وتيقن من صحته وصدقه . فجرب الجندي شيئا منه ، فرآه صدقا وصوابا .
نعم ، وأنا كذلك – هذا المسكين سعيد – أصدقه ، لأنني جربته قليلا ، فرأيته صدقا وحقا خالصا .
ثم ، على حين غرة رأى رجلاً دساساً – كأنه الشيطان – يأتيه من جهة اليسار مع زينة فاخرة ، وصور جذابة ، ومسكرات مغرية ، ووقف قبالته يدعوه :
- إلي إلي أيها الصديق ، أقبل لنله معا ونستمتع بصور الحسناوات هذه ، ونطرب بسماع هذه الألوان من الأغاني ونتلذذ بهذه المأكولات اللذيذة ، ولكن يا هذا ! ما هذه التمتمة التي ترددها ؟
- إنه طلسم ولغز !
- دع عنك هذا الشيء الغامض ، فلا تعكر صفو لذتنا ، وأنس نشوتنا الحاضرة ... يا هذا ... وما ذلك بيدك ؟
- إنه دواء !
- ارمه بعيدا ، إنك سالم صحيح ما بك شيء ، ونحن في ساعة طرب وأنس ومتعة . وما هذه البطاقة ذات العلامات الخمس ؟
- إنها تذكرة سفر ، و أمر إداري للتوظيف !
- مزقها ، فلسنا بحاجة إلى سفر في هذا الربيع الزاهي !
وهكذا حاول بكل مكر وخديعة أن يقنع الجندي ، حتى بدأ ذلك المسكين يركن شيئا قليلا إلى كلامه .
وفجأة دوى صوت كالرعد عن يمينه يحذره :
- إياك أن تنخدع ! قل لذلك الماكر الخبيث :
- إن كنت تستطيع قتل الأسد الرابض خلفي ، وأن ترفع أعواد المشنقة من أمامي ، وأن تبرأني من جرحي الغائرين في يميني وشمالي ، و أن تحول بيني وبين رحلتي الشاقة الطويلة ... نعم إن كنت تقدر على إيجاد سبيل لكل هذا فهيا أرنيه ، وهات ما لديك ، ولك بعد ذلك أن تدعوني إلى اللهو والطرب ، وإلا فاسكت أيها الأبله ، وليتكلم هذا الرجل السامي – الشبيه بالخضر – ليقول ما يروم .
فيا نفسي الباكية على ما ضحكت أيام شبابها .
اعلمي أن ذلك الجندي المسكين المتورط هو أنت ، وهو الإنسان ... وأن ذلك الأسد هو الأجل ... وأن أعواد المشنقة تلك هي الموت والزوال والفراق الذي تذوقه كل نفس ... ألا ترين كيف يفارقنا كل حبيب إثر حبيب ويودعنا ليل نهار .. ؟
أما الجرحان العميقان ، فأحدهما العجز البشري المزعج الذي لا حد له .
والآخر هو الفقر الإنساني المؤلم الذي لا نهاية له ...
أما ذلك النفي والسفر المديد فهو رحلة الامتحان والابتلاء الطويلة لهذا الإنسان ، التي تنطلق من عالم الأرواح مارة من رحم الأم ومن الطفولة والصبا ثم الشيخوخة ومن الدنيا ثم من القبر والبرزخ ومن الحشر والصراط .

و أما الطالمسان فهما الإيمان بالله وباليوم الآخر .
نعم ، إن الموت بهذا الطلسم القدسي يلبس صورة فرس مسخر بدلا عن الأسد ، بل يتخذ صورة براق يخرج الإنسان المؤمن من سجن الدنيا إلى روضة الجنان ، إلى روضة الرحمن ذي الجلال . ومن هنا كان الكاملون من الناس يحبون الموت ويطلبونه حيث رأوا حقيقته . ثم إن سير الزمان ومروره على كل شيء ونفوذ الزوال والفراق والموت والوفاة فيه يتخذ بهذا الطلسم الإيماني صورة وضاءة حيث تحفز الإنسان إلى رؤية الجدة بتجدد كل شيء ، بل يكون مبعث التأمل في ألوان مختلفة متنوعة وأنواع متباينة لمعجزات إبداع الخالق ذي الجلال .
أما ذانك العلاجان : فأحدهما التوكل على الله والتحلي بالصبر ، أي الاستناد إلى قدرة الخالق الكريم والثقة بحكمته سبحانه .
- أهو كذلك ؟
نعم ، إن من يعتمد بهوية عجزه على سلطان الكون الذي بيده أمر ( كن فيكون )
كيف يجزع ويضطرب ؟
بل يثبت أمام أشد المصائب ، واثقا با لله ربه ، مطمئن البال مرتاح القلب وهو يردد : ( إنا لله وإنا إليه راجعون )
ومن هنا وجد الذين كمل إيمانهم لذة تفوق أية لذة كانت في العجز ومخافة الله ، حتى إنهم تبرؤوا إلى الله براءة خالصة من حولهم وقوتهم ولاذوا بعجزهم إليه تعالى واستعاذوا به وحده ، مقدمين هذا العجز والخوف وسيلتين وشفيعين لهم عند البارئ الجليل .

أما العلاج الآخر فهو الدعاء والسؤال ثم القناعة بالعطاء ، والشكر عليه والثقة برحمة الرزاق الرحيم .
- أهو هكذا ؟
نعم ، إن من كان ضيفا لدى الذي فرش له وجه الأرض مائدة حافلة بالنعم ، وجعل الربيع كأنه باقة أنيقة من الورود ووضعها بجانب تلك المائدة العامرة بل نثرها عليها ...
إن من كان ضيفا عند هذا الجواد الكريم جل وعلا كيف يكون الفقر والحاجة لديه مؤلما وثقيلا ؟
بل يتخذ فقره وفاقته إليه سبحانه صورة مشه لتناول النعم . فيسعى إلى الاستزادة من تلك الفاقة كمن يستزيد من شهيته .
وهنا يكمن سبب افتخار الكاملين واعتزازهم بالفقر إلى الله تعالى .

أما ذلك المستند أو الأمر الإداري أو البطاقة فهو أداء الفرائض وفي مقدمتها الصلوات الخمس واجتناب الكبائر .
- أهو هكذا ؟
نعم ، إن جميع أهل الاختصاص والشهود وجميع أهل الذوق والكشف من العلماء المدققين والأولياء الصالحين متفقون على أن زاد طريق أبد الآباد ، وذخيرة تلك الرحلة الطويلة المظلمة ونورها وبراقها ليس إلا امتثال أوامر القرآن الكريم واجتناب نواهيه .

فيا نفسي الكسول !
ما أخف أداء الصلوات الخمس واجتناب الكبائر السبع وما أريحها وأيسرها أمام عظم فوائدها وثمراتها وضرورتها !
إن كنت فطنة تفهمين ذلك . ألا قولي لمن يدعوك إلى الفسق واللهو والسفاهة ، وإلى ذلك الشيطان الخبيث الماكر :
لو كانت لديك وسيلة لقتل الموت ، ولإزالة الزوال عن الدنيا ، ولو كان عندك دواء لرفع العجز والفقر عن البشرية ، ووساطة لغلق باب القبر إلى الأبد ، فهاتها إذن وقلها لأسمع وأطيع ... وإلا فاخرس ، فإن القرآن الكريم يتلو آيات الكائنات في مسجد الكون الكبير هذا .
فلننصت إليه ، ولنتنور بنوره ، ولنعمل بهديه الحكيم ، حتى يكون لساننا رطبا بذكره وتلاوته .

اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان والقرآن . اللهم أعننا بالافتقار إليك ولا تفقرنا بالاستغناء عنك ، تبرأنا إليك من حولنا وقوتنا والتجأنا إلى حولك وقوتك ، فاجعلنا من المتوكلين عليك ، ولا تكلنا إلى أنفسنا ، واحفظنا بحفظك وارحمنا وارحم المؤمنين والمؤمنات . وصل وسلم على سيدنا محمد عبدك ونبيك وصفيك وخليلك وجمال ملكك ومليك صنعك وعين عنايتك وشمس هدايتك ولسان محبتك ومثال رحمتك ونور خلقك وشرف موجوداتك وسراج وحدتك في كثير مخلوقاتك وكاشف طلسم كائناتك ودلال سلطنة ربوبيتك ومبلغ مرضياتك ومعرف كنوز أسمائك ومعلم عبادك وترجمان آياتك ومرآة جمال ربوبيتك ومدار شهودك وإشهادك وحبيبك ورسولك الذي أرسلته رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى ملائككتك المقربين وعلى عبادك الصالحين ... آمين .

ريم الشمال
14-03-2014, 01:04 AM
الكلمة الثامنة
( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) البقرة 255
( إن الدين عند الله الإسلام ) آل عمران 19
إذا أردت أن تفهم ما الدنيا وما دور الروح الإنسانية فيها ، وما قيمة الدين عند الإنسان ، وكيف أنه لولا الدين الحق لتحولت الدنيا إلى سجن رهيب ، وأن الشخص الملحد هو أشقى المخلوقات ، و أن الذي يحل طلسم العالم ولغزه المحير وينقذذ الروح البشرية من الظلمات إن هو إلا ( يا الله ) ... لا إله إلا الله ...
أجل ، إذا كنت تريد أن تفهم كل ذلك ، فأنصت إلى هذه الحكاية التمثيلية القصيرة وتفكر فيها مليا :
كان شقيقان في قديم الزمان يذهبان معا إلى سياحة طويلة . فواصلا سيرهما سوية إلى أن وصلا إلى مفرق طريقين ، فرأيا هناك رجلا وقورا فسألاه : أي الطريقين أفضل ؟
فأجابهما : في الطريق اليمين التزام إجباري للقانون والنظام ، إلا أن في ثنايا ذلك التكليف ثمة أمان وسعادة .
أما طريق الشمال ففيه الحرية والتحرر إلا أن في ثنايا تلك الحرية تهلكة وشقاء . ولآن لكم الخيار في سلوك أيهما .
وبعد الاستماع إلى هذا الكلام سلك الأخ ذو الطبع الطيب طريق اليمين قائلا : توكلت على الله ، وانطلق راضيا عن طيب نفس باتباع النظام و الانتظام .
أما الأخ الآخر الغاوي ، فقد رجح طريق الشمال لمجرد هوى التحرر الذي فيه .
ولآن فلنتابع خيالا هذا الرجل السائر في طريق ظاهره السهولة وباطنه من قبله الثقل والعناء . فما أن عبر الوديان العميقة والمرتفعات العالية الوعرة حتى دخل وسط مفازة خالية وصحراء موحشة .
فسمع صوتا مخيفا ، ورأى أن أسدا ضخما غضوبا قد انطلق من الأحراش نحوه . ففر منه فرارا وهو يرتعد خوفا وهلعا ، فصادف بئرا معطلة على عمق ستين ذراعا ، فألقى نفسه فيها طلبا للنجاة . وفي أثناء السقوط لقيت يداه شجرة فتشبث بها وكان لهذه الشجرة جذران نبتا على جدار البئر وقد سلط عليهما فأران ، أبيض و أسود وهما يقضمان ذينك الجذرين بأسنانهما الحادة . فنظر إلى الأعلى فرأى الأسد واقفا كالحارس على فوهة البئر .
ونظر إلى الأسفل فرأى ثعبانا كبيرا جدا قد رفع رأسه يريد الاقتراب منه وهو على مسافة ثلاثين ذراعا ، وله فم واسع سعة البئر نفسها .وراى ثمة حشرات مؤذية لا سعة تحيط به . نظر إلى أعلى الشجرة فرأى شجرة تين ، إلا أنها تثمر بصورة خارقة أنواعا مختلفة وكثيرة من فواكه الأشجار ابتداء من الجوز إلى الرمان .
لم يكن هذا الرجل ليفهم – لسوء إدراكه وحماقته – بأن هذا الأمر ليس اعتياديا ، ولا يمكن أن تأتي كل هذه الأشياء مصادفة ومن دون قصد . ولم يكن يفهم أن هذه الشؤون العجيبة أسرارا غريبة ، وأن هناك وراء كل ذلك من يدبر هذه الأمور ويسيرها .
فبينما يبكي قلب هذا الرجل وتصرخ روحه ويحار عقله من أوضاعه الأليمه إذا بنفسه الأمارة بالسوء أخذت تلتهم فواكه تلك الشجرة متجاهلة عما حولها وكأن شيئا لم يحدث ، سادة أذنيها عن صرخات القلب وهواتف الروح ، خادعة نفسها بنفسها رغم أن قسما من تلك الفواكه كانت مسمومة ومضرة .
وهكذا نرى أن هذا الرجل الشقي قد عومل بمثل ما جاء في الحديث القدسي :
( أنا عند ظن عبدي بي ) أي أنا أعامل عبدي مثلما يعرفني هو : فلقد عومل هكذا ، وسيعامل مثلها أيضا ، بل لا بد أن يرى مثل هذه المعاملة جزاء تلقيه كل ما يشاهده أمرا عاديا بلا قصد ولا حكمة وكأنه الحق بعينه .
وذلك لسوء ظنه وبلاهته الخرقاء ، فصار يتقلب في نار العذاب ولا يستطيع أن يموت لينجو ولا يقدر على العيش الكريم .
ونحن بدورنا سنرجع تاركين وراءنا ذلك المشؤوم يتلوى في عذابه لنعرف ما جرى للأخ الآخر من أحوال .

فهذا الرجل المبارك ذو العقل الرشيد ما يزال يقطع الطريق دون أن يعاني الضيق كأخيه ، ذلك لأنه لا يفكر إلا في الأشياء الجميلة – لما له من جمال الخلق – ولا يأخذ بعنان الخيال إلا بما هو جميل ولطيف .
لذا كان يستأنس بنفسه ولا يلاقي الصعوبة والمشقة كأخيه . ذلك لأنه يعرف النظام ، ويعمل بمقتضى الولاء والاتباع .
فيرى الأمور تسهل له ، ويمضي حرا منطلقا مستظلا بالأمان والاستقرار .
وهكذا مضى حتى وجد بستانا فيه أزهار جميله وفواكه لطيفة وثمة جثث حيوانات وأشياء منتنة مبعثرة هنا وهناك بسبب إهمال النظافة .
كان أخوه الشقي قد دخل – من قبل – في مثل هذا البستان أيضا غير أنه انشغل بمشاهدة الجيف الميتة وإنعام النظر فيها مما أشعره بالغثيان والدوار ، فغادره دون أن يأخذ قسطا من الراحة لمواصلة السير .
أما هذا الأخ فعملا بقاعدة : ( انظر إلى الأحسن من كل شيء) .
فقد أهمل الجيف ولم يلتفت إليها مطلقا ، بل استفاد مما في البستان من الأشياء والفواكه . وبعدما استراح فيه الراحة التامة مضى إلى سبيله .

ودخل – هو أيضا كأخيه – في صحراء عظيمة ومفازة واسعة . وفجأة سمع صوت أسد يهجم عليه فخاف إلا أنه دون خوف أخيه ، حيث فكر بحسن ظنه وجمال تفكيره قائلا :
لا بد أن لهذه الصحراء حاكما ، فهذا الأسد إذن يحتمل أن يكون خادماً أمينا تحت إمرته ... فوجد في ذلك اطمئنانا ، غير أنه فر كذلك حتى وصل وجها لوجه إلى بئر معطله بعمق ستين ذراعا فألقى نفسه فيها وأمسك – كصاحبه – بشجرة في منتصف الطريق من البئر وبقى معلقا بها فرأى حيوانين اثنين يقطعان جذري تلك الشجرة رويدا رويدا .
فنظر إلى الأعلى فرأى الاسد ، ونظر إلى الأسفل فرأى ثعبانا ، ونظر إلى نفسه فوجدها – كأخيه تمام – في وضع عجيب غريب . فدهش من الأمر هو كذلك ، إلا أنه دون دهشة أخيه بألف مرة ، لما منحه الله من حسن الخلق وحسن التفكير والفكر الجميل الذي لا يريه إلا الجهة الجميلة من الأشياء .
ولهذا السبب فقد فكر هكذا : إن هذه الأمور العجيبة ايحذات علاقات مترابطة بعضها ببعض ، وإنها لتظهر كأن آمرا واحد يحركها . فلابد إذن أن يكون في هذه الأعمال المحيرة سر مغلق وطلسم غير مكشوف .
أجل ،إن كل هذا يرجع إلى أوامر حاكم خفي ، فأنا إذن لست وحيدا ، بل إن ذلك الحاكم الخفي ينظر إلى يرعاني ويختبرني ، ولحكمة مقصودة يسوقني إلى مكان ، ويدعوني إليه .
فنشأ لديه هذا التفكير الجميل والخوف اللذيذ شوق أثار هذا السؤال :
من يكون ياترى هذا الذي يجربني ويريد أن يعرفني نفسه ؟
ومن هذا الذي يسوقني في هذا الطريق العجيب إلى غاية هادفة ؟
ثم نشأ من الشوق إلى التعرف محبة صاحب الطلسم ونمت من تلك المحبة رغبة حل الطلسم ، ومن تلك الرغبة انبثقت رغبة اتخاذ وضع جميل وحالة مقبولة لدى صاحب الطلسم حسب ما يحبه ويرضاه .
ثم نظر أعلى الشجرة فرأى أنها شجرة تين ، غير أن في نهاية أغصانها آلاف الأنواع من الأثمار والفواكه ، وعندها ذهب الخوف وزال نهائيا ، لأنه علم علما قاطعا بأن شجرة التين هذه إنما هي فهرس ومعرض ، حيث قلد الحاكم الخفي نماذج ما في بستانه وجناته بشكل معجز عليها وزينها بها ، إشارة لما أعده من أطعمة ولذائذ لضيوفه ...
وإلا فإن شجرة واحدة لن تعطي أثمار آلاف الأشجار . فلم ير أمامه إلا الدعاء والتضرع ،
فألح متوسلا بانكسار إلى أن ألهم مفتاح الطلسم فهتف قائلا :
يا حاكم هذه الديار والأفاق ! ألتجئ إليك وأتوسل وأتضرع ، فأنا لك خادم ، أريد رضاك وأنا أطلبك وأبحث عنك ...!
فانشق جدار البئر فجأة بعد هذا الدعاء ، عن باب يفتح إلى بستان فاخر طاهر جميل ، وربما انقلب فم ذلك الثعبان إلى ذلك الباب ، واتخذ كل من الأسد والثعبان صورة الخادم وهيأته فأخذا يدعوانه إلى البستان حتى إن ذلك الأسد تقمص شكل حصان مسخر بين يديه .

فيا نفسي الكسلى ! ويا صاحبي في الخيال !
تعاليا لنوازن بين أوضاع هذين الأخوين كي نعلم كيف أن الحسنة تجلب الحسنة وأن السيئة تأتي بالسيئة .
إن المسافر الشقي إلى جهة الشمال معرض في كل آن أن يلج فم الثعبان فهو يرتجف خوفا وهلعا .
بينما هذا السعيد يدعى إلى بستان أنيق بهيج مثمر بفواكه شتى . وإن قلب ذلك الشقي يتمزق في خوف عظيم ورعب أليم ، بينما هذا السعيد يرى غرائب الأشياء وينظر إليها بعبرة حلوة وخوف لذيذ ومعرفة محبوبة .
وإن ذلك الشقي المسكين ليعاني من الوحشة واليأس واليتم عذابا وأي عذاب !
بينما هذا السعيد يتلذذ في الأنس ويترفل في الأمل والشوق .

فاعلم إذن سرا من أسرار :
( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) النساء 79
فلو وازنت سائر هذه الفروق وأمثالها لعلمت أن النفس الأمارة للأول قد أحضرت له جهنم معنوية ، بينما الآخر قد نال – بحسن ظنه وحسن خصلته وحسن فكره – الفيض والسعادة والإحسان العميم .

فيا نفسي ، ويا أيها الرجل والمرأة المنصت معي إلى هذه الحكاية !
إذا كنت تريد أن لا تكون مثل الأخ المشؤوم ، وترغب في أن تكون كالأخ السعيد فاستمع إلى القرآن الكريم وارضخ لحكمه واعتصم به واعمل بأحكامه .
فالأخوان الاثنان : أحدهما روح المؤمن وقلب الصالح ، والآخر روح الكافر وقلب الفاسق .
أما اليمين من تلكما الطريقين فهو طريق القرآن وطريق الإيمان ، وأما الشمال فطريق العصيان والكفران .
وأما ذلك البستان في الطريق فهو الحياة الاجتماعية المؤقته للمجتمع البشري والحضارة الإنسانية التي يوجد فيها الخير والشر والطيب والخبيث والطاهر والقذر معا .
فالعاقل هو من يعمل على قاعدة : ( خذ ما صفا ... دع ما كدر ) فيسير مع سلامة القلب واطمئنان الوجدان .
أما تلك الصحراء فهي هذه الدنيا وهذه الأرض .
وأما ذلك الأسد فهو الآجل والموت .
وأما تلك البئر فهي جسد الإنسان وزمان الحياة .
وأما ذلك العمق البالغ ستين ذراعا فهو إشارة إلى العمر الغالب ، وهو معدل العمر ( ستون سنة ) .
وأما تلك الشجرة فهي مدة العمر ومادة الحياة .
وأما الحيوانان الاثنان ، الأسود والأبيض فهما الليل والنهار .
وأما ذلك الثعبان فهو فم القبر المفتوح إلى طريق البرزخ ورواق الآخر ، إلا أن ذلك الفم هو للمؤمن باب يفتح من السجن إلى البستان .
وأما تلك الحشرات المضرة فهي المصائب الدنيوية ، إلا أنها للمؤمن في حكم الإيقاظات الإلهية الحلوة والالتفاتات الرحمانية لئلا يغفل .
وأما مطعومات تلك الشجرة فهي النعم الدنيوية التي صنعها رب العزة الكريم لكي تكون فهرسا للنعم الأخروية ومذكرة بها ، بمشابهتها لها ، وقد خلقها البارئ الحكيم على هيئة نماذج لدعوة الزبائن إلى فواكه الجنة .
وإن عطاء تلك الشجرة على وحدتها الفواكه المختلفة المتباينة إشارة إلى آية الصمدانية وختم الربوبية الإلهية وطغراء سلطنة الألوهية . ذلك لأن ( صنع كل شيء من شيء واحد ) أي صنع جميع النباتات وأثمارها من تراب واحد ، وخلق جميع الحيوانات من ماء واحد ، وإبداع جميع الأجهزة الحيوانية من طعام بسيط .
إنما هي الآية الخاصة للذات الأحدية الصمدية والختم المخصوص للسلطان الأزلي الأبدي وطغراؤه التي لا يمكن تقليدها أبدا .

وأما ذلك الطلسم فهو سر حكمة الخلق الذي يفتح بسر الإيمان . وإنما ذلك المفتاح فهو ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )
و ( يا الله ) ( هنا تذكر أهلنا في سوريا عندما ناجو بها الصمد الاوحد وانطلقت حناجرهم تتلوها ) و ( لا إله إلا الله ) ...
وأما انقلاب فم ذلك الثعبان إلى باب البستان فهو رمز إلى أن القبر هو سجن الوحشة والنسيان والإهمال والضيق . فهو كبطن الثعبان لأهل الضلالة والطغيان ، ولكنه لأهل الإيمان والقرآن باب مفتوح على مصراعيه من سجن الدنيا إلى بستان البقاء ، ومن ميدان الامتحان إلى روضة الجنان ، ومن زحمة الحياة إلى رحمة الرحمن .
وأما انقلاب ذلك الأسد المفترس إلى حصان مسخر وإلى خادم مؤنس فهو إشارة إلى أن الموت لأهل الضلال فراق أبدي أليم من جميع الأحبة ، وخروج من جنة دنيوية كاذبة إلى وحشة سجن انفرادي للقبر ، وضياع في تيه سحيق ، بينما هو لأهل الهداية وأهل القرآن رحلة إلى العالم الآخر ، ووسيلة إلى ملاقاة الأحبة والأصدقاء القدامى ، وواسطة إلى دخول الوطن الحقيقي ومنازل السعادة الأبدية ، و الفائز بسعادة الدارين وأهل لهما معا حتى لو كانت دنياه سيئة وضيقة ، إلا أنه سيراها حلوة طيبة ، وسيراها قاعة انتظار لجنته ، فيتحملها ويشكر ربه فيها وهو يخوض غمار الصبر .

اللهم اجعلنا من أهل السعادة والسلامة والقرآن والإيمان ... آآآمين

دعاء جميل ..
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه بعدد جميع الحروفات المتشكلة في جميع الكلمات المتمثلة بإذن الرحمن في مرايا تموجات الهواء عند قراءة كل كلمة من القرآن من كل قارئ من أول النزول إلى آخر الزمان .
وارحمنا ووالدينا وارحم المؤمنين والمؤمنات بعددها برحمتك يا أرحم الراحمين . آمين والحمد لله رب العالمين

ريم الشمال
17-03-2014, 09:55 AM
الكلمة التاسعة
( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ) الروم 17 – 18
أيها الأخ ! تسألني عن حكمة تخصيص الصلاة في هذه الأوقات الخمسة المعينة ، فسنشير إلى حكمة واحدة فقط من بين حكمها الوفيرة .

نعم ، كما أن وقت كل صلاة بداية انقلاب زمني عظيم ومهم ، فهو كذلك مرآة لتصرف إلهي عظيم ، تعكس الآلاء الإلهية الكلية في ذلك الوقت .
لهذا فقد أمر في تلك الأوقات بالصلاة أي الزيادة من التسبيح والتعظيم للقدير ذي الجلال ، والإكثار من الحمد والشكر لنعمه التي لا تحصى والتي تجمعت بين الوقتين .
ولأجل فهم بعض من هذا المعنى العميق الدقيق ، ينبغي الإصغاء - مع نفسي - إلى خمس ..

الأولى
إن معنى الصلاة هو التسبيح والتعظيم والشكر لله تعالى ، أي تقديسه جل وعلا تجاه جلاله قولا وفعلا بقول : ( سبحان الله ) ، وتعظيمه تجاه كماله لفظا وعملا بقول : ( الله أكبر ) وشكره تجاه جماله قلبا ولسانا وجسما بقول : ( الحمد لله ) .
أي إن التسبيح والتكبير والتحميد هو بمثابة نوى الصلاة وبذورها ، فوجدت هذه الثلاثة في جميع حركات الصلاة وأذكارها .
لهذا أيضا تكرر هذه الكلمات الطيبة الثلاث ثلاثا وثلاثين مرة عقب الصلاة ، وذلك للتأكيد على معنى الصلاة وترسيخه ، إذ بهذه الكلمات الموجزة المجملة يؤكد معنى الصلاة ومغزاها .

الثانية
إن معنى العبادة هو سجود العبد بمحبة خالصة وبتقدير وإعجاب في الحضرة الإلهية وأمام كمال الربوبية والقدرة الصمدانية والرحمة الإلهية مشاهدا في نفسه تقصيره وعجزه وفقره .
نعم،، كما أن سلطنة الربوبية تتطلب العبودية والطاعة فإن قدسيتها ونزاهتها تتطلب أيضا أن يعلن العبد – مع استغفاره برؤية تقصيره – أن ربه منزه عن أي نقص ، وأنه متعال على جميع أفكار أهل الضلاله الباطلة ، وأنه مقدس من جميع تقصيرات الكائنات ونقائصها ، أي أن يعلن ذلك كله بتسبيحه بقوله ( سبحان الله ) .
وكذا قدرة الربوبية الكاملة تتطلب من العبد أن يلتجئ إليها ، قائلا ( الله أكبر ) بإعجاب وتقدير واستحسان تجاه عظمة آثار القدرة الصمدانية ، ما ضيا إلى ركوع بكل خضوع وخشوع .
وكذا رحمة الربوبية الواسعة تتطلب أن يظهر العبد حاجاته الخاصة بلسان السؤال والدعاء ، وأن يعلن إحسان ربه وآلاءه العميمة بالشكر والثناء بقوله : الحمد لله .
أي إن أفعال الصلاة وأقوالها تتضمن هذه المعاني ولأجل هذه فرضت الصلاة من لدنه سبحانه وتعالى .

الثالثة
كما أن الإنسان هو مثال مصغر لهذا العالم الكبير ، وأن سورة الفاتحة مثال منور للقرآن العظيم ، فالصلاة كذلك فهرس نوراني شامل لجميع العبادات ، وخريطة سامية تشير إلى أنماط عبادات المخلوقات جميعا .

الرابعة
إن عقارب الساعة التي تعد الثواني والدقائق والساعات والأيام ، كل منها يناظر الآخر ، ويمثل الآخر ، ويأخذ كل منها حكم الآخر .
كذلك في عالم الدنيا الذي هو ساعة إلهية كبرى ، فإن دوران الليل والنهار الذي هو بحكم الثواني للساعة ، والسنوات التي تعد الدقائق ، وطبقات عمر الإنسان التي تعد الساعات ، وأدوار عمر العالم التي تعد الأيام ، كل منها يناظر الآخر ، ويتشابه معه ، ويماثله ويذكر كل منها الآخر ، ويأخذ حكمه . فمثلا :
وقت الفجر إلى طلوع الشمس
يشبه ويذكر ببداية الربية وأوله ، وبأوان سقوط الإنسان في رحم الأم ، باليوم الأول من الأيام السته في خلق السموات والأرض ، فينتبه الإنسان إلى ما في تلك الأوقات من الشؤون الإلهية العظيمة .

أما وقت الظهر
فهو يشبه ويشير إلى منتصف الصيف ، وإلى عنفوان الشباب ، وإلى فترة خلق الإنسان في عمر الدنيا ، ويذكر ما في ذلك كله من تجليات الرحمة وفيوضات النعمة .

أما وقت العصر
فهو يشبه موسم الخريف ، وزمن الشيخوخة ، وعصر السعادة الذي هو عصر خاتم الرسل محمد عليه صلاة والسلام ، ويذكر بما في ذلك كله من الشؤون الإلهية والآلاء الرحمانية .

أما وقت المغرب
فإنه يذكر بغروب أغلب المخلوقات وأفولها نهاية الخريف ، ويذكر أيضا بوفاة الإنسان ، وبدمار الدنيا عند قيام الساعة ، ومع ذلك فهو يعلم التجليات الجلالية ، ويوقظ الإنسان من نوم الغفلة وينبهه .

أما وقت العشاء
فيذكر بغشيان عالم الظلام وستره وآثار عالم النهار بكفنه الأسود ، ويذكر أيضا بتغطية الكفن الأبيض للشتاء وجه الأرض الميته ، وبوفاة حتى آثار الإنسان المتوفى ودخولها تحت ستار النسيان ، وبانسداد أبواب دار امتحان الدنيا نهائيا ، ويعلن في ذلك كله تصرفات جلالية للقهار ذي الجلال .

أما وقت الليل
فإنه يذكر بالشتاء ، وبالقبر ، وبعالم البرزخ فضلا عن أنه يذكر روح الإنسان وبمدى حاجتها إلى رحمة الرحمن .

أما التهجد في الليل
فإنه يذكر بضرورته ضياء لليل القبر، ولظلمات عالم البرزخ ، وينبه ويذكر بنعم غير متناهية للمنعم الحقيقي عبر هذه الانقلابات ، ويعلن أيضا عن مدى أهلية المنعم الحقيقي للحمد والثناء .

أما الصباح الثاني
فإنه يذكر بصباح الحشر ، نعم ، كما أن مجيء الصبح لهذا الليل ، ومجيء الربيع لهذا الشتاء معقول وضروري وحتمي ، فإن مجيء صباح الحشر وربيع البرزخ هما بالقطعية والثبوت نفسيهما .
فكل وقت إذن – من هذه الأوقات الخمسة – بداية انقلاب عظيم ويذكر بانقلابات أخرى عظيمة ، فهو يذكر بمعجزات القدرة الصمدانية وهدايا الرحمة الإلهية سواء منها السنوية أو العصرية أو الدهرية ، بإشارات تصرفاتها اليومية العظيمة .
أي أن الصلاة المفروضة التي هي وظيفة الفطرة وأساس العبودية والدين المفروض ، لائقة جدا ومناسبة جدا في أن تكون في هذه الأوقات حقا .

الخامسة
إن الإنسان بفطرته ضعيف جدا ، ومع ذلك فما أكثر المنغصات التي تورثه الحزن والألم .
وهو في الوقت نفسه عاجز جدا ، مع أن أعداءه ومصائبه كثيرة جدا . وهو فقير جدا مع أن حاجاته كثيرة وشديدة .
وهو كسول وبلا اقتدار مع أن تكاليف الحياة ثقيلة عليه . وإنسانيته جعلته يرتبط بالكون جميعا مع أن فراق ما يحبه وزوال ما يستأنس به يؤلمانه وعقله يريه مقاصد سامية وثمارا باقية ، مع أن يده قصيرة ، وقدراته محدودة وصبره محدود .
فروح الإنسان في هذه الحالة :
( في وقت الفجر )
أحوج ما تكون إلى أن تطرق – بالدعاء والصلاة – باب القدير ذي الجلال ، وباب الرحيم ذي الجمال ، عارضة حالها أمامه ، سائلة التوفيق والعون منه سبحانه .
وما أشد افتقار تلك الروح إلى نقطة استناد كي تتحمل ما سيأتي أمامها من أعمال ، وما ستحمل على كاهلها من وظائف في عالم النهار الذي يعقبه . ألا يفهم ذلك بداهية ؟

( وعند وقت الظهر )
ذلك الوقت الذي هو ذروة كمال النهار وميلانه إلى الزوال ، وهو أوان تكامل الأعمال اليومية ، وفترة استراحة موقته من عناء المشاغل ... وهو وقت حاجة الروح إلى التنفس والاسترراح مما تعطيه هذه الدنيا الفانية والأشغال المرهقة الموقته من غفلة وحيرة واضطراب فضلا عن أنه أوان تظاهر الآلاء الإلهية .
فخلاص روح الإنسان من تلك المضايقات ، لا يكون إلا بالالتجاء إلى باب القيوم بالتضرع والتوسل أمامه مكتوف اليدين شاكرا حامدا ، مع إظهار العجز أمام جلاله وعظمته بالركوع وبالسجود أمام كماله الذي لا يزول ، وهذا هو أداء صلاة الظهر ، فما أجملها ، وما ألذها وما أعظم ضرورتها ! ومن ثم فلا يحسبن الإنسان نفسه إنسانا إن كان لايفهم هذا .

( وعند وقت العصر )
الذي يذكر بالموسم الحزين للخريف ، وبالحالة المحزنة للشيخوخة ، وبالأيام الأليمة لآخر الزمان ، وبوقت ظهور نتائج الأعمال اليومية ، فهو فترة حصول المجموع الكلي الهائل للنعم الإلهية ، أمثال التمتع بالصحة والتنعم بالعافية ، والقيام بخدمات طيبة .
وهو كذلك وقت الإعلان بأن الإنسان ضيف مأمور ، وبأن كل شيء يزول وهو بلا ثبات ولا قرار ، وذلك بما يشير إليه انحناء الشمس الضخمة إلى الأفول .
نعم إن روح الإنسان التي تنشد الأبدية والخلود ، وهي التي خلقت للبقاء والأبد ، وتعشق الإحسان ، وتتألم من الفراق ، تنهض بهذا الإنسان ليقوم وقت العصر ويسبغ الوضوء لأداء صلاة العصر ، ليناجي متضرعا أمام باب الحضرة الصمدانية للقديم الباقي ، فيركع بكل ذل وخضوع أمام عزة ربوبيته سبحانه ويهوى إلى السجود بكل تواضع وفناء أمام سرمدية ألوهيته ، والراحة التامة لروحه بوقوفه بعبودية تامة وباستعداد كامل أمام عظمة كبريائه جل وعلا ، فما أسماها من وظيفة تأدية صلاة العصر بهذا المعنى !

( وعند وقت المغرب )
الذي يذكر بوقت غروب المخلوقات اللطيفة الجميلة لعالم الصيف والخريف في خزينة الودائع منذ ابتداء الشتاء ، ويذكر بوقت دخول الإنسان القبر عند وفاته وفراقه الأليم لجميع أحبته ، وبوفاة الدنيا كلها بزلزلة سكراتها وانتقال ساكنيها جميعا إلى عوالم أخرى .
ويذكر كذلك بانطفاء مصباح دار الامتحان هذه . فهو وقت إيقاظ قوى وإنذار شديد لأولئك الذين يعشقون لحد العبادة المحبوبات التي تغرب وراء أفق الزوال .
لذا فالإنسان الذي يملك روحا صافيا كالمرآه المجلوة المشتاقة فطرة إلى تجليات الجمال الباقي لأجل أداء صلاة المغرب في مثل هذا الوقت يولي وجهه إلى عرش عظمة من هو قديم لم يزل ومن هو باق لا يزال ، فيدوي بصوته قائلا :
الله أكبر فوق رؤوس هذه المخلوقات الفانية ، منتصبا قائما عند من هو دائم باق جل وعلا ليقول : الحمد لله أمام كماله الذي لا نقص فيه ، وأمام جماله الذي لا مثيل له ، واقفا أمامه مثنيا رحمته الواسعة ليقول : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ... ليعرض عبوديته واستعانته تجاه ربوبية مولاه التي لا معين لها وتجاه ألوهيته التي لا شريك لها ، وتجاه سلطنته التي لا وزير لها .
فيركع إظهارا لعجزه وضعفه وفقره مع الكائنات جميعا أمام كبريائه التي لا منتهى لها ، مسبحا ربه العظيم قائلا : سبحان ربي العظيم .
ثم يهوي إلى السجود أمام جمال ذاته الذي لا يزول ، معلنا بذلك حبه وعبوديته في إعجاب وفناء وذل ، تاركا ما سواه سبحانه قائلا : سبحان ربي الأعلى .
فيقدس ربه الأعلى المنزه عن النزوال المبرأ من التقصير ويجلس للتشهد ، فيقدم التحيات والصلوات الطيبات لجميع المخلوقات هدية باسمه إلى ذلك الجميل الذي لم يزل وإلى ذلك الجليل الذي لا يزال ، مجددا بيعته مع رسوله الأكرم بالسلام عليه مظهرا بها طاعته لأوامره ، ويشهده على وحدانية الصانع ذي الجلال ، فيجدد إيمانه وينوره ، ثم يشهد على دلال الربوبية ومبلغ مرضياتها وترجمان آيات كتاب الكون الكبير ألا وهو محمد العربي صل الله عليه وسلم .
فما ألطف وما أنزه أداء صلاة المغرب وما أجلها من مهمة .
وهكذا نرى كيف أنها صحبة كريمة وجلسة مباركة وسعادة خالدة في مثل هذه الضيافة الفانية ... أفيحسب من لم يفهم هذا نفسه إنسانا ؟ !

( وعند وقت العشاء )
ذلك الوقت الذي تغيب في الأفق حتى تلك البقية الباقية من آثار النهار ، ويخيم الليل فيه على العالم ، فيذكر بالتصرفات الربانية لـ ( مقلب الليل والنهار ) وهو القدير ذو الجلال في قلبه تلك الصحيفة البيضاء إلى هذه الصحيفة السوداء .
ويذكر كذلك بالإجراءات الإلهية لـ ( مسخر الشمس والقمر ) وهو الحكيم ذو الكمال في قلبه الصحيفة الخضراء المزينة للصيف إلى الصحيفة البيضاء الباردة للشتاء .
ويذكر كذلك بالشؤون الإلهية لـ ( خالق الموت والحياة ) بانقطاع الآثار الباقية لأهل القبور من هذه الدنيا وانتقالها كليا إلى عالم آخر . وبموت الدنيا الضيقة الفانية الحقيرة ، ودمارها دمارا تاما بسكراتها الهائلة .
إنها فترة تثبت أن المالك الحقيقي لهذا الكون بل المعبود الحقيقي والمحبوب الحقيقي فيه ولا يمكن أن يكون إلا من يستطيع أن يقلب الليل والنهار والشتاء والصيف والدنيا والآخر بسهولة كسهولة تقليب صفحات الكتاب ، فيكتب و يثبت ويمحو ويبدل وليس هذا إلا شأن القدير المطلق جل جلاله .
وهكذا فروح البشر التي هي في منتهى العجز وفي غاية الفقر والحاجة ، والتي هي في حيرة من ظلمات المستقبل وفي وجل مما تخفيه الأيام والليالي ... تدفع الإنسان عند أدائه لصلاة العشاء أن لا يتردد في أن يردد على غرار سيدنا إبراهيم عليه السلام : ( لا أحب الآفلين ) الأنعام 76 ، فيلتجئ بالصلاة إلى باب من هو المعبود الذي لم يزل في هذه الدنيا الفانية ، تلك الدنيا التي أنسته ، والتي اختفت وراء العشاء ، فيسكب عبرات قلبه ، ولوعة صدره ، على عتبة باب تلك الرحمة ليقوم بوظيفة عبوديته النهائية قبل الدخول فيما هو مجهول العاقبة ، ولا يعرف ما يفعل به بعده ، من نوم شبيه بالموت ، وليختم دفتر أعماله اليومية بحسن الخاتمة .
ولأجل ذلك كله يقوم بأداء الصلاة ، فيتشرف بالمثول أمام من هو المعبود ، فيستهل الصلاة بالفاتحة ، أي بالمدح والثناء لرب العالمين ، بدلا من مدح مخلوقات لا طائل وراءها وغير جديرة بالمدح ، فيرقى إلى مقام الضيف الكريم في هذا الكون . وذلك بسموه إلى مرتبة خطاب : ( إياك نعبد ) أي انتسابه لمالك يوم الدين ولسلطان الأزل والأبد .
فيقدم بقوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ) عبادات واستعانات الجماعة الكبرى والمجتمع لجميع المخلوقات طالبا الهداية إلى الصراط المستقيم وهو طريقه المنور عبر الظلمات المستقبل بقوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ويتفكر في كبريائه سبحانه وتعالى ويتأمل في أن هذه الشموس المستترة جنود مطيعة مسخرة لأمره جل وعلا ، وكل واحد منها خادم عامل . فيكبر قائلا : الله أكبر ، ليبلغ الركوع .
ثم يتأمل بالسجدة الكبرى لجميع المخلوقات كيف أن أنواع الموجودات في كل سنة وفي كل عصر بل حتى الأرض نفسها وحتى العالم كله ، إنما كالجيش المنظم ، وعندما تسرح الدنيا من وظيفتها الدنيوية بأمر : ( كن فيكون ) أي عندما ترسل إلى عالم الغيب تسجد في منتهى النظام في الزوال على سجادة الغروب مكبرة : الله أكبر
فهذا الإنسان الضعيف اقتداء بتلك المخلوقات ، يهوى إلى السجود أمام ديوان الرحمن ذي الكمال قائلا : الله أكبر .
فلا شك يا أخي أن قد فهمت أن أداء صلاة العشاء سمو وصعود فيما يشبه المعراج .
أي كل وقت من هذه الأوقات إشارات لانقلاب زمني عظيم ، لذا فإن تخصيص صلاة الفرض في تلك الأوقات هو منتهى الحكمة .

( سبحانك لا علم لنآ إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم )

اللهم صل وسلم على من أرسلته معلما لعبادك ، ليعلمهم كيفية معرفتك والعبودية لك ، ومعرفا بكنوز أسمائك ، وترجمانا لآيات كتاب كائناتك ، ومرآة بعبوديته لجمال ربوبيتك ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارحمنا وارحم المؤمنين والمؤمنات ،،، آمين برحمتك يا أرحم الراحمين .

زبرجد
18-03-2014, 10:03 AM
هل تعلمون من هم قطاع الطرق ؟!؟ ..
هم من إذا أردت الخير قطعوا عليك الوصول .. إذا أردت التوبة إلى الله ..عظموا في عينيك ذنبك ونسوا بأن الله عظيم رحيم ...غفور ...تواب ... بل تناسوا ... هم من يجرونك للهاوية بعد أن صعدت الهرم ...

ريم الشمال
20-03-2014, 01:22 AM
الكلمة العاشرة

مبحث الحشر
( فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتي وهو على كل شيء قدير ) الروم -50

يا نفسي !
إن رمت إيضاح أمر الحشر وبعض شؤون الآخر على وجه يلائم فهم عامة الناس ، فاستمعي إلى هذه الحكاية القصيرة .
ذهب اثنان معا إلى مملكة رائعة الجمال كالجنة - التشبيه هنا للدنيا - وإذا بهما يريان أن أهلها قد تركوا أبواب بيوتهم وحوانيتهم ومحلاتهم مفتوحة لا يهتمون بحراستها ... فالأموال والنقود في متناول الأيدي دون أن يحميها أحد ...
بدأ أحدهما - بما سولت له نفسه - يسرق حينا ويغصب حينا آخر مرتكبا كل أنواع الظلم والسفاهة ، و الأهلون لا يبالون به كثيرا .

فقال له صديقه : ويحك ماذا تفعل ؟
إنك ستنال عقابك ، وستلقيني في بلايا ومصائب فهذه الأموال أموال الدولة ، وهؤلاء الأهلون قد أصبحوا - بعوائلهم وأطفالهم - جنود الدولة أو موظفيها ، ويستخدمون في هذه الوظائف ببزتهم المدنية ، ولذلك لم يبالوا بك كثيرا .
اعلم أن النظام هنا صارم ، فعيون السلطان ورقباؤه وهواتفه في كل مكان . أسرع يا صاحبي بالاعتذار وبادر إلى التوسل ...
ولكن صاحبه الأبله عاند قائلا :
دعني يا صاحبي فهذه الأموال ليست أموال الدولة بل هي أموال مشاعة ، لا مالك لها . يستطيع كل واحد أن يتصرف فيها كما يشاء .
فلا ارى ما يمنعني من الاستفادة منها ، أو الانتفاع بهذه الأشياء الجميلة المنثورة أمامي . واعلم أني لا أصدق بما لا تراه عيناي .
وبدأ يتفلسف ويتفوه بما هو من قبيل السفسطة . هنا بدأت المناقشة الجادة بينهما . وأخذ الحوار يشتد إذ سأل المغفل :
وما السلطان ؟ فأنا لا أعرفة فرد عليه صاحبة : إنك بلا شك تعلم أنه لا قرية بلا مختار ، ولا إبرة بلا صانع وبلا مالك ، ولا حرف بلا كاتب .
فكيف يسوغ لك القول : إنه لا حاكم ولا سلطان لهذه المملكة الرائعة المنتظمة المنسقة ؟ وكيف تكون هذه الأموال الطائلة والثروات النفيسة الثمينة بلا مالك ، حتى كأن قطارا مشحونا بالأرزاق الثمينة يأتي من الغيب كل ساعة ويفرغ هنا ثم يذهب !
أو لا ترى في أرجاء هذه المملكة إعلانات السلطان وبياناته ، وأعلامه التي ترفرف في كل ركن ، وختمه الخاص وسكته وطرته على الأموال كلها ، فكيف تكون مثل هذه المملكة دون مالك ؟ ...
يبدوا أنك تعلمت شيئا من لغة الإفرنج ، ولكنك لا تستطيع قراءة هذه الكتابات الإسلامية ولا ترغب أن تسأل من يقرؤها ويفهمها ، فتعال إذن لأقرأ لك أهم تلك البلاغات والأوامر الصادرة من السلطان .
فقاطعه ذلك المعاند قائلاً :
لنسلم بوجود السلطان ولكن ... ماذا يمكن أن تضره وتنقص من خزائنه ما أحوزه لنفسي منها ؟ ثم إني لا أراى هنا عقابا من سجن أو ما يشبهه ! .

أجابه صاحبه : يا هذا ، إن هذه المملكة التي نراها ما هي إلا ميدان إمتحان واختبار وساحة تدريب ومناورة ، وهي معرض صنائع السلطان البديعة ، ومضيف مؤقت جدا ... ألا ترى أن قافلة تأتي يوميا وترحل أخرى وتغيب ؟ فهذا هو شأن هذه المملكة العامرة ، إنها تملأ وتخلى باستمرار ، وسوف تفرغ نهائيا وتبدل بأخرى باقية دائمة ، وينقل إليها الناس جميعا فيثاب أويعاقب كل حسب عمله .

ومرة أخرى تمرد صديقه الخائن الحائر قائلا :
أنا لا أؤمن ولا أصدق !
فهل يمكن أن تباد هذه المملكة العامرة ، ويرحل عنها أهلها إلى مملكة أخرى ؟
وعندها قال له صديقه الناصح الأمين :
يا صاحبي ما دمت تعاند هكذا وتصر ، فتعال أبين لك دلائل لا تعد ولا تحصى مجملة في اثنتي عشر صورة ، تؤكد لك أن هناك محكمة كبرى حقا ، ودارا للثواب والإحسان ، وأخرى للعقاب والسجن ، وأنه كما تفرغ هذه المملكة من أهلها يوما بعد يوم ، فسيأتي يوم وتفرغ فيه منهم نهائيا وتباد كليا .

الصورة الأولى
أمن الممكن لسلطنة ، ولا سيما كهذه السلطنة العظمى ، أن لا يكون فيها ثواب للمطيعين ولا عقاب للعاصين ؟ ...
ولما كان العقاب والثواب في حكم المعدوم في هذه الدار ، فلا بد إذن من محكمة كبرى في دار أخرى .

يتبع

ريم الشمال
23-03-2014, 12:28 AM
الصورة الثانية

تأمل سير الأحداث والإجراءات في هذه المملكة كيف يوزع الرزق رغدا حتى على أضعف كائن فيها وأفقره ، وكيف أن الرعاية تامة والمواساة دائمة لجميع المرضى الذين لا معيل لهم ... وانظر إلى الأطعمة الفاخرة والأواني الجميلة والأوسمة المرصعة والملابس المزركشة ... فالموائد العامرة مبثوثة في كل مكان ... وانظر !
الجميع يتقنون واجباتهم ووظائفهم إلا أنت و أمثالك من البلهاء ، فلا يتجاوز أحد حده قيد أنملة ، فأعظم شخص يؤدي ما أنيط به من واجب بكل تواضع ، وفي غاية الطاعة ، تحت ظل جلال الهيبة والرهبة .
إذن فمالك هذه السلطنة ومليكها ذو كرم عظيم ، وذو رحمة واسعة ، وذو عزة شامخة ، وذو غيرة جليلة ظاهرة ، وذو شرف سام .

ومن المعلوم أن الكرم يستوجب إنعاما ، والرحمة لا تحصل دون إحسان ، والعزة تقتضي الغيرة ، والشرف السامي يستدعي تأديب المستخفين ، بينما لا يتحقق في هذه المملكة جزء واحد من ألف مما يليق بتلك الرحمة ولا بذلك الشرف .
فيرحل الظالم في عزته وجبروته ويرحل المظلوم في ذلة وخنوعه فالقضية إذن مؤجلة إلى محكمة كبرى .

الصورة الثالثة

انظر ، كيف تنجز الأعمال هنا بحكمة فائقة وبانتظام بديع ، وتأمل كيف ينظر إلى المعاملات بمنظار عدالة حقة وميزان صائب .
ومن المعلوم أن حكمة الحكومة وفطنتها هي اللطف بالذين يحتمون بحماها وتكريمهم .

والعدالة المحضة تتطلب رعاية حقوق الرعية ، لتصان هيبة الحكومة وعظمة الدولة ...
غير أنه لا يبدو هنا إلا جزء ضئيل من تنفيذ ما يليق بتلك الحكمة ، وبتلك العدالة .
فأمثالك من الغافلين سيغادرون هذه المملكة دون أن يرى اغلبهم عقابا . فالقضية إذن مؤجلة بلا ريب إلى محكمة كبرى .

الصورة الرابعة

انظر إلى ما لا يعد ، ولا يحصى من الجواهر النادرة المعروضة في هذه المعارض ، والأطعمة الفريدة اللذيذة المزينة بها الموائد ، مما يبرز لنا أن لسلطان هذه المملكة سخاء غير محدود ، وخزائن ملآى لا تنضب ...
ولكن مثل هذا السخاء الدائم ، ومثل هذه الخزائن التي لا تنفد ، يتطلبان حتما دار ضيافة خالدة أبدية ، فيها ما تشتهيه الأنفس ويقتضيان كذلك خلود المتنعمين والمتلذذين فيها ، من غير أن يذوقوا ألم الفراق والزوال ، إذ كما أن زوال الألم لذة فزوال اللذة ألم كذلك ...

وانظر إلى هذه المعارض ودقق النظر في تلك الإعلانات ، واصغ جيدا إلى هؤلاء المنادين الدعاة الذين يصفون عجائب مصنوعات السلطان - ذي المعجزات - ويعلنون عنها ، ويظهرون كماله ويفحصون عن جماله المعنوي الذي لا نظير له ، ويذكرون لطائف حسنه المستتر .

فلهذا السلطان إذن كمال باهر ، وجمال معنوي زاهر ، يبعثان على الإعجاب . ولا شك أن الكمال المستتر الذي لا نقص فيه يقتضي إعلانه على رؤوس الأشهاد من المعجبين المستحسنين ، ويتطلب إعلانه أمام أنظار المقدرين لقيمته . أما الجمال الخفي الذي لا نظير له ، فيستلزم الرؤية بذاته جماله في كل ما يعكس هذا الجمال من المرايا المختلفة .

أحدهما : رؤيته بذاته جماله في كل ما يعكس هذا الجمال من المرايا المختلفة .

ثانيهما : رؤيته بنظر المشاهدين المشتاقين والمعجبين المستحسنين له ، وهذا يعني أن الجمال الخالد يستدعي رؤية وظهورا ، مع مشاهدة دائمة ، وشهود أبدي ... وهذايتطلب حتما خلود المشاهدين المشتاقين المقدرين لذلك الجمال ، لأن الجمال الخالد لا يرضى بالمشتاق الزائل .

ولأن المشاهد المحكوم عليه بالزوال يبدل تصور الزوال محبته عداء ، وإعجابه استخفافا ، وتوقيره إهانة ، إذ الإنسان عدو لما يجهل ولما يقصر عنه ...

ولما كان الجميع يغادرون دور الضيافة هذه بسرعة ويغيبون عنها بلا ارتواء من نور ذلك الجمال والكمال ، بل قد لا يرون إلا ظلالا خافتة منه عبر لمحات سريعة ...
فالرحلة إذن منطلقة إلى مشهد دائم وخالد .

يتبع

ريم الشمال
28-03-2014, 02:21 AM
الصورة الخامسة

تأمل ، كيف أن لهذا السلطان - الذي لا نظير له - رأفة عظيمة تتجلى في خضم هذه الأحداث والأمور ، إذ يغيث الملهوف المستغيث ، ويستجيب للداعي المستجير ، وإذا ما رأى أدنى حاجة لأبسط فرد من رعاياه فإنه يقضيها بكل رأفة وشفقة ، حتى إنه يرسل دواء أو يهيئ بيطارا لإسعاف قدم نعجة من النعاج .

هيا بنا يا صاحبي لنذهب معا إلى تلك الجزيرة ، حيث تضم جمعا غفيرا من الناس . فجميع أشراف المملكة مجتمعون فيها ...
انظر فها هو ذا مبعوث كريم للسلطان متقلد أعظم الأوسمة وأعلاها يرتجل خطبة يطلب فيها من مليكه الرؤوف أمورا ، وجميع الذين معه يوافقونه ويصدقونه ويطلبون ما يطلبه .
أنصت لما يقول حبيب الملك العظيم ، إنه يدعو بأدب جم وتضرع ويقول :
يا من أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، يا سلطاننا ، أرنا منابع وأصول ما أريته لنا من نماذج وظلال ... خذ بنا إلى مقر سلطنتك ولا تهلكنا بالضياع في هذه الفلاة ... أقبلنا وارفعنا إلى ديوان حضورك ... ارحمنا ... أطعمنا هناك لذائذ ما أذقتنا إياه هنا ، ولا تعذبنا بألم التنائي والطرد عنك ... فهاهم أولاء رعيتك المشتاقون الشاكرون المطيعون لك ، لا تتركهم تائهين ضائعين ، ولا تفنهم بموت لا رجعة بعده .

هل سمعت يا صاحبي ما يقول ؟ ترى هل من الممكن لمن يملك كل هذه القدرة الفائقة ، وكل هذه الرأفة الشاملة ، أن لا يعطى مبعوثه الكريم ما يرغب به ، ولا يستجيب لأسمى الغايات وأنبل المقاصد ؟ وهو الذي يقضي بكل اهتمام أدنى رغبة لأصغر فرد من رعاياه ؟
مع أن ما يطلبه هذا المبعوث الكريم تحقيق لرغبات الجميع ومقاصدهم ، وهو من مقتضيات عدالته ورحمته ومرضاته . ثم إنه يسير عليه وهين ، فليس هو بأصعب مما عرضه من نماذج في متنزهات هذه المملكة ومعارضها ... فما دام قد انفق نفقات باهظة وأنشأ هذه المملكة لعرض نماذجه عرضا مؤقتا ، فلا بد أنه سيعرض في مقر سلطنته من خزائنه الحقيقية ومن كمالاته وعجائبه ما يبهر العقول .
إذن فهؤلاء الذين هم دار الامتحان هذه ليسوا عبثا ، وليسوا سدى ، بل تنتظرهم قصور السعادة السرمدية الخالدة ، أو غياهب السجون الأبدية الرهيبة .

الصورة السادسة

تعال ، وانظر إلى هذه القاطرات الضخمة ، وإلى هذه الطائرات المشحونة ، وإلى هذه المخازن الهائلة المملؤة ، وإلى هذه المعارض الأنيقة الجذابة ...
وتأمل في الإجراءات وسير الأمور ... إنها جميعا تبين أن هناك سلطنة عظيمة حقا تحكم من وراء ستار .
فمثل هذه السلطنة تقتضي حتما رعايا يليقون بها . بينما تشاهد أنهم قد اجتمعوا في هذا المضيف - مضيف الدنيا - والمضيف يودع يوميا صنوفا منهم ويستقبل صنوفا ( تعليق لي : اقراءها جيداً ترى فيها أن الدنيا هي الخطوة الأولى لحياة أبدية رائعة فلا تضيع خطوتك الاولى فتضيع خطواتك التي تليها )
وهم قد حضروا في ميدان الامتحان والاختبار هذا ، غير أن الميدان يبدل كل ساعة ، وهم يلبثون قليلا في هذا المعرض العظيم ، يتفرجون على نماذج آلاء المليك الثمينة وعجائب صنعته البديعة ، غير أن المعرض نفسه يحول كل دقيقة ، فالراحل لا يرجع والقابل يرحل كذلك ...
فهذه الأمور تبين بشكل قاطع أن وراء هذا المضيف الفاني ، ووراء هذه الميادين المتبدلة ، ووراء هذه المعارض المتحولة قصور دائمة خالدة ، ومساكن طيبة أبدية وجنائن مملوءة بحقائق هذه النماذج ، وخزائن مشحونة بأصولها .
فالأعمال والأفعال هنا إذن ما هي إلا لأجل ما أعد هنالك من جزاء .
فالملك القدير يكلف هنا ويجازي هناك ، فلكل فرد لون من السعادة حسب استعداده وما أقدم عليه من خير .

الصورة السابعة

تعال لنتنزه قليلا بين المدنيين من الناس لنلاحظ أحوالهم ، وما يجري حولهم من أمور . انظر ، فها قد نصبت في كل زاوية آلات تصوير عديدة تلتقط الصور ، وفي كل مكان كتاب كثيرون يسجلون كل شيء ، حتى أهون الأمور .

هيا انظر إلى ذاك الجبل الشاهق فقد نصبت عليه آلة تصوير ضخمة تخص السلطان نفسه تلتقط صور كل ما يجري في هذه المملكة .
فلقد أصدر السلطان أوامره لتسجيل الأمور كلها ، أو تدوين المعاملات في مملكته وهذا يعني أن السلطان المعظم هو الذي يملي الحوادث جميعها ، ويأمر بتصويرها ... فهذا الاهتمام البالغ ، وهذا الحفظ الدقيق للأمور ، وراءه محاسبة بلا شك ، إذ هل يمكن لحاكم حفيظ - لا يهمل أدنى معاملة لأبسط رعاياه - أن لا يحفظ ولا يدون الأعمال العظيمة لكبار رعاياه ، ولا يحاسبهم ولا يجازيهم على ما صنعوا ، مع أنهم يقدمون على أعمال تمس الملك العزيز ، وتتعرض لكبريائه ، وتأباه رحمته الواسعة ؟ ... حيث إنهم لا ينالون عقابا هنا ، فلابد أنه مؤجل إلى محكمة كبرى .


يتبع

ريم الشمال
31-03-2014, 03:00 AM
الصورة الثامنة

تعال ، لأتلو عليك هذه الأوامر الصادرة من السلطان .
انظر ، إنه يكرر وعده ووعيده قائلا :
لآتين بكم إلى مقر سلطنتي ، ولأسعدن المطيعين منكم ، ولأزجن العصاة في السجن ، ولأدمرن ذلك المكان الموقت ، ولأنشأن مملكة أخرى فيها قصور خالدة وسجون دائمة ...
علما أن ما قطعه على نفسه من وعد ، هين عليه تنفيذه ، وهو بالغ الأهمية لرعاياه .
أما إخلاف الوعد فهو مناف كليا لعزته وقدرته .
فانظر أيها الغافل :
إنك تصدق أكاذيب أوهامك ، وهذيان عقلك ، وخداع نفسك ، ولا تصدق من لا يحتاج إلى مخالفة الوعد قطعا ، ومن لا تليق المخالفة بغيرته وعزته أصلا ، ومن تشهد الأمور كافة على صدقه ... إنك تستحق العقاب العظيم بلا شك ، إذ إن مثلك في هذا مثل المسافر الذي يغمض عينيه عن ضوء الشمس ، ويسترشد بخياله ، ويريد أن ينير طريقه المخيف ببصيص عقله الذي لا يضيئ إلا كضياء اليراعة ( ذباب الليل )

وحيث إنه قد وعد ، فسيفي بوعده حتما ، لأن وفاءه سهل عليه وهين ، وهو من مقتضيات سلطنته ، وهو ضروري جدا ، لنا ولكل شيء.
إذن هناك محكمة كبرى وسعادة عظمى .


الصورة التاسعة

تعال ، لننظر إلى رؤساء من هذه الدائرة ، قسم منهم يمكنهم الاتصال بالسلطان العظيم مباشرة ، بهاتف خاص . بل لقد ارتقى قسم آخر وسما إلى ديوان قدسه ... تأمل ماذا يقول هؤلاء ؟
إنهم يخبروننا جميعا أن السلطان قد أعد مكانا فخما رائعا لمكافأة المحسنين وآخر رهيبا لمعاقبة المسيئين . وأنه يعد وعدا قويا ويوعد وعيدا شديدا ، وهو أجل وأعز من أن يذل إلى خلاف ما وعد . علما بأن أخبار المخبرين قد وصلت من الكثرة إلى حد التواتر ومن القوة إلى درجة الاتفاق والإجماع فهم يبلغوننا جميعا : بأن مقر هذه السلطنة العظيمة التي نرى آثارها وملامحها هنا ، إنما هو في مملكة أخرى بعيدة وأن العمارات في ميدان الامتحان هذا بنايات وقتية ، وستبدل إلى قصور دائمة ، فتبدل هذه الأرض بغيرها .
لأن هذه السلطنة الجليلة الخالدة - التي تعرف عظمتها من آثارها - لا يمكن أن تقتصر هيمنتها على مثل هذه الأمور الزائلة التي لا بقاء لها ولا دوام ولا كمال ولا قرار ولا قيمة ولا ثبات .
بل تستقر على مايليق بها ويعظمتها من أمور تتسم بالديمومة والكمال والعظمة .
فإذن هناك دار أخرى ... ولا بد أن يكون الرحيل إلى ذلك المقر .

الصورة العاشرة

تعال يا صاحبي ، فاليوم يوم عيد ملكي عظيم . ستحدث تبدلات وتغيرات وستبرز أمور عجيبة .
فلنذهب معا للنزهة ، في هذا اليوم البهيج من أيام الربيع إلى تلك الفلاة المزدانة بالأزهار الجميلة ... انظر ، هاهم الناس متوجهون إلى هناك ...
انظر ، هاهنا أمر غريب عجيب ، فالعمارات كلها تنهار وتتخذ شكلا آخر !
حقا إنه شيء معجز !
إذ العمارات التي انهارت قد أعيد بناؤها هنا فورا ، وانقلبت هذه الفلا الخالية إلى مدينة عامرة !
انظر ... إنها تريك كل ساعة مشهدا جديدا وتتخذ شكلا غير شكلها السابق - كشاشة السينما - لاحظ الأمر بدقة لترى روعة هذا النظام المتقن في هذه الشاشة التي تختلط فيها المشاهد بكثرة وتتغير بسرعة فهي مشاهد حقيقية يأخذ كل شيء مكانه الحقيقي في غاية الدقة والانسجام ، حتى المشاهد الخيالية لا تبلغ هذا الحد من الانتظام والروعة والإتقان ، بل لا يستطيع ملايين الساحرين البارعين من القيام بمثل هذه الأعمال البديعة ...
إذن فللسلطان العظيم المستور عنا الشيء الكثير من الأمور الخارقة .

فيا أيها المغفل !
أنك تقول : كيف يمكن أن تدمر هذه المملكة العظيمة وتعمر من جديد في مكان آخر ؟
فها هو ذا أمامك ما لا يقبله عقلك من تقلبات كثيرة وتبدلات مذهلة ، فهذه السرعة في الاجتماع والافتراق ، وهذا التبدل والتغير ، وهذا البناء والهدم ...
كلها تنبئ عن مقصد ، وتنطوي على غاية ، إذ يصرف لأجل اجتماع في ساعة واحدة ما ينفق لعشر سنوات !
فهذه الأوضاع إذن ليست مقصودة لذاتها ، بل هي أمثلة ونماذج للعرض هنا .
فالسلطان ينهي أعماله على وجه الإعجاز ، كي تؤخذ صورها ، وتحفظ نتائجها وتسجل كما تسجل وتحفظ كل ما في ميدان المناورات العسكرية .
فالأمور والمعاملات إذن ستجرى في الاجتماع الأكبر وتستمر وفق ما كانت هنا .
وستعرض تلك الأمور عرضا مستمرا في المشهد الأعظم والمعرض الأكبر .
أي إن هذه الأوضاع الزائلة تنتج ثمارا باقية وتولد صورا خالدة هناك .
فالمقصود من هذه الاحتفالات إذن هو بلوغ سعادة عظمى ، ومحكمة كبرى ، وغايات سامية مستورة عنا .

يتبع

ريم الشمال
08-04-2014, 03:49 PM
الصورة الحادية عشرة

تعال أيها الصديق المعاند ، لنركب طائرة أو قطارا ، لنذهب إلى الشرق أو إلى الغرب - أي إلى الماضي أو إلى المستقبل - لنشاهد ما أظهره السلطان من معجزات متنوعة في سائر الأماكن .
فما رأيناه هنا في المعرض ، أو في الميدان ، أو في القصر ، من الأمور العجيبة له نماذج في كل مكان ، إلا أنه يختلف من حيث الشكل و التركيب .
فيا صاحبي ، أنعم النظر في هذا ، لترى مدى ظهور انتظام الحكمة ، ومبلغ وضوح إشارات العناية ، ومقدار بروز أمارات العدالة ، ودرجة ظهور ثمرات الرحمة الواسعة ، في تلك القصور المتبدلة ، وفي تلك الميادين الفانية ، وفي تلك المعارض الزائلة .
فمن لم يفقد بصيرته يفهم يقينا أنه لن تكون - بل لا يمكن تصور - حكمة أكمل من حكمة ذلك السلطان ولا عناية أجمل من عنايته ، ولا رحمة أشمل من رحمته ، ولا عدالة أجل من عدالته .
لكن لما كانت هذه المملكة - كما هو معلوم - قاصرة عن إظهار حقائق هذه الحكمة والعناية والرحمة والعدالة ، ولو لم تكن هناك في مقر مملكته - كما توهمت - قصور دائمة ، و أماكن مررموقة ثابته ومساكن طيبة خالدة ، ومواطنون مقيمون ، ورعايا سعداء تحقق تلك الحكمة والعناية والرحمة والعدالة ، يلزم عندئذ إنكار هذه الأمارات و الإشارات للعدالة الظاهرة البينة ...

إنكار كل ذلك بحماقة فاضحة كحماقة من يرى ضوء الشمس وينكر الشمس نفسها في رائعة النهار !
ويلزم أيضا القول بأن القائم بما نراه من إجراءات تتسم بالحكمة وأفعال ذات غايات كريمة وحسنات ملؤها الرحمة إنما يلهو ويعبث ويغدر - حاشاه ثم حاشاه - وما هذا إلا قلب الحقائق إلى أضدادها ، وهو المحال باتفاق جميع ذوي العقول غير السوفسطائي الأبله الذي ينكر وجود الأشياء ، حتى وجود نفسه .

فهناك إذن ديار غير هذه الديار ، فيها محكمة كبرى ، ودار عدالة عليا ، ومقر كرم عظيم ، لتظهر فيها هذه الرحمة وهذه الحكمة وهذه العناية بوضوح وجلاء .

الصورة الثانية عشرة

تعال فلنرجع الآن يا صاحبي ، لنلقي ضابط هذه الجماعات ورؤساءها ، انظر إلى معداتهم ...
أزودوا بها لقضاء فترة قصيرة من الزمن في ميدان التدريب هذا ، أم أنها وهبت لهم ليقضوا حياة سعيدة مديدة في مكان آخر ؟
ولما كنا لا نستطيع لقاء كل واحد منهم ، ولا نتمكن من الاطلاع على جميع لوازمهم وتجهيزاتهم ، لذا نحاول الاطلاع على هوية وسجل أعمال واحد منهم كنموذج ومثال .
ففي الهوية نجد رتبة الضابط ، ومرتبه ، ومهمته وامتيازاته ، ومجال أعماله ، وكل ما يتعلق بأحواله ...
لا حظ ، أن هذه الرتبة ليست لأيام معدودة بل لمدة مديدة ... ولقد كتب في هويته أنه يتسلم مرتبه من الخزينة الخاصة بتاريخ كذا ...
غير أن هذا التاريخ بعيد جدا ، ولا يأتي إلا بعد إنهاء مهام التدريب في هذا الميدان ...
أما هذه الوظيفة فلا توافق هذا الميدان الموقت ولا تنسجم معه ، بل هي للفوز بسعادة دائمة في مكان سام عند الملك القدير ...
أما الواجبات فهي كذلك لا يمكن أن تكون لقضاء أيام معدودة في دار الضيافة هذه ، و إنما هي لحياة أخرى سعيدة أبدية ... يتضح من الهوية بجلاء ، أن صاحبها مهيأ لمكان أخر ، بل يسعى نحو عالم آخر .

انظر إلى هذه السجلات التي حددت فيها كيفية استعمال المعدات والمسؤوليات المترتبة عليها ، فإن لم تكن هناك منزلة رفيعة خالدة غير هذا الميدان ، فلا معنى لهذه الهوية المتقنة ، ولا لهذا السجل المنتظم ، ولسقط الضابط المحترم والقائد المكرم والرئيس الموقر إلى درك هابط ولقى الشقاء والذلة والمهانة والنكبة والضعف والفقر ...
وقس على هذا ، فأينما أنعمت النظر متأملا قادك النظر والتدبر إلى أن هناك بقاء بعد هذا الفناء ...

فيا صديقي ! إن هذه المملكة المؤقتة ما هي إلا بمثابة مزرعة ، وميدان تعليم ، وسوق تجاري ، فلا بد أن تأتي بعدها محكمة كبرى وسعادة عظمى .
فإذا أنكرت هذا فسوف تضطر إلى إنكار كل الهويات والسجلات التي يمتلكهاالضابط ، وكل تلك العدد والأعتدة والتعليمات ، بل تضطر إلى إنكار جميع الأنظمة في هذه المملكة ، بل إنكار وجود الدولة نفسها ، وينبغي عند ذلك أن تكذب جميع الإجراءات الحادثة .
عنده لا يمكن أن يقال لك أنك إنسان له شعور ، بل تكون إذ ذاك أشد حماقة من السوفسطائيين .

وإياك إياك أن تظن أن دلائل وإشارات تبديل المملكة منحصرة في (اثنى عشر) صورة التي أوردناها ، إذ إن هناك ما لايعد ولا يحصى من الأمارات والأدلة على أن هذه المملكة المتغيرة الزائلة تتحول إلى أخرى مستقرة باقية ، وهناك الكثير الكثير من الإشارات والعلامات تدل على أن هؤلاء الناس سينقلون من دار الضيافة المؤقتة الزائلة إلى مقر السلطنة الدائمة الخالدة .

يا صاحبي ! تعال لأقرر لك برهانا أكثر قوة ووضوحا من تلك البراهين الاثنى عشر التي أنبأت عنها تلك الصور المتقدمة . تعال ، فانظر إلى المبعوث الكريم ، صاحب الأوسمة الرفيعة الذي شاهدناه في الجزيرة - من قبل - إنه يبلغ أمرا إلى الحشود الغفيرة التي تتراءى لنا على بعد ... فهيا نذهب ونصغي إليه ... انتبه ! فها هو يفسر للملأ البلاغ السلطاني الرفيع ويوضحه قائلا لهم :
تهيأوا ! سترحلون إلى مملكة أخرى خالدة ، ما أعظمها من مملكة رائعة !
إن مملكتنا هذه تعد كالسجن بالنسبة لها . فإذا ما أصغيتم إلى هذا الأمر بإمعان ، ونفذتموه بإتقان ستكنون أهلا لرحمة سلطاننا وإحسانه في مستقره الذي تتجهون إليه ، وإلا فالزنزانات الرهيبة مثواكم جزاء عصيانكم الأمر وعدم اكتراثكم به ...
فيا ترى هل يمكن الاعتراض على مسألة تبديل هذه المملكة التي يدعوا إليها ذلك المبعوث الكريم بكل ما أوتي من قوة ، ويتضمنه البلاغ الملكي السامي ؟ كلا ... لا يمكن ذلك أبدا ، إلا إذا أنكرت جميع ما تراه من أمور وحوادث .

فالآن أيها الصديق ! لك أن تقول ما تشاء .
- ماذا عساي أن أقول ؟ وهل بقى مزيد من قول لقائل أمام هذه الحقائق !
وهل يقال للشمس وهي في كبد السماء ، أين هي ؟
إن كل ما أريد أن أقوله هو : الحمد لله وألف شكر وشكر ، فقد نجوت من قبضة الأوهام والأهواء ، وتحررت من إسار النفس والسجن الأبدي ، فآمنت بأن هناك دار سعادة عند السلطان المعظم ، ونحن مهيأون لها بعد هذه الدار الفانية المضطربة .

وهكذا تمت الحكاية التي كانت كناية عن الحشر والقيامة ، وننتقل إلى حقائق العليا فسنبينها في ( اثنى عشرة حقيقة ) وهي متساندة مترابطة مقابل الصور الاثنى عشرة