المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لذة كل أحد على حسب قدره وهمته



امـ حمد
03-04-2014, 03:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لذة كل أحد علي حسب قدره وهمته وشرف نفسه،
فأشرف الناس نفساً وأعلاهم همة وأرفعهم قدراً،من لذته في معرفة الله ومحبته والشوق إلي لقائه والتودد إليه بما يحبه ويرضاه،فلذته في إقباله عليه،وعكوف همته عليه،
ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله،حتي تنتهي إلي من لذته في أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغال،
فلو عرض عليه ما يلتذ به الأول،لم تسمح نفسه بقبوله ولا التفتت إليه،وربما تألمت من ذلك،كما أنه إذا عرض عليه ما يلتذ به هذا لم تسمح نفسه به،ولم يلتفت إليه،ونفرت نفسه منه،
وأكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة البدن ، فهو يتناول لذاته المباحة علي وجه لا ينقص حظه من الآخرة ، ولا يقطع لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه،
فهذا ممن قال تعالي فيه(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)
وأبخسهم حظاً من اللذة،من تناولها علي وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة،فيكون ممن يقال لهم يوم استيفاء اللذات(أذْهبتُم طيباتِكُم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)الأحقاف
فهؤلاء تمتعوا بالطيبات وأولئك تمتعوا بالطيبات،وافترقوا في وجه التمتع،
فاؤلئك تمتعوا بها علي الوجه الذي إذن لهم فيه،فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة،
وهؤلاء تمتعوا بها علي الوجه الذي دعاهم إليه الهوي والشهوة ،وسواء أذن لهم فيه أم لا ،فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الآخرة،فلا لذة الدنيا دامت لهم،ولا لذة الآخرة حصلت لهم،
فمن أحب اللذة وداومها والعيش الطيب،فاليجعل لذة الدنيا موصلاً له إلي لذة الآخرة،بأن يستعين بها علي فراغ قلبه لله في إرادته وعبادته،فيتناولها بحكم الاستعانة والقوة علي طلبه،لا بحكم مجرد الشهوة والهوي،
وإن كان ممن رويت عنه لذات الدنيا وطيباتها،فليجعل ما نقص منها زيادة في لذة الآخرة،ويريح نفسه هاهنا بالترك ليستوفيها كاملة هناك،
فطيبات الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخره وكانت همته لما هناك،
وبئس القاطع النازع من الله والدار الآخرة،
فمن أخذ منافع الدنيا علي وجه لا ينقص حظه من الآخرة ظفر بهما جميعاً،وإلا خسرهما جميعاً،
صدق الشاعر إذ يقول
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها،،،،من الحرام ويبقى الوزر والعار
تبقى عواقب سوء فـي مغبتها،،،،لا خير في لذة من بعـــدها النار

فمن وجد لذة العبودية لزم باب العبادة ،
ومن وجدة لذة المعصية لزم باب المعصية ،
وشتان ما بين اللذتين ،
فالأولى توصل إلى الله والدار الآخرة ،
والثانية توصل إلى البوار والدار الحارقة،
قال شيخ الإسلام،إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ،وهي لذة العبادة ومناجاة الرب والأنس به،
علامات السعادة والشقاوة
من علامات السعادة والفلاح، أن العبد كلما زيد في علمه،زيد في تواضعه ورحمته،
وكلما زيد في عمله، زيد في خوفه وحذره ،
‏وكلما زيد في عمره ،نقص من حرصه‏،
وكلما زيد في ماله،زيد في سخائه وبذله ‏،
وكلما زيد في قدره وجاهه،زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم‏،
وعلامات الشقاوة ، أنه كلما زيد في علمه،زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله،زيد فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه ، وكلما زيد في عمره،زيد في حرصه،
وكلما زيد في ماله ،زيد في بخله وإمساكه،
وكلما زيد في قدره وجاهه، زيد في كبره وتيهه،
وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويشقى بها أقوام‏،
وكذلك الكرامات امتحان وابتلاء،كالملك والسلطان والمال،
قال تعالى،عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس عنده‏(‏هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر‏)‏‏سورة النمل،
فالنعم ابتلاء من الله،وامتحان يظهر بها شكر الشكور،وكفر الكفور ‏.كما أن المحن بلوى منه سبحانه ، فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب، قال تعالى(‏‏‏فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن،وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن)‏الفجر،أي ليس كل من وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له، ولا كل من ضيقت عليه رزقه وابتليته يكون ذلك إهانة مني له‏،
اسأل الله لي ولكم ان يجعلنا ممن أخذ منافع الدنيا علي وجه لا ينقص حظه من الآخرة فظفر بهما جميعاً،
المصدر كتاب الفوائد بن قيم الجوزية.