المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحق أحق أن يتبع



امـ حمد
15-04-2014, 08:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحق أحق أن يتبع
أنَّ التمسُّك بالحقِّ ونَبْذ الباطل، هو نَجاتُك في دُنياك وأُخراك،وسفينتك في بَحر الكُفر والفتن والمعاصي والشهوات والشُّبهات، وحُجَّتُك في الآخرة في يومٍ لا يَنفعُ مال ولا بنون، ولا خُلَّة ولا شفاعة،
من تمسك به عدَل واعتدل،وهو النور الذي تَمشي به في ظلمات الليل والنهار، وهو هدايتُك على الصراط المستقيم والتي هي أقْوم، واتِّباعك رضوانَ الله إلى سُبُل السلام، ونَجاتُك من سُبُل الغواية والخسران،قال تعالى( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ،يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)المائدة،
ومن حاد عنه، حرَف وانْحرَف،وتخبَّط في ظُلمات الليل والنهار،وضلَّ ضلالاً بعيدًا،واستحقَّ سخَط الله وغضَبه إلى سُبُل الهلاك وأوْدِية الخسران،قوله تعالى(حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ )الأعراف،
ومعنى حقيق عليّ،واجِب،الحقُّ هو الصدق والحقيقة،والباطل هو المُزيَّف والكذِب،
لذلك قال الله - سبحانه وتعالى( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ )ق،أي،بالصِّدق والحقيقة ومُطابقة الواقع الذي يعرفه كل الناس،مُسلِمهم وكافِرهم،ولكن بعض الناس،قد يُحاوِل لشدَّة حبِّه للدنيا أنْ يَحيد منه، ويُخادِع نفسَه بالكذب والباطل،
وتأتي كلمةُ الحقِّ في القرآن الكريم باسم الصِّدق،كما قال تعالى( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )الزمر،
وتأتي في كتاب الله باسم الطيب،كما قال تعالى(قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ )المائدة،
قال أبو جعفر،رحمه الله،قد جاء مِثلُ هذا الأسلوب بأنَّ أهل الحقِّ هم الطيِّبون،
وأنَّ أهل الباطل هم الخُبثاء،
كذلك في قوله تعالى( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )آل عمران،
وقال تعالى( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ )سبأ،
هذه الآيات تدلُّ على أنَّ قوة الحقِّ وغَلبتَه على أهل الباطل عظيمة ،مهما طَغَوا وتَجبَّروا، ما دام أهلُ الحقِّ معهم القوي المتين،وهو الله جلَّ جلاله،الذي إرادته تَنفُذ، وإرادة ما دونه من العبيد تَزول،وتَضمحل أمام إرادته،
قال تعالى( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا،ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا،وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ )محمد،
فالله سبحانه،هو الحقُّ والقرآن الذي جاء به النبي،صلَّى الله عليه وسلَّم،حقٌّ،والنبي،صلى الله عليه وسلم،حقٌّ،والموت حق،لأنَّه شيء واقِع لا محالة لكلِّ إنسان،
وفي الدعاء المأثور الذي ثَبَت في صحيح البخاري،عن ابن عباس،رضي الله عنهما،قال،كان النبي،صلى الله عليه وسلم،يدعو من الليل(اللهمَّ لك الحمد،أنتَ ربُّ السموات والأرض، لك الحمد،أنت قَيِّم السموات والأرض ومَن فيهنَّ،لك الحمد،أنت نورُ السموات والأرض، قولُكَ الحق، ووعْدُك الحق،ولقاؤك حقٌّ،والجنَّة حقٌّ، والنار حق، والساعة حق، اللهمَّ لك أسلمتُ،وبك آمنتُ،وعليك توكَّلتُ، وإليك أنَبْتُ،وبك خاصَمتُ،وإليك حاكَمتُ،فاغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ،وماأسْررتُ وماأعلنتُ،أنتَ إلهي لا إله لي غيرك)
قال تعالى(وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ )محمد،
ولقد مثَّل الله لنا الحقَّ في القرآن الكريم أمثلةً كثيرة،لنَفْهم مفهومه الصحيح،ونَذَر ونَبتعِد عن الباطل،

المثال الأول،قال تعالى( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ)الأنعام،أي،هذا هو الخالِق المُبدِع،الذي لا يستحقُّ معبودٌ غيره العبادةَ، فاعبدوه واجعَلوه،سبحانه،وكيلكم على كلِّ شيء، وذَرُوا أيَّ شيء آخرَ ،

المثال الثاني، وقوله تعالى( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَة)الحج،
فخَتَم الله،سبحانه وتعالى(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير)الحج،
المثال الثالث،فقد مثَّل الله،سبحانه،أهل الباطل،خُصوصًا أهل النِّفاق،قال تعالى( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ )البقرة،
أما أهلُ الحقِّ، فنورُهم عظيم ثابتٌ، فهم مُطمئنُّون مُستمتعون،
وقال تعالى(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ )النور،
وهكذا يكون حال نور المؤمنين والمنافقين في يوم القيامة، فبينهم فرْقٌ شاسِع كما سترى في هذه الآية، قال تعالى(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ،يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ )الحديد،
المثال الرابع، مثال للدنيا في سورة الكهف،من أوَّل قوله تعالى(هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا)الكهف،
والآية دليل على أنَّ مَن جعَل وَلايته لغير الله مهما كانت، فحبله مقطوع ،ومخذول وله خَيبة الأمل، وإنَّما ولاية الحق لله، وهي خير ثوابًا وخير أملاً،
كما هي حالة الرجل الذي تَبرَّأ من الحول والقوة، وأسندَ كلَّ شيء لله،وتوكَّل على ربِّه وحدَه، وقال( مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)الكهف، فحَبله مَتين وماسِك بالعروة الوثْقى التي لا انفصام لها، وله خير الأمل والثواب في الدنيا والآخرة،
المثال الخامس،مثال للحق والباطل في سورة الرعد،قال تعالى( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَو مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ )الرعد،
وقد ذكَر الله سبحانه،أنَّ الباطل كالزَّبَد الذي سيَذهب جُفاءً لا قيمةَ له، بل ولا يُنتفَع به في شيء أبدًا، كما ذكَر الله أنَّ الحق كالماء الذي يَمكُث في الأرض، ويَنتفِع به العباد والبلاد، والشجر والدواب.
جاء في الحديث،عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري،أنه كان يحدِّث،أنَّ رسول الله،صلى الله عليه وسلم،مر عليه بِجَنازة،فقال(مُستريح ومُسترَاح منه)قالوا،يا رسول الله، ما المُستريح والمُستراح منه،قال(العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذآها إلى رحمة الله، والعبد الفاجِر يَستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب)
وقال تعالى( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ )الدخان،ويُفهم من هذه الآية أنَّ السماء والأرض تَبكي لموت المُوحِّدين الصالحين المُخلِصين، بل قد اهتزَّ عرش الرحمن بموت سعد، فهنيئًا لِمَن آمَن وسعد،
وهكذا تجد أنَّ أهل الحقِّ عندهم الخيريَّة المُطلَقة، وهم الجديرون،أن يُتبعوا، وأن يهدوا الناس إلى سُبل الخير والرَّشاد،
كما قال تعالى( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )
أمَّا المُكذِّبون للحقِّ، فتَجدهم في حَيرة وضلال وتَخبُّط، كما تَتجدَّد آراءهم وقوانينهم بين حين وآخر، فهم دائمًا في شطْبٍ وتعديل، وإضافات لا حصْرَ لها،
وقد قال الله،سبحانه وتعالى( بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ )ق،

اللهم اهدنا الى طريق الحق وإلى الصراط المستقيم وثبتنا عليه حتى نلقاك على ما تحب وترضى من عبادك المخلصين,
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ،
اللهم أرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتباعه, وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه،
امين يارب العالمين.