المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار سيدنا إبراهيم مع أبيه



امـ حمد
14-05-2014, 02:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قول الله،عز وجل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)
ثم ختمت(إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً) فجمع الله له بين الصديقية والنبوة،
والصديق صيغة مبالغة من الصدق،لشدة صدق إبراهيم في معاملته مع ربه، وصدق لهجته،إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ،
يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا،
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ،
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ،
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا،
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا،قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا، وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)مريم،
من خلال هذا الحوار القرآني، نلمسُ أن سيدنا إبراهيم،عليه السلام
فرأى من واجبه أن يخصه بالنصيحة، وأن يحذره من عاقبة الكفر،فخاطبه بلهجة أدب ورقة، مبيناً بالبرهان العقلي بطلان عبادته للأصنام،نهج حوارًا بنَّاءً مع أبيه، وناداه بصيغة،يَا أَبَتِ،أربع مرات،وتاء التأنيث في أبتِ يؤتى بها للتعظيم والتبجيل في النداء،
هذا، وقد استهلَّ إبراهيم،عليه السلام،في كل مرة نداءه بيا أبتِ، نصيحة إيمانية قدَّمها لأبيه،
بدأ هذه النصائح بتقديم البرهان العقلي لأبيه﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾أي،هذه الأوثان جَمَاد لا تسمعُ دعاء عابدها، ولا تُبصِر مكانه، ولا تجلب له نفعًا، ولا تدفع عنه ضرًّا،فلِمَ يا أبتِ تعبدُها، والعقل يرفضها،
ثم ثنَّى،عليه السلام،بهذه النصيحة﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾مريم،
ثم ثلَّث،عليه السلام،بنهي الأبِ عن عبادة الشيطان﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾
ورابع،ختم إبراهيم عليه السلام،بخاتمة نصائحه لأبيه آزر،وهي ،تخويفه سوء العاقبة﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾
هكذا كان خطاب الابن لأبيه،حيث تدرَّج معه في الدعوة، فبدأ معه بالأسهل فالأسهل، أخبره بعلمه، وأن ذلك مُوجِب لاتباعه إيَّاه، وأنه إن أطاعه اهتدى إلى صراط مستقيم، ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضارِّ،ثم حذَّره عقابَ الله ونِقمته،إن أقام على حاله،وأنه إن فعل فسيكون للشيطان وليًّا،
لكن مع هذا كله، فإن هذه الدعوة وهذا الأسلوب الدعوي لم ينفع،
بل أجاب بجواب جاهل،فقال﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ﴾
يعني،إن كنتَ لا تريد عبادتها ولا ترضاها، فانتهعن سبِّها وشتمها وعيبِها، فإنك إن لم تنتهِ عن ذلك، اقتصصتُ منك، وشتمتك وسببتك،وهو قوله﴿ لَأَرْجُمَنَّكَ ﴾﴿ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾
قال الحسن البصري،زماناً طويلاً،
وعندها قال له إبراهيم﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾أي،لا يصلك مني مكروه،
ولا ينالك مني أذى،بل أنتَ سالم من ناحيتي،
وزاده خيراً،فقال﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾وقد استغفر له إبراهيم،عليه السلام،كما وعده في أدعيته، فلما تبيَّن له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه،كما قال،تعالى﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾التوبة،
ما يستفاد من هذا الحوار،
فإن هذا الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السلام وبين أبيه آزر فيه عظة وعبرة لكل من تصدر لدعوة الناس،فليقتد بهؤلاء الدعاة الموفقين،المؤيدين من قبل الله،لأن الله قد أمر باتباع هديهم،بالدعوة إلى الله بالعلم والحكمة، واللين والسهولة،والصبر على ذلك،بالصفح والعفو،والتحلِّي بأعلى درجات الفضيلة ومنها الصدق،قال تعالى﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾مريم،
اللِّين في الكلام،وحسن الخلق في المعاملة،قال﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾
بيان ضعف وعجز المعبودات من دون الله تعالى،
النهي عن طاعة الشيطان،وأن طاعته تؤدِّي إلى عبادته،
من خلال هذا الحوار الناجح والهادف، الذي يروم إيصال الحق إلى الآخر، شكِّل وسيلة ناجحة لكل مَن يتصدى للدعوة والتبليغ في كل المجالات، بأسلوب لائق،وما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من نماذج الحوار القرآني الذي يسعفنا إلى بناء أفكار صحيحة معقلنة،ونتيجة إيجابية،
نسأل الله أن يحفظنا بحفظه، وأن يوفقنا لطاعته.