المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نفسه هي التي أشقته،ونفسه هي التي أسعدته



امـ حمد
01-06-2014, 04:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رجل كان لجاره ديك، قد وضعه على السطح قبالة مكتبه، فكلما عمد إلى شغله صاح الديك، فأزعجه عن عمله، وقطع عليه فكره،
فلما ضاق به بعث خادمه ليشتريه ويذبحه ويطعمه من لحمه، ودعا إلى ذلك صديقاً له، وقعدا ينتظران الغداء ويحدِّثه عن هذا الديك، وما كان يلقى منه من إزعاج، وما وجده بعده من لذة وراحة، ففكَّر في أمان، واشتغل في هدوء، فلم يقلقه صوته، ولم يزعجه صياحه،
ودخل الخادم بالطعام معتذراً،إن الجار أبى أن يبيع ديكه، فاشترى غيره من السوق،
فانتبه،فإذا الديك لا يزال يصيح،
فكّر هذا الفيلسوف العظيم الذي قد شقي بهذا الديك لأنه كان يصيح،وسعد به وهو لا يزال يصيح،ما تبدَّل الواقع،
ما تبدَّل إلا نفسه،فنفسه هي التي أشقته لا الديك،ونفسه هي التي أسعدته،
وقال،ما دامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا،
وما دامت قريبة منا فلماذا نبعدها عنَّا،إذ نمشي إليها من غير طريقها،ونلجها من غير بابها،
إننا نريد أن نذبح،الديك،لنستريح من صوته ولو ذبحناه لوجدنا في مكانه مائة ديك،
لأن الأرض مملوءة بالديكة،فلماذا لا نرفع الديكة من رؤوسنا،
إذا لم يمكن أن نرفعها من الأرض،
لماذا لا نسدُّ آذاننا عنها إذا لم نقدر أن نسدَّ أفواهها عنَّا،
لماذا لا نجعل أهواءنا وفق ما في الوجود إذا لم نستطع أن نجعل كل ما في الوجود وفق أهوائنا،
تنام في بيتك فلا توقظك صوت السيارات في الشارع،ولا أبواق السيارات،وتوقظك همسة في جوِّ البيت،وخطوة خفيفة،
فإن نمت في الفندق لم يوقظك شيء وراء باب غرفتك،
فكيف احتملت هنا ما لم تكن أحتمله هناك،
فأنت لا تسمع أصوات الشارع مع أنها أشد وأقوى، وتسمع همس من في البيت وهو أضعف وأَخفت،لأنك أدخلته نفسك،فسمعته على خفوته،فلماذا لا تصرف حسَّك عن كل مكروه،إنه ليس كل ألم يدخل قلبك،ولكن ما أدخلته أنت برضاك،وقبلته باختيارك،
إنها أوهام،ولكن الحياة كلها أوهام تزيد وتنقص،ونسعد بها ونشقى،
يمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد،فيتشاءم هذا ويخاف،ويتصور الموت،فيكون مع المرض على نفسه،فلا ينجو منه،
ويصبر الثاني ويتفاءل ويتخيل الصحة،فتسرع إليه،ويسرع إليها،
وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري، أصيب في أواخر عمره بتوهم أن في أمعائه ثعباناً، فراجع الأطباء، وسأل الحكماء؛ فكانوا يدارون الضحك حياءاً منه، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود، ولكن لا تقطنها الثعابين، فلا يصدق، حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب، بصير بالنفسيات، قد سَمِع بقصته، فسقاه مسهِّلاً وأدخله الحمام (أعزكم الله)وكان وضع له ثعباناً فلما رآه أشرق وجهه، ونشط جسمه، وأحس بالعافية، ونزل يقفز قفزاً، وكان قد صعد متحاملاً على نفسه يلهث إعياءاً، ويئن ويتوجع، ولم يمرض بعد ذلك أبداً،
ما شَفِي الشيخ لأنَّ ثعباناً كان في بطنه ونَزَل، بل لأن ثعباناً كان في رأسه وطار،لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة، وإن في النفس الإنسانية لقوى إذا عرفتم كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب،
تنام هذه القوى،فيوقظها الخوف أو الفرح،أن أصبح مريضاً،خامل الجسد،واهي العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب فرأى حيَّة تقبل عليه،ولم يجد من يدفعها عنه، فوثب من الفراش وثباً،كأنه لم يكن المريض الواهن الجسم،
أو رجع إلى بيته،وقد هَدَّه الجوع والتعب،لا يبتغي إلا كرسياً يطرح نفسه عليه فوجد كتاباً مستعجلاً من الوزير يدعوه إليه ليرقي درجته، فأحسَّ الخفة إلى مقر الوزير،
هذه القوى هي منبع السعادة، تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيَّاً عذباً، فتتركونه وتستقون من المياه العكرة،
إنكم أغنياء ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها،احتقاراً لها،
يصاب أحدكم بصداع أو مغص، أو بوجع ضرس فيرى الدنيا سوداء مظلمة،
فلماذا لم يرها لما كان صحيحاً،بيضاء مشرقة،
ويحمى عن الطعام ويمنع منه، فيشتهي لقمة الخبز واللحم،
ويحسد من يأكلها، فلماذا لم يعرف لذتها قبل المرض،
لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها،
قصة الملك المريض الذي كان يُؤْتى بأطايب الطعام فلا يستطيع أن يأكل منها شيئاً، لماَّ نظر من شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون،يدفع اللقمة في فمه، ويتناول الثانية بيده، فتمنى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانياً،
فلماذا لا تُقدِّرون ثمن الصحة،أَما للصحة ثمن،
لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهباً كثيراً،
أليس البصر من ذهب، والصحة من ذهب، والوقت من ذهب، فلماذا لا نستفيد من أوقاتنا،لماذا لا نعرف قيمة الحياة،
إن الصحة والوقت والعقل،كل ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد،
وملاك الأمر الإيمان، الإيمان يشبع الجائع،ويغني الفقير، ويسلي المحزون،ويقوِّي الضعيف، ويُسخِّي الشحيح، ويجعل للإنسان من وحشته أنساً، ومن خيبته نجحاً، وأن تنظر إلى من هو دونك، فإنك مهما ساءت حالك، أحسن من آلاف البشر ممن لا يقل عنك فهماً وعلماً، وحسباً ونسباً،
إنكم سعداء ولكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها، سعداء إن سددتم آذانكم عن صوت الديك،سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم،
سعداء إن كانت أفكاركم دائماً مع الله، فشكرتم كل نعمة، وصبرتم على كل بليَّة فكنتم رابحين في الحالين.

عطر فرنسي
01-06-2014, 07:34 AM
جزاج الله الف خير

كل الشكر

امـ حمد
01-06-2014, 02:41 PM
جزاج الله الف خير

كل الشكر
الشكر لله اخوي عطر فرنسي
بارك الله في حسناتك
وجزاك ربي جنة الفردوس