المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدرس الأخير...



عمرو بن بحر
15-09-2014, 10:41 PM
الدرس الأخير...

90105

12 مايو 1890 ميلادي، مقاطعة "سازلورين" الفرنسية على الحدود الألمانية.
ذهب "فرانز" إلى مدرسته الابتدائية وبعد أن حضر طابور الصباح قرَّر أن يهرب
من المدرسة في ذلك اليوم. فرانز طالبٌ كسول، لا يكاد يذاكر دروسه ويكره درس
اللغة الفرنسية. كلفه مدرس اللغة لفرنسية السيد "هاميل" بواجب منزلي عن الفعل
الماضي، لكن فرانز لم يُنجز واجبه ولم يحضر للدرس. في ذلك اليوم كان الجو
دافئًا، والشمس قد ألقت بردائها على الريف الفرنسي الجميل والطيور تغرد على أطراف الغابة.

سحر الطبيعة الخلاب بالإضافة إلى عدم إنجاز الواجب، جعلا فرانز يقرِّر الهروب من المدرسة
للاستمتاع بالغابة والبحث عن بيض الطيور والسباحة في النهر!

ولى فرانز هاربًا من المدرسة وعزم على أن لا يعود إلى المدرسة من يومه هذا، وبينما هو
يقضي يومه الجميل في الغابة مستمتعًا بأصوات الطيور وهدير المياه إذ بدا له أن يعود إلى
المدرسة ويحضر درس السيد "هاميل" في الفرنسية، فعاد مسرعًا من الغابة إلى المدرسة،
وبينا هو يعدو إلى المدرسة إذا بالسيد "واتشر" الحداد مع جمعٍ من الناس قد تزاحموا والتفوا
حول شيءٍ ما، لعلها لوحة مكتوبٌ عليها شيء.
لم يستطع فرانز رؤية تلك اللوحة لكن الحداد "واتشر" نظر إليه وقال له بتهكم: "لا تسرع
يا فرانز للمدرسة، فلديك الكثير من الوقت لتتعلم"!
لم يعِ فرانز معنى قول السيد "واتشر"، لكن من نبرة صوته ظنه يسخر منه، فاستمر
في الجري نحو المدرسة.

اقترب فرانز من المدرسة وتعجب من الهدوء الشديد وكأنه في يوم الأحد، وجد جمعًا من الناس
خارج المدرسة يعتريهم الصمت والحزن الشديد ويقرؤون لوحة كُتب عليها شيء ما. لم يستطع
رؤية تلك الكتابة من ازدحام الناس عليها، فدخل إلى المدرسة وكله خوف من أن يكشف أحدٌ
أمره.

صمتٌ عام مريب يعتري المدرسة، دلف إلى الفصل وقفز فوق الطاولات حتى وصل إلى مقعده فجلس
بهدوء ونظر إلى معلمه السيد هاميل الذي قال له مبتسمًا: "اجلس يا فرانز فقد كدنا نبدأ الدرس بدونك".
فوجئ فرانز بأن الفصل ممتلئ على غير عادته، وتعجب كذلك إذ رأى السيد "هاميل"
يرتدي معطفه الأخضر الجميل وكأنه يحضر عرسًا وتعلوه قبعة حريرية سوداء وكأنه يتأهب
لاستلام جائزة أو كأنه يومٌ من أيام التفتيش ونحن بصدد دخول المراقب علينا!

زاد من دهشته رؤية أناس من القرية يجلسون بهدوء تام في نهاية الفصل، بل ويجلس
معهم العمدة الحالي والعمدة السابق ومدير مكتب البريد السابق وبعض كبار ووجهاء القرية،
كان الجميع يبدو عليهم الحزن وكان بينهم كذلك السيد هوسر، وهو عجوز لا يجيد القراءة
أو الكتابة، وكان بيده كتاب مبادئ القراءة القديم، وهو كتاب ممزق وملوث وكان قد أمسكه
مفتوحًا ويحاول النظر فيه مستعينًا بنظارته الكبيرة.

بينا فرانز في حيرة وقد أصابه العجب الشديد قام الأستاذ السيد "هاميل" وصعد على كرسي
وقال بنبرة حزينة:
أطفالي هذا درسي الأخير أقدمه لكم، فقد استولت ألمانيا على فرنسا، وأحكمت السيطرة
على إقليم "سازلورين"، ووصلت التعليمات من برلين بمنع تدريس اللغة الفرنسية أو تعليمها
بعد اليوم، غدًا سيأتي لكم المدرس الجديد ليدرس لكم اللغة الألمانية وهذا آخر درس لي في اللغة
الفرنسية، فأصغوا إليَّ جيدًا!

وقعت كلماته على الجميع كالصاعقة، وفوجئ الطلبة، وبدأ بعضهم بالبكاء.
إذن هذا ما كان مكتوبًا على اللوحة في الطريق!

بدأ الأسى والندم يعتري فرانز وبدأ يقول:
"يا إلهي أنا بالكاد تعلمت القراءة والكتابة، فالآن أتعلم لغة أخرى غير لغتي! كم أنا حزين!
كتبي التي كانت تبدو مزعجة منذ قليل، وثقيلة جدًّا عليَّ، درس أستاذي "هاميل" الذي فررتُ منه،
كتاب القديسين الفرنسيين القدامى... كل ذلك سيذهب من الغد!
شعر فرانز بالندم الشديد على تفريطه في تعلم الفرنسية، وظل يفكر هل بحثه عن الطيور
وانزلاقه على مياه النهر الجميل، كان خيرًا له من درس الفرنسية؟!
ليس هو فحسب، بل جميع كبار السن في القرية تزاحموا في فصل السيد "هاميل" نادمين
يحاولون تحصيل ما استطاعوا من علم في آخر درس للغة الفرنسية.

بل إن بعضهم كان يقتسم كتاب القراءة مع صغار الطلبة في محاولة لتعلم قراءة الفرنسية
ودموعه تملأ مقلتيه حزنًا على لغتهم، شعر فرانز بالحب لذلك المعلم الذي لبس أجمل
ملابسه احترامًا للغته وتوديعًا لها، وشعر بما شعر به أهل تلك القرية الذي قدموا ليُظهروا
الامتنان لذلك المعلم الذي خدم لغتهم مدة أربعين عامًا وأظهروا احترامهم لبلدهم
الذي ينتمون إليه والذي سُلب منهم في طرفة عين ولغتهم التي بعد ساعات ستكون شيئًا
من الماضي وتندثر.
وفي لحظة تفكُّر فرانز في التغيرات التي حدثت في المدرسة وفي مدينته إذا بالأستاذ هاميل
ينادي باسم فرانز ويقول له:
"إنه دورك في تسميع قاعدة اسم المفعول".

وقف فرانز وبدأ يُسمِّع تلك القاعدة وقلبه يدق من الخوف وترتعد فرائصه أمام الجميع، لكنه
ما لبث أن بدأ يخلط
بينها وبين القواعد النحوية الأخرى، لأنه لم يحضر درس المراجعة الذي كان في الصباح
الباكر. لم يستطع رفع رأسه والنظر إلى الأستاذ خجلًا، عندها سمع الأستاذ يقول:
"لن أقوم بتوبيخك عزيزي فرانز، يكفي شعورك بما أنت فيه من سوء".
كل يوم كنا نقول:
"لدينا متسع من الوقت، سوف أتعلم ذلك غدًا، والآن انظروا إلى ماذا وصلنا؟
هذه مشكلة إقليم سازلورين الكبرى، نؤجل التعليم حتى الغد، والآن يحق لهؤلاء الرفاق
في الخارج أن يقولوا:
"كيف لكم أن تدَّعوا أنكم رجال فرنسيون وأنتم لا تستطيعون أن تتحدثوا
أو تكتبوا لغتكم؟! ولكنك لست وحدك يا عزيزي فرانز، كلنا يستحق أن يلوم نفسه؟

لم يحرص والداك بشدة على تعليمك، فضلا عن أن يرسلاك للعمل في المزرعة أو
الطاحونة، لكي يحصلوا من ورائك على بعض المال؟
أنا أيضًا أستحق اللوم، ألم أرسلك في كثير من الأوقات لكي تسقي الزهور بدلًا من
أن أعلمك دروسك؟ وعندما كنتُ أشتهي الذهاب إلى الصيد ألم أعطِ الفصلَ إجازة؟
ثم أردف الأستاذ هاميل قائلاً:
"إن اللغة الفرنسية هي أجمل لغة على الإطلاق وأوضحها وأكثرها أهمية.
يجب علينا الحفاظ عليها وأن لا نفرط فيها على الإطلاق، لأن الناس إذا استُعبدوا
فإن المفتاح الوحيد لهم الذي يُخرجهم من سجن العبودية هو لغتهم".

فتح الأستاذ هاميل الكتاب وشرع يشرح لنا الدرس، وكنت مندهشًا لاستيعابي لكل
ما قاله والفهم الجيد لكل ما يقول،
وكأني أحضر درسه لأول مرة في حياتي فقد كنت أنصت وأصغي باهتمام شديدين. كان يشرح
بصبر شديد لم يشرح شرحًا مثل ذلك قط، وكأنه كان يريد أن يعطينا كل ما لديه دفعة واحدة
قبل وداعنا. وبعد أن شرح القواعد، شرع في شرح درس الكتابة. كان الفصل منصتًا تمامًا في
هدوءٍ شديدٍ حتى تكاد أن تسمع أصوات احتكاك الأقلام بالأوراق.

كنت أسمع صوت غناء العصافير على الشجر في الخارج فكنت أتساءل هل سيغنون من غدهم
باللغة الألمانية؟
وهل سيمنعهم الجنود الغناء بالفرنسية؟

بعد درس الكتابة ألقى علينا درسَ التاريخ وعند ذلك غنى الأطفال أغنيتهم: با بي بي بو بو.
كان "هوسر" العجوز في آخر الفصل يحاول أن يتهجَّى الحروف مع الطلبة ويضع
النظارات على عينيه وكتاب مبادئ القراءة في يده، تستطيع أن تقول إنه كان يبكى
أيضًا، فصوته كان يرتجف بالعاطفة الجياشة، وكنا نسمعه ونضحك ونبكي في نفس الوقت.
آه كم هو جميل وأنا أتذكر ذلك الدرس الأخير!
وبعد لحظات دقت ساعة الكنيسة الثانية عشرة لصلاة البشارة وفي نفس الوقت كان الجنود
الألمان قد عادوا من تدريبهم واقتربوا من نافذة الفصل.

قام الأستاذ هاميل وأراد أن يقول لنا شيئا، وقد اغرورقت عيناه بالدموع، يعلوه حزن شديد
وقد امتقع وجهه من الألم والأسى. حاول الكلام، لكنه استعبر ولم يستطع أو خشي سماع
الجنود حديثه باللغة الفرنسية، فتناول قطعة تباشير ثم استدار إلى السبورة واستجمع قواه
وكتب بخط كبير جدًّا:
فيفا لا فرانس (عاشت فرنسا).

ثم توقف وأسند رأسه إلى الحائط، دون أن يتحدث إلينا، وحرك جسده وأشار بيده نحونا
كأنه يقول: "انتهى اليوم الدراسي... لكم أن تنصرفوا".
نقلتها بتصرف من الكاتب الفرنسي ألفونس دوديه (1840 1898م).

90106

القصة بالفيديو (انجليزي)


https://www.youtube.com/watch?v=vBLJLv6Pqwg

سلطان الوجيه

ودي أكون
15-09-2014, 11:03 PM
قصه معبره .. قرأتها للاخير

R 7 A L
15-09-2014, 11:05 PM
قصة رائعة
يجب علينا ان نستفيد منها
وان لا تؤجد عمل اليوم للغد

اشكرك