المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية باب ..!



خالد البلوشي
01-11-2014, 06:26 PM
من المقالات التي احتفظ بها و لا أمل قراءتها .. هذا المقال الرائع للكاتب المبدع محمد الرطيان ..




مثل كل الأبواب الخشبيّة.. كنت (مقطوعاً من شجرة)!

لم أشعر باليتم، ولم أشعر بالغضب من الجرّافة التي اقتلعتني، أو من فأس الحطّاب الذي انتزعني من أهلي.. من موطني الأول / الغابة.

حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون "الباب الرئيسي" لهذا المنزل الريفي الصغير. في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة، وكانت خطوات الصغيرة "سارة" تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي... وحدها "سيدة " المنزل ستعاتب " سارة " لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي " السيّد " بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة.

شعرت أن هناك علاقة ما بدأت تنمو بيني وبين "السيدة".. كانت لمستها لي مختلفة.. كنت أشعر بالدفء والأمان عندما تفتحني وتغلقني. قامت بتزييني من الداخل بعمل فني على شكل سجادة أنيقة.. ومن الخارج كانت تـُعلـّّق على صدري كل فترة بعض الأزهار التي تقطفها من الحديقة الصغيرة.. كنت أقنع نفسي أن هذه الأزهار عُلقت على صدري لأجلي.. لا لأجل الضيوف!... كم أكره بعض الضيوف والزوار الثقلاء وطرقاتهم الغبية.. ولكن.. أصدقاء وصديقات " السيدة " أحبهم.. حتى وإن " طرقوني " بعنف أحياناً.

تمر السنوات، وأشعر أنني أصبحت جزءا ً من هذه العائلة.

كنت أرى " السيدة " وهي تكبر.. وأرى الطفلة "سارة " وهي تنزع ثياب طفولتها وتتحوّل إلى صبيّة فاتنة.

ذات عام - وكم كان حزينا ً هذا العام - رحل " السيّد " الذي خطفه الموت، ورحلت " سارة " لتكمل دراستها الجامعية في المدينة البعيدة.
بقينا وحدنا : أنا و"السيدة"..

كنت أراها وهي تذبل أمامي وتفقد نضارتها، ومع هذا كنت – كل يوم – أنتظر بفارغ الصبر لمستها لي عندما تفتحني في الصباح.. كانت تلك اللمسة تشبه " صباح الخير ". اعتادت في الفترة الأخيرة أن تشرب قهوتها بجانبي.. تسحب كرسيا ً خشبيا ً وتجلس بالشرفة..( كم أحسده، وكم تمنيت لو أنهم صنعوني كرسيا بدلا من باب ! ).. أظنها تفكر بـ"سارة".. وتتذكر "السيّد"... ورغم أنني نصف مفتوح إلا أنني أنشغل عن داخل المنزل بالنظر إلى خارجه.. إليها !

في ليالي الشتاء، كانت تجلس في الصالة تقرأ كتابا ً، وكنت أبتهج لرؤيتها بقربي.. ورغم العواصف والبرد والأمطار التي تضرب ظهري من الخارج إلا أنني كنت من الداخل أشعر بالفرح والدفء.

في أحد الأعوام (لا أدري متى بالضبط، فذاكرتي توقفت في ذلك اليوم) أتى بعض الغرباء – وبعد سلسلة طرقات عنيفة – ضربوني بقوة.. وبعد همهمات وحوار مرتبك.. دخلوا غرف المنزل يفتشونها.. بعد دقائق خرجوا من المنزل وهم يحملون " السيدة " على نقالة.. خرجت دون أن تلتفت لي أو تلمسني أو تودعني بأي شكل.

مرّت سنوات لم يطرقني أحد. ولم تـُعلّق الأزهار على صدري.

كبرت.. وصار صوتي بشعا ً لكثرة الصرير الذي يحدثه.

ضعفت مفاصلي.. وصار العث يأكل أطرافي..

وتآكلت من البرد والوحشة والوحدة وتبدل الفصول.

و.. ذات صباح ربيعي بارد : أقبلت نحوي سيدة يرافقها شاب أطول منها وأصغر من عمرها.

"كأنني أعرف هذه الملامح ".. اقتربا.. " كأنني أعرف إيقاع هذه الخطوات".. و.. ما أن لمستني حتى سقطت على الأرض!

الأشياء حولي تظن أنني سقطت لأن أطرافي تآكلت ومفاصلي أصابها الصدأ.. لا.. بل لأنني عرفت هذه اللمسة.. إنها تشبه لمسة "السيدة".. ولم لا؟.. طالما أنها من ابنتها "سارة " والتي يرافقها ابنها الشاب. أتت به لتزور منزل العائلة المهجور.

بعد جولة صغيرة في أرجاء المنزل.. وبعد أن هب هواء شديد البرودة.. جمع الشاب بعض الأوراق المتناثرة ورمى بها في المدفأة القديمة ليشعل نارا ً تجلب الدفء لأمه .

نظر حوله.. واتجه صوبي.. وأخذ يـُكسّر أطرافي ويرمي بها في النار!

هيلو كيتي
04-11-2014, 09:25 AM
شكرا استاذ خالد ,,

قصه جميله وفيها عبره

لكن ..

عندي سؤال من فضلك ,,,

ماهو الدافع لتكرار قراءة هذه القصه ؟

خالد البلوشي
04-11-2014, 04:29 PM
شكرا استاذ خالد ,,

قصه جميله وفيها عبره

لكن ..

عندي سؤال من فضلك ,,,

ماهو الدافع لتكرار قراءة هذه القصه ؟



أهلا وسهلا أختي الفاضلة هيلو كيتي

لوهلة شعرت بأني طرحت الموضوع في المكان الخطأ ..

و لكنك بكرم حضورك أزلتِ عني هذا الشعور ..

أما الدوافع فهي كثيرة و لعل من أهمها هو أن لي عادة في احتفاظ واقتناء كل ما أستطعم جماله في نفسي .. سواء كان مقالاً أو قصة أو رواية أو بالقصائد و حتى بالأعمال السينمائية و إلخ ..

و لأن الذائقة لا ترى الجمال إلا بالقليل أجد ما أستطعمه ككنز يجب الاحتفاظ به و استطعامه باستمرار ..

و على سبيل المثال .. فيلم الحالة المحيّرة لبنجامين بوتون... شاهدتهُ مراراً و تكراراً لما يحمله من بُعد فلسفي عميق في الحوارات التي تدور من خلالها أحداث هذا الفيلم الجميل .. و هكذا أقوم مع كل مادة تترك الأثر في ذائقتي .. خصوصا و إن ميولي تنصب في أفق الفكر و فضاءات الأدب ..

لك الشكر و معه فيض من التقدير أختي الكريمة ..

نفسي عزيزه
04-11-2014, 05:24 PM
قصه جميله وفيها عبره

تشكر استاذ خالد :shy:

الجـــوديّ
05-11-2014, 01:40 AM
مقــــال رائــــع حــد الفخـــامـــة !

لطالما لفتت انتباهي الأبواب الخشبية وبخاصة العتيقة التي يفوح منها عبق الماضي ...
وترتسم عليها الذكريات بقدر مالُمست وفُتحت..
... لابد أن يكون لي عندها محطة تأمل لما تحمله من أغواء ساحر.

أعترف بأن المقال آسرني بلغته وجمال مكنونه ..!

اختيار موفق أستاذ خالد ... لك من الشكر أجزله،،

خالد البلوشي
05-11-2014, 02:00 PM
قصه جميله وفيها عبره

تشكر استاذ خالد :shy:


أهلا بالأخ الكريم نفسي عزيزة ..

ثناؤك و حضورك يعكس في قلبي صدى يملؤه الطيب

فشكراً لكل أثرٍ جميل تتركه فيني .. و بوركت سيدي الفاضل ..

بوحارب
05-11-2014, 02:06 PM
بووليد انا ماقرى مواضيع طويلة <<< من الكسل :(

بس داش اسلم عليك ;)

خالد البلوشي
05-11-2014, 02:07 PM
مقــــال رائــــع حــد الفخـــامـــة !

لطالما لفتت انتباهي الأبواب الخشبية وبخاصة العتيقة التي يفوح منها عبق الماضي ...
وترتسم عليها الذكريات بقدر مالُمست وفُتحت..
... لابد أن يكون لي عندها محطة تأمل لما تحمله من أغواء ساحر.

أعترف بأن المقال آسرني بلغته وجمال مكنونه ..!

اختيار موفق أستاذ خالد ... لك من الشكر أجزله،،



مرحبا بالأخت الكريمة و الراقية الجودي ..

أُشاركك هذا الإنطباع حول الأبواب العتيقة .. فعبق الماضي يعكس ببساطته الطيبة في دواخلنا ..

وللأبواب أسرارٌ لا يفهمها إلا من تعامل معها ..

أحد البوّابين في أحدى الشركات عندما تقاعد من عمله قال : بعد ثلاث عقود من فتح و قفل الأبواب ها هي يدي كلت وتعبت و لكن قلبي ما زال مفطور بحب هذا الباب الذي بادلني الشعور ذاته مع كل ملامسة ..

و قد واساه المدير بعد أن ضغط على يديه قائلاً له : هذا الباب لن يجد من يتعامل معه بمثل حنيّة ملامستك له ..

مهنة بسيطة و يدور معها حوار عميق وله بُعد لا يكشفه إلا من يعيش تفاصيل الحياة بقناعة ..

لك أصدق التحايا و التقدير أختي الجودي ..

بو الجوري
05-11-2014, 02:08 PM
بووليد انا ماقرى مواضيع طويلة <<< من الكسل :(

بس داش اسلم عليك ;)

رزيل هههههههههههههههه




تحياتي لك يالسمي وتسلم عالموضوع

خالد البلوشي
05-11-2014, 02:11 PM
بووليد انا ماقرى مواضيع طويلة <<< من الكسل :(

بس داش اسلم عليك ;)



حياك الله يا بو حارب و الله يسلمك من كل شر ..

المواضيع الطويلة تحتاج دلة كرك تكيّف عليها مع القراءة ..

منوّر يا الغالي .. :victory:

خالد البلوشي
05-11-2014, 02:15 PM
رزيل هههههههههههههههه




تحياتي لك يالسمي وتسلم عالموضوع



الله يسلمك يا بو الجوري ..

حضورك يزرع البهجة و السعادة .. :victory:

لك أجمل و أطيب تحية ..