المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرضا جنة المؤمنين



امـ حمد
04-12-2014, 02:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ولرحمة الله وبركاته
الرضا جنة المؤمنين
قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة،وكان قد كُفَّ بصره،فجاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يدعو له،
فقال عبد الله بن السائب،فأتيت سعد بن أبي وقاص وأنا غلام،فتعرفت عليه فعرفني وقال،أنت قارئ أهل مكة،قلت،نعم،فقلت له يا عم،أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك،فتبسم وقال،يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري،
إنه الرضا الذي وطَّنوا أنفسهم عليه،بحيث صارت أقدار الله عز وجل أحبَّ إليهم من هوى أنفسهم،بل صاروا لا يهوون غيرها،حتى قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله،
ما لي هوىً في شيء سوى ما قضى الله عز وجل،
ومما يدل على علوِّ قدر الرضا أن النبي صلى الله عليه وسلم،سأل الله الرضا بالقضاء،ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم،لا يسال ربه إلا أعلى المقامات،
إن الرضا هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردد في ذلك ولا معارضة، وهذا مطلوب القوم السابقين، يقف العبد حيثما وقفه ربه لا يطلب تقدماً ولا تأخراً،
وكان السلف رضي الله عنهم يتواصون بالرضا وتربية النفس،لعلمهم بعلو منزلته، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه،يكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيقول(أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر)
وكان من وصايا لقمان عليه السلام لولده(أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه،أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت)
إن من وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلاً، كيف وقد رضي الله عنه ورضي هو عن الله،إن الله عز وجل يقول(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وقد فسرها بعض السلف بأنها حياة الرضا والقناعة،
ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لزوجته عاتكة رضي الله عنهما (والله لأسوأنك،وكان قد غضب عليها،فقالت،أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذ هداني الله له،قال،لا،قالت،فأيُّ شيء تسؤني به إذاً) تريد أنها راضية بالقدر لا يسؤها منه شيء ولا سبيل له إليه،
صحة الرضا عن الله بثلاثة شروط،
الأول،استواء النعمة والبلية عند العبد،لأنه يشاهد حُسنَ اختيار الله له،ومن هذا الباب ما حدث مع بعض السلف حين ابتلوا بالشدائد فصبروا لها، وظهر منهم الرضا،
فهذا عمر بن عبد العزيز يموت ولده عبد الملك فيدخل عليه سليمان بن الغاز معزيًّا، فيقول له عمر(وأنا أعوذ بالله أن يكون لي محبةٌ في شيء من الأمور يخالف محبة الله)
وعن إبراهيم النخعي،أن أم الأسود قُعدت من رجليها،فجزعت ابنةً لها، فقالت،لا تجزعي ياأبنتي،اللهم إن كان خيراً فزده،
الثاني، سقوط الخصومة عن الخلق إلا فيما كان حقاً لله ورسوله، فالمخاصمة لحظ النفس تطفئ نور الرضا وتُذهب بهجته، وتُبدِّل بالمرارة حلاوته،وتكدر صفوه،
الثالث،الخلاص من الإلحاح في مسألة الخلق،قال الله تعالى(يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً)البقرة،
وعن ثوبان رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة قال،قلت،أنا قال،لا تسأل الناس شيئاً)فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد، ناولنيه حتى ينزل فيتناوله)رواه أحمد،الرضا ذروة سنام الإيمان،
قال أبو الدرداء رضي الله عنه،ذروة سنام الإيمان أربع،
الصبر للحكم، والرضا بالقدر،والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل،
وقال ابن القيم رحمه الله،الرضا من أعمال القلوب،
نظير الجهاد من أعمال الجوارح،فإن كل واحد منهما ذروة سنام الإيمان،
فإن الله عز وجل لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيراً له، ساءه القضاء أو سره،فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء،
وقال بعض السلف،لو قرض جسمي بالمقاريض كان أحب إلي من أن أقول لشيئ قضاه الله ليته لم يقضه،
وهذه كانت حال السلف،ولن يجد العبد حلاوة الإيمان إلا بهذا(ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً)
ومن آثار الرضى،أن يعلم العبد أن رضاه عن ربه سبحانه وتعالى،في جميع الحالات يثمر رضا ربه عنه،ويوجب له الطمأنينه وبرد القلب وسكونه وقراره،وأن السخط يوجب اضطراب قلبه وريبته وانزعاجه وعدم قراره،وينزل عليه السكينة،ومتى نزلت عليه السكينة استقام وصلحت أحواله وصلح باله،
أن الرضا يفتح له باب السلامة فيجعل قلبه سليماً نقياً،ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم،
أن من ملأ قلبه من الرضا بالقدر ملأ الله صدره غنى وأمنا ًوقناعة وفرغ قلبه لمحبته، والإنابة إليه والتوكل عليه،والرضا يثمر الشكر،الذي هو من أعلى مقامات الإيمان بل هو حقيقة الإيمان،الراضي واقف مع اختيار الله له، معرض عن اختياره لنفسه،والتوكل واليقين والإستسلام لله والإعتماد عليه كما قال تعالى(قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا)التوبة،وإن مما يقوي الصبر على الشدائد يقين العبد أن ماأصابه يكون تكفيراً لذنوبه أو سبباً لنعمه لاتنال إلا بذلك المكروه،
وذلك لأن الذي يوقن بحكمة الله عزوجل ورحمته في كل مايقضيه من أقضية كونيه وشرعية يعلم علم اليقين أن لله عزوجل الحكمة البالغة في إعطاء من يشاء، ومنع من يشاء، وإعزاز من يشاء، وإذلال من يشاء،
إن المؤمن الراضي بربه والموقن بحكمته ولطفه لاتجده إلا قانعاً بما آتاه الله عزوجل، مطمئناً إلى اختيار الله سبحانه له، لأنه عزوجل أعلم بما يصلح للعبد من نفسه،
فاللهم رضِّنا بقضائك وبارك لنا في قدرك، حتى لا نحب تعجيل شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجلته.

الحسيمqtr
05-12-2014, 10:29 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
05-12-2014, 03:55 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك أخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس