المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً



امـ حمد
25-12-2014, 03:33 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا
كلمة سيقولها يوم القيامة الخاسرون، المشركون، المفرطون، الخائبون،المفلسون، الطغاة، فبعد أن قبلوا بأن يُخدعوا في الدنيا برضاهم وهم بكامل قواهم العقلية،سيرون الحقيقة عين اليقين يوم القيامة، فيقولون قولتهم(لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)
وأصل هذه الكلمة وردت في القرآن الكريمï´؟وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ï´¾النبأ،
فلماذا يقول الكافر يوم القيامة هذا الكلام،
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما،قال(إذا كان يوم القيامة مُدَّت الأرض مدَّ الأديم،وحَشرَ اللهُ الخلائق، الإنسَ والجنَّ والدواب والوحوش، فإذا كان ذلك اليوم جعل الله القصاص بين الدواب،حتى تقتص الشاة الجماء من القرناء بنطحتها، فإذا فرغ الله من القصاص بين الدواب،قال لها،كوني تراباً، فتكون تراباً فيراها الكافر،فيقول(يا ليتني كنت تراباً)صحيح مسلم،والبخاري،
فالذي يتمنى يوم القيامة أن يكون تراباً، كأنه يتمنى أن لو كان حيواناً، يُعلف ويُركب وربما يُؤكل، لأن الحيوانات بعد الاقتصاص من بعضها البعض يوم القيامة، يجعلها الله تعالى تراباً، فعندما يرى الكافر هذه النهاية التي يراها سعيدة بالنسبة لأمثاله،لهول العذاب الذي ينتظره ويراه بأم عينه يتمنى لو أنه كان تراباً،
وهذا الغافل الجاهل ومن غير أن يدري كان قد وضع نفسه مقام الحيوان في حياته الدنيا، لأنه لم يستخدم عقله في التمييز بين الحق والباطل، ولم يفرِّق بين لذة عبادة الله تعالى وبين مرارة معصيته، لم ينصاع لنداء الفطرة التي جعلها الله تعالى في قلبه بأنه يحب الفضيلة ويكره الرذيلة،
وحتى هذه الفرصة التي يمنحها الله تعالى لبعض مخلوقاته بأن يعيدها تراباً رحمة بها، إنما هي لمخلوقات خلقها الله تعالى حيوانات،
ومتى يتمنى أن يكون تراباً،يتمنى أن يكون تراباً ذلك الذي ينافق أمام الناس، فيظهر البراءة والفضيلة ويتكلم بها ويدعو الناس لها، وحين يختلي بنفسه يجترح كل المعاصي التي كان ينهى الناس عنها، ويتخلى عن كل الفضائل التي كان يأمرهم بها،
مثلُ هذا ستُشق بطنه وتقع أحشاؤه في جهنم، فيدوس عليها برجليه،ويدور عليها كالحمار، فيجتمع عليه هذا الألم الرهيب مع ألم نار جهنم العظيم،مع ألم الفضيحة،
فلئن يكون هذا تُراباً لهو أهون عليه من هذا العذاب الأليم،
فعن أسامة بن زيد،رضى الله عنه،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار،فتندلق أقتابُه في النار،فيدور كما يدور الحمار برحاه،فيجتمع أهل النار عليه فيقولون،أي فلان ما شأنك،
أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر،قال،كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه،وأنهاكم عن المنكر وآتيه)صحيح البخاري،
سيتمنى أن يكون تراباً، ذلك الذي كان يلبس ثياب الدين والتقوى (ظاهراً)يخدع الناس ليأخذ أموالهم زوراً وخديعة،وذلك الذي يكنز أمواله ولا ينفق بعض منها في سبيل الله تعالى،فسيؤتى بالأموال وتسخن ثم تسخن حتى تحمر ثم تبيض ثم تسود من شدة الحرارة، فيُكوى بها في أكثر المناطق تحسساً في الجسم، سيُكوى في منطقة الجبهة والوجه والجنب من أجل المزيد من الألم،
يقول تعالىï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ،يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ï´¾التوبة،
لا شك أن المتكبرين في الدنيا سيكون لهم حظ وافر من تلك الأمنية يوم القيامة، فيتمنون أن لو كانوا تراباً أكثر من غيرهم،بعد أن يروا أنفسهم وقد صغروا وصغروا حتى كأنهم ذرات صغيرة، تدوس عليهم الخلائق،وهم ذليلون، وفوق كل هذا العذاب هناك (نار الأنيار)أعدت خصيصاً لهم، ثم إذا عطشوا يسقون (طينة الخبال) وهي مما يخرج من أهل النار من عصارة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم،قال(يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذلُّ من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال)سنن الترمذي،
ستتمنى تلك المرأة التي كان شُغلها الشاغل عناد زوجها، ومعصيته وعدم إطاعة أوامره، وتستأنس وهي ترفع صوتها في حضرته وكأنها في معركة، تتمنى أن لو كانت تراباً بعد أن ترى أنها دفعت إلى جهنم وما فيها من أهوال وعذاب،
من أجل كلمة قالتها لزوجها الذي أحسن لها عمره كله،فعن ابن عباس رضي الله عنهما،قال،قال النبي،صلى الله عليه وسلم(أُريت النار،فإذا أكثر أهلها النساء،يكفرن،قيل،أيكفرن بالله، قال،يكفرن العشير،ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت(ما رأيت منك خيرا قط)صحيح البخاري،
وأولئك الذين اشتغلوا في الدنيا بالغيبة،وذِكرُ الناس بما فيهم وما ليس فيهم، وجعلوا فاكهة أمسيات سهراتهم الطعن في الناس وفي أعراضهم، فيطعنون في شرف هذه وعفَّة تلك، وفي نُبل هذا وصدق ذاك، وكرم هذا وبخل ذاك،من غير أن يرمش لهم جفن،هؤلاء سيتمنون لو كانوا تراباً،
فعن أنس بن مالك،رضى الله عنه،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم،فقلت،من هؤلاء يا جبريل،قال،هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس،ويقعون في أعراضهم)سنن أبي داود،
وحين يجد المتعامل بالربا أنه يسبح ببحر من الدماء،كلما أراد أن يصل إلى حافة النهر ليخرج توضع في فمه حجارة،فيعاد من حيث أتى،حينها سيتمنى لو أنه كان تراباً،
يقول النبي محمد،صلى الله عليه وسلم(رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخرجاني إلى أرض مقدسة،فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم،وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة،فأقبل الرجل الذي في النهر،فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه،فرده حيث كان،فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر،فيرجع كما كان،فقلت ما هذا،فقال،الذي رأيته في النهر آكل الربا)صحيح البخاري،
وحتى ذلك الذي هو أهون أهل النار عذاباً،والذي تكون تحت قدمه جمرة،يغلي منها دماغه،فهو يتمنى أن يكون تراباً،لأن ذلك ليس بقليل،
يقول النعمان بن بشير الأنصاري،رضى الله عنه،سمعت النبي،عليه الصلاة والسلام،يقول(إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل،توضع في أخمص قدميه جمرة،يغلي منها دماغه)صحيح البخاري،
ثم تأتي الطامة الكبرى على كل من في نار جهنم،حتى أولئك الذين كانوا يمنّون أنفسهم في الخروج منها،فقد انتهت الشفاعات، وتبددت كل الأحلام، وبدأت حالة الخلود، فيتمنون لو كانوا تراباً، فتأكل قلوبهم الحسرة، ويفتت أحشاءهم الندم،
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(يُؤتى بالموت كهيئة كبش أملح،فينادي مناد،يا أهل الجنة،فيشرئبون وينظرون،فيقول،هل تعرفون هذا، فيقولون،نعم،هذا الموت،وكلهم قد رآه،ثم ينادي،يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون،فيقول،وهل تعرفون هذا،فيقولون،نعم،هذا الموت،وكلهم قد رآه،فيذبح ثم يقول،يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت،ثم قرأï´؟ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ï´¾مريم، وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون)متفق عليه،
فهذه المعلومات الخطيرة التي سيقت في هذا المقال، لهي نذير خطير يجب أن تعمل عملها فينا لنحذر وننتبه، قبل أن يفوتنا الآوان، فنكون ممن نقول(لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)
اللَهم إنا نسألم فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين,
والفوز بالجنة والنجاة منَ النار,ونسألك الشوق إلى لقائك,بغير ضراء مضره,ولا فتنة مضلة،
واختم بالسعادة آجالنا,وبالباقيات الصالحات أعمالنا,واكفنا ما أهمنا من أمر دنيانا وأمر أخرانا,وتوفنا وأنت راضيٍ عنا،وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها,وأجرنا من خزي الدُّنيا وعذاب الآخرة،
فإنك بنا راحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادير،والطف بنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحسيمqtr
25-12-2014, 06:35 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
25-12-2014, 03:40 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس


بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم