المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبادة التفكر في خلق الله من أعظم العبادات



امـ حمد
20-01-2015, 05:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبادة التفكر في خلق الله عز وجل، إنّها عبادة من أعظم العبادات،بها يدخل العباد على الله فيملؤون قلوبهم إجلالاً وتعظيماً له،
فهل وقفت مرة في حياتك أمام منظر مما خلقه الله تتعمد من النظر فيه أن تشاهد جلال الله وعظيم شأنه عز وجل،حتى يقول قلبك بكل قوة وتعظيم وإجلال(لا إله إلا الله)يخشع بها القلب ويذل ويخضع لجلال روعة وعظمة خلق الله جل في علاه،
بهذه العبادة يُعرف الله فيُحب، وبها يُعرف مراد الله من الخلق، وبهذه العبادة يرِقُّ القلب ويتّصل بالخالق عز وجل، وبها تترك المعاصي،لأن هذه العبادة هي الباب الموصل إلى الله تبارك وتعالى،
قال ابن القيم رحمه الله،معرفة الله سبحانه وتعالى نوعان،
النوع الأول،معرفة إقرار بوجوده،وهذه يشترك فيها البر والفاجر والمطيعُ والعاصي، فكل الناس يقولون،إن الله موجود،
وأما النوع الثاني،فمعرفة حياء ومحبة وشوق وأُنس واتصال ورغبة وخشية وإقبال،وهذه يفتح الله بها على من أراد أن يعرفه به،
إننا بالإمكان أن نصل إلى معرفة الله بطريقين،
الأول،آيات الله المقروءة، ألا وهو كلام ربنا عن نفسه في كتابه القرآن،
والثاني، آيات الله المنظورة،وهي صفحة الكون وما فيها من حياة، لكي لا يكون لمن لا يجيد القراءة والكتابة حجة على الله تعالى،
انظر حولك،وانظر إلى بديع صنع الخالق جل وعلا وتقدّس،تأمل صنعة وقل،سبحان يارب،جبال شاهقة،وبحار ومحيطات، وسماء قد مُلئت بالنجوم والكواكب الكثيرة،وأرض متنامية الأطراف قد مُلئت بالأشجار والأحجار والدواب، وكائنات تُرى بالعين المجرَّدة، وأخرى لا تُرى إلا بالمجهر، وشيء نعلمه وأخرى لا نعلمها،آيات عظام تبهر العقول والأبصار،فلا إله إلا الله،سبحان من خلق فسوى وقدر فهدى،
وفي ظل هذه الآيات المنظورة ينقل هذا الأعرابي ما صوَّرتهُ عدسات عينه عندما سُئل عن وجود الله فقال بفطرته السليمة،
الأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج،وأرض ذات فجاج ألا تدل على العزيز الخبير،
هذا ولقد كانت آخر المراحل للنبي صلى الله عليه وسلم،
قبل بعثته هي عبارة عن تأمل وتفكر، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري،ومسلم،الحديث الذي تروي فيه بدء الوحي فتقول(ثُمَّ حبّب إليه الخلاء،فكان يذهب إلى غار حراء يتحنَّث فيه،أي،يتعبّد الليالي ذوات العدد)فأي عبادة تلك ولم يكن ثمة صلاة ولا صيام،فأي عبادة عرفها النبي صلى الله عليه وسلم،
قبل أن يكون نبياً،
إنّها عبادة التأمل والتفكّر في خلق الله تبارك وتعالى، كان يمكث أياماً طويلة يتفكر،حتى ازداد قُربه من ربه قبل بعثته،فكانت هذه العبادة بمثابة التهيئة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم،ولم يكن يترك هذه العبادة بعد بعثته،
فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم
قال لها ذات ليلة(يا عائشة،ذريني أتعبد الليلة لربي)فقالت،والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك،قالت،فقام فتطهر،ثم قام يصلي، قالت،فلم يزل يبكي حتى بل حجره،قالت،وكان جالسا فلم يزل يبكي حتى بل لحيته،قالت،ثم بكى حتى بل الأرض،فجاء بلال يؤذنه بالصلاة،فلما رآه يبكي،قال،يا رسول الله،تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر،قال(أفلا أكون عبداً شكوراً)عبادة التفكر،بها يستدل العبد على عظمة الله بآياته الكونية،ويدرك سننه الشرعية،ويعلم حقيقة الوجود(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ،الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)آل عمران،حسنه الألباني في صحيح الترغيب،
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم،هو فقط من كان يؤدي هذه العبادة،بل باقي الأنبياء من قبله،فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يقول تعالى عنه(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)الأنعام،
إذا كنت تريد معرفة الله فتفكر في مخلوقاته،عندها يزداد قربك ويزداد يقينك،فإنه كلما تفكر العبد المؤمن زاد يقينه وعظم إيمانه وارتقى إلى منازل المتقين(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)الأنبياء،
سُئلت أم الدرداء،ما كان أفضل عمل أبي الدرداء،قالت،التفكر والاعتبار،فانظر كيف كان التفكر في خلق الله تعالى مِن أفضل العبادات عند أبي الدرداء،كم هي منسيةٌ هذه العبادة،قال الإمام الحسن البصري،تفكر ساعة خير من قيام ليلة،أخرجه ابن أبي شيبة،
وقال عمر بن عبد العزيز،الفكرة في نعم الله أفضل العبادة،
وقال بشر الحافي،لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه،
إجلس في غرفتك بينك وبين نفسك،وشاهد خلق الله(وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)أو لعلّك تراقب يوماً شروق الشمس وغروبها، وتتأمل كيف يولج الله الليل في النهار ويُولج النهار في الليل،
تأمل فِي الوجود بعين فكر تر الدنيا الدنيئة كالخيال،
ومن فيها جميعاً سوف يفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام،لو مررنا بكتاب الله لوجدنا أنّه دائماً يدعونا إلى إعمال العقل،كما في قوله تعالى(أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ،وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ،وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ،وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)الغاشية،
فيأمر الله عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته،
تفكر وتأمّل فيما حولك من الآيات العِظام،ألم تهززك معجزة الليل والنهار،ألم تُحرِّك شيئاً في وجدانك،ألم يؤثر فيك منظر السحب وقد تكومت كالجبال فأراقت ما بجوفها من ماءٍ منهمر،ألم يُظهر البهجة ما سرح به ناظرك حين أخذت الأرض زخرفها وازينت،
ألم تكن تلك الدقة المتناهية في تسيير الكون وعدم اضطرابه آية تسير قلبك ولسانك ليلهج بالتسبيح لخالقها ومصرفها،
لنتأمّل ونتفكر سويًا في خلقه تعالى للشمس مثلاً في السماء، وما يدور في أفلاكها،وكيف أنَّ الشمس هي مصدر طاقتنا،ولولا الشمس لما كان هناك حياة على الأرض،
وفي أنواع الحيوان والنبات، وعجائب البحار وسائر المخلوقات، ما يستحق أن يتفكر فيه العبد(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)يس،
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)الذاريات،
صفات المتفكرين المؤمنين،الإسراعُ في الطاعات،والبعدُ عن المحرمات(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)آل عمران،
وصفات المشركين،عدم التفكر فيما خلق الله تعالى(وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ،وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)يوسف،
هذه منزلة تلك العبادة العظيمة،لابد أن نراجع أنفسنا، ونحاول إصلاح قلوبنا التي صارت كالحجارة أو أشدَّ قسوة،وذلك بالرجوع إلى الله تعالى، والمسارعة في الطاعات،واكتسابِ الخيرات، والبعد عن المحرمات، والتجافي عن الشهوات،والتخفيف من اللهاث وراء الدنيا وحظوظها، وكل ذلك يحتاج إلى مجاهدةٍ للنفس والهوى والشيطان، مع المصابرة والمرابطة على الفرائض والواجبات، حتى ينالَ العبد لذة هذه النعمة العظيمة،
وأمرنا الله تعالى أن نتفكر في عاقبة المكذبين،ومصارع الظالمين،للاعتبار بحالهم، ومجانبة مسلكهم،ومجافاة أعمالهم، لئلا يصيبنا ما أصابهم،
تفكروا في عظمته وأسمائه وصفاته، وفي نعمه وآلائه، وفي حكمته وأحكامه وأفعاله، وفي شدة بطشه وانتقامه من أعدائه ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )
ينبغي للمؤمن أن يعيش عبادة التفكر في كل لحظاته،حتى تكون حياته كلها عبادة، فإن التفكر إشغال للعقل وإحياء للقلب، وإن الغفلة تعطيل للعقل وإماتة للقلب،
أن التفكر يلين القلب، ويشرح الصدر، ويهيئ النفس للعبادة، فيقبل عليها صاحبها بمحبة وخشوع، ويجد فيها لذة وراحة ،
أسأل الله،تعالى،أن لا يحرمنا عبادة التفكر بذنوبنا، وأن يرزقنا الاعتبار والتفكر، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، إنه سميع مجيب.

الحسيمqtr
20-01-2015, 07:27 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

سري للغاية
20-01-2015, 08:18 PM
جزاك الله خير اختي " ام حمد "
وان شاء الله في موازين حسناتك يارب

امـ حمد
20-01-2015, 11:10 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس

امـ حمد
20-01-2015, 11:11 PM
جزاك الله خير اختي " ام حمد "
وان شاء الله في موازين حسناتك يارب

اللهم امين

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي سري للغاية
وجزاك ربي جنة الفردوس