المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التأني من الله والعجلة من الشيطان



امـ حمد
05-02-2015, 06:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أنس رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم،أنه قال (التأنِّي من الله والعجلةُ من الشيطان)رواه أبو يعلي،قال الألباني في السلسلة الصحيحه،
قال المناوي(التَّأني من الله تعالى أي،ممَّا يرضاه ويثيب عليه، والعجلة مِن الشيطان أي،هو الحامل عليها بوسوسته،لأن العجلة تمنع من التثبت، والنظر في العواقب)
وقال ابن القيم(العجلة مِن الشيطان فإنها خفّة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم،وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها،وتجلب عليه أنواعاً من الشرور، وتمنع عنه أنواعاً من الخير)
والأناة والتأني بمعنى،خلق يحبه الله،تبارك وتعالى،ويتصف به العقلاء الموفقون،فلا يقدمون على أمر إلا بعد دراسة وتحقق،ولا يتلفظون بكلام إلا بعد ترو ونظر،فيوفقون غالباً إلى الصواب، فيسعدون ويسعدون،
وجاء في كلمة عبد الله بن وهب الأزدي،لما عزم الخوارج على بيعته فقال،يا قوم استبيتوا الرأي،أي،دعوا رأيكم تأتي عليه ليلة، ثم تعقبوه،
والأناة مطلوبة في كل شيء،فيمن يُعِدُّ كلاماً جميلاً سواء كان خُطبة أو قصيدة، وهذا يقتضي من المُعِدِّ أن ينفق وقتاً طويلاً ينظر فيما أعد ويكرر النظر فيه،
والأناة مطلوبة في العلماء وذوي الرأي والوجاهة،إذا تكلموا أو كتبوا،فمنَ المفروض فيهم أن يتأنَّى الواحدُ منهم في الإجابة إذ سئل عن حكم شرعي،أو حادثة تاريخية،أو موقف من المواقف،فلا يتسرع،بل يعنى بفهم السؤال أولاً،
إن ذلك يستغرق وقتاً ليس باليسير،وهو بذلك ينجو من المسؤولية أمام الله،وينجو من الحرج أمام الناس،
والأناة مطلوبة من الطالب،الذي يدخل قاعة الامتحان ويُعطى ورقةَ الامتحان،إن عليه أن يتأنَّى، وينظر فيها بتأمل، ويفهم الأسئلة، ثم يشرَع بالإجابة،ولا يَعجل،ذلك أن واضعي الأسئلة يقدِّرون الوقت الذي تحتاج إليه الإجابة،فعلى الطالب أن يتأنَّى ويستوفي حقَّه كاملاً،ولا يستعجل،ويعيد نظره في الإجابة،إن هذا التأني يضمن له السداد في الرأي والنجاح في الامتحان،
والأناة مطلوبة من الفتى الذي يريد الزواج،ومطلوبة من أهل الفتاة المخطوبة،فلا يجوز أن يتسرع أي منهما في إبرام الأمر،بل على كل من الطرفين السؤالُ والبحث،والاستشارة،والاستخارة،والتثبت من صلاحية هذا الاختيار،
فإذا تأني كلٌّ منهما ودرس الوضع بتعمق،وبنى على ذلك القرار بالسلب أو بالإيجاب كان ذلك،إن شاء الله،محققاً للسعادة والنجاح في بناء الأسرة الفاضلة،
والأناة مطلوبة من الزوجين بعد الزواج،ذلك لأن الخلاف أمر متوقع،فإذا حدث فليعالج بالأناة، والصبر، والحوار،ومراجعة كل من الزوجين نفسه،ومراجعة موقفه،وليسترض كل صاحبه،وخيرهما الذي يبدأ بالسلام،
ولا نخف من الخلاف فهو أمر طبيعي بحكم الفطرة التي فطر الله الناس عليها،قال تعالى(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)هود،
لا ينبغي أن يستبد الغضب بواحد من الزوجين فيَعمَد إلى هدم الحياة الزوجية لمجرد حدوث الخلاف،والقوي هو من يملك نفسه عند الغضب،
وقد يعمد الرجل المتسرع إلى إيقاع الطلاق دون تبصر لعواقب الأمر،فيندم، ويسارع إلى العلماء والفقهاء يطلب إليهم أن يجدوا له حلاً، ويدرك بعد فوات الأوان،أنه بهذا التسرع خرب بيته،ودمر حياته،وكان في غنى عن ذلك لو أنه تأنَّى وصبر،
والأناة مطلوبة من الإنسان في تعامله مع الآخرين،فقد يسمع كلمة مسيئة له،أو شتيمة تُوجَّه إليه، فلا يتسرع العاقلُ في الرد على المسيء،ولا يستسلم للانفعال،بل يقف ويفكر في الموقف السليم الذي ينبغي أن يقفه، فقد يكون الإعراض عن هذا المسيء أفضل،أوالرد عليه بحكمة،وعليه أن يتأنى ولا يعجل،والمنتصر غالباً في الخصومات هو المتأني، والخاسر هو المتسرِّع،وهذا واقع ملموس،
من أجل ذلك وجدنا في كتاب الله ذم العجلة،فمن ذلك قوله تعالى(خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)الأنبياء،
وقوله تعالى(وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً)الإسراء،
ويدعو الإنسان على نفسه بالشرِّ إذا ما أصابته مصيبةٌ من فقر أو مرض،وذلك لأن الإنسان بفطرته عجول)وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً)فعليه أن يتصف بالتأني،
أن الله تبارك وتعالى،يُحِبُّ الأناة،فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال لأشجِّ عبد القيس(إن فيك خصلتين يحبهما الله،الحلم والأناة)رواه مسلم،والترمذي،وأبو داود،
أن الأناة توفر صفات كريمة في الإنسان،ومن أهمها،الحلم والصبر،وقد كان سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم،سيد الحلماء،وسيد الصابرين،عن أنس،رضي الله عنه،قال،كنت أمشي مع رسول الله،صلى الله عليه وسلم،وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية،فأدركه أعرابي، فجذبه بردائه جذبة شديدة،فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله، صلى الله عليه وسلم،وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال،يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك،فالتفت إليه،فضحك،ثم أمر له بعطاء)رواه البخاري،ومسلم،
وفي هذا الحديث بيان حلمه،صلى الله عليه وسلم،وصبره على الأذى،والتجاوز عن جفاء هذا الأعرابي،وفيه بيان لخُلُقه العظيم من الصفح والدفع بالتي هي أحسن،
وروي عن عمر،رضي الله عنه،أنه قال في بعض كلامه،بأبي أنت وأمي يا رسول الله،لقد دعا نوح على قومه،فقال(رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً)ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا من عن آخرنا،فلقد وطيء ظهرك، وأدمي وجهك،وكسرت رباعيتك،فأبيت أن تقول إلا خيراً،فقلت(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
قال القاضي،انظر ما في هذا القول من جماع الفضل، ودرجات الإحسان، وحسن الخلق، وكرم النفس، وغاية الصبر والحلم،إذ لم يقتصر،صلى الله عليه وسلم،على السكوت عنهم حتى عفا عنهم،ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم،فقال(اغفر)ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله(لقومي)ثم اعتذر عنهم بجهلهم،فقال(فإنهم لا يعلمون)
وبسبب العجلة يُحرم المرء من استجابة الدعاء،وهذا يدل على فضل التأني،
عن أبي هريرة،رضي الله عنه،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول،دعوت فلم يستجب لي)رواه البخاري،ومسلم،وأبو داود،
والأناة المطلوبة ينبغي أن تكون في حدود،وإلا انقلبت إلى ضدها،فليس من الأناة المحمودة أن يبطئ المرء في أمر تحققت له مصلحته وللمسلمين، ولا في أداء واجب افترضه الله عليه حتى يفوت وقته.

الحسيمqtr
06-02-2015, 12:51 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
06-02-2015, 03:24 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس