راجي الْعفو
17-03-2015, 02:34 AM
سلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
صبحكم الله بالخير و مسّاكم ..
وغفر لي و لكم و لكل قارئٍ ..
جميعنا يسعى لأن يُصيب الحقّ في جميع أموره الدينية و الدنيوية ..
وجميعنا يتبنّى أمر التجرّد له مطلقاً ..
وهذا أمرٌ جميلٌ مُستحسنٌ ، يُعتبرُ من معالي النفوس و أعلاها ..
والمهم في ذلك كلّه :
هل أنت أيها الصادق المخلص ، وأيتها الصادقة المخلصة ..
قد طبقتما ذلك على أنفسكما ؟
أترككم مع القصة :
نقل الإمام أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله (ت 543هـ)عن محمد بن قاسم العثماني غير مرة قال: وصلتُ الفُسْطاط مرةً فجئت مجلس الشيخ أبي الفضل الجوهري, وحضرت كلامه على الناس فكان مما قال في أول مجلس جلستُ إليه: ( إن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق وظاهر وآلى فلما خرج تَبِعْتُه حتى بلغتُ معه إلى منزله في جماعة وجلس معنا في الدِّهْلِيز وعرَّفهم أمري فإنه رأى شارة(1) الغربة ولم يَعرف الشخص قبل ذلك في الواردين عليه فلماانفض عنه أكثرهم قال لي: أراك غريباً هل لك من كلام؟ قلت: نعم. قال لجلسائه أفرجوا له عن كلامه.
فقاموا وبقيت وحدي معه. فقلت له: حضرتُ المجلس اليوم متبركاً بك(2), وسمعتك تقول آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدقت, وطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وصدقت, وقلتَ: وظاهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا لم يكن ولا يصح أن يكون؛ لأن الظهار منكر من القول وزور, وذلك لايجوز أن يقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمني إلى نفسه وقَبَلَ رأسي وقال لي: أنا تائبٌ من ذلك جزآك الله عني من معلمٍ خيراً!!. ثم انقلبت عنه وبكَّرت إلى مجلسه في اليوم الثاني فألفيته قد سبقني إلى الجامع وجلس على المنبر فلما دخلتُ من باب الجامع ورآني نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلمي! أفسحوا لمعلمي!!, فتطاولت الأعناق إليَّ وحدقت الأبصار نحوي-وتعرفني ياأبابكر(3) يشير إلى عظيم حيائه فإنه كان إذا سلَّم عليه أحد أو فاجأه خجل لعظيم حيائه واحمر حتى إن وجهه طلي بجلَّنارٍ(4) قال: وتبادر الناس إليَّ يرفعونني على الأيدي ويتدافعونني حتى بلغت المنبر -وأنا لعظيم الحياء لاأعرف في أي بقعة أنا من الأرض والجامع غاصٌ بأهله وأسال الحياء بدني عرقاً- وأقبل الشيخ على الخلق فقال لهم: أنا معلمكم وهذا معلمي!, لمَّاكان بالأمس قلت لكم آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلق وظاهر فماأحدٌ منكم فَقُهَ عني ولا ردَّ عليَّ فاتبعني إلى منزلي وقال لي: كذاوكذا, -وأعاد ما جرى بيني وبينه- وأنا تائب عن قولي بالأمس راجعٌ عنه إلى الحق فمن سمعه ممن حضر فلا يعوِّل عليه ومن غاب فليبلغه من حضر فجزاه الله خيراً, وجعل يحفل في الدعاء والخلق يؤَمنون.
قال ابن العربي معلقاً: فانظروا رحمكم الله إلى هذا الدين المتين والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملإ من رجلٍ ظهرت رياسته واشتهرت نفاسته لغريبٍ مجهول العين لا يعرفمَنْ؟ ولا مِنْ أين؟ فاقتدوا به ترشدوا!!
"أحكام القرآن, لابن العربي المالكي" (1/182)
-----------------------------------------------------
الحواشي:
1-الصواب (شارة) مادة: (ش و ر) أي: اللباس والهيئة. مختار الصحاح (ص147).
2- أي بالجلوس لك وأخذ العلم منك. فالبركة هي: من الزيادة والنماء. [النهاية في غريب الحديث (1/120)].
3- هو أبو بكر بن العربي المالكي, راوي القصة.
4-الجُلَّنار: بضم الجيم وفتح اللام المشددة: زهرُ الرمان. القاموس المحيط (ص344).
تحياتي الصادقة
صبحكم الله بالخير و مسّاكم ..
وغفر لي و لكم و لكل قارئٍ ..
جميعنا يسعى لأن يُصيب الحقّ في جميع أموره الدينية و الدنيوية ..
وجميعنا يتبنّى أمر التجرّد له مطلقاً ..
وهذا أمرٌ جميلٌ مُستحسنٌ ، يُعتبرُ من معالي النفوس و أعلاها ..
والمهم في ذلك كلّه :
هل أنت أيها الصادق المخلص ، وأيتها الصادقة المخلصة ..
قد طبقتما ذلك على أنفسكما ؟
أترككم مع القصة :
نقل الإمام أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله (ت 543هـ)عن محمد بن قاسم العثماني غير مرة قال: وصلتُ الفُسْطاط مرةً فجئت مجلس الشيخ أبي الفضل الجوهري, وحضرت كلامه على الناس فكان مما قال في أول مجلس جلستُ إليه: ( إن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق وظاهر وآلى فلما خرج تَبِعْتُه حتى بلغتُ معه إلى منزله في جماعة وجلس معنا في الدِّهْلِيز وعرَّفهم أمري فإنه رأى شارة(1) الغربة ولم يَعرف الشخص قبل ذلك في الواردين عليه فلماانفض عنه أكثرهم قال لي: أراك غريباً هل لك من كلام؟ قلت: نعم. قال لجلسائه أفرجوا له عن كلامه.
فقاموا وبقيت وحدي معه. فقلت له: حضرتُ المجلس اليوم متبركاً بك(2), وسمعتك تقول آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدقت, وطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وصدقت, وقلتَ: وظاهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا لم يكن ولا يصح أن يكون؛ لأن الظهار منكر من القول وزور, وذلك لايجوز أن يقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمني إلى نفسه وقَبَلَ رأسي وقال لي: أنا تائبٌ من ذلك جزآك الله عني من معلمٍ خيراً!!. ثم انقلبت عنه وبكَّرت إلى مجلسه في اليوم الثاني فألفيته قد سبقني إلى الجامع وجلس على المنبر فلما دخلتُ من باب الجامع ورآني نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلمي! أفسحوا لمعلمي!!, فتطاولت الأعناق إليَّ وحدقت الأبصار نحوي-وتعرفني ياأبابكر(3) يشير إلى عظيم حيائه فإنه كان إذا سلَّم عليه أحد أو فاجأه خجل لعظيم حيائه واحمر حتى إن وجهه طلي بجلَّنارٍ(4) قال: وتبادر الناس إليَّ يرفعونني على الأيدي ويتدافعونني حتى بلغت المنبر -وأنا لعظيم الحياء لاأعرف في أي بقعة أنا من الأرض والجامع غاصٌ بأهله وأسال الحياء بدني عرقاً- وأقبل الشيخ على الخلق فقال لهم: أنا معلمكم وهذا معلمي!, لمَّاكان بالأمس قلت لكم آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلق وظاهر فماأحدٌ منكم فَقُهَ عني ولا ردَّ عليَّ فاتبعني إلى منزلي وقال لي: كذاوكذا, -وأعاد ما جرى بيني وبينه- وأنا تائب عن قولي بالأمس راجعٌ عنه إلى الحق فمن سمعه ممن حضر فلا يعوِّل عليه ومن غاب فليبلغه من حضر فجزاه الله خيراً, وجعل يحفل في الدعاء والخلق يؤَمنون.
قال ابن العربي معلقاً: فانظروا رحمكم الله إلى هذا الدين المتين والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملإ من رجلٍ ظهرت رياسته واشتهرت نفاسته لغريبٍ مجهول العين لا يعرفمَنْ؟ ولا مِنْ أين؟ فاقتدوا به ترشدوا!!
"أحكام القرآن, لابن العربي المالكي" (1/182)
-----------------------------------------------------
الحواشي:
1-الصواب (شارة) مادة: (ش و ر) أي: اللباس والهيئة. مختار الصحاح (ص147).
2- أي بالجلوس لك وأخذ العلم منك. فالبركة هي: من الزيادة والنماء. [النهاية في غريب الحديث (1/120)].
3- هو أبو بكر بن العربي المالكي, راوي القصة.
4-الجُلَّنار: بضم الجيم وفتح اللام المشددة: زهرُ الرمان. القاموس المحيط (ص344).
تحياتي الصادقة