حسن
18-03-2015, 10:18 PM
حديث سمو الأمير لجامعة جورج تاون وحديث السلطة للشعب
تحدث سمو الأمير، الممثل الأعلى للسلطة في قطر، بلباقة وتمكن يدعوان للفخر لطلبة وأعضاء هيئة تدريس جامعة جورج تاون، شرح وجهة نظر قطر في سياساتها الخارجية وجانبا من السياسة الداخلية.
وهذا أمر محمود بل ومطلوب، وفي ظني الشخصي أن الهدف لم يكن الحديث لمنتسبي الجامعة بقدر ما كانت مناسبة لنقل وجهة نظر قطر إلى العالم لإزالة أي سوء فهم قد ينتج عن سياسات وممارسات معينة لدولة قطر.
لكن السؤال المهم هنا لماذا لا تتحدث السلطة القطرية إلى الشعب القطري على النحو الذي تحدث فيه سموه لجامعة جورج تاون فتوضح غموض أو سوء فهم بعض السياسات والممارسات التي ترتبط بمعيشة ومستقبل ومصير الشعب القطري؟
لا أظن أن عامة الشعب القطري يخالفونني في هذا المطلب، وإن كنت لا أستبعد أن هناك شريحة صغيرة من المجتمع قد تخالف والتي اعزو خلافها هذا لعدم فهمها الكامل لمعنى المواطنة واستحقاقاتها.
خلال العقدين الماضيين تحدثت السلطة في قطر حديثا مكثفا للعالم شَرَحت فيه وجهة نظرها الخارجية، بل والداخلية أيضا، إلا أن حظ الشعب من هذا الشرح لم يكن بالمستوى المطلوب، حتى أخص قرار كان ينبغي أن يخاطب به الشعب، قرار تنحي سمو الأمير الوالد، كان الحديث فيه مع الإعلام الخارجي قبل أن يُتحدث به مع الشعب.
لو عُرضت هذه الحالة على أحد المحللين السياسيين العرب رواد قناة الجزيرة، والذي لا يدرك العلاقة بين الحاكم والمحكوم عندنا، لأطلق عليها مسمى إقصاء للشعب، لكننا في قطر لا نعتبرها كذلك وإنما نعتبرها خلافا للأولى فمعطيات العصر اليوم قد تغيرت وتقتضي أن يكون المواطن جزءاً من الحدث خصوصا فيما يتعلق بمصيره ومصير اجياله.
هناك قضايا مهمة تشغل الشعب القطري وتؤثر فيه، قضايا تشكل حاضره وحاضر أجياله ومستقبلهم، قرارات تتخذ فيتأثر بها تأثرا كبيرا ثم يُكتشف خطأها فتتغير ويؤثر أيضا هذا التغيير فيه في حين أنه لم يكن جزءا لا من تشكيلها ولا من تغييرها ولا حتى من العلم بها وبمقاصدها.
لن أسترسل في شرح تلك القضايا فهي واضحة للعيان وتشغل كل مواطن وله فيها اسئلة بلا إجابات، قضايا في التعليم، في الصحة، في البنية التحتية، في البيئة، في القضاء وما أدراك ما القضاء، في المتحف الإسلامي وفي اللوح المليارية، في الاستثمارات الخارجية والداخلية والتي حولت الوطن الى منظومة شركات ربحية، في الإعلام، في القطرية وما أدراك ما القطرية ومطار حمد، في الصلاحيات داخل الدولة ومن يملك صلاحية ماذا؟-المكتب الهندسي الخاص أوضح مثالا- في البرلمان والمشاركة الشعبية، في مؤسسات المجتمع المدني الغائبة، وأخيرا وليس أخرا في الدستور نفسه ومواده، وأدواته، وإلى أي اتجاه نحن نسير به، وكيف نحتكم إذا ما اختصمنا فيه؟
عندنا أله إعلامية تستهلك من ميزانية الدولة أثمانا باهظة، وتوجه الى ما ضرره أكبر من نفعه، توجه الى إشغال جيل المراهقين والشباب القطري، دون غيرهم، بفعاليات تراثية تافهة توجههم منذ الصغر نحوها وتبعدهم عن طموح طلب المعالي في الدراسة والتخصصات التي يحتاجها الوطن، فالوطن لا يحتاج الى قناص أو حلاب معز بقدر ما يحتاج الى الطبيب والمهندس والقانوني والمخطط والاستراتيجي، وهذه قضية حيوية مهمة قد تعصف بجيل كامل مالم نتداركه.
هذه بعض القضايا الرئيسية التي تشغل الوطن بأكمله وليس المواطن فحسب، نحتاج فيها الى إجابات لتساؤلات كثيرة، نحتاج لأن نتناقش فيها مع سلطتنا لنستوضح اللبس أو لنصحح الخطأ إن وجد، ولن يتأتى هذا الا بالحوار والحديث المباشر مع السلطة.
كقطريين لا نريد أن نناقش أو أن يتحدث عن قضايانا مفكرون ومنظرون أجانب فنحن أقدر على ذلك منهم فضلا عن أن قضايانا لا تعنيهم وليست مناط اهتمامهم اللهم لا من جانب وظيفي أو نفعي.
هناك شريحة من المجتمع، وغالبا ما تجدها في الاعلام، حينما ترى كيفية حديثها وكتاباتها سواء في مواقع التواصل او في مؤسساتها الإعلامية تصل إلى قناعة، في حال لو أنك في السلطة، بأن هذه الشريحة لا تستحق ان تناقش في شيء فهي لا يهمها أمر الوطن بقدر ما يهمها سوق الوطنية الرخيص التي ترتع فيه لتحقق تطلعاتها الخاصة فحسب، وهذه الشريحة مع الأسف هي الأعلى صوتا.
وشريحة أخرى في المجتمع سلبية لأبعد الحدود لا يكاد يعنيها شئ وليست لها ردة فعل لأي قرار فهي كالمثال الشهير للضفدع الذي وضع في طبق فيه ماء ورفعت درجة حرارة الماء حتى درجة الغليان وقد كان الضفدع يستطيع ان يقفز بسهولة ليخرج من هذا الظرف السيء لكنه لسلبيته لم يقفز وبقي حتى لقي حتفه سلقا بالماء المغلي.
بغض النظر عن هاتين الشريحتين هنالك الغالبية العظمى من رجال ونساء المجتمع يهمم أن يكونوا جزءا مما يؤثر في مصيرهم ومصير أولادهم يهمهم ان يكون صوتهم مسموعا فيما يرونه يحقق صالح مجتمعهم عامة وأسرهم خاصة.
كنت ولا زلت متفائلا بخطاب سمو الأمير يوم توليه مقاليد الحكم، فقد وضع يده على الجرح في كثير من القضايا التي تهم تلك الشريحة العظمى من المجتمع، وقد علقت في مقال على خطاب سموه أنذاك ان الطموحات الواردة فيه مطلوبة وتنم عن نية صادقة في التنفيذ والإصلاح بيد أن الأليات الضامنة للتنفيذ غير موجودة، ولهذا لم يتحقق كثير مما ذكره سموه في الخطاب بسبب غياب تلك الأليات، وكما قال الفيحاني مخاطبا عمير بن عفيشة:
ياعمير لامركا بغير سانود *** يحمي ولا عز بغير الحمايا
لاقام من لا له عواميد وعضود *** ولاثبت من كان ماله خيايا
إن ظروف الزمان تغيرت لأنه من سنن الله تعالى عدم الدوام على حال إلا حاله هو سبحانه، ولم يعد مقبولا في الألفية الثالثة وفي ظل ثورة الإعلام الموازي ألا يكون الشعب جزءا من القرار الذي يخصه ويؤثر فيه، ولم يعد مقبولا أيضا تجاهل الشعب في التوضيح والتفسير للقرارات التي تتخذ وتؤثر في مصيره، فهل سنرى من سلطة قطر التي رعت حوارات اتجاهات كثيرة في العالم ووفقت بين وجهات نظر متباعدة أن ترعى حوارا داخليا جادا، وأكرر جادا، مع الشعب توضح له وتجيب فيه وتستجيب لما يشغله.
كلمة أخيرة: إذا انبرى مواطن قطري يعنيه أمر قطر ليقول من "أنتم" لتقولوا مثل هذا؟ فقد أخطأ في حق نفسه قبل أن يخطىء في حقنا
كتبه: لحدان بن عيسى المهندي
تحدث سمو الأمير، الممثل الأعلى للسلطة في قطر، بلباقة وتمكن يدعوان للفخر لطلبة وأعضاء هيئة تدريس جامعة جورج تاون، شرح وجهة نظر قطر في سياساتها الخارجية وجانبا من السياسة الداخلية.
وهذا أمر محمود بل ومطلوب، وفي ظني الشخصي أن الهدف لم يكن الحديث لمنتسبي الجامعة بقدر ما كانت مناسبة لنقل وجهة نظر قطر إلى العالم لإزالة أي سوء فهم قد ينتج عن سياسات وممارسات معينة لدولة قطر.
لكن السؤال المهم هنا لماذا لا تتحدث السلطة القطرية إلى الشعب القطري على النحو الذي تحدث فيه سموه لجامعة جورج تاون فتوضح غموض أو سوء فهم بعض السياسات والممارسات التي ترتبط بمعيشة ومستقبل ومصير الشعب القطري؟
لا أظن أن عامة الشعب القطري يخالفونني في هذا المطلب، وإن كنت لا أستبعد أن هناك شريحة صغيرة من المجتمع قد تخالف والتي اعزو خلافها هذا لعدم فهمها الكامل لمعنى المواطنة واستحقاقاتها.
خلال العقدين الماضيين تحدثت السلطة في قطر حديثا مكثفا للعالم شَرَحت فيه وجهة نظرها الخارجية، بل والداخلية أيضا، إلا أن حظ الشعب من هذا الشرح لم يكن بالمستوى المطلوب، حتى أخص قرار كان ينبغي أن يخاطب به الشعب، قرار تنحي سمو الأمير الوالد، كان الحديث فيه مع الإعلام الخارجي قبل أن يُتحدث به مع الشعب.
لو عُرضت هذه الحالة على أحد المحللين السياسيين العرب رواد قناة الجزيرة، والذي لا يدرك العلاقة بين الحاكم والمحكوم عندنا، لأطلق عليها مسمى إقصاء للشعب، لكننا في قطر لا نعتبرها كذلك وإنما نعتبرها خلافا للأولى فمعطيات العصر اليوم قد تغيرت وتقتضي أن يكون المواطن جزءاً من الحدث خصوصا فيما يتعلق بمصيره ومصير اجياله.
هناك قضايا مهمة تشغل الشعب القطري وتؤثر فيه، قضايا تشكل حاضره وحاضر أجياله ومستقبلهم، قرارات تتخذ فيتأثر بها تأثرا كبيرا ثم يُكتشف خطأها فتتغير ويؤثر أيضا هذا التغيير فيه في حين أنه لم يكن جزءا لا من تشكيلها ولا من تغييرها ولا حتى من العلم بها وبمقاصدها.
لن أسترسل في شرح تلك القضايا فهي واضحة للعيان وتشغل كل مواطن وله فيها اسئلة بلا إجابات، قضايا في التعليم، في الصحة، في البنية التحتية، في البيئة، في القضاء وما أدراك ما القضاء، في المتحف الإسلامي وفي اللوح المليارية، في الاستثمارات الخارجية والداخلية والتي حولت الوطن الى منظومة شركات ربحية، في الإعلام، في القطرية وما أدراك ما القطرية ومطار حمد، في الصلاحيات داخل الدولة ومن يملك صلاحية ماذا؟-المكتب الهندسي الخاص أوضح مثالا- في البرلمان والمشاركة الشعبية، في مؤسسات المجتمع المدني الغائبة، وأخيرا وليس أخرا في الدستور نفسه ومواده، وأدواته، وإلى أي اتجاه نحن نسير به، وكيف نحتكم إذا ما اختصمنا فيه؟
عندنا أله إعلامية تستهلك من ميزانية الدولة أثمانا باهظة، وتوجه الى ما ضرره أكبر من نفعه، توجه الى إشغال جيل المراهقين والشباب القطري، دون غيرهم، بفعاليات تراثية تافهة توجههم منذ الصغر نحوها وتبعدهم عن طموح طلب المعالي في الدراسة والتخصصات التي يحتاجها الوطن، فالوطن لا يحتاج الى قناص أو حلاب معز بقدر ما يحتاج الى الطبيب والمهندس والقانوني والمخطط والاستراتيجي، وهذه قضية حيوية مهمة قد تعصف بجيل كامل مالم نتداركه.
هذه بعض القضايا الرئيسية التي تشغل الوطن بأكمله وليس المواطن فحسب، نحتاج فيها الى إجابات لتساؤلات كثيرة، نحتاج لأن نتناقش فيها مع سلطتنا لنستوضح اللبس أو لنصحح الخطأ إن وجد، ولن يتأتى هذا الا بالحوار والحديث المباشر مع السلطة.
كقطريين لا نريد أن نناقش أو أن يتحدث عن قضايانا مفكرون ومنظرون أجانب فنحن أقدر على ذلك منهم فضلا عن أن قضايانا لا تعنيهم وليست مناط اهتمامهم اللهم لا من جانب وظيفي أو نفعي.
هناك شريحة من المجتمع، وغالبا ما تجدها في الاعلام، حينما ترى كيفية حديثها وكتاباتها سواء في مواقع التواصل او في مؤسساتها الإعلامية تصل إلى قناعة، في حال لو أنك في السلطة، بأن هذه الشريحة لا تستحق ان تناقش في شيء فهي لا يهمها أمر الوطن بقدر ما يهمها سوق الوطنية الرخيص التي ترتع فيه لتحقق تطلعاتها الخاصة فحسب، وهذه الشريحة مع الأسف هي الأعلى صوتا.
وشريحة أخرى في المجتمع سلبية لأبعد الحدود لا يكاد يعنيها شئ وليست لها ردة فعل لأي قرار فهي كالمثال الشهير للضفدع الذي وضع في طبق فيه ماء ورفعت درجة حرارة الماء حتى درجة الغليان وقد كان الضفدع يستطيع ان يقفز بسهولة ليخرج من هذا الظرف السيء لكنه لسلبيته لم يقفز وبقي حتى لقي حتفه سلقا بالماء المغلي.
بغض النظر عن هاتين الشريحتين هنالك الغالبية العظمى من رجال ونساء المجتمع يهمم أن يكونوا جزءا مما يؤثر في مصيرهم ومصير أولادهم يهمهم ان يكون صوتهم مسموعا فيما يرونه يحقق صالح مجتمعهم عامة وأسرهم خاصة.
كنت ولا زلت متفائلا بخطاب سمو الأمير يوم توليه مقاليد الحكم، فقد وضع يده على الجرح في كثير من القضايا التي تهم تلك الشريحة العظمى من المجتمع، وقد علقت في مقال على خطاب سموه أنذاك ان الطموحات الواردة فيه مطلوبة وتنم عن نية صادقة في التنفيذ والإصلاح بيد أن الأليات الضامنة للتنفيذ غير موجودة، ولهذا لم يتحقق كثير مما ذكره سموه في الخطاب بسبب غياب تلك الأليات، وكما قال الفيحاني مخاطبا عمير بن عفيشة:
ياعمير لامركا بغير سانود *** يحمي ولا عز بغير الحمايا
لاقام من لا له عواميد وعضود *** ولاثبت من كان ماله خيايا
إن ظروف الزمان تغيرت لأنه من سنن الله تعالى عدم الدوام على حال إلا حاله هو سبحانه، ولم يعد مقبولا في الألفية الثالثة وفي ظل ثورة الإعلام الموازي ألا يكون الشعب جزءا من القرار الذي يخصه ويؤثر فيه، ولم يعد مقبولا أيضا تجاهل الشعب في التوضيح والتفسير للقرارات التي تتخذ وتؤثر في مصيره، فهل سنرى من سلطة قطر التي رعت حوارات اتجاهات كثيرة في العالم ووفقت بين وجهات نظر متباعدة أن ترعى حوارا داخليا جادا، وأكرر جادا، مع الشعب توضح له وتجيب فيه وتستجيب لما يشغله.
كلمة أخيرة: إذا انبرى مواطن قطري يعنيه أمر قطر ليقول من "أنتم" لتقولوا مثل هذا؟ فقد أخطأ في حق نفسه قبل أن يخطىء في حقنا
كتبه: لحدان بن عيسى المهندي