المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير قوله تعالى((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)



امـ حمد
03-04-2015, 03:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير قوله تعالى(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)
الله يخاطب في هذه الآية أعلم الخلق بالله نبينا،صلى الله عليه وسلم،فيقول له جل وعلا(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)الإسراء،
وإن من أعظم الكذب أن يكذب الإنسان ويفتري على الرب تبارك وتعالى،ومن رزق العلم الحق رزق الخشية،ومن رزق الخشية خاف أن يقول على الله ما ليس له به علم،
قال ابن عباس،لا ترم أحداً بما ليس لك به علم،
وقال قتادة،لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع،وعلمت ولم تعلم،فإن اللّه تعالى سائلك عن ذلك كله،ونهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال،كما قال تعالى(اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم)
وقوله(كل أولئك)أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد(كان عنه مسؤولا)أي سيسأل العبد عنها يوم القيامة، وتسأل عنه،
يقول جل وعلا(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)
جعل القول على الله بغير علم فوق هذه الأشياء كلها، فالواجب على الإنسان أن يتعلم حتى يكون على علم، وبصيرة، فلا يقول،سمعت، ولا يقول،رأيت، كذا وكذا، إلا عن بصيرة وعن علم،
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا)
الإنسان مسؤول عن سمعه وعن بصره، وعن فؤاده، وعن قلبه وعن عقله، هل استعمله في طاعة الله أو في محارم الله، الأمر عظيم، السمع، يسمع الشر والخير، والبصر، والقلب كذلك، يعقل الشر والخير، فالواجب على كل مكلف أن يصون سمعه وبصره عما حرم الله، وأن يعمر قلبه بتقوى الله، ويحذر محارم الله، فيخاف الله ويحبه ويخشاه جل وعلا ويخلص له في العمل ويحذر خلاف ذلك من النفاق والكبر، وغير هذا من أعمال القلوب السيئة،
الفؤاد هو القلب،وهو العقل،لأن القلب يعقل به، قال تعالى(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)فالقلب يسمى الفؤاد وهو محل العقل أيضاً، وهو مسؤول عمّا عمل،من خير وشر، فخوف الله، ومحبته وخشيته والإخلاص له، هذا عمل طيّب،
والنفاق والرياء والكبر، وأشباه ذلك من أعمال القلوب السيئة،
هذه الآية الكريمة مضمونها، التحذير من أن تسمع،أو تنظر ما لا يحل لك،فأنت مسؤول عمّا سمعت، وعمّا نظرت إليه وعمّا اعتقدته بقلبك، والفؤاد هو القلب، والإنسان مسؤول عن سمعه وبصره وفؤاده، فعلى المؤمن أن يتّقي الله في سمعه وبصره وقلبه، وألاّ يسمع ما حرَّم الله عليه، من سماع الأغاني وآلات اللهو، أو سماع الغيبة والنميمة،لما فيها من الضرر العظيم،فليستمع للخير كسماعه للقرآن الكريم، والسنة المطهّرة أو الأحاديث المفيدة، وسماعه لكلام مما هو مباح،
أما المحرم فليحذر من ذلك، أن يستمع لقوم يكرهون سماعه، ولا يرضون أن يسمع حديثهم، فلا يجوز ذلك،من سماع أحاديث الناس، وهم يكرهون ذلك، كأن يستمع لهم من عند الباب، أو من نافذة أو من سمّاعة التليفون، أو أشباه ذلك،ليس لك أن تستمع حديث قوم يكرهون ذلك،لهذا الحديث العظيم وهو قوله في الحديث الصحيح،صلى الله عليه وسلم(ومن استمع إلِى حديث قوم،وهم له كارهون،أو يفرون منه،صب في أذنه الآنك يوم القيامة)رواه البخاري،والآنك يعني الرصاص،
وهكذا البصر أنت مأمور بغضّ البصر عن النساء،عمّا حرّم الله،
لئلا تفتن بهن، كما قال جل وعلا(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ )
وأن تصون سمعك عمّا حرم الله،وأن تنظر وتسمع لما ينفعك، ولما أباح الله لك،وما أباح الله تعمل بذلك، بحب الله ورسوله وخوف الله ورجائه كل هذه أعمال قلبية مطلوبة، حسن الظن بالله، اعتقاد أنه الواحد الأحد، المستحق للعبادة،واعتقاد ما أوجب الله عليك،من الصلاة والصوم، تعتقد هذا بقلبك،وأنت مسؤول عن هذه كلها يوم القيامة،
هاتان الآيتان الكريمتان ذكرهما الله تعالى في الوصايا الحكيمة التي وصّى بها عباده في سورة الإسراء(ولا تقف ما ليس لك به علم،إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولاً،ولا تمش في الأرض مرحًا، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً)
يعمل القرآن على تربية العقلية العلمية في المسلم، فهناك نوعان من العقليات،
الأولى،عقلية خرافية، تصدق الأوهام، وتجرى وراء الأباطيل، وتسمع كل ما يقال لها، وتتبع كل ناعق،وهذه عقلية يرفضها الإسلام،
والعقلية الأخرى،وهي التي يريدها الإسلام العقلية التي تتبع الدليل وتخضع للمنطق في العقليات، وتمشي وراء الملاحظة والتجربة، وتستعمل بالتي وهبها الله إياها،السمع والبصر والفؤاد،كما قال تعالى(وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)النحل،
هذه هي النوافذ التي يطل منها الإنسان على أمور هذه الحياة، والكون، والشرع، وعلى خلق الله تعالى، وعلى نهيه وأمره،
فلا يجوز أن يعطلها ويهملها، ويتبع الظنون والأوهام أو يتبع الإشاعات والأباطيل،ولهذا جاء في آيات كثيرة من القرآن مثل هذا التعقيب(أفلا تسمعون)(أفلا تبصرون)(أفلا تعقلون)
وفرق ما بين المؤمنين المهتدين، وبين الكافرين الضالين، إن الآخرين عطلوا أدوات المعرفة والهداية التي منحوها،فلم تعد تقوم بوظيفتها(لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها . أولئك كالأنعام، بل هم أضل، أولئك هم الغافلون)
لهذا حذرت الآية من إهمال هذه القوى، فقال تعالى مخاطبًا الإنسان(ولا تقف ما ليس لك به علم)
أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فتجرى وراء الظنون، أو وراء الأوهام والخرافات،استعمل سمعك وبصرك وفؤادكن
فإن الله سائلك عن هذه (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)
أما الآية الثانية، وهي(وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)الإسراء،فمعناها(وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا )أي مشية الاختيال والتبختر، مشية العجب والاستكبار،فإن هذا لا ينبغي للمؤمن،وهو ليس مشي عباد الرحمن، فالله قد وصف عباد الرحمن بأنهم (يمشون على الأرض هوناً)الفرقان،
لماذا تمشي متبختراً،هل تستطيع أن تخرق الأرض،مهما دببت برجلك فلن تستطيع ذلك،ومهما تطاولت وتمطيت بعنقك فلن تبلغ الجبال طولاً،
فأولى بك أن تمشي مشية التواضع والهون،والسكينة واللين،ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعاً فكم تحتها قوم هُم منك أرفع،
وإن كنت في عز وجاه ومتعة فكم مات من قوم هم منك أمنع، فالمطلوب من الإنسان أن يمشي على الأرض متواضعاً،سواء كان يمشي على قدميه،أم في سيارة،
هناك أناس يودون مختالين بسياراتهم،لأن أحدهم يركب سيارة ضخمة فخمة، فلا يحترم آداب المرور،ولا قواعد السير،وكأنه يريد أن يحطم ما يواجهه في الطريق،أو يطير عن الأرض بلا جناحين،
من فعل ذلك فهو ممن يمشون في الأرض مرحاً،ولا يمشون هوناً، فعلى المسلم الذي يتأدب بأدب القرآن أن يراعي هذا، وأن يمشي في الأرض هونًا، ولا يمشي فيها اختيالاً ولا تبخترًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول(من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان)رواه أحمد والبخاري،في الأدب المفرد عن ابن عمر،
هذه الآية وردت في وصايا لقمان لابنه وهو يعظه،في قوله (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )لقمان،
اللهم اجعلنا من عبادك المتواضعين لا من المتكبرين،واجعلنا من عبادك المتقين وان نخفض جناح الذل من الرحمة،
اللهم اجعـلنا مـن المتواضعـين لعظمتك المتذللين لـك،واجعلنا من المتواضعين للناس لا نحمل مـثقـال ذرة مـن كبر فـي نـفـوسـنا تجاههم،واجعـلنا ممن يمـشـون على الآرض هـونا واذا خاطـبهـم الجاهـلون قالوا سـلاماً،وأرنا الحقّ حقـّا وارزقـنا اتباعـه،
وأرنا الباطل باطلا وارزقـنا اجـتـنـابـه،
اللهم اجعلنا من عبادك المتواضعين الزاهدين الصالحين العابدين بمحبتك يا أرحم الراحمين ،
اللهم آميــــــــــــن.

الحسيمqtr
04-04-2015, 01:35 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
04-04-2015, 02:59 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس


بارك الله في حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس