المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة البلاد العربية



abo rashid
05-09-2006, 12:33 PM
من خلال هذي الموسوعة سوف اقدم ان شاء الله بعض المعلومات عن البلاد العربية تاريخيا

abo rashid
05-09-2006, 12:33 PM
قطر، تاريخ. قَطر دولة عربية مستقلة، عضو في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة. وعضو في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تشكِّل أرضها شبه جزيرة شبيه بإبهام اليد، عاصمتها الدوحة ومن أشهر بلدانها الزبارة ودخان وهي منطقة حقول النفط. دينها الرسمي الإسلام. تنسب إلى قطر الثياب القطرية المعروفة، كما تنسب إليها النجائب القطريات التي تحدث عنها شعراء العرب.


التاريخ القديم لقطر
يعود استيطان شبه جزيرة قطر إلى العصر الحجري الحديث (8000 -4000ق.م). ويُستدل من مجموعات غزيرة من أدوات العصور الحجرية المكتشفة، على تعاقب أجيال عديدة وقيام حياة مستقرة في البلاد منذ الألف الرابع قبل الميلاد. كما يوجد ما يؤكد علاقتها بالحضارة العبيدية في جنوب العراق.

عرف العالم قطر قبل ظهور الإسلام بقرون عديدة، ووردت في مؤلفات المؤرخ الروماني بلانيوس، وفي أطلس بطليموس. وكانت في الجاهلية موطن استقرار ورعي وترحل لقبائل من بكر بن وائل وعبد قيس وغيرها. وقد دخلت في الإسلام في عهد الرسول ³، ومنها انطلقت بعض بعوث الفتح الإسلامي بحرًا إلى جنوبي فارس وكرمان والسند.

وفي فترة الفتن المتلاحقة من العصر العباسي، كانت قطر بين بلدان الساحل العربي على الخليج التي ترعرع فيها الزنج وراجت دعوتهم، ثم القرامطة حتى تلاشى أمرهم في القرن السابع للهجرة.

وفي القرن الثامن الهجري استولى بنو نبهان العمانيون على قطر. ولم يطل مقامهم بها، وتناوب عليها بعدهم كثير من البحرينيين. انظر: عمان، تاريخ. في عام 1517م استولى البرتغاليون على قطر ضمن بقية أجزاء الخليج العربي. وفي عام 1537م أرسل السلطان العثماني سليمان القانوني أسطولاً بقيادة سليمان باشا والي مصر لطرد البرتغاليين، وتمكن هذا الأسطول من القضاء على البرتغاليين وطردهم من هذه البلاد واستولى على البحرين والقطيف وقطر.

في الدولة السعودية الأولى استولى عبدالعزيز بن محمد على قطر، بعد أن جرد لها حملتين إحداهما عام 1202هـ بقيادة سليمان بن عفيصان والأخرى عام 1208هـ بقيادة ابراهيم بن عفيصان. وفي عام 1267هـ أعاد السعوديون غزوهم لقطر في عهد الإمام فيصل بن تركي، وطلب آل ثاني الأمان فأمنهم الأمير السعودي إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، فقد تدخلت الدولة العثمانية واستولت على الأحساء وقطر إثر نزاع وقع بين الأميرين الشقيقين عبدالله بن فيصل وسعود بن فيصل.


آل ثاني في قطر
يعد الشيخ ثاني بن محمد مؤسس أسرة آل ثاني. كان الشيخ ثاني خير عون لحاكم البحرين في حربه ضد بلاد فارس، إذ حقق انتصارًا ضد بلاد فارس عام 1782م. نقل الشيخ سلمان آل خليفة عاصمته من الزبارة إلى المنامة بالبحرين وأصبح آل ثاني حكامًا على قطر.

ويعد الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني المؤسس الحقيقي لدولة قطر، فقد كان من كبار الساسة، عمل نائبًا لوالده الشيخ محمد مما أكسبه خبرة ودراية سياسية كبيرة. عمل الشيخ قاسم آل ثاني على أن تكون قطر بلدًا موحدًا مستقلاً، مما استدعى تدخل بريطانيا التي ازداد نفوذها في تلك الآونة.

في عام 1878م تولى إمارة قطر رسميًا الشيخ قاسم ابن محمد بعد وفاة والده. لمع نجم الشيخ قاسم بعد أن وحد قطر وزادت شعبيته، وامتنع عن دفع الضريبة التي كان يدفعها لحاكم البحرين. أثار بروز نجم الشيخ قاسم مخاوف العثمانيين من أن ينقض عليهم فأرسلت الدولة العثمانية جيشًا للقضاء عليه وطلبت من الكويت أن ترسل جيشًا للمساعدة، إلا أن الجيش الكويتي تلكأ في السير عمدًا حتى وصل الجيش العثماني. وقد انتصر الشيخ قاسم على العثـمانيـين، وأرسى دعائـم استقـرار البـلاد والحكـم لآل ثاني في هذه الفترة.


التدخل البريطاني. حاولت الدولة العثمانية التقرب إلى بريطانيا علّها تساعدها في تسوية علاقاتها مع دول البلقان فتنازلت لبريطانيا عن حقوقها في قطر، ووقعت اتفاقية بذلك على أن يبقى الشيخ قاسم في الحكم هو وأولاده. كما تدخلت بريطانيا في النزاع بين قطر والبحرين؛ فقد كانت هناك معاهدة بين حاكم البحرين والبريطانيين تقضي بعدم قيام أي حرب أو أي أعمال قرصنة في الخليج مقابل الحماية البريطانية الخارجية للبحرين. وفسرت بريطانيا اشتراك البحرين وأبو ظبي في حربهما ضد قطر بأنه نقض للمعاهدة المبرمة بينهما. فطلب المقيم البريطاني في الخليج من حاكم البحرين أن يسلم كل السفن التي تملكها أسرته للقائد البحري البريطاني فأحرقها البريطانيون ودمروا قلعة أبو ماهر في مدينة المحرق وطلب المقيم من حاكمي البحرين وأبو ظبي دفع غرامة لحاكم قطر. وفي 12 من سبتمبر عام 1868م وقّع القائد البريطاني نيللي مع محمد آل ثاني معاهدة سلام في الدوحة أعادت الأمر لما كان عليه قبل الحرب.

مرت قطر بقلاقل وفتن داخلية عام 1905م أيام حكم قاسم آل ثاني، ويرجع الفضل للملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية في مساعدة الشيخ قاسم على حسم تلك الخلافات وإخماد الفتن، وإعادة الأمور إلى نصابها. وقد خشي الإنجليز من أن ينافسهم الملك عبدالعزيز في مناطق الخليج فوقعوا معه معاهدة دارين، التي تعرف أيضًا باسم معاهدة القطيف في ديسمبر 1915م. كما وقعوا اتفاقية مع حاكم قطر تقضي بأن تظل قطر تحت الحماية البريطانية. واستمرت قطر ـ بناءً على هذه الاتفاقية ـ تحت الحماية البريطانية حتى عام 1971م وهو العام الذي نالت فيه استقلالها التام.

وفي فبراير 1972م تقلد صاحب السمو الشيخ خليفة آل ثاني مقاليد الحكم. وتولى الحكم من بعده ابنه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في يونيو 1995م.

abo rashid
05-09-2006, 12:34 PM
قطـر حديثًا

العلاقات الخارجية. بعد أن نالت قطر استقلالها سعت إلى خلق علاقات قوية مع جيرانها من دول المنطقة، ومع بقية البلاد العربية وسائر أقطار العالم. وقد بدأت علاقاتها الخارجية بالانضمام إلى جامعة الدول العربية عام 1971م أي في العام نفسه الذي نالت فيه الاستقلال. كما أصبحت في العام نفسه أيضًا عضوًا في الأمم المتحدة.

وفي عام 1981م اشتركت قطر مع جاراتها من دول الخليج في تكوين مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وظلت تعمل متعاونة مع جيرانها لتحقيق الأمن العسكري والاقتصادي الداخلي والخارجي. وإضافة إلى ذلك فقد انضمت دولة قطر إلى بعض المنظمات الاقتصادية العالمية فهي من الأعضاء المهمين في منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك).


الاقتصاد. اعتمد اقتصاد قطر منذ تاريخها القديم، وحتى قُبيل منتصف هذا القرن، على الحرف التقليدية وعلى صيد اللؤلؤ. وأصبح اقتصاد البلاد يعتمد على النفط منذ اكتشافه في عام 1939م.

ومنذ أواسط سبعينيات القرن العشرين آلت ملكية صناعة النفط إلى الحكومة القطرية، وبدأت في العمل على تطوير إنتاجه ومنتجاته. وتُعد قطر اليوم من أغنى أقطار العالم حسب متوسط دخل الفرد.


الزراعة. تهتم دولة قطر بالزراعة اهتمامًا كبيرًا، رغم أن أغلب أراضيها لا تصلح للزراعة. وقد نجحت البلاد في إنتاج كثير من الخضراوات لدرجة أن الإنتاج المحلي يغطي حاجة كل سكان قطر. ومما ساعد على اهتمام المواطنين بالزراعة أن الدولة تقدّم البذور المحسَّنة بلا مقابل لكل المزارعين، كما تقدّم لهم المبيدات الحشريّة والأسمدة اللازمة. وقد جذبت هذه المساعدات التي تقدمها الدولة للمزارعين عددًا كبيرًا من الناس للعمل في هذا المجال، فازدهرت زراعة الفواكه إلى جانب الخضراوات.


الصناعة. تقوم صناعة قطر أساسًا على النفط وتصفيته، وعلى إعداد مشتقاته وتصنيعها. وتشمل الأسمدة والعقاقير والعطور والبلاستيك وغيرها. وتعادل صناعة النفط ومشتقاته 70,7% من دخل قطر الكلي. وإضافة إلى النفط فهناك مصانع للحديد والإسمنت والبلاستيك. ومصانع ضخمة للأسمدة. وتأتي الأسمدة في المرتبة الثانية في قائمة التصدير في دولة قطر.


نظام الحكم. يقوم الحكم في قطر على نظام الإمارة؛ وللبلاد أمير يقوم بتعيين مجلس الوزراء، ويتكون مجلس الوزراء من 17 عضوًا، وإلى جانب مجلس الوزراء هناك مجلس شورى يساعد الأمير في إدارة دفة الحكم. ويأتي أعضاء هذا المجلس عن طريق التعيين. ويتكون التشكيل الحالي لمجلس الشورى من 30 عضوًا.


السكان. منذ اكتشاف النفط عام 1939م استمر ازدياد الوافدين إلى قطر بشكل واضح وأغلبهم من الدول العربية المجاورة. وتوضح الإحصائيات أن عدد سكان قطر قد تضاعف20مرة خلال الفترة الممتدة من عام 1950م إلى عام 1990م. كما توضح أيضًا أن 95% من سكان قطر من أصل عربي.


التعليم. تسعى دولة قطر إلى نشر التعليم والوعي بين أفراد الشعب، وتقدمه بلا مقابل لسائر المواطنين. وقد بدأ التعليم بإنشاء مدرسة واحدة عام 1952م واستمر في الازدياد السريع المتلاحق حتى تضاعف عدد المدارس أضعافًا كثيرة خلال ثلاثة عقود من الزمان. وتوضح إحصائية عام 1990م أن عدد المدارس في قطر قد بلغ 160 مدرسة. وانتشرت فصول محو الأمية وتعليم الكبار في سائر أرجاء قطر فأصبح أكثر من 80% من السكان الآن يعرفون القراءة والكتابة. ولا يزال التوسع مستمرًا في مجال التعليم.


الخدمات العامة. اهتمت الدولة في قطر بكل ما يحقق سعادة ورفاهية أفراد المجتمع. فأنشأت في المجال الصحي عددًا من المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية. وأمدتها بالأطباء المختصين والأدوية اللازمة، كما أنشأت شبكة من الطرق البرية تربط أطراف البلاد وتسهل تنقل المواطنين دون عناء. كما أنشأت عددًا من دور الرعاية الاجتماعية التي تهتم بشؤون المحتاجين من أهل البلاد. وقد حفرت الدولة آبارًا ارتوازية يبلغ عددها نحو خمسين بئرًا في المنطقة المعروفة باسم روضات راشد لاستخراج المياه العذبة. كما أنشأت بها محطة للكهرباء، ومحطة للأسلاك، وهذه المنطقة تبعد عن الدوحة بنحو 22كم في اتجاه الجنوب الغربي.

وأنشأت الدولة كذلك أماكن عامة وميادين لراحة المواطنين وقامت ببناء عدد من المباني الحكومية الضخمة التي تدار منها شؤون البلاد وتُؤدى فيها حاجات المواطنين. وتقدم الحكومة قروضًا ومساعدات للمواطنين لإنشاء مساكنهم بالصورة التي يريدونها. وقد انتشرت المباني الحديثة في سائر أجزاء قطر خاصة في الدوحة. انظر: الدوحة.

وتعمل الحكومة القطرية على تحقيق مزيد من الرخاء والتقدم للشعب القطري.

ترأست قطر منظمة المؤتمر الإسلامي حتى عام 2003م، حيث استضافت الدوحة قمة المؤتمر التاسعة في نوفمبر 2000م.

وفي 16 مارس 2001م أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها في النزاع بين قطر والبحرين معلنة سيادة الدوحة على فشت الديبل والزبارة وجزيرة جنان، وسيادة المنامة على جزر حوار وقطعة جرادة.

abo rashid
05-09-2006, 12:37 PM
تقع البحرين بين دولتي قطر والمملكة العربية السعودية. وهي مجموعة جزر في الخليج العربي على شكل مستطيل، وكانت في الأصل جُزُرًا متصلة بالجزيرة العربية، وقد انفصلت عنها بسبب حركة القشرة الأرضية في العصور الجيولوجية المختلفة. والبحرين قريبة جدًا من الدمام، الميناء السعودي في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وقريبة أيضًا من قطر، إذ تبعد عن البلدين مسافة لا تزيد عن 20كم تقريبًا.

وتتكون البحرين من جزر عدة، أكبرها البحرين والمحرق ويربطهما جسر، وجزر أخرى صغيرة وتبلغ مساحة البحرين حوالي 27,707كم² تقريبًا، ويصل عدد سكانها في الوقت الحاضر إلى حوالي نصف مليون نسمة، معظمهم من العرب يرجعون في أصولهم وأنسابهم إلى القبائل العربية الأصيلة التي تغطي مناطق الجزيرة العربية، وقد ارتحلت إليها في مناسبات وظروف مختلفة، وأكبر عشائر البحرين العتوب، ثم الدواسر وغيرهم ممن يقطنون البحرين. وتوجد في البحرين جاليات من أصول فارسية ومن هنود وباكستانيين وأوروبيين من دول متعددة مثل: البريطانيين، والفرنسيين، والهولنديين، والألمان، والأمريكيين وغيرهم.

وموقع البحرين مهم جدًا في منطقة الخليج العربي، ومهم أيضًا بالنسبة لمناطق الشرق: الآسيوية والإفريقية. فموقع البحرين يسيطر على الطرق البحرية المهمة الفاصلة بين العراق والهند، وهو يتوسط الخليج العربيّ، ولا يبعد كثيرًا عن السعودية، وقد رُبطَ البلدان بريًا عن طريق جسر يوصل بينهما عبر مياه الخليج العربي جسر الملك فهد، الذي يمتد من شاطئ العزيزية بمدينة الخُبر السعودية إلى شاطئ الجسرة في البحرين، ويبلغ طول هذا الجسر حوالي 25كم، مما يعمل على تسهيل حركات النقل والتنقل، ويعمل أيضًا على تسهيل الحركة التجارية بين البلدين، ويدعم العلاقات السياسية بينهما، ويقوي الصلات الاجتماعية بين شعبي الدولتين. وموقع البحرين مهم بالنسبة للتجارة والملاحة الدولية في مياه الخليج العربي، ومياه البحار الشرقية الدافئة الموصلة إلى مناطق الشرق الآسيوية، وهو أمر جعل من البحرين محط رجال الأعمال، وظلت قديمًا معرضة للدول الطامعة بالسيادة المطلقة على الخليج العربي.

يتميز سطح البحرين بأنه سطح مستو لا جبال فيه ولا أنهار، وتتخلله مجموعة صغيرة من العيون المائية التي تقوم عليها الزراعة في البحرين، خاصة زراعة النخيل، وهي قليلة نسبيًا إذا ما قيست بزراعة النخيل في مناطق الجزيرة العربية الأخرى.

ومناخ البحرين بوجه عام حار في الصيف مع رطوبة شديدة، وفي الشتاء دافئ نسبيًا، وأمطاره قليلة. والبحرين قليلة المياه العذبة، وقليلة الأرض الزراعية، ولذلك فهي بلد محدود الإمكانات والطاقات الاقتصادية، غير أنَّ لها موقعًا إستراتيجيًا لفت إليه انتباه دول العالم ذات الصلة بمنطقة الخليج العربي.


حكم آل خليفة في البحرين
نزح آل خليفة وآل صباح والجلاهمة وغيرهم من موطنهم الأصلي في الهدار في منطقة الأفلاج في جنوبي نجد وتوجهوا صوب مناطق الخليج العربي الساحلية مثل قطر فالكويت والبحرين. وكان آل خليفة بزعامة شيخهم محمد آل خليفة قد غادروا الكويت بعد خلاف نشب بينهم وبين أبناء عمومتهم آل صباح، واتجهوا صوب جزر البحرين في الخليج، لكن حكام جزر البحرين وقتذاك وهم من آل مذكور من قبيلة المطاريش لم يسمحوا لآل خليفة بالنزول في البحرين والاستقرار فيها، مما اضطرهم إلى التوجه صوب موقع بلدة الزبارة في قطر، فنزلوا فيها عام 1179هـ، 1765م تحت قيادة شيخهم محمد بن خليفة الذي أسس الزبارة وكان يتصف بالورع والتقوى ورجاحة العقل؛ مما أعجب أهالي الزبارة في قطر فأمّروه عليهم، فأحسن معاملة الجميع، وأكرم العلماء، وأنشأ بعض المدارس وهي أشبه بالكتاتيب، وبنى عددًا من المساجد.

وقد حصن آل خليفة مدينة الزبارة مركز استقرارهم الجديد. وعملوا في صيد اللؤلؤ والتجارة، وأصبحت التجارة في عهدهم مزدهرة، وجذبت مدينتهم الزبارة عددًا من العاملين في التجارة وصيد اللؤلؤ خاصة من أبناء عمومتهم العتوب، الذين بدأوا يتوافدون إلى الزبارة للإقامة فيها والعمل في البحر والتجارة وغير ذلك من الأْعمال الأخرى خاصة وأن التجارة حرة فلا ضرائب مع البضائع مما أدى إلى نشاط التجارة.

توفي الشيخ محمد آل خليفة مؤسس مشيخة البحرين عام 1186هـ، 1772م، وخلفه ابنه خليفة بن محمد آل خليفة. وتمكن آل خليفة، بزعامة أحمد بن محمد آل خليفة بمساعدة أقربائهم الجلاهمة وقبائل قطر والأحساء، من طرد الإيرانيين من البحرين بعد وفاة كريم خان ونشوب الخلافات في إيران. وبناء عليه بدأ حكم آل خليفة على البحرين كما انتهى حكم إيران لها. وكذلك فإنَّ الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة لم يبق في البحرين بعد ضمها لسيادته، وإنما عاد إلى الزبارة في قطر، وأرسل من ينوب عنه لحكم البحرين، وظل يتنقل من حين لآخر بين كل من البحرين وقطر، وظل الأمر كذلك حتى وفاته عام 1209هـ، 1794م، فخلفه في الحكم ابنه سلمان آل خليفة الذي نقل حكم آل خليفة إلى البحرين، واتخذ من مدينة الرفاع في البحرين عاصمة له. وبدأ الشيخ سلمان آل خليفة ينظم شؤون مشيخته الجديدة في البحرين عوضًا عن الزبارة في قطر لتكون إمارتهم ومركز إقامتهم. وبدأ آل خليفة مرحلة من البناء الجاد في البحرين، خاصة في مجال الإدارة والعمران.


البحرين والدولة السعودية
غزت الدولة السعودية الأولى قطر عام 1208هـ، 1793م، وتمكنت قواتها بقيادة إبراهيم بن عفيصان من دخولها. وثبتت الدولة السعودية الأولى وجودها في قطر خاصة في بلدان: اليوسفية، وفريحة والرويضة والحويلة. وبعدها حاصر إبراهيم بن عفيصان آل خليفة في مدينة الزبارة مركز قطر بعد أن أخذ الإذن بذلك من الإمام السعودي عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ثاني أئمة الدولة السعودية الأولى. وشدد إبراهيم بن عفيصان من حصاره للعتوب من آل خليفة، فاضطروا إلى الجلاء عن الزبارة وتوجهوا صوب البحرين وسكنوا بلدة جو. ولم تتم إقامة آل خليفة في البحرين لأنها خضعت لحكم السيد سلطان بن أحمد حاكم مسقط عام 1215هـ، 1800م، فعادوا من جديد إلى الزبارة في قطر بعد أن أعطاهم آل سعود الأمان.

تعاون آل سعود في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز مع آل خليفة في استرجاع البحرين من حاكم مسقط، إلا أن إبراهيم بن عفيصان قائد الحملة السعودية وأميرها لم يسلِّم حكم البحرين إلى آل خليفة، بل أعلن عن ضم البحرين إلى الدولة السعودية الأولى. وحاول آل خليفة إجلاء القوات السعودية عن البحرين لكنهم لم يوفقوا. ولم يكتف إبراهيم بن عفيصان بذلك وإنما أرسل رؤساء آل خليفة إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى. وصدرت الأوامر الرسمية بتعيين إبراهيم بن عفيصان أميرًا على البحرين، وفهد بن سليمان بن عفيصان قائدًا عامًا لحاميتها السعودية.

ولم يدم هذا الوضع طويلاً لأن آل خليفة استعانوا بحاكم مسقط، ودولة الفرس، وأقاربهم من العتوب وهاجم الجميع الحامية السعودية في البحرين وأجلوها عن البلاد بالقوة، وأسروا قائد الحامية فهد بن سليمان بن عفيصان ومعه ستة عشر رجلاً، واتخذوا منهم رهائن حتى تطلق الدرعية سراح آل خليفة فيها. وعلى الرغم من محاولة إبراهيم بن عفيصان، يساعده في ذلك رحمة بن جابر الجلاهمة، استرداد البحرين من القوة المتحالفة، إلا أنه لم يفلح، وبالتالي فقد أسدل السعوديون الستار على الأمر، لأنهم انشغلوا في مسألة أكثر أهمية وهي دخولهم في مواجهة حملات محمد علي باشا التي وجهت بأمر الدولة العثمانية للقضاء على الدولة السعودية الأولى. وبناءً عليه، فإن الحكم السعودي في البحرين لم يكن حكمًا مستقرًا، ولم تكن قبضة الدولة السعودية الأولى على البحرين مثل قبضتها على قطر. ولا شك في أن موقع البحرين ساهم إلى حد كبير في عدم تركيز نفوذ أو سلطة الدول المجاورة في البحرين، لأن البحرين تحتمي بخط دفاعي طبيعي هو مياه الخليج العربي.

في تلك الحقبة حدثت خلافات أسرية بين آل خليفة اضطرت الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة إلى الاستنجاد بالإمام السعودي عبدالله بن ثنيان الموجود وقتذاك في معسكره في الرمحية عام 1258هـ، 1842م، لكن عبدالله بن ثنيان لم ينجده لأنه كان مشغولاً في تثبيت حكمه.

قرر الإمام السعودي فيصل بن تركي الذي تغلب على عبدالله بن ثنيان واستلم حكم الدولة السعودية الثانية غزو البحرين وضمها إلى الدولة السعودية أو على الأقل إجبار شيوخها على دفع الزكاة للسعوديين أصحاب النفوذ القوي في منطقة الخليج العربي.

ولم ينجح مشروع الإمام فيصل بن تركي الرامي إلى ضم البحرين لسببين هما: أ- هجوم الشريف محمد بن عون شريف مكة المكرمة على القصيم ومعه خالد بن سعود الذي كان قد حكم نجدًا في ظل سيادة محمد علي باشا المستقل عن العثمانيين. ب- الرفض البريطاني للزحف السعودي. حيث كانت بريطانيا تفكر جديًا آنذاك في وضع البحرين تحت سيادتها وحمايتها، انسجامًا مع السياسة التي رسمها بالمرستون وزير خارجية بريطانيا الذي تبنى استراتيجية التوسع الاستعماري البريطاني ليس في منطقة الخليج فحسب، بل في كل الجهات والمواقع ذات الأهمية الاستراتيجية في المحافظة على خط مواصلات الإمبراطورية البريطانية في الشرق مما تناقض بشكل صارخ مع سياسة الأمير السعودي الإمام فيصل بن تركي.

ومع أن الإمام فيصل بن تركي لم يوفق في ضم البحرين إلى دولته بسبب التعنت البريطاني، فقد أشار تقرير لويس بلي المعتمد البريطاني في الخليج الذي زار الرياض وقابل الإمام فيصل بن تركي عام 1282هـ، 1865م إلى أن دولة الإمام فيصل بن تركي أخذت الزكاة العينية أو النقدية من شيوخ البحرين وأبوظبي ودبي وأم القيوين وعجمان والشارقة وسلطنة مسقط.

ومن جهة أخرى شكل الإيرانيون خطرًا على البحرين، وكانوا دائمًا يشجعون الخلاف الأسري فيها. وحاول الإيرانيون في وقت ما التقارب مع بريطانيا ضد المشيخات العربية في ساحل الخليج الشرقي، ولكن ظل الموقف البريطاني مترددًا وفاترًا تجاه هذا الطلب الإيراني، وظلت بريطانيا تحاول إبعاد البحرين عن النفوذين الإيراني والعماني، ولما شعر آل خليفة بما يحيط بهم من أخطار طلبوا من بريطانيا أن يضعوا علمها على سفنهم، كانتماء للوجود البريطاني في المنطقة، وللمحافظة علي عدم خضوعهم للقوى المحلية المجاورة التي تحيط ببلادهم البحرين. علمًا بأن بريطانيا كانت دائمًا تحاول الإفادة من الظروف الدولية والمحلية في تطبيق سياستها في منطقة الخليج العربي.

وهكذا نلحظ أن تاريخ البحرين الحديث ظل يمر بأزمات داخلية بسبب الخلاف والحروب التي اندلعت بين أفراد أسرة آل خليفة، مما أضعف البحرين في تلك الحقبة واستنفد مواردها الطبيعية. وأثر على الحياة الاجتماعية فيها بسبب ما انتاب البحرين من حروب وثورات وفتن داخلية.

abo rashid
05-09-2006, 12:38 PM
البحرين وبريطانيا
أجمع آل خليفة ووجهاء البحرين وبتأييد من بريطانيا على إسناد الحكم إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الذي كان يعيش في الزبارة في قطر بعيدًا عن الخلافات الأسرية والاضطرابات التي تسود البحرين. فانتقل الشيخ عيسى من الزبارة إلى البحرين عام 1286هـ، 1869م. وبعد أن وطد الحكم وسيطر على الأمور الداخلية في البلاد فكر أن يستعين ببريطانيا صاحبة النفوذ الأول في الخليج من أجل حمايته ومساعدته ضد أطماع الدول المحلية المجاورة وقتذاك، ويأتي على رأسها دولة فارس وسلطنة مسقط. فوقع مع بريطانيا معاهدة عام 1297هـ، 1880م، وجددت تلك الاتفاقية عام 1310هـ، 1892م، وقد تم بموجبها الآتي: 1- لا يحق لشيخ البحرين أن يتنازل عن أي جزء من أرضه إلى أي جهة سوى بريطانيا. 2- لا يحق لشيخ البحرين أن يعقد أي اتفاق أو يقيم أي علاقة مع أي دولة أخرى دون علم بريطانيا.

ومما يلاحظ على هذه الاتفاقية أن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ألزم نفسه وألزم كذلك من يخلفه من شيوخ البحرين بالامتناع عن الدخول في مفاوضات أو إبرام معاهدات من أي نوع ومع أي دولة غير دولة بريطانيا. وتعهد الشيخ كذلك بمنع أي حكومة غير الحكومة البريطانية بإنشاء أية مشاريع أو استئجار أي جزء في البحرين بغير موافقة بريطانيا.

وألحقت بمعاهدتي عام 1297هـ، 1880م و1310هـ، و1892م معاهدة ثالثة عام 1311هـ، 1893م التزم فيها الشيخ بتحريم توريد السلاح مهما كان نوعه إلى مشيخة الكويت. وأنشأت بريطانيا وكالة سياسية لها في البحرين عام 1318هـ، 10 فبراير 1900م، وهو أمر يمتد بجذوره إلى الاتفاقيات المعقودة بين البحرين والحكومة البريطانية، وأصبحت تلك الوكالة السياسية البريطانية تابعة للمقيم البريطاني العام في الخليج العربي.

وأبعد من ذلك فقد التزم الشيخ عيسى بتعهد للحكومة البريطانية يتم بمقتضاه أن يؤكد شيخ البحرين ويلتزم بأنه في حال احتمال وجود النفط في بلاده البحرين فإنه لن يستثمره بنفسه، وليس له الحق أن يفاتح أحدًا بخصوصه بدون استشارة المستشار البريطاني في البحرين، وبعد الحصول على موافقة الحكومة البريطانية السامية ـ وهو أمر ثقيل جدًا على الشيخ عيسى نفسه وعلى حكام البحرين من بعده. ومثل هذه الاتفاقيات تبين لنا بوضوح كيف كبلت بريطانيا مشيخة البحرين، وتمكنت منها وسيطرت عليها سيطرة أكيدة.

وجدير بالذكر هنا أن بريطانيا كانت قد تدخلت في شؤون الفتنة الأهلية التي انتابت الحكم. ففرضت على حاكم البحرين الشيخ عيسى كل ما تريده. وفي المراحل الأخيرة من حياته طلب من بريطانيا أن يكون ابنه وولي عهده الشيخ حمد معاونًا ومساعدًا له في الأمور التي تنوب الحكومة لأن فيه الكفاية والسداد وقد طال حكم الشيخ عيسى بن علي كثيرًا ليصل إلى أكثر من نصف قرن حافلة بالحوادث الداخلية والخارجية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن جذور الحماية البريطانية في البحرين يمتد إلى أبعد من عام 1297هـ، 1880م، العام الذي وقعت فيه بريطانيا مع البحرين معاهدة عام 1297هـ، 1880م، إذ بدأ التدخل البريطاني الفعلي في البحرين عام 1236هـ، 1820م حينما عقدوا مع شيخ البحرين سلمان بن أحمد آل خليفة اتفاقية لمنع القرصنة في الخليج عامة والبحرين خاصة. وأرغم الإنجليز الشيخ عبدالله بن أحمد بن محمد رفض مبدأ خضوع البحرين للسيادة العثمانية ممثلة بسيادة محمد علي باشا الذي فكر في السيطرة على البحرين بعد نجاحه في القضاء على الدولة السعودية الأولى عام 1234هـ، 1818م. ووقعت بريطانيا مع الشيخ محمد بن خليفة معاهدة اتفق بموجبها أن تعمل البحرين وبريطانيا معًا على منع الاتجار بالرقيق ومحاربة أعمال القرصنة، وعرض الخلافات القائمة بينه وبين جيرانه على الحكومة البريطانية التي تعهدت بحمايته مقابل ذلك. واعترف أيضًا بحق المقيم السياسي البريطاني في الخليج بمحاكمة الرعايا البريطانيين المقيمين في البحرين. وتدخل الإنجليز في حل الخلاف الذي نشب بين شيخ البحرين وقطر عام 1284هـ، 1867م. وهي التي خلعت الشيخ محمد بن خليفة بعد النزاع البحريني القطري، ونصبت الشيخ عيسى بعدما شعرت الحكومة البريطانية أن الوجود العثماني في الخليج أصبح كبيرًا وواسعًا في أعقاب حملة مدحت باشا على الأحساء، وتركيز النفوذ العثماني فيها، وشعرت بريطانيا أيضًا أن الدولة العثمانية تحاول جادة توسيع دائرة نفوذها السياسي في مناطق الخليج العربي بعد أن احتلت قطر عقب احتلالها منطقة الأحساء من الدولة السعودية الثانية.

وبعد اعتزال الشيخ عيسى عن حكم البحرين عين ولي عهده ونائبه الشيخ حمد بن عيسى على البحرين خلفًا لوالده الشيخ عيسى، وكان ذلك عام 1342هـ، 1923م، وبقى في الحكم إلى أن توفي عام 1361هـ، 1942م. وفي عهد الشيخ حمد ابن عيسى آل خليفة ألغت الحكومة البريطانية جميع المحاكم الوطنية في البحرين، وأقامت ديوانًا خاصًا للفصل في القضايا يتألف من الشيخ والمقيم البريطاني وتولى مديرون إنجليز شؤون الجمارك والزراعة والمواصلات والصحة والأشغال في مشيخة البحرين. وبعد وفاة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة تولى الحكم من بعده ابنه الشيخ سلمان ابن حمد بن عيسى آل خليفة. وظلت علاقة هذا الشيخ جيدة ببريطانيا، واستمر في الحكم إلى أن توفي عام 1381هـ، 1961م، وخلفه في حكم البحرين ابنه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.

وفي عام 1377هـ، 1957م، غادر المستشار البريطاني البحرين إلى بلاده بعد أن تنامت في البلاد حركة وطنية ضد الاستعمار البريطاني، وبدأت البحرين تشق طريقها نحو الاستقلال الذي تم رسميًا في عهد الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير دولة البحرين.


الحركة الوطنية في البحرين
يعدُّ المجتمع في البحرين أقرب مجتمعات المشيخات الخليجية إلى النظام الحضري، وأكثر بعدًا عن نظام البادية أو المجتمع القبلي. وأكثر فئاته الاجتماعية تعيش على عدد من الوظائف الاقتصادية ذات الطابع الاستقراري الحضري مثل الزراعة وصيد اللؤلؤ والأسماك والتجارة والحرف الصناعية، وكلها أعمال تحتاج إلى استقرار، وأن نظام الرعي في البحرين نظام ضعيف ويكاد يكون غير موجود حتى إن الولاء للقبيلة ذاب في مرحلة انتماء الفرد البحريني للمواطنة وطاعة النظام.

أخذ الشعور الوطني في البحرين ينمو بشكل تدريجي، خاصة بعد فتح المدارس العصرية الحديثة في البحرين، والتي يعود إنشاؤها إلى عام 1337هـ، 1919م، فظهرت في البحرين طبقة متعلمة مثقفة بين أهالي البحرين، وكان أكثر أفرادها من أبناء التجار والأغنياء في البلاد الذين يرتادون بلاد الدنيا من خلال رحلاتهم التجارية وغيرها. وبناءً عليه ظهر نوع من التذمر ضد السيادة الأجنبية في البحرين، ممثلة في السيطرة البريطانية على كل أمور البلاد، خاصة الناحية الاقتصادية فيها. وقد تعمق هذا المفهوم بعد اكتشاف النفط في البحرين في عهد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. وصدرت مجلة صوت البحرين وأصدر علي سيار صحيفة القافلة. ثم تأسست في البحرين النوادي الأدبية وغير الأدبية، وأصبحت ملتقى الأدباء والمثقفين والمفكرين البحرينيين، وبرزت في البحرين طبقة مثقفة ساهمت إلى حد كبير في الحركة الوطنية في البحرين منذ عام 1374هـ، 1954م. وقد عمل الجميع على مناهضة الاستعمار البريطاني والحد من تصرفاته في البحرين. وقد ساهمت الأحداث التي دارت في الوطن العربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية في نمو الحركة الوطنية في البحرين، مثل قيام جامعة الدول العربية، وتوقيع ميثاق الدفاع العربي المشترك ضد إسرائيل ومشروعاتها التوسعية في أعقاب الحرب الفلسطينية ـ اليهودية عام 1368هـ، 1948م، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر وغير ذلك من حوادث جسدت مرحلة النهوض القومي العربي.

وقد أدى تصاعد المد الوطني إلى قبول البريطانيين بمبدأ تجزئة الدوائر الحكومية عوضًا عن إدارتها من قِبَل أفراد بريطانيين. كما اضطرت السلطات البريطانية إلى القبول بمبدأ نقل السلطات في البلاد إلى الأهالي بشكل تدريجي، وقد ساهم ذلك في إنهاء الحكم البريطاني المباشر للبحرين.

abo rashid
05-09-2006, 12:38 PM
استقلال البحرين
ومن جهة أخرى، فقد كان على الشعب العربي في البحرين أن يواجه الادعاءات الإيرانية في البحرين، تلك الإدعاءات التي برزت بشكل خاص إثر قيام الدكتور محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني بتأميم النفط عام 1951م، حيث أعلن آنذاك أن لإيران حقوقًا في البحرين، وأن تلك الحقوق تقتضي أن يشمل التأميم شركة نفط البحرين. وهو أمر رفضه سكان البحرين، ورفضه الشعب العربي عامة وتصدوا له لإقتناعهم بزيف تلك الادعاءات وإيمانهم العميق بعروبة شعب البحرين وبحقه في السيادة على أراضيه.

وقد استمرت الحكومة الإيرانية في مطالبة البحرين إلى أن جوبهت بضغوط دولية شاركت فيها المملكة العربية السعودية، والحكومات العربية الأخرى. كما شاركت فيها العديد من المؤسسات والهيئات الدولية، وقد استجابت حكومة الشاه في إيران أخيرًا لتلك الضغوط فقبلت بمبدأ حق الشعب العربي في البحرين في تقرير مصيره.

أعلن الشاه في مؤتمر صحفي في مدينة دلهي بالهند عام 1389هـ، 1969م قبوله بحق شعب البحرين في تقرير مصيره، إما الاستقلال أو الانضمام إلى إيران أو الاتحاد معها، أو الاتحاد مع غيرها من مشيخات الخليج العربي، مقترحًا أن يجرى استفتاء عام في البحرين تحت إشراف الأمم المتحدة لتحديد خيارات الشعب البحريني.

رفض العرب في جامعة الدول العربية أن يجرى استفتاء رسمي في البحرين تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة لأن البحرين بلد عربي، وأن مثل هذه الظاهرة تعدُّ تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية للبحرين. واستقر الرأي أن يقوم الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة وكان وقتذاك يوثانت بإرسال موفد عنه يجمع المعلومات من البحرين من كل فئات سكانه عن الخيار الذي يريدونه حول المصير السياسي لبلادهم. فأرسل أوثانت مساعده الإيطالي جوشياردي لتقصي الحقائق. واتصل مبعوث الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بكل فئات السكان والعلماء ورؤساء المذاهب الدينية، والفئات غير العربية القاطنة في البحرين، فرأى إجماعًا على الاستقلال التام، حتى أن الفئات السكانية ذات الأصول الإيرانية أيدت الاستقلال التام البعيد كل البعد عن سيادة الآخرين على البحرين. وبناءً على ما جمعه مبعوث الأمين العام من معلومات، فقد قدم تقريرًا مفصلاًَ للأمين العام بيّن فيه رغبة سكان البحرين في الاستقلال التام غير المنقوص. فأعلن سكان البحرين وحكومتهم الاستقلال في 1391هـ، 14 أغسطس عام 1971م واعترف به من قبل مجلس الأمن في حال جلاء القوات البريطانية عن أرض البحرين.

وقد جلت قوات بريطانيا عن البحرين لكن هذا الجلاء اقترن بمعاهدة صداقة بين البحرين وبريطانيا تنص على التشاور بين الدولتين في حال دخول أحد الطرفين في حرب. وقد أخلى البريطانيون قاعدة الجفير عام 1391هـ، ديسمبر 1971م. ولكن تبيّن فيما بعد أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد استأجرت جزءًا من هذه القاعدة. وبهذا تكون البحرين أولى الأمارات الخليجية التي أعلنت استقلالها عن بريطانيا.

وبعد الاستقلال انضمت البحرين إلى عضوية هيئة الأمم المتحدة، وإلى جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وإلى جميع المؤسسات والهيئات الدولية. وهي اليوم عضو في مجلس التعاون الخليجي مع كل من المملكة العربية السعودية، وقطر والكويت ودولة الإمارات العربية وعمان. ولها دور مهم في مجال السياسة الدولية بحكم موقع جزرها في وسط الخليج العربي.

ومما لا شك فيه أن البحرين تتمتع بنهضة حديثة عصرية بفضل ما منحها الله من موارد طبيعية في باطن أرضها وكنوز طبيعية كبيرة، بالإضافة إلى موقع جزرها الاستراتيجي في مجال السياسة الدولية خاصة في الخليج، وفي مجال الملاحة والتجارة الدولية. ويؤلف النفط مصدرًا من مصادر دخل البلاد المهمة، وقد ساهم في قيام نهضة عمرانية كبيرة، وتقدم في مجالات التعليم والصحة والمواصلات، وفي مجالات التجارة والصناعة والزراعة.

وقد تحققت هذه النهضة في عهد الأمير الراحل سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الذى أرسى دعائم التقدم الكبير الذي شهدته البحرين في القرن العشرين الميلادي. وكان لسياسته الخارجية الواقعية أثرها في تقوية صلاته بدول الخليج خاصة والدول العربية عامة. وبعد وفاة سمو الشيخ عيسى عام 1999م، تسلم صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة مقاليد الحكم في البحرين وسار على السياسة السابقة نفسها خاصة وأنه ظل وليًا للعهد منذ يونيو 1964م، وكان عضد الأمير عيسى الأول.

وفي فبراير 2001م، وافق الشعب البحريني في استفتاء عام على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98,4%، وبموجب هذا الميثاق تم إعلان البحرين مملكة دستورية، وتم إعادة الحياة النيابية إليها بإقامة نظام المجلسين في ظل الدستور.

وفي 16 مارس 2001م، انتهى النزاع الحدودي بين البحرين وقطر بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها بتبعية جزر حوار وقطعة جرادة لدولة البحرين، وسيادة فشت الديبل والزبارة وجنان لدولة قطر.

وفي 14 فبراير 2002م، أصدر الشيخ حمد بن عيسى أمراً ملكياً جاء في مادته الأولى أن يكون اسم دولة البحرين مملكة البحرين، كما جاء في مادته الثانية أن يكون لقب عاهلها الرسمي ملك مملكة البحرين. وأعلن الشيخ حمد عن قيام الانتخابات البلدية خلال العام نفسه. وقد أعطت الأوامر الملكية المرأة حق الانتخاب للمرة الأولى في تاريخ البحرين، وتم تغيير النشيد الوطني واجراء بعض التعديلات على علم البحرين.

abo rashid
05-09-2006, 12:44 PM
الكويت، تاريخ. الكويت دولة عربية، تتمتع بعضوية الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وعلى الرغم من أن الكويت كانت تُعد من الدول الفقيرة حتى الحرب العالمية الثانية، إلا أنها أصبحت اليوم من أكثر بلاد العالم ثراءً وتقدمًا.

تقع الكويت على الساحل الغربي من الخليج العربي، يحدها العراق من الجانبين الشمالي والغربي، ومن الجنوب المملكة العربية السعودية. أما من جهة الشرق فإن دولة الكويت مفتوحة على الخليج العربي. ويبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب نحو 135كم، ومن الشرق إلى الغرب نحو 150كم. أما مساحتها فهي 17,818كم².

وقد أتاح هذا الموقع المتميز لدولة الكويت الفرصة في أن تكون جسرًا، يربط جزيرة العرب وبلاد الرافدين بالبحر وبآسيا وإفريقيا، كما مكَّنها من التأثير في التجارة البحرية التي تمر بالخليج دخولاً وخروجًا.

والمعروف أن آل الصباح وآل خليفة، حكام البحرين، ينتسبون كلهم إلى قبيلة عنزة وهي من أكبر القبائل العربية وأكثرها أصالة، ويرتقي نسبها إلى عناز بن وائل. وقد هاجر آل الصباح وآل خليفة من موطنهم في الهدار في مقاطعة الأفلاج في نجد. واتجهت الأسرتان أول الأمر إلى قطر ثم نزحتا عنها. وأخذتا تنتقلان على شاطئ الخليج العربي حتى بلغتا كوت (حصن) ابن عريعر وأقامتا فيه، ومن هنا جاءت تسمية الكويت ـ كما تقول بعض المصادر.


تاريخ الكويت القديم
وُجدت بعض الآثار في جزيرة فيلكا ـ مؤخرًا ـ يعود تاريخها إلى عام 5000 ق.م، مثل أختام الهند المربعة المعروفة، والأختام الأسطوانية التي كانت مستخدمة عند السومريين، يضاف إلى ذلك وجود أعمدة إغريقية التصميم ونقوش باللغة الإغريقية أيضًا، وقوالب صغيرة الحجم لرأس الإسكندر الأكبر، وتماثيل أخرى لبعض إلاهات الإغريق مثل: إفروديت (إلاهة الجمال) وإلاهة النصر، إلى غير ذلك من الآثار الإغريقية القديمة التي يعود تاريخها إلى نحو عام 250ق.م. وكل هذه الآثار ربما عدّت دليلاً على أن الكويت كانت بوابة الخليج والممر إليه. وقد اكتشفت هذه الآثار البعثة الدنماركية التي أجرت عمليات التنقيب في قرية تل سعيد عامي 1958 و1959م.

وتدل هذه المجموعة من الآثار ـ ومثلها كثير ـ على وجود علاقة بين سكان الكويت القدامى ووادي الرافدين ووادي السند وبلاد اليونان أيضًا. ويُرجح المؤرخون أن جزيرة فيلكا هذه كانت مركزًا تجاريًا مهمًا للإغريق، وأن الإسكندر الأكبر قد مر بها بسفنه أثناء فتوحاته لبلاد الشرق عام 334ق.م.

أما في العصر الجاهلي فقد كانت تلك المنطقة التي تضم دولة الكويت الحالية جزءًا من المنطقة التي اعتادت القبائل العربية أن تتجول فيها. ومن القبائل التي تجولت فيها قبائل بكر بن وائل، وأسد، وعنزة، وتميم. وكان الفرزدق الشاعر المعروف من شعراء هذه المنطقة.


الكويت فيما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين
كان القرن الخامس عشر الميلادي بداية اتصال الدول الأوروبية بالشرق عامة، وبالكويت وبدول الخليج العربية خاصة. وكانت البرتغال أول دولة أوروبية وصلت إلى الهند. وبعد قرن من ذلك التاريخ كان البرتغاليون قد كونوا لهم نفوذًا في منطقة الخليج كلها. ودارت بينهم وبين العثمانيين معارك، انتهت بانتصار العثمانيين الذين كانوا قد احتلوا العراق عام 1534م للاحتفاظ بميناء البصرة.

وظل البرتغاليون محتفظين بعلاقاتهم التجارية مع الخليج، وتبعهم الفرنسيون والهولنديون والإنجليز، وازداد نفوذ الإنجليز بمرور الزمن. واهتموا بالكويت وبالبصرة؛ لأنهما أصبحتا تشكلان طريقًا سريعًا للاتصال بأوروبا. فكانت الرسائل البريدية والأمور العاجلة تُرسل من الهند إلى الخليج (الكويت والبصرة)، ومنهما ترسل برًا عن طريق الصحراء إلى سوريا وتركيا فأوروبا، وقد ترسل إلى اللاذقية. وتكمل الرحلة بحرًا إلى اليونان، أو إلى إيطاليا، ومنهما عن طريق البر إلى بقية الأقطار الأوروبية. وقد تنافست إنجلترا وفرنسا في استخدام هذا الطريق الذي يمر بالكويت غالبًا لدرجة أن هذا التنافس كان من أسباب اندلاع حرب السنوات السبع بينهما؛ تلك الحرب التي استمرت من عام 1756م إلى عام 1763م.

وكان من آثار دخول الأوروبيين إلى منطقة الخليج واشتغالهم بالتجارة ظهور الغارات البحرية على السفن التجارية. وتذكر المراجع أن عددًا من العرب المنتمين إلى قبيلة كعب قد جاءوا من وسط الجزيرة، واستقروا شمالي الخليج العربي، وفرضوا سيطرتهم على شط العرب، وقاموا بعدد من الغارات على السفن الأوروبية بمياه الخليج. كما تذكر المصادر قصة أحد أبناء الكويت، ويدعى رحمة بن جابر، الذي أصبح سيد مياه الخليج، وله عدد كبير من الأتباع يصل عددهم إلى نحو ألفي رجل. وقد استقر في مقاطعة الأحساء وبنى قلعة حصينة أصبحت مقرًا لقيادته.


التاريخ الحديث للكويت
تجمَّع الناس حول الكويت وكثرت أعدادهم، وقاموا باختيار حاكم لهم. وكان أول حاكم للكويت هو الصباح الأول، الذي أسس دولة الكويت الحديثة، وإليه ينسب آل صباح. وقد استمر حكمه للكويت من عام 1752م وحتى عام 1762م. وترجع بعض الوثائق التاريخية تأسيس الكويت إلى نحو مائة سنة قبل هذا التاريخ تحدد بسنة 1022هـ، 1613م. وبعد صباح الأول خلفه في حكم الكويت الشيخ عبد الله (1762 إلى 1815م)، الذي حكم الكويت لمدة أربعين سنة. ومن عام 1815 وحتى عام 1859م حكم الكويت الشيخ جابر الأول. وقد بلغت الكويت في عهده درجة من القوة جعلت الحكومة العثمانية ـ رغم سطوتها ـ تستعين به في استعادة البصرة، وإخماد الفتنة التي قامت فيها. وقد ازدهرت الكويت في عهده ازدهارًا كبيرًا وانتشر العمران، كما أكمل بناء السور الأول حول مدينة الكويت، وكان السور ضخمًا وله ستة أبواب. وتذكر المراجع أن الإنجليز هبطوا الكويت في عهده وحاولوا إقناعه بحمل الراية الإنجليزية فرفض.

ولما توفي خلفه ابنه صباح الثاني. ولم يستمر حكمه للكويت فترة طويلة، إذ توفي عام 1864م، فأعقبه في حكم الكويت الشيخ عبد الله الثاني بن صباح الثاني. وكان الشيخ عبد الله يشرك إخوته في الحكم وفي إدارة البلاد. وقد أقام علاقات طيبة مع كل من العثمانيين والإنجليز، حتى أنعم عليه الباب العالي التركي بلقب قائمقام عام 1871م. ولما توفي عام 1880م، تولى حكم الكويت أخوه محمد بن صباح الثاني. وقد حاول أن يشرك أخويه جرّاحًا ومباركًا في الحكم. تعاون معه جرّاح إلى حد بعيد، وتحمل معه عددًا من المسؤوليات في الدولة. أما مبارك فقد اختلف معهما، فأزاحهما واستولى على السلطة عام 1301هـ، 1883م. وقد ازدهرت الكويت في عهده، واستتب الأمن في الصحراء، وكثرت الثروة من التجارة والغوص.


النفوذ البريطاني في الكويت
اتسعت رقعة الإمبراطورية البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر، وسيطرت على عدد كبير من الأقطار الآسيوية والإفريقية، وصارت تُعرف باسم الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، وطمعت بريطانيا في أن تكون الكويت تحت حمايتها، فأرسلت من يتفاوض مع الشيخ مبارك الذي كان حاكمًا للكويت في ذلك الوقت. ووقع الشيخ مبارك مع المبعوث البريطاني (حاكم بوشهر) اتفاقية تنص على أن الكويت دولة ذات حكم مستقل ذاتي تحت الحماية البريطانية. وقد تم توقيع تلك الاتفاقية عام 1318هـ، 1899م. وفي عام 1323هـ، 1904م عيّن الإنجليز معتمدًا ساميًا إنجليزيًا.

وكان للشيخ مبارك جيش قوي قام بعدة معارك في الجزيرة والعراق. وكان له الفضل في تأسيس المدرسة المباركية عام 1329هـ، 1911م. وفي عام 1334هـ، 1916م توفي الشيخ مبارك الصباح فأعقبه ابنه جابر الثاني ابن مبارك الذي عمل على تخفيف الضرائب، وإصلاح علاقاته مع جيرانه، مما أدى إلى ازدهار التجارة في عهده. ولم تدم فترة حكمه طويلاً، فقد توفي عام 1336هـ، 1918م.

وتولى حكم الكويت بعد الشيخ جابر أخوه الشيخ سالم بن مبارك الصباح.

وأهم الأحداث التي جرت في عهده هي الحرب العالمية الأولى (1914-1918م). وحينما نشبت الحرب كان لابد لأية دولة من أن تتخذ موقفًا؛ وقد اختار الشيخ سالم بن مبارك الصباح أن يقف مع الأتراك المسلمين، ضد البريطانيين والحلفاء. وقد ساهم هذا الموقف في تدهور علاقته مع البريطانيين.

ومما عمله الشيخ سالم للكويت أنه بنى حول الكويت سورًا ثالثًا لصد أعدائه. كما دافع عن الكويت وعمل على رفعتها إلى أن توفي عام 1339هـ، 1921م. وبعد وفاته تولى حكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، وبدأ بإصلاح علاقات الكويت مع بريطانيا التي كانت قد ساءت أثناء حكم عمه الشيخ سالم. كما وطد العلاقات بين الكويت والبلاد السعودية؛ ففي وقته تم ترسيم الحدود بين الكويت والبلاد السعودية، وكان ذلك عام 1340هـ، 1922م. كما تم تحديد المنطقة المحايدة بين القطرين الشقيقين، وتم الاتفاق على أن يتناصف القطران خيرات هذه المنطقة. وأعطى الشيخ أحمد امتياز النفط في المنطقة المحايدة لشركة الكويت للنفط.

وقد شهدت الكويت في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح تقدمًا كبيرًا في كل المجالات، وبخاصة المجالات المعمارية والثقافية والعلمية. ففي المجال الثقافي والعلمي تم تأسيس المدرسة الأحمدية عام 1339هـ، 1921م، كما أُنشئت مدرسة السعادة عام 1343هـ، 1924م، وتلتها مدارس عديدة، وبدأ إرسال البعثات العلمية إلى الخارج، وانتداب المعلمين من سائر البلاد العربية للتعليم في الكويت. وتم إنشاء النادي الأدبي، والمكتبة الأهلية (مكتبة المعارف العامة الحالية). وازداد الاهتمام بالجانب الصحي، وأنشئت المستشفيات العديدة وكان أهمها المستشفى الأميري الكبير.


نقطة التحول في تاريخ الكويت
تنسب نقطة التحول في تاريخ الكويت الحديث إلى عصر الشيخ أحمد الجابر الصباح. فقد تم في عهده تركيز دعائم صناعة النفط، وتم منح امتيازه عام 1353هـ، 1934م للشركة البريطانية المسماة الشركة الأنجلو إيرانية لتعمل مع شركة الخليج الأمريكية. واتحدت الشركتان وكونتا شركة الكويت للنفط. وتم اكتشاف النفط في الكويت بمجهودات هذه الشركة عام 1937م. وباكتشاف النفط بدأ التحول الحقيقي والسريع في حياة الكويت، وبدأ التغير العام والانتقال فانتشر العمران وأنشئت مدينة الأحمدي التي سميت باسم الشيخ أحمد الجابر الصباح.

وقد عمل الشيخ أحمد على إشراك الكويتيين في الحكم، فتأسس مجلس شورى، وتبعه آخر عندما لم يُوَفَّق المجلس الأول، وأعقب بمجلس شورى ثالث. وقد أنشئت في عهد الشيخ أحمد الدوائر الحكومية المختلفة التي تقوم مقام الوزارات في البلاد الأخرى؛ ومنها دائرة البلدية، وهي أول دائرة تم تأسيسها، ودائرة المعارف، ودائرة الصحة، ودائرة الأوقاف. وكان عهده عهد استقرار ورخاء. وتوفي عام 1369هـ، 1950م. وخلفه في حكم الكويت الشيخ عبدالله بن سالم الصباح. وازدادت الكويت تقدمًا على تقدمها، وازدادت الثروة، وازداد الاهتمام بالشؤون الاجتماعية والثقافية، وزيدت الدوائر الحكومية؛ فأنشئت دائرة الشؤون الاجتماعية، والمطبوعات والنشر، والبريد والبرق والهاتف، والطيران المدني، والإسكان وزاد عدد المدارس. وتم إنشاء عدد كبير من المستشفيات الكبرى، وزيدت محطات الكهرباء وتحلية المياه، ونُظم الجيش والشرطة، وأنشئت الشركات الوطنية العديدة مثل: شركة الخطوط الجوية الكويتية، وشركة الغاز الوطنية، وبنك الكويت الوطني وغير ذلك.

abo rashid
05-09-2006, 12:45 PM
ويعد عصر الشيخ عبدالله سالم الصباح من أهم فترات تاريخ الكويت الحديث؛ فقد نالت الكويت استقلالها خلال عهده، وكان ذلك في 19 يونيو عام 1961م. وفي العام نفسه الذي تحررت فيه الكويت من الاستعمار البريطاني، التحقت بجامعة الدول العربية. وبعد عامين من استقلالها أصبحت الكويت عضوًا في هيئة الأمم المتحدة (وهي العضو رقم 111).

ولعلّ أهم إنجازات الشيخ عبدالله السالم صدور دستور الكويت في عهده (1382هـ، 1962م)، وإقامة الحياة النيابية، فهو أبو الحياة الدستورية والشورية في تاريخ الكويت.

وفي عام 1965م توفي الشيخ عبدالله سالم الصباح، وتولى حكم الكويت من بعده الشيخ صباح السالم الصباح. وقد ازداد عمران الكويت في عهده، وأصبحت لها شهرة عالمية وعلاقات اقتصادية وثقافية وسياسية واسعة مع كثير من أقطار العالم. وفي عهده أنشئت جامعة الكويت وبدأت الدولة مشروعات اقتصادية مع عدد من الدول العربية والآسيوية والإفريقية، كما قدمت الكويت إعانات لكثير من أقطار هذه القارات.

وبعد وفاته في 31/12/1977م أصبح الشيخ جابر الأحمد الصباح أميرًا على البلاد. وقد قام بإنجازات عظيمة أكسبته حب الكويتيين وغير الكويتيين، كما أن موقف العالم بأسره ومساندته للكويت ضد اجتياح الجيش العراقي للكويت، جعل الشيخ جابر الأحمد الصباح معروفًا في أرجاء العالم وذلك من خلال رحلته الشهيرة للأمم المتحدة ومخاطبته الجمعية العامة مخاطبة مؤثرة. انظر: الصباح، جابر الأحمد.

ويعتبر اجتياح قوات النظام العراقي للكويت واحتلاله في 1410هـ، 1990م من أكبر المحن التي مرت بها الكويت خاصة والأمة العربية عامة، إذ أدى ذلك إلى حرب الخليج الثانية بين العراق من جهة ودول التحالف من جهة أخرى. انظر: حرب الخليج الثانية. وكانت حربًا باهظة مكلفة للكويت والمملكة العربية السعودية والعراق، انتهت بهزيمة النظام العراقي.


مظاهر التحوّل في المجتمع الكويتي. حتى بداية الخمسينيات من القرن العشرين كانت مدينة الكويت محصورة في سور له خمسة أبواب، وكانت الطرقات رملية وطينية، والمنازل مبنية في الغالب الأعم من الطين اللّبِن، ولا يتميز منها سوى قصر الحاكم المسمى قصر السيف، نسبة إلى سيف البحر لوقوعه عليه.

وتم تخطيط الكويت الحديثة عام 1951م، وتم تنفيذه تدريجيًا، فأنشئت الطرق الواسعة والمباني الحكومية الكبيرة. وتغير نمط السكن، فتحولت المنازل الكبيرة التي تسكنها أسرة واحدة إلى وحدات السكن المستقلة.

وكان حتمًا أن يؤثر التحول الحضاري في الكويت اجتماعيًا، شأنه في ذلك شأن ما مس معظم دول العالم التي مرت بتجربة مشابهة. ومن أمثلة التأثيرات أن نظام السكن المستقل أثر في وحدة الأسرة الكبيرة وترابطها نوعًا ما. وكان النظام الاقتصادي في السابق يقضي بأن تعيش الأسرة الكبيرة في منازل متجمعة معماريًا حتى يمكن أن يقوم بعض الرجال بخدمة كل الأسرة، بينما يخرج الآخرون للغوص أو للرحلات التجارية. فأدى ذلك إلى ترابط اجتماعي وثيق. وبتحول نظم كسب العيش، أصبح من الممكن أن تعيش كل أسرة في سكن مستقل، فليس هناك ما يستدعي بقاء الرجال خارج البيت لأكثر من بضع ساعات في اليوم. ولطبيعة نظام السكن الجديد وانشغال كل أسرة بشؤونها المباشرة إلى حد كبير فقد أصبحت الكويت تواجه مشكلات التراخي الحتمي في الترابط الاجتماعي وتعمل لحلها.

يتكون المجتمع الكويتي من مجموعتين: مجموعة أولى، هي الأقدم وأساس المجتمع الكويتي، وتتكون من الجماعات والعشائر والأسر القديمة، وتسكن في أحياء المدينة الرئيسية، وتشمل الأسرة الحاكمة وكبار التجار الذين يملكون الشركات الكبيرة والمؤسسات الاقتصادية والبنوك، والمقاولات الضخمة. وإلى جانب فئة التجار هناك فئات كبار الموظفين والمثقفين، ثم العمال، وذوي الدخل المحدود من الكويتيين. وهذه المجموعة كلها متجانسة ولها حاجيات وطباع وعادات متقاربة.

أما المجموعة الثانية فتتكون من الوافدين الذين وفدوا إلى الكويت في هجرتين؛ الهجرة الأولى كانت هجرة غير منظمة جاءت من البلدان المجاورة مثل إيران (بعد تأميم شركات نفطها)، ومن فلسطين بعد اغتصابها، ثم من الهند والباكستان، وبقية البلاد الآسيوية والعربية والإفريقية. وتتكون الهجرة الثانية المنظمة من الموظفين والمعلمين والخبراء والعمال المهرة الذين احتاجت إليهم البلاد، بعد تدفق الثروة، للإسهام في عملية البناء السريع الكبير للبلد وطاقاته البشرية.

وتفاعلت المجموعات الوافدة مع المجتمع الكويتي، وخرج الكويتيون بأُسرهم للبلاد الأخرى واختلطوا بشعوبها، فأثر هذا تأثيرًا كبيرًا على الحياة الاجتماعية.

وقد أدى التطور الاقتصادي الهائل في الكويت إلى عدة تطورات، في مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم.

abo rashid
05-09-2006, 12:45 PM
الاقتصاد قديمًا وحديثًا

صيد اللؤلؤ. توارث الكويتيون وجيرانهم الخليجيون حرفة الغوص لصيد اللؤلؤ منذ زمن قديم. وقد برعوا فيها إلى حد كبير. وكانوا يقومون بالغوص في جماعات تخرج لهذه العملية التي تستغرق نحو أربعة أشهر من كل عام. وقد عرفوا مغاصات اللؤلؤ بالخليج وسموها الهيرات، ونظموا قوانين لهذه الحرفة، وتخصص في شراء اللؤلؤ تجار معروفون عُرفوا في الكويت باسم الطواشين، كانوا يقومون بشراء اللؤلؤ داخل البحر فور استخراجه وينقلونه إلى الطواشين الكبار، ويعيشون على ذلك. وظلت حرفة الغوص تدر أموالاً طائلة، وتمثل جانبًا مهمًا من اقتصاد الكويت حتى اكتشفت اليابان اللؤلؤ الصناعي قبيل ظهور النفط في الكويت بفترة وجيزة.


النقل البحري التجاري. استغل الكويتيون موقع بلادهم المتميز، الذي يربط بين البلاد العربية وبلاد الهند وإفريقيا؛ فعملوا في النقل التجاري بين كل هذه البلاد. كما جلبوا لبلادهم ما يحتاجون إليه من بضائع وأدوات وخامات مثل الأخشاب التي كانوا يصنعون منها السفن. وقد شكل النقل البحري التجاري جانبًا من اقتصاد الكويت، ولكنه تعطل أيضًا قبيل ظهور النفط مباشرة ثم ازدهر النقل بعد اكتشاف النفط، وأصبح اليوم يشكل جانبًا مهمًا من اقتصاد الكويت، ويمارس بالناقلات العملاقة.


صيد الأسماك. عرف الكويتيون صيد الأسماك منذ القدم، وقد اعتمد على الصيد عدد كبير منهم. وقد عرفوا أنواع الأسماك، فمنها الأنواع التي تؤكل وتشمل الزبيدي والشيم والنويبي والنقرور والبياح والميد، والسبيطي والهامور والشماهي والصبور. ومنها ما لا يؤكل ويشمل الحياسة والحاسوم والزّمرور والعنزة. كما عرفوا الأنواع المؤذية للإنسان، والتي تشمل الطبيجي واللخمة (بنوعيها العادية والطيارة) والفريالة والدجاجة وسمك القرش، الذي أطلقوا عليه اسم الجرجور.

وقد استمرت حرفة الصيد حتى بعد ظهور النفط، وتم تطوير معدات الصيد وزوارقه التي أصبحت مزودة بالثلاجات، ولها محركات تحركها بدلاً من الرياح أو المجاديف.


الزراعة. لم تكن الزراعة مزدهرة في الكويت بل كانت مقتصرة على مناطق قليلة جدًا. والمعروف أن الزراعة تعتمد على ثلاثة عناصر وهي التربة والمناخ والمياه. وكلها لم تكن ملائمة أو متوافرة؛ غير أن العلم الحديث قد يسَّر طرق التغلب على الصعاب التي تواجه الزراعة، فظهرت طرق تخصيب الأرض، وظهرت زراعة البيوت المحمية وغير ذلك. وأصبحت الكويت تنتج كميات من الخضراوات والبقول. غير أن الزراعة في الكويت لا تعد موردًا اقتصاديًا رئيسيًا اليوم، وأغلب الزراعة منحصرة في مجال التزيين والتجميل، لا في المجال الاقتصادي. وقريب من الزراعة تربية الماشية؛ فقد كانت تُمارس بطرق بدائية، وتطورت حاليًا، لكنها لا تُشكل وزنًا اقتصاديًا مؤثرًا.


الصناعة. عرف الكويتيون من الصناعة بناء السفن، وصناعة شباك الصيد، والنجارة والحدادة. وكان لهذه الصناعة أثر في الاقتصاد الكويتي قديمًا. أما بعد اكتشاف النفط، فقد تعطلت مثل هذه الصناعات ـ أو كادت ـ وحلت محلها الصناعات الخفيفة كالتغليف، والتعليب وغيرها من صناعة الأغذية، إضافة إلى التجميع والصيانة والخراطة والدهان، وصناعة الأثاث المعدني، والأبواب والنوافذ وخزانات المياه والأنابيب المعدنية، وصناعات مواد البناء من طوب وبلاط وإسمنت وجير وجص وأسبستوس. كذلك ازدهرت صناعة الأسمدة والمواد الكيميائية والبلاستيك وغيرها من الصناعات التي تعتمد على النفط ومشتقاته.

ويشكل النفط، وما تبعه من صناعات، العمود الفقري لاقتصاد الكويت؛ أما الصناعات الأخرى والحرف فلم يعد لها دور مؤثر في اقتصاد الكويت انظر: النفط. وهناك استثمارات اقتصادية خارجية كبيرة تدعم اقتصاد الكويت وتعززه. منها مثلاً، مشروع احتياطي الأجيال الذي نفِّذ خلال السبعينيات من القرن العشرين وهو يستخدم الأصول الخارجية لاستثمارات الكويت لضمان عائد متزايد يعزِّز الدخل الوطني. وعلى الرغم من أن الشيخ عبد الله الثاني الصباح قد صك عملة كويتية عليها اسم الكويت عام 1866م، إلا أنها توقفت (ولا توجد حاليًا إلا بالمتاحف). ولم تظهر العملة الكويتية الحديثة إلا في منتصف القرن العشرين.


التطور الصحي
كانت الأمراض في فترة ما قبل التطور الحديث تعالج في الكويت ـ كما في أغلب البلاد العربية والآسيوية والإفريقية ـ بالوسائل والوصفات الشعبية المتوارثة. وقد شملت هذه الوسائل والوصفات، الكي، والحجامة والأعشاب المختلفة، والكتابة بماء الزعفران وشربه، وبالزار. وقد ظل هذا الحال حتى بداية القرن العشرين، حيث تم في عصر الشيخ مبارك الصباح افتتاح أول مستشفى عام 1911م. وقد أسس ذلك المستشفى الصغير آرثر بينيت رئيس البعثة الطبية الأمريكية بالبصرة آنذاك. وكان المستشفى تحت رعاية دولة الكويت. وفي عام 1912م تم تأسيس مستشفى النساء وقد عملت إليانور كالفرلي فيه، وكان لها دور كبير في إقناع الكويتيات بالعلاج فيه، كما يثبت كتابها وغيره من المراجع.

ولم يفتح أي مستشفى بعد ذلك إلا يوم الثلاثاء 18 أكتوبر عام 1949م، حين قام الشيخ أحمد الجابر الصباح بافتتاح المستشفى الأميري.

وازداد تدفق النفط بعد ذلك في الكويت ووفر الأموال التي مكنت المسؤولين من إحداث نهضة صحية متكاملة. فأنشئت أعداد كبيرة من المستشفيات والمستوصفات والمصحات والمراكز والوحدات الصحية المجمعة. ووفرت الدولة أحدث الأجهزة الطبية اللازمة للتشخيص والعلاج والتخدير والتطهير والتعقيم والوقاية والفحوص المخبرية والأشعة ووسائل الجراحة الحديثة. وتم إنشاء نظام الحجر الصحي لمنع تسرب الأمراض الوبائية إلى الكويت. وأنشئت مراكز رعاية الأمومة والطفولة، وطُبق نظام التسجيل الصحي الذي يضمن إيصال الخدمات لكل مواطن. وزيد عدد الأطباء والممرضين من الجنسين. وبلغت الكويت اليوم مستوى صحيًا راقيًا، استفاد منه المواطنون والمقيمون بالكويت، بل إنه امتد فوصل إلى بعض البلاد الآسيوية والإفريقية الفقيرة، وذلك بإنشاء وحدات صحية في تلك البلاد، وإرسال بعثات صحية دورية هناك.


التطور التعليمي
استمر التعليم في الكويت على طريقة الكتاتيب المعروفة في العالم العربي والإسلامي حتى مطلع القرن العشرين. وتم افتتاح أول مدرسة نظامية في الكويت يوم 22 ديسمبر عام 1911م، هي المدرسة المباركية التي أشرف التجار على إدارتها والصرف عليها من تبرعاتهم. وفي عام 1921م تم إنشاء المدرسة الأحمدية وازدادت المدارس بعد ذلك. وتوجه الكويتيون نحو تعليم بناتهم أيضًا بدلاً من جعل التعليم مقصورًا على البنين فقط، فافتتحت أول مدرسة ابتدائية للبنات بالكويت عام 1938م. وفي العام الدراسي نفسه افتتحت أول فصول ثانوية للبنين. وكان عدد المدارس الابتدائية في الكويت قد بلغ في ذلك العام 12 مدرسة (تسع مدارس بنين، وثلاث مدارس للبنات).

ونتيجة للنهضة الاقتصادية العظيمة، تتابع فتح المدارس المختلفة للجنسين فأُنشئت دور المعلمين والمعلمات لتدريب معلمين ومعلمات من الكويت يقومون بالتعليم فيها. وقد قام بهذه المهمة عدد من المعلمين الوافدين من البلاد العربية وغيرها. واهتمت الدولة أيضًا بالتعليم المهني لأهميته القصوى، فأنشأت عددًا من المدارس المهنية التي يدرس فيها الطلاب أصول الحرف المختلفة. وإضافة إلى ذلك، ففي الكويت اهتمام شديد بتعليم الكبار، وجهود كبيرة لمحو الأمية عن كل أفراد الشعب الكويتي.

ولما أُنشئت جامعة الكويت عام 1966م فتحت المجال أمام الشباب في الكويت للدراسات الجامعية وفوق الجامعية. وكانت نواة هيئة التدريس فيها من غير الكويتيين. لكنه سرعان ما تأهل للتدريس رواد كويتيون ورائدات كويتيات بعد ابتعاثهم.

الرميحي
05-09-2006, 12:46 PM
:nice: :nice:

بنت الحرمي
05-09-2006, 12:55 PM
يعطيك العافية اخوي بوراشد

معلومات جدا قيمة

abo rashid
05-09-2006, 01:02 PM
الدولة السعودية الأولى بدأت عام 1157هـ، 1744م وانتهت بعقد اتفاق الصلح الموقع مع إبراهيم باشا عام 1233هـ، 1818م. ينتسب آل سعود إلى جدهم سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى ابن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وهو ما وقف عنده النساب الثقات. وينتهي نسبهم إلى بكر بن وائل من القبائل العدنانية الأصيلة.


تاريخ آل سعود القديم
أما تاريخهم القديم فهناك أخبار متناثرة في عدد من المصادر المتنوعة تشير إلى جذورهم التاريخية في المناطق التي تكونت منها الدولة السعودية، ترجع إلى ما قبل ظهور الإسلام، فقد سكنت القبيلة التي ينتمون إليها منطقة اليمامة في العصر الجاهلي، وأول من سكن هذه المنطقة عبيد بن ثعلبة، وهو الأب الخامس والعشرون للإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ وذلك حسب سلسلة النسب المتداولة.

ولما انتشر الإسلام انصهرت هذه المنطقة في بوتقة الدولة الإسلامية، وصار الخلفاء يعينون عليها ولاة من قبلهم، ولما ضعف شأن الجزيرة العربية بانتقال مركز الخلافة عنها، صار تعيين ولاة اليمامة أمرًا شكليا مما تسبب في وجود فراغ سياسي وقيادي نتج عنه انفصال المنطقة، واستقلال الأخيضريين بحكمها في منتصف القرن الثالث الهجري 253هـ، 867م وقد اتسمت سياسة دويلة الأخيضريين بالجور والحيف ـ كما تشير إلى ذلك القصص التاريخية ـ مما دفع أسلاف آل سعود إلى ترك المنطقة وتفرقهم، فأسست فرقة منهم إمارة لها في عالية نجد، واتخذوا أضُاخ قاعدة لها حتى غلبتهم عليها قبيلة بني لام أثناء سيطرتها على نجد وطرق الحج فرحل فريق منهم إلى الأحساء، وهناك اختطوا لهم بلدًا سمّوه الدرعية وفريق عادوا إلى العارض، وكان ذلك حوالي منتصف القرن السابع الهجري، ويذكر ابن بطوطة أنهم يحكمون اليمامة، وقاعدتها حَجْر وأميرهم طفيل بن غانم وقد حج معه ابن بطوطة عام 732هـ، 1331م.

وورد أول ذكر لتاريخ آل سعود في تاريخ الفاخريّ في حوادث سنة 850هـ، 1446م، فذكر الفاخريّ وغيره من مؤرخي نجد أن مانعًا المريديّ جد آل سعود كان يقيم في موضع يسمى بالدرعيّة بلد الدروع قرب بلدة القطيف بمنطقة الأحساء، ومنها رحل عام 850هـ، 1446م إلى حجر اليمامة بناءً على دعوة وجهت إليه من ابن عمه ابن درع صاحب حجر والجزعة، فأقطعه ابن عمه هذا موضعين هما: المليبيد، وغصيبة، فاستقر فيهما مانع وأسرته، وعمروهما بالزراعة. ويرجح أن مانعًا وأسرته هم الذين سموا موضعهم الجديد باسم الدرعية نسبة إلى موطنهم الأول بلد الدروع أو إلى أسرتهم تخليدًا لها، وهي أمور أجمع المؤرخون عليها. وبناءً عليه فإن حكم الأسرة السعودية ممتد في جذوره إلى زمن بعيد.


أدوار التاريخ السعوديّ. يتفق المؤرخون في العصر الحديث على تقسيم تاريخ الدولة السعودية إلى ثلاثة أدوار تاريخية هي:

الدور الأول. وتبدأ حوادثه التاريخية عام 1157هـ، 1744م، يوم أن تم اللقاء التاريخيّ بين حاكم الدرعيّة وأميرها محمد بن سعود بن محمد بن مقرن والإمام المجدد المصلح الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن مشرف التميمي الحنبلي النجديّ. وينتهي هذا الدور عام 1233هـ، 1818م، بعد سقوط الدرعيّة، عاصمة الدولة السعودية الأولى على يد إبراهيم باشا، قائد العسكر العثماني المصريّ الذي أرسله محمد علي باشا، والي مصر العثمانية، للقضاء على الدولة السعودية الأولى. انظر: محمد عبد الوهاب.

الدور الثاني. ويبدأ هذا الدور بالمحاولات المبكرة التي قام بها الأميران السعوديان: مشاريّ بن سعود بن عبدالعزيز، وتركي بن عبدالله بن محمد آل سعود من أجل إعادة بناء دولة آل سعود من جديد. وينتهي هذا الدور عام 1309هـ، 1891م لما استأثر آل رشيد بحكم نجد، ورحل الإمام السعوديّ عبدالرحمن بن فيصل بن تركي، آخر أئمة هذا الدور إلى الكويت ومعه جميع أفراد أسرته من آل سعود.

الدور الثالث. وتبدأ حوادثه التاريخية عام 1319هـ، 1902م، وهو العام الذي تمكن فيه الملك عبدالعزيز آل سعود من استعادة الرياض من حكم آل رشيد، كبداية طبيعية لقيام الدولة السعودية الحديثة، وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.


قيام الدولة السعودية الأولى
بدأ قيام الدولة السعودية الأولى عام 1157هـ، 1744م، العام الذي انتقل فيه الشيخ محمد بن عبدالوهاب من بلدة العُيَيْنة إلى الدرعيّة، وبايعه أميرها محمد بن سعود بن محمد بن مقرن على العمل لتصحيح العقيدة، وتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء، وتحقيق التوحيد، وأن يكون الأمير محمد بن سعود إمامًا للمسلمين وذريته من بعده، وهو ماعرف في التاريخ باتفاق الدرعيّة الذي يعدّ بحق نقطة تحول مهمة في تاريخ نجد الحديث خصوصًا وتاريخ الجزيرة العربية عمومًا. وقد استقبل أمير الدرعية الشيخ وأتباعه وصحبه استقبالاً حسنًا يليق بالعلماء والدعاة، مما يدل على عمق فهمه، وبعد نظره، وصواب فكره السياسي والعقدي. وقد هيأ الأمير محمد بن سعود للجميع جوًا من الطمأنينة والأمن والاستقرار. واتفق الطرفان المتعاهدان على الآتي: 1ـ أن ينصر الأمير محمد ابن سعود الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته، وأن يجاهدا معًا ضد من يخالف التوحيد. 2ـ اشترط الأمير محمد بن سعود على الشيخ محمد بن عبدالوهاب أنه في حال نجاح الدعوة السلفية الإصلاحية وتوسع الدولة القائمة على مبادئها عدم الرحيل عنه، فوافق الشيخ محمد بن عبدالوهاب على ذلك قائلاً: ¸ابسط أيها الأمير يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم·. 3ـ كان لأمير الدرعية ضرائب يأخذها من الأهالي في أوقات الثمار، وأراد الأمير أن يبقيها مفروضة عليهم، فرد الشيخ عليه قائلاً: ¸فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ماهو خير منها·.

وبعد هذا الحوار الاتفاقي بسط الأمير محمد بن سعود ابن محمد بن مقرن يده فبايع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويتضح من نص هذا الاتفاق أنه كان اتفاقًا شفويًا، ولو أنه جاء مكتوبًا لأصبح وثيقة تاريخية مهمة من وثائق التاريخ الإسلامي الحديث، ولصار بمقدورنا معرفة تاريخ الاتفاق بشكل دقيق. وهكذا بزغ فجر الدولة السعودية الأولى، وكان أساس قيامها مبنيًا على الأصول الإسلامية ومبادئ الشريعة الإسلامية.


التدرج في نشر الدعوة. من المعروف أن أئمة الدولة السعودية الأولى هم: محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، وعبدالعزيز بن محمد بن سعود، وسعود بن عبدالعزيز، وعبدالله بن سعود آخر أئمة هذه الدولة. ومن المعروف أيضًا أنه أصبح على كاهل الدولة الجديدة الفتية واجب كبير، تمثل هذا الواجب في القيام بنشر دعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب السلفية الإصلاحية في ربوع بلدان نجد أولاً، ثم في ربوع الجزيرة العربية ثانيًا، ثم في العالم الإسلامي خارج الجزيرة العربية ثالثًا. وهذا الأمر متفق عليه في اتفاق الدرعية، وعهد على الدولة السعودية الأولى التي قامت على أساسه، والتي لقب أميرها بلقب إمام لما في هذا اللقب من المفهومين: السياسي والديني. وطبيعي أن نشر الدعوة ليس أمرًا هينًا وقتذاك في ظل ظروف قاسية، ولذا فإن مثل هذا العمل يحتاج إلى جهد كبير. خاصة وأنه سيصطدم بمقاومة ومعارضة كبيرة من عدد من القوى المحلية والخارجية، لأنه عندما عم خبر الاتفاق أرجاء نجد خصوصًا والجزيرة العربية عمومًا؛ خشي الكثير من رؤساء البلدان النجدية وغير النجدية هذا الحدث الجديد لأنهم أيقنوا أن هذا الأمر يمس مواقعهم وقد يلغيها. فقد عدّ معظم رؤساء البلدان النجدية الذين عارضوا الدولة والدعوة معًا، أن مثل هذا الكيان السياسي الجديد، القائم على الدين الإسلامي، سيفقدهم مراكزهم وقوتهم وزعاماتهم وامتيازاتهم. وكذا الحال بالنسبة للزعامات المحلية في الأقاليم المجاورة لنجد. وعدّت الدولة العثمانية الدولة السعودية كيانًا سياسيًا يتحدى وجودها السياسي وزعامتها الدينية في العالم الإسلامي.

بدأت الدولة السعودية الأولى تمارس مسيرة التطبيق والبناء في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. فأخذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب يكاتب العلماء ورؤساء البلدان وشيوخ القبائل وغيرهم، شارحًا لهم مبادئ دعوته الإصلاحية وحقيقتها، داعيًا إياهم إلى تطبيق تلك المبادئ، والانضمام إلى الدولة السعودية الأولى، فاختاروا الحل السلميّ في المقام الأول منذ أيامها الأولى، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: أمراء العيينة، وحريملاء، ومنفوحة. وأرسلت الدولة السعودية عددًا من العلماء والبعثات التعليمية إلى أنحاء مختلفة من أقطار الجزيرة العربية لتذكير الناس وتبصيرهم بحقيقة دعوة الشيخ الإصلاحية وماقامت عليه تلك الدعوة من أساس ديني يتمثل في العودة بالمسلمين إلى العقيدة الصحيحة النقية من شوائب البدع والخرافات. وهكذا نلحظ في البداية أن الدولة السعودية الأولى أخذت على كاهلها توحيد بلدان نجد أولاً في دولة واحدة تطبق مبادئ الدعوة السلفية، محاولة ما أمكنها استخدام أسلوب الحل السلمي أولاً، ثم أسلوب القوَّة في حال فشل الأسلوب السلمي من جهة، وزيادة حدة المعارضة وضغطها من جهة أخرى.

اتَّخذت الدولة السعودية الأولى بلدان نجد ومناطقها ميدانًا أول وأرحب للتطبيق خصوصًا في البلدان المحيطة بالدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى. وبعدها أخذت الدولة توسع دائرة حدودها وتنشر دعوتها وبشكل تدريجي في مناطق نجد وفي المناطق الأخرى غير النجدية حتى تكتمل صورة التوحيد السياسي المبني على أسس الدعوة السلفية وفكرها الديني.


الجهد الحربي للدولة في بلدان نجد. تميزت علاقة الدولة السعودية الأولى بالمعارضة، في نجد وخارجها، بالكفاح المسلح واستخدام الحل العسكري. فخاضت الدولة السعودية الأولى سلسلة طويلة من الحروب المضنية والشاقة على طول تاريخها. وتعد حروبها مع دهام بن دوّاس، أمير بلدة الرياض وقتذاك، من أطول الحروب التي خاضتها ضد القوى النجدية المعارضة التي تصدت لمقاومة الدولة السعودية الأولى، وهي مازالت في مطلع نشأتها وتأسيسها. فجاهر هذا الحاكم النجدي بعدائه القوي لحكومة الدرعية منذ عام 1159هـ، 1746م، أي بعد اتفاق الدرعية والرياض، بقرابة ثمان وعشرين سنة، وانتهى الصراع أخيرًا بضم الرياض إلى الدولة السعودية عام 1187هـ، 1773م في عهد الإمام الثاني من أئمة الدولة السعودية الأولى، عبدالعزيز بن محمد بن سعود.

وبضم الرياض تكون الدولة السعودية قد أزاحت من طريقها معارضًا قويًا وعنيفًا هو دهام بن دوّاس، مما ساهم إلى حد كبير في حل كثير من المشكلات السياسية والاقتصادية التي كانت تعترض سبيل الدولة السعودية الأولى، وتؤثر بشكل أو بآخر على عملية إعداد الحملات العسكرية السعودية خصوصًا في الوقت الذي كانت فيه الدولة مشغولة بأمور البناء والتأسيس وصد هجمات أعدائها عليها، ليس في نجد فحسب، وإنما في خارجها أيضًا.

وظلت الدولة السعودية الأولى تمارس الجهدين: السلمي والعسكري في منطقة نجد حتى السنوات الأولى من مطلع القرن الثالث عشر الهجري (أواخر القرن الثامن عشر الميلادي). عندها تمكنت الدولة من بسط سيادتها على جميع بلدان نجد، وتطبيق مبادئ الدعوة الإصلاحية فيها، وهو أمر ساعد على توسيع رقعة تلك الدولة فأصبحت تمتد من الدهناء والصمّان شرقًا حتى الحجاز غربًا، وفي حدود جبل شمّر شمالاً حتى نهاية حدود وادي الدواسر جنوبًا. وبهذا تكون الدولة قد حقَّقت المرحلة الأولى من مشروعاتها التوحيدية الطويلة والواسعة، والتي ركزت في المقام الأول على البلدان المجاورة للدرعيّة، ثم تعدّت ذلك إلى دائرة أوسع حتى استكملت ضمّ إقليم نجد كله. وكان على الدولة بعد ذلك أن تعدّ نفسها لعمل أوسع وجهد أكبر لأنها أخذت تجابه قوى سياسية أكبر من التي جابهتها في بلدان نجد ومناطقها، ولأنها ستجابه أوضاعًا تكاد تكون مختلفة عن تلك التي جابهتها في إقليم نجد. حتى أنها ستجد في بعض المناطق مجابهة مذهبية مما يزيد في شدة الموقف العدائي وصلابته، ويقوي في الوقت نفسه حدة الصراعات والحروب بين الدولة السعودية الأولى والقوى السياسية المعادية لها خارج إقليم نجد.

abo rashid
05-09-2006, 01:03 PM
الدولة السعودية الأولى وقوى المعارضة الخارجية

معارضة حاكم نجران. حدث احتكاك مسلح بين الدولة السعودية الأولى وحاكم نجران، حسن بن هبة الله الذي ساعد بعض جماعات من العجمان على الثأر لما حل بها على يد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي أنجد جماعة من قبيلة سبيع اعتدى عليها العجمان. فجمع حسن بن هبة الله المكرمي جيشًا كبيرًا من جماعته واتجه صوب بلدة الحائر وحاصرها وشدّد عليها الحصار، فقام الإمام عبدالعزيز فأنجدها بقوات كبيرة تحت قيادته، وكان ذلك في عهد والده الإمام محمد بن سعود. ونتج عن وقعة الحائر هزيمة كبيرة للقوات السعودية عام 1178هـ، 1764م، وتم صلح بين الطرفين جرى بمقتضاه تبادل الأسرى.

لم تكن وقعة الحائر نهاية الصراع بين الدولة السعودية الأولى وحاكم نجران. فقد تحالف حاكم نجران مع زيد بن زامل رئيس بلدة الدلم، وبطين بن عريعر، حاكم الأحساء ضد حكومة الدرعية. فاستعد الإمام عبدالعزيز لقهر هذا التحالف وتشتيته. وانتهت حملة التحالف هذه بتفرق المتحالفين، وتوفي هبة الله المكرمي أثناء عودته إلى نجران. وظل الموقف العدائي لحاكم نجران ضد الدولة السعودية الأولى حتى عام 1220هـ،1805م، حيث انضوت منطقة نجران تحت لواء الدولة السعودية الأولى.


معارضة حكام الأحساء. اصطدمت الدولة السعودية الأولى بمعارضة بني خالد القوة المحلية بالمنطقة الشرقية، حيث شكل بنوخالد حكومة محلية قوية نسبيًا بعد طردهم للعثمانيين من منطقة الأحساء في عهد رئيسهم براك بن غرير بن عثمان آل حميد الخالدي. وامتدت سلطة بني خالد في أوج قوتها إلى الكويت، وبعض بلدان نجد في قلب الجزيرة العربية. وقد عارض زعيم بني خالد، سليمان ابن محمد بن براك بن غرير دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وجند المعارضين ضدها.

حدث تصادم بين الدولة السعودية الأولى وبني خالد في عهد كل من عريعر بن دجين، وبطين بن عريعر، وسعدون بن عريعر، وبرّاك بن عبدالمحسن بن سرداح الذي هزمه الأمير سعود بن عبدالعزيز شر هزيمة في وقعة الشيط المشهورة، شرقي اللصافة عام 1207هـ، 1792م. وعلى أثر هذه الهزيمة أرسل الأمير سعود بن عبدالعزيز مندوبين عنه إلى الأحساء، وأعطاهما رسائل إلى أهل الأحساء يدعوهم فيها إلى اتباع دعوة الشيخ الإصلاحية، والانضمام إلى الدولة السعودية الأولى. وبعد سلسلة طويلة من الاحتكاكات والحروب بين الدولة السعودية الأولى وحكام الأحساء من بني خالد على مدى حقبة تاريخية طويلة، تمكن الأمير سعود ابن عبدالعزيز من ضم منطقة الأحساء، وبشكل تام وكامل، إلى الدولة السعودية الأولى عام 1208هـ، 1793م. وبذلك تكون الدولة السعودية الأولى قد خرجت من دائرة إقليم نجد لتطل بحدودها على مياه الخليج، ممّا أكسبها مركزًا استراتيجيًا مهمًا في المجالين السياسي والاقتصادي. ونلحظ أيضًا أن الدولة السعودية الأولى أصبحت تحاذي النفوذ العثماني في العراق وتجاوره، ممّا مهد لقيام نوع من الاحتكاكات أدّت إلى اشتباكات مسلحة بين الدولة السعودية الأولى وولاة العراق العثماني، خاصة مع ولاية البصرة وقبائل المنتفق المقيمة في جنوبي العراق، حيث إن عددًا من شيوخ بني خالد كانوا قد لجأوا عند تلك القبائل علّهم يتمكنون فيما بعد من استعادة سيادتهم على منطقة الأحساء. وبهذا الإجراء تكون الدولة السعودية الأولى قد شكلت وجودًا خطرًا على الحكم العثماني في مناطق جنوبي العراق، ممّا كان سببًا في قيام صراع طويل ومرير بين الدولة السعودية الأولى والدولة العثمانية، حتى إن هذا التطور السياسي المحلي الوطني نبه الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية لتعمل على مراقبة الأوضاع في منطقة الخليج مراقبة صارمة، ممّا ساعد على تقوية حدة التنافس الدولي على مياه الخليج ومناطقه.


الدولة السعودية الأولى وولاة العراق. حدث صدام مسلح بين الدولة السعودية الأولى وولاة العراق العثماني بعد أن تجمعت عوامل الاحتكاك بين الطرفين. فقد أصبح جنوب العراق ملاذًا للقوى المعارضة للدولة السعودية الأولى والدعوة السلفية الإصلاحية. وبرزت عوامل الاحتكاك بشكل واضح بين الطرفين في أعقاب حملة قام بها ثويني بن عبدالله رئيس قبائل المنتفق على القصيم عام 1201هـ، 1786م، ومعه أعداد غفيرة من المنتفق وأهل الزبير وبوادي شمّر وغالبية طي. ونازله أهل بلدة التنومة، التي ضربها بمدافعه ودخلها عنوة. ثم توجه صوب مدينة بريدة وحاصرها، لكنه اضطر إلى رفع الحصار عنها عندما سمع بوقوع اضطرابات في بلاده، فقفل عائدًا إلى وطنه ليحافظ على مركزه هناك.

أرسل الإمام عبدالعزيز بن محمد رسالة إلى سليمان باشا والي بغداد العثماني مصحوبة بنسخة من كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. وطلب من الوالي أن يجمع علماء بغداد للنظر فيه والعمل على تطبيق مبادئ الدعوة الإصلاحية. فجاء الرد بالرفض الكامل والقاطع على الرغم من أن حال العراق العثماني لم يكن على مايرام لكثرة الاضطرابات الداخلية والفتن المحلية والقبلية.

ولما رفض والي بغداد دعوة الإمام عبدالعزيز، هاجم الأمير سعود بن عبدالعزيز بأمر من والده قبائل المنتفق عام 1203هـ، 1788م. وبعد ذلك توالت المناوشات والاصطدامات العسكرية بين الدولة السعودية الأولى وولاة العراق العثماني. فغزا سعود قبائل الظفير القاطنة في مناطق الحدود العراقية السعودية بسبب موقفها المعادي للدولة السعودية الأولى.

abo rashid
05-09-2006, 01:03 PM
نتيجة لذلك أرسل الوالي العثماني سليمان باشا حملة عسكرية منظمة وقوية ضد الدولة السعودية الأولى في الأحساء كانت تحت قيادة ثويني بن عبد الله، وكانت حملته فاشلة. فكان رد السعوديين أن هاجموا مناطق جنوبي العراق تحت قيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز نفسه، وتوغلوا فيها حتى بلدة أم العباس.

جاء الرد العثماني العراقيّ، فوجه سليمان باشا، والي بغداد العثماني، حملة ضد السعوديين في الأحساء كانت تحت قيادة كتخذاه علي كيخيا عام 1213هـ، 1798م. وقد وصفت تلك الحملة بأنها منظمة وقوية، ساهمت فيها قبائل المنتفق والظفير وغيرهم من قبائل جنوبي العراق. وعلى الرغم من وصول الحملة إلى الأحساء إلاّ أنها في نهاية الأمر فشلت ولم تحقق غرضها.

هاجمت القوات السعودية منطقة جنوبي العراق خصوصًا بعد أن قتل الخزاعل الشيعة ثلاثمائة رجل من الموالين والتابعين للدولة السعودية الأولى، وذلك عام 1214هـ، 1799م. وهاجم السعوديون مناطق جنوبي العراق عام 1216هـ، 1801م، وهدموا ما شاهدوه هناك من أضرحة وقباب ومزارات بما فيها قبة الحسين، فأًصدرت الدولة العثمانية أوامرها المشددة إلى والي بغداد من أجل أن يعمل على وقف الحملات العسكرية السعودية على مناطق جنوبي العراق. وغضب شاه إيران وأراد التدخل العسكري، وطلب من والي بغداد السماح لقواته بالمرور عبر العراق والزحف على السعوديين في الأحساء. وتوالت الحملات السعودية بعد ذلك على مناطق جنوبي العراق حتى وصلت إلى أسوار كربلاء مرة ثانية عام 1223هـ، 1808م.

ولابد من الأخذ بعين الاعتبار أن ولاة العراق لم يكونوا قادرين على إضعاف الدولة السعودية الأولى وتهيئة الظروف العسكرية المواتية للقضاء عليها. وظل موقفهم موقفًا دفاعيًا ضعيفًا، ممّا ثبت في عقول المسؤولين العثمانيين في إسطنبول فكرة عدم جدوى مقاومة الدولة السعودية الأولى عن طريق ولاة العراق، وأصبح لزامًا على الدولة العثمانية أن تسند تلك المهمة إلى ولاية عثمانية أخرى.


الدولة السعودية الأولى وأشراف الحجاز. لم تكن علاقة الدولة السعودية الأولى بأشراف الحجاز أُفضل من علاقتها بولاة العراق. بدأت العلاقة سلمية فأرسلت الدولة السعودية الأولى عددًا من العلماء إلى مكة لمناقشة علمائها ومحاورتهم في كثير من المسائل الدينية التي تشكل مبادئ الدعوة السلفية الإصلاحية. لكن الأمر لم يستقم في المسار السلمي، بل أخذ الوضع في التدهور خصوصًا عندما رفض بعض الأشراف السماح لأتباع الدعوة بأداء فريضة الحج في عهود الأشراف: مسعود بن سعيد، ومساعد بن سعيد، وسرور بن مساعد، وغالب بن مساعد الذي تأزم الخلاف في عهده فأصبح خلافًا لايمكن حله إلا بالوسائل العسكرية بعدما فشلت الحلول السلمية. فأرسل الشريف غالب حملة إلى السر كانت تحت قيادة أخيه الشريف عبدالعزيز، ولكن تلك الحملة لم تُعط النتيجة التي كان يتوقعها الشريف غالب، بل لاحقتها قوات الدولة السعودية الأولى إلى بلدة الشعراء. ورد الشريف غالب على ذلك بأن أرسل حملات عسكرية تأديبية ضد القبائل المؤيدة للدولة السعودية الأولى، فتصدى لها هادي بن قرملة شيخ قحطان المؤيد للدولة السعودية الأولى والمناصر للدعوة السلفية، وذلك عام 1210هـ، 1795م. واستمر الشريف في إرسال الحملات ضد تلك القبائل، وظل الأمر كذلك حتى تمكنت القوات السعودية من إلحاق الهزيمة بالقوات الحجازية عام 1212هـ، 1797م عند بلدة الخرمة، واضطر الشريف غالب إلى طلب الصلح الذي ظل ساري المفعول حتى عام 1217هـ، 1803م. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدولة العثمانية لم تقدم مساعدة للشريف غالب، علمًا بأن الشريف غالبًا كان قد أعلم الدولة العثمانية بما يجري في المنطقة.

وقد تغير الموقف تمامًا عندما خرج وزير الشريف، عثمان المضايفي عليه، وأعلن انضمامه إلى الدرعيّة، مع أن المضايفي هذا هو صهر الشريف غالب. وتمكن المضايفي من محاصرة الطائف، وأنجدته قوات سعودية فاضطر الشريف غالب إلى الانسحاب منها باتجاه مكة المكرمة، فاستسلمت الطائف ودخلها المضايفي وقواته عام 1217هـ، 1803م.

تقدمت القوات السعودية بقيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز صوب مكة المكرمة في 8 محرم عام 1218هـ، 1803م، ودخلتها بعد انتهاء موسم الحج، وكان الشريف غالب قد غادرها قبل ذلك متوجهًا إلى جدة، تاركًا أخاه الشريف عبدالمعين على إدارة مكة المكرمة، يتصرف في أمرها بما تمليه عليه الظروف بالنسبة للموقف السعودي. وقد وافق الشريف عبدالمعين هذا على تسليم مكة للقوات السعودية دون مجابهة عسكرية لأن موقف الأشراف الحربي أصبح لايسمح بذلك. واشترط الشريف عبدالمعين على الأمير سعود أن يبقيه شريفًا على مكة، فوافق الأمير سعود على شرطه، ودخل السعوديون مكة المكرمة محرمين، وقرئ على منبر المسجد الحرام كتاب الأمان العام لجميع أهالي مكة. وهذا نص وثيقة الأمان: من سعود بن عبدالعزيز إلى كافة أهل مكة والعلماء والأغاوات وقاضي السلطان. السلام على من اتبع الهدى... أما بعد: فأنتم جيران بيت الله وسكان حرمه آمنون بأمنه. إنما ندعوكم لدين الله ورسوله. ﴿قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلاّ الله ولانشرك به شيئًا ولايتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ آل عمران: 64. فأنتم في وجه الله ووجه أمير المسلمين سعود بن عبدالعزيز وأميركم عبدالمعين بن مساعد فاسمعوا له وأطيعوا ما أطاع الله والسلام·.

وفي مكة المكرمة ألقى الأمير سعود بن عبدالعزيز خطابًا جامعًا وضح فيه مبادئ الدعوة السلفية الإصلاحية، ودعا الناس إلى هدم القباب المقامة على القبور فهدمت. وأمر بتدريس كتاب كشف الشبهات في المسجد الحرام في حلقة عامة يحضرها العلماء والأهالي.

وأرسل الأمير سعود بن عبدالعزيز إلى السلطان سليم الثالث كتاباً هذا نصه: ¸إني دخلت مكة، وأمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم بعد أن هدمت ماهناك من أشباه الوثنية وألغيت الضرائب إلاّ ماكان منها حقًا. وثبّت القاضي الذي وليته أنت طبقًا للشرع الإسلامي. فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء إلى هذا البلد المقدس بالمحمل والطبول والزمور فإن ذلك ليس من الدين في شيء·.

حاصر الأمير سعود بن عبدالعزيز مدينة جدّة لكنه لم يستطع دخولها لأنها محصنة بالخنادق، وفيها جميع قوات الأشراف والقوات العثمانية المقيمة المساندة لقوات الأشراف. ومعروف أن جدّة مدينة محصنة لأنها مركز بحري تجاري مهم بالنسبة للحجاز وبالنسبة للعثمانيين والأشراف.

لم تستقم الأمور في مكة للسعوديين، لأنه عندما رجع الأمير سعود إلى الدرعية، عاد الشريف غالب فدخل مكة دون معارضة من أخيه الشريف عبدالمعين. ثم تقدم صوب الطائف وكانت فيها قوات سعودية، بالإضافة إلى قوات عثمان المضايفي وأتباعه. فحاصر الشريف غالب الطائف، وأثناء ذلك جاء خبر استشهاد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود عام 1218هـ. 1803م، وتولى الإمام سعود بن عبدالعزيز الحكم خلفًا لأبيه.

وصل نبأ استرداد الشريف غالب مكة إلى الدرعية، فقرر الإمام سعود بن عبدالعزيز أن يضع حدًا لتصرفات الشريف غالب. فأمر قواته في مناطق عسير ونواحي تهامة بمهاجمة جدّة، وكانت تلك القوات برئاسة عبدالوهاب أبو نقطة. ثم بنى السعوديون حصنًا قويًا في وادي فاطمة ووضعوا فيه قوات سعودية كبيرة أخذت تهاجم قواعد الشريف غالب في المنطقة. وبعدها أرسلت الدرعية قوات سعودية كبيرة جدًا إلى مكة المكرمة فحاصرتها بشدة كي تضعف قوات الشريف غالب عسكريًا واقتصاديًا ونفسيًا حتى يضطر إلى الاستسلام. وبالفعل أدرك الشريف غالب أنه ليس باستطاعته الصمود في وجه القوات السعودية، فاضطر إلى طلب الصلح على شرط أن يبقى شريفًا على مكة وأميرًا عليها تابعًا للدولة السعودية الأولى. وهكذا عادت مكة المكرمة إلى الدولة السعودية الأولى. وبعدها دخلت القوات السعودية المدينة المنورة عام 1220هـ، 1805م.

وممّا لاشك فيه أن دخول الدولة السعودية الأولى بلدان الحجاز: مكة والمدينة وجدّة والطائف وغيرها قد أدّى إلى قيام نوع جديد من العداء الشديد بين الدولة السعودية الأولى والدولة العثمانية صاحبة السيادة والنفوذ في الولايات العربية العثمانية، وخصوصًا المسألة الحجازية التي تؤثر على سمعة الدولة العثمانية ومركزها ليس في العالم العربي فحسب، وإنما في العالم الإسلامي كله عندما فقد سلاطينها لقب حامي الحرمين الشريفين، والحق الرسميّ في الإشراف على المناطق الإسلامية المقدسة في الحجاز. فرأت الدولة العثمانية ضرورة معالجة مسألة الحجاز ومسألة الدولة السعودية الأولى بشكل حربي سريع، وليس في شكل محاورات ومناقشات سلمية. وعندما تأكدت الدولة العثمانية أن ولاية دمشق غير قادرة على التنفيذ، وأنه ليس بإمكانها فرض الحل الحاسم، وجهت الدولة أوامرها السلطانية إلى محمد علي باشا والي مصر العثمانية للقيام بتنفيذ هذا الحل في صورته الحربية لفرض الأمر الواقع بالقوة، خصوصًا وأن الدولة العثمانية دولة قادرة على مواجهة المشاكل الداخلية بيد أنها أصبحت عاجزة أمام الدول العالمية الكبرى وقتذاك.

abo rashid
05-09-2006, 01:04 PM
الدولة السعودية الأولى ومحمد علي باشا. عدّ العثمانيون الإجراء السعودي المتمثل في ضم إقليم الحجاز إلى الدولة السعودية الأولى وحرمانهم من لقب حامي الحرمين الشريفين بمثابة تَحَدٍّ ديني وسياسي يواجه سيادتهم على العالم العربي الإسلامي. وبناءً على تلك المتغيرات والمستجدات قررت الدولة العثمانية إسناد مهمة التحدي العسكري لتلك الدولة إلى محمد علي باشا واليها في مصر بعد فشل ولاية العراق من جهة، وعجز ولاية الشام من جهة ثانية. انظر: مصر، تاريخ. ومن الواضح أن الدولة العثمانية حاولت القضاء على الدولة السعودية الأولى من خلال قوات ولاياتها العربية المجاورة لتلك الدولة، ومن خلال استخدام طاقات تلك الولايات واقتصادها، خصوصًا وأن الدولة العثمانية وقتذاك كانت جد مشغولة في أمورها الداخلية من جهة، وأمورها الخارجية من جهة أخرى.

وهناك دوافع وأسباب أدّت بالعثمانيين إلى إسناد تلك المهمة إلى ولاية مصر وواليها محمد علي باشا، حيث إنَّ ولاية مصر أكبر الولايات العربية العثمانية في المنطقة، وهي ذات إمكانات بشرية واقتصادية ومالية كبيرة، بالإضافة إلى خبراتها الحربية وتجاربها السياسية والإدارية مع مناطق الجزيرة العربية خصوصًا الجانب الغربي منها. ولم تكن تلك التجارب وليدة فترة زمنية محدودة، أو حقبة تاريخية معينة، وإنما هي تجارب تاريخية ممتدة على فترات تاريخية متشابكة ومتعاقبة. ويعدّ هذا التكليف بمثابة جس نبض لمحمد علي باشا، وامتحان لابد أن يدخله ويجتازه حتى يحافظ على زعامته.

وأول تكليف رسمي وجه إلى محمد علي باشا كان في عهد السلطان مصطفى الرابع، وذلك عام 1222هـ، 1807م، استنادًا إلى معلومات الوثائق العثمانية المحفوظة بدار الوثائق القومية بالقاهرة. وقد اعتذر محمد علي في بادئ الأمر متعللاً بالمشكلات الاقتصادية والظروف الصعبة التي تمر بها ولايته نتيجة تمكن المماليك من السيطرة على صعيد مصر، ونتيجة لانخفاض الفيضان في نهر النيل، بالإضافة إلى ما أبداه من مخاوف تجاه أطماع الدول الأوروبية في ولايته. ولكن مع هذا كله اضطر محمد علي باشا إلى قبول الأوامر والإذعان لمطالب السلطان.


الحملات العسكرية ضد الدولة السعودية الأولى

حملة أحمد طوسون. بدأت حملة طوسون السفر من القاهرة في 19 رجب 1226هـ، 1811م، وكانت تتألف من 8,000 جندي، منهم خمسة آلاف من المشاة والمدفعية سافروا بحرًا. ومنهم ثلاثة آلاف من الفرسان سافروا بطريق البر عبر العقبة ومنها إلى ينبع أحد موانئ إقليم الحجاز.

حاول محمد علي باشا وكذلك السلطات العثمانية في إسطنبول استمالة الشريف غالب العدو اللدود للدولة السعودية الأولى، عن طريق الرسائل التي أرسلت إليه بوساطة التجار العاملين في التجارة في مدينة جدّة. ولم تجد الحملة مقاومة في ينبع التي كانت تُدير أمورها جماعات من قبيلة جهينة المؤيدة للدرعية. وركز أحمد طوسون قائد الحملة على إغداق الأموال والهدايا والخلع على شيوخ القبائل ورؤساء الجماعات التي تقطن الموانئ الحجازية ولها نفوذ فيها لتكون سندًا لقواته، ولتقبل تأجير إبلها إلى القوات العثمانية من أجل حمل المؤن والعتاد من المناطق الساحلية إلى داخل بلاد الجزيرة العربية.

قرر السعوديون استدراج القوات العثمانية إلى الأراضي النجدية من أجل إضعافها وتشتيت قواتها. ولجأوا إلى أسلوب المقاومة والدفاع عوضًا عن الهجوم. وبهذا الأسلوب نجح الإمام سعود بن عبدالعزيز في السيطرة على الطريق الرئيسي الواصل بين المدينة المنورة ومنطقة القصيم. وتمكنت القوات السعودية من إنزال هزيمة كبيرة بقوات طوسون في وقعة وادي الصفراء، حيث إن القوات السعودية بقيادة الأمير عبدالله بن سعود والقائد السعودي سعود بن مضيان كانت قد تمركزت في القمم الجبلية المطلة على أطراف الوادي. وبعد هذه الهزيمة اضطر أحمد طوسون إلى طلب العون والمساعدة من والده محمد علي باشا.


حملة أحمد بن نابرت الخازندار. أرسل محمد علي باشا حملة عسكرية جديدة ضد الدولة السعودية الأولى، كانت تحت قيادة أحمد بن نابرت الخازندار من أجل دعم صمود حملة أحمد طوسون، وكان ذلك عام 1227هـ، 1812م. وقد وصلت تلك الإمدادات العسكرية إلى ميناء ينبع، وكان طوسون قد نقل قيادته إلى بدر، وهناك أخذ ينظم القوات العثمانية المصرية، وبعدها زحف صوب وادي الصفراء واحتله. ثم تقدمت قوات طوسون وحاصرت المدينة المنورة وضربت سورها بالمدافع ودمرت بعض أجزائه بالمتفجرات، عندها اضطرت الحامية السعودية في المدينة إلى الاستسلام. وتعود سرعة استيلاء طوسون على المدينة لعدة أسباب: 1ـ قوة جيش طوسون، وحداثة معداته العسكرية، وتدريبه المنظم. 2ـ تأييد بعض القبائل البدوية لطوسون، وتعرض الحامية السعودية في المدينة المنورة إلى مرض الكوليرا الذي فتك بجندها. 3ـ التأييد الذي لقيته حملة طوسون في المدن الحجازية خصوصًا من الأشراف وأصحاب النفوذ في الحجاز وهو أمر له مفعوله النفسيّ والمعنوي في المعركة.

أما مكة المكرمة فقد انسحب منها السعوديون بعد انضمام الشريف غالب بن مساعد إلى القوات العثمانية المصرية، وبذلك استرجعها العثمانيون. وبعدها دخلت قوات الحملة مدينة الطائف، وبذلك تكون مدن الحجاز جميعها قد عادت إلى السيادة العثمانية الممثلة في سيادة والي مصر.

ونلحظ هنا أن القوات السعودية كانت قد وضعت خطة استراتيجية عسكرية ضد قوات محمد علي باشا تمثلت في إخلاء مواقعها العسكرية تدريجيًا، وتركيز قواتها العسكرية في الأراضي النجدية. ونجح الإمام سعود في استدراج قوات أحمد طوسون إلى نجد حيث المناطق الصحراوية الشاسعة التي تجهلها تمامًا قوات طوسون، ولم تجرّب الحرب فيها. بالإضافة إلى ذلك فإنها بهذا الأسلوب تكون قد أبعدت قوات طوسون عن مركز العتاد والمؤن من جهة، وعن قيادتها المركزية من جهة أخرى. وبعد ذلك يمكن الانقضاض عليها وتشتيتها. كما أن القيادة العسكرية السعودية كانت قد خططت لتنفيذ خطة هجومية ضد القوات العثمانية المصرية الزاحفة صوب نجد. فقاد الإمام سعود جيشًا زحف به صوب الحناكية للسيطرة على الطريق الرئيسي الذي يربط المدينة المنورة بالقصيم. ونجح الجيش السعوديّ في أسر جماعات من القوات العثمانية المصرية وإرسالها إلى والي بغداد تحت حراسة أمير جبل شمّر. وقام جيش الإمام سعود بعدة حملات تأديبية ضد البدو الذين أيدوا القوات العثمانية. وسار جيش سعودي بقيادة فيصل بن سعود إلى تربة واتخذها مركزًا للقيادة السعودية في المنطقة. واستطاع هذا الجيش إنزال هزيمة ساحقة بقوات طوسون التي كانت تحت قيادة مصطفى بك رئيس الفرسان والشريف راجح أحد الأشراف المرشحين لشرافة مكة بعد الشريف غالب.

ارتبك موقف طوسون من جراء انهزام قواته في تربة، وتأييد عدد من قبائل المنطقة للدولة السعودية الأولى، ولأنه ظل لا يعلم شيئًا عن قواته في الحناكية بعد أن سيطر السعوديون على الطريق الواصل بين المدينة المنورة والقصيم. فدفع هذا الأمر طوسون إلى طلب العون والمساعدة مرة أخرى من والده محمد علي باشا الذي رأى ضرورة سفره إلى الحجاز لمراقبة الموقف عن كثب، وإجراء اللازم لتغيير الموقف كي يكون في صالح قواته.


حملة محمد علي باشا. وصل محمد علي باشا مدينة جدّة عام 1228هـ، 1813م. وفيها أخذ يعدّ الخطط لاستمالة العربان رجال القبائل، والشيوخ منهم. وجعل مدينة جدّة مستودعًا رئيسًا للعتاد. واهتم بوسائل نقل المؤن والعتاد من مصر إلى الحجاز. وأقام حاميات عسكرية على الطرق الرئيسية وفي المواقع الاستراتيجية. وجعل الطائف مركز قيادة ابنه طوسون. وألقى القبض على الشريف غالب، وصادر أمواله، وأرسله إلى مصر عام 1228هـ، 1813م لأنه لايثق بولائه. وفي ظل هذه الظروف الصعبة توفي الإمام سعود بن عبدالعزيز عام 1229هـ، 1814م. وبهذا حُرمت الدولة السعودية الأولى من قيادة إمام محنك، وعسكري مجرب، وإداري قدير، وشخصية قوية. وقد خلفه في حكم الدولة السعودية الأولى أكبر أبنائه عبدالله بن سعود، وهو أقل خبرة ودراية في إدارة شؤون الدولة من والده.

كانت القوات السعودية في الجنوب بقيادة طامي بن شعيب قد حققت نصرًا كبيرًا على قوات محمد علي باشا في حصن بخروش علاس، وألحقت بها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. ولكن الدولة السعودية الأولى لم تستفد من هذه الانتصارات كثيرًا لأن الإمام عبدالله بن سعود كان وقتها في حرب ضد قبيلتي مطير وحرب اللتين خرجتا عليه.

وشارك محمد علي بنفسه في وقعة عنيفة ضد القوات السعودية في بسل الواقعة بين الطائف وتربة. وتمكنت القوات العثمانية المصرية من تحقيق انتصار ساحق على القوات السعودية في هذا المكان عام 1230هـ، 1815م، وكان قائد القوات السعودية في تلك الوقعة الأمير فيصل ابن سعود الكبير أخا الإمام عبدالله بن سعود. وبعد تلك الوقعة تقدمت القوات العثمانية المصرية إلى بلدة تربة واحتلتها، وأصبحت تلك البلدة مركزًا عامًا للقوات العثمانية المصرية بدلاً من مدينة الطائف ومن قبلها ميناء ينبع على البحر الأحمر.

صدرت الأوامر إلى محمد علي باشا من الباب العالي تأمره بتوجيه حملات عسكرية تأديبية ضد قبائل عسير المؤيدة للدولة السعودية الأولى. فوجه محمد علي باشا قوات صوب الجنوب، احتلت بيشة وهي مفتاح الطريق إلى بلاد عسير من جهة الشمال الشرقي. وهزمت كذلك قوات طامي بن شعيب المؤيدة للدولة السعودية الأولى. وبعد ذلك تقدمت قوات محمد علي باشا صوب بلدة القنفذة واحتلتها. وهكذا أصبح جنوب الحجاز خاضعًا في مُعْظَمه لسيادة محمد علي والدولة العثمانية. وفي خضم هذا الجهد الحربي للقوات العثمانية المصرية عاد محمد علي باشا إلى مصر على أثر تمرد حدث فيها.

وفي ميادين القتال الشمالية كانت قوات طوسون قد وصلت في زحفها إلى بلدة الرس بعد أن استولت على عدد من بلدان منطقة القصيم. وعلى الرغم من هذه الانتصارات التي حققتها قوات طوسون على بعض بلدان القصيم، إلاّ أن طوسون أدرك أنه ارتكب خطأ كبيرًا حين توغل في منطقة القصيم حيث إن قواده وجنده لايعرفون المنطقة، ولايتقنون حرب الصحراء بالقدر الذي تتقنه القوات السعودية المتدربة عليه والتي تعرف البلدان ودروبها ومناطق وجود الماء فيها، بالإضافة إلى تأييد السكّان لها. لذا فكر طوسون أن يعقد صلحًا مع الإمام عبدالله بن سعود ويلحق بعد ذلك بوالده، خصوصًا وأن صحته قد اعتلت ومرض وأصبح بحاجة إلى الراحة والبعد عن القتال والحروب، وقد ضمن ذلك في رسالة إلى والده محمد علي كي يأذن له بالعودة إلى مصر. فاستأذن محمد علي الباب العالي في ذلك فوافق، عندها عاد أحمد طوسون إلى القاهرة عام 1231هـ،1815م.

وقبل أن يعود طوسون إلى القاهرة دخل في مفاوضات مع الإمام عبدالله بن سعود الذي جمع القوات السعودية وتوجه بها إلى القصيم لمحاربة القوات العثمانية المصرية التي احتلت الخبراء والرس وغيرهما من بلدان منطقة القصيم. وقد توصل الطرفان إلى صلح مؤقت، وهو ليس صلحًا بقدر ماهو هدنة مؤقتة، عرف بصلح الرس، من أهم شروطه:

1ـ أن تقف الحرب بين الطرفين. 2ـ استقلال الإمام عبدالله بن سعود بحكم نجد بعد أن تنسحب القوات العثمانية المصرية منها. 3ـ أن يبقى الحجاز تحت السيادة العثمانية ممثلة في سيادة محمد علي باشا والي مصر. 4ـ احترام سلامة التنقل في بلاد نجد وفيما بينها وبين الحجاز وولاية الشام وولاية مصر وغيرها من الولايات العثمانية. 5ـ عدم اعتراض سبيل الحجاج وقوافلهم من الجانبين.

وبمقتضى هذا الصلح انسحبت قوات طوسون من بلدان نجد في شهر شعبان عام 1230هـ، 1815م، إلاّ أن فترة السلم هذه لم تدم طويلاً لأن كلا الطرفين ظل يعد العدة من أجل محاربة الطرف الآخر.

abo rashid
05-09-2006, 01:04 PM
حملة إبراهيم باشا. أخذ محمد علي باشا يعدّ العدة لإرسال حملة كبيرة أكثر قوة وتنظيمًا من حملة ابنه طوسون، لتقوم بمهمة القضاء على الدولة السعودية الأولى خصوصًا وأن قوات محمد علي في حروبها ضد القوات السعودية، كانت قد حصرت القوات السعودية في نجد بعد أن سيطرت تمامًا على إقليم الحجاز برمته. فقد حرص محمد علي باشا أن تكون حملته الجديدة مزودة بكل متطلبات الجندي فأعد جماعة من الأطباء الإيطاليين للإشراف الصحي على العسكر. وزود الحملة بعدد من الخبراء العسكريين الأجانب على رأسهم مسيو فيسير الفرنسي الذي كان بمثابة أركان حرب لإبراهيم باشا، وهو من بين الضباط الفرنسيين الذين خدموا في جيش نابليون بونابرت.

سارت الحملة بعد أن استكملت جميع عُددها صوب ينبع عام 1231هـ، 1816م. وفي ميناء ينبع أخذت قوات إبراهيم باشا تقوم بمناورات عسكرية كي تخيف بذلك القبائل التي ظلت تتمرد على سلطة العثمانيين وواليهم محمد علي باشا. والواقع أن القوات العثمانية المصرية الجديدة دخلت الجزيرة العربية بقوة وأسلحة وعتاد وتنظيم لم تعهده المنطقة من قبل.

توجه إبراهيم باشا بقواته من ينبع إلى المدينة المنورة، وهناك وضع خطته العسكرية الجديدة متلافيًا كل الأخطاء والسلبيات التي وقعت فيها الحملات العثمانية المصرية السابقة، خصوصًا حملة أحمد طوسون. وتوجه بقواته إلى الحناكية فوصلها في أواخر عام 1231هـ، 1816م. وهناك بدأت قوات إبراهيم تغير على القبائل العربية الموالية للدولة السعودية الأولى. وكان الإمام عبدالله وقتذاك يعدّ قواته لملاقاة قوات إبراهيم باشا، والتقى مع كتيبة عثمانية مصرية كانت تحت قيادة الضابط علي أزن في ماوية، انهزمت فيها القوات السعودية مما أثر على مستقبلها الحربي من جهة، وصعود نجم إبراهيم باشا وقواته من جهة أخرى.

سار الإمام عبدالله بن سعود إلى الخبراء ثم تركها وتوجه إلى عنيزة حيث عسكر فيها. أما إبراهيم فزحف بقواته صوب بلدة الرس، فوصل إليها في 25 شعبان 1232هـ، 1817م، وحاصرها طويلاً، واستبسل أهلها في الدفاع عنها، وبعد أن أجهدهم الحصار طلبوا من الإمام عبدالله بن سعود منازلة القوات العثمانية المصرية أو أن يأذن لهم بطلب الصلح من إبراهيم باشا. ولما لم يأت عبد الله بن سعود من عنيزة لمحاربة قوات إبراهيم ورفع الحصار عن أهل الرس قبل الأهالي والحامية السعودية في البلدة بالصلح، وخرجت الحامية السعودية على أثر ذلك من الرس إلى عنيزة.

زحفت قوات إبراهيم باشا إلى الخبراء فسلمت له البلدة. وغادر الإمام عبدالله عنيزة إلى بريدة. ثم توجه إبراهيم باشا بقواته إلى عنيزة وبعد دفاع أهلها عنها سلّمت المدينة وحاميتها السعودية بعد نفاد مالديها من مؤن وذخيرة. ولما أحسّ الإمام عبد الله بعدم جدوى المقاومة رحل من بريدة وتوجه إلى الدرعية للعمل على تحصينها وتقويتها والدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة وبسالة.

واصل إبراهيم باشا زحفه على بلدان نجد الأخرى. ولقيت قواته مقاومة من قبل أهالي بعض البلدان في أقاليم نجد كما هو الحال بالنسبة لمقاومة أهالي شقراء وضرماء. وهناك بلدان استسلمت دون مقاومة تذكر. وتعدّ مقاومة مدينة الدرعية من أقوى وأشد أنواع المقاومة التي تصدت لقوات إبراهيم باشا. فكانت الدرعية بلدًا محصنًا وقلاعها قوية، ولذا فإن مقاومتها ظلت قوية وشديدة ضد قوات إبراهيم باشا. وكانت الدرعية تتألف من خمسة أقسام لكل قسم منها أبوابه وأسواره تتخللها الحصون والأبراج. وكان محيط المدينة يصل إلى حوالي 12كم.

نظم الأهالي في الدرعيّة مقاومتهم ضد قوات إبراهيم باشا. ووزعوا جهودهم القتالية على عدة جبهات، إلاّ أن مدافع الدرعية كانت قليلة وكذلك عتادها إذا ما قورن ذلك بمدافع إبراهيم باشا وعتاده، وهي أمور قدرها إبراهيم باشا من بين نقاط الضعف في الجبهة السعودية. لذا ركز على نشاط مدافعه. فضرب الدرعية بمدافعه عشرة أيام متتالية. وظل إبراهيم باشا يحاول إضعاف صمود المدينة، دون جدوى، ولم يحرز إبراهيم باشا أي تقدم يذكر. وزاد الأمر سوءًا بالنسبة لموقف إبراهيم باشا عندما اشتعلت النيران بمستودع ذخيرته. وحاول السعوديون الاستفادة من هذا الموقف ولكن دون جدوى، خصوصًا بعد وصول إمدادات جديدة إلى قوات إبراهيم باشا. وظل الوضع كذلك مدة خمسة أشهر والمقاومة صامدة والحرب سجال بين قوات الطرفين. وظل السعوديون يدافعون عن مدينتهم بكل صمود وشجاعة وعناد، لكن طول مدة الحصار أدّى إلى قلة المؤن في المدينة، ونقص في العتاد، وانقطاع في الإمدادات. كما أن القائد غصاب العتيبي، أحد قادة الجبهة السعودية، كان قد خرج عن الجماعة، وانضم إلى إبراهيم باشا، مما أضعف الجبهة السعودية وصمودها. وتعدّ وقعة غبيراء من أشهر وقائع معارك الدرعية، إذ بعد تلك الواقعة اضطر عدد كبير من الأهالي إلى رفع الراية البيضاء والاستسلام. وبعد ذلك شن إبراهيم باشا هجومًا مركزًا على جبهات القتال السعودية التي مازالت صامدة، خاصة جبهة الإمام عبد الله ابن سعود. وبهذا الهجوم المكثف استطاع إبراهيم باشا أن يضعف الجبهة السعودية تمامًا ممّا اضطر معه الإمام عبدالله ابن سعود إلى طلب الصلح من إبراهيم باشا، واتفقا على شروطه في 9 من ذي القعدة عام 1233هـ، الموافق 10 سبتمبر 1818م، ومن أهم هذه الشروط:

1ـ أن تسلم الدرعيّة لإبراهيم باشا. 2ـ أن يتعهد إبراهيم باشا بأن يبقي على المدينة، وأن لايوقع الضرر بسكانها. 3ـ أن يتعهد الإمام عبدالله بالسفر إلى القاهرة ومن ثم يرسل إلى السلطان العثماني في إسطنبول، وذلك عملاً برغبة السلطان نفسه.

وبالفعل سلم الإمام عبدالله نفسه إلى إبراهيم باشا، فأرسله إلى القاهرة تحت حراسة مشددة في 17 من شهر محرم عام 1233هـ، 1818م. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إبراهيم باشا أخرج الناس من الدرعية، وهدمها بمدافعه، ودمر كل حصونها، وقطع نخيلها تنفيذًا لأمر محمد علي باشا الذي جاءته أوامر سلطانية تملي عليه فعل ذلك.

جاهد أهالي الدرعيّة جهادًا طويلاً ضد القوات العثمانية المصرية، وتحملوا من جراء ذلك ويلات الجوع والعطش والقلق النفسي والمعاناة. وقد تحمل أمراء آل سعود وآل الشيخ العبء الكبير في تحمل مسؤولية المقاومة وقيادتها ومايترتب عليها من نتائج. ويمكن أن نجمل أسباب فشل الإمام عبد الله بن سعود في الآتي:

1ـ عدم تكافؤ الجيشين المتحاربين، من حيث العدة والعدد والتخطيط والقيادة الحربية المدربة والمنظمة. 2ـ ضعف الإمكانات المادية وقلة الموارد المالية والاقتصادية للدولة السعودية الأولى وقت الحرب، بينما نجد بالمقابل دعمًا ماديًا ومعنويًا للقوات العثمانية المصرية ليس من ولاية مصر فحسب، وإنما من الدولة العثمانية وبعض ولاياتها العربية. 3ـ حدوث تخلخل في صفوف أتباع الإمام عبدالله ابن سعود ربما كان مبعثها الخوف من عقاب إبراهيم باشا وظلمه. 4ـ انضمام بعض قبائل البادية إلى جانب القوات العثمانية المصرية إما بسبب الخوف من العقاب أو بسبب موقفها من الدولة السعودية الأولى، أو لأسباب خلافات قديمة ومتأصلة، أو لكثرة الأموال التي أغدقها محمد علي على شيوخ القبائل التي تؤيده وتقف معه في الميدان، وتعيره جمالها أو تؤجره إياها لنقل العتاد والمؤن 5-عوامل الضَّغط النفسي والدعاية المنظمة المضادة للجانب السعودي من قبل العثمانيين ومحمد علي وغيرهم خصوصًا الخوف الذي نجم عن الشدة في تطبيق العقاب من قبل المسؤولين في الحملات العسكرية العثمانية المصرية التي جاءت إلى نجد، ومارست في بلدانه أشد أنواع الظلم والشدة والعقاب.

وقد ترتب على سقوط الدرعيّة عدة نتائج من أهمها: 1ـ عمت الفوضى السياسيّة في نجد لسقوط الدولة السعودية الأولى. 2ـ ازداد ضعف اقتصاد البلاد النجدية. 3ـ ازداد نفوذ محمد علي باشا، وازداد ضغطه على السلطان العثماني بسبب انتصاراته التي حققتها قواته ضد القوات السعودية. 4ـ أخذت بريطانيا تركز دعائم نفوذها الاستعماري في ساحل الخليج خصوصًا بعد ظهور قوة محمد علي في المنطقة وتطلعه إلى نشر سيادته على الجزيرة العربية في ظل السيادة العثمانية أو في ظل سيادته المستقلة عن العثمانيين فيما بعد. 5ـ ظهرت مقاومة سعودية جديدة في نجد ضد الحكم العثماني الممثل في سيادة محمد علي باشا، محاولة قيام الدولة السعودية الثانية. 6ـ ظهر تأييد وطني محلي في نجد للأسرة السعودية ساعدها على إعادة بناء الدولة السعودية من جديد. 7ـ تأصل في البلاد النجدية مبدأ كره الحكم الأجنبي، ومايلحق بذلك من أمور تلتصق به. 8ـ ظهور القوى السياسية المحلية في المناطق التي تكونت منها الدولة السعودية الأولى قبل سقوطها.

abo rashid
05-09-2006, 01:05 PM
نظام الحكم والإدارة في الدولة السعودية الأولى

النظام السياسي. قامت الدولة السعودية الأولى على تصحيح العقيدة الإسلامية، وعلى نصرة التوحيد والحق. اشتمل النظام السياسيّ على المناصب العليا التالية:

الإمام يأتي في قمة النظام السياسي في الدولة السعودية الأولى، فهو الرئيس الأعلى للدولة، وصاحب السلطات الفعلية فيها. وهو أعلى منصب في الدولة السعودية الأولى بيده إدارة شؤونها. والإمام السعودي هو المشرف العام على جميع شؤون الدولة، فهو القائد العام للقوات السعودية وبيده إبرام المعاهدات وإعلان الحرب، وجمع النفير العام. وهو المشرف الأول على شؤون الأمن، وتحل عنده أعقد المسائل والخلافات. ويشرف على الشؤون الماليّة كلها، وهو المتصرف الأول والمسؤول عن بيت المال وغيره من الأمور المهمة في السلطة والسيادة. وممّا يقوي مركز الإمام ويدعمه اعتماد الإمام في حكمه على مبادئ الشرع الإسلاميّ الذي لايجرؤ الفرد على مخالفته البتة، وهو في الوقت نفسه يعطي الإمام صلاحيات كاملة في العمل والإشراف مادام ذلك متمشيًا مع أحكام الشريعة الإسلامية ومطبقًا لتعاليمها.

ولي العهد هو منصب من يخلف الإمام في الحكم بعد وفاته. وقد ورد ذكر ولاية العهد في أخبار عام 1202هـ، 1787م في كتاب روضة الأفكار والأفهام لابن غنام، وكذلك في كتاب عنوان المجد لابن بشر، فيقول: ¸أمر الشيخ محمد رحمه الله ـ أهل بلدان نجد وغيرهم أن يبايعوا سعود بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ وأن يكون ولي العهد بعد أبيه وذلك بأمر عبدالعزيز، فبايعه جميعهم·.

ومن أهم سلطات ولي العهد وواجباته أنه ينوب عن الإمام في القيام بمهمات الدولة أثناء غيابه في حالة الغزو أو المرض أو أي حالة أخرى تستدعي ذلك. وكثيرًا ماكان ولي العهد يباشر مهمات الأمور الحربيّة والإدارية أثناء عهد أبيه وذلك من أجل تدريبه وإعداده لتحمل المسؤولية في المستقبل، ولكي يتعرف على الناس ومشكلاتهم.

أمراء الأقاليم. كان الإمام يعين أمراء على الأقاليم في دولته يطلق عليهم لقب أمير الإقليم، وذلك لسد الحاجة الإدارية في المناطق بعد أن توسعت الدولة السعودية الأولى، ومنصب الأمير منصب مهم وحساس لأنه من المراكز القيادية في الدولة، وهو ممثل الإمام في الإقليم، والمشرف الأول على إدارته وماليته، والمسؤول عن قيادة الغزو وتجميعه في الإقليم عند إعلان النفير العام. وقد راعى الإمام عند تعيين الحكام أو الأمراء أن يكونوا في الغالب ممن اتصفوا بولائهم للدولة، والتزموا تعاليم الدعوة السلفية الإصلاحية. وكان الإمام في أغلب الأحيان يعين أمراء المناطق من الرؤساء المحليين الذين لهم نفوذ قوي في مناطقهم ومن المحبوبين عند الأهالي، وهو أمر توافر كثيرًا في تعيين أمراء المناطق.

الشورى في الدولة. طبقت الدولة السعودية الأولى مبدأ الشورى في الحكم، وهو أمر جرى عليه أئمة الدولة السعودية الأولى. فكان الإمام يستشير العلماء وأصحاب الرأي في البلاد، وشيوخ القبائل وغيرهم. وتنقسم الشورى إلى قسمين: شورى خاصة، وأخرى عامة.


النظام الحربي. من الواضح أنه لم يكن للدولة السعودية الأولى جيش سعودي منظم بالمعنى الحديث، وإنما كان لها جيش جهاد ينعقد لواؤه عندما يأمر الإمام بذلك ويعلن النفير العام. وكانت تعبئة جيش الجهاد تتم كالآتي:1ـ يرسل الإمام رجالاً إلى البوادي يدعون للغزو، ويجتمعون في مكان يعينه الإمام. 2ـ يرسل الإمام أوامره إلى أمراء المناطق وحكام الأقاليم ليقوموا بجمع غزوهم والتوجه إلى مكان معلوم يعينه الإمام. 3ـ كان الإمام يغادر الدرعيّة يوم الخميس أو يوم الإثنين متوجهًا إلى مكان تجمع الغزو. 4ـ كان كل غزو يحضر معه طعامه وزاده ورحائله وخيوله من الجياد والنجائب العمانيات.

وكان القتال عادة يبدأ بعد صلاة الفجر، ويبدأ الجميع قتالهم بالتكبير. وكان المقاتلون يجيدون الكر والفر وحرب السيوف وقتال الصحراء وتحمل أهواله. وهم يجيدون القتال التقليدي في أسلوبه وطرقه وأسلحته. وكانوا يحاربون بدافع ديني قوي. ولاتزيد أسلحتهم عن كونها أسلحة بدائية تقليدية مثل البنادق التي تضرب بالفتيل والسيوف والخناجر والسهام والرماح، وأحيانًا بعض المدافع.

وكان الإمام يوزع على جيش الجهاد الغنائم بعد أخذ الخمس منها لبيت المال. فكانت حصة الفارس سهمين، والراجل سهمًا واحدًا. ولاينحل عقد النفير العام إلاّ إذا أصدر الإمام أمرًا بذلك. وكانت توجد حاميات سعودية تدخل في عداد الجند الثابت، وظيفتها حفظ الأمن والنظام في الأقاليم، وكانت تستبدل كل عام.

ولم تكن للدولة السعودية سفن حربية على الرغم من أنها كانت تطل على الخليج. وكانت عند الحاجة تستعين بسفن الغوص التابعة لأهالي الساحل الخليجي، والتي تعمل عادة في صيد الأسماك واللؤلؤ.

وبناءً على نظام الجهادية فإنه أصبح بمقدور الدولة السعودية الأولى أن تجمع أعدادًا كبيرة من الرجال القادرين على الغزو. ويزداد هذا العدد أو يقل بقدر اتساع رقعة الدولة أو انحسارها.


النظام القضائي. يقوم النظام القضائى في الدولة السعودية الأولى على أحكام القرآن الكريم، والسنة النبوية، واجتهاد السلف الصالح من فقهاء المذاهب الأربعة خصوصًا الحنابلة منهم؛ ومن هنا فإن منصب القاضي من المناصب المهمة في الدولة السعودية الأولى. ويشترط في من يتولى القضاء أن يكون من علماء الشرع الإسلامي الذين لهم علم ودراية طويلة في العلوم الشرعية، كي يستطيع الفصل في المنازعات والخلافات والشكاوي والقضايا التي تعرض عليه. وعليه أن يتصف بالنزاهة والعدل بين المتخاصمين فلا فرق لديه بين رفيع ووضيع، أو غني وفقير.

كانت الدولة السعودية الأولى تنفذ أحكام الشرع في عقوبة الجرائم والمخالفات. وكان القضاة يأخذون بالمذهب الذي يرونه أقرب إلى الصواب حتى وإن خالف مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

وبفضل تطبيق أحكام الشرع الإسلامي بكل دقة وعدم تساهل، ساد الأمن ربوع البلاد، وعم الناس شعور عام بأن تنفيذ الحدود أمر لاتهاون فيه، ومن هنا قلت نسبة الجرائم والمخالفات.


النظام المالي. كان للدولة السعودية الأولى بيت مال يشرف على إدارة الشؤون المالية، من حيث الموارد والصرف.

موارد بيت المال. وتأتي من كافة أًصناف الزكاة مثل زكاة الزروع والثمار ومقدارها العشر أو نصفه، وزكاة النقدين من ذهب وفضة وهي ربع العشر، وزكاة عروض التجارة ومقدارها ربع العشر، بالإضافة إلى زكاة الماشية من البقر والأغنام والإبل. انظر: الزكاة.

ومن موارد بيت المال الأخرى ماكان يدخل فيه من خمس الغنائم وهي تشكل نسبة جيدة بالنسبة لواردات بيت المال في الدولة السعودية الأولى، إذ أن نسبة خمس الغنائم تأتي في الدرجة الثانية بعد الزكاة من حيث موارد بيت المال. ومن الواضح أن حجم خمس الغنائم يزداد ويقل تبعًا لزيادة الغزوات أو قلتها بناءً على الظروف السياسية والاجتماعية. وجدير بالذكر هنا أن الغزوات في عهد الدولة السعودية كانت كثيرة جدًا.

وقد أورد كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب مجمل واردات بيت المال من الزكاة، فوصلت إلى أكثر من مليوني ريال. وقدرها بوركهارت أيضًا بحوالي مليوني ريال.

مصاريف بيت المال. كانت الدولة السعودية الأولى تدفع من موارد الزكاة للفقراء والمساكين ومن شملتهم الآية القرآنية: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ التوبة: 60.

وكانت الدولة السعودية الأولى تخصص مبالغ من مال بيت المال لبناء بيوت الله، وأخرى تصرف على حلقات التعليم التي تعقد في المساجد، وعلى العلماء وطلاب العلم، وأئمة المساجد والمؤذنين. وكانت الدولة تدفع من بيت مالها رواتب القضاة وأمراء المناطق وجند الحاميات السعودية المرابطة في أقاليم الدولة، بالإضافة إلى مخصصات أمراء القوات، الذين يقودون الجيش وقت القتال ويشاركون في العمل الإداري الخاص بشؤون الدولة وأعمالها.

خصصت الدولة مبالغ من المال لمصروفات الضيافة، ولمساعدة المتضررين من جراء النكبات والكوارث التي تحل بالبلدان وتؤثر على أهلها. كما خصصت مبالغ من المال لسد حاجات بعض الأقاليم التي لاتكفي وارداتها لسد حاجتها المالية، بالإضافة إلى المبالغ المالية المخصصة للمشروعات الخيرية والاجتماعية وغيرها.


النظام التعليمي. كان نظام التعليم وقتذاك نظامًا تقليديًا قديمًا متوارثًا، يقوم في المساجد أو الكتاتيب. وكان التعليم في غالب مناهجه وأسلوبه تعليمًا دينيًا في الدرجة الأولى، بالإضافة إلى اللغة العربية وبعض مبادئ الحساب. وركزت الدراسة الدينية على المذاكرة والاطلاع ودرس كتاب رياض الصالحين، وتفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، ومؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومؤلفات الشيخ المجدد المصلح محمد بن عبدالوهاب. وكان الإمام محمد ابن عبدالوهاب وأبناؤه وتلاميذه هم الأساتذة وهم المشرفون على التعليم وكان الأساتذة العلماء يمنحون شهادات علميّة تقليديّة تسمى إجازة عندما يقتنع الشيخ الأستاذ بأن طالبه أتقن الدروس التي طلبها منه. وكانت الدولة السعودية الأولى تكفل التعليم، وتمنح المكافآت للطلاب، وتصرف رواتب للعلماء. وكان التعليم متاحًا لكل من له رغبة في العلم والتعلم والتزود بالعلوم الشرعية وعلوم القرآن والحديث وعلوم اللغة العربية.


الأنشطة الاقتصادية للسكان. عمل الكثير من السكان في الزراعة التي تكثر عادة في الواحات مثل مناطق: الأحساء، والدواسر، والأفلاج، والخرج، والوشم، وسدير والقصيم وجبل شمر ومناطق الجنوب وغيرها من مناطق الدولة السعودية الأولى المترامية الأطراف. وكانت نسبة السكان الذين يعملون في الزراعة في تلك المناطق نسبة عالية. وهم يزرعون الحنطة والشعير والذرة والسمسم والأرز والخضراوات بأنواعها وأشجار الفواكه والنخيل. وطرق الزراعة عندهم طرق بدائية ويستخدمون المحراث الخشبي الذي تجره الإبل أو البقر وغيرهما. وطرق الري عندهم طرق بدائية أيضًا.

وكان هناك قطاع من السكان يعمل في التجارة المحلية والخارجية. أما التجارة المحلية فهي تعتمد على البيع والشراء الداخلي، يتمثل ذلك في الدكاكين والمحلات التجارية والأسواق التي تنتشر في كل المدن والبلدان. وقد توافرت في الأسواق معظم الحاجيات الضرورية للسكان. أما عن التجارة الخارجية؛ فكان سكان الأحساء ومدن العارض والوشم وسدير والقصيم وشمر والأفلاج والدواسر، يمارسون العمل في التجارة الخارجية، يجوبون بلاد الخارج من أجل التجارة. فتاجروا مع البلاد العربية المجاورة ومع الهند وغيرها، فصدروا الخيول العربية، وجلبوا البضائع والمصنوعات الضرورية مثل: الملابس، والبن والهيل والسكر والقرنفل والفلفل والكركم وغيرها. وهناك طرق تجارية برية وأخرى بحرية. وكان للتجار الكبار وكلاء في البصرة وجدة وصنعاء والبحرين والكويت ودمشق، ودلهي وغيرها.

أما عن الحرف فقد مارس بعض السكان الحرف اليدوية مثل الصياغة والحدادة والنجارة وصناعة الفخار وغيرها من الحرف المحلية لسد حاجة السوق المحليّ منها إلى جانب ا لمنسوجات من الصوف والوبر والأدوات والحصر المصنوعة من سعف النخيل. أما قطاع البادية فيعمل في الرعي ويجوب المراعي كل في ديرته أو في الديار التابعة للقبائل المتحالفة، وظل هذا القطاع السكاني القبلي في حالة من التنقل والترحال طلبًا للعشب والماء، وبحثًا عن البلاد التي تشتري منتجاته، وهم بدورهم يشترون مايحتاجونه منها. ويغلب على مجتمع نجد البداوة لأن غالبية سكانه وقتذاك كانوا من البدو، إذ قدرت نسبة البدو إلى الحضر بنسبة 1:2. أما المناطق الأخرى من الدولة ففيها حضر أكثر؛ لأن معظم سكانها مستقرون ويعملون بالزراعة أو الحرف أو مهن أخرى مثل صيد الأسماك واللؤلؤ والتجارة، وهذا لايمنع أن تكون مثل هذه المناطق غنية بالسكان البدو، لكن نسبة هؤلاء تظل أقل من نسبة السكان الحضر في تلك المناطق.

abo rashid
05-09-2006, 01:06 PM
العلاقات الخارجية للدولة السعودية الأولى
سيطرت الدولة السعودية الأولى على أجزاء واسعة من أراضي الجزيرة العربية، شملت بلاد نجد بكاملها، من نهاية حدود جبل شمرّ في الشمال إلى نهاية حدود الربع الخالي في الجنوب حتى أن طلائع غاراتها وصلت أحيانًا إلى مشارف بلاد حضرموت. كما ضمت مايعرف اليوم بالمنطقة الشرقية أو منطقة الأحساء، وشملت مدينة القطيف ونواحيها، والدمام ونواحيها، والهفوف ومنطقتها. كما شملت كل بلاد قطر. وانضمت إليها مناطق واسعة في الجنوب مثل منطقة عسير السراة وعسير تهامة أو مايعرف بمنطقة المخلاف السليماني، حتى أن نفوذها امتد إلى عدد من البلدان اليمنية الساحلية المطلة على البحر الأحمر. وامتد نفوذها في منطقة الخليج إلى واحات البريمي، ومشيخات الساحل المتصالح، وإلى مناطق متوغلة في سلطنة مسقط وعُمان. ودخلت منطقة الحجاز فترة معينة في الدولة السعودية الأولى، وكذلك البحرين. وامتد نفوذ الدولة السعودية إلى الأجزاء الشمالية من الجزيرة العربية حتى أن غزواتها وصلت مناطق جنوب العراق، وكذلك بعض المناطق الجنوبية التابعة لولاية دمشق، وقد دفعت قبائل المنطقة زكاة للدولة السعودية الأولى دلالة على نوع من التبعية السياسية لتلك الدولة. وبناءً عليه فإن امتداد الدولة السعودية الأولى وحدودها ضمت منطقة شاسعة جدًا من أرض الجزيرة العربية، شملت معظم أراضي الجزيرة العربية، واستطاعت الدولة السعودية الأولى أن تكون دولة مستقلة عن الإدارة العثمانية في تلك المناطق، مطبقة فيها مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية الإصلاحية.

وكان لابد من قيام نوع من الاتصالات بين الدولة السعودية الأولى والدول العالمية الكبرى ذات النفوذ القوي في منطقة الخليج، ومع دولة فارس ذات الصلة الكبيرة بالوحدات السياسية الخليجية. وقد أدّت العلاقة السياسيّة القائمة بين الدولة السعودية الأولى والوحدات السياسية في الخليج دورًا بارزًا في حدوث نوع من العلاقات أو الاتصالات بين الدولة السعودية الأولى والقوى الدولية، خصوصًا وأن عددًا من الوحدات السياسية الخليجية كانت على عداء تقليدي مع الدولة السعودية الأولى، وكانت في الوقت نفسه تستعين عليها بالدول الكبرى ذات النفوذ في الخليج. وكانت دولة بريطانيا في مقدمة الدول الأوروبية ذات النفوذ الواسع والتأثير الكبير على عدد من الوحدات السياسيّة الخليجية. فقد استعانت سلطنة مسقط وعُمان بدولة بريطانيا، وأحيانًا بدولة فرنسا ضد الغزو السعودي. وفي مناسبات أخرى كانت السلطنة العمانية تطلب العون من دولة فارس ضد الدولة السعودية الأولى، والحال نفسها بالنسبة للبحرين التي كانت تطلب العون من دولة العجم ومن بريطانيا أيضًا.

وقد أثر الصراع القائم بين دول أوروبا وعلى رأسها بريطانيا وبين نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا في حدوث نوع من الاتصالات البريطانية والفرنسية بالدولة السعودية الأولى؛ لأن كلتا الدولتين، البريطانية والفرنسية، كانت ترى ضرورة الاتصال بالقوى السياسية المحلية القوية ذات التأثير في حوادث الخليج، وتأتي الدولة السعودية الأولى في قمة الدول المحلية المعنية بالاهتمام البريطاني والفرنسي. وقد ساهم التشابك المذهبي في مناطق الخليج وما له من سلبيات في إيجاد نوع من العلاقة القائمة بين الدولة السعودية الأولى وبين دولة فارس، وبناءً عليه فإنه لامندوحة من قيام علاقة أو اتصالات بين الدولة السعودية الأولى وبريطانيا وفرنسا ودولة فارس بسبب مجموعة من العوامل التي تضافرت معًا وتسببت في إيجاد أساس لتلك العلاقة.


علاقة الدولة ببريطانيا. من المسلَّم به أن العلاقة القائمة بين الدولة السعودية الأولى وبريطانيا لم تصل إلى حد مفهوم العلاقات الخارجية بين الدول، تلك العلاقات ذات المفهوم الدبلوماسي الكامل، وإنما ظلت تلك العلاقة مجرد اتصالات محدودة، وفي مناسبات معينة وظروف سياسية خاصة، مثل التحالف القائم بين الدولة السعودية الأولى والقواسم الذين ظلوا في عداء تقليديّ مع كل من حكام سلطنة عُمان ومسقط، وبريطانيا، فقد جر هذا العداء الدولة السعودية الأولى إلى خلافات مع بريطانيا، علمًا بأن بريطانيا كانت لاترغب في التورط في العداء مع السعوديين؛ لأن مثل هذا العداء سيجرها إلى صراع طويل مع أقوى دولة محلية في الجزيرة العربية، ولأن هذا يقودها للتدخل في الشؤون الداخلية للقوى السياسية المحلية، وهو أمر لاترى بريطانيا التورط فيه لأن مصالحها الاستعمارية في المنطقة تتركز على مناطق الساحل وبالتالي فهي تخسر كثيرًا في حالة تدخلها في المناطق الداخلية من الجزيرة العربية.

زادت قناعة بريطانيا بضرورة اتخاذ موقف أكثر مرونة ولينًا تجاه الدولة السعودية الأولى، خصوصًا بعد تعرض مصالحها في الكويت وجنوب العراق للضغط والتأثير السعودي بعد وصول الحملات السعودية إلى تلك المناطق في عهد الدولة السعودية الأولى، علمًا بأن بريطانيا وقتذاك كانت قد نقلت مراكزها التجارية التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية من البصرة إلى الكويت مما يعرض مصالحها التجارية والبريدية للخطر.

تودّد المسؤولون المحليون البريطانيون في شركة الهند الشرقية البريطانية للمسؤولين السعوديين، وحاولوا قدر المستطاع التقرب منهم للمحافظة على سلامة طرق بريد الشركة المارة في المناطق الشمالية الشرقية من حدود الدولة السعودية الأولى أو من مناطق متاخمة لحدودها، وزاد إلحاح بريطانيا على هذا النمط من التقارب بينها وبين الدولة السعودية الأولى عندما زاد خلاف بريطانيا مع المسؤولين العثمانيين في ولاية البصرة.

جاءت بعثة بريطانية برئاسة رينود مساعد الوكيل البريطاني لشركة الهند الشرقية البريطانية في الكويت إلى الدرعية عام 1214هـ، 1799م لإجراء محادثات مع المسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود حول إيجاد نوع من العلاقات الوديّة وحسن المعاملة بين بريطانيا والدولة السعودية الأولى، بعد الخلاف القائم بين الطرفين الذي تمخض عن تدخل حرس الوكالة البريطانية في الكويت مع القوات الكويتية في رد هجوم سعوديّ ضد الكويت. وقد أدّى هذا الخلاف بطبيعته إلى تعرض بريد شركة الهند الشرقية البريطانية، المار من البصرة إلى حلب، لاعتداءات القبائل التابعة للدولة السعودية الأولى. وليس حادث الكويت وحده الذي كان يعكر صفو العلاقة بين بريطانيا والدولة السعودية الأولى، إنما كانت هناك مواقف بريطانية مماثلة حين ساعدت بريطانيا حكام سلطنة مسقط، وحكام البحرين في موقفهم المعادي للجانب السعودي، بالإضافة إلى موقفها العدائي الصارم تجاه القواسم المؤيدين للدولة السعودية الأولى، والمجاهدين ضد السيطرة الاستعمارية البريطانية في الخليج.

abo rashid
05-09-2006, 01:06 PM
وقد استقبل المسؤولون السعوديون في الدرعيّة رينود استقبالاً حسنًا يليق بكرم الضيافة العربية. وأجرى رينود محادثات مطولة وموسعة مع الإمام السعودي عبدالعزيز بن محمد وأعضاء حكومته، تركزت على مبدأ تأمين سلامة بريد شركة الهند الشرقية البريطانية. ومن القرائن الواضحة أن بعثة رينود لم تحقق نجاحًا يذكر على الرغم من حرارة الاستقبال الذي قوبل به رئيس البعثة البريطانية في الدرعية. فقد ظل السعوديون يتحسسون كثيرًا مواقف الأجانب النصارى، خصوصًا أولئك الذين لهم أطماع استعمارية في العالم الإسلامي، فكان هذا السبب كفيلاً بفشل مهمة بعثة رينود. وكان السعوديون حريصين كل الحرص على تجنب إقامة علاقة مفتوحة بينهم وبين بريطانيا الدولة النصرانية الاستعمارية، وهو أمر تفرضه عليهم الأسس الدينية والاجتماعية التي قامت عليهما الدولة السعودية الأولى. وممّا يفسر صدق هذا الرأي وصوابه أن بريطانيا كانت على الدوام هي السباقة في مجال الاتصالات بين الدولتين، فظل البريطانيون هم أول من يبدأ الاتصالات مع حكومة الدرعية. فقد وردت إلى الإمام السعودي عدة رسائل رسميّة من المعتمد البريطاني في بوشهر بمناسبة حدوث أمور طارئة في العلاقات بين الدولتين، خصوصًا في مسألة القواسم، وقد اعتمد الموقف البريطاني اللين تجاه حكومة الدرعية على مرتكزات أساس هي: 1ـ كانت بريطانيا تنفذ مخططها أولاً، ثم تلجأ بعد ذلك إلى الأسلوب الدبلوماسي الهادئ، إذ لاداعي للتشدد في الموقف بعد نيل المراد. 2ـ كانت بريطانيا واقعية في تعاملها لأنها تتعامل مع دولة محلية قوية وحدودها واسعة، ولها تأثيرها الكبير في المنطقة. 3ـ كانت بريطانيا تحاول من خلال موقفها اللين تجاه الدولة السعودية الأولى أن تحدّ من التدخل السعودي في مناطق نفوذها في الخليج. 4ـ حاولت بريطانيا أن تجعل نفسها دولة محايدة في المنطقة كي تتمكن من أن تقوم بدور الوسيط الفاعل في الخلافات التي تنشأ بين الوحدات السياسية في المنطقة. 5ـ حاولت بريطانيا أن تكون علاقتها بالدولة السعودية الأولى في الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري، السنوات العشر الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي، علاقة ود وسلام، على الرغم من أنها كانت، في الخفاء أحيانًا وبشكل علنيّ أحيانًا أخرى، تساعد القوى المحلية الخليجية المعادية للدولة السعودية الأولى.

ومن الواضح أن الموقف البريطاني تجاه الدولة السعودية الأولى كان نابعًا من مصالحها، ولا يعتمد البتة على مبدأ حسن النية، بل ظلت بريطانيا توجه علاقتها مع الدولة السعودية من خلال منظور مصالحها واحتياجاتها السياسية والدبلوماسية. فموقف بريطانيا من الدولة السعودية اتسم بالخبث والكراهيّة، لأن بريطانيا كانت لاترغب بحال من الأحوال أن ترى دولة محلية قوية تجاورها في الخليج، ولها عرى صداقة وأخوة وجوار مع القوى المحلية الخليجية. وقد اتضح الموقف البريطاني بشكل جلي بعد سقوط الدرعية حين أرسلت بريطانيا الكابتن الإنجليزي سادلر إلى الدرعية ليهنئ إبراهيم باشا على انتصاره العسكري على الدولة السعودية الأولى، ويتضح أيضًا مما ألصقه المسؤولون البريطانيون من تهم وصفات جارحة بالدولة السعودية الأولى من خلال وثائقهم وتقاريرهم الرسميّة عنها.


علاقة الدولة بفرنسا. لم تكن علاقة فرنسا بالدولة السعودية الأولى واضحة كما هو الحال بالنسبة لوضوح العلاقة بين بريطانيا والدولة السعودية الأولى. وقد بدأت ملامح تلك العلاقة في الظهور بعد حملة نابليون بونابرت على الشرق كجزء من الصراع الفرنسي البريطاني. فقد حاول نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا أن يخطب ود حكام الشرق كي يفيد منهم في دعم موقف فرنسا ضد الأوروبيين، خصوصًا بريطانيا. ومع أن المحاولة الفرنسية كانت حديثة وتميزت بعدم الجدية، إلا إنها تظل فاتحة تطلع فرنسي تجاه القوى المحلية في الجزيرة العربية، خصوصًا القوى المحلية الخليجية. وزاد التطلع الفرنسي للمنطقة في فترة الحروب النابليونية في أوروبا، ومن هنا وجهت فرنسا بعثة فرنسية برئاسة جردان للقيام بنشاط كبير في بلاد فارس ومناطق الخليج ذات الصلة بالطرق البحرية الموصلة إلى الهند، لضرب خطوط المواصلات البريطانية في الشرق كجزء من الموقف الفرنسي المنافس للاستعمار البريطاني في الشرق. وحريّ بنا أن نلحظ أنه ليس بمقدور الفرنسيين وقتذاك أن يفعلوا شيئًا ضد بريطانيا، وباءت محاولاتهم بالفشل.

تذكر بعض الروايات التاريخية أن بعثة فرنسية برئاسة دي لاسكارس كانت قد وصلت إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز عام 1226هـ، 1811م. وقد تباحثت تلك البعثة مع المسؤولين السعوديين حول قيام علاقات بين فرنسا والدولة السعودية الأولى. وتذكر بعض المصادر أن البعثة الفرنسية كانت قد طلبت من الإمام سعود بن عبدالعزيز أن يقف إلى جانب الفرنسيين ضد الدولة العثمانية، لكي يتمكن نابليون من ضرب النفوذ البريطاني في الشرق، وبالمقابل فإن فرنسا على استعداد لدعم الدولة السعودية الأولى في موقفها المعادي للدولة العثمانية، عن طريق غزو بلاد الشام وضمها إلى الدولة السعودية الأولى. ومعروف أن الإمام سعود بن عبدالعزيز كان معجبًا بعسكرية نابليون وسمعته القتالية. لكن بريطانيا كانت تراقب الموقف عن كثب، فأرسلت بعثة بريطانية إلى الإمام السعوديّ تنصحه بعدم التورط في مساندة الموقف الفرنسي، أو توقيع أي اتفاق مع الحكومة الفرنسية مقابل أن تضغط على السلطان العثماني وتجبره على الاعتراف بالحكم السعودي. وتشير المصادر إلى أن الاتصالات الفرنسية السعودية انتهت بفشل نابليون في حروبه في الجبهة الروسية، والتي عدت بداية سقوطه.

ويجب علينا أن نلحظ هنا أن الواقع التاريخي لايؤكد مثل هذه الادعاءات التاريخية، لأن البعثة المذكورة لم نجد لها ذكرًا في المؤلفات النجدية التي كانت تدون كل شاردة وواردة عن الدولة السعودية الأولى، خصوصًا في عهد الإمام سعود الكبير، كما أن هذه الحادثة لم يرد لها ذكر في كتب التاريخ المعاصرة للحوادث، عربية كانت أو أجنبية، خصوصًا في الوثائق البريطانية، ولذا فإن مثل تلك المعلومات التاريخية تظل معلومات مشكوكًا في صحتها، حتى أن الكاتب الفرنسي المشهور جاك بيزلي يشك في قيام مثل هذه البعثة. ومما يدعم هذا الرأي أن فرنسا لم يكن لها وجود قوي في منطقة الخليج والجزيرة العربية.

abo rashid
05-09-2006, 01:11 PM
قامت على الأسس نفسها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى من العمل على تصحيح العقيدة وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وإذا كانت الدولة السعودية الأولى قد انهارت سياسيًا، إلا إنها في الوقت نفسه تركت في البلاد النجدية مقومات قيام الدولة السعودية الثانية، إذ ظلت مبادئ الدعوة السلفية الإصلاحية ماثلة في أذهان الناس، وظل المجتمع النجدي يكن ولاء واحترامًا للأسرة السعودية التي وحدت البلاد في ظل دولة إسلامية تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، ووفرت الأمن والاستقرار والرخاء، وتبنت نشر الدعوة والدفاع عنها وعن أتباعها ضد القوات العثمانية والمصرية. ويأتي على رأس هؤلاء المؤيدين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأئمة الدعوة من أبنائه وأحفاده، وعلماء البلاد، وكلهم أصحاب نفوذ وتأثير في مجتمعهم لما كانوا يتمتعون به من منزلة دينية وعلمية محترمة ومقدَّرة من قبل الجميع.

وزاد تقرب الناس في نجد من السلطة السعودية، ذات الطابع الديني والوطني والمحلي بسبب ما وصلت إليه أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية من تَرَدٍ، بالإضافة إلى سوء المعاملة التي عاملهم بها جنود محمد علي باشا أثناء حروبهم في نجد، وبعد انسحابهم منها. فقد عذبت عددًا من العلماء، والأهالي، ودمّرت الدرعية، وضربت أسوارها بالمدافع. وأسر إبراهيم باشا حوالي أربعمائة من العلماء والزعماء والشيوخ، وبخاصة كل من أمسكوا به من آل سعود، وآل الشيخ. وبناءً عليه، فقد عالج كل من محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا المسألة النجدية من زاوية سياسية فقط، واعتقدوا أنه الحل دون النظر إلى القضايا الأخرى في المسألة، تلك القضايا التي ظلت تشكل الحجر الأساسي في قيام الدولة السعودية الثانية. ومن أكبر أخطاء الدولة العثمانية وواليها محمد علي باشا أنهم ظلوا يقدرون الأمور والمسائل الشائكة وعلاجها من منطلق مفهوم سياسي فقط.


مقومات قيام الدولة السعودية الثانية

جهود الأمير مشاري بن سعود آل سعود. حاول محمد بن مشاري بن معمّر أن يسد الفراغ السياسي الذي أحدثه رحيل إبراهيم باشا عن الدرعية والأراضي النجدية الأخرى فيما بعد. وقد راودت ابن معمّر فكرة بناء وحدة سياسية في نجد تكون بزعامته وزعامة أسرته، وهو لا يمانع من أن يدين بولائه للدولة العثمانية ممثلة في سيادة محمد علي باشا. إلا أن محاولة ابن معمّر فشلت لا بسبب عجزه، وإنما بسبب ظهور الأمير السعودي مشاري بن سعود الكبير، أخي الإمام عبد الله بن سعود، آخر أئمة الدولة السعودية الأولى، وهو مطالِب شرعي بالحكم في نجد وغيرها من مناطق الجزيرة العربية التي كانت تحت السيادة السعودية في عهد الدولة السعودية الأولى. فقد هرب الأمير مشاري بن سعود الكبير من حراسه أثناء توجه قافلة الأسرى السعوديين من المدينة المنورة إلى ينبع. فعاد إلى نجد، ووصل الوشم وجمع الأنصار والأعوان من مؤيدي آل سعود وتوجه بهم إلى الدرعية، فتنازل له محمد ابن مشاري بن معمَّر عن الحكم لكنه ظل يبطن غير ما يظهر، مستخدمًا أسلوب اللين ثُمّ عاود الدهاء في التعامل مع الأمير السعودي مشاري بن سعود الذي أيده الناس وبايعوه على الحكم.

بعد فترة قصيرة خرج ابن معمّر من الدرعية وتوجه إلى بلدة سدوس بحجة زيارة أقاربه فيها، لكنه أخذ يجمع الأنصار وشكل منهم قوات تدعمه وتمكنه من السيطرة على الحكم في الدرعية، وهو أمر ظل يراوده كثيرًا. وقد استمال إلى جانبه الشيخ فيصل الدويش، شيخ قبيلة مطير الذي أرسل إليه عددًا من أتباع قبيلته، وقد تمكن محمد بن مشاري بن معمر من الهجوم على الدرعية ولم يتمكن مشاري بن سعود من الدفاع عنها، فألقى ابن معمّر القبض عليه، وزجّ به في السجن، ثم أرسله بعد ذلك إلى سدوس. ثم تقدم ابن معمر إلى الرياض ودخلها بعد أن كان الأمير تركي بن عبد الله قد خرج منها عندما سمع بقدوم ابن معمّر وقواته إليها. وهكذا تمكن ابن معمّر من انتزاع الحكم من الأمير مشاري بن سعود، مصممًا على مد نفوذه في ربوع نجد. وأرسل ابن معمّر إلى القيادة العثمانية المصرية أخبار ما حدث، معلنًا ولاءه لتلك القيادة، وهي أعمال تُعدّ موافقة لمصالح الدولة العثمانية في المنطقة.

أما عن مصير الأمير مشاري بن سعود الموجود في السجن في سدوس، فقد سلمه جماعة ابن معمّر إلى قيادة القوات العثمانية المصرية المرابطة في سدوس، وقد أرسلته تلك القيادة بدورها إلى قيادة القوات العثمانية المصرية في عنيزة، وهناك وُضع في السجن ومات فيه عام 1236هـ،1820م. وتُعدّ محاولة الأمير مشاري بن سعود في سبيل إعادة مجد أسرته السياسي والاجتماعي محاولة سعودية أولى جادة هدفها إعادة بناء الدولة السعودية في دورها الثاني، إلا أن محاولته هذه جُوبِهت بحركة محلية مضادة هدفها هي الأخرى بناء وحدة سياسية محلية تابعة للدولة العثمانية تكون بزعامة أسرة آل معمّر، أمراء العيينة قبل قيام الدولة السعودية الأولى. وقد رأى العثمانيون تدعيم تلك القوة المحلية، ما دامت تدور في فلكهم وتحت لوائهم. وعليه فإن ظهور زعامة الأمير مشاري بن سعود كانت قد تزامنت مع تحديات القوى النجدية المحلية غير القوة السعودية في منطقة نجد، وتزايد قوة القوى المحلية الأخرى خارج نجد، وهي أمور أعاقت نجاح حركة مشاري ابن سعود، بالإضافة إلى عداوة الدولة العثمانية لآل سعود وأتباعهم.


جهود الأمير تركي بن عبد الله آل سعود. ظهر الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود على مسرح الأحداث السياسية في بلاد نجد في عهد إمارة محمد بن مشاري بن معمّر الذي كوّن إمارة قصيرة العهد في الدرعية وما حولها من بلدان مثل الرياض. وكان ذلك في أعقاب رحيل إبراهيم باشا عن الدرعية. وحاول ابن معمّر بذلك أن يكوّن إمارة نجدية محلية تحت زعامة أسرة آل معمّر، وتابعة للعثمانيين وواليهم محمد علي باشا.

وتبين الروايات التاريخية النجدية أن تركي بن عبد الله أيد ابن معمر وسانده ودعمه يوم أن ظهر في الدرعية بعد رحيل إبراهيم باشا عنها. ولكن موقف تركي وولاءه لابن معمّر قد تغير تمامًا بعد ما غدر بابن عمه مشاري بن سعود.

دأب الأمير تركي بن عبد الله في فترتي حكمه على إعادة تكوين الدولة السعودية بعد انهيارها على يد إبراهيم باشا. ففاجأ محمد بن مشاري بن معمّر في الدرعية وألقى عليه القبض، وتولَّى الحكم فيها، وأيده سكانها. ثم هاجم الرياض ودخلها وألقى القبض على مشاري بن محمد بن معمّر،. وبهذا يكون الأمير تركي بن عبد الله قد سيطر على مقاليد الحكم بعد أن أزاح من طريقه قوة محلية نجدية منافسة هي قوة آل معمّر ونفوذهم في المنطقة. وقرر تركي ابن عبد الله أن يتخذ من الرياض عاصمة له عوضًا عن الدرعية التي تحطمت فيها كل وسائل الدفاع عنها مثل القلاع والحصون والأسوار وما إلى ذلك. وقد اشترط تركي على محمد بن مشاري بن معمّر وابنه مشاري أن يعملا على إطلاق سراح ابن عمه مشاري، وإلا قتلهما. ولما كان أتباع ابن معمر قد سلموا مشاري بن سعود إلى خليل آغا القائد العثماني في بلدة سدوس، وهو بدوره نقله إلى القيادة العثمانية في عنيزة، ومات هناك في السجن، لذا نفذ تركي بن عبد الله فيهما حكم القتل عام 1236هـ، 1820م.

هاجم فيصل الدويش رئيس قبيلة مطير، ومعه عدد من القوات العثمانية المرابطة في عنيزة الرياض، لكن تركي بن عبد الله وقواته المرابطة داخل المدينة، صدوا الهجوم، وصمدوا في وجه حصار قوات فيصل الدويش للرياض، مما اضطر معه فيصل الدويش إلى رفع الحصار عن الرياض والرحيل عنها، متوجهًا بقواته صوب منطقة الوشم لإعداد حملة قوية يكون بإمكانها السيطرة على الرياض، معتمدًا بذلك على القوات العثمانية التي وصلت إلى نجد تحت قيادة القائد العثماني حسين بك، والتي أرسلها محمد علي وابنه إبراهيم باشا إلى نجد لتقويض دعائم السلطة السعودية التي ظهرت من جديد محاولة إعادة تأسيس الكيان السعودي في دوره الثاني.

وصلت القوات العثمانية المصرية إلى منطقة الوشم برئاسة حسين بك، وفي الوشم انتدب حسين بك أحد ضباطه عبوش آغا (آبوش آغا) للتوجه صوب الرياض من أجل احتلالها والقضاء على حكم تركي بن عبد الله، وترتيب الأوضاع الأمنية والإدارية في المنطقة.

اضطر تركي بن عبد الله أن يخرج سرًا من الرياض بعد حصار عبوش آغا وقواته لها، متوجهًا إلى بلدان جنوب الرياض. وبعد أن احتل عبوش آغا بلدة الرياض وصل حسين بك إليها وأمّر فيها ناصر بن حمد العائذي وعند رحيله من نجد ترك حاميات من العسكر في أمهات مدن نجد وفتك بمن يظن بهم مقاومة العثمانيين، وعمل في القرى قريبًا مما عمله إبراهيم باشا فعمت الفتن والحروب، وضربت الفوضى اطنابها من جديد، فقتل رئيس حامية الرياض إبراهيم كاشف وأميرها ناصر بن حمد العائذي. ومهدت هذه الأحداث لظهور تركي مرة أخرى حيث قدم في رمضان عام 1238هـ، 1822م من بلدة الحلوة لاستئناف الكفاح من جديد لاستعادة ملك أبائه، واتخذ من بلدة عرقة مركزًا لعملياته الحربية ضد المحتلين.

هاجم تركي وقواته التي جمعها من البلدان النجدية القوات العثمانية المصرية الموجودة في منفوحة والرياض. واستطاع في أول الأمر أن يقضي على مقاومة جند الدولة العثمانية في بلدة منفوحة في أواخر عام 1239هـ، 1824م، ويكون بذلك قد قضى على معقل من معاقل القوات العثمانية المصرية في منطقة العارض.

وفي مطلع عام 1240هـ، 1824م، توجه تركي بقواته من منفوحة إلى الرياض، فحاصرها حوالي شهر، لكن جندها من العثمانيين والمصريين صمدوا في وجه الحصار إلى أن وصلتهم قوات نجدة بقيادة فيصل الدويش الذي ظل يؤيد محمد علي وقواته، وتمكن فيصل الدويش من فك الحصار عن الرياض، وانسحب تركي إلى بلدة عرقة. ولما رحل فيصل الدويش مع قواته عاود تركي الهجوم على الرياض، وحاصرها حصارًا شديدًا، فاضطر القائد العثماني أبو علي المغربي إلى طلب الصلح في مطلع عام 1240هـ،1824م فقبل الأمير تركي ذلك شريطة أن يخرج مع قواته من الرياض ويرحل بهم إلى خارج نجد، علمًا بأن القوات العثمانية المصرية كانت عادة تأتي من منطقة الحجاز، وعندما ترحل عن نجد تتوجه إلى الحجاز أيضًا.

وهكذا تمكن تركي بن عبد الله من دخول الرياض، وبايعه الناس إمامًا عليهم. ونشط هذا الإمام في إتمام مشروعه الكبير الرامي إلى توحيد البلاد النجدية تحت حكمه، ثم إعادة المناطق التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى وتوحيدها مع البلاد النجدية في إطار دولة واحدة تعيد أمجاد الدولة السعودية الأولى. وساعدت حركات أهالي نجد ضد القوات العثمانية المصرية، وعندما أجبرته على الرحيل من بلدان نجد، ساعدت على إنجاح مشروع الإمام تركي بن عبدالله. ونال الإمام تركي بن عبد الله تأييد معظم زعماء نجد وعارض مشروعه عدد قليل منهم، مما اضطر الإمام تركي ابن عبد الله إلى استخدام القوة العسكرية لإخضاعهم لسيادته، وسيادة الدولة السعودية.

abo rashid
05-09-2006, 01:12 PM
وبفضل جهود الإمام تركي بن عبد الله، وبفضل ما لقيه من دعم وعون من أهالي نجد، تمكن هذا الإمام من توحيد جميع نجد في أواخر عام 1243هـ، 1828م. وتابع الإمام جهوده محاولاً استعادة المناطق التي كانت تابعة لدولة أجداده غير إقليم نجد. فاستطاع ضم منطقة الأحساء بكاملها، وضم أجزاء واسعة من أرض سلطنة عمان، وأيده سكان البادية ودفعوا له الزكاة، دلالة على التبعية لحكمه وسيادته. وبذلك استطاع الإمام تركي بن عبد الله أن يقيم الحكم السعودي الجديد، وينشر الأمن والاستقرار في ربوع البلاد. وقد ساعده ابنه فيصل بن تركي في إنجاح مشروعه الكبير عندما كان يقود القوات السعودية ضد المعارضين والمتمردين على حكم أبيه، وعندما كان يتولى شؤون الحكم والإدارة أثناء غياب والده، وبذلك يكون فيصل بن تركي قد ساعد أباه تركي ابن عبد الله في بناء صرح الكيان السعودي الجديد الذي ورث الدولة السعودية الأولى. وبفضل سياسة الإمام تركي ابن عبد الله الواعية، وحكمته وتجربته الإدارية والحربية وشجاعته وعدله، دخلت البلاد في عهد جديد من الأمن والاستقرار.

وكانت نهاية الإمام تركي بن عبد الله آل سعود مفجعة حقًا عندما قُتل في مؤامرة أواخر ذي الحجة عام 1249هـ، 1834م، دبرها ابن اخته الأمير مشاري بن عبد الرحمن آل سعود، وبعد وفاة الإمام تركي بن عبد الله أعلن مشاري بن عبد الرحمن آل سعود نفسه أميرًا على الرياض، ولكنه لم يتمتع بهذا الحكم أكثر من أربعين يومًا فقط، تمكن بعدها فيصل بن تركي بن عبد الله من استرداد الحكم.

وبهذا يكون تركي بن عبد الله قد حكم فترتين دامت الأولى من عام 1235ـ 1236هـ، 1819 ـ 1820م، والأخرى من عام 1238 ـ 1249 هـ، 1822 ـ 1834م.


جهود فيصل بن تركي آل سعود. كان فيصل بن تركي من بين الأسرى السعوديين الذين رحلهم إبراهيم باشا إلى القاهرة بعد احتلاله الدرعية والقضاء على الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ، 1818م. وظل في القاهرة حتى تمكن من العودة إلى نجد ليساعد والده تركي ابن عبد الله آل سعود في بناء الدولة السعودية التي كان يحاول تركي تأسيسها من جديد بعد رحيل إبراهيم باشا وقواته عن الدرعية وغيرها من بلدان نجد. وبالفعل، فإن فيصل بن تركي أصبح الساعد الأيمن لوالده.

كان فيصل، في الوقت الذي قُتل فيه والده تركي بن عبدالله، في المنطقة الشرقية، يعمل على توطيد الحكم هناك، وتنظيم إدارة المنطقة. وفي القطيف، اجتمع فيصل بمستشاريه وأعوانه مثل عبد الله بن رشيد، وعمر بن عفيصان، وقرر الجميع إرسال بعض القوات السعودية الموجودة في المنطقة الشرقية إلى الرياض للقضاء على حركة التمرد التي قادها مشاري بن عبد الرحمن ضد حكم تركي بن عبد الله آل سعود.

تمكن فيصل بن تركي من القضاء على مشاري بن عبد الرحمن آل سعود الذي وَليَ حكم الرياض بالقوة فترة لا تزيد على أربعين يومًا، وهكذا استطاع فيصل بن تركي أن يتسلم مقاليد الحكم، وبايعه الأهالي، وبدأت بذلك فترة حكم الإمام فيصل بن تركي المرة الأولى. واستطاع فيصل أن يعيد الاستقرار ويدعم الأمن في أرجاء البلاد السعودية التي كانت تابعة لحكم والده تركي. فوطد الأمن في ربوع نجد، والمنطقة الشرقية، بالإضافة إلى توطيد دعائم الحكم السعودي في مناطق من عُمان ومناطق الساحل العماني، ولقي تأييدًا كبيرًا في منطقة عسير وبذل فيصل أقصى جهده من أجل تثبيت دعائم الحكم السعودي في تلك المناطق.
فيصل يصطدم بأطماع محمد علي. اصطدم مشروع فيصل بن تركي ومحاولاته من أجل بناء الدولة السعودية الثانية، وتركيز دعائمها، بأطماع محمد علي باشا وخططه التوسعية على حساب أملاك الدولة العثمانية في ولاياتها العربية. فثار محمد علي على الدولة العلية العثمانية، ودخل معها في حروب طويلة، وانتصر على قواتها، وضم إلى حكمه ولايات عثمانية عربية غير ولاية مصر. وقرر محمد علي باشا أن يثبت دعائم مشروعه الكبير الواسع في السيطرة على الجزيرة العربية التي كانت ضمن مشروعه هذا. وهنا كان لا بد أن تصطدم أطماع محمد علي باشا مع القوى المحلية في الجزيرة العربية وعلى رأسها القوة السعودية التي يقودها الإمام فيصل بن تركي، إذ أن فترة حكم الإمام تركي في المرة الأولى كانت قد تزامنت مع قيام محمد علي باشا بحركته الانفصالية ضد العثمانيين، وأهدافه ومشروعاته التوسعية في أجزاء من البلاد العربية التابعة لحكم الدولة العثمانية.

أرسل محمد علي باشا حملة عسكرية قوية على نجد بقيادة إسماعيل بك، ورافقه فيها الأمير السعودي خالد بن سعود الكبير، أخو الأمام عبد الله بن سعود الكبير، آخر حكام الدولة السعودية الأولى. ونلحظ هنا أن محمد علي باشا حرص كل الحرص على أن تكون حملاته الجديدة على نجد وغيرها، حملات قوية ومنظمة إلى حد ما لكي توازي أطماعه التوسعية الرامية إلى إقامة دولة عربية واسعة تحت زعامته، تكون الجزيرة العربية ضمن حدودها لأن فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة من جهة، ولأنها تساعده على نشر سلطته وسيادته على مناطق الخليج، وتوصله إلى مناطق العراق من جهة أخرى.

وكان محمد علي باشا قد أرسل مع الحملة المذكورة الأمير السعودي خالد بن سعود، وأنعم عليه برتبة قائمقامية الشق الثاني من ديوانه، ليكون سلطة اسمية فقط، أما السلطة الفعلية فهي بيد محمد علي باشا. وقد أراد محمد علي باشا من وراء ذلك أن يقنع الأهالي في نجد بأن السلطة الجديدة ما هي إلا سلطة محلية وطنية، وعن طريقها يمكنه فرض سيادته وسلطته على البلاد النجدية.


رحيل فيصل بن تركي إلى القاهرة. وعلى الرغم من محاولة الإمام فيصل بن تركي الجادة لوقف الزحف العسكري المصري الممثل بزعامة محمد علي باشا، لكنه فشل في نهاية الأمر تحت ضغط القوات المصرية التي دعمها محمد علي باشا وقواها عندما ساندها بحملة عسكرية أخرى تحت قيادة القائد العسكري المحنك خورشيد باشا. واضطر الإمام فيصل بن تركي بعد مقاومة أبداها ضد القوات المصرية إلى الاستسلام، والذهاب إلى القاهرة منفيًا على شرط أن يؤمن خورشيد أتباع فيصل على أرواحهم وأموالهم. وكان استسلام الإمام فيصل بن تركي في العشر الأواخر من شهر رمضان عام 1254هـ، ديسمبر عام 1838م. وهكذا ضاع الجهد السعودي كله، وسيطرت قوات محمد علي باشا على البلاد، وانتهى حكم فيصل بن تركي في فترته الأولى التي امتدت من عام 1250 ـ 1254هـ، 1834 ـ 1838م.

عُرف فيصل بن تركي بحنكته وحكمته، وسار في حكم البلاد سيرًا حميدًا وموفقًا، وقد أيده الناس، وعدّوه رمزًا وطنيًا دافع عن استقلال بلادهم، وحرص على تثبيت دعائم الحكم السعودي الوطني المحلي، وهو أمر أيده الكثيرون في البلاد النجدية.

كذلك فإن الإمام فيصل بن تركي كان يتمتع بشخصية محبوبة، وكانت له تجارب كبيرة في المجالات الحربية والسياسية والإدارية. وظل يقود المقاومة ضد حكم محمد علي في نجد خاصة والجزيرة العربية عامة بكل إصرار وعناد، مما أكسبه شعبية كبيرة بين أهالي نجد وغيرها من الأقاليم الأخرى في الجزيرة العربية.


الدول الأوروبية تحاصر أطماع محمد علي. وباستسلام الإمام فيصل بن تركي لخورشيد باشا، بدأ النفوذ المصري المتمثل بسيادة محمد علي باشا في الانتشار والامتداد باتجاه المناطق الساحلية الشرقية من الجزيرة العربية، مدعيًا أن نفوذه السياسي والعسكري هو خليفة للنفوذ السعودي. وهو أمر أخذت أوروبا تتخوف منه، وراودها الشك عندما علمت بمشروعات محمد علي باشا التوسعية، فبدأت تعمل بالتعاون مع أعدائه على وقف نشاطه التوسعي والعمل على تقليم أظافره، وتحديد دائرة نفوذه في ولاية مصر فقط. وهو أمر نفذته بريطانيا مع غيرها في معاهدة لندن عام 1256هـ،1840م، واضطرته إلى سحب جميع قواته من كل الولايات العثمانية التي احتلها أثناء حركة انفصاله، فسحب قواته من الجزيرة العربية وبلاد الشام. وأبقى خورشيد باشا الأمير خالد بن سعود على حكم البلاد النجدية تاركًا معه عددًا قليلاً من الحاميات العسكرية المصرية بعد أن وصلت الأوامر من محمد علي باشا إلى خورشيد باشا بالتوجه فورًا إلى مصر مع معظم قواته، باستثناء عدد قليل من الجنود الاحتياطيين الذين بقوا في نجد تحت إشراف الأمير خالد بن سعود من أجل حمايته ودعمه. وبانسحاب خورشيد باشا وجنده، انتهى حكم محمد علي باشا المباشر في الجزيرة العربية عامة، ونجد خاصة، وتسلم خالد ابن سعود الحكم في نجد.

لم يمكث خالد بن سعود في حكم نجد وقتًا طويلاً لأن الأهالي في نجد عدّوه صنيعة محمد علي باشا، وآلته التي استخدمها من أجل تركيز نفوذه في البلاد. كما أن حكم خالد بن سعود اختلف في نمطه وأسلوبه ونهجه عن أسلوب الحكم السعودي المتعارف عليه في البلاد. لذا لم يلق تأييد الأهالي، بل نفروا منه، وأيدوا بالفعل الأمير السعودي عبد الله بن ثنيان الذي رفع علم المقاومة ضد حكم خالد بن سعود، وانتهى الأمر بفرار خالد وتسلم عبد الله بن ثنيان الحكم في نجد. واستطاع ابن ثنيان أن يسيطر على الأمور ليس في نجد فقط، وإنما بسط نفوذه على كل المناطق التي كانت تابعة للسيادة السعودية في عهد الإمامين، تركي بن عبد الله، وابنه فيصل بن تركي آل سعود. ودام حكم عبد الله بن ثنيان فترة عامين فقط، تمكن فيهما من تثبيت السيادة الوطنية السعودية، وإخراج كل القوات العسكرية الموالية لمحمد علي باشا، والتي ظلت في البلاد النجدية لدعم نظام خالد بن سعود الموالي لحكم محمد علي باشا. وانتهى حكم عبد الله بن ثنيان في منتصف شهر جمادى الآخرة عام 1259هـ، 1843م. واتصف حكم عبد الله بن ثنيان بالقوة والشدة وكثرة الإجراءات التأديبية، مما سبب نقمة عليه من جانب عدد كبير من الأهالي، ومهد السبيل لنجاح فيصل بن تركي آل سعود وتغلبه على ابن ثنيان.


عودة فيصل بن تركي من مصر. عاد فيصل بن تركي من منفاه في القاهرة إلى نجد بعد توقيع معاهدة لندن عام 1256هـ، 1840م، ويرجح أن تكون السلطات المصرية هي التي أمرت بإطلاق سراحه بعد تغير الظروف العامة والدولية، خاصة بالنسبة لمشروعات محمد علي باشا وتوسعاته. ولا يُستبعد أن تكون السلطة في مصر هي التي دبرت خروجه من القاهرة وهيأت له سبل ذلك. وتُشير بعض الروايات التاريخية إلى أن عباس الأول حفيد محمد علي باشا هو الذي دبر أمر خروجه من السجن لأنه كان معجبًا بذكائه ونضج عقله وتديّنه. وعباس باشا كان من مساعدي محمد علي باشا، ومن المقربين منه، فأشار على جده أن يطلق سراحه فوافق جده على هذا الرأي. ونلحظ أن زمن خروج فيصل بن تركي من السجن يتوافق زمنيًا مع فترة حكم محمد علي باشا الذي ظل في السلطة حتى عام 1264هـ، 1847م، إذ بعد هذا التاريخ تدهورت صحة الباشا، وأصيب بضعف في قواه العقلية، فعُزل عن الحكم وتولى الحكم من بعده إبراهيم باشا.

abo rashid
05-09-2006, 01:13 PM
نرجح هذه الرواية لأنها تنتظم مع الأحداث المعاصرة لمسألة الخروج من السجن. فيرجح أن محمد علي باشا أراد أن يخرج فيصل بن تركي من سجنه لينتقم من ابن ثنيان الذي ثار على خالد بن سعود في نجد الموالي لسيادة محمد علي، كما أن ابن ثنيان كان قد أخرج كل الحاميات المصرية الاحتياطية المتبقية في نجد تحت زعامة خالد بن سعود. وكان محمد علي باشا يعلم علم اليقين أن عودة فيصل بن تركي إلى نجد واستعادة السيادة فيه وفي غيره من الأقاليم الأخرى من الجزيرة العربية مكسب لولاية مصر وحكامها لأنه سيحافظ على العلاقات الودية معها. وبالفعل، فإن فيصل بن تركي ظل طوال فترة حكمه محافظًا على الصداقة وطابع الود والصفاء مع السلطة في مصر.


فيصل بن تركي وبناء الدولة السعودية المستقرة
وصل فيصل بن تركي جبل شمَّر، وأقام مدة قصيرة في حائل عند صديقه الحميم عبد الله بن رشيد، أمير جبل شمر. وأثناء إقامة فيصل بن تركي في حائل، أخذ يراسل حكام مناطق نجد، وأمراء بلدانها، وشيوخ القبائل طالبًا منهم الدعم والعون والتأييد ضد عبد الله بن ثنيان الذي حكم البلاد بعد فشل خالد بن سعود في المحافظة على سلطته بعد رحيل القوات المصرية عن البلاد من جهة، وقيام حركة ابن ثنيان من جهة أخرى.

كان فيصل بن تركي محبوبًا في بلدان نجد، وكان في نظرهم الزعيم السعودي الذي يستحق المبايعة والدعم؛ لما له من مواقف وبطولات سجلها في مقاومة حكم محمد علي باشا، فعدّوه بطلاً وطنيًا محليًا يعبر عن استقلالهم وحريتهم. فأطاعه معظم أهالي القصيم وغيرها من مناطق نجد، ودعموه وساعدوه، مما أضعف معه مقاومة ابن ثنيان الذي أصر على مخاصمة فيصل وحربه أملاً في البقاء في الحكم. انتصر فيصل بن تركي على خصمه ابن ثنيان، ودخل الرياض، وحاصر ابن ثنيان في قصر الحكم، وعلى الرغم من محاولة ابن ثنيان الهرب لكن أتباع فيصل قبضوا عليه وسلموه إلى فيصل بن تركي فوضعه في السجن، ومات فيه بعد حوالي شهر من سجنه.

ويصف بيلي حكم الإمام فيصل بن تركي بقوله: ( إن جميع الأطراف الشرقية اعترفت بعدالة حكم الإمام فيصل ابن تركي وشدته، وأنّ حكمه لم يسبق له مثيل في النجاح، فقد كبح جماح القبائل، ونشر بينهم عادات المتحضرين، ووجَّه أفكارهم نحو الزراعة والتجارة).

تُعدّ الفترة الثانية من حكم الإمام فيصل بن تركي من عام 1259 ـ 1282هـ، 1843 ـ 1865م فترة تكوين الدولة السعودية الثانية وبنائها على أساس قوي وفي جو سياسي واجتماعي واقتصادي مستقر. وحكم فيصل بن تركي في هذه المرة حكمًا طويلاً مستمرًا بلغ حوالي 23 سنة، أخمد فيها حركات التمرد وما كانت تنتاب البلاد من قلاقل واضطرابات وحروب، وكانت فترة حكم الإمام فيصل بن تركي في المرة الثانية ـ بحق ـ فترة سلام نسبي.

حاول الإمام فيصل بن تركي أثناء فترة حكمه الآخرة تكوين علاقة ودية مع الدولة العثمانية، ونجح في ذلك إلى حد ما مما جنبه الدخول في مشكلات معها، وأمِن تدخلها في شؤونه، حتى بدأت الدولة العثمانية سياسة تقوية قبضتها على البلاد العربية، ودب النزاع بين أبناء الإمام، فعاودت الدولة تدخلها باحتلال مدحت باشا الأحساء عام 1288هـ، 1871م على نحو ما سيأتي تفصيله. كما أقام الإمام فيصل بن تركي علاقة حسنة مع الحكومة المصرية، وساد جو من الهدوء والسلام مع القوى المحلية المحيطة بدولته. ونظم شؤون دولته في المجالات: الإدارية والاقتصادية والقضائية، وثبّت الحكم السعودي على أساس قوي وفي جو سياسي مستقر، وأرسى قواعد الأمن والاستقرار، وقوّى من شأن الرياض عاصمة الدولة السعودية، وفرض طاعته واحترامه على الجميع. وقد وافته منيته في الرياض في شهر رجب عام 1282هـ، 1865م، وبموته تكون الدولة السعودية الثانية قد فقدت أكبر حكامها. وقد خلفه في الحكم أكبر أولاده وهو عبد الله بن فيصل بعد أن بايعه الأهالي إمامًا عليهم.


ضعف الدولة السعودية الثانية
كان الأمير عبدالله بن فيصل أكبر إخوته ، والساعد الأيمن لوالده، الإمام فيصل بن تركي، في قيادة المعارك وإدارة شؤون البلاد. ولهذا اختاره وليًا لعهده. ولما توفي الإمام فيصل، سنة 1282هـ، 1865م، بويع ابنه، عبد الله، بالإمامة. لكن لم تمض سنة من حكمه إلا وقد اختلف معه أخوه الأمير سعود، وخرج من الرياض مغاضبًا له. واحتدم الخلاف بين الأخوين حتى أدى إلى نشوب معارك بين الأمير سعود ومن انضم إليه من فئات قبلية وبين قوات الإمام عبدالله. وكان من أهم تلك المعارك:

معركة المعتلى. عام 1283هـ، 1867م وهي من المعارك الضارية، فقد قتل فيها عدد كبير من الطرفين وخاصة أتباع سعود، وجرح سعود جروحًا بليغة، وأصيب في إحدى يديه، فلجأ إلى إحدى القبائل، وبقي عندها للتداوي حتى برئت جراحه.

معركة جودة. لم يكتف المغرضون بما انتهت إليه معركة المعتلى من نتائج وصاروا يحرضون الأمير سعودًا على معاودة الكرة، فأعد جيشًا كثيفًا جمعه من القبائل الموالية له، والتقى هذا الجيش بقوات الإمام عبدالله الفيصل على ماء (جودة) عام 1287هـ، 1870م ودارت بين الجيشين معركة شرسة تعد من المعارك الفاصلة في تاريخ هذا النزاع، وهزمت قوات الإمام عبدالله واستولى سعود على الأحساء، ثم واصل نشاطه العسكري واستولى على الرياض عام 1288هـ، إبريل 1871م.

وقعة البرَّة. لما علم الإمام عبدالله الفيصل بهزيمة جيشه واستـيلاء أخـيه على الأحـساء والمنطـقة الشرقية، توقع أن يواصل سعود زحفه على الريـاض، فقرر مغادرتها درءًا للشر، ولكي يجنب الرياض وأهلـها حربًا غشومًا وقودها الرجال والمال، فخرج بما بقي معه من قوة وثروة، وفي الطريق التقـت قواته بجيش أخيه سعود في البرة في جمادى الأولى عام 1288هـ، يوليو 1871م، وحلـت الهزيمة بقوته ـ في معركة غير متكافئة ـ فـهام على وجهه يطلب العون من أهل نجد فلم يجبه أحد. وعندما فقد الأمل استجار بالأتراك العثمانيين في العراق (فكان كالمستجير من الرمضـاء بالنار) فأعد (مدحت باشا) جيشًا من الجنود النظاميين تسـانده بعض القبـائل فانتزعوا الأحساء من إمارة سعـود واحـتلوها وأطلـقوا عليها اسم (ولاية نجد).

توفي الإمام سعود في ذي الحجة عام 1291هـ، يناير 1875م وبايع أهل الرياض الإمام عبدالرحمن بن فيصل، لأنه كان موجودًا في الرياض، فلما عاد أخوه عبدالله عام 1293هـ تنازل له عن الإمامة. لكن أبناء أخيه سعود خرجوا عليه فيما بعد، وقبضوا عليه في الرياض عام 1305هـ، ففتح هذا التصرف الباب لتدخل الأمير (محمد بن عبدالله الرشيد) الذي أجهز على الدولة السعودية الثانية ـ على نحو ما سيأتي تفصيله ـ.


الموقف العثماني من الفتنة الأهلية. لم تقف الدولـة العثمـانية موقـف المتفرج من نزاع الأخويـن الدائـر بين الإمـام عبد الله بن فيصـل وأخيه الأمـير سعود بن فيصـل، بل كانت دومًــا تتحـين الفرص من أجـل استعـادة سيادتها على مناطـق الخليـج العربي الساحليــة، خاصـة في منطـقة الأحــساء وقطر وغيرهـما من مناطـق الخلـيج الـعربي.

وجاءت الفرصة للدولة العلية العثمانية عندما ـ الإمام عبد الله بن فيصل من مدحت باشا والي بغداد مسـاعدة الدولة العثـمانية له ضد حركة أخيه سعود، خاصة بعد انتصار سعود وقواته على قوات الإمام عبد الله في وقعة جودة في رمضان عام 1287هـ، 1 ديسمبر عام 1870م، والتي قتل فيها كثير من الطرفين، ووقع الأمير محمد بن فيصل أسيرًا في قبضـة القـوات المواليـة للأمير سعـود بن فيصل ودخل الأمير سعود بن فيصـل على أثرها الرياض وبايعه أهلها.

وكما هو معروف فإن الدولة العثمانية كانت ترمي إلى تركيز دعائم الحكم العثماني في ولاياتها الشرقية، ولذا نجدها تضاعف حامياتها في كل ولاياتها، خاصة في الحجاز واليمن والعراق. وعينت كذلك مدحت باشا الرجل الشديد والطموح حاكمًا عامًا على العراق، وأطلقت يده في بسط نفوذ الدولة العثمانية في أي اتجاه يراه مناسبًا. ومما ساعد الدولة على تحقيق مخططاتها الجديدة افتتاح قناة السويس عام 1286هـ، 1869م، فأصبح في مقدورها إرسال حملات عسكرية بحرية كبيرة تساند قواتها البرية، بالإضافة إلى ما قامت به الدولة العثمانية من تنظيمات عسكرية في أعقاب حرب القرم.

جاء طلب عبد الله بن فيصل النجدة من والي بغداد فرصة جيدة للدولة العثمانيـة لتنفيـذ ما خطـطت له، على الرغم من معارضـة بريطانيا وادعائهـا بأن مثل هذه المخططات العثمانية تعكر صفو السلام في المنطقة. وبناءً عليه، أرسل مدحت باشا حملة عسكرية قوية ومنظمة عام 1288هـ، 1871م إلى منطقة الأحساء واحتلتها، وأطلقت عليها اسم ولاية نجد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدحت باشا كان قد وعد الإمام عبد الله بن فيصل بتعيينه قائم مقام على نجد ولكنه أخلف وعده. وقد ترتب على الحملة العثمانية انسلاخ المنطقة الشرقية عن الدولة السعـودية الثانية، فزاد بذلك ضعف الدولة السعودية الثانية، وخاصة موقف الإمام عبد الله بن فيصل، ولم يكن ذلك إلا بسبب الخلاف الدائر بين عبد الله بن فيصل وسعود بن فيصل والقوى المؤيدة لكل منهما.


موقف آل رشيد من الفتنة. استفاد آل رشيد من الفتنة الأهلية فأخذوا يوسعون دائرة نفوذهم في البلدان النجدية غير جبل شمّر. فتدخل الأمير محمد بن رشيد في شؤون القصيم الداخلية عام 1293هـ، 1876م. وتدخل محمد بن رشيد أيضًا في فك الحصار عن بلدة المجمعة التي حاصرها الإمام عبد الله بن فيصل عام 1299هـ، 1882م، واضطر الإمام عبد الله إلى فك الحصار عنها تحت ضغط قوات محمد بن رشيد التي كان يناصرها حسن بن مهنّا الذي انضم بقواته إلى جانب قوات ابن رشيد. ومعروف أن الأمير محمد بن عبد الله بن رشـيد يُعدّ بحق من أشهر أمراء جبل شمّر بعد عبد الله بن رشيد مؤسس إمارة آل رشيد، إذ توسـعت الإمارة الرشيدية في عهـده فشـملت، إلى جانب جبل شمر، منطقة الجوف ووادي السرحان، ودام حكم هذا الأمير قرابة ربع قرن.

انتصر الأمير محمد بن رشيد على قوات الإمام عبد الله بن فيصـل في وقعة أم العـصافير قرب المجمعة عندما هب ابن رشيد، وحسن بن مهنّا لنجدة المجمعة التي ظلت ترفـض الولاء والطاعة للإمام عبد الله بن فيصل، في وقت كانت تعيش فيه بلدان نجد في جو من الحروب والمنازعـات والفوضـى؛ بسـبب ضعـف السلطة المركزية السـعودية نتيجة استمرار الفتنة الأهلية. وبعد وقعة أم العصـافير تمكن الأمير محـمد بن رشيد من فرض سيطرته على إقليمي الوشـم وسدير، ويكون بذلك قد قوّض دعائم الحكم السعـودي بشكل تدريجي، إذ انحصر هذا الحكم في منطـقة العارض ومناطق جنـوبي الرياض، حتى إن مناطق جنوبي الرياض ظلـت وقتها تؤيـد أولاد الأمـير سعــود بن فيصل المعارضين لحكم عمهـم الإمام عبـد الله بن فيــصل.

تدخّل محمـد بن عبد الله بن رشيــد في الحوادث الدائرة في الرياض في الوقت الذي دخل فيه أبنـاء الأمـير سعـود بن فيـصل الريــاض وقبضوا على عمهــم. فجــاء محمــد بن رشيـد بقــواته إلى الرياض بحجـة مساعــدة الإمـــام عبــداللـه ابن فيصل، واستطاع محمد بن رشيد دخول الرياض والسيطرة على مقاليد السلطة الفعلية فيها. وقبل مغادرته عين سالم بن سبهان أميرًا على الرياض كحاكم فعلي فيها. وذهب الإمام عبد الله بن فيصل وأخوه عبد الرحمن بن فيصل مع محمد بن رشيد إلى حائل وظلا هناك من عام 1307هـ، 1889م. وهكذا تطورت الحوادث وتسارعت الأمور بشكل كبير ضد الدولة السعودية الثانية.

abo rashid
05-09-2006, 01:13 PM
توفي الإمام عبد الله بن فيصل في 8 ربيع الآخر من عام 1307هـ، 24 نوفمبر عام 1889م، ونودي بأخيه الأمير عبد الرحمن بن فيصل إمامًا للدولة السعودية الثانية التي كانت تحتضر. وقد امتاز الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالكفاءة والقدرة وحسن التدبير، إلا أنه تزعم الدولة في ظروف ليست في صالحه. فابن رشيد كان حينذاك يخطط لإنهاء حكم آل سعود، وإسقاط الدولة السعودية ليحل مكانها حكم آل رشيد وقيادتهم لنجد. لذا قرر محمد بن رشيد أن يتخلص من الإمام عبد الرحمن بتدبير مؤامرة لاغتياله بوساطة تابعه سالم بن سبهان الذي أصبح له نفوذ كبير في الرياض. ولكن الإمام عبد الرحمن اكتشف المؤامرة، وزج بسالم بن سبهان في السجن. فاستغل محمد ابن رشيد هذا الحادث لتنفيذ مخططه الرامي إلى السيطرة على جميع نجد.

توجه محمد بن رشيد عام 1308هـ،1890م بقواته إلى الرياض، وحاصرها وقطع الكثير من نخيلها، وناوشه أهلها. وشكل الناس في الرياض وفدًا لمفاوضة ابن رشيد، وكان رئيس الوفد الأمير محمد بن فيصل آل سعود، أخا الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود ومعه ابن أخيه عبد العزيز بن عبد الرحمن والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ. وتم الاتفاق على: 1ـ يطلق الإمام عبد الرحمن بن فيصل سراح سالم بن سبهان. 2ـ أن تكون سيادة عبد الرحمن بن فيصل على منطقتي العارض والخرج.

لم يدم هذا الاتفاق طويلاً لأن محمد بن رشيد حارب أهالي القصيم وهزمهم في وقعة كبيرة هي وقعة المليدا الفاصلة التي سيطر في أعقابها محمد بن رشيد على منطقة القصيم، وتفرغ بعد ذلك لمواجهة الوضع في الرياض، حيث أخذ يطوي بلدان نجد تدريجيًا تحت سيادته.

وهكذا لم تصبح لدى الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود قوة كافية لمواجهة أطماع الأمير محمد بن رشيد، ولم يكن قادرًا على إيقاف تقدمه صوب الرياض، خاصة بعد وقعة المليدا. فقرر الإمام عبد الرحمن بن فيصل مغادرة الرياض هو وأفراد أسرته، وقد ترك أخاه محمد بن فيصل يحكم الرياض نائبًا عنه عام 1308هـ، 1890م. وذهب عبد الرحمن بن فيصل إلى قبيلة العجمان. ومع أن الإمام عبد الرحمن بن فيصل حاول أن يجمع القوات المناصرة له ليعيد نشاطه ضد ابن رشيد، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل عندما انتصر محمد بن رشيد وقواته على عبدالرحمن بن فيصل وقواته قرب بلدة حريملاء، واضطر عبدالرحمن بن فيصل للعودة إلى قبيلة العجمان ليقيم في كنفها. ويُعدّ عام 1309هـ، 1891م، العام الذي وقعت فيه وقعة حريملاء، نهاية الدولة السعودية الثانية وسقوطها، ثُمَّ حلَّت محلَّها في نجد سيادة أسرة آل رشيد تحت زعامة الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد الذي قضى على الدولة السعودية الثانية. واستقر المطاف بآل سعود ليحلوا ضيوفًا على شيخ الكويت.

نتائج الفتنة. عمت البلاد حروب شملت بلاد نجد، وامتدت خارجها. وسادت البلاد السعودية حالة من الفوضى دامت أكثر من ثلاثين سنة. وعادت الصراعات القبلية، وبرزت روح العداء التقليدي بين الجماعات الحضرية والبدوية. وظهرت روح العداء بين الجماعات والعائلات الحضرية التي كانت متعادية ومتناحرة قبل مجيء السلطة المركزية القوية التي استطاعت إخماد جذوة الفتن وكسر حدّة عنفها.

شجعت الفتنة آل رشيد على السيطرة على كل البلاد النجدية. وتمكن العثمانيون من سلخ المنطقة الشرقية، مما أدّى إلى زوال الدولة السعودية الثانية. وتشجيع إمام عمان فانتزع منطقة البريمي التي ظلت تخضع للدولة السعودية على مرّ حقب تاريخها. ونعمت بريطانيا باستقرار نفوذها في الخليج بعد أن ضعفت القوة المحلية المؤثرة.

أما في المجال الاقتصادي، فقد انشغل الأهالي في الحروب، وساد جو من عدم الأمن والاستقرار مما أثر على الوضع الاقتصادي في منطقة نجد خاصة لأنها مركز الفتنة، وأرضها. فتراجعت الزراعة والتجارة والصناعة، وأثر ذلك على الرعي. وسادت حركة القوافل التجارية حالة من القلق وعدم الاطمئنان الناجمين عن فقدان الأمن في الطرق التجارية، مما شجع بعض الجماعات البدوية على أخذ الأتاوى التجارية العالية، وشجع بعضها على قطع الطرق التجارية والسيطرة على حمولة القوافل التجارية بالقوة بعد زوال السلطة المركزية القوية. وأمر بديهي أن تتأثر الأوضاع الاقتصادية بالأوضاع السياسية في المنطقة، فكلما عم الأمن والاستقرار والهدوء والسلام في البلاد، ازدهرت الحياة الاقتصادية.

ونتج عن الفتنة تمزيق وحدة المجتمع بعد أن تهيأت له أسباب الانقسام كدخول القبائل في حروب ضد بعضها. وأثرت الفتنة على الحياة التعليمية والثقافية في البلاد، فُشلّت حركة الكتاتيب، ومن ناحية أخرى ألهبت الحروب عواطف الشعراء ففاضت قرائحهم بالشعر الذي يصف الفتنة ونتائجها ومدى المساوئ السياسية والاجتماعية التي خلفتها.

abo rashid
05-09-2006, 01:15 PM
نظام الحكم والإدارة في الدولة السعودية الثانية
تشمل أنظمة الدولة في مجال الحكم والإدارة: النظام السياسي، والنظام الحربي، والنظام الإداري، والنظام القضائي، والنظام المالي. ودستور الدولة السعودية الثانية يقوم على أساس تطبيق الشريعة الإسلامية، ونصرة التوحيد، وهي في أحكامها تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومذاهب الأئمة الأربعة. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (الحق والصواب ما جاء به الكتاب والسنة، وما قاله وعمل به الأصحاب واختاره الأئمة الأربعة المقلدة في الأحكام، فقد انعقد على صحة ما قالوه الإجماع). وبناءً عليه، ركزت الدولة السعودية الثانية على المسائل الدينية في المقام الأول. ونتيجة لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، فقد قلت السرقات والأعمال المخالفة للشرع الإسلامي، كما قلت في المجتمع العادات الاجتماعية الذميمة المخالفة للشريعة الإسلامية وكَثُرَت التقاليد والعادات العربية الأصيلة التي أقرها الإسلام وحافظ عليها.


النظام السياسي. يشتمل النظام السياسي في الدولة السعودية الثانية على المناصب التالية:

الإمام. وهو الرئيس الأعلى للدولة، وصاحب السلطات الفعلية والرئيسية فيها. ويدعم مركز الإمام ويقويه استناده في حكمه على تطبيق أحكام الشرع الإسلامي. فالإمام هو الرئيس السياسي للنظام كله، وهو القائد العام للقوات السعودية، وهو صاحب السلطة في إبرام المعاهدات وإعلان الحرب. وعنده تحل جميع المسائل المعقدة والخلافات الكبيرة التي كانت تحدث بين العائلات، أو تلك التي كانت تحدث بين القبائل وغير ذلك من المسائل الاجتماعية الصعبة. وهو المسؤول الأول عن شؤون بيت المال، وموارده ومصارفه. وللإمام ديوان في قصر الحكم يجتمع فيه مع مستشاريه وقضاته وأمراء البلدان وشيوخ القبائل. ومركز إقامة الإمام هو قصر الحكم في الرياض.

ولي العهد. سارت الدولة السعودية الثانية في اختيار ولي العهد على النظام الوراثي الأسري للابن الأكبر من أبناء الإمام الحاكم. ويتحمل ولي العهد أعباء كبيرة من مهمّات الدولة وواجباتها الوظيفية، خاصة في غياب الإمام في حالات الغزو أو الإجازات أو الزيارات أو المرض وغيرها. وأحيانًا كان يعين ولي العهد أميرًا على إقليم أو منطقة من مناطق الدولة من أجل تدريبه على الأمور الإدارية والسياسية، ولكي يظل على احتكاك بالناس ليتعرف على أحوالهم واحتياجاتهم، وبالتالي يكون قد اكتسب خبرة جيدة في مجال الإدارة العامة تفيده عند تسلمه مقاليد الحكم في البلاد. وكثيرًا ما كان يتسلم ولي العهد أمر قيادة القوات بدلاً من والده، وذلك من أجل تدريبه على فنون الحرب وأعمال الفروسية لأنه في المستقبل سيكون قائدًا عامًا للغزو عندما يصبح إمامًا خلفًا للإمام السابق. ومهما يكن الأمر، فقد كانت بيد ولي العهد سلطات وصلاحيات محدودة قدر الإمكان لأن كل السلطات الفعلية بيد الإمام نفسه.

أمراء الأقاليم. كانت الدولة السعودية الثانية مقسمة إلى عدة مناطق أو أقاليم، عُيِّن على كل إقليم أمير، وقد راعى الإمام عدة اعتبارات عند تعيين الأمراء، كأن يكون الأمير من بين الرؤساء المحليين، ومن بين الموالين للدولة والمؤيدين لنظامها، أو من بين الموظفين الإداريين الذين اشتغلوا بالوظائف الإدارية في الدولة، وغيرها من الاعتبارات الأخرى. ومهما يكن للأمير من نفوذ في منطقته، فإن هذا لا يحول بينه وبين العزل أو النقل أو التأديب في حالات العصيان أو التمرد أو الاختلاس أو سوء الإدارة.

ويأتي مركز الأمير في الدرجة الأولى بعد مركز ولي العهد، خاصة في إمارته أو إقليمه. فهو المشرف على كل الإدارة والشؤون المالية في الإقليم أو المنطقة التي يرأس إمارتها. وهو المسؤول الأول عن جمع قوات الغزو عند إعلان النفير العام بأمر من الإمام نفسه. فالأمير هو الممثل الأول للإمام في الإقليم. وتظل سلطة الإمام قوية على أمرائه، فكثيرًا ما كان يجمع أمراء النواحي والمناطق والأقاليم ويخاطبهم بمنتهى القسوة والتهديد في حال قوع الخلل أو المخالفات الكبيرة. نقتطف نصًا من خطاب الإمام فيصل بن تركي مخاطبًا أمراءه: "إنكم إذا ورد أمري عليكم بالمغزا حملتموهم زيادة لكم وإياكم ذلك فإنه ما منعني أن أجعل على أهل البلدان زيادة ركاب في غزوهم إلا الرفق بهم، واعلموا أني لا أبيحكم أن تأخذوا من الرعايا شيئًا... ومن حدث منه منكم ظلم على رعيته فليس أدبه عزله بل أجليه عن وطنه...". ويمكن توضيح مهمات الأمير بالآتي:

- هو المسؤول الأول في الإقليم ونائب عن الإمام فيه.
- عليه أن يجهز الغزو، وغالبًا يكون هو قائد جيش إمارته.
- عليه جمع الزكاة والأعشار والجهادية من الأهالي في الإقليم.
- عليه أن يرسل خمس الغنائم إلى السلطة المركزية في الرياض في حال انتصار قواته على الجماعات المتمردة على السلطة أو في حال الغزو الخارجي.
- هو المسؤول الأول عن توزيع عطايا السلطان وهباته.

الشورى. طبقت الدولة السعودية الثانية مبدأ الشورى في نظام حكمها في مختلف مراحله. وتنقسم الشورى إلى قسمين: أ- شورى خاصة ب- شورى عامة.

أما الشورى الخاصة فهي تضم عددًا من الأمراء والقضاة والفقهاء والقادة وبعض أفراد الأسرة السعودية وبعض شيوخ القبائل. وتجتمع هذه النخبة من أصحاب الرأي والمشورة في الرياض، عاصمة الدولة السعودية الثانية، وعندما يأمر الإمام باجتماعها، وينعقد اجتماع أعضاء الشورى في الحالات المهمة مثل حالات إعلان الحرب، وتعيين ولي العهد وغيرهما من الأمور المهمة التي تتطلب التشاور والمحاورة وأخذ عدد من الآراء في موضوع معين.

غدت الشورى في الدولة السعودية الثانية نظامًا واضحًا في عهد الإمام فيصل بن تركي؛ فمنذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها الحكم عقد اجتماعًا حضره مجلس شوراه الذي كان يتكون من عبد الله بن رشيد، وعبدالعزيز ابن محمد آل عليان أمير بريدة، وتركي الهزاني أمير الحريق، وحمد بن يحيى بن غيهب أمير الوشم وغيرهم من الأعوان والفقهاء وشيوخ القبائل، وذلك لمناقشة شؤون الأقاليم وأحوال سكانها واحتياجاتهم.

اجتمع مجلس الشورى أيضًا للتباحث والتشاور في وضع الخطط اللازمة لمقاومة حملة القائد إسماعيل بك وخالد بن سعود اللذين أرسلهما محمد علي باشا للقبض على فيصل بن تركي، وإنهاء سيادة الدولة السعودية الثانية.

أ

abo rashid
05-09-2006, 01:15 PM
ما الشورى العامة فهي أعم وأوسع من مفهوم الشورى الخاصة، وهي تُعقد على شكل اجتماعات رسمية عامة، وفي مناسبات معينة إما من أجل دراسة بعض المشكلات المتعلقة بالأقاليم، أو في حال حدوث فتور وحالات تمرد قامت به جماعات معينة أو قبيلة معينة أو إقليم معين من بين أقاليم الدولة. وعلى الرغم من أن مثل هذه الاجتماعات القليلة عامة، إلا أنه كان يحضرها القضاة والفقهاء والشيوخ والرؤساء المحليون وأصحاب الفكر والقادة وغيرهم إلى جانب عدد من الأهالي الذين يُدْعون لحضور مثل هذه الاجتماعات في مؤتمرات رسمية عامة. وخير ما يمثل هذا النمط من الشورى العامة اجتماع وثيلان الذي عقد في الدهناء قرب عين ماء تسمى وثيلان، اجتمع فيه الإمام تركي بن عبد الله بعامة المسؤولين في الأقاليم.


النظام العسكري. يشمل هذا النظام إعداد القوات وأنواعها وطرق الحرب والوسائل والمعدات التي يحارب بها الجندي. والواقع أنه ليس في الدولة السعودية الثانية تنظيم عسكري بالمعنى الحديث، وإنما كانت الدولة السعودية الثانية تعتمد على نظام النفير العام، وهو يعني التعبئة الحربية العامة في البلاد بقسميها الحضري والبدوي. وكان إعداد النفير العام يتم على الشكل التالي:

- يصدر الإمام بصفته القائد العام للغزو أوامره إلى أمراء المناطق وأهمها: جبل شمّر، والقصيم، والدواسر، والأفلاج، والخرج، وسدير، والوشم، والعارض، والأحساء، بتجهيز قواتهم والحضور إلى مكان يكون قد عينه الإمام سرًا.
- كان الأمير في الإقليم يمثل الإمام، لذا عليه أن يجهز قواته المطلوبة بالسلاح والعتاد والطعام الذي يكفي تلك القوات على الأقل بضعة أيام.
- يجتمع الإمام بأمراء القوات كلها وبمساعديهم وقادة قواتهم وعندها يقرر الإمام الجهة المراد غزوها.
- تظل القوات في حال النفير العام حتى تصدر أوامر من الإمام بانصراف القوات إلى ديارها.

كانت معدات تلك القوات بسيطة، ولا تجديد فيها، فهي السيف والرمح والبندقية وبعض المدافع القديمة. وتتكون القوات السعودية من مشاة وفرسان وهجانة، أما بالنسبة للبحرية، فهي لا تتعدى عملية نقل بعض الجند بالسفن إلى البر. أما عن خطط القوات الحربية فهي تعتمد على المباغتة أو الهجوم المكشوف أو الكمين أو أسلوب الكر والفر أو أسلوب الزحف. وكانت القوات وقت الحرب تقسم إلى قلب وميمنة وميسرة ومقدمة، وهو نظام مألوف في القتال. ولم يكن للجنود المقاتلين رواتب محددة، بل كانت توزع عليهم الغنائم بعد طرح خمسها. وكانت الدولة السعودية الثانية تجمع قوات تقدر بحوالي مائة ألف جندي.


النظام الإداري. يشتمل هذا النظام على التوزيعات الإدارية في الدولة السعودية الثانية، مثل المناصب الإدارية في الدولة، والترتيبات الإدارية في الأقاليم التابعة للدولة. وقد أعطانا وليم بيلجريف الذي زار جبل شمّر والرياض والمنطقة الشرقية عام 1280هـ، 1863م في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية لائحة بأسماء الأقاليم التي كانت تتألف منها الدولة السعودية الثانية، وهي: العارض، الخرج، الحريق، الأفلاج، السليِّل، الوشم، سدير، القصيم، الهفوف، القطيف، البريمي، جبل شمّر، الجوف، خيبر، تيماء. وظلت هذه التقسيمات الإدارية بالنسبة للمناطق طيلة عهد الإمام فيصل بن تركي، ومطلع حكم ابنه الإمام عبد الله بن فيصل. وبعد ذلك انفرطت وحدة الدولة بسبب الفتنة الأهلية وتجزأت إلى قسمين، الشرقي وقد احتله العثمانيون، والآخر سيطر عليه آل رشيد. ولما احتل العثمانيون منطقة الأحساء وقطر قسموها إداريًا إلى ثلاثة أقضية هي: الهفوف، والقطيف، وقطر. أما بالنسبة لآل رشيد، فقد ظل الوضع الإداري القديم قائمًا، باستثناء بعض الإجراءات الإدارية المؤقتة.

ويذكر المؤرخ العراقي إبراهيم بن فصيح الحيديّ أن عدد الوظائف الإدارية في الدولة السعودية الثانية وصل إلى ألف وظيفة إدارية في نجد، وإلى خمسمائة وظيفة إدارية في الهفوف، وخمسمائة وظيفة إدارية في القطيف، وخمسمائة وظيفة إدارية في البريمي، ولم يذكر لنا عدد الوظائف الإدارية في جبل شمّر، وربما يعود ذلك لبداية انفراط عقد الدولة السعودية الثانية بسبب الفتنة. وعينت الدولة السعودية حكامًا (أمراء) على المناطق وأعطتهم صلاحيات الأمير حاكم الإقليم.


هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. تشبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ديوان الحسبة في دولة صدر الإسلام، على الرغم من وجود بعض الاختلافات بينهما. وورد ذكر الهيئة في رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ يقول: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على من قدر عليه من جميع الرعية وهو في حق الإمام أعظم، فلا يجوز للإمام ترك الإنكار على أحد من المسلمين، بل يجب عليه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على القريب والبعيد. ويؤدب الغال بما يردعه وأمثاله عن الغلول من أموال المسلمين". يدلُّ ذلك على أنَّ تشكيل الهيئة في نظر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أمر ضروري. واتضح أمر الهيئة في عهد الإمام فيصل بن تركي الذي ركز في خطابه الذي عممه على الأهالي في فترة حكمه الأولى على وجوب تشكيل الهيئة، وعلى أمراء المناطق كلهم دعمها ومعاضدتها لأنها هي أيضًا دعم لهم. وتكونت الهيئة من جديد في فترة حكم الإمام فيصل الثانية بعد عودته من مصر وتسلمه مقاليد الحكم في البلاد، فأمر في أول خطاب له ألقاه على الأهالي بإعادة تكوين تلك الهيئة، وما زالت الدولة السعودية تدعمها وتقويها حتى وقتنا الحاضر.

أما عن واجبات الهيئة فهي كالتالي: الإشراف على تطبيق الشريعة الإسلامية، عن طريق المراقبة التي يقوم بها أفراد جماعة الهيئة الذين يسمون نواب، ووظيفتهم تذكير الناس بأوقات الصلاة، وترك أعمال البيع والشراء حتى يفرغوا من أداء الصلاة في المساجد والإشراف على الآداب العامة، وعلى الموازين والمكاييل ومراعاة أحكام الشرع في عمليات البيع والشراء.


النظام القضائي. يستند النظام القضائي في الدولة السعودية الثانية على أساس أحكام الشريعة الإسلامية. فقد انتشرت المحاكم الشرعية في ربوع البلدان ووزعت الدولة القضاة على الأقاليم لحل جميع المشكلات المختلفة التي تنشب بين أفراد المجتمع. ويأتي القاضي في الدرجة الأولى من حيث الرتبة الوظيفية بعد أمير الإقليم مباشرة. وللقضاة كلمة مسموعة لدى الحكام وعند الناس. ومركز القاضي يكاد يكون ثابتًا، فكثير من القضاة خدموا في سلك القضاء مدة حياتهم، ولم يتعرض منصب القاضي لتغيُّرات طارئة وغير طارئة لأن هذا المنصب منصب ديني في الدرجة الأولى، ومهمته الفصل في الخصومات والمنازعات بين الأهالي على أساس الشرع الإسلامي. وقد اشتهر عدد من القضاة في عهد الدولة السعودية الثانية، منهم: الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ والشيخ علي بن حسن آل الشيخ والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين والشيخ عبد الرحمن بن حمد الثميري والشيخ عبد العزيز ابن عثمان بن عبد الجبار والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم والشيخ عبد الله الوهيبي والشيخ جمعان بن ناصر والشيخ عبد اللطيف بن الشيخ مبارك آل مبارك والشيخ أحمد بن مشرف والشيخ ناصر بن علي العريني والشيخ محمد بن مقرن والشيخ محمود الفارسي وغيرهم من قضاة الدولة.


النظام المالي. كان للدولة السعودية الثانية بيت مال خاص بها. وأهم وارداته: الزكاة بكل أنواعها. وقد كانت زكاة أقاليم الدولة ومناطقها تبلغ حوالي 265,000ريال سنويًا وكانت زكاة القبائل تصل إلى حوالي 115,000ريال سنويًا، بالإضافة إلى الزكاة التي كانت تؤخذ من مسقط فقد بلغت حوالي 6,000 ريال سنويًا، ومن البحرين حوالي 4,000 ريال سنويًا، ومن شيوخ ساحل عمان حوالي 1,200 ريال سنويًا، ومن صحار في القسم العماني غير مسقط حوالي 8,000 ريال سنويًا. فبلغ مجموع واردات الدولة السعودية الثانية من الزكاة أكثر من 400,000 ريال سنويًا.

وهناك واردات أخرى مثل الجمارك التي تؤخذ على البضائع التجارية القادمة من خارج البلاد. وليس لدينا سجلات رسمية تحصي مقدار ما كانت تأخذه الدولة السعودية الثانية من جمارك.

وهناك مورد خاص هو الغنائم أو مكاسب المعركة من أسلاب الحرب عند اندحار العدو أو في حال انكساره، وحصة بيت المال منها الخمس، وأما الباقي فيوزع على المحاربين كل حسب كفاءته ورتبته ومقدرته القتالية.

وهناك مورد آخر وهو ضريبة الجهادية التي كانت تؤخذ من السكان كبدل عسكري، تصرف على القوات الغازية.

أما مجالات الصرف في الدولة السعودية الثانية فهي تقوم على دفع رواتب الإداريين والقضاة وغيرهم. وهناك مصروفات على شكل منح وهدايا تُعطى لشيوخ القبائل والعلماء وغيرهم. وهناك مصروفات مخصصة للفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل ودور الشؤون الاجتماعية مثل دور الأيتام والعجزة. وهناك مصروفات عامة تخص المجالات العمرانية وغيرها من المشروعات العامة القليلة نسبيًا وقتذاك.

abo rashid
05-09-2006, 01:15 PM
النظام الاقتصادي الداخلي. يشتمل الاقتصاد على جميع المرافق الزراعية والتجارية والحرفية في البلاد.

الزراعة. تكثر في الواحات والمناطق الزراعية وهي كثيرة ومنتشرة في ربوع البلاد. وكانت نسبة السكان الذين يعملون في الزراعة عالية جدًا.

التجارة. تأتي في الدرجة الثانية بعد الزراعة، وهي نوعان: تجارة داخلية وتجارة خارجية، وتتمثل جميعها في عمليات البيع والشراء والتبادل التجاري. وقد توفرت في أسواق البلاد الحاجيات الغذائية والملابس والبضائع الأخرى من كماليات مثل أنواع الصياغة الذهبية والفضية وغيرها. وكان تجار البلاد يجوبون بلادًا خارجية لاستيراد السلع التجارية التي يحتاجها الناس، فكانوا يستوردون السكَّر والبن والهيل والقرنفل والفلفل والكركم وكل البضائع التي يطلبها السكان. وكانت البضائع الخارجية تأتي إلى القطيف أو البحرين أو العقير أو عن طريق بنادر الحجاز واليمن ثم تنقل بوساطة القوافل التجارية إلى المناطق الداخلية من بلاد الدولة السعودية الثانية.


العلاقات الخارجية للدولة السعودية الثانية

علاقتها مع بريطانيا. ظلت علاقة الدولة السعودية الثانية بالقوى المحلية السياسية المجاورة لها، خاصة في مناطق الخليج، تتشابه إلى حد كبير مع علاقة الدولة السعودية الأولى بتلك القوى، إلا أن علاقة الدولة السعودية الثانية كانت أكثر وضوحًا مع الدول الكبرى، خاصة بريطانيا. فقد زار اللفتنانت كولونيل لويس بيلي البريطاني الرياض عاصمة الدولة السعودية الثانية في ربيع عام 1282هـ، 1865م. ومعروف جدًا أن رحلة بيلي الموظف البريطاني الرسمي في الخليج كانت تهدف في المقام الأول إلى خدمة بريطانيا وخدمة أغراضها ومصالحها في منطقة الخليج، حيث إن بريطانيا كانت تأتي في صدارة الدول الاستعمارية في هذه المنطقة. وظلت بريطانيا تتخوف كثيرًا من نمو القوة الفرنسية في الخليج ومناطق الشرق الأخرى.

شعرت بريطانيا أنها تجاور دولة وطنية محلية قوية، هي الدولة السعودية الثانية، خاصة في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية التي استمرَّت قرابة اثنين وعشرين عامًا. ولذا رأت بريطانيا عن طريق معتمدها البريطاني في الخليج ضرورة إيجاد نوع من العلاقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية التي تمتد حدودها إلى الخليج، ولها يد طولى وقوية على شيوخ المناطق الخليجية. وكان لا بد من ظهور بعض المشكلات السياسية بين الموظفين السعوديين الرسميين في مناطق الخليج وبين بريطانيا صاحبة النفوذ الواسع في تلك المنطقة. وكانت بريطانيا ترى أن تلك المشكلات لا يمكن حلها إلا عن طريق الاتصال المباشر بالإمام فيصل بن تركي الحاكم القوي والمؤثر الفاعل على رؤساء الساحل وشيوخه.

وثمة نقطة جديرة بالاهتمام وهي أن بريطانيا كانت تحاول كسب ود الدولة السعودية الثانية وقتذاك لتعمل قدر جهدها على إبعاد فرنسا عن الميدان بعد أن أحسَّت بالتحركات السياسية الفرنسية في المنطقة، خاصة عندما عرفت بالزيارة التي قام بها جيفورد وليم بيلجريف إلى داخل الجزيرة العربية عام 1280هـ، 1863م، أي قبل وفاة الإمام فيصل بن تركي بحوالي سنتين فقط، وقد تبين أن رحلته هذه كانت من إعداد الحكومة الفرنسية.

وبناءً عليه فإن رحلة لويس بيلي هذه كانت بمثابة فتح الباب بالنسبة للعلاقة السعودية البريطانية، فكانت بريطانيا تسعى للتعرف على نوايا الدولة السعودية الثانية تجاه عدد من القضايا من أهمها: 1ـ إيجاد علاقة صداقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية. 2ـ معرفة الحدود الشرقية للدولة السعودية الثانية. 3ـ معرفة القبائل الخليجية التي تعدّها الدولة السعودية الثانية من رعاياها. 4ـ معرفة الوحدات السياسية والقبائل الساحلية التي تدفع الزكاة للدولة السعودية الثانية.

وجدير بالذكر أن بيلي أدرج في تقريره الذي قدمه إلى حكومته قائمة بأسماء القبائل التي كانت تتبع الدولة السعودية الثانية، والقبائل الأخرى التي كانت تدفع الزكاة لها في منطقة الخليج. وقد ودّع بيلي المسؤولين في الرياض قائلاً: "إني لأرجو أن أغادر الرياض وأنا على مودة واتفاق مع الحكومة السعودية، وأن يكون هناك ما يبشر بإيجاد علاقة أكثر ودًا بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية. وإني لأرجو أن تسمح لي الفرصة للقيام بخدمة ودية وغير رسمية من أجل تسوية العلاقات بين الرياض ومسقط".

ويذكر بيلي في تقريره أنه لم تجر أي مفاوضات بينه وبين الإمام فيصل بن تركي بشأن عقد أي معاهدة أو التوصل إلى تفاهم ما حول ذلك، وأن الإمام فيصل بن تركي أعرب له عند الوداع عن رغبته في أن يرجع بيلي إليه في حال وقوع حوادث سلب أو تحطيم أو إغراق للسفن البريطانية في ميناءي القطيف والعقير حتى يُنزل أشد العقوبات بالمعتدين. ويذكر بيلي أيضًا أن الإمام فيصل بن تركي كان قد ذكر له أن زيارته للرياض ستفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولة السعودية الثانية وبريطانيا.


علاقة الدولة مع فرنسا. كانت علاقة الدولة السعودية الثانية مع فرنسا أضعف من العلاقة بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية. والواقع أن نابليون الثالث إمبراطور فرنسا كان مهتمًا كثيرًا بمعرفة أخبار جزيرة العرب، بالإضافة إلى حاجته لشراء خيول من أصول عربية لجنوده الخيالة، وقد عثر نابليون الثالث على جيفورد وليم بيلجريف الرحالة الإنجليزي المشهور الذي عمل في بداية حياته ضابطًا بالجيش الإنجليزي في الهند، وكان يتقن العربية، عثر عليه وهو يخطط للقيام برحلة إلى الجزيرة العربية ليطلع على حقيقة أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد رأى نابليون الثالث بثاقب بصره أن يفيد من هذا الرحالة الإنجليزي، ويحوِّل نتائج رحلته ودراسته لحساب السياسة الفرنسية. كما جاء قبل بيلجريف بخمسين سنة، باديا إي لبلخ الذي أطلق على نفسه اسم علي بك، وهو أسباني الأصل، زار الجزيرة العربية وكان يعمل في السر جاسوسًا للإمبراطور نابليون الأول عم الإمبراطور نابليون الثالث.

ومن هذا فإن فرنسا كانت ترغب في قيام علاقات ودية مع الدولة السعودية الثانية أقوى الدول المحلية الوطنية في الجزيرة العربية في ذلك الوقت. وكانت فرنسا قد أعدت مخططًا سياسيًا واسعًا لمد نفوذها في مناطق الشرق من أجل ضرب النفوذ الاستعماري البريطاني في المنطقة. ولذا فقد تركزت السياسة الفرنسية على مبدأ استراتيجية الوصول إلى الهند في الشرق عن طريق ضمان البحار الداخلية والسواحل والمنافذ في الجزيرة العربية. وهذا الأمر يوضح سر التنافس والعلاقة السيئة القائمة بين بريطانيا وفرنسا. والواقع أن بيلجريف لم يحقق لفرنسا أي نوع من الاتصالات أو الاتفاقات بينها وبين الدولة السعودية الثانية، بل على العكس تمامًا فقد اكتشف المسؤولون السعوديون في الدولة السعودية الثانية أن بيلجريف جاسوس وعميل لدولة أجنبية، فطردوه من البلاد. وبناءً عليه فإن الاتصال البريطاني الرسمي بالدولة السعودية الثانية ظل يختلف عن الأسلوب الذي اتخذته فرنسا للاتصال بالدولة السعودية الثانية، ولم يكن هذا الأسلوب موفقًا أبدًا.

ويشير تقرير بيلي إلى أنه استفسر من الإمام فيصل بن تركي عن علاقة الدولة السعودية الثانية بدولة فرنسا. وكان جواب الإمام "أنه من قبل بضع سنين تسلم رسالة من سفينة فرنسية تتعهد فرنسا في تلك الرسالة بتقديم المساعدة له عند الحاجة عن طريق البحر". ويقول الإمام السعودي "إنني تلقيت رسالة أخرى مماثلة تطلب مني إرسال الرد إلى القنصل الفرنسي في دمشق. وكان ردي على الرسالتين بالشكر والامتنان، وعبرت في ردي على الحكومة الفرنسية بأنني لا أحتاج في الوقت الحاضر إلى أي مساعدة".

وهكذا انتهت الدولة السعودية الثانية، وانتهى معها الدور السعودي الثاني الذي اتصف في مطلعه بعهد من الفوضى والاضطراب اللذين سادا الجو السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلاد نجد وأثر ذلك إلى حد كبير على البلاد المحيطة بنجد. وصادف الدور الثاني من أدوار التاريخ السعودي بروز حركة محمد علي باشا الاستقلالية مما أثر على سير الحوادث في نجد خاصة وبلاد الجزيرة العربية عامة. فقد ساهم هذا الحدث التاريخي في تأخير تكوين الدولة السعودية الثانية المستقرة. وبعد زوال نفوذ محمد علي باشا من الجزيرة العربية على أثر تطبيق معاهدة لندن عام 1256هـ، 1840م، تهيأت الأسباب الحقيقية لتثبيت جذور الحكم السعودي، وبناء الدولة السعودية الثانية في جو من السلام والأمن والاستقرار النسبي، وقد صادف ذلك عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية. ولم يدم هذا الاستقرار والأمن والسلام طول فترة هذا الدور بل اعترت الدولة السعودية الثانية حالة من الفوضى والاضطراب التي عادت إلى البلاد بسبب الفتنة الأهلية التي نشبت بين الإمام عبد الله بن فيصل وأخيه الأمير سعود بن فيصل، مما أدّى إلى تقويض دعائم الحكم السعودي، وبالتالي سقوط الدولة السعودية الثانية ليحل مكانها حكم آل رشيد في نجد. وعلى الرغم من سقوط الدولة السعودية الثانية لأسباب داخلية عصفت بها، إلا أنها في الوقت نفسه تركت في البلاد النجدية مقومات قيام الدولة السعودية الحديثة التي هي وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، وهو أمر سيرد ذكره في قيام الدولة السعودية الثالثة.

abo rashid
05-09-2006, 01:23 PM
بدأت في الخامس من شوال 1319هـ، 15 يناير 1902م، وبدأ مؤسسها الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى والثانية. لقدكانت نهاية الدولة السعودية الثانية مفجعة حقًا لأنها تآكلت تدريجيًا من داخلها. فكانت قبل هذا التآكل هرماً شامخًا في كيانها السياسي في الجزيرة العربية في عهد واحد من أعظم أئمتها وأقواهم الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية، إلا أن هذا الهرم الكبير أخذ في التآكل والتصدع نتيجة لعدة عوامل داخلية، تأتي الفتنة المحلية التي أعقبت عهد هذا الإمام في مقدمتها. وكانت النتيجة الحتمية سقوط تلك الدولة بعد أن تفسخت مناطقها، فاجتاح العثمانيون منطقة الأحساء، واجتاح آل رشيد كل البلاد النجدية، فأنهى آل رشيد حكم آل سعود في كل نجد، مع أن إمارة آل رشيد قد نشأت وتأسست بأمر من الإمام فيصل بن تركي ودعمه ومساعدته لصديقه الحميم عبدالله بن رشيد حين عينه أميراً على جبل شمر. ومنذ ذلك العهد والإمارة الرشيدية قائمة، تلك الإمارة التي قوضت دعائم الحكم السعوديّ في نجد ثُمَّ أسقطته في عهد الإمام عبدالرحمن بن فيصل آخر أئمة الدولة السعودية الثانية.


آل سعود في الكويت
رحل الإمام عبدالرحمن بن فيصل مع أسرته عن نجد واستقر به المطاف ليعيش في الكويت في عهد أميرها الشيخ محمد آل صباح الذي أوعزت إليه الدولة العثمانية بأن يمنح آل سعود حق الإقامة في الكويت. وهنا يتضح موقف الدولة العثمانية من آل سعود بعد سقوط دولتهم الثانية، فهي ترى تحديد إقامتهم وتحركاتهم خوفاً من إثارة القلاقل والدسائس ضد أصدقائها آل رشيد، حتى أن الدولة العثمانية خصصت للإمام عبدالرحمن بن فيصل وأسرته راتبًا شهرياً قدره ستون ليرة عثمانية، قليلاً ما كانت تدفع له بشكل منتظم.


تحركات سياسية. أفاد آل سعود كثيراً من إقامتهم في الكويت وقتذاك، ومنها بدأت تحركاتهم السياسية وغير السياسية لاستعادة أمجاد حكمهم الذي فقدوه. وأكدت الدولة العثمانية لآل صباح أن آل سعود قوة لايستهان بها في حال بروز أطماع محمد بن رشيد، أو محاولته الاستقلال عن الدولة العلية، أو الاتصال بالقوى السياسية الأجنبية ذات السيادة في الخليج.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أواصر العلاقة الطيبة كانت قد توطدت بين آل سعود والشيخ مبارك الصباح، خاصة علاقة هذا الشيخ بالفتى السعودي عبدالعزيز آل سعود، فقيل إن الشيخ مبارك الصباح طوق الأمير السعودي الفتى بذراعيه. وحاول أن يستغل قدرات آل سعود وأمجادهم التاريخية في ضرب عدوه وخصمه ابن رشيد، خاصة بعد أن تخلص مبارك من أخويه محمد الصباح وجراح الصباح، فقد توتَّرت العلاقة بين مبارك الصباح وعبدالعزيز ابن متعب بن رشيد، خاصة وأن مبارك يساعد آل سعود الذين يقيمون في بلاده. ومعروف أن تصادماً حدث بين جماعات آل رشيد وجماعات آل صباح حتى إن غارات ابن رشيد وصلت إلى حدود العراق وتصدى لها الشيخ سعدون باشا أبو عجيمي رئيس قبائل المنتفق الذي كان يؤيد موقف الشيخ مبارك ضد آل رشيد.


ولاء المجتمع النجدي لآل سعود. فقد آل سعود سلطتهم في نجد وغيرها من مناطق الجزيرة العربية في أعقاب سقوط الدولة السعودية الثانية إلاّ أنّ مقومات قيام الدولة السعودية الثالثة ظلت موجودة، لكنها خامدة تحتاج إلى من يحركها. فظل الولاء في نجد يزداد بشكل تدريجي لآل سعود وهم في الغربة والمنفى، خاصة كلما شعروا بسوء إدارة آل رشيد وشدتهم في التعامل مع المجتمع النجدي. وظل عدد كبير من أهالي نجد يرون بأن الحكم السعودي حكم نجدي محلي في المقام الأول، وأن آل سعود هم رمز للاستقلال الوطني ولابد من دعمهم ومؤازرتهم، خاصة عندما تأكدوا من تبعية آل رشيد للدولة العثمانية وولائهم لها، وهي الدولة التي قادت ضد نجد حملات عسكرية كثيرة أساءت كثيراً إلى علاقة تلك الدولة بسكان نجد وغيرها من أقاليم الجزيرة العربية الأخرى.



موحِّد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز آل سعود غفر الله له، عام 1910م.
شخصية الملك عبدالعزيز ومؤهلاته القيادية. صحب عبدالعزيز والده الإمام عبدالرحمن الفيصل في خروجه من نجد وإقامته فترة في الصحراء ثم استقراره في الكويت، فأورثته خشونة العيش تقشفًا وجلدًا وصبرًا على المكاره، ظهر ذلك واضحًا أثناء جهاده وحروبه وفي تعامله مع الناس والأحداث، كما استفاد من إقامته في الكويت ما يزيد عن عشر سنين في مستهل شبابه اطلاعًا واسعًا على أساليب السياسة الدولية وأهدافها، حيث كانت الكويت محط السياسة والدبلوماسية العالمية، والتنافس الدولي كان على أشده في تلك الحقبة في الخليج، فألمانيا تريد أن تكون الكويت آخر محطة في سكة حديد برلين ـ بغداد، وروسيا القيصرية تزاحم ألمانيا في هذا المجال وتحاول الوصول إلى المياه الدافئة، وبريطانيا صاحبة اليد الطولى في منطقة الخليج، وفرنسا تنافس بريطانيا وغيرها في المجالات الاستعمارية وخاصة الملاحة والتجارة والبحث عن المواد الخام والأسواق لبيع منتجاتها، والدولة العثمانية تنهج سياسة تقوية قبضتها على البلاد العربية وتحاول جادة تثبيت سلطاتها في مناطق الخليج.

وعندما بدأ عبدالعزيز جهاده لاستعادة ملك آبائه وأجداده وإقامة دولة إسلامية توحد معظم مناطق الجزيرة العربية، وتؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا وتطبق أحكام الإسلام في شؤونها كافة ـ عندما بدأ كانت لديه من الصفات الشخصية والخلقية والمؤهلات القيادية ما لا يتسع المجال للحديث عنه بإيجاز فضلاً عن ذكرها بالتفصيل ولكن نكتفي بالإشارة إلى أبرز هذه الصفات والمؤهلات:

تمسكه بدينه. وذلك بإيمانه بربه، وصفاء عقيدته، وأدائه لجميع الشعائر الدينية، وتطبيقه لأحكامه وخوفه ورجائه من الله.

سخاؤه وكرمه. الحديث عن كرم عبدالعزيز وسخائه مهما أفيض فيه فهو أقل كثيرًا مما هو معروف عن جوده وكرمه، والأمثلة على ذلك كثيرة، ونكتفي بذكر الموقف التالي: عندما دخل عنيزة ـ في منطقة القصيم ـ في محرم عام 1322هـ، مارس 1904م كان مدعوًّا في منزل أحد وجهاء عنيزة (عبدالرحمن بن محمد آل حماد العبدلي) وكان المجلس يضم مجموعة من خاصة رجاله ونخبة من أعيان البلاد، ودار الحديث حول ما منّ الله به على البلاد من ظهور عبدالعزيز وتوحيد معظم بلاد نجد تحت قيادته، وسأله أحدهم: عمّا إذا كانت له في تلك اللحظة أمنية شخصية، وتوقع الحاضرون منه ـ وهو في هذا السن ويعيش نشوة النصر ـ أن يتمنى الزواج من فتاة جميلة، فكان ردّه أنه يتمنى أن لديه مبلغًا من المال، لا ليدخره وإنما ليوزعه على (خوياه) ورجاله ورفاقه، فما كان من العبدلي إلا أن أقرضه المال الذي تمناه، فقام عبدالعزيز بتفريقه على أصحابه ولم يبق لنفسه أو لأسرته شيئًا.

ويتضح من هذا النموذج من جود الملك عبدالعزيز وكرمه أنه إذا كانت هذه حاله وهو معسر فمن المتوقع أن يبلغ سخاؤه منتهى مراتب الجود والكرم إذا كان موسرًا وهو ما حدث فعلاً.

شجاعته وفروسيته. شجاعة الملك عبدالعزيز شجاعة المتزن المفكر لا شجاعة المتهور، شجاعة القائد العسكري الموهوب الذي يستطيع أن يملك مواهبه ويسيطر عليها، فلا يفقد أعصابه ويغامر مغامرة انتحارية يدفع فيها حياته وحياة رجاله رخيصة بلا ثمن ولا يتخلى عن خوض المعركة ـ إذا كان عدوّه يفوقه عددًا أو عدة ـ فيبدو خائر الأعصاب من الرجال، يائسًا من النصر وإنما يقوم واثقًا بربه، مدافعًا عن عقيدته، ساعيًا إلى تحقيق أهدافه، فلم تقف شجاعته النفسية والبدنية عند مغامرته البطولية في فتح الرياض، وما كان ليقوم بذلك وبجهاده في توحيد المملكة لو لم يكن محاربًا من الدرجة الأولى.

وهناك قصص كثيرة عن شجاعته المتزنة التي تبرز عند الحاجة مثلما حدث في معركة (الدلم) 1320هـ، 1902م ومعركة (كنزان) 1333هـ، 1915م، وقد خاض أكثر من مائة معركة، ولما توفي وجدوا في جسده ثلاثًا وأربعين ندبة وأثر جرح.

دهاؤه وذكاؤه وحنكته. الحديث في هذا الموضوع يطول، فمن ذلك مواقفه في المؤتمرات التي تعقد بينه وبين ممثلي الدول الأخرى وعلى سبيل المثال تصرفه في مؤتمر الصبيحية، والعبقرية التي عالج بها الموقف، ومما يدل على حنكته وبعد نظره إدراكه منذ البداية أنه لا يخطط لمعركة واحدة تنتهي بنهايتها سيرته سلبًا أو إيجابًا، بل كان يخطط لحكم واسع مستمر، ولذا كان يتفادى الحرب ـ ما أمكن ـ ويفضل أن يكسب الآخرين بدونها بدلاً من أن يحاربهم لينتصر عليهم، ولم تكن هذه السياسة ناتجة عن رغبته في حقن دماء من ناصروه فقط، بل رغبته ـ أيضًا ـ في الإبقاء على أرواح من كانوا ـ لظروف خاصة ـ مع خصومه، لإدراكه أنه سيكسب هؤلاء ـ كما كسب أنصاره الأوائل ـ عاجلاً أو آجلاً، وأن كلاً من هؤلاء وأولئك سيصبحون شعبه المرتقب، إضافة إلى اصطناعه الرجال الذين لم يكونوا في يوم من الأيام على وفاق معه.

رصيده من الخبرة والمجد. سبقت الإشارة إلى خروج الملك عبدالعزيز من نجد مع والده وهو في سن مبكرة وإقامته معه في الصحراء، ثم استقرار الأسرة في الكويت فأورثته حياة الصحراء الصبر والجد وتحمل المكاره، وقد ترجم هذه العوامل إلى كياسة في تعامله مع الناس، ودهاء وحكمة في مواجهة المواقف والأحداث، وأثناء استقراره في الكويت التي كانت مسرحًا للتنافس الدولي مما جعلها مدرسة من مدارس السياسة العالمية، درس فيها عبدالعزيز الأساليب الدبلوماسية وأفاد منها كما أفاد من دهاء الشيخ مبارك الصباح ودرايته في مجال السياسة في الخليج وفي العالم.

كما استطاع بخبرته أن يعيد صياغة الواقع الذي تعامل معه دون إهدار لأصوله ومكوناته، وأن يطور عناصره القادرة على العطاء والاستجابة لتواكب طموحاته، وتلبي متطلبات الحياة الجديدة.

أما رصيده من المجد والفخار فإنه عندما بدأ خطواته الأولى لتوحيد هذه البلاد كان نصب عينيه حكم ضربت جذوره في أعماق التاريخ، وإرث من المجد تمثل فيما حققه أسلافه من آل سعود من وحدة لهذه البلاد في ظل دولة تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا للحكم، وتنشر العقيدة الإسلامية الصافية وتدافع عنها، لكن هذا الإنجاز ضاع في خضم التنافس والضعف والتفريط.

لذا كان من أهم أهدافه الأساسية استعادة هذه الأمجاد والمحافظة عليها، ومن ثم فقد أفنى ـ رحمه الله ـ زهرة شبابه ـ وسني كهولته وأعوام رجولته في الكفاح حتى استطاع أن يعيد هذه الأمجاد ويعمقها ويضيف إليها، فبنى دولة موحدة قوية على أسس من العقيدة والشريعة توافرت لها كل مقومات الدولة العصرية، وتحقق لها من الرخاء والأمن والاستقرار ما أصبح مضرب الأمثال في العالم.

رحم الله الملك عبدالعزيز وغفر له، فقد كان نموذجًا فريدًا في شخصيته وفكره وعبقريته السياسية والعسكرية ونمطًا متميزًا في القيادة والحكم والإدارة.

abo rashid
05-09-2006, 01:23 PM
موقعة الصريف. لم يقف الأمير عبدالعزيز بن متعب آل رشيد موقفاً ضعيفا تجاه مناورات الشيخ مبارك الصباح، بل ظل يعد شيوخ الكويت قوة محلية معادية له، حتى إن العثمانيين أنفسهم ظلوا يتشككون في ولاء آل الصباح تجاههم، وشعروا أنهم أقرب إلى بريطانيا منهم، خاصة وأن بريطانيا تمثل القوة الأكثر تأثيراً من غيرها في منطقة الخليج. وكان الشيخ مبارك الصباح يقدر هذا الأمر، ويفهمه حق الفهم، فاعتبر الحماية البريطانية لمشيخته هي خير وسيلة للمحافظة على حكمه وحمايته من تدخل القوى المحلية المجاورة لإمارته، التي لها أطماع فيها. وهو في الوقت نفسه يقدر ضعف التأثير العثماني وقتذاك على السياسة الدولية.

كثرت تجاوزات ابن رشيد ضد الكويت التي ترعى شؤون آل سعود وتدعمهم ضده، إلى حد أنه طمع في احتلال الكويت وإنهاء حكم آل الصباح فيها. وكان عبدالعزيز آل رشيد شخصية قيادية، ويعتز بقوته ونفوذه، وهو أمر من بين الأمور التي أدت بالشيخ مبارك الصباح إلى طلب الحماية البريطانية، فوافقت بريطانيا على ذلك ووقعت معه معاهدة الحماية في رمضان 1316هـ، الموافق 23 يناير 1899م.

ازدادت الأوضاع سوءًا بين الشيخ مبارك وآل سعود وبين ابن رشيد. فسار الشيخ مبارك الصباح ومعه الإمام عبدالرحمن بن فيصل وابنه الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لمحاربة ابن رشيد في نجد في عقر داره، وقد أيد الإمام عبدالرحمن مثل هذه التدخلات في شؤون نجد علها تكون فرصة مواتية لإعادة ملك آل سعود هناك، خاصة وأنه ظهرت في بلدان نجد قوة نجدية تعمل بكل طاقاتها وقدراتها على زعزعة نفوذ آل رشيد في نجد، هذه الفئة المتوارية والمؤيدة لآل سعود هي التي كانت ترسل الأخبار عن أوضاع نجد أولاً بأول إلى الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الكويت، وهذه الفئة نفسها كانت قد أدت دورها السري، وكان لها دور غير منظور في عملية استرداد الرياض عام 1319هـ، 1902م.
حقق آل الصباح وآل سعود نجاحات محدودة في حملتهم المشتركة ضد ابن رشيد، فقطعوا بجيشهم الدهناء وتقدموا في الأراضي النجدية ودخلوا بعض القرى والبلدان دون قتال؛ لأن الناس فيها كانوا قد عرفوا الصلة الكبيرة بين آل صباح وآل سعود، وما هذه التحركات إلا محاولة من محاولات إضعاف نفوذ آل رشيد، وبالتالي محاولة من محاولات عودة السلطة والسيادة السعودية على نجد. أما عبدالعزيز بن رشيد فظل يظهر غير مايبطن، فتظاهر بالتقهقر مستدرجاً القوات الكويتية، وأخيراً باغتها بهجوم قوي تمكن فيه من إلحاق هزيمة كبيرة بالشيخ مبارك الصباح في موضع يعرف بالصريف قرب بريدة إلى الشمال منها عام 1318هـ، المو افق 1901م. وتُعد هذه الهزيمة ومالحق بها من خسائر كبيرة بالنسبة للجانب الكويتي، من بين الأسباب التي جعلت الشيخ مبارك الصباح يعدل عن التفكير في الهجوم على نجد مرة أخرى، إذ تسربت الأخبار من الكويت عن نية الشيخ مبارك الصباح في الانتقام من ابن رشيد مهما كلفه الثمن، لكنَّ الشيخ مباركًا عدل عن تحدياته هذه بسبب كبر حجم الخسائر التي منيت بها قواته في وقعة الصريف، وبسبب الضغط الذي مارسته بريطانيا على صديقها الشيخ مبارك في وقف تحرشاته ضد آل رشيد، وفي تفاهمها مع الدولة العثمانية حول كبح جماح صديقها وتابعها ابن رشيد وتعدياته على الكويت ومناطق المنتفق.

عللت المصادر التاريخية سبب انهزام قوات آل صباح في الصريف بالعوامل التالية:

1ـ زهو الشيخ مبارك وغروره بنفسه وقوته. 2ـ لم يقدر الشيخ مبارك حجم قوة عدوه ابن رشيد. 3ـ كانت معظم قوات الكويت من المحاربين غير المدربين. 4ـ لم يكن جيش آل الصباح كله مجنداً في الوقعة، بل كان جزء منه قد توجه صوب الرياض، وتركز الجزء الأكبر منه باتجاه القصيم بقيادة مبارك الصباح.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كان قد استأذن من الشيخ مبارك ووالده عبدالرحمن بالتوجه صوب الرياض ومحاولة الاستيلاء عليها، فأذن له الشيخ مبارك ووالده عبدالرحمن، فتوجه إلى الرياض مع بعض القوات، واتجه بها إلى الرياض فدخلها بغتة، فلجأت حاميتها إلى الحصن وتحرزت به. فحاصرها عبدالعزيز قرابة أربعة أشهر، وقرر إرغامها على التسليم بهدم جانب من الحصن، ولكن هزيمة الشيخ مبارك ومن معه في الصريف جعلت عبدالعزيز ينسحب ويخلي الرياض ويعود إلى الكويت، وقد أفادته هذه المحاولة خبرة جديدة، وزادت معرفته بالرياض وأهلها، وعرف مدى استجابتهم لعودة حكم آل سعود، وكرههم لسيطرتهم آل رشيد فأحيت في نفسه الآمال وقوت رجاءه بربه في إمكان استعادة ملك آل سعود.


تأسيس الدولة السعودية الثالثة

محاولة استرداد الرياض. خرج الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على رأس حملة صغيرة من ستين رجلاً من أقاربه والمؤيدين لمشروعه الكبير الرامي إلى إعادة ملك آل سعود ليس في نجد فقط، وإنما في كل البلاد التي كانت قبل ذلك تشكل جزءًا من أجزاء الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.

اتجه الأمير عبدالعزيز آل سعود ومن معه صوب الرياض. وأقام الأمير وقوته الصغيرة فترة قصيرة في يبرين وهي واحة على أطراف الربع الخالي في رجب عام 1319هـ، الموافق أكتوبر 1901م. وكان الأمير عبدالعزيز آل سعود قد وضع خطة عسكرية لدخول الرياض واستردادها من قوات ابن رشيد، فقد وضع نصب عينه ألا يلتقي مواجهة مع قوات ابن رشيد التي تفوق قواته عدداً وعتاداً وتدريباً. وقرر أن يكون تزود قواته من البلدان والقرى التي يمر بها أو يصل بالقرب منها، لأن قواته قليلة العدد من جهة، وليس لديها وسائل نقل من الإبل كافية لحمل الزاد الكثير والمعدات والعتاد، ولو فعل ذلك لربما انكشف أمره لابن رشيد. واعتمدت خطة عبدالعزيز على أسلوب المباغتة في الحرب وعلى عنصر السرعة في الأداء بالإضافة إلى التحرك في الليل والنوم والاختفاء وقت النهار حتى لاينكشف أمره فتضيع الفرصة الذهبية منه.

خطة الهجوم. لما وصل عبدالعزيز قرب الرياض وضع خطة للهجوم، فقسم قواته إلى ثلاثة أقسام: قوة احتياطية من عشرين رجلاً تكون على مسافة قريبة من مركز الرياض أو الحصن أو القلعة التي تقيم فيها حامية ابن رشيد بقيادة عجلان عامل الأمير عبدالعزيز بن متعب آل رشيد. وجماعة أخرى من قواته تكون تحت قيادة أخيه محمد بن عبدالرحمن آل سعود وقد اختفت في إحدى مزارع النخيل القريبة من الحصن، وهي نخيل الشمسية. وأما الجماعة الثالثة فتكون تحت قيادة الأمير عبدالعزيز آل سعود نفسه، وهي رأس الحربة بالنسبة للقوات السعودية. واستطاعت هذه القوة الصغيرة أن تتسلق السور في الظلام. وأن تنصب كميناً على مقربة من باب الحصن منتظرين عجلان الذي صادف أنه كان قد نام في الحصن بالمصمك عند الحامية. وفي الصباح خرج عجلان من الحصن وفوجئ بهجوم مباغت من عبدالعزيز آل سعود، وحاول الهرب داخل قصر المصمك فرماه الأمير عبدالله بن جلوي آل سعود بضربة قاتلة؛ واستسلمت الحامية بعد مقتل أميرها عجلان، ونادى المنادي بأن الملك للّه ثم لعبدالعزيز آل سعود. وبايع أهل الرياض الأمير عبدالعزيز آل سعود بالحكم، وقد تم ذلك في يوم 5 شوال عام 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م.

ويعدّ نجاح هذه المحاولة بداية حقيقية لتأسيس الدولة السعودية الثالثة (الحديثة)، ومنها تبدأ عملية توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعه للدولة السعودية الأولى والثانية. لقد كانت هذه المحاولة محاولة جادة وصعبة جداً، وهي مغامرة يحسب لها كل حساب لأن نجاحها غير مضمون ولامتوقع. ولذا وصفها الكاتب كنث وليمز بأنها طريقة تدل على براعة فائقة وحذق مدهش. ويصفها فؤاد حمزة بأنها من أروع قصص البطولة وأعظمها شأنًا وأجلها قدراً. ويصفها حافظ وهبة بأنها قصة تشبه قصص أبطال اليونان، وترينا عظم الأخطار التي أحاطت بابن سعود.

abo rashid
05-09-2006, 01:24 PM
توحيد البلاد النجدية
بدأ عبدالعزيز آل سعود يوجه اهتمامه إلى مناطق جنوب الرياض، خاصة وأن هذه المناطق كانت تكن ولاءً لآل سعود، وهي تلك المناطق التي ظلت تشكل ملاذًا آمنًا لآل سعود وآل الشيخ يوم أن كانت تداهمهم الحملات العثمانية المصرية الموجهة ضدهم. وهم أيضًا الذين قاتلوا إسماعيل بيك وخالد بن سعود بالفؤوس عندما قررا تأديبهم والانتقام منهم لأنهم يؤوون آل سعود وآل الشيخ وأتباعهم.

قرر الأمير عبدالعزيز آل سعود تأمين خطوطه الدفاعية لينطلق بعد ذلك للهجوم على عدوه ابن رشيد. فأراد توحيد مناطق الجنوب مع المركز الرياض ليضمن قيام جبهة قوية تدعم موقفه وتقويه ضد آل رشيد الذين مازالوا يسيطرون على معظم مناطق نجد. وقد التقى عبدالعزيز آل سعود بقوات عبدالعزيز بن متعب آل رشيد في بلدة الدلم قرب بلدة الخرج، وكان النصر فيها حليف عبدالعزيز آل سعود وقواته، وسهل هذا النصر الطريق أمام عودة جميع البلدان والقرى الواقعة إلى الجنوب من الرياض إلى الدولة السعودية الثالثة، وبالفعل فقد دانت له تلك المناطق بولائها وتأييدها لمشروعه التوحيدي الذي سيقضي على الفوضى والاضطراب الذي ساد البلاد أثناء غياب الدولة السعودية. وهكذا توسعت رقعة الدولة السعودية الثالثة، وازداد عدد أتباعها، وازدادت مع هذا كله اقتصاديات الدولة الناشئة، فقوي بذلك كيانها وسيادتها.

وجه عبدالعزيز آل سعود جهوده التوحيدية صوب مناطق شمالي الرياض كي يدعم كيان دولته، ويبعد قوة ابن رشيد وتأثيره عن المناطق التي وحدها إلى الدولة السعودية الثالثة. فدخل بلدة شقراء أكبر بلدان الوشم ثم ثرمداء ويكون بذلك قد وحد إقليم الوشم مع مناطق دولته بعد مناوشات مع قوات ابن رشيد لم تصل إلى حد المعارك والوقعات الفاصلة أو الحاسمة، وهو ماسنراه في المعارك التي دارت رحاها بين عبدالعزيز آل سعود وابن رشيد.



حصون المنطقة الشمالية، ومنها حائل وشنانة التي فتحها الملك عبدالعزيز بعد أن ضم منطقة الحجاز.
الملك عبدالعزيز يواصل جهاده. واستمر عبدالعزيز آل سعود في زحفه باتجاه منطقة سدير، واستطاع إعادة معظم بلدان المنطقة وقراها إلى الدولة السعودية، عدا المجمعة ـ قاعدة الإقليم ـ فقد امتنعت عليه بعض الوقت، حيث كانت مقر حاكم المنطقة من قبل آل رشيد ثم انضوت تحت لوائه. وهكذا نلحظ أن الدولة السعودية الثالثة أخذت تتوسع تدريجياً في المناطق النجدية الواقعة شمالي الرياض، أو في المناطق المعروفة بوسط نجد. وأصبحت الدولة السعودية الثالثة في حدودها الحالية تتاخم حدود منطقة القصيم التي كانت لم تزل تحت سيادة ابن رشيد. وبناءً عليه فإن عبدالعزيز آل سعود أخذ يضع الخطط العسكرية لضمِّ منطقة القصيم إلى دولته، كي يتمكن بذلك من توسيع حدود دولته من جهة، وتوفير المقومات الاقتصادية الضرورية للدولة من جهة أخرى، ومعروف أن القصيم منطقة زراعية ممتازة، وفيها مراكز تجارية مشهورة، وهي منطقة مهمة أيضا لأن قوافل التجارة والحجيج تمر بها، هكذا يكون عبدالعزيز آل سعود قد وحّد المناطق الواقعة شمال الرياض وجنوبها في مدة لاتتجاوز السنتين فقط من دخوله الرياض، عاصمة دولته، وهي مدة قصيرة فعلاً ولها مدلولاتها، وهي أن ولاء تلك المناطق لآل سعود يُعدّ ولاءً كاملاً ومتأصلاً، وبالمقابل فإن الكثير من أهالي تلك البلدان لم يكونوا راضين عن أسلوب حكم عبدالعزيز ابن متعب آل رشيد، فبدأوا يتطلعون إلى الخلاص من حكمه، فوجدوا في ظهور القوة السعودية بقيادة عبدالعزيز آل سعود فرصة مواتية لذلك.

أراد عبدالعزيز آل سعود ضمَ بلدان القصيم إلى دولته. فقابل سرية لابن رشيد بقيادة حسين بن جراد في نفود السر قرب الفيضة، فانهزمت قوات ابن رشيد وقتل ابن جراد وكثير من أتباعه وكان ذلك عام 1321هـ، الموافق 1904م، وتعد هذه الوقعة على الرغم من صغرها، وقعة في صالح عبدالعزيز آل سعود لأنها مهدت الطريق أمامه لتوحيد بلدان منطقة القصيم وضمها إلى دولته الناشئة.

عزم عبدالعزيز آل سعود عام 1321هـ، 1904م على إنهاء الوجود الرشيدي في منطقة القصيم، وقد أعد العدة لذلك بمساعدة الأسر التي كانت تحكم البلاد قبل استيلاء آل رشيد عليها. فتوجه بقواته صوب عنيزة ودخل القصر المعروف بقصر الحميدية، وهو يبعد عن عنيزة مسافة أربع ساعات مشياً على الأقدام أو ركوباً على الإبل. وبعد ذلك حاصر حامية ابن رشيد في عنيزة، وكانت تحت قيادة فهيد السبهان، ولما رفض فهيد السبهان الاستسلام هاجمت قوات عبدالعزيز آل سعود حاميته، وقتلته ودخلت قوات عبدالعزيز آل سعود عنيزة في 5 محرم عام 1322هـ، الموافق 13 مارس 1904م. ثم هاجم عبدالعزيز آل سعود حامية ابن رشيد في بريدة التي رفضت الاستسلام في مطلع الأمر، ولكنها اضطرت إليه في ربيع الأول عام 1322هـ، الموافق مارس 1904م.

لم يقف عبدالعزيز آل رشيد موقف المتفرج على ما أحرزه عبدالعزيز آل سعود من انتصارات في القصيم. فجهز قواته مدعوماً بقوات عثمانية تركية وعتاد تركي ومعونات مالية تركية وقابل القوات السعودية في سهل البكيرية في بلدة البكيريّة من بلدان القصيم. ونشبت المعركة بين الطرفين في ليلة الأول من ربيع الآخر عام 1322هـ، (ليلة 15 يونيو عام 1904م). ولظروف فنية وتخطيطية ضاعت بعض القوات السعودية وأخطأت هدفها وخطتها العسكرية في الهجوم على القوات العثمانية التركية، ووجدت نفسها وراء خيام شمّر، ودارت بينهم وبين قوات ابن رشيد اشتباكات، مما أربك؛ موقف عبدالعزيز آل سعود الذي انسل من الوقعة مع بعض فرسانه بعد أن أصيب بشظايا قنبلة، فانهزمت القوات السعودية وقتل منها في تلك الوقعة حوالي 1,000 رجل، وقتل من الجند العثمانيّ النظامي حوالي 1,000 رجل، وقتل من الشمرّيين حوالي 300 رجل بينهم اثنان من آل رشيد حكام الجبل. ولكن عبدالعزيز آل سعود على الرغم من تشتت شمل قواته، وضياع فريق منها، تمكن من جمع قوات سعودية قدرت بعشرة آلاف مقاتل في غضون عشرة أيام فقط، وزحف صوب قوات ابن رشيد لقتالها، وكانت تلك القوات في بلدة الشنانة. فتقدم عبدالعزيز آل سعود بقواته إلى بلدة الرس، ومنها أخذ يهاجم قوات ابن رشيد على شكل متقطع لمعرفة مدى قوتها وتحصينها وإعدادها، وهو أسلوب من أساليب إضعاف العدو مادام هذا العدو في وضع المدافع، وقد طالت تلك المناوشات دون أن يلتقي الجيشان في وقعة مباشرة كبيرة.

قرر ابن رشيد التراجع إلى المواقع الخلفية ففاجأته القوات السعودية بكل إمكاناتها، فانتصرت عليه في وقعة الشنانة في 18 رجب عام 1322هـ ، الموافق 29 سبتمبر 1904م. وتعد وقعة الشنانة من المعارك الحاسمة والفاصلة بين القوات السعودية والقوات الرشيدية، إذ تمكن عبدالعزيز آل سعود من تركيز سلطته في بلاد نجد، وأظهر للجميع أنه الحاكم الفعلي لنجد، خاصة بالنسبة للدولة العثمانية التركية التي فتحت باب المحادثات معه، والدولة البريطانية التي ظلت تراقب الحوادث في قلب الجزيرة العربية وهي في الوقت نفسه تعرف تاريخ الدولة السعودية ولها معها أكثر من اتصال حول مسائل كثيرة تهم المناطق الخليجية.

وتعد وقعة الشنانة بداية النهاية للوجود العسكري العثماني التركي في نجد. كما تُعد بداية النهاية للإمارة الرشيدية في نجد، إذ بعد هذه الوقعة امتدت الدولة السعودية الثالثة لتشمل كل بلدان القصيم، وتراجعت قوات ابن رشيد باتجاه جبل شمّر، فتكون بذلك قد انحصرت في منطقة محدودة الاتساع والسكان والطاقات الاقتصادية.


الدولة السعودية الثالثة تثبت أركانها. استغل ابن رشيد فرصة غياب عبدالعزيز آل سعود عن القصيم، وذهابه إلى قطر لنجدة شيخها قاسم بن ثاني ضد خصومه، فزحف بجيشه نحو بريدة يريد استرجاعها، فاستنجد أهلها بعبدالعزيز آل سعود، فجاء بسرعة وفاجأ قوات ابن رشيد في روضة مهنا بالقرب من بلدة بريدة في 18 صفر 1324هـ، الموافق 14 أبريل عام 1906م، وانتصر عليها، وقتل في هذه الواقعة عبدالعزيز بن متعب آل رشيد أمير إمارة آل رشيد، فخلفه في حكم الإمارة ابنه متعب بن عبدالعزيز آل رشيد الذي عقد صلحاً مع عبدالعزيز آل سعود تنازل بموجبه عن جميع بلاد القصيم وسائر مناطق نجد مقابل الاعتراف له بالإمارة على جبل شمّر ومركزه حائل. وبعد هذه الموقعة انسحب الجند العثماني تمامًا من بلاد نجد، وقد كفل عبدالعزيز آل سعود للجند العثماني انسحاباً مشرفاً، فأرسل إليه السلطان عبدالحميد الثاني رسالة شكر على معاملته الطيبة للجند العثماني في القصيم خلال انسحابه من البلاد.

وهكذا يكون نفوذ آل رشيد قد انحسر تماماً، وتكون الدولة السعودية الثالثة قد امتدت حدودها لتشمل جميع منطقة القصيم التي توحدت مع باقي مناطق نجد، وانضمت إلى الدولة السعودية الحديثة. وأصبح وضع الإمارة الرشيديه وضعاً صعباً ومهلهلاً جداً، وأصبح بإمكان عبدالعزيز آل سعود القضاء على هذه الإمارة مستغلاً عوامل الضعف فيها، ومقومات القوة التي لازمت بناء الدولة السعودية الثالثة. وما المسألة الرشيدية إلا مسألة وقت فقط، خاصة بعد انتهاء الوجود الرسمي العثماني من نجد في أعقاب وقعة روضة مهنا.

abo rashid
05-09-2006, 01:25 PM
قلعة أعيرف إحدى القلاع الشهيرة في حائل.
مواصلة مشروع توحيد نجد. نكث الأمير سلطان بن حمود آل رشيد بشروط الصلح التي وقع عليها متعب آل رشيد في أعقاب وقعة روضة مهنا. وكان سلطان بن حمود قد تولى إمارة آل رشيد في جبل شمر بعد مقتل الأمير متعب بن عبدالعزيز آل رشيد الذي قتله بعض أبناء عمومته، ولم يتقيد هذا بصلح متعب، وأبلغ أمير القصيم التابع لعبدالعزيز آل سعود بأن الصلح الذي وقعه الأمير متعب مع عبدالعزيز آل سعود أصبح لاغياً ومنقوضاً، ممًا أوجد فرصة كبيرة لعبدالعزيز آل سعود للانقضاض على ماتبقى من بلاد مازالت تابعة للإمارة الرشيدية. وساعدت الظروف العامة والخاصة عبدالعزيز آل سعود في تحقيق مشروعه الرامي إلى ضم كل البلاد النجدية إلى دولته. فدبت خلافات بين أسرة آل رشيد، وقامت حركة من حركات التمرد والاضطراب والقتل والاغتيالات بين زعماء هذه الأسرة. وعلى الرغم من أن عبدالعزيز آل سعود قد تعرض لعدد من المشكلات الداخلية التي ظهرت نتيجة لمشروعات التوحيد هذه في الفترة بين عامي 1325و1331هـ، 1907 و1912م، وبالإضافة إلى هذه المشكلات كانت هناك الظروف الاقتصادية والجوع الذي عم بلاد نجد عام 1327هـ، الموافق 1908م ـ فإن كل هذه الحوادث لم تمنع عبدالعزيز آل سعود من اتخاذ التدابير اللازمة لايقاف نشاط آل رشيد وتحرشاتهم بالقصيم مستغلين الظروف الداخلية فيه.

اشتبك عبدالعزيز آل سعود مع قوات سلطان بن حمود وانصاره من أهل بريدة وبادية الدويش الذين هاجموا الجيش السعودي في الطرفية ليلة 5 من شعبان 1325هـ، المصادف 14 سبتمبر 1907م وانتصر ابن سعود في هذه المعركة انتصارًا ساحقًا، وانهزم سلطان بن حمود الرشيد وفرّ إلى حائل، فعاب عليه أهله انهزامه فجهز جيشًا زحف به من الجبل لملاقاة ابن سعود الذي زحف بجيشه لصده، فتوسط بينهما برغش بن طواله من رؤساء شمر فجددت المعاهدة السابقة التي خرقها سلطان، وما أن عاد إلى حائل حتى قتله أخوه سعود بن عبيد، فثارت الفتنة في حائل وقتل سعود بعد سنة وشهرين، فتولى آل سبهان الحكم فيها باسم سعود بن عبدالعزيز المتعب فلم يحترموا المعاهدة فأغاروا على إحدى القبائل التابعة لابن سعود، فهب لنجدتهم ودارت بينه وبين قوات آل رشيد معركة انتصر فيها ابن سعود انتصارًا مبينًا ـ كما يقول الريحاني ـ وكان تاريخ هذه الواقعة 5 ربيع الأول عام 1327هـ المصادف 29/3/1909م، وتسمّى وقعة الأشعلي.

ازداد اتصال آل رشيد بالعثمانيين الأتراك من أجل دعم موقفهم ضد عبدالعزيز آل سعود، وأخذ العثمانيون الأتراك يمدون سعود بن رشيد بالسلاح والذخيرة، وكانت الدولة العثمانية التركية تعمل جاهدة لضرب النفوذ السعودي عن طريق آل رشيد لعدائها الشديد عبر الحقب التاريخية لآل سعود، ومحاربة للدعوة السلفية. وقرر آل رشيد خوض مجابهة جديدة مع عبدالعزيز آل سعود. والتقى الطرفان في موضع يعرف بماء جراب شرقي بلدة الزلفي وشمالي الأرطاويّة، وهي أول هجرة منظمة أنشئت لتوطين البدو في نجد، وكان ذلك في 7 ربيع الأول عام 1333هـ، الموافق 24 يناير عام 1915م. وكان للبدو في تلك الوقعة دور كبير في أحداثها ونهايتها. فانسحب العجمان وتركوا عبدالعزيز آل سعود، وفروا من الوقعة من أجل خذلانه والإمعان في انكساره. وهجم بدو شمر على خيام عبدالعزيز آل سعود وأمعنوا في نهبها. وهجم بدو مطير على خيام ابن رشيد ونهبوها أيضاً. وماكان على عبدالعزيز آل سعود وابن رشيد إلا أن يطاردا البدو ويمعنا قتلاً فيهم من أجل أن يستردا منهم مانهبوه من خيامهما، فاختل بذلك نظام الوقعة وانشغل الطرفان كل في أموره وترتيباته، وتفرقا دون أن يحرز أي منهما انتصاراً على الآخر، وفاز البدو بالغنائم والأسلاب من كلا الجانبين.

تعد الفترة الواقعة بين موقعة جراب 1333هـ، 1915م ومقتل سعود بن عبدالعزيز المتعب آل رشيد، عام 1338هـ، 1919م بيد ابن عم أبيه عبدالله بن طلال، في المغواة وهما خارجان للنزهة ـ تعد هذه المدة فترة صلح وهدنة بين أمير حائل والسلطان عبدالعزيز آل سعود رغم محاولة الشريف حسين بن علي تحريض آل رشيد على نقض الصلح.

وفي اليوم نفسه الذي قتل فيه سعود، قتل القاتل بيد أحد عبيد سعود بن رشيد فتولى الإمارة ابن أخي سعود عبدالله بن متعب بن عبدالعزيز، وحاول تجديد الصلح مع السلطان عبدالعزيز فاشترط أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرفض شرطه وأعلنت الحرب، فسير السلطان عبدالعزيز جيشًا إلى حائل مكونًا من حوالي عشرة آلاف مقاتل وعهد إلى أخيه الأمير محمد بن عبدالرحمن حصارها، ووكّل إلى ابنه الأمير سعود مهاجمة شمّر، ورابط هو في القصيم ليكون قريبًا من موقع الأحداث، فجاءه وفد من حائل بقبول ما اشترطه في العام الماضي من أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرد عليهم السلطان عبدالعزيز بعدم قبوله ذلك، وأن عليهم أن يدخلوا فيما دخل فيه أهالي نجد، ليريحوه ويريحوا انفسهم من ويلات الحروب، وشروطه الآن أن يسلموا إليه شوكة الحرب وآل رشيد، وعند هذا (يكون لكم مالنا وعليكم ما علينا) وبعد أن عاد الوفد إلى حائل رفضت الشروط وشدد الحصار الذي قاده الأمير سعود مدة شهرين.

في هذه الأثناء وصل إلى حائل محمد بن طلال بن عبدالله آل رشيد قادمًا من الجوف، ففر أمير حائل عبدالله ابن متعب بن عبدالعزيز آل رشيد من وجهه والتجأ إلى الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود ففك الحصار عن حائل وعاد بأميرها عبدالله بن متعب فتولى إمارة حائل محمد بن طلال وقاد حملة على قرى حائل التي كان أهلها موالين لابن سعود وفتك بهم وفعل بهم قريبًا مما فعله ابن عمه عبدالعزيز المتعب آل رشيد بأهل القصيم بعد وقعة الصريف من البطش والتنكيل، مما اضطر السلطان عبدالعزيز إلى التحرك السريع لحسم الموقف، فأمر قواته القريبة من منطقة حائل بالتوجه فورًا إلى حائل لحصارها حتى يوافيهم هناك، حيث تحرك السلطان عبدالعزيز بالقوات الرئيسية في 11/12/1339هـ، 16/8/1921م، ووصل ساحة المعارك في 4/1/1340، 8/9/1921م بالجثامية، حيث كان ابن طلال في حرب مع القوات الأولى وكادت الهزيمة تحل بها نتيجة خدعة من ابن طلال، فهاجمه الجيش الرئيسي فهزمه وانسحب إلى حصون مدينة حائل، فحاصره فيها الجيش السعودي، وكتب إليهم ابن سعود يقول : (سلموا تسلموا) فاشترطوا بقاء إمرة ابن طلال فرفض ذلك السلطان عبدالعزيز، ولما طال أمد الحصار كتب يقول : (قد طال أمد الحصار وأقبل الشتاء، فليعذرنا الأهالي إذا أنذرناهم، لهم ثلاثة أيام ليسلموا المدينة وعائلة الرشيد، وإلا فنحن إلى غرضنا مسرعون بالرصاص والنار).

وهذا أحد المواقف الإنسانية التي عرف بها الملك عبدالعزيز، التي تتجلى فيها رأفته وشفقته على من سيصبحون من رعيته، وفي الوقت نفسه برهان على حزمه وعبقريته العسكرية.

وقد جاءه الجواب بأن الأهالي يتخلون عن ابن طلال وبيت الرشيد وأنهم على استعداد لتسليم الحصون المحيطة بالمدينة إذا جاءتهم قوات ابن سعود، فأرسل السلطان ألفين من رجاله ففتحت لهم الحصون المحيطة بحائل، ثم أمّن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، فخرجوا إليه أفواجًا يبايعونه وهم يشكرون الله.

abo rashid
05-09-2006, 01:25 PM
أما ابن طلال فتحصن في قصر برزان فأمنه ابن سعود إذا هو سلم ففعل وهكذا عادت حائل إلى حكم آل سعود، وتوحدت نجد كلها تحت حكم السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وكان ذلك في اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر عام 1340هـ المصادف 1 نوفمبر 1921م.

يقول أمين الريحاني: "ولكن حائل كانت في حال الحرب أكثر من سنة قبل ذلك، وكانت القوافل من الكويت والعراق منقطعة عنها، فشمل أهلها الضيق، وكان السلطان عالمًا بشدة حالهم فجاءهم متأهبًا لتخفيفها ـ جاء بالمؤن وجاء بالثياب والمال ـ فأجزل للناس العطاء، ووزع ألوفًا من أكياس الرز، وألوفًا من الكسوات. قال لي أحد الذين سلموا : "كنا ليلة الحصار الأخيرة على آخر رمق، نرى شبح المجاعة والموت، فأمسينا ليلة التسليم الأولى وكلنا شبعانون، مكسيون، مطمئنون".

وهذا من المواقف التي هي غاية في النبل والرحمة والإنسانية من الملك عبدالعزيز مما لا نحتاج معه إلى تعليق.


استرداد المنطقة الشرقية


حصون المنطقة الشرقية استعادها الملك عبد العزيز بحلول عام 1339هـ، 1920م.
التخطيط لاسترجاع الأحساء. كان العثمانيون قد استردوا حكم الأحساء، وهي المنطقة التي تعرف اليوم بالمنطقة الشرقية، في عهد ولاية مدحت باشا على العراق عام 1288هـ، 1871م على أثر الفتنة التي نشبت في البيت السعودي بين عبدالله بن فيصل وأخيه سعود بن فيصل في عهد الدولة السعودية الثانية.

اهتم عبدالعزيز آل سعود بأمر المنطقة الشرقية، وأخذ يخطط لاسترجاعها من يد العثمانيين الأتراك، فكانت المنطقة تابعة للدولتين السعوديتين: الأولى والثانية ولآل سعود جذور تاريخية فيها، وها هو عبدالعزيز آل سعود يحاول أن يفك الحصار الشرقي عن دولته عن طريق إخراج العثمانيين الأتراك، حتى يكون لدولته منفذ بحري يسهم في إنعاش اقتصاد البلاد، وبوابة تطل منها الدولة السعودية الثالثة، ويجعل إتصالها بالكويت ومشيخات الخليج أقوى وأكثر سهولة، ويتيح لها أن تقوم بدور أساسي في منطقة الساحل الخليجي، وتصبح مجاورة للنفوذ البريطاني صاحب الثقل السياسي والعسكري في منطقة الخليج، كما تستطيع الدولة السعودية الثالثة من هذا المركز القضاء على حركات التمرد وقطع الطريق التي تعيث فسادًا في الأجزاء الشرقية من الجزيرة العربية. وخلال الفترة التي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى كانت الأحوال العامة في الأحساء تخدم أهداف عبدالعزيز آل سعود وموقفه، وأهم العوامل التي هيأت الجو ليقوم عبدالعزيز بمغامرته في استعادة الأحساء هي:

أ - أن الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة العثمانية في منطقة الأحساء، تفضيل المنافع الشخصية على المنافع العامة مما جعل أسلوب الحكم العثماني يتسم بالظلم والاستبداد، ويعتمد في بقائه على القوة العسكرية.

ب- أن بريطانيا كانت تعمل على إضعاف العثمانيين خاصة أن الدولة العثمانية بدأت تميل في علاقاتها إلى دول الوسط لاسيما ألمانيا، وهو أمر يقلق بريطانيا، لأنه يخل بمبدأ المحافظة على التوازن الدولي.

ج- انشغال الدولة العثمانية بإخماد الثورات والتمرد اللذين اجتاحا بعض مناطق الدولة وخاصة انشغالها بحرب البلقان.



حائط قلعة الهفوف. الحائط الذي تسلقه جلالة الملك عبدالعزيز غفر الله له ورفاقه عام 1331هـ، 1913م باستعمال سلالم صنعوها من جذوع النخيل والحبال. وقد تم لهم فتح القلعة وإجلاء الجند العثمانيين منها.
اتصالات سرية. حاول عبدالعزيز آل سعود إجراء اتصالات سرية مع بريطانيا عن طريق ممثليها في كل من الكويت والبحرين، لضمان تأييدها لمشروعه الرامي إلى استرجاع الأحساء من العثمانيين، ومع أن بريطانيا لم توافق عبدالعزيز آل سعود على التدخل في شؤون الأحساء قبيل نشوب الحرب العالمية الأولى،ولم تقدم له أي دعم ضد العثمانيين الأتراك في الأحساء، إلا أنه أخذ على عاتقه مغامرة استرداد الأحساء من العثمانيين معتمداً على قوته الذاتية، وقواته النجدية وإمكاناته المحدودة.

زحف عبدالعزيز آل سعود بقواته صوب الأحساء، وأحاط تحركاته العسكرية بالسرية التامة، ولما وصل إلى بعد كيلومترين من السور الغربي لمدينة الهفوف، وضع خطة حربية شاملة لدخول المدينة وإجلاء الحامية العثمانية التركية منها. فقسم قواته إلى ثلاثة أقسام، وعمل السلالم من جذوع النخيل والحبال ليتسلق الجند السعودي بها الأسوار ليلاً. وهنا نلحظ الطرق الحربية البدائية التي كانت تسلكها القوات السعودية في حروبها وقتذاك، فالسلاح تقليدي، وأسلوب القتال تقليدي بسيط يعتمد في المقام الأول على عامل المفاجأة أكثر من اعتماده على نوع السلاح والخطط العسكرية. وبالمقابل فإن الحامية العثمانية التركية في الأحساء كانت أيضا قليلة العدد، وأسلحتها محدودة، ولم تكن في وفاق مع أهالي المنطقة، وكان يعتريها الملل، وهي في حالة نفسية سيئة ومتدهورة، على الرغم من أن الجند العثماني كان يخضع لنظام الخدمة المحدودة في المنطقة، إذ كان الجند العثماني يبدل كل سنتين.

نجح الجند السعودي في تسلق الأسوار، ودخلوا مدينة الهفوف، وتدفقوا صوب الحصون والقلاع التي يقيم فيها الجند العثماني، ونادى المنادي: "الملك للّه ثم لابن سعود، من أراد السلامة فليلزم مكانه". وقد قاوم الجند العثماني مقاومة محدودة لكنهم شعروا بعدم جدواها، فاستسلموا ورحلهم عبدالعزيز آل سعود بعد أن أمنهم على أرواحهم وأسلحتهم، وقدم لهم الركائب، وساعدهم على الجلاء مع عائلاتهم وأمتعتهم إلى ميناء العقير ومنه إلى البحرين ثم إلى البصرة في العراق، وتم ذلك عام 1331هـ، 1913م.

أرسل عبدالعزيز آل سعود حامية سعودية تحت قيادة عبدالرحمن بن سويلم إلى القطيف، فدخلتها دون مقاومة تذكر من قبل حاميتها العثمانية التي استسلمت ورحل أفرادها إلى البحرين ولحقوا بالجند العثماني الذي رحل عن الهفوف. وبذلك عادت منطقة الأحساء إلى الدولة السعودية الثالثة. ويعدّ استرداد الأحساء من قبل عبدالعزيز آل سعود وتوحيده مع أجزاء الدولة السعودية الحديثة بداية لقيام علاقات جديدة بين الدولة السعودية وبين كل من الدولة العثمانية وبريطانيا، لأن الدولة السعودية الحديثة أصبحت دولة محلية قوية تطل على الخليج ولها ساحل طويل عليه.


استرداد عسير

حصون أبها المنيعة. ضمتها إلى المملكة الفتية، حملة سعودية أرسلها الملك عبدالعزيز تحت قيادة ابنه الأمير فيصل (الملك فيما بعد) وذلك عام 1340هـ، 1921م.
كانت عسير في الفترة التي كان الملك عبدالعزيز يواصل كفاحه لتوحيد البلاد قسمين سياسيين: الشمالي منهما تحت إمرة آل عائض وقاعدته أبها. والجنوبي تحت إمرة الأدارسة وقاعدته جازان.

وأثناء قيام أئمة آل سعود في الدولة بنشر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية أقبل سكان المنطقة على اعتناقها وانضوت عسير السراة تحت لواء الدولة السعودية الأولى عام 1215هـ، فكان ولاءهم السياسي وتبعيتهم لآل سعود.

ولما زحفت قوات محمد علي على عسير أبلى أهلها بلاءً حسنًا في الدفاع عنها وحمل لواء الجهاد طامي بن شعيب، لكن قواته هُزمت وأُسر هو فأرسله محمد علي إلى مصر مقيدًا بالحديد ومنها إلى اسطنبول حيث أعدم هناك ـ رحمه الله ـ.

وفي عهد الأمير عائض بن مرعي من آل يزيد الذين ينتسبون إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان زحفت القوات العثمانية ومعها الشريف محمد بن عون فحمل عائض لواء المقاومة وبعد عدة معارك انتصر عليهم عام 1250- 1251هـ.

ولمّا توفي عائض في الوباء الذي اجتاح البلاد عام 1273هـ تولى الإمارة من بعده ابنه محمد فعمل على بسط نفوذه في ما حوله من بلاد حتى وصل حدود الحجاز شمالاً وبيشة شرقًا، إلا أنه صادف في تلك الفترة أن العثمانيين انتهجوا سياسة تقوية قبضتهم على البلاد العربية، فأرسلوا حملة قوية بقيادة رديف باشا عام 1288هـ، 1871م، حاصرت أبها فاستسلم محمد بن عائض على شرط الأمان، لكن القائد العثماني أحمد مختار باشا غدر به وقتله واحتلوا البلاد وجعلوها ولاية عثمانية، وأبعدوا آل عائض عن الحكم إلا أنهم اضطروا إلى الاستعانة بالأمير حسن بن علي بن محمد آل عائض عام 1330هـ، 1912م عندما حاربهم الإدريسي، ومنذ ذلك الوقت ظل الأمير حسن معاونًا للمتصرف العثماني سليمان شفيق باشا.

ولما قامت الحرب العالمية الأولى وانسحب الاتراك من عسير استقل بها حسن آل عائض، ولكنه لم يحسن السيرة بل ظلم الرعية واستبد، فنفرت منه القبائل وبعثوا رسلهم إلى الإمام عبدالعزيز يشكون تسلط أميرهم وظلمه ويناشدون أن يحميهم فأوفد إلى أبها ستة من العلماء وكتابًا إلى الأمير حسن، فناشدوه العمل بالكتاب والسنة والعودة إلى ما كان عليه آباؤه، فعدَّ ذلك تدخلاً من ابن سعود في شؤونه الخاصة ومساسًا باستقلاله فهدد باحتلال بيشة.


الحملة الأولى. في شعبان عام 1338هـ، مايو 1920م، أرسل الإمام عبدالعزيز ابن عمه عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود على رأس قوة مكونة من ألفين من المحاربين فالتقى بجند ابن عائض عند حجلة بين أبها وخميس مشيط، فهزم ابن عائض وتقدم إلى أبها وفتحها، فاستسلم ابن عائض وأسرته لابن مساعد فأرسلهم إلى الرياض، وأكرمهم ابن سعود ورغب في ردهم إلى إمارتهم على أن يكونوا تابعين له، لكنهم آثروا التخلي عن الإمارة نهائيًا فرتب لهم المشاهرات والمقررات السخية، وعادوا إلى ديارهم راضين، فأقام محمد في أبها، وانتقل حسن بن عائض إلى بلدتهم حرملة.


الحملة الثانية. نقض حسن بن عائض عهده الذي أعطاه لابن سعود وحرض القبائل ضده وأمده الشريف حسين بن علي بالمال والسلاح فهاجم أبها وحاصر حاميتها حتى استسلمت، فأسر أفرادها مع أمير البلد فهد العقيلي، واستمرت هذه الفتنة بضعة شهور، لأن السلطان عبدالعزيز كان مشغولاً باستعادة منطقة حائل وتنظيم أوضاعها، فلما انتهى من شأنها التفت إلى عسير.

جهز السلطان عبدالعزيز قوة مكونة من حوالي عشرة آلاف رجل، ووكل إلى ابنه الأمير فيصل قيادتها، وفي شوال عام 1340هـ، يونيو 1922م وصل الأمير بقوته إلى بيشة، فوجد فيها قوة من خصومه فقاتلهم حتى هزمهم وشتتهم، ولما بلغت أخبار الهزيمة ابن عائض وقدوم القوات السعودية أخلى أمامها خميس مشيط وحجلة وتحصن في أبها، فهاجمها الأمير فيصل فأخلاها آل عائض وتحصنوا في حرملة، وجاءهم مدد من الشريف حسين بقيادة الشريف عبدالله بن حمزة الفعر وحمدي بك فأرسل الأمير فيصل قوة من جيشه للسيطرة على حرملة فنجحت في مهمتها، وكان الشريف حسين قد أرسل قوة هائلة لنجدتهم، فكلف الأمير فيصل قوة من المجاهدين فهزموا الجيش الحجازي هزيمة منكرة فتقهقرت فلوله المنهزمة إلى القنفذة، وقضى بذلك على فتنة آل عائض، وتوحدت عسير مع الأقاليم الأخرى في الدولة السعودية الثالثة (المملكة العربية السعودية) وأمر فيها الأمير فيصل سعد بن عفيصان، ولما توفي عين السلطان عبدالعزيز بن سعود عبدالعزيز بن ابراهيم، أميرًا على منطقة عسير، وكان رجلاً حازمًا قوي الشكيمة، معروفًا بالدهاء والكرم وحسن التصرف، رحمهم الله جميعًا.

abo rashid
05-09-2006, 01:26 PM
استرداد إمارة الأدارسة
ينتسب الأدارسة الذين شكلوا إمارة الأدارسة في منطقة جازان ونجران، أو مايعرف في نطاق ضيق بمنطقة المخلاف السيلماني، إلى عالم فقيه من متصوفة المغرب اسمه أحمد بن إدريس من أهل فاس بالمغرب، وكان هذا العالم قد جاور المسجد الحرام بمكة نحو ثلاثين عامًا. ونزل بصبيا عام 1246هـ 1830م، فالتف حوله مريدوه وتلقوا طريقته الأحمدية، وهي على نمط الطريقة الشاذلية وأصبح له أتباع في مكة وأتباع في صبيا. وبعد وفاته عام 1253هـ 1837م، خلفه ابنه محمد بن أحمد الذي بدأ يؤسس إمارة صغيرة، وأيده الأهالي تكريمًا لوالده ودوره في ريادتهم. وتزوج محمد بن أحمد بسودانية ولدت له ابنًا اسمه علي، وتزوج علي بهندية أنجبت له ولدا اسمه محمد عام 1293هـ، 1876م، فكان محمد بن علي من أهم أفراد أسرة الأدارسة وأدهاهم.

حاول محمد بن علي الإدريسي أن يقوي إمارته، فاتصل بالإيطاليين ضد العثمانيين في فترة الحرب الإيطالية العثمانية في ليبيا (الحرب الطرابلسية)، وساعده الأسطول الإيطالي في البحر الأحمر. وتكمن مشكلة إمارة الأدارسة في أن كلاً من الشريف حسين بن علي ـ شريف مكة ـ والإمام يحيى حميد الدين ـ إمام اليمن ـ يعدّ أرض الإمارة الإدريسية جزءاً من بلاده، وكي يحافظ السيد محمد بن علي الإدريسي على إمارته من الضياع اتصل بعبد العزيز آل سعود، سلطان نجد وملحقاته، وطلب منه العون والدعم خاصة وأن سلطان نجد وملحقاته على علاقة سيئة مع كل من شريف الحجاز وإمام اليمن، وهو وقتها حاكم منطقة عسير الداخلية، ويهمه أمر المنطقة الإدريسية المجاورة لحدوده. وبالفعل دعم سلطان نجد وملحقاته مركز السيد محمد بن علي الإدريسي ضد مطالب الشريف ومطالب إمام اليمن، واستمر الإدريسي منيع الجانب حتى وفاته عام 1341هـ، 1923م.

اضطربت الإمارة الإدريسية بعد وفاة السيد محمد بن علي الإدريسي، خاصة بعد أن خلفه ابنه علي بن محمد الإدريسي الذي كان ضعيفاً، فثار عليه الأهالي وخلعوه، وبايعوا عمه الحسن بن علي الإدريسي الذي حاول قدر استطاعته أن يوازن بين القوى السياسية في المنطقة، ففاوض الإيطاليين في مصوَّع من أجل دعمه. وفاوض البريطانيين من أجل مساعدته أيضًا، وحتى يوازن بين قوتين دوليتين لهما نفوذ قوي في المنطقة. وأرسل ابن عمه مرغني الإدريسي إلى مكة المكرمة ليفاوض الملك عبدالعزيز آل سعود بعد دخوله منطقة الحجاز، ووقع مرغني الإدريسي معاهدة مع الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1345هـ، 1926م، عرفت باسم معاهدة الحماية الخاصة بالإمارة الإدريسية، وضع بمقتضاها الإمارة الإدريسية تحت حماية الدولة السعودية الثالثة، ويدير الملك عبدالعزيز آل سعود بموجبها الشؤون الخارجية، وتبقى إدارة الإمارة داخلياً بيد السيد الحسن الإدريسيّ، يساعده في الإدارة عامل سعودي يعينه الملك عبدالعزيز آل سعود.

ولما عجز الإدريسي عن إدارة الشؤون المحلية لإمارته، مثل المحافظة على ضبط الأمن، والإدارة ، والجباية، وغيرها من الأمور الداخلية في الإمارة، أبرق الحسن الإدريسي إلى الملك عبدالعزيز آل سعود في 17جمادى الأولى 1349هـ، 1930م يقول: ¸ تقرر بموافقتنا ورضانا إسناد إدارة بلادنا وماليتنا إلى عُهدة جلالتكم·.

وأمر الملك عبدالعزيز آل سعود بتأليف مجلس شورى خاص بالمقاطعة الإدريسية يتكون من أهلها ولاتكون قراراته نافذة إلا بعد موافقة السيد الحسن الإدريسي، وكانت وظيفة هذا المجلس النظر في الأمور الداخلية للمقاطعة التي ضمت وتوحدت مع البلاد السعودية. وظل الحسن الإدريسي وكأنه رئيس لحكومة محلية في الإمارة الإدريسية، وكانت كل الأوامر الداخلية تصدر عن الحسن الإدريسي نيابة عن الملك عبدالعزيز آل سعود في كل الشؤون الداخلية للمقاطعة. ولكن دسائس ومؤامرات حزب الأحرار الذي يتزعمه الشريف عبدالله بن الحسين دفعت الحسن الإدريسي إلى التهور، مما عجل بنهاية نفوذه في المنطقة، فقد تمرد على حكم الملك عبدالعزيز، وتعاون مع أعدائه، وحبس الأمير السعودي فهد بن زُعير وجماعته من الموظفين السعوديين في المقاطعة الإدريسية، فأرسل الملك عبدالعزيز قوات كثيفة العدد والعدة إلى صبيا براً وبحراً قضت على مقاومة الحسن الإدريسي، فهرب الإدريسي إلى صنعاء حيث كان الإمام يحيى يدعمه ويشجعه على الثورة. وظل الحسن الإدريسي والأدارسة في اليمن حتى معاهدة الطائف التي أنهت الحرب بين السعودية واليمن عام 1353هـ، 1934م، عندها سلم إمام اليمن الحسن الإدريسي ومن معه من الأدارسة إلى الملك عبدالعزيز آل سعود بموجب أحد شروط اتفاقية الصلح بين الطرفين الذي ينص بشكل صريح على تسليم الأدارسة للملك عبدالعزبز آل سعود. وهكذا زالت الإمارة الإدريسية وانتهى دور الأدارسة، في مجال سياسة مناطق الجزيرة العربية، وزال نفوذهم، واختفت تطلعاتهم تجاه السيادة والسلطة.


ضم المنطقة الغربية (الحجاز)

آخر التحصينات التي فتحها الملك عبدالعزيز في الحجاز.
ساد جو عدم الثِّقة بين عبدالعزيز آل سعود والشريف حسين بن علي، شريف الحجاز قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، تدل على هذا حادثة أسر الشريف حسين بن علي لسعد بن عبدالرحمن آل سعود أخي عبد العزيز آل سعود الذي كان في بادية عتيبة يستنفر رجالها بأمر من أخيه عبدالعزيز آل سعود. وقد عد عبدالعزيز آل سعود هذا التصرف بمثابة اعتداء صريح عليه من الشريف حسين. وفهم عبدالعزيز آل سعود من هذا الحادث أنه أسلوب يتبعه الشريف حسين بن علي للمساومة. ولهذا صار يتنقل من ماء إلى ماء لا يريد المواجهة مع عبد العزيز فقد كتب إلى عبدالعزيز يقول: (إذا هجمت علينا تركنا لك المعسكر والخيام وعدنا بأخيك سعد إلى مكة، فيبقى عندنا إلى أن تطلب الصلح)، وكان يرافق الشريف حسين الشريف خالد بن لؤي، وكان أهل بلده ممن اعتنق دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وانضم إلى الدولة السعودية الأولى وسار هو وأسرته على هذا المنهج، فتوسط بين الشريف حسين وعبدالعزيز بن سعود حيث أخبره أن الشريف ليست له غاية سيئة ولكنه يريد (أن يبيض وجهه مع الترك) فاكتب له ورقة تنفعه عند الترك ولا تضرك وأنا أتكفل برجوع سعد، فقبل عبدالعزيز وساطة خالد بن لؤي وكتب له (قصاصة ورق) تنفع الشريف عند الترك ولا تضر كاتبها، وتعهد فيها أن تدفع بلاد نجد ستة آلاف مجيدي كل سنة أ. هـ، ولم تكن سوى قصاصة من ورق.

وتوترت العلاقة بين عبدالعزيز آل سعود والشريف حسين بن علي، أثناء الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها بسبب حوادث النزاع حول ترسيم الحدود بين نجد والحجاز، وتردّت العلاقة بين الطرفين عندما منع الشريف حسين النجديين من دخول الحجاز لأداء فريضة الحج. وساءت الأمور كثيرا بسبب ثورة الشريف حسين بن علي على الأتراك العثمانيين وتطلعاته الرامية إلى قيادة العالم العربي وزعامته، وقد تطور هذا الأمر عندما أعلن الشريف حسين بن علي أنه خليفة المسلمين. وقد دعم الشريف حسين آل رشيد ضد ابن سعود، ودعم أيضا آل عائض في عسير بالإضافة إلى الخلافات الأخرى، التي كانت تنشب بين الطرفين بسبب تبعية القبائل البدوية، والمشكلات التي كانت تحدثها القبائل من جهة أخرى.

وقد أدى النزاع على الحدود بين نجد والحجاز، خاصة حول واحتي تربة والخرمة إلى وقوع الحرب بين الطرفين في وقعة تربة في 25 شعبان عام 1337هـ، أوائل عام 1919م، أثناء فترة انعقاد مؤتمر السلام في باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وقد انتصر فيها الجيش السعودي، على جيش الشريف حسين الذي كان يقوده الأمير عبدالله. وكان الانتصار كبيراً، حيث إن الجيش الهاشميّ المنظم قد شتت شمله. لذا تعد وقعة تربة بداية المشوار في ضعف الهاشميين في الحجاز، ثم سقوط دولتهم فيه. وتعد وقعة تربة أيضًا فاتحة ضم مناطق الحجاز وتوحيدها ضمن بلاد الدولة السعودية الحديثة؛ لأن تربة هي بوابة بلدان الحجاز من الداخل.

شن الجيش السعودي هجوما على قوات الشريف حسين في الطائف، فدارت وقعة في الحوية قرب الطائف تراجع فيها الجيش الهاشمي أمام القوات السعودية، ثم هجم السعوديون على الطائف فدخلوها عنوة في 7 صفر عام 1343هـ ، 1924م ودارت وقعة فاصلة في الهدا، بين القوات السعودية وقوات الأمير علي بن الحسين، انتصرت فيها القوات السعودية واستولت على معسكر الأمير علي بن الحسين في الهدا، واضطرت القوات الهاشمية إلى التراجع باتجاه مكة المكرمة، وقع ذلك في ليلة 27 صفر من العام نفسه. وفي صباح اليوم الخامس من شهر ربيع الأول عام 1343هـ، 1924م، اضطر الشريف حسين بن علي إلى قبول التنحي والاعتزال عن حكم الحجاز، ونودي بابنه الأمير علي بن الحسين ملكاً على الحجاز، وقد أخلى الملك علي مكة المكرمة في ليلة 16 من ربيع الأول 1343هـ، 1924م، ودخلها السعوديون في 17 من ربيع الأول من العام نفسه وهم محرمون للعمرة، لأن علماء الرياض أفتوا بأنه لايجوز دخول الحرم بنية القتال.

دخل سلطان نجد وملحقاتها مكة المكرمة وبايعه علماؤها وشيوخها ووجهاؤها. وأخذ يعد العدة لضم كل ماتبقى من مدن الحجاز وبلدانه. فأمر قواته بحصار مدينة جدة في 7 جمادى الآخرة عام 1343هـ، الموافق 3 يناير 1925م. وتولى سلطان نجد وملحقاتها قيادة جيشه بنفسه، فعسكر في الوزيرية ثم في الرغامة، وأخذ يضيق الخناق على المدينة. ووجه بعض السرايا إلى كل من القنفذة، ورابغ، وينبع، والعلا، والليث، واستطاعت تلك القوات دخولها. وكان سلطان نجد وملحقاتها يمعن في حصار جدة، وكان يخطط أيضًا لأن تكون جميع موانئ الحجاز ومناطق عبوره البحرية بيد قواته. وكان سلطان نجد وملحقاتها قد وجه فيصل الدويش لدخول المدينة المنورة، ورفض أهلها الاستسلام إلا عندما يحضر أحد أبناء السلطان عبدالعزيز، وأخيراً استسلمت إلى الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود في 19 جمادى الأولي عام 1344هـ، 1925م بعد أن أمن الضباط والجند والأهالي على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم، وأصدر أمراً بالعفو العام.

أما مكة شرفها الله، فبعد أن هزم الجيش السعودي الجيش الهاشمي، ودخل الطائف منتصرا ساءت الأحوال في مكة، وشحت الأقوات، وانتشرت الفوضى، واختل الأمن، مما دفع أهل الحل والعقد، أن يعقدوا مؤتمرا في جدة لبحث إيجاد أسلوب لتخليص الحجاز من حكم الأشراف، وكانت الخطوة الأولى أن يطلبوا من الشريف حسين التنازل عن الحكم لابنه علي، فأرسلوا في الرابع من ربيع الأول عام 1343 هـ، المصادف للثالث من أكتوبر عام 1924م، برقية يطلبون منه ذلك، وقد وقع البرقية مائة وأربعون من العلماء والأعيان والتجار، وبعد جدال ومحاورة بين الحسين والأعيان تنازل لابنه في الخامس من الشهر نفسه.

بعد ذلك دارت مراسلات ومفاوضات بين ممثلي أهل الحجاز والقادة السعوديين في مكة، وكان نتيجتها أن قرر رئيس الحزب الوطني حله وانتهاء مهماته، مما كان سببا في إلقاء القبض على بعض أعضائه وسجنهم بتهمة موالاة السعوديين وتيسير مهمة ضم الحجاز إلى الدولة السعودية الثالثة.

abo rashid
05-09-2006, 01:29 PM
بناء الدولة السعودية الحديثة
اعتمد بناء الدولة السعودية الحديثة في كل المجالات على كل مقومات الدولة الحديثة المنظمة في العصر الحديث، وهي مجالات السياسة والدبلوماسية والدستور والأنظمة واللوائح التنظيمية الإدارية والمجالات العسكرية والأمنية، ومجالات التعليم والبناء الاجتماعي والحضاري، ومجالات الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.



بوابة دخنة من خارج السور وأحد أبراجه، في الجهة الجنوبية الغربية وكانت تعرف باسم الدروازة الجنوبية أو الدروازة الكبيرة، وتمثل المدخل الجنوبي للرياض 1356هـ، 1937م.
أسماء الدولة وألقاب حكامها. الدولة السعودية الثالثة هي بطبيعة الحال وريثة الدولتين السعوديتين: الأولى والثانية في كل الاعتبارات. وكان حكام الدولتين السعوديتين الأولى والثانية قد لقبوا بالإمام وهو لقب معروف في الدولة الإسلامية، وللإمامة حقوق وواجبات في الطاعة والأحكام. وتذكر المصادر التاريخية أن لقب الإمام كان من أحب الألقاب إلى نفس الملك عبدالعزيز آل سعود. وكان الملك عبدالعزيز قد لقب بالإمام رسميًا بعد وفاة أبيه عبدالرحمن بن فيصل عام 1346هـ، 1928م.

في مطلع تكوين الدولة السعودية الحديثة سارت السلطة والسيادة منذ أول عهدها باتجاه مفهوم الدولة الحديثة، لأنها قائمة على أساس تجربة الدولة السعودية السابقة. وكان حاكمها عبدالعزيز آل سعود قد لقب رسميًا في المخاطبات الرسميّة والمكاتبات، ولدى الحكومات والبعثات السياسية والدبلوماسية، بأمير نجد.

عقد مؤتمر في الرياض عام 1339هـ، 1921م حضره علماء البلاد ورؤساؤها، وقرر المؤتمر أن يكون لقب حاكم البلاد سلطان، وأصبحت الكتب والرسائل والمخاطبات تحمل النعت واللقب صاحب العظمة سلطان نجد. ولما توحدت كل من منطقة عسير وجبل شمّر في بوتقة الدولة السعودية الثالثة عام 1340هـ، 1922م، أصبح لقب السلطان هو عظمة سلطان نجد وملحقاتها وسميت الدولة السعودية الثالثة وقتذاك بسلطنة نجد وملحقاتها.

وبعد دخول سلطان نجد وملحقاتها مدينة جدّة عام 1345هـ، 1926م، وإنهاء حكم الأشراف في كل إقليم الحجاز، اجتمع رؤساء بلدان الحجاز وأعيانها وبايعوا السلطان عبدالعزيز ملكًا على الحجاز وأصبح لقب عبدالعزيز الجديد هو جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها وأصبحت كل المكاتبات والمراسلات منذ ذلك الحين تحمل هذا اللقب، وأصبح اسم الدولة مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، واعترفت بذلك الدول العربية والأجنبية. وفي 25 رجب عام 1345هـ، الموافق 19 يناير 1927م، بايعه أهل نجد في الرياض ملكًا على نجد، فأصبح لقبه هو جلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها. وأصبح اسم الدولة هو مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها.

وفي 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، 1932م، صدر مرسوم ملكي في الرياض بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة في اسم واحد هو المملكة العربية السعودية، وملكها صاحب الجلالة ملك المملكة العربية السعودية، وجرى تنفيذ ذلك ابتداء من يوم الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ، الموافق 22 سبتمبر 1932م. واتخذ الملك فهد بن عبدالعزيز لقبًا جديدًا هو خادم الحرمين الشريفين في 24 من صفر عام 1407هـ، أكتوبر 1986م. وقد اتخذ خلفه وشقيقه الملك عبدالله بن عبدالعزيز اللقب نفسه عندما نودي به ملكاً على المملكة العربية السعودية في يوم 26 جمادى الآخرة 1426هـ، الموافق الأول من أغسطس 2005م.


تنظيمات الدولة. اختارت الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود شكل شعار الدولة وعلمها. فأصبح شعار الدولة مؤلفًا من سيفين متقاطعين، في وسطهما نخلة. أما علم الدولة فأصبح لونه أخضر، وفي وسطه لا إله إلاّ الله محمد رسول الله باللون الأبيض، وبسيف أبيض واحد يكون مستطيلاً.


دستور الدولة. دستور الدولة السعودية الثالثة يقوم على الأساس نفسه الذي قام عليه دستور الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. فدستور الدولة السعودية الثالثة كتاب الله وسنة رسوله ³ ويقوم الحاكم بتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق التوحيد، وهي في أحكامها تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة، وما أجمع عليه الأئمة الأربعة. فالحكم السعودي والحاكم السعودي مقيدان بشكل كامل بأحكام الشرع الإسلامي.



ميدان الصفاة حيث يظهر قصر الحكم ببوابته الرئيسية، كما يظهر ممر المالية الموصل إلى قصر الضيافة 1362هـ، 1943م.

ميدان الصفاة بعد إعادة تجديده وعمارته 1994م.
التعليمات الأساسية للدولة. صدرت التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة في الجريدة الرسمية يوم 21 صفر 1345هـ، الموافق 31 أغسطس 1926م، وهي أنظمة وقوانين ولوائح تُعرِّف بالدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية، وهي أول نظام وضع لتنظيم الدولة في أعقاب اتخاذ الدولة السعودية الحديثة اسم مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها. وأهم التعليمات هي: 1ـ إن المملكة مرتبطة ببعضها ارتباطًا لا يقبل التجزئة. 2ـ المملكة دولة ملكّية، شورية، إسلامية، مستقلة. 3ـ لغة الدولة اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبلاد. 4ـ إدارة الدولة بيد الملك، وهو مقيد بأحكام الشرع الإسلامي.5ـ أحكام الدولة مطابقة لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح. 6ـ ينوب النائب العام عن الملك في الحجاز. 7ـ تنظيم الإدارة وإنشاء مجلس الشورى، والمجلس الإداري، ومجالس النواحي ومجالس القرى.

وأعقب ذلك تكوين الوزارات في البلاد السعودية، إذ قبل ذلك كان هناك الديوان الملكي وهو وحده الذي يتولى تصريف الشؤون الداخلية والمحلية، ومرجعه الأول الملك مباشرة. وأنشئت بعد ذلك وزارات مسؤولة عن تصريف أمور الدولة تحت إشراف الملك مباشرة. فأنشئت وزارة الشؤون الخارجية في رجب 1349هـ، أواخر عام 1930م، وعين الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول وزير لها. وأُسس مجلس الوكلاء عام 1350هـ، 1931م. وتلا ذلك تكوين وزارة المالية عام 1351هـ، 1932م، العام الذي تسمّت فيه الدولة باسم المملكة العربية السعودية، وأصبح عبد الله السليمان أول وزير لها. وتوالى بعد ذلك تأسيس الوزارات في الدولة السعودية الحديثة على شكل متعاقب وتدريجي حسب الحاجة والمتطلبات وافتتح أول مجلس وزراء سنويّ في 3 ذي الحجة 1372هـ، الموافق 20 يوليو 1953م، في العام الأخير من حياة الملك عبدالعزيز آل سعود. ثم صدر مرسوم ملكي موقع من قبل الملك عبدالعزيز يقضي بجعل مجلس الوزراء تحت رئاسة ولي العهد، في 3 من صفر 1373هـ الموافق 11/10/1953م.

وبعد ضم الحجاز إلى الدولة السعودية الثالثة، نشأ في البلاد السعودية تنظيم خاص للعلاقات الدولية أقيم على قواعد المعاملة بالمثل والتبادل الدبلوماسي المتكافئ، والصداقة المتبادلة القائمة أساسًا على الأعراف الدوليّة المتَّبعة في التعامل الدبلوماسيّ بين دول العالم. فأقامتالدولة السعودية الحديثة علاقات دبلوماسية مع دول العالم، وعينت السفراء والقناصل والوزراء المفوضين لهذه الغاية، ومرجعهم في ذلك وزارة الخارجية السعودية. وتكون الدولة السعودية الحديثة هي الدولة السعودية الأولى من بين الدول السعودية المتعاقبة التي عرفت التمثيل السياسي والدبلوماسي المنظم.

ويُعدُّ صدور التنظيمات الأساسية بداية البناء الإداري في الدولة السعودية الحديثة، وبدأ هذا البناء الإداري أولاً في مملكة الحجاز التي كان سكانها قد تعودوا على الأنماط الإدارية المنظمة في العهدين: العثماني والهاشميّ قبل توحيد الحجاز وضمه إلى الدولة السعودية الثالثة.

ظلت التعليمات والأنظمة الإدارية واللوائح التنظيمية السعودية تصدر تباعًا وبشكل تدريجي وحسب الظروف والحاجة إليها، وذلك من أجل الإصلاح والتحسين والتعديل اللازم والضروري، وكلها من متطلبات البناء الحضاري الحديث. فاستحدثت الدولة المجالس الإدارية المختلفة، وأنشأت النيابة العامة في الحجاز عام 1345هـ، 1926م، وأقرت أنظمة المقاطعات الإدارية، وأنظمة المجالس الإدارية الملحقة بالمقاطعات. ونظمت الشؤون القضائية والمالية وغيرها من الشؤون التي تتطلب التنظيم.

صدر في 27 شعبان عام 1412هـ، الموافق 1 مارس 1992م المرسوم الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في شأن إقرار أنظمة الحكم والشورى والمناطق في المملكة العربية السعودية ممّا اعتبر نقلة نوعية متميزة في البناء والتأسيس. وجاءت تلك الأنظمة على هدي من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي مع ذلك وليدة التجربة السياسية والإدارية التي طبقت فعليًا في البلاد السعودية منذ استحداث الأنظمة السياسية والإدارية في الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة.


توطين البدو. يعاني البدو في البادية من مشكلات قد تكون أعمق وأعقد من مشكلات الجماعات الحضرية المستقرة. ومن بين تلك المشكلات تأتي مشكلة التنقل الدائم والترحال المستمر داخل البادية من جهة وخارجها من جهة أخرى. وعلى الرغم من تلك المشكلة فقد ظل البدوي يفتخر بحياة الترحال والتنقل وعدم الاستقرار، وظل يرى في قرارة نفسه أنه الأنموذج الاجتماعي المثالي لبني البشر أينما كانوا، وأينما حلوا.

إن نظام التنقل والغزو الدائم في بيئة البادية قد أدّيا بالفعل إلى انقطاع حبل الأمن، وأوجدا أنواعًا من عدم الاستقرار السياسي. وأحدثا شرخًا في العلاقات القائمة بين مجتمع البادية وبين الجماعات الحضرية، وبين مجتمع البادية والسلطة المركزية القائمة على أساس سيادة الحضر، وقد تعدى ذلك ليحدث نزاعات بين السلطات المتجاورة، خاصة حول موضوع تبعية تلك القبائل المترحلة.

وأصَّل نظام الغزو في مجتمع البادية مبدأ الأخذ بالثأر، وأوجد نوعًا من التحامل القبلي الذي يحتاج إلى وقت طويل كي ينتهي ويتلاشى. كما أن الجهل عند البدو يُعدُّ مشكلة اجتماعية حقيقية، فالبدوي بعيد كل البعد عن التعليم وعن التيارات الثقافية المتوافرة في الحضر ولدى الجماعات البشرية المستقرة.

abo rashid
05-09-2006, 01:30 PM
ومن خلال هذا كله رأى الملك عبدالعزيز آل سعود ضرورة السيطرة على النزعة البدوية والإفادة من إيجابياتها، وهو ذكاء خارق من الملك عبدالعزيز يوضح مدى عمق فكره السياسي والاجتماعي، ويبين مدى سعة أفقه. ويعكس ذلك توجُّهًا، يقوم على أفكار اجتماعية، ودينية، وتعليمية، واقتصادية، وعسكرية. ومن هنا ظهر مشروع توطين البدو الذي خطط له الملك عبدالعزيز وهيأ له السبل والوسائل التي عملت على إنجاحه. فاختار الملك عبدالعزيز لهذا المشروع جماعة قادرة على الإفادة من بساطة البدوي وعاطفته وفطرته. وجند له عددًا من العلماء والمرشدين والمطاوعة، وخصص له الأموال وكميات من الأرز والشاي والبن وغيرها من متطلبات حياة البدوي. وحاول الملك قدر استطاعته أن تكون أنظمة المشروع وقوانينه مرنة كي يستطيع من خلال ذلك أن ينفذ مشروعه في جو يكون فيه البدوي المعنيّ أكثر قناعة، وتقبُّلا لمشروع يعدّ ظاهرة فريدة في الجزيرة العربية وفي خارجها خاصة في الوطن العربي الذي يكثر فيه البدو ومجتمعات البادية.

أهداف مشروع التوطين. يعد مشروع توطين البدو الذي نفذه الملك عبدالعزيز، ظاهرة متقدمة في مجال البناء الاجتماعي في الجزيرة العربية، وهو مشروع رائد من المشروعات الاجتماعية المهمة في المنطقة العربية برمتها. فقد رأى الملك عبدالعزيز بثاقب بصيرته وبعد نظره السياسي والحضاري أن يوطن البدو في هجر وقرى مستقرة تحقق غايات دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية. فخطط الملك عبدالعزيز بأن يجمع القبائل المتنقلة والمتفرقة في دولته ويوحدها في إطار نوع من الاستقرار ضمن الدولة الأم مدفوعًا بمبادئ دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية. فركز الملك على أن يجعل البدوي يشعر بمسؤولية المواطنة، وحرص قدر إمكانه على أن يغرس فيه مبدأ حب الاستقرار، والإقامة الثابتة، والاستيطان المستقر. يقول الملك عبدالعزيز : "...إنني أريد تطوير نزعة البدو الفطريّة إلى الحرب، حتى يشعروا بأنهم أعضاء في جماعة واحدة، إنه عمل شاق، ولا أنكر ذلك، ولكن الجانب الكبير منه سيتحقق عندما تبدأ وحدات جيشي تشعر أن الهجر التي نشأت هي بمثابة وطن صغير لها في وسط الوطن الكبير القاحل".

حاول الملك عبدالعزيز أن يعلم البدو، بوساطة العلماء، مبادئ الدين الإسلامي وأحكامه حتى لا يظلوا في جهل من أمر دينهم ودنياهم. إنه مشروع يجدد مبادئ الدعوة السلفية بين البدو، ويعودهم على طاعة السلطة المركزية، ويعودهم أيضًا على الولاء للدولة أكثر من ولائهم للقبيلة. إنه يجعل البدو يشعرون بروابط الانتماء إلى الوطن والمواطنة في نطاق وطن أرحب وأوسع من نطاق ديارهم والأرض التي يتنقلون عليها ويرتحلون إليها. إنه مشروع يجمع أكبر قوة عسكرية محاربة يكون أفرادها من البدو الذين استقروا وهجروا حياة الترحال والتنقل، ممّا يعود البدوي على تقبل مبدأ الطاعة والانقياد. إنه مشروع يعلم البدو الزراعة ويعمل على ربط البدوي بالأرض فتتغير بذلك وظيفته الاقتصادية حين ينتقل من وظيفة الرعي إلى وظيفة العمل بالزراعة والفلاحة، وحين يصبح عسكريًّا يقوم بمتطلبات الجندية حتى وإن كانت جندية مؤقتة وغير ثابتة في الظرف الراهن. إنه مشروع حضاري جيد في حال نجاحه وتحقيق أهدافه الكبرى.

نتائج مشروع التوطين. على الرغم من السلبيات والمشكلات التي تعرض لها مشروع الملك عبدالعزيز لتوطين البدو، وما قام به بعض الجماعات الموطنة من عصيان وتمرد، إلاّ أن المشروع حقق الكثير من النتائج الإيجابية، من أهمها : 1ـ قبول البدوي لمبدأ التوطين والاستقرار، وقد انتشر هذا المبدأ بسرعة كبيرة في البادية، وأصبحت الهجرة الواحدة أحيانًا يسكنها حوالي عشرة آلاف نسمة. 2ـ قلل المشروع من نسبة البداوة في الدولة السعودية الحديثة، وزاد معه نسبة السكان الحضر وفتح الباب أمام تحول اجتماعي كبير، واكبه تحول اقتصادي وثقافي. 3ـ أصبح البدوي يتقبل مفهوم المواطنة بعد أن وُطِّن في الهجر، وابتعد إلى حد ما عن عهد الترحال وظروفه ومتطلباته. وانخرط البدوي في مجتمع الدولة، وأصبح أكثر طاعة وولاء للسلطة المركزية عما كان عليه في السابق. 4ـ عم الأمن والسلام وساد بشكل أوسع، وغدت طرق القوافل وطرق الحجيج آمنة أكثر مما كانت عليه وانعكس أثر ذلك على الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد. 5ـ تعرف البدو إلى حد ما على مفهوم الدولة المنظمة، وقد حل هذا محل سيادة القبيلة. وبذلك يكون التوطين قد نقل البدويّ من حالة الفوضى وعدم الخضوع للنظام إلى حالة من الاستقرار والعيش الهادئ في جو الأمن والطمأنينة والسلام. 6ـ أوجدت حركة التوطين هذه نوعًا من التعليم القائم في أساسه على الجانب الديني. 7ـ أوجدت حركة التوطين قوة عسكرية غير منظمة، لكنها جاهزة تمامًا للخدمة وقت إعلان النفير العام، ووقت الحرب. وأصبحت هذه القوة العسكرية البدوية تشكل أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وقد أفاد منها الملك عبدالعزيز إفادة كبيرة أثناء مشروع توحيد البلاد السعودية. 8ـ حطم مشروع التوطين الفردية والفوضوية التي ظلت تسود مجتمعات القبائل المتناحرة والمتنافرة، ووظفت طاقة القتال هذه في خدمة القضايا المشتركة والدفاع المشترك عن الأمة والدولة والدين والوطن. وعندما توطد مبدأ الشعور بالمواطنة سهَّل ذلك عملية توحيد مقاطعات الدولة. 9ـ أوجد مشروع توطين البدو مسؤوليات جديدة للجماعات البدوية، وأوجد أيضًا قيمًا جديدة ممّا جعل البدوي ينظر الى الحياة من خلال نظرة أعمق وأشمل.

abo rashid
05-09-2006, 01:31 PM
الفناء الداخلي لقصر الأمير فيصل بن عبدالعزيز خارج سور الرياض القديمة، ويعرف بقصر أم قبيس، تحول فيما بعد إلى قصر للضيافة، ثم مقر للمعهد العلمي، أقيمت على أنقاضه المكتبة الوطنية والمدرسة المتوسطة في شارع الملك فيصل.

قصر الملك عبدالعزيز الذي تم بناؤه عام 1936م. بعد إجراء الصيانة له تم تحويله إلى متحف وطني.
البناء التعليمي. ظل التعليم يسير على النمط التقليدي المتوارث طيلة فترة توحيد البلاد العربية السعودية، فلم يظهر التعليم الحديث المنظم إلى حيز الوجود إلاّ في أواخر العشرينيات من القرن العشرين الميلاديّ بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من إتمام عملية توحيد أقاليم الدولة السعودية في إطار الدولة القوية، الموحدة، إذ نهج الملك عبدالعزيز سبل الإصلاح والتجديد والبناء في كافة البلاد السعودية.

زاد التعليم تطورًا وحداثة بعد ازدياد مخصصاته المالية ضمن ميزانية الدولة بعد اكتشاف النفط كسلعة تجارية مهمة جلبت للدولة السعودية أموالاً طائلة. فأخذ التعليم يتطور في عدد مدارسه ومادته التعليمية وأسلوبه ومنهجه، مبتعدًا تدريجيًا عن أساليب التعليم القديم، وظل في حالة تطور مستمر، وتكفَّلت بجميع ميزانيته الحكومة السعودية، بالإضافة إلى منح الطالب مكافأة شهرية تشجيعًا على طلب العلم. أسس الملك عبدالعزيز آل سعود مديرية المعارف العامة عام 1344هـ، 1926م، وارتبطت بالنائب العام، ويصرّف أعمالها مدير معارف عام، ويعاونه معاون المدير، واقتصر اختصاصها على ما يتعلق بشؤون التربية والتعليم. ولقلة المدرسين استقدمت الحكومة السعودية المعلمين من الخارج، من البلاد العربية المجاورة وعلى رأسها مصر. وأسست الدولة المعهد العلمي ومهمته إعداد المعلمين لمرحلتي الابتدائي والأولي. وقامت الحكومة السعودية بإرسال البعثات التعليمية إلى خارج البلاد خاصة إلى مصر، وقد أرسلت أول بعثة تعليمية للطلاب السعوديين إلى الخارج عام 1346هـ، 1927م.

أنشأت الحكومة السعودية مدرسة تحضير البعثات عام 1354هـ، 1935م، ووضع لها منهج استمد من منهج الدراسة في مصر، واقتصر اختصاصها على تهيئة الطالب السعودي للالتحاق بالمعاهد العليا والكليات الجامعية في مصر وغيرها. وتجسيدا لعناية الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ بالعلوم الشرعية والعربية، أمر بافتتاح دار التوحيد في الطائف لتتولى تدريس هذه العلوم حسب الطرق التربوية الحديثة ـ في ذاك الوقت ـ واختير لها نخبة من علماء الأزهر، إضافة إلى العلماء من السعوديين، وفي عام 1369هـ، 1949م، افتتحت كلية الشريعة بمكة، وتعد أولى المراحل الجامعية في المملكة.

وفي العام نفسه تذاكر جلالة الملك عبدالعزيز مع سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ ـ رئيس القضاة والمفتي الأكبر في المملكة ـ رحمهما الله ـ في أمر حلق تدريس العلوم الشرعية والعربية التي كانت منتشرة آنذاك وتنظيمها لتواكب الأساليب العلمية والتربوية الحديثة، وتنسجم مع أنظمة الشهادات التي بدأ منحها لمن ينهي مرحلة من مراحل التعليم، واستقر الرأي على إنشاء معهد الرياض العلمي وافتتح في شهر ذي الحجة عام 1370هـ، 1950م ثم افتتحت كلية العلوم الشرعية ـ بالرياض ـ عام 1373هـ، 1953م وهذا المعهد وتلك الكلية هما نواة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

لم يقتصر التعليم على المدن بل امتد إلى القرى والهجر، فتعلم الطلاب في الهجر القرآن الكريم، وأركان الإسلام، والعبادات، ومبادئ القراءة والكتابة، وكان يقوم بالتعليم في القرى والهجر بعض طلبة العلم، ويسمى الواحد منهم (مطوع) وجمعها (مطاوعة) وكان التعليم في البداية يتم إما في منزل المطوع وهو الأعم، وأحيانا في المساجد، ومستواه العلمي محدود جدا، وهي أشبه بالكتاتيب في بداية أمرها، ولما استقرت الأوضاع العامة في المملكة تطورت وازدهرت عن ذي قبل، ونظمت بحيث تكون مدارس نظامية تشبه مثيلاتها في المدن، وترتبط بمديرية المعارف العمومية.

أنشأ الملك عبدالعزيز مدارس خاصة بالأمراء، كانت في قصره لتعليم صغار الأمراء من أبنائه وأبناء الأسرة السعوديّة، وقد سميت بمعهد الأنجال لأنها في البداية كانت مقصورة عليهم. وأنشأ الأمير فيصل بن عبدالعزيز، النائب العام مدرسة في الطائف سميت بالمدرسة النموذجية يتعلم فيها أبناء الأمراء وغيرهم، ثم نقلت المدرسة من الطائف إلى جدة، وأصبحت بعد ذلك تسمى مدارس الثغر النموذجية بعد أن ضمت إلى وزارة المعارف السعودية.

اهتمت الحكومة السعودية بتعليم الكبار ففتحت المدارس الليلية لهم، ضمن مشروع عام لمكافحة الأمية المنتشرة بكثرة في ربوع البلاد. وشكلت لجنة لترعى شؤون المدارس الليلية سميت لجنة تشجيع المدارس الليلية، ولها فروع في مكة المكرمة والمدينة المنورة والهفوف والرياض وغيرها. وفتحت الحكومة السعودية إلى جانب مدارسالكبار الليلية مدارس لتعليم استخدام الآلة الكاتبة، ومدارس أخرى لتعليم اللغة الإنجليزية.

قفز التعليم في البلاد السعودية قفزة كبيرة حينما أنشئت في البلاد وزارة المعارف السعودية سنة 1373هـ، 1953م. وكان أول وزير للمعارف خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز. وفي عهد هذه الوزارة خطت البلاد السعودية خطوات واسعة جدًا في مجال التعليم في مراحله المختلفة: الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، والجامعية. كما تقدم التعليم في مجال التعليم الفني (المهني)؛ مثل المدارس الصناعية والكليات التقنية وكذلك التجارية والزراعية من أجل إعداد جيل من أهل البلاد يعمل في الحقل المهني.

أما عن مدارس تعليم البنات، فقد توسعت وتقدمت وتطورت كثيرًا بعد أن أشرفت عليها الجهة المختصة بها، وهي الرئاسة العامة لتعليم البنات؛ إذ كان تعليم البنات في أول أمره محدودًا ومقصورًا على منطقة دون الأخرى، قبل ظهور التعليم المنظم للفتاة السعودية في ظل الرئاسة العامة لتعليم البنات. وكان تعليم الفتاة السعودية قبل ذلك يقتصر على قراءة القرآن ومبادئ الكتابة والحساب.

خصصت الدولة ميزانية كبيرة لتعليم البنات، مما أدى إلى توسيع دائرة التعليم في هذا المجال في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنات. وفتحت كليات للبنات فيها كل التخصصات الأدبية والعلمية.

وعُني بتدريس العلوم الشرعية في المعاهد العلمية الدينية، أمّا التعليم العسكري فاختصَّت به العسكرية. ومن أبرز معالم التقدم العلمي في المملكة العربية السعودية، أن أصبح فيها اليوم سبع جامعات تضم كل التخصصات العلمية والتطبيقية والنظرية.

قامت شركة النفط العربية الأمريكية، أرامكو بفتح مدارس نموذجية تدرس المناهج السعودية على غرار مدارس الحكومة، وقد خصصت تلك المدارس لأبناء العاملين في الشركة في المنطقة الشرقية من البلاد. وهي مدارس تنفق عليها الشركة المذكورة إسهامًا في خدمة أبناء العاملين فيها. بالإضافة إلى مشروع تعليم الموظفين السعوديين وتثقيفهم.



الصحراء القاحلة تحولت إلى أراض زراعية خصبة. أخذ الملك عبدالعزيز يهتم تدريجيًا بأمر المياه والزراعة فاستقدم الخبراء الزراعيين من أجل تطوير الزراعة في البلاد، خاصة بعد اكتشاف النفط وتصديره.
البناء في مجال الزراعة. لم يكن للزراعة، في مطلع عهد التنظيمات والإصلاح في الدولة السعودية الثالثة، حظ كبير من العناية والاهتمام، وذلك لأن البلاد في معظمها أشبه بمناطق بادية وصحراء، والمياه فيها قليلة، والأمطار قليلة وأحيانًا نادرة، بالإضافة إلى صعوبة المواصلات في بلاد واسعة الأرجاء، فيها الصحاري والجبال الشاهقة والوديان، وغير ذلك من معوقات اتساع نطاق الزراعة في ظل وضع عام كانت تسير فيه البلاد بشكل بطيء باتجاه الآلة والأساليب الحديثة. ومما لاشك فيه أن هناك واحات منتشرة هنا وهناك في البلاد السعودية، لكن نظام الزراعة وطرقه ظلت بدائية وقاصرة عن مجاراة الزراعة الحديثة والمتطورة. ولعب ضعف الاقتصاد، وواردات الدولة البسيطة دورًا في هذه المسألة.

فأخذ الملك عبدالعزيز يهتم تدريجيًا بأمر المياه والزراعة، فاستقدم الخبراء الزراعيين والجيولوجيين من أجل تطوير الزراعة في البلاد والبحث عن مواطن المياه فيها، خاصة بعد اكتشاف النفط وتصديره، مما ساهم في ازدياد حجم الميزانية السعودية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فوصلت إلى البلاد بعثات زراعية من العراق ومصر وسوريا. ووصلت بعثة أمريكية عام 1361هـ، 1942م، قامت بدراسة واسعة لمعرفة حجم الأراضي الزراعية في المملكة، ومدى قابليتها للزراعة، ونوع المزروعات التي تلائمها. وقد وجدت البعثة في البلاد السعودية أرضًا زراعية واسعة، ومياهًا ذات مخزون كبير، خاصة المياه المتوافرة في الواحات.


مشروعات السدود من المشاريع التي أولتها الدولة الحديثة عنايتها لتوفير المياه للزراعة ومنها سد جباجب في الطائف.
أنشأ الملك عبدالعزيز جهازًا إداريًا خاصًا بالزراعة سُمي مديرية الزراعة في رجب عام 1367هـ، أبريل 1948م، وكان مركزها مدينة جدّة. وقد تولاها محمد صالح القزاز. وقامت هذه المديرية بواجباتها ضمن اختصاصاتها، فاستوردت آلات الري والزراعة، وآلات الحفر الخاصة بالآبار الارتوازية، والجرارات الخاصة بالحرث. واستوردت كذلك بعض الأشجار. وعندما تطورت الزراعة تدريجيًا في المملكة، أصبح من الضروري إنشاء وزارة زراعة، وقدأُنشئت تلك الوزارة بعد حوالي شهر واحد من وفاة الملك عبدالعزيز، وكان ذلك في عام 1373هـ، 24 ديسمبر 1953م، وعُيِّن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، أول وزير لها في 18 ربيع الثاني عام 1373هـ الموافق 24/12/1953م.

وتشير الإحصاءات إلى أن نمو الإنتاج الزراعي في المملكة حقق معدلاً مرتفعًا نسبيًا بلغ 10% في الفترة بين 1962-1970م، بفضل دخل الدولة المتزايد الذي انعكس على المشروعات الزراعية في المياه، وانعكس كذلك على دخل الفرد السعودي .

ظلت الحكومة السعودية ممثلة بوزارة الزراعة تعمل على وضع سياسة زراعية بعيدة المدى، بعد أن أوكلت الدولة لتلك الوزارة مهمة تنمية موارد الأراضي ومصادر المياه في المملكة. فقامت الوزارة باستقدام خبراء المسح الزراعي والمائي، وتعاونت مع خبراء منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) واهتمت الوزارة أيضًا بمشروعات التوسع الزراعي الحديث المتطور الذي يعتمد إلى حد كبير على أساليب التقنية الحديثة، فوفرت مياه الري، وتوسعت في تنويع المحاصيل الزراعية من الخضار والحبوب والفواكه والأعلاف، واهتمت بتطوير زراعة النخيل مما أسهم في ازدياد معدل إنتاج التمور.

abo rashid
05-09-2006, 01:32 PM
ونهجت الدولة السعودية سبلا أسهمت في رفع الإنتاج الزراعي مثل مشروعات توزيع الأراضي البور الصالحة للزراعة، ومشروعات استخدام الآلات الزراعية الحديثة، ومشروعات مساعدة المزارعين ومدهم بالآلات الزراعية، وحفر الآبار، والبذور الزراعية، وشراء القمح من المزارع السعودي، وغيرها من المشروعات الحكومية التي تعمل على تطوير العمل الزراعي والإنتاج الزراعي.


حل مشكلة المياه. مما لا شك فيه أن أخصب بلاد المملكة وأغزرها أمطارًا هي بلاد عسير. وهناك واحات خصبة، تتوافر فيها مياه العيون والآبار، مثل الأحساء، والخرج، والأفلاج، والقصيم وغيرها. ويأتي الحجاز في قائمة المناطق الأولى التي تقل فيها المياه. فتوجد في مكة عين زبيدة، يستقي منها سكان مكة والحجاج والمعتمرون. وأما جدّة فمياهها قليلة جدًّا، وقد مدت الدولة العثمانية الأنابيب لجلب المياه من عين الوزيرية شرقي جدة، واستوردت الدولة العثمانية كذلك آلة تقطير، واشترت الحكومة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز آلة تقطير أخرى. وظل الوضع في جدّة كذلك إلى أن مدت الحكومة السعودية أنابيب مياه جلبت الماء العذب النقي عام 1367هـ، 1947م، وقد جاءت به الدولة السعودية من عيون وادي فاطمة، وسمي المشروع بمشروع عين العزيزية نسبة الى الملك عبدالعزيز، وقد كلف هذا المشروع حوالي ستة ملايين ريال. أخذت المياه الواردة إلى جدّة تزداد شيئًا فشيئًا. وأنشئ خزان ماء كبير قرب مدينة جدّة يسع مليون جالون ماء. ويُسقى أهل المدينة المنورة من عين الزرقاء. وجلب الماء إلى مدينة الرياض من وادي الباطن، ومن السويدي ثم من الحائر، وحفرت الآبار الأرتوازية الجديدة، وقد تم كل ذلك في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود.

واهتمت الحكومة السعودية لاحقًا بأمر تحلية مياه البحر في المنطقتين: الشرقية والغربية. فأقيمت محطة تحلية في جدّة، تنتج خمسة ملايين جالون من المياه يوميًا وهي قابلة للزيادة، بالإضافة إلى خمسين ألف كيلوواط من الطاقة الكهربائية. وأقيمت محطة للتحلية في مدينة الوجه وأخرى في ضبا الواقعتين على البحر الأحمر، تنتج كل واحدة منهما ستين ألف جالون ماء يوميًا. وأقيمت محطة تحلية في الخفجي تنتج مائة وعشرين ألف جالون يوميًا. ويوجد في مدينة الخبر محطة تحلية تنتج سبعة ملايين ونصف المليون جالون ماء يوميًا، أضف إلى هذا كله ما تنتجه محطة الجبيل من مياه محلاة. وتنتج هذه المحطات طاقات كهربائية هائلة، وبناء عليه فإن التحلية يمكن أن تكون في المستقبل المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة للمدن والمنشآت الصناعية على الساحلين: الشرقي والغربي للمملكة



سوق الحراج والجامع الكبير والأسواق والمحلات المحيطة 1368هـ، 1949م، بالرياض.
البناء في مجال الصناعة والتعدين. منح اللّه البلاد السعودية معادن كثيرة ومتنوعة، مثل: الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والزنك والكروم والمغنسيوم والفلورايت والفوسفات والجبس والملح الصخري ومواد الأسمنت التي تتكون من الكلس والسيلكا والألومنيا والصلصال والرمل الزجاجي والكبريت والأسبستوس والرخام والزيت (النفط) والغاز الطبيعي. ويأتي النفط في مقدمتها كمية وقيمة.

ومن المعروف أن البلاد السعودية ظلت تقوم بالصناعات اليدوية لسد حاجة الاستهلاك المحلي من منسوجات المشالح والبسط والسجاد، وصناعة الأواني الفخارية وعمل طواحين الغلال الحجرية، وصناعة السلال والمراوح والأقفاص والحبال، وصناعة الخشب، وصناعة الحليّ وصناعات الجلود ودباغة وصناعة الأحذية والقرب، وصناعة الأدوات الحديدية وغير ذلك من الصناعات اليدوية القديمة.

وظلت الصناعات القديمة المتوارثة في البلاد السعودية حتى اكتشاف النفط، وبعد اكتشافه بفترة ليست بطويلة. فقد وفر النفط للمملكة العربية السعودية عوائد مالية ضخمة رفعت من مستوى القوة الشرائية للسكان، ووفرت العملات الأجنبية للدولة، فزاد مستوى الاستيراد من السلع الأجنبية، مما ساعد على قيام نوع من التحدي الوطني في مجال الصناعات المحلية، فتشجع عدد من الأغنياء والممولين السعوديين ففتحوا المصانع بعد أن استقدموا الآلات والخبرة من الخارج، وظهرت بذلك الحركة الصناعية الوطنية منذ منتصف القرن العشرين الميلادي، وأخذت تلك الصناعات تنمو وتزدهر تدريجيًا، آخذة في الازدياد والتنوع لسد حاجة السوق المحلي بعد ازدياد الطلب على السلع الاستهلاكية بسبب ارتفاع دخل الفرد. وقد تطورت الصناعات المحلية وأصبح في مقدورها منافسة الصناعات الخارجية. وظهرت صناعات متطورة في المملكة مثل: صناعة الألبان، طحن الغلال والبن، وصنع المشروبات الغازية والثلج، وصنع الأثاث الخشبي والمعدني، وصنع البلاط والسيراميك والرخام والجرانيت وأنابيب الأسمنت والأدوات الصحية والنحاسية، وأعمال الميكانيكا والخراطة والحدادة، وصياغة الذهب والفضة وغيرها.

وفي عام 1384هـ، 1964م صدر في المملكة نظام حماية الصناعات الوطنية وتشجيعها الذي يقضي بتقديم الحماية والتشجيع والحوافز لرجال الأعمال السعوديين على الاستثمار في المشروعات الصناعية، ودعم المشروعات الصناعية القائمة وقتذاك. وقدمت الدولة القروض بدون فوائد لرجال الأعمال المستثمرين السعوديين عن طريق صندوق التنمية الصناعية، وإعفاء الآلات الصناعية المستوردة من الرسوم الجمركية، وتخفيض سعر الكهرباء والماء، وتأجير الأراضي التي تقام عليها المصانع بأسعار رمزية. فزادت المشروعات الصناعية زيادة كبيرة، وقد اهتمت الدولة بالمشروعات الصناعية ذات القطاع الخاص من أجل تنويع مصادر الدخل الوطني، وتخفيف الاعتماد على النفط وصناعته كمصدر أساسي للدخل الوطني السعودي.

وأسست الدولة مؤسسة بترومين عام 1382هـ، 1962م التي تعرف الآن باسم سابك من أجل تطوير استغلال البترول والثروة المعدنية في البلاد السعودية، وهي تابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية، ووظيفتها توزيع المنتجات النفطية داخل المملكة. ساهمت بترومين في كثير من الشركات الوطنية ذات القطاع الخاص، مثل شركة مصفاة جدّة، وشركة مصفاة الرياض. وأنشأت مصانع للأسمدة (سافكو) في الدمام وأبقيق. وأنشأت شركة بترومين لزيوت التشحيم (بترولوب) وغيرها من الشركات والأعمال ذات الصلة بالنفط.

abo rashid
05-09-2006, 01:32 PM
وشجعت الدولة رأس المال الأجنبي للاستثمار في داخل المملكة، وصدر نظام الاستثمار الأجنبي عام 1384هـ،1964م وذلك بإعطاء رأس المال الأجنبي المزايا التي يتمتع بها رأس المال الوطني، وإعفائه من الضرائب مدة خمس سنوات إذا ساهم فيه رأس المال الوطني بنسبة 25% من رأس المال الكلي.

وشهدت المملكة خلال الخطة الخمسية الثانية 1395-1400هـ، 1975-1980م نشاطًا كبيرًا في مجال الصناعات الوطنية، وازدياد عدد الشركات الوطنية، وازدياد تدفق رأس المال الأجنبي، وازدياد العاملين في نطاق الصناعة والتصنيع، وازدياد كميات السلع المنتجة محليًا، وازدياد الإقبال على شراء السلع الوطنية التي أخذت تنافس السلع الخارجية المستوردة.وظلت الصناعة في المملكة تتوسع بشكل كبير.

أهم الصناعات الحالية في المملكة هي: صناعة توليد الطاقة الكهربائية، وصناعة الإسمنت، وصناعة تحلية مياه البحر، وصناعة الحديد والصلب، وصناعة النفط مثل تكرير الزيت، وتصنيع جميع المنتجات النفطية المتعددة والمتنوعة، وصناعة المعادن، وصناعة الأسمدة، وصناعة المنتجات الغذائية، والصناعات الكيميائية. وأصبحت صناعات المملكة في مجالات المواد الاستهلاكية والنفطية تسد حاجة السوق المحلي وتصدر إلى الخارج.

ويمكن القول بأن الصناعة في المملكة العربية السعودية أخذت تتطور تدريجيًا من صناعة يدوية تقليدية متوارثة إلى صناعة حديثة متقدمة ومتطورة. وقد اتضح هذا التطور من خلال ما وصلت إليه الصناعة المحلية في فترات الخطط الخمسية المتعاقبة إذ أن الخطة الخمسية الأولى بدأت بعام 1390- 1391، 1395- 1396هـ (1970- 1975م).



السيارة الأولى التي وصلت الجزيرة العربية في تاريخ 1326هـ، 1908م، وكان مالكها إنجليزيًا يدعى وليم شكسبير.
الطرق ووسائل النقل الحديثة. كانت الطرق في البلاد السعودية، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، طرقًا قديمة وليست معبدة. وتعدّ الطرق التي أنشأتها أرامكو هي أول طرق معبدة وحديثة في البلاد السعودية، إذ عبدت الشركة طرقًا في المنطقة الشرقية بين مراكز الشركة الإدارية ومراكز العمل النفطي بين الظهران والدمام والخبر وأبقيق وبين آبار الزيت وحقوله المختلفة.

وفي مطلع السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري (الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي) بدأت الحكومة السعودية تعمل على تعبيد الطرق في المنطقة الشرقية والوسطى والغربية، خاصة طرق الحج. واستمرت الدولة في شق الطرق المعبدة بين المدن الرئيسية ثم بينها وبين البلدان والقرى، علمًا بأن الطرق المعبدة تساهم بقدر كبير في نمو الحركة الاقتصادية والحضارية في البلاد. وقد تطورت المواصلات البرية وطرقها كثيرًا في البلاد السعودية على مدى الخطط الخمسية المطبقة في المملكة العربية السعودية، وأصبحت مدن المملكة وبلدانها وقراها ترتبط معًا بشبكة مواصلات بريّة عظيمة، وعمت البلاد الطرق المعبدة الواسعة والجسور والأنفاق. وارتبطت مع البلاد العربية بشبكة مواصلات بريّة سهلة وممتازة.


خط السكك الحديدية، بدأ العمل به في عام 1366هـ، 1947م ليربط بين الدمام وأبقيق عن طريق الظهران. ووصل الخط الحديدي إلى مدينة الهفوف عام 1369هـ، 1949م ثم إلى حرض والخرج عام 1370هـ، 1950م ووصل الرياض عام 1371هـ، 1952م.
وبدأ العمل بمد خط سكة حديد يربط بين مدينة الدمام وأبقيق عن طريق الظهران، وذلك في ذي القعدة عام 1366هـ، 1947م. ووصل الخط الحديدي إلى مدينة الهفوف عام 1369هـ، 1949م، ثم مد الخط إلى حرض في العام نفسه، ثم إلى الخرج عام 1370هـ، 1950م، ثم وصل الرياض عام 1371هـ، 1952م. وهو الخط الحديدي الوحيد في المملكة العربية السعودية، ويستخدم لنقل الركاب والبضائع.

أما عن الطرق البحرية فهناك ميناء رأس تنورة على ساحل الخليج، وهو أهم ميناء لتصدير النفط في المملكة العربية السعودية. وميناء رأس الخفجي الذي أنشأته شركة الزيت العربية (اليابان). وميناء سعود في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، وهذان الميناءان يصدر منهما النفط المستخرج من المنطقتين المذكورتين. وميناء الدمام وهو منفذ بحري مهم على ساحل الخليج في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وهو ميناء يستقبل كل البضائع التي تصل إلى المملكة من الخارج عن طريق الخليج العربي، ومنه تصدر المملكة البضائع الوطنية. وهناك ميناء جدة الإسلامي على البحر الأحمر، وهو يستقبل كل البضائع المستوردة والتي تصل إلى المملكة عن طريق البحر الأحمر، وهو أيضًا يستقبل الحجاج القادمين من الخارج، ومنه يعودون إلى بلادهم بحرًا. كما أن جميع البضائع المحلية المصدرة عن طريق البحر الأحمر يتم تصديرها عبره. وهناك ميناء ينبع على البحر الأحمر، وميناء جازان، بالإضافة إلى ميناء الجبيل وهو مرفأ صغير نسبيًا يقع على ساحل الخليج العربي.

أما عن الطرق الجوية فهناك مطارات دولية مثل مطار الملك خالد الدولي، ومطار الملك عبدالعزيز الدولي، ومطار الظهران الدولي. بالإضافة إلى عدد كبير من المطارات المحلية الموزعة على مدن المملكة. وحركة النقل الجوي في المملكة حركة دؤوبة.


ظاهرة الأمن في المملكة. إن ظاهرة الأمن في البلاد العربية السعودية ظاهرة فريدة ومميزة، فالأمن في السعودية كان ومازال مضرب المثل. وقد استطاع الملك عبدالعزيز أن يرسي قواعد الأمن لا في الحاضرة فقط، وإنما في البادية أيضًا. وظل الأمن الذي أرسى دعائمه الملك عبدالعزيز مستتبًا في ظل الحكومات السعودية التي تعاقبت على الحكم من بعده. وقد تطورت أجهزة الأمن تطورًا عظيمًا في ظل وزارة الداخلية السعودية، فاطمأن المواطن والمقيم. وسهرت إدارات الأمن العام، والدفاع المدني، والمرور والنجدة، وسلاح الحدود على راحة الأهالي وأمنهم وسلامتهم. وقد تطورت تلك الأجهزة الأمنية، وتطور معها رجل الأمن من خلال التدريب الجيد، والدراسات ذات الصلة بالأمن، ومن خلال فتح المؤسسات الأمنية والكليات المختصة مثل كلية الملك فهد الأمنية، والمعاهد ذات الاختصاص بشؤون الأمن وغيرها.

هذا وقد تطورت أجهزة الدفاع البري والجوي والبحري في ظل وزارة الدفاع والطيران. وأصبح الجندي السعودي مدربًا تدريبًا جيدًا على أساليب القتال، وعلى الأسلحة الحديثة والمتطورة. وقامت وزارة الدفاع والطيران السعودية بفتح عدد كبير من المدارس الحربية والكليات العسكرية البرية والجوية والبحرية، مثل كلية الملك عبدالعزيز الحربية، وكلية الملك فيصل الجوية، بالإضافة إلى البعثات العسكرية التي ترسلها وزارة الدفاع والطيران إلى أنحاء العالم لتدريب أفراد القوات العربية السعودية في مجالات العسكرية المختلفة. كما أنشأت الوزارة عددًا كبيرًا من المستشفيات العسكرية لعلاج أفراد القوات العربية السعودية.


المملكة في المؤسسات الدولية. المملكة العربية السعودية عضو في جامعة الدولة العربية منذ قيامها عام 1364هـ، 1945م، وهي عضو في هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1364هـ، 1945م، وهي عضو أيضا في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي أغلب المؤسسات الدولية ذات الأغراض الإنسانية. وهي عضو في الأوبك والأوابك. وتساهم المملكة بقدر كبير في المجالات الدولية، وفي القضايا المعاصرة خاصة القضايا الإسلامية منها، مثل: القضية الفلسطينية، والقضية الأفغانية، وقضايا المسلمين في المناطق التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي (السابق)، وقضية البوسنة والهرسك، وقضايا المسلمين في كل مكان، والمملكة عضو أساسي في رابطة العالم الإسلامي، وهي التي تحتضن مؤسساتها وترعاها وتدعمها بالمال والرعاية والاهتمام.

abo rashid
05-09-2006, 01:34 PM
:nice: :nice:

:dance :dance :dance

abo rashid
05-09-2006, 01:35 PM
يعطيك العافية اخوي بوراشد

معلومات جدا قيمة
الله يعافيج

OTOsan
05-09-2006, 02:23 PM
جهد متميز تستحق عليه الشكر اخوي بوراشد ،،
متابع بانتظار بقية الدول ..

khaldoon
05-09-2006, 02:25 PM
جزاك الله كل خير يا الغالي ابو راشد
طبعا متألق كالعاده في تقديم كل ما هو مفيد لنا
وهذا الموضوع راح اعتبره مرجع لي ان شاء الله واحتفظ فيه لا مجرد المرور عليه
كثر الله من امثالك يا الغالي

abo rashid
05-09-2006, 03:33 PM
']جهد متميز تستحق عليه الشكر اخوي بوراشد ،،
متابع بانتظار بقية الدول ..
ان شاء الله

abo rashid
05-09-2006, 03:33 PM
جزاك الله كل خير يا الغالي ابو راشد
طبعا متألق كالعاده في تقديم كل ما هو مفيد لنا
وهذا الموضوع راح اعتبره مرجع لي ان شاء الله واحتفظ فيه لا مجرد المرور عليه
كثر الله من امثالك يا الغالي
حياك الله يا الغالي

relaax
05-09-2006, 07:03 PM
يعطيك العافيـــــــه

abo rashid
05-09-2006, 09:16 PM
يعطيك العافيـــــــه
الله يعافيك

abo rashid
06-09-2006, 12:43 PM
الإمارات، تاريخ. الإمارات دولة عربية تتكون من: إمارة أبو ظبي ودُبي والشارقة ورأس الخيمة وأمّ القيوين والفجيرة وعجمان. ومن أهم العوامل التي أدّت إلى قيام هذه الدولة أن سكان هذه الإمارات تربطهم صلات قربى؛ فهم أبناء عمومة وخؤولة. ومن العوامل أيضًا حرص هذه الإمارات على تحقيق الاستقرار العسكري والسياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة، الذي لا يكون ممكنًا في حالة التفرق، وتحقيقًا لهذه الأهداف، فقد اتحدت هذه الإمارات وكوَّنت دولة واحدة مترابطة.


الإمارات في العصور القديمة
تم مؤخرًا اكتشاف آثار كثيرة في الإمارات العربية خاصة في منطقة أبو ظبي. وتشمل هذه الآثار نصبًا تذكارية قديمة وقطعًا من الفخار ومقابر قديمة نُقش عليها رسوم حيوانات. وقد أكدت هذه الآثار على صلات هذه المنطقة القديمة بحضارة السومريين العريقة التي نشأت في بلاد الرافدين.

وكان لسكان الإمارات علاقة وثيقة بالفينيقيين، ويذكر بعض المؤرخين ـ ومنهم المؤرخ الشهير اليوناني هيرودوت ـ أن الفينيقيين قد قَدِموا من منطقة الخليج العربي، بل إن بعض المؤرخين يؤكد أن الفينيقيين هم أصلاً عرب من منطقة الخليج. وعلى كل حال، فالعلاقة القديمة الوثيقة بين منطقة الخليج (الإمارات العربية) وبين الفينيقيين واضحة وتتخذ مظاهر مختلفة، منها التشابه في أسماء بعض المدن والجزر الموجودة على سواحل سوريا ولبنان بأسماء مدنٍ بالسواحل الشرقية من شبه الجزيرة العربية مثل أرواد وصور وغيرهما.

وإضافة إلى ذلك، فقد كان لسكان المنطقة صولات وجولات مع الفرس أشهرها تلك الحملة البحرية التي شنَّها سكان الخليج على سواحل بلاد فارس في أوائل القرن الرابع الميلادي وهاجموا فيها المدن والموانئ الفارسية، وقد رد على هذه الحملات سابور الثاني حاكم فارس بالهجوم على الساحل العربي للخليج وعلى البحرين وكبَّد المنطقة خسائر فادحة.


الإمارات العربية في العصر الإسلامي
عندما بعث الله رسوله محمدًا ³ بالدعوة إلى الإسلام، أسّس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة. وبعد فتح مكة، بدأ بدعوة الأمصار المجاورة إلى الدخول في الإسلام. وكانت منطقة الخليج العربي من أوائل المناطق التي أرسل لها الرسول ³ من يدعوها للدخول في دين الله؛ فقد أرسل النبي عمرو بن العاص السَّهمي إلى منطقة عُمان وصحار، كما أرسل أبا العلاء الحضرميّ إلى البحرين. وقد أسلم أهل الخليج في عهد الرسول ³ وحسن إسلام كثير منهم. غير أن الذي حدث بعد وفاته هو أن عددًا كبيرًا من الناس ارتد عن الإسلام في منطقة عُمان وما جاورها. وحاول ملك عُمان إخماد الفتنة ولكنه فشل فاضطر إلى الاستعانة بالخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ فأرسل له الخليفة أبو بكر ثلاثة جيوش كبيرة كان أولها بقيادة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، والثاني بقيادة حذيفة ابن محصن الأزدي رضي الله عنه، والثالث بقيادة عرفجة رضي الله عنه. وقد وصلت هذه الجيوش الإسلامية إلى مدينة دبا التي لا تزال موجودة اليوم على ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان لقيط بن مالك قائد المرتدين قد لجأ إليها. ودارت الحرب في دبا وانتصرت الجيوش الإسلامية وقُّتل لقيط وعادت المنطقة إلى الإسلام، كما عادت اليمن والبحرين أيضًا عن ردتهما.

وساد المنطقة كلها هدوء واستقرار نسبي بعد الإسلام استمر حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي.


الخليج وأوروبا
كانت البرتغال أول الأقطار الأوروبية التي وصلت إلى الخليج عندما قام فاسكو دي جاما باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح المؤدي إلى الهند. وقد جالت سفن البرتغاليين في مياه الخليج وبمرور الزمن أصبحت المسيطرة على الملاحة وأصبحت تنقل البضائع بين الهند وإفريقيا وأوروبا. ولم يكتف البرتغاليون بالسيطرة على الملاحة والتجارة بل حاولوا السيطرة على بلاد الخليج، وكانوا يمارسون البطش والوحشية في تنفيذ سياستهم.

وبعد انتصار الأُسطول البريطاني على الأسطول الأسباني أرمادا عام 1588م، فكَّر الإنجليز في السيطرة على الهند وعلى الخليج. وبدأوا بالتجارة ثم تذرَّعوا بسببين آخرين لدخول الخليج هما: إيقاف نشاط القرصنة المنتشرة في مياه الخليج، وإيقاف تجارة الرقيق التي كانت متمركزة في الخليج.

غير أن الإنجليز كانوا في حقيقة الأمر يحاولون التأكد من سيطرتهم على سواحل الخليج لضمان استخدامها للأغراض البحرية والعسكرية ولتأمين مصالحهم التجارية والاقتصادية في الشرق.

وكانت هولندا أيضًا من الأقطار التي سعت إلى إيجاد علاقات مع الهند والخليج. وقد تعاون الأسطول الهولندي مع الأسطول البريطاني على ضرب الأسطول البرتغالي المنافس لهما عام 1635م، غير أن الهولنديين والإنجليز ما لبثوا أن دخلوا في تنافس أدّى إلى حرب بين البلدين استمرت حتى عام 1652م. وعاد البلدان للتحالف بعد ذلك لظهور منافس جديد خطير على ساحة التجارة في الهند ومنطقة الخليج هو فرنسا، فقد وصل الفرنسيون إلى الهند عام 1664م واهتموا بمنطقة الخليج. وتطوَّر التنافس بين الإنجليز والفرنسيين إلى أن دخل البلدان في حرب استمرت من 1756 إلى 1763م.

وبعد الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789م، وهدوء الأحوال، بدأ الفرنسيون يفكرون مرة أخرى في الشرق. وقاد نابليون الجيش بنفسه سعيًا لتحقيق إمبراطورية كبيرة تشمل مصر والشام والعراق والخليج العربي والهند. وتضافرت عوامل عدة أدَّت إلى فشل الفرنسيين في تحقيق إمبراطوريتهم. وكان أهم هذه الأسباب اكتشاف الإنجليز لهذا المخطط الفرنسي لتكوين إمبراطورية كبيرة. وسعى الإنجليز بكل الوسائل للسيطرة على الشرق ومنطقة الخليج خاصة.


سيطرة الإنجليز على الخليج.حاول الإنجليز السيطرة على منطقة الخليج بما فيها الإمارات وذلك بالمعاهدات وبسياسة اللين والتودُّد. غير أنهم لم يتورعوا من استخدام القوة، فقد استخدموها عندما شعروا بالتهديد أو المقاومة لسياساتهم بالمنطقة. وقد حدث أن ضربت بعض القطع البحرية الإنجليزية رأس الخيمة بالمدافع عام 1806م وأنزلت جنودها هناك لإخضاع القواسم الذين عُرفوا بالشجاعة والإقدام وبدأوا بنشر الوعي الإسلامي الذي يعارض سيطرة الإنجليز.

ولم يمنع هذا الضرب القواسم من مقاومة الوجود الإنجليزي بالإمارات فاستمروا في ضرب الإنجليز كلما وجدوا فرصة لذلك. وشعر الإنجليز أن سياسة المهادنة لم تنجح فلجأوا مرة ثانية إلى العنف وأرسلوا حملة عسكرية عملت على هدم معاقل القواسم ومراكز تجمعهم. وكان الإنجليز يسمون هذه المقاومة المشروعة القرصنة حتى يستحلوا ضربها أمام الرأي العام العالمي. وكان لهم ما أرادوا؛ فقد استطاعوا أن يقضوا قضاء كاملاً على المقاومة العربية التي كانت متمركزة في رأس الخيمة، والتي كان يقودها القواسم. حدث ذلك رغم صمود القواسم وشجاعتهم النادرة، ودفاعهم المستميت؛ فقد كانت الأسلحة الحديثة المدمرة أكثر فاعلية من الشجاعة والإقدام في تلك المعركة غير المتكافئة.

وانتهت بذلك مقاومة الإنجليز في الخليج، وعقدت بريطانيا عام 1820م معاهدة مع شيوخ الإمارات والساحل العماني، وباتت الإمارات تحت الحماية البريطانية.

abo rashid
06-09-2006, 12:44 PM
استقلال الإمارات العربية
انتشر الوعي بخطورة الاستعمار في العالم العربي وبدأت الأقطار الأوروبية نفسها تنتقد بعضها في استعمار البلاد الأخرى، فاضطرت حكومة العُمال البريطانية أن تعلن انسحابها من الخليج قبل عام 1971م. وكان لهذا الإعلان دور كبير في قيام اتحاد الإمارات، إذ أن شيوخ الإمارات كانوا يدركون جيدًا أنهم سيكونون ضحية للأطماع المختلفة إذا ظلوا متفرقين؛ فقد عرفوا طمع الهولنديين والبرتغاليين والفرنسيين والإنجليز. وكان الإنجليز قد احتكوا بالعرب في الخليج عدة مرات بل إنهم كانوا يقومون بتفتيش البيوت بحثًا عن السلاح، كما أنهم قاموا بضرب دبي في 21 ديسمبر عام 1910م، وحطموا كثيرًا من المنازل بالمدافع، إلى غير ذلك من أعمال برّروها بالبحث عن السلاح، أو استتباب الأمن أو محاربة القرصنة أو الرقيق.

وبعد اجتماعات ولقاءات عديدة، تم في اليوم الثاني من ديسمبر عام 1971م إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة (ست إمارات) فاستقلت بذلك عن الإنجليز وانتهت فترة الحماية البريطانية وتولي شؤونها الخارجية. وفي 10 فبراير 1972م، انضمت إمارة رأس الخيمة للاتحاد. وأصبحت الدولة الحديثة يوم إعلانها الدولة الثامنة عشرة في جامعة الدول العربية والعضو الثاني والثلاثين بعد المائة في الأمم المتحدة.

وكان المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات، قد انتخب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي، رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة خمس سنوات والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي نائبًا للرئيس للمدة نفسها، وعين الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رئيسًا لمجلس الوزراء الاتحادي. وكان للشيخ زايد القدح المعلى في توحيد الإمارات السبع، وتمكن بمساعدة أخوته حكام الإمارات من تسخير الثروة النفطية في بناء دولة غنية مزدهرة لها علاقات طيبة مع جميع الدول العربية والإسلامية ودول العالم الأخرى.


الاتحاد الإماراتي
تتكون دولة الإمارات العربية المتحدة من سبع إمارات نورد فيما يلي وصفًا موجزًا لكل واحدة منها.


إمارة أبو ظبي.أكبر الإمارات مساحة؛ فمساحتها تبلغ 73060كم² أي تساوي أربعة أضعاف مساحة الكويت وقطر والبحرين مجتمعة. ولها ساحل يبلغ طوله 400كم وبها 200 جزيرة أهمها جزيرة أبو ظبي التي بها عاصمة البلاد، وجزيرة داس، وجزيرة بني ياس، وجزيرة دلما. وبها جزيرة صناعية فولاذية تزن 4,000 طن تشمل مهبطًا للطائرات المروحية.

ويتكون أغلب سكان الإمارة من المسلمين السنيين مع قليل من الشيعة. وينقسم سكان الإمارة إلى أربع قبائل هي: المناصير والعوامر والظواهر وبني ياس، التي تُعدّ من أهم القبائل، فمنها يتفرع آل نهيان حكام إمارة أبو ظبي.

وتُعدّ أبو ظبي العاصمة أهم مدن الإمارة، وهي مدينة كبيرة بها مطار وميناء كبيران. وبها جسر كبير اسمه جسر المقطع. وتلي أبو ظبي مدينة العين التي أنشئت فيها جامعة الإمارات عام 1977م. ومدينة العين ليست مدينة ساحلية بل تقع إلى الداخل وفيها ينابيع ومياه عذبة. وبهذه الإمارة أيضًا منطقة الظفرة التي تسمى محاضر ليوا وبها كثير من الأبراج والقلاع القديمة التي قاوم منها الخليجيون الغزاة والمستعمرين.


إمارة دبي. تبلغ مساحة إمارة دبي 3,900كم² وهي أجمل إمارات الخليج، ولها أسماء عدة تصف جمالها أهمها اسم عروس الخليج. وتقع إلى الشمال الشرقي من جزيرة أبو ظبي وبها خليج صغير يقسم البلد إلى جزءين؛ الجزء الشمالي ويسمى ديرة دبي وهو الأكثر أهمية من الناحية التجارية، ففيه أغلب السكان وبه الشركات الضخمة والبنوك والمحلات التجارية والمباني الشاهقة والفنادق العالمية. أما الجزء الجنوبي، ففيه الجمارك والمدارس والشرطة، وقصر أمير البلاد.

وبإمارة دبي مجمع الحديد والصلب ومجمع الألمنيوم ومنطقة صناعية كبرى. وأول حاكم لإمارة دبي بعد الاتحاد هو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وقد تولى الإمارة منذ عام 1958م. وقد اختير نائبًا لرئيس دولة الإمارات العربية منذ الثاني من ديسمبر عام 1972م.

أما قبائل دبي فأهمها قبيلة بني ياس التي تضم البوفلاسة التي تنتمي إليها الأسرة الحاكمة. ومن القبائل الأخرى البومهير والمناصير والبحارنة والمزاري والشويهيون.

وأهم الحرف التي يمارسها أهل هذه الإمارة الزراعة والتجارة وصيد الأسماك والرعي.


إمارة الشارقة. تبلغ مساحة إمارة الشارقة 2,600كم² وهي تتوسط الإمارات العربية المتحدة، ولها أهمية استراتيجية عسكرية بسبب موقعها الجغرافي، حيث إنها تطل على كل من الخليج العربي وخليج عمان. وقد اكتشفت بريطانيا هذه الأهمية فأنشأت فيها أول مطار دولي في منطقة الساحل أثناء الحرب العالمية الثانية. ويبلغ طول ساحلها نحو 16كم.

ويتبع الشارقة على الساحل الشرقي على خليج عمان ثلاث مناطق هي كلبا، وخور فكان، ودبا. وبهذه الإمارة عدد من الجزر أهمها الحمرية وأبو موسى وصير بونعير.

ويحكم إمارة الشارقة شيوخ من قبيلة القواسم الشهيرة. أما القبائل الأخرى بإمارة الشارقة، فتشمل البومهير وبني ياس والنقبيين وآل علي والمطاريش والنعيم والشويهيين والهوالة.

وأهم المدن بهذه الإمارة الشارقة وهي العاصمة، وفيها مقر الحاكم. وتقع على الساحل وبها جميع الدوائر الحكومية، وفيها طرق معبّدة حديثة، ويتوسطها طريق العروبة الذي يربط جميع الإمارات العربية المتحدة.

أما المدينة الثانية بإمارة الشارقة فهي مدينة الخان، وهي مدينة ساحلية تقع إلى الجنوب من مدينة الشارقة. وفيها مصنع كبير لتعليب الأسماك، وبعض الفنادق والقلاع القديمة.

والمدينة الثالثة في إمارة الشارقة هي بلدة الليلة وهي ميناء الشارقة الرئيسي الذي يسمى ميناء خالد. وإلى الجنوب منها تقع واحة الذيذ التي هي أخصب مناطق الإمارة.

وأهم مدن المنطقة الشرقية المطلة على خليج عمان مدينة خورفكان الميناء الرئيسي للمنطقة الشرقية من إمارة الشارقة. وبها مطار ومدارس وعدد من الدواوين الحكومية. وتلي مدينة خورفكان مدينة كلبا التي تتميز بمناخها اللطيف ومياهها الوافرة وبتربتها الجيدة، وبوقوعها في منطقة زراعية.

والمدينة الثالثة في الساحل الشرقي للإمارة هي مدينة دبا وتقع إلى الشمال من مدينة خورفكان. وهي مدينة رائعة الجمال.


إمارة رأس الخيمة.تبلغ مساحة هذه الإمارة 1,700كم² وتطل على الخليج العربي. ولها ساحل يبلغ طوله 64كم. وبها عدد من الجزر أهمها طنب الكبرى وطنب الصغرى. ولهذه الإمارة موقع متميز، ومناخها جميل لأنها مرتفعة عن سطح البحر.

وبها مياه كثيرة وأراضٍ زراعية وكانت مقرًا للقواسم الذين قاوموا الإنجليز، فدمروها.

وأهم مدن الإمارة مدينة رأس الخيمة وفيها عدد كبير من الحصون والأبراج، كما يوجد فيها قصر الحاكم والدوائر الحكومية. وتليها في الأهمية مدينة شعم التي تقع على بعد 30كم إلى الشمال من رأس الخيمة. وهي مشهورة بمياهها العذبة وإنتاجها الزراعي.

ومن المدن المهمة بإمارة رأس الخيمة مدينة الرمس وبها قلعة قديمة، ومن مدن الإمارة أيضًا خور خوير التي تحتوي على ميناء ومصنع للإسمنت. ومنها كذلك مدينة الدقواقة التي اشتهرت بمدرستها الزراعية التي تخرج الفنيين الزراعيين وتوجد بالقرب منها ـ على بعد 35كم ـ منطقة خت السياحية التي تتميز بينابيع مياهها الحارة.

وأهم قبائل الإمارة قبيلة القواسم التي تنتمي إليها الأسرة الحاكمة وتليها قبيلة حبوس وقبيلة الشحوح.


إمارة أم القيوين. تبلغ مساحة أم القيوين 780كم² وتقع على الساحل الغربي للخليج العربي. وأهم مدنها مدينة أم القيوين وفيها مقر الحاكم والدوائر الحكومية وعدد من المدارس والمصارف والشركات. وقد اشتهرت بوجود نادي التزلج المائي وهو الأول من نوعه في كل المنطقة.

وتليها في الأهمية مدينة فلج المعلا التي تقع على بعد 50كم إلى الجنوب الشرقي من العاصمة أم القيوين في منطقة زراعية خصبة.

ومن المناطق الجميلة بالإمارة جزيرة السينية التي تبلغ مساحتها 900كم² وقد اشتهرت بطيورها النادرة وأصدافها الجذابة.

ويوجد على طول ساحل هذه الإمارة عدد من القلاع والحصون الأثرية المزودة بعدد من المدافع القديمة.

أما أهم قبائل هذه الإمارة فهي قبيلة آل علي التي تنتسب إليها الأسرة الحاكمة، وقبيلة البومهير وقبيلة الجفالة.

وأهم حرف أهل الإمارة صيد الأسماك فهناك أنواع تجارية جيدة على شاطئ الإمارة. ومن أهم ما يصيدون سمك السردين الذي يُجفَّف قبل تصديره.


إمارة الفجيرة. تقع إمارة الفجيرة على خليج عُمان، وهي الإمارة الوحيدة بين الإمارات العربية المتحدة التي تطل بأكملها على هذا الخليج. وتبلغ مساحتها 1300كم². ولها ساحل رملي يبلغ اتساعه في بعض المناطق 32كم وأغلب بقية الأراضي جبلية تتخللها أودية مليئة بمياه الأمطار. وهناك بعض المناطق الخصبة على ساحل الإمارة.

أما جوها فحار جدًا وكثير الرطوبة في فصل الصيف. ومن أهم مدن الإمارة مدينة الفجيرة وهي العاصمة وتقع على البحر ولها ميناء ضخم ومشروع كاسر الأمواج.

والمدينة الثانية في الأهمية بعد العاصمة مدينة الغرفة وهي مركز تجاري مهم وبها أسواق ومدارس ومستشفيات.

أما المدينة الثالثة، فهي مدينة دُبا الحصن وهي مدينة هادئة وجميلة وقعت فيها أحداث الردة التي سبق ذكرها.

وأهم قبيلة بالإمارة قبيلة الشرقيين التي تسمى أيضًا المساكرة وهي من القبائل اليمنية القديمة التي هاجرت إلى هذه المنطقة بعد أن انهار سد مأرب. ويعمل أغلب سكان الإمارة في صيد الأسماك، وفي الزراعة.


إمارة عجمان. تبلغ مساحة إمارة عجمان 260كم² وهي من أصغر الإمارات مساحة وأقلها سكانا. وأغلب أراضيها رملية، وتوجد بها بعض المناطق الجبلية القليلة. وبالإمارة مياه عذبة كثيرة كما أن هواءها لطيف مما جعلها تشتهر باسم مصيف الساحل.

وكان للشيخ راشد بن حميد النعيمي الذي ظل يحكم الإمارة منذ عام 1928م دور كبير في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. وتنتسب الأسرة الحاكمة إلى قبيلة النعيمي التي اشتهرت بمقاومتها للاستعمار الأوروبي خلال القرن السادس عشر الميلادي.

وأهم مدن الإمارة مدينة عجمان، العاصمة. وهي مقر الحاكم وبها الدوائر الحكومية والشركات الوطنية والأجنبية والمدارس والمصارف والمستشفيات.

والمدينة الثانية مدينة المنامة، وتقع في منطقة زراعية. ومنازل المدينة مطلية باللون الأبيض وتشبه الدار البيضاء بالمغرب.

أما المدينة الثالثة، فهي مدينة مصفوت، وهي أيضًا تقع في منطقة زراعية. وتوجد قلعة كبيرة على أعلى جبالها تشرف على المدينة.

وأهم قبائل الإمارة قبيلة النعيمي التي سبق ذكرها، وقبيلة آل بوكليبي وقبيلة المسائبة وقبيلة الشقوص وقبيلة البومهير.

ويعمل أغلب سكان إمارة عجمان في صيد الأسماك، وصناعة السفن، وفي الزراعة والتجارة ورعي الماشية.

وقد أوْضحت الإحصاءات العالمية عام 1996م أن دخل الفرد في الإمارات العربية المتحدة يتراوح ترتيبه بين المركزين الأول والثالث على مستوى دول العالم، وتليها الكويت ثم سويسرا. ولا تزال حكومة دولة الإمارات العربية تسعى لتحقيق المزيد من التقدم والإنجازات.

abo rashid
06-09-2006, 12:49 PM
عُمَان، تاريخ. عُمَان دولة عربية، وهي إحدى دول الخليج العربي، تقع في الركن الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربية. ولهذا الموقع أثره البالغ في تاريخ عمان بل في تاريخ المنطقة المحيطة بها. أقام بها في الأزمنة السحيقة العماليق وقبيلة عمان بن هود التي أخذ عنها اسم السلطنة وقبيلة ثمود، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، ثم هاجر إليها بعض العرب القحطانيين من الأزد وغيرهم.

جابت السفن العمانية البحار والمحيطات وكانت لها اتصالات عديدة مع الخليج العربي وبقية بلدان شبه الجزيرة العربية وشرقي إفريقيا وشرقي آسيا، مما جعلها مركزًا تجاريًا مرموقًا يجمع بين منتجات مصر الفرعونية وشرقي إفريقيا من ناحية، ومنتجات الصين والهند وبلاد الرافدين من ناحية أخرى، ومنتجاتها التجارية والبحرية والزراعية وخاصة اللبان.


تاريخ عُمَان القديم
عُرفت منطقة عمان في التاريخ القديم باسم مجان. فقد ورد هذا الاسم في النقوش السومرية والأكادية من وادي الرافدين (العراق القديم) ودلمون وملُّوقا، منذ الألف الثالث قبل الميلاد. والمعروف الآن هو أن دلمون تشمل جزيرة البحرين كما تشمل جزيرة فيلكة وساحل الجزيرة العربية المقابل لهما. أما ملُّوقا فالمرجح أنها الهند. وإن كانت تفاصيل التاريخ القديم لمجان (عمان) غير معلومة، فمما لا شك فيه هو أنها كانت مصدرًا لمواد أساسية في اقتصاد وادي الرافدين، ووسيطًا تجاريًا مُهِمًا للمواد التي انبنى عليها الاقتصاد الرافدي. فقد عُرفت مجان (عمان) بإنتاج النحاس وتصديره لوادي الرافدين. أما السفن الآتية إلى وادي الرافدين من مجان (عمان) ودلمون فقد كانت تؤدي دور الوسيط التجاري مع ملوقا حيث كانت تجلب لوادي الرافدين النحاس وحجر الديوريت والعقيق والبصل والتوابل والأخشاب، وكان خشب الساج المستورد من الهند، ذا أهمية كبرى في بناء السفن. وعرفت عمان باسم مزون لوفرة الموارد المائية فيها في فترات تاريخية سابقة وذلك بالقياس إلى ما جاورها من مناطق.

تسكت المصادر التاريخية عن عمان لفترة طويلة من الزمن، لكن هذا السكوت لا يعني وقوفها بمعزل عن الأحداث التاريخية في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، لأهمية هذه المنطقة في الصلات بين الهند وآسيا من جهة، والعالم القديم في الشرق وأوروبا من جهة أخرى. ونتيجة اهتمام البطالمة المتأخرين في مصر بتجارة البحر الأحمر، أملاً منهم في تحويل تجارة الهند إليه، ساعدت موانئهم وسواحلهم في تنشيط دور العمانيين على بحر العرب والمحيط الهندي في تجارة مصر البطلمية مع الشرق. كما يبدو أن تزايد أهمية منطقة عُمان لتوسطها بين الهند والشرق الأوسط أدى إلى احتلال الفرتيين رأس الخليج بعد 140 ق.م، واتخاذ منطقة صحار، مركز منطقة الباطنة في عمان كمركز مرموق. وزاد اهتمام الفرس بعمان بعد سقوط دولة الفرتيين نحو 225م وحلول دولة الساسانيين محلها. فقد كانت سياسة الساسانيين هي تحويل تجارة الهند من البحر الأحمر إلى الخليج العربي وخليج عمان مرة أخرى. لذا كان لا بد لهم من السيطرة على موانئ عمان. ولما انتعشت تجارة الحرير، كان الساسانيون مسيطرين على الطريقين البري والبحري إليها.

تروي كتب التاريخ عن نزوح قبائل عربية عديدة إلى عمان والاستقرار فيها منذ تاريخ موغل في القدم. وقد كثرت هجرات القبائل اليمنية خاصة بعد الانهيار الكبير لسد مأرب الذي حدث قبل ظهور الإسلام، في أواسط القرن السادس الميلادي.

وتذكر المصادر التاريخية أن أول هجرة منظمة وقوية هي تلك التي كانت تحت قيادة مالك بن فهم الذي كان ينتمي إلى القبائل الأزدية من نسل أزد بن الشرث بن بنت ابن مالك بن كهلان بن سبأ.


الفرس وعُمان
كانت لعمان صلات قديمة بالعالم القديم؛ فقد اشتهر العُمانيون بالملاحة واتصلوا مع آسيا وإفريقيا منذ زمن بعيد. وكان لهذا الاتصال مع إفريقيا وآسيا آثاره الإيجابية كما كانت له بعض الآثار السلبية. فانفتاح عمان أمام تلك البلاد جعل حكام تلك الأقطار يعرفون مناطق الضعف والقوة فيها. فقد استطاع الفرس حكم عُمان من عام 597ق.م حتى عام120م وهو عام حدث فيه أحد انهيارات سد مأرب حيث تفرقت القبائل العربية من اليمن واتجه بعضها فحرر عمان من حكم الفرس وغيَّر اسمها من جديد من مزون (السحابة الممطرة) كما كان يسميها الفرس إلى اسمها القديم عمان نسبة إلى كل من عمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام وعمان بن سبأ بن يخثان بن إبراهيم خليل الرحمن الذي قيل إنه أول من بنى مدينة في عُمان.


جلاء الفرس عن عمان. سار مالك بن فهم إلى عمان على رأس ستة آلاف من الجنود، واتصل بالفرس الذين كانوا قد بسطوا سلطانهم على عمان من ريسوت في الجنوب (ظفار) إلى قلهات على ساحل المنطقة الشرقية (صور). جاء مالك إلى عمان ليستقر بها، ولما عارض الفرس ذلك استعد الجانبان للقتال. وبعد قتال عنيف توصل مالك ـ بعد أن هزم الفرس ـ إلى اتفاق معهم يقضي بأن يرحلوا من البلاد خلال عام من ذلك التاريخ. وبدلاً من أن يبدأوا في الخروج طلبوا إمدادات من فارس، فوصلتهم واستعدوا لحرب مالك بن فهم وأتباعه مرة أخرى. ودار بين الجانبين قتال شديد انتهى بانتصار مالك. ولجأ كثير من الفرس إلى سفنهم وأبحروا بها لبلادهم. فاستولى مالك على عمان وغنم جميع الأموال والممتلكات التي خلّفها الفرس. وتذكر المراجع التاريخية أن مالكًا قد أحسن إلى الأسرى من الفرس فكساهم وزوّدهم وأوصلهم بالسفن إلى بلادهم. وأصبح حاكمًا على عمان وما جاورها من الأطراف، وساسها سياسة حسنة.

كثرت هجرات العرب إلى عمان وكثر عددهم فيها، وانتقل بعضهم من عمان إلى البحرين. ولم يكن هناك سلطان ولا ملك قوي في كل تلك المنطقة إلا مالك بن زهير.ومن حُسن تصرف مالك بن فهم أنه أقام معه علاقات ودية، وتزوج ابنته. وطلب أبوها أن يكون لأبنائها منه التقديم على سائر الأبناء من غيرها، ووافق مالك بن فهم على ذلك. وحكم مالك بن فهم عمان سبعين سنة، وخلفه أبناؤه. ونازع الفرس أحفاده في الملك قبل الإسلام، إلى أن آل الأمر إلى ابني الجلندي اللذين ظلا يحكمان عُمان حتى ظهور الإسلام.

abo rashid
06-09-2006, 12:49 PM
عُمان تستقبل الإسلام
أرسل النبي محمد ³ عمرو بن العاص برسالة إلى ملكي عمان جيفر وعبد ابنَيْ الجلندي يدعوهما إلى الإسلام. وقد أسلما وأسلم أهل عمان. وتولى عمرو بن العاص حكم عمان حتى وفاة النبي ³. ولما توفي النبي ³ ذهب عمرو بن العاص إلى المدينة لمبايعة الخليفة أبي بكر رضي الله عنه ومعه وفد من العمانيين. وكتب أبو بكر إلى العمانيين وشكرهم، وترك أمر حكمهم إلى ابنَيْ الجلندي عبد وجيفر، وجعل لهما أخذ الصدقات من أهلها وحملها إليه. وحَكَم عمان خلال خلافة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، عباد بن عبد بن الجلندي.

وبعد وقوع الفتنة، ووصول الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان لم يكن له سلطان على عمان. ولما تولى عبد الملك ابن مروان الأمر واستعمل الحجاج على أرض العراق، أرسل الحجاج جيشًا إلى عمان فهزمه العمانيون، وتكررت المحاولات بجيوش أخرى حتى تم النصر لبني أمية. وكانوا يستعملون على عمان من يرون من الحكام.

ولما بدأ العصر العباسي استعمل أبو جعفر المنصور جناح ابن عبادة بن قيس الهنائي على عمان. وتولى بعده الإمامة الجلندي بن مسعود، وكان سببًا لقوة المذهب الأباضي في عمان، وهو المذهب الذي أخذ اسمه من عبدالله بن أباض واستقطب منذ ذلك الحين الكثير من الأتباع إلى عُمان ممن جاءوا إليها من البصرة وحضرموت واليمن. واحتل القرامطة لبعض الوقت عمان وقاوموا العباسيين. وبعد أن تولى البويهيون الحكم في بغداد عام 945م شاءوا ضم عمان. فأرسل معز الدولة حملة إلى عمان عام 965م، ثم أرسل حملة ثانية عام 966م، فأبقى عمان تحت النفوذ البويهي. وهاجم السلاجقة عمان عام 1055م (447هـ) من الساحل الشرقي للخليج واستولوا عليها، وحكموها إلى عام 1135م. وفي عام 1162م، قاد أمراء هرمز حملة على عمان واحتلوها. وكان أمراء هرمز هؤلاء من أصل عرب عمان وساحل فارس. وظهرت قبائل بنو نبهان بوصفها قوة سياسية في عمان في ذلك الحين.

ولم تستطع الإمامة كسر نفوذ النبهانية فاستمروا يحكمون لعدة قرون، وانقسمت عمان إلى منطقتي نفوذ قبلي وطائفي بين الغوافر والهناوية.


الأوروبيون في عُمَان
كان البرتغاليون هم أول من وصل إلى الشرق من الأوروبيين، وكانوا يقصدون الهند للتجارة. وبتعرفهم على عمان وموقعها المتميز قرروا السيطرة عليها لتأمين خطوط تجارتهم إلى الهند، وفي منطقة الخليج كله. فلعمان موقع جغرافي متميز، وللبلد حصانة متينة، حيث تحدها الحواجز الطبيعية؛ فهي محاطة من الشمال والشرق والجنوب بالخليج العربي وخليج عمان والبحر العربي، وهي محاطة من جهة الغرب بالرمال التي تُعد امتدادًا للربع الخالي. أما طبيعة أرضها فتنقسم إلى ثلاثة أقسام: المنطقة الأولى هي المنطقة التي تقع على الساحل بطول 1700كم وهي منطقة خصبة. والمنطقة الثانية هي منطقة الجبال. وفي هذه المنطقة جبال عالية وعرة. أما المنطقة الثالثة فهي المنطقة الصحراوية. وهي منطقة جرداء قاحلة تقل فيها مظاهر الحياة المطلوبة.

وقد جذب ساحل عمان الخصب البرتغاليين فاحتلوا البلد عام 1507م غير أن العمانيين لم يستسلموا للمستعمر بل جمعوا قواتهم واتحدوا وحاربوا البرتغاليين وأخرجوهم من عمان عام 1650م. وامتد سلطان عمان بعد ذلك من سواحل جنوب غرب آسيا في المحيط الهندي إلى الساحل الشرقي لإفريقيا. وأقام العمانيون عددًا من المراكز التجارية في إفريقيا وجوادر ومكران في بلوشستان.


العُمانيون في زنجبار
كانت السفن العمانية تتنقل بين إفريقيا وآسيا منذ تاريخ قديم تحمل التجارة والتجار. وقد استقر بعض العرب (من عمانيين وغيرهم) بشرق إفريقيا كما استقر معهم بعض الهنود والإيرانيين. واختلط كل هؤلاء فكونوا من يعرفون الآن بالسواحليين في شرق إفريقيا.

وقد ازداد عدد العمانيين في إفريقيا بعد ظهور الإسلام، وبروز الدولة الأموية، فأقام حكام عمان في زنجبار عام 684م، ولحقتهم مجموعات أخرى عام 122هـ، 739م، وهي مجموعة من أهل اليمن وبالذات من المهرا وحضرموت وسقطري.

كان البرتغاليون يسيطرون على التجارة والملاحة على السواحل الإفريقية والآسيوية. وقد حاربهم الإنجليز وهزموهم في معقلهم في جزيرة هرمز عام 1622م. وفي عام 1624م انتخب الإمام ناصر بن مرشد اليعربي إمامًا على عمان، وتمثل حقبة الإمام ناصر بداية دولة اليعاربة. وأعقب ناصر بن مرشد اليعربي سيف بن سلطان اليعربي المعروف باسم قيد الأرض عام 1649م. واستطاع الأخير أن يطرد البرتغاليين من مسقط وطاردهم حتى الهند وسواحل شرق إفريقيا وأخرجهم من زنجبار ولنجة وغيرها من المناطق الإفريقية والآسيوية.

وكان أهل ممبسا قد ثاروا على البرتغاليين مستنجدين بالعمانيين لحمايتهم. واستمر العمانيون يحكمون زنجبار وتجوب أساطيلهم السواحل الإفريقية مسيطرة عليها لأمد طويل من الزمن. انظر: زنجبار.


مابعـد الاستقلال
اتحدت أراضي بلاد عمان تحت ظل حكم أسرة البوسعيد. وقد بدأ حكم هذه الأسرة لعمان منذ عام 1744م عندما تمت مبايعة الإمام أحمد بن سعيد والي صحار إماماً لعمان. ولازالوا يحكمونها إلى اليوم في ظل أسرة آل سعيد الحاكمة. وبعد أن توفي الإمام أحمد بن سعيد في عاصمة الرستاق عام 1198هـ، 1783م، نقل حفيده حمد الذي حكم بين عامي 1784 و1792م العاصمة من الرستاق إلى مسقط لتستقر فيها حتى الآن. وكان اسم البلاد هو مسقط وعمان، وتغير هذا الاسم عام 1970م ليصبح اسمها سلطنة عمان، اتفاقا مع اسم البلاد الصحيح المعتاد، وأصبحت مسقط العاصمة.

كان العمانيون قد وقّعوا اتفاقات مع البريطانيين في عام 1798م تحدد نوع العلاقات بين البلدين. وكان هدف الإنجليز الأول هو ضمان سيطرتهم على الملاحة في المحيط الهندي، وسلامة الخط البحري التجاري الذي يربط إنجلترا بالهند وتسيير أعمال شركة الهند الشرقية التابعة لهم.

اشتهرت عمان بقوتها البحرية وأساطيلها العسكرية. وكانت سفنها الكبيرة تمخر عباب البحار، تنقل التجارة بين الهند وبلاد العرب وسواحل إفريقيا. غير أن تلك السفن بدأت تقل منذ بداية القرن الثامن عشر الميلادي حين وصلت السفن الأوروبية الكبيرة إلى المنطقة، وطغت على السفن المحلية في نقل التجارة. وكانت السفن الأوروبية تعمل بمحركات وتُدفع بالطاقة البخارية، ولها سرعة فائقة.


التاريخ الحديث لعمان
يعتبر يوم 23 يوليو من عام 1970م، عندما تولى جلالة السلطان قابوس بن سعيد حكم البلاد، بداية انطلاق النهضة العمانية الحديثة حيث انتقلت مظاهر الحياة في البلاد نقلة حقيقية من دولة قديمة إلى دولة عصرية لها أنظمتها الإدارية، ومؤسساتها المختلفة من تعليمية وصحية وزراعية وتجارية وسياسية واقتصادية وغيرها. إضافة إلى ذلك فإن عمان قد انتهجت نهجًا حديثًا في إيجاد علاقات متينة مع سائر دول العالم عامة، وجيرانها بصفة خاصة. فقد أصبحت عضوًا في الأمم المتحدة وفروعها المنبثقة عنها. كما أنها أقامت علاقات وطيدة مع الدول العربية عامة، وانضمت إلى جامعة الدول العربية. وفي عام 1981م كانت من المؤسسين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يشمل تعاونه مختلف المجالات ومنها الدفاع والمشاريع المشتركة.

abo rashid
06-09-2006, 12:52 PM
اليمن، تاريخ. اليمن دولة عربية تقع في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة العرب، يحدها جنوبًا بحر العرب، وشمالاً المملكة العربية السعودية، وغربًا البحر الأحمر، وشرقًا عُمان. وتشمل هذه الحدود بلاد اليمن الموحدة التي تضم ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية، واليمن الجنوبي أو الذي أطلقت عليه بريطانيا اسم عدن ومحمياتها، أو ما عرف ولفترة طويلة باليمن الجنوبي المحتل من قبل بريطانيا. وقد سُمِّي بعد الاستقلال باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وظل اليمن الشمالي يطلق على اليمن الجنوبي اسم الجنوب اليمني لأن هذا الجزء أرض يمنية لا تنفصل عن اليمن، وقد فصلته بريطانيا لأسباب وظروف استعمارية طارئة.

تبلغ مساحة اليمن الموحد بحوالي 527,968كم². ويقدر سكان اليمن بحوالي21.426.000 نسمة.

يتميز سطح شمال اليمن بكونه منطقة جبلية مرتفعة يحدها سهل ساحلي ضيق في الغرب، يعرف بسهل تهامة اليمن. ويمتاز مناخ هذا القسم من اليمن بأنه بارد في الشتاء، ومعتدل في أيام الصيف. أما السهل فمناخه حار رطب صيفًا، دافئ في وقت الشتاء. وتسقط الأمطار على هذا الجزء من اليمن في فصل الصيف بسبب هبوب الرياح الموسمية الغربية.

أما سطح جنوب اليمن، فهو سهل ساحلي يحاذي بحر العرب ويمتد من الغرب إلى الشرق، بالإضافة إلى المرتفعات التي تقع في شمالي السهول الساحلية. ومعروف أن المرتفعات الغربية هي أكثر ارتفاعًا من المرتفعات الشرقية التي هي في أغلبها هضاب تتخللها أودية، أكبرها وأهمها وادي حضرموت. وهناك صحَارَى في داخل اليمن الجنوبي تلي المرتفعات شمالاً. ومناخ الجزء الجنوبي من اليمن شديد الحرارة ورطب في الصيف، ودافئ في الشتاء. وأمطار هذا القسم من اليمن تسقط في فصل الصيف لوقوعه في مهب الرياح الموسمية.

في اليمن عدد من المدن تأتي في مقدمتها مدينة صنعاء وتقع في وسط البلاد، ويتزايد عدد سكانها تدريجيًا بسبب انتقال الهجرة إليها للعمل والتجارة. وهي مدينة جبليّة مرتفعة، ترتفع عن سطح البحر بحوالي 7,000 قدم. وهي عاصمة البلاد ومن أقدم المدن العربية وتشتهر بتاريخها الطويل العريق. وكانت تسمى في الجاهلية باسم أزال. وفي المدينة جامع كبير بني في زمن الرسول ³، وقام الوليد بن عبدالملك، الخليفة الأموي بتوسعته، ووسعه أيضًا غيره ممن حكموا البلاد اليمنية. وفي صنعاء مكتبة عربية قديمة، فيها كتب ومخطوطات نفيسة نادرة. وهي مركز للنشاط التجاري في اليمن، وفيها دوائر الحكومة اليمنية. ومدينة تعز، المدينة الثانية لليمن الشمالي، تقع في منطقة جبلية، وترتفع عن سطح البحر حوالي 4,000 قدم. وتقع في الجنوب من صنعاء، وتشتهر بزراعة البن اليمني الذي يصدر إلى الخارج من ميناء المخا. ومدينة الحديدة مدينة ساحلية على البحر الأحمر، ومركز تجاري مهم، وأكبر موانئ اليمن على البحر الأحمر. هذا بالإضافة إلى مدن: صعدة، وإب، وذمار، وزبيد، وبيت الفقيه وغيرها.

وتوجد في اليمن الجنوبي مدينة عدن، عاصمة الجزء الجنوبي من اليمن وميناء تجاري ومحطة ممتازة لتزويد السفن بالوقود. ويوجد فيها مطار، وفيها أيضًا معمل لتكرير النفط. ولموقع عدن أهمية استراتيجية واقتصادية. ومدينة المكلا، الميناء الشرقي للبلاد، له أهمية خاصة بالنسبة لحضرموت.

ومن موانئ اليمن: الحديدة، والمخا، والصليف، وعدن، والمكلا. ومن جزرها كمران، وحنش، وبريم، وسوقطرى وغيرها. وفيها مضيق باب المندب، وعدد كبير من الأودية مثل وادي زبيد، ووادي سهام، ووادي بنا، ووادي ورزان، ووادي الخارد، ووادي حضرموت وغيرها من الأودية الأخرى.

ينحدر سكان اليمن من عرب الجنوب المعروفين بالقحطانيين، وينتمون إلى أعرق الأصول العربية. وجميع السكان عرب مسلمون، وفيهم أتباع المذهب الزيدي، ويقطنون المناطق الجبلية. أما باقي السكان فهم سنيون شافعيون، ويتمركزون في محافظات إب وتعز والحديدة وفي تهامة والسواحل الجنوبية. ويعتز اليمنيون بعروبتهم، وأن اليمن الموطن الأول للعرب، ولعله الموطن الأصلي للشعوب السامية التي خرجت من الجزيرة العربية باتجاه الشمال. ويتكلم اليمنيون اللغة العربية.

اليمن بلد صالح جدًا للزراعة بأنواعها، ففيه أنواع المزروعات المختلفة، حيث تزرع أشجار الفواكه بأنواعها في الجبال والمناطق المرتفعة كالبرتقال والليمون والخوخ والمشمش والموز والتفاح والكمثرى والتين والعنب وغيرها. وتزرع في سهوله وضفاف أوديته الحبوب من قمح وشعير ودخن وذرة وعدس. بالإضافة إلى زراعة الخضراوات والبن والقات والقطن. وفي اليمن ثروة حيوانية.

ويصدر اليمن البن اليمني المشهور عالميًا. وقد عرف البن في اليمن منذ عام 950هـ،1540م، واهتم سكان اليمن بزراعته في المنحدرات اليمنية. ويصدر البن اليمني عن طريق ميناء المخا، والمخا ميناء قديم على ساحل البحر الأحمر. ويصدر البن إلى بلاد أوروبا مثل إيطاليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا، وإلى مناطق الشرق الآسيوي كالهند والصين. واشتهرت المخا بأنها مركز تصدير البن اليمني. ويصدر اليمن كذلك البخور.

وفي اليمن ثروة معدنية، ففيه معادن كثيرة كالذهب والحديد والرصاص والنحاس والكبريت والملح والفحم الحجري والنفط. وهناك شركات نفط أمريكية تنقب عن النفط في اليمن، خاصة في المنطقة الساحلية. وبالفعل فقد بشرت النتائج عن اكتشاف النفط في اليمن، خاصة في المنطقة الشرقية. وفي عدن مركز لتكرير النفط له أهمية كبيرة في مناطق جنوبي الجزيرة العربية.

يعمل سكان اليمن بالزراعة التي تكثر في مناطق الأودية. ويعمل قسم منهم في الرعي خاصة في مناطق سفوح الجبال. وهناك فئة من سكان اليمن تعمل في صيد الأسماك في السواحل اليمنية، ويقوم اليمنيون بتمليح الأسماك وتجفيفها كي تصدر إلى الخارج. ويتركز صيد الأسماك في المناطق الساحلية حول البحر الأحمر، والبحر العربي في الجنوب. وهناك فئة من سكان اليمن تعمل في التجارة، واليمنيون قوم مشهورون بالتجارة منذ القدم، خاصة الحضارمة منهم. والشعب اليمني يحب الهجرة بسبب العمل والكسب، فمنهم أعداد كبيرة في إندونيسيا، وفي أرجاء العالم العربي، وفي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد توارث اليمنيون مهنة التجارة والرحلات الخارجية عن أجدادهم القدماء الذين كانوا يمارسون التجارة ويجوبون البحار والأقطار في معظم القارات، نظرًا لموقع بلادهم المهم على الطرق التجارية الرئيسية: البرية والبحرية. وهناك فئة من سكان اليمن تعمل في الصناعات اليدوية مثل: صناعة المنسوجات، والأواني النحاسية، والخناجر والسيوف اليمانية، والأحذية والقرب، ودبغ الجلود وغيرها من الصناعات الخفيفة.


تاريخ اليمن القديم
ازدهرت في اليمن قديمًا دول وممالك ذات حضارات عريقة، ويعود ذلك إلى حوالي عام 1300ق.م. فنشأت فيه الدولة المعينية، والدولة القتبانية والدولة السبئية والدولة الحميرية. وقد ظهرت آثار هذه الدول وحضاراتها وتاريخها من خلال مجموعة النقوش والمخلفات المكتوبة عنها، وما أكثرها. وركز الباحثون والرحالة الأجانب والمستشرقون على دراسة تاريخ اليمن القديم. وكانت تلك الدول تمتد باتجاه الشمال في مناطق شبه الجزيرة العربية. ووجدت في اليمن قديمًا إنجازات حضارية رائعة في مجال الاقتصاد والعمران، فهناك القصور اليمنية القديمة، وهناك سد مأرب الذي انهار فيما بعد فكان سببًا في إضعاف الحياة الاقتصادية الزراعية في اليمن السعيد، مما اضطر السكان إلى الهجرة من اليمن باتجاه الشمال. وقد تعرض اليمن لغزوٍ خارجي حبشي وفارسي.

abo rashid
06-09-2006, 12:53 PM
الإسلام في اليمن
انتشر الإسلام بسرعة في اليمن، وكان أهل اليمن من الأوائل الذين آمنوا بما جاء به الرسول الكريم ³. وساهم اليمنيون كذلك في نشر الدعوة الإسلامية في خارج اليمن خاصة في شرق إفريقيا. ويعود دخول أهل اليمن في الإسلام إلى عهد الرسول الكريم ³، عندما أرسل عليًا بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن، فاستجاب لهما أهل اليمن في الحال وبدون تردد أو معارضة. ودخل سكان اليمن في الجند الإسلامي الذي شارك في فتح بلاد الشام وغيرها. وظهر في اليمن عدد من العلماء والمحدثين وكبار رجال الإسلام. وعَيَّن الرسول الكريم ³ عددًا من العمال على اليمن منهم الإمام علي ابن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبوموسى الأشعري، وخالد بن الوليد، والبراء بن عازب، وسعيد بن لبيد الأنصاري وغيرهم كثير. وكان من بين عمال الرسول ³ على اليمن وَبر بن يحنَّس الذي عمر جامع صنعاء المسمى الجامع الكبير بأمر الرسول ³. وتتابع عمال الدولة الإسلامية على اليمن في عهد الخلفاء الراشدين وبني أمية، وبني العباس.

ومن الملاحظ أن اليمن انفصل عن الخلافة العباسية في وقت مبكر جدًا، وتأسست في اليمن إمارات إسلامية مستقلة، مما حدا بالخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد إلى إرسال حملة عسكرية إلى اليمن تمكنت من إعادته إلى الطاعة العباسية. وأرسل عامله محمد بن عبدالله بن زياد واليًا على اليمن، وبدأ الوالي يستقل باليمن تدريجيًا، ويكتفي بالولاء الاسمي للخلافة العباسية في بغداد. وشملت إمارة ابن زياد مناطق الشحر وحضرموت وتهامة، وأسس دولته سنة 205هـ ، 821م، كما أسس مدينة زبيد، واتخذها عاصمة لدولته.

ظهر المذهب الزيدي في اليمن على يد يحيى بن الحسين بن القاسم الملقب بالرسي، (والرسي جبل قرب المدينة المنورة) الذي جاء إلى اليمن، واستقر في صعدة، وأخذت له البيعة، ولقب بالإمام الهادي إلى الحق. والمذهب الزيدي هو مذهب الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والزيدية فرقة شيعية كبيرة، وأتباعها في اليمن كثيرون. وكان يحيى بن الحسين بن القاسم أول إمام زيدي حكم اليمن.

قامت دولة أخرى في اليمن هي دولة بني يَعْفُر حكمت من عام 252هـ، 866م إلى عام 394هـ، 1003م، وقد نشأت أثناء فترة حكم الدولة العباسية. وظهرت تلك الدولة في شبَام ثم في صنعاء في عهد أسعد ابن أبي يعفر الحوالي، ثم امتدت إلى حاشد في الشمال، وإلى مخلاف جعفر والجند والمعافر في الجنوب. ويعدّ حكم السلطان أسعد بن أبي يعفر من أطول فترات حكم سلاطين بني يعفر.

تأسَّست دولة بني نجاح المملوكية في اليمن، وحكمت تلك الدولة فترة امتدت من عام 410هـ، 1019م، أي من بعد نهاية حكم بني يعفر حتى عام 552هـ، 1158م. وتنسب الدولة الجديدة هذه إلى نجاح مولى بني زياد الذي تسلم السيادة في منطقة تهامة في اليمن، وأعلن نفسه سلطانًا على المنطقة، وقدم ولاءه للدولة العباسية التي أجازت حكمه، ولقبته بالمؤيد نصير الدين. والمعروف أن بني نجاح من أصل حبشي.

كما نشأت في اليمن دولة بني الصليحي نسبة إلى علي بن محمد بن علي الهمداني الصليحي مؤسس الدولة الصليحية الفاطمية، وقد نادى بالدعوة باسم الخليفة المستنصر العبيدي الفاطمي في مصر، وقامت تلك الدولة في ظل وضع سادت فيه الفوضى والاضطراب في بلاد اليمن. وحاول علي بن محمد الصليحي أن يمد دعوته الفاطمية إلى الحجاز ليقضي على الدعوة العباسية والإمارة الحسينية في مكة، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك.

ظهرت في اليمن، خاصة في الجنوب دولة بني زُرَيع عام 463هـ، 1070م، وهم ينتمون إلى المكرم اليامي الهمداني، ويعرفون ببني زريع. ويعد زريع بن العباس بن المكرم اليامي الهمداني أول سلاطين آل زريع. وظلت دولة بني زريع هذه حتى عام 570هـ، 1174م. وقد تمركزت هذه الدولة في عدن وأطرافها.

ظهرت دولة بني حاتم في صنعاء وما جاورها منذ عام 493هـ، 1099م على يد حاتم بن علي الهمداني. واستمر حكم بني حاتم حتى عام 570هـ، 1174م. وكان حاتم بن علي المهدي قد ثار على حكم الأحباش آل نجاح. وظل حكم هذه الدولة حتى عام 570هـ، 1174م.

كما ظهرت في اليمن دولة بني أيوب نسبة للأيوبيين. وقد أسس صلاح الدين نجم الدين أبو الشكر أيوب دولتهم. وبدأت فترة الحكم الأيوبي في اليمن منذ عام 570هـ، 1174م وانتهت على يد آل رسول عام 626هـ، 1228م. وبدأت بحكم السلطان المعظم توران شاه بن أيوب، وانتهت بنهاية عهد السلطان المسعود يوسف بن الكامل. انظر: الأيوبية، الدولة.

حكمت اليمن دولة بني رسول نسبة إلى آل رسول محمد بن هارون أحد وزراء الأيوبيين في مصر. وجاء بنو رسول إلى اليمن مع الجيوش الأيوبية، وادعوا نسبًا غسانيًا يعود في جذوره إلى جبلة بن الأيهم آخر ملوك دولة الغساسنة. وقيل إن بني رسول من أصل تركماني. وقد استقر عمر بن علي في اليمن وضرب العملة النقدية باسمه، وخطب له على المنابر في صلاة الجمعة، ولقب نفسه بالملك المنصور نور الدين، وأسس بذلك دولة في اليمن عرفت باسم دولة بني رسول حكمت اليمن من 1228إلى1453م. وكان أمراء بني رسول على علاقة طيبة مع دولة المماليك في مصر، ولكنهم ظلوا على عداء مع الأئمة الزيديين في صعدة في اليمن. ودارت حروب مريرة وطويلة بينهم وبين بني رسول.

ينسب أئمة اليمن من الزيديين إلى الإمام الهادي يحيى ابن الحسين بن القاسم أول إمام في اليمن، وكانت اليمن وقتذاك قد انفصلت عن جسم الخلافة العباسية. ومعظم الأئمة في اليمن ينتسبون إليه ولذلك يطلق عليهم اسم الحسينيين، وهناك عدد قليل من أئمة اليمن ينحدرون في نسبهم من الإمام الحسن بن زيد بن علي بن أبي طالب، وهناك عدد قليل جدًا من أئمة اليمن ينسبون إلى الحسين ابن علي بن أبي طالب، ويسمون بالحسينيين.

ظلت سلطة الإمامة الزيدية وقوتها في معظم فتراتها محصورة ولزمن طويل في المنطقة الشمالية من البلاد اليمنية. وعدد أئمة اليمن تسعة وخمسون إمامًا حكموا اليمن منذ عام 898م إلى 1962م، حين أطيح بحكمهم في يوم 26 سبتمبر 1962م وأعلن النظام الجمهوري.

في عدن ولحج وبعض أجزاء من اليمن، ظهرت دولة بني طاهر التي دامت في الحكم في الفترة 1454 - 1538م. وينسب حكام دولة بني طاهر إلى جدهم طاهر بن تاج الدين بن مُعوضة الأموي القرشي. وكان علي بن طاهر بن تاج الدين بن معوضة، وأخوه عامر بن طاهر عاملين على عدن من قبل سلاطين دولة بني رسول. وكانت لهم مكانة بين السكان، ولهم مركز قوي في جنوبي اليمن. وتمكن الأخوان من بسط سيادتهما على عدن في الجنوب اليمني، وأنهيا بذلك حكم دولة بني رسول فيها. وظلت علاقة حكام بني طاهر بالأئمة الزيديين علاقة سيئة. وقد بقي حكم بني طاهر في عدن حتى غزا العثمانيون عدن سنة 945هـ - 1538م، وألقوا القبض على عامر بن داود الطاهري، وأنهوا حكمه.

abo rashid
06-09-2006, 12:53 PM
العثمانيون في اليمن
تعرضت سواحل الجزيرة العربية والموانئ المهمة فيها إلى غزو برتغالي استعماري، منذ أن وصلت الكشوف البرتغالية إلى رأس الرجاء الصالح في جنوبي إفريقيا، وقد تعدت ذلك إلى الهند. فظهرت المراكب البرتغالية في منطقة البحر الأحمر عام 1505م، ووصلت خليج عدن وجزيرة سوقطرى. وقد حاول المماليك الوقوف في وجه البرتغاليين، وبنوا أسطولاً لذلك، ولكنهم هزموا في وقعة ديو في المياه الهندية عام 1509م. وهزم البرتغاليون الأسطول المملوكي في البحر الأحمر، ولجأ السلطان المملوكي إلى طلب العون من العثمانيين. وهكذا تركز الحكم البرتغالي في مناطق من البحر الأحمر، والخليج العربي، وأصبحت لهم قاعدة عسكرية وتجارية في هرمز، وهددوا بذلك التجارة العربية في المحيط الهندي، واستطاعوا بشكل تدريجي أن يحتكروا التجارة فيه، وظلوا فيه حتى عام 1032هـ، 1622م.

أصبح على الدولة العثمانية الإسلامية مهمة حماية ديار الإسلام من الغزو البرتغالي الاستعماري الذي هدد هذه الديار واحتل أجزاء منها. وقد تصدى العثمانيون للبرتغاليين بعد أن تمكنوا من دخول البلاد العربية، وأنهوا بذلك الخلافة المملوكية بعد دخولهم بلاد الشام على أثر وقعة مرج دابق عام 922هـ، 1516م، وبلاد مصر على أثر موقعة الريدانية عام 923هـ، 1517م، وأرسل الشريف بركات شريف مكة مفاتيح الكعبة والهدايا مع ابنه (أبونمي) إلى السلطان سليم الأول في مصر دلالة على تبعية الحجاز للسيادة العثمانية بشكل سلميّ.

أما بالنسبة لليمن فقد أعلن الأمير المملوكي إسكندر تأييده للسلطان سليم الأول، فأرسل السلطان سليم الأول فرمانًا يقضي باستمرار إسكندر واليًا على اليمن من قبل العثمانيين، وأمر إسكندر بذكر اسم السلطان العثماني في خطبة صلاة الجمعة. وقد تميزت الفترة بين 924- 945هـ، 1518-1538م باضطراب كبير في أحوال اليمن، ولم تكن السلطة في اليمن موحدة ومستقرة. فهناك حكم أئمة اليمن، وهناك حكم للزعامات اليمنية المحلية، بالإضافة إلى بقايا حكم دولة بني طاهر في عدن. كما أن حكم العثمانيين في مصر في حالة من الفوضى والاضطراب مما جعل الحكام العثمانيين لا يهتمون كثيرًا بأمر اليمن.

اهتم السلطان سليمان القانوني بأمر مسلمي الهند، فأرسل حملة عسكرية بحرية إلى الهند بقيادة سليمان باشا الخادم والي مصر لمقاومة البرتغاليين، والسيطرة على تجارة مناطق الشرق عام 945هـ، 1538م. وأمر السلطان القانوني قائده سليمان باشا الخادم بالتوجه إلى اليمن أثناء سير الحملة باتجاه الهند. فعرج سليمان باشا الخادم على عدن ودخلها، وأنهى بذلك حكم الأمير عامر بن داوود آخر حكام بني طاهر. وعين سليمان باشا الخادم حاكمًا على اليمن من قبله اسمه بهرام. ثم توجه بعد ذلك إلى الهند حسب مخطط سير الحملة. وقد توقف سليمان باشا الخادم في اليمن أثناء عودته من الهند، وحاول أن يوطد نفوذ الدولة العثمانية في تلك البلاد عام 946هـ، 1539م، فنظم الإدارة العثمانية في جميع مدن اليمن الرئيسية، وأقام الولاة عليها، وبناءً عليه اعتبر القائد سليمان باشا الخادم الرجل العثماني الأول الذي ركز دعائم الحكم العثماني في اليمن ونظمه تنظيمًا إداريًا عثمانيًا، كما عُدّ ذلك ابتداء الفتح العثماني لليمن، لأن النظام الإداري في اليمن، وحكامه كانوا يعملون بالأنظمة المملوكية، وكان حكام المناطق حكامًا محليين كل منهم يعمل في دائرة نفوذه وأنظمته وقوانينه. وبحلول عام 948هـ، 1541م، أطلق العثمانيون ولأول مرة لقب باشا على حاكم اليمن، ومنح رتبة إدارية عثمانية هي رتبة بيلربي (بك البكوات)، وكان قبل ذلك التاريخ يلقب حاكم اليمن بلقب بك فقط.

وعلى الرغم من السيادة العثمانية في اليمن، والتنظيم الإداري العثماني فيه، وقوة الدولة العثمانية وشبابها وقتذاك، إلا أن نفوذ أئمة اليمن من الزيديين ظل قويًا وفاعلاً، وامتد إلى مناطق كبيرة من البلاد اليمنية، خاصة في المناطق الجبلية، وحصن الأئمة الزيديون مدينة تعز التي احتلها الوالي العثماني الجديد على اليمن أُوَيس باشا الذي وصل إلى اليمن عام 953هـ، 1546م. واستطاع هذا الوالي أن يوطد السيادة العثمانية على منطقة أوسع، وخاصة في المناطق الجبلية التي لم يصل إليها العثمانيون. واستطاع الوالي أن ينظم جندًا محليًا من اليمنيين يعملون جنبًا إلى جنب مع القوات العثمانية، لكن العسكر غدروا به وقتلوه. فتولى الأمر أزدمر باشا وهو من العسكر العثمانيين في اليمن. وأزدمر باشا مملوكي من الشركس، انتظم في خدمة العثمانيين، وعين واليًا على اليمن برتبة باشا. ومن أعماله في اليمن : محاربة الأئمة الزيديين، ودخول صنعاء، وجعلها مركزًا للولاية العثمانية ومكانًا لإقامة الباشا.

ظل أزدمر هذا في الباشوية حتى عام 964هـ، 1556م، فخلفه على باشوية اليمن مصطفى باشا المعروف بالنشار، وهكذا توالى تعيين الولاة العثمانيين على اليمن بشكل منتظم. ومن اليمن قرر العثمانيون في عهد السلطان سليمان القانوني احتلال بلاد الحبشة بقصد حماية البحر الأحمر والمقدسات الإسلامية في الحجاز من هجمات دولة البرتغال الاستعمارية التي حاولت ضرب النفوذ الإسلامي في البحار الدافئة، وهذا الأمر في حد ذاته يوضح مدى أهمية اليمن، خاصة سواحله وموانئه بالنسبة للاستراتيجية العثمانية في مناطق البحر الأحمر، وبحر العرب، والخليج العربي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحبشة كانت حليفة للبرتغاليين في المنطقة. وصادف أن كانت حالة من الفوضى والاضطرابات تجتاح بلاد الحبشة، مما مكن العثمانيين من بسط نفوذهم على منطقة مدينة مصوع، ومدينة سواكن، فاستطاع العثمانيون بسط سيادتهم على المنطقة الساحلية من بلاد الحبشة دون التوغل في داخل البلاد، وإنهاء الحكم الحبشي الذي يتعاون مع البرتغال في الهجوم على مناطق العالم الإسلامي خاصة في مناطق البحر الأحمر.

ثار الأئمة الزيديون ضد العثمانيين عام 954هـ، 1547م بقيادة الإمام مطهر بن شرف الدين الزيدي، وساعده عدد من العسكر العثمانين الذين تمردوا على السلطة العثمانية في اليمن بسبب ضعف رواتبهم. وتعمقت الثورة اليمنية بسبب الخلاف القائم بين الوالي العثماني في زبيد وتهامة والوالي العثماني في صنعاء والمناطق الجبلية. ونمت الثورة الزيدية وازدهرت بعد وفاة السلطان سليمان القانوني. فدخل الإمام مطهر الزيدي مدينة صنعاء عام 975هـ، 1567م، مما جعل السلطان سليم الثاني يرسل سنان باشا والي مصر إلى اليمن على رأس حملة عسكرية لإعادة الأمن والنظام فيه، وكان ذلك عام 977هـ، 1569م. وتمكن سنان باشا من دخول صنعاء، وإرساء قواعد الأمن والنظام العثماني في اليمن، وبناء عليه، عدّ هذا الإنجاز العثماني الجديد في اليمن، الفتح العثماني الثاني لليمن، حيث إن الفتح الأول بدأ عام 946هـ، 1539م.

ومع هذا كله ظل الأئمة الزيديون على حالهم، فتعاملوا مع الولاة العثمانيين أحيانًا بشكل حسن، وظلوا يحافظون على استقلالهم في مناطقهم. وظل الأئمة الزيديون في أوقات كثيرة يثورون ضد السلطة العثمانية. فثار الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وشملت ثورته مناطق يمنية واسعة، مما أدى بالدولة العثمانية إلى إرسال حملات عسكرية ضد ثورته. ثم قامت ثورة أخرى بقيادة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم ضد الوالي العثماني أحمد فضلي عام 1031هـ، 1621م، فاستولى على صنعاء وتعز وعدن، واستطاع إخراج العثمانيين من اليمن عام 1046هـ، 1636م. وقد تمكن من ترسيخ دولة الإمامة الزيدية في اليمن، ومن هنا أصبح الأئمة الزيديون رمز الثورة اليمنية ضد العثمانيين.

كانت الدولة العثمانية قد قررت تعيين واليين على اليمن عام 974هـ، 1566م، أحدهما في ولاية اليمن المشكلة من التهائم والسواحل ومركزها مدينة زبيد، والثاني في ولاية اليمن المشكلة من تعز وصنعاء ومناطق الجبال، وهي محاولة هدف منها تثبيت دعائم الحكم العثماني في اليمن، وإرساء دعائم الأمن والنظام والاستقرار في المنطقة اليمنية التي ظلت تثور ضد الدولة على مدى التاريخ والوجود العثماني في اليمن. ويبدو أن تجربة العثمانيين هذه في تقسيم اليمن إلى قسمين قد أضعفت وجودهم فيه، وحدثت مشكلات كثيرة من جراء ذلك، مما شجع القوى المحلية للخروج على سيادة العثمانيين، ومحاولة تكوين سيادات محلية مستقلة، مستفيدة من الظروف والأحوال السيئة التي كانت تتعرض لها الدولة العثمانية بين الحين والآخر.

كانت الدولة العثمانية تدفع رواتب الجند والموظفين العثمانيين في اليمن تبعًا لنظام ساليانليّ، أي النظام السنوي، والمرتبات السنوية التي تدفع من واردات اليمن، ولم يكن في اليمن نظام الإقطاعات المعمول به في مناطق أخرى من ولايات الدولة العثمانية. وكانت موارده تصرف على رواتب الجند والموظفين، وما يزيد عن ذلك يرسل إلى المسؤولين العثمانيين. والواقع أن رواتب الجند والموظفين في اليمن قد تأثرت كثيرًا بالأوضاع الاقتصادية والداخلية في اليمن، وتأثرت كذلك بأحوال الأمن والنظام والاستقرار.

وقع انقسام بين صفوف أئمة اليمن، وحدث ضعف في السيادة العثمانية أيضًا، مما مهد إلى قيام حركات قبلية أدت إلى استقلال كل من حضرموت ولحج عام 1145هـ، 1732م، وعمت البلاد حالة من الفوضى والاضطراب بسبب الفراغات السياسية نتيجة لضعف السيادة العثمانية على اليمن. وحاولت الدولة العثمانية أن تسد هذا الفراغ عن طريق واليها محمد علي باشا الذي خاض حروبًا كثيرة في مناطق الجزيرة العربية، خاصة في عسير، ومناطق تهامة. وظلت حملات محمد علي تتوالى على عسير وتهامة ومناطق اليمن حتى عام 1256هـ، 1840م، إلى أن حددت معاهدة لندن نفوذه وحكمه في ولاية مصر فقط.

abo rashid
06-09-2006, 12:55 PM
الاحتلال البريطاني
تعدّ عدن منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة للدول الكبرى ذات المصالح التجارية والملاحية في البحار الدافئة، وفي مناطق شرقي آسيا، خاصة الهند. وكانت بريطانيا تهتم إلى حد كبير بعدن لأنها واقعة على طريق مواصلات الإمبراطورية البريطانية في الشرق. وهي مهمة أيضًا بالنسبة لشركة الهند الشرقية الإنجليزية العاملة في المنطقة. ويعد ميناء عدن، وجزيرة بريم الواقعة في فوهة مضيق باب المندب، وجزيرة كمران في البحر الأحمر، وجزيرة سوقطرى في المحيط الهندي من المواقع الرئيسية بالنسبة للمصالح البريطانية.

احتلت القوات البريطانية جزيرة بريم عام 1214هـ، 1799م. وفي عام 1255هـ، 1839م احتلت هذه القوات مدينة عدن بعد مقاومة محلية عنيفة. أخذت بريطانيا توسع حدود منطقة استعمارها بشكل تدريجي، في الوقت الذي انشغلت فيه الدولة العثمانية في حربها مع القوى المحلية اليمنية بزعامة الأئمة الزيديين فوسعت نفوذها الاستعماري على سواحل اليمن الغربية. وفي عام 1333هـ، 1915م أصبحت كل المقاطعات الشرقية والغربية تابعة لحكم بريطاني، وأشرف عليها نائب الملك البريطاني في الهند، وكانت عدن تابعة لنفوذه أيضًا. وفي المقاطعات الشرقية توجد : سلطنة القعيطي وقاعدتها المكلا، والكثيري وقاعدتها سيون، والمهد وقاعدتها المهد وقشن وسوقطرى ومركزها سوقطرى ومشيخة بير علي ومركزها بيرعلي ومشيخة حورة السفلى ومركزها حورة. وهناك محميات ومقاطعات غربية منها سلطنة لحج وقاعدتها الحوطة، والصبيحة وقاعدتها الطور، والعقارب وقاعدتها بير أحمد، والحواشب وقاعدتها مسيمير، والعوالق العليا ومركزها مضاب، والعوالق السفلى ومركزها أحور، وإمارة الفضلي ومركزها شقرة، ويافع العليا وقاعدتها المجحته، ويافع السفلى وقاعدتها القارة، وإمارة الضالع ومركزها الضالع، وإمارة بيحان ومركزها القبض.

انضمت ست سلطنات في اتحاد فيما بينها عام 1378هـ، 1958م بدعم من بريطانيا ومؤازرتها. ثم انضمت إلى هذا الاتحاد لحج ، ثم تتابع انضمام السلطنات والمشيخات والإمارات، ثم انضمت إليه مستعمرة عدن عام 1382هـ، 1962م، وسُمِّي هذا التكوين السياسي الاتحادي باسم اتحاد الجنوب العربي. وفي عام 1388هـ، 1968م، قررت بريطانيا الانسحاب من جنوب اليمن المحتل، وتنافست القوى اليمنية على من سيتولى أمور البلاد بعد الانسحاب البريطاني. وظهرت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل بقيادة عبدالقوي مكاوي، وجبهة التحرير الوطنية بقيادة قحطان الشعبي. وحارب أتباع الجبهتين الإنجليز، وتحاربوا أيضًا فيما بينهم، وفي آخر المطاف سلمت بريطانيا مقاليد الحكم في اليمن الجنوبي إلى جبهة التحرير الوطنية بزعامة قحطان الشعبي، وغادرت القوات البريطانية جنوب اليمن عام 1387هـ، 1967م، وأعلن اليمنيون الجنوبيون قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، جمهورية عربية مستقلة.

حدث تغيير في الحكم في اليمن الجنوبي عام 1389هـ، 1969م فوضع قحطان الشعبي تحت الإقامة الجبرية، وتولى السلطة سالم ربيع علي، وتولى رئاسة الوزارة محمد علي هيثم، ثم علي ناصر محمد الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع أيضًا. وقامت حركة انقلابية أخرى أطاحت بسالم ربيع علي، وتسلم عبدالفتاح إسماعيل مقاليد الحكم.وبعد بضع سنوات حدث انقلاب آخر أنهى حكم عبدالفتاح إسماعيل، وتولى الحكم من بعده علي ناصر محمد، وهكذا ظلت الأمور في اليمن الجنوبي مضطربة ردحًا من الزمن وقد أثَّر ذلك على الوضع الاقتصادي في البلاد.


الأئمة الزيديون والخلافات المحليّة
حدث خلاف بين الأئمة الزيديين، وطلب الإمام محمد بن يحيى النجدة والمساعدة من الأمير عائض بن مرعي، حاكم عسير. فأرسل عائض بن مرعي قوة عسكرية لمساعدة الإمام محمد بن يحيى، واستطاعت هذه النجدة دعم الإمام محمد بن يحيى وتثبيت سلطته في صنعاء، على أن يكون تابعًا لسيادة عائض بن مرعي. وكان عائض ابن مرعي مؤيدًا ومدعومًا من قبل الدولة السعودية.

لم تدم العلاقة الحسنة بين الإمام محمد بن يحيى وبين عائض بن مرعي، مما أدى بابن مرعي إلى أن يرسل حملة عسكرية تحت زعامة الشريف حسين بن علي حيدر، عامل ابن مرعي على أبوعريش، لتأديب الإمام محمد بن يحيى. لكن اليمنيين هزموا جيش الشريف حسين بن علي حيدر، وأسروا قائده ابن حيدر.

انتهز العثمانيون في الحجاز فرصة الخلاف الناشب بين آل مرعي والإمامة الزيدية في اليمن، فأرسلوا جيشًا عثمانيًا احتل الحديدة وبعض أجزاء من تهامة سنة 1266هـ، 1849م. وتمكن توفيق باشا والي جدة العثماني من دخول صنعاء دون أن يلقى مقاومة تذكر. وحدث تفاهم بين الوالي العثماني توفيق باشا والإمام محمد بن يحيى، مما أغضب اليمنيين الذين ثاروا على الإمام محمد بن يحيى، وألقوا القبض عليه، ونصبوا الإمام الزيدي علي بن المهدي بديلاً عنه، وقد تمكن الثوار اليمنيون من إخراج القوات العثمانية من صنعاء.

وجه العثمانيون حملة جديدة إلى اليمن عام 1285هـ، 1868م لتأديب الثوار اليمنيين. أبدى اليمنيون بسالةً في مقاومة هذه الحملة وفرضوا على العثمانيين الحصار حتى اضطروهم إلى الاستسلام.

وتحت ضغط الثورة الزيدية والأئمة الزيدية على العثمانيين في اليمن، اضطر الوالي العثماني عزة باشا أن يعقد صلحًا مع الإمام الزيدي اليمني يحيى حميد الدين عام 1329هـ، 1911م في دَعَّان، وهي قرية غربي مدينة عمران، وأهم شروط اتفاقية دعان هي: 1- أن يشرف الإمام يحيى حميد الدين على شؤون القضاء والأوقاف وتعيين الحكام والمرشدين. 2- تشكيل محكمة مؤلفة من هيئة شرعية تكون في الواقع محكمة استئناف للنظر في الشكاوى التي يعرضها الإمام. 3- أن يكون مركز المحكمة الاستئنافية في مدينة صنعاء، وينتخب الإمام رئيسها وأعضاءها، وتصدق على هذا التعيين الدولة العثمانية. 4- في حال صدور أحكام بالقصاص، لابد أن تصادق عليها الحكومة العثمانية في الآستانة، وصدور الإرادة السنية بذلك، بشرط ألا يتجاوز زمن تلك الإجراءات أربعة أشهر. 5- تكون في اليمن ولاية عثمانية يتصل الإمام بها مباشرة، وهي بدورها تحيل الأمر إلى الآستانة. 6- يحق للحكومة العثمانية أن تعين قضاة شرعيين في المناطق التي يوجد فيها سكان شوافع وأحناف. 7- تشكيل محاكم شرعية مختلطة من قبل قضاة وعلماء من الشوافع والزيديين للنظر في الدعاوى التي تقام من قبل المذاهب المختلفة. 8- تعين الحكومة العثمانية محافظين تحت اسم مباشرين للمحاكم السيارة التي تتجول في القرى لفصل الدعاوى الشرعية هناك، وذلك دفعًا للمشقات التي يتكبدها أصحاب المصالح في الذهاب والإياب إلى مراكز الحكومة في المدن. 9- صدور عفو عام عن الجرائم السياسية. 10- لا تجبى الضرائب من أهالي أرحب وخولان وجبل الشرق مدة عشر سنوات بسبب فقرهم وخراب بلادهم. 11ـ لا تؤخذ أي ضرائب غير التي وردت في الشرع الإسلامي. 12ـ على الإمام أن يعطي الدولة العثمانية عُشر حاصلاته. 13ـ يحق لمأموري الدولة العثمانية في اليمن أن يتجولوا في أنحاء اليمن بشرط ألا يخلوا بالسكينة والأمن.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوالي محمود نديم باشا الذي خلف الوالي عزة باشا، هو آخر الولاة العثمانيين في اليمن، لأن الإمام الزيدي يحيى حميد الدين دخل مدينة صنعاء عام 1336هـ، 1918م، وأعلن نفسه حاكمًا مستقلاً على اليمن، وأصبح الإمام بهذا الإعلان سيد الموقف في اليمن، وأصبح عليه المسؤولية الأولى في التصدي للمشكلات والمتاعب الكثيرة الموجودة في البلاد داخليًا، ومشكلات الحدود مع جيرانه، والمشاكل التي نجمت عن احتلال بريطانيا لبلاد اليمن الجنوبي، ومشكلات الحرب العالمية الأولى وغيرها من القضايا الأساسية، مثل حادثة ضرب ميناء الحديدة اليمني بمدفعية الأسطول البريطاني في البحر الأحمر، ثم احتلاله من قبل القوات البريطانية، بمساعدة الإدريسي حاكم تهامة عسير (المقاطعة الإدريسية) على ساحل البحر الأحمر.

abo rashid
06-09-2006, 12:55 PM
علاقات الإمام يحيى ببريطانيا. بعد أن قذف الأسطول البريطاني ميناء الحديدة بالمدفعية واحتله عام 1336هـ، 1918م، أرسلت الحكومة البريطانية بعثة الكولونيل جاكوب عام 1337هـ، 1919م إلى صنعاء لكن جاكوب وأفراد بعثته أسروا من قبل القبائل، ولم يتمكن جاكوب من الوصول إلى صنعاء. حاول الإمام يحيى حميد الدين أن يصفي علاقته بالبريطانيين جيرانه في اليمن الجنوبي المحتل، فأرسل القاضي عبدالله العرشي مندوباً له مقيمًا في عدن. لكن الإمام فوجيء بتسليم بريطانيا الحديدة إلى السيد الإدريسي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الإمام يحيى حميد الدين وبريطانيا عام 1338هـ، 1920م.

استدعى الإمام يحيى حميد الدين مندوبه العرشي من عدن. ثم شن هجومًا يمنيًا على المحميات الجنوبية المحتلة من قبل بريطانيا، مثل محمية الضالع والشعيب والقعيطي وغيرها، واحتل مدينة البيضاء، مما جعل بريطانيا ترسل بعثة السير جلبرت كلايتون إلى صنعاء عام 1921م للتباحث مع الإمام يحيى في هذا الأمر، إلاّ أنها لم تنجح. وقام كلايتون بزيارة ثانية إلى صنعاء عام 1925م، وفاوض خلالها الإمام مدة شهر دون أن تؤدي هذه المفاوضات إلى اتفاق مرض.

شن الإمام هجمات جديدة على المحميات المجاورة، ولجأ بعض شيوخها إلى عدن، فردت الطائرات البريطانية على هذا الهجوم بقيام غارات جوية على المدن اليمنية عام 1347هـ، 1928م. ومع هذا جرت محاولة لتسوية الموضوع بين اليمن وبريطانيا، وتوصل المفاوضون إلى صيغة معاهدة عام 1350هـ، 1931م، وقعتها بريطانيا بعد ثلاثة أعوام، أي عام1353هـ، 1934م، وتبودلت وثائق التصديق على المعاهدة بين الطرفين. وأهم بنود تلك المعاهدة: 1- تعترف بريطانيا بالإمام يحيى حميد الدين ملكًا مستقلاً على اليمن، ويقصد بذلك اليمن الشمالي. 2- أن يحافظ الطرفان المتعاهدان على سياسة حسن الجوار والصداقة بينهما. 3- أن يعمل الطرفان على تخطيط الحدود بينهما، وتسوية مشكلاتهما عن طريق المفاوضات السلميّة.

وفي عام 1951م عقدت معاهدة جديدة بين اليمن وبريطانيا إلا أنها لم تؤد إلى حل الخلافات الحدودية بين الدولتين، وبناءً عليه ظلت العلاقات متوترة. أما عن علاقة اليمن بالدول الكبرى الأخرى، فكانت علاقة حسنة مع دول الاتحاد السوفييتي، فقد سبقت اليمن جميع أقطار العالم العربي في إقامة علاقات مع السوفييت عام 1347هـ، 1928م، وتوقيع معاهدة معهم. وقد جددت اليمن تلك المعاهدة بمعاهدة أخرى عام 1375هـ، 1955م، ركزت على العلاقات الدبلوماسية والتجارية ووقع اليمن معاهدة مع هولندا عام 1352هـ، 1933م، ركزت على موضوع التجارة، ومعاملة سفن الطرفين معاملة الدول الأولى بالرعاية. وعقدت معاهدة مع بلجيكا عام 1355هـ، 1936م، ومع الحبشة عام 1354هـ، 1935م، ومع فرنسا عام 1355هـ، 1936م، وقررت فرنسا أن تقوي علاقتها مع الإمام، فسعت لأخذ امتياز بمد خط حديدي بين صنعاء والحديدة ليكون لفرنسا موطئ قدم في البحر الأحمر منافسة بذلك بريطانيا، وظلت هذه الأفكار مجرد خطط. كما أقام الإمام علاقات وديّة مع الجمهورية التركية الحديثة عام 1346هـ، 1927م، ومع الولايات المتحدة عام 1366هـ، 1946م. وظلت إيطاليا أكثر الدول الأوروبية اهتمامًا بأمر علاقاتها مع اليمن، فقوت تلك العلاقات، وعقدت معاهدة عام 1346هـ، 1927م بعد مباحثات في صنعاء، أجراها السنيور غاسباريني حاكم إرتريا التي كانت تحت الاستعمار الإيطالي، وجددت تلك المعاهدة عام 1355هـ، 1936م. وكانت إيطاليا تقدم للإمام مساعدات عسكرية وتبيعه الأسلحة والمعدات.


العلاقات اليمنية السعودية. شكل محمد بن أحمد الإدريسي إمارة صغيرة عرفت بإمارة الأدارسة في منطقة جازان ونجران أو ما يعرف في نطاق ضيق بمنطقة المخلاف السليماني في ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي. وينسب الأدارسة إلى عالم فقيه من أهل فاس بالمغرب اسمه أحمد الإدريسي. وقد حاول محمد بن علي بن محمد بن أحمد الإدريسي تقوية الإمارة خاصة بعد أن أدرك أن كلا من الشريف حسين بن علي ـ شريف مكة ـ والإمام يحيى حميد الدين ـ إمام اليمن ـ قد عدّ أرض الإمارة جزءًا من أراضيه. وكي يحافظ السيد محمد بن علي الإدريسي على إمارته اتصل بعبدالعزيز آل سعود، سلطان نجد وملحقاته، وطلب منه العون والدعم خاصة وأن سلطان نجد وملحقاته كان على علاقة سيئة مع شريف مكة وإمام اليمن وهو وقتها حاكم منطقة عسير الداخلية ويهمه أمر المنطقة الإدريسية المجاورة لحدوده. وجد الإدريسي الدعم من سلطان نجد وملحقاته واستمر منيع الجانب حتى وفاته عام 1923م.

اضطربت الإمارة الإدريسية بعد وفاة السيد محمد بن علي الإدريسي مما دعا الحسن بن علي الإدريسي إلى توقيع معاهدة مع الملك عبدالعزيز عام 1345هـ، 1926م عرفت باسم معاهدة الحماية الخاصة بالإمارة الإدريسية تم بموجبها وضع ما بقي من إمارة الإدريسي تحت حماية الدولة السعودية الحديثة. فاحتفظ الملك عبدالعزيز آل سعود بموجب تلك المعاهدة بالشؤون الخارجية للمقاطعة الإدريسية، تاركًا الشؤون الداخلية للحسن الإدريسي يتصرف في إدارتها المحلية، ويساعده مندوب سعودي. لكن الإدريسي قرر استعادة نفوذه، وسلخ مقاطعته عن المملكة العربية السعودية، وحاول الاستعانة باليمن، فأرسل الملك عبدالعزيز آل سعود حملة عسكرية إلى صبيا، لم يستطع الحسن الإدريسي مقاومتها، فرحل مع أهله وأقاربه إلى اليمن. وفي عام 1353هـ، 1934م وقعت المملكة العربية السعودية والمملكة اليمنية في مدينة الطائف معاهدة أنهت الحرب بينهما. وفي 10/3/1421هـ الموافق 12/6/2000م تم توقيع معاهدة الحدود بين البلدين في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية. انظر: الدولة السعودية الثالثة.


علاقات اليمن الخارجية الأخرى. شارك اليمن مع وفود الدول العربية الأخرى في بحث القضية الفلسطينية في مؤتمر القاهرة عام 1358هـ، 1939م، وفي بلودان بسوريا عام 1366هـ، 1946م، ووقف اليمن إلى جانب أشقائه في الدفاع عن قضية العرب والمسلمين، في قضية فلسطين. واشترك اليمن في مباحثات ومشاورات الوحدة العربية التي بدأها مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر، وتمخض عن تلك المحادثات قيام جامعة الدول العربية عام 1365هـ، 1945م. ودخل اليمن عضوًا في هيئة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك عام 1367هـ، 1947م. ودخل اليمن في اتحاد فيدرالي مع مصر (الجمهورية العربية المتحدة آنذاك) عام 1958م.


المعارضة اليمنية ضد حكم الإمام. تمردت بعض القبائل عام 1344هـ، 1925م على حكم الإمام يحيى حميد الدين، وقد أُخمدت حركة التمرد هذه على يد قوة عسكرية قادها عبدالله بن أحمد الوزير. وقامت حركة تمردية أخرى ضد الإمام الزيدي، كانت من قبل قبيلة الزرانيق عام 1348هـ، 1929م، وبقيت الثورة مشتعلة عامين، بعدها تمكن سيف الإسلام أحمد بن الإمام يحيى حميد الدين من القضاء عليها بالقوة. وقامت حركة معارضة أخرى ضد الإمام يحيى قادها محمد الدباغ في مدينة البيضاء عام 1359هـ، 1940م وقضى عليها هي الأخرى بالقوة العسكرية. ثم قامت ثورة أخرى ضد الإمام سنة 1368هـ، 1948م اشترك فيها بعض أبناء الإمام يحيى، ومعهم عبدالله بن أحمد الوزير، ونجحت في الإطاحة بالإمام، إلاّ أن ابنه سيف الإسلام أحمد تمكن من القضاء على الثورة، وانتزع الحكم من الثوار بالقوة، وأصبح إمامًا على اليمن. وتوفي الإمام أحمد بن يحيى عام 1382هـ، 1962م، وخلفه ابنه الإمام سيف الإسلام محمد البدر الذي لُقِّبَ بالمنصور بالله. ولكن حدث انقلاب عسكري ضده بعد ثمانية أيام من توليه الإمامة، قامت به جماعة من الضباط بزعامة عبدالله السلال، وأعلن السلال ومجموعته نهاية حكم الإمامة الزيدية في اليمن وقيام الجمهورية اليمنية.

abo rashid
06-09-2006, 12:56 PM
القوات المصرية في اليمن. استنجد السلال بمصر، فأمده الرئيس جمال عبدالناصر بقوات مصرية، ومعدات حربية، وحصل في اليمن صراع طويل ومرير بين أنصار الإمام أو من يُعرفون بأنصار الملكيّة اليمنية وأنصار الجمهورية. ودام الصراع مدة سبع سنوات، ولم ينته إلا عام 1389هـ، 1969م. وقد انسحبت القوات المصرية من اليمن عام 1387هـ، 1967 بعد لقاء تم بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية في مدينة الخرطوم في مؤتمر القمة العربي في أعقاب هزيمة عام 1387هـ، 1967م في الحرب العربية- الإسرائيليَّة.


تعدد الانقلابات العسكرية. وما إن تم انسحاب القوات المصرية من اليمن حتى قامت حركة جديدة أطاحت بالسلال الذي لجأ إلى بغداد، وشكل الانقلابيون مجلسًا رئاسيًا لإدارة البلاد برئاسة عبدالرحمن الإيرياني وكان القتال قد استمر في أجزاء من اليمن حتى عام 1389هـ، 1969م، على الرغم من انسحاب القوات المصرية من البلاد اليمنية عام 1387هـ، 1967م. وقد توقف القتال اليمني في أواخر عام 1389هـ، 1969م. ثم خرج عبدالرحمن الإيرياني من اليمن في عام 1394هـ، 1974م، وتسلم رئاسة الوزراء المقدم إبراهيم الحمدي. وبعد مرور ثلاث سنوات تم اغتيال إبراهيم الحمدي وتسلم رئاسة الحمهورية رئيس الأركان العقيد أحمد الغشمي، وهو من رؤساء قبيلة همدان. وبعد عام واحد، في عام 1398هـ، 1978م، اغتيل الغشمي وتسلم علي عبدالله صالح رئاسة الدولة. انظر: صالح، علي عبد الله.

على الرغم من كثرة الحوادث السياسية في اليمن، وعلى الرغم من الحرب الأهلية اليمنية وكثرة الاضطرابات فيه إلا أن تطورات اقتصادية وتنموية قد أخذت مكانها في اليمن، فقد أنشات شركة للتجارة الخارجية، وشركة الكبريت، وشركة التبغ، وشركة المحروقات، وشركة المخا الزراعية، وشركة الكهرباء، والشركة اليمنية لتعدين الملح، ومؤسسة القطن العامة، ومصنع الغزل والنَّسيج، وعدة مشروعات زراعية، وشركة ظفار للملاحة البحرية، وشركة الخطوط الجوية اليمنية، والمؤسسة اليمنية للهندسة والمقاولات، ومؤسسات أخرى تعنى بالبناء والتشييد. كما أنشئت في البلاد المستشفيات، وأقيمت المدارس المنظمة، وشيدت جامعة صنعاء. وأنشئت في البلاد عدة طرق حديثة. وقدمت بعض الدول المساعدات لليمن ويأتي على رأسها المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، والاتحاد السوفييتي السابق، والصين الشعبية، والولايات المتحدة الأمريكية.


الوحدة اليمنية
جرت في اليمنين عدة محاولات لقيام وحدة بينهما، تضم اليمن الشمالي واليمن الجنوبي. فأهم مقومات الوحدة في اليمن الدين الإسلامي والتاريخ الواحد، والآمال والأهداف الواحدة، واللغة الواحدة، وتقارب العادات والتقاليد والأساليب الاجتماعية بوجه عام، والارتباط بوحدة جغرافية مشتركة.

وبفضل المساعي المشتركة بين الحكومتين اليمنيتين حدث توحيد لشطري اليمن في 22 مايو عام 1990م، وتسلم رئاسة الدولة رئيس اليمن الشمالي علي عبدالله صالح، وأصبح نائب الرئيس علي سالم البيض. ومرت على الوحدة أربع سنوات بدأت تظهر خلالها الصعوبات والمعوقات التي يحتاج حلها إلى صبر ورويَّة ونكران الذات خدمة للشعب اليمني. وقد تعمقت الخلافات إلى حد اندلعت فيه الحروب والمعارك بين الشطرين الموحدين رغم تدخُّل بعض الدول العربية للمصالحة بينهما، وتوسُّط جامعة الدول العربية، وتوقيع وثيقة العهد والاتفاق بين الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض في مدينة عَمَّان بالأردن. توسع مجال الخلاف بين الطرفين، بعد أن أعلن اليمن الجنوبي انفصاله عن اليمن الشمالي مستعيدًا اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ممّا أتاح فرصة قيام تدخل دولي، فأصدر مجلس الأمن الدولي في يوم الأربعاء في مطلع شهر يونيو عام 1994م قرارًا بوقف القتال الدائر فورًا، وقيام لجنة من هيئة الأمم لتقصي الحقائق، وفرض حصار على توريد الأسلحة للطرفين المتصارعين. انتهت الحرب بهزيمة مجموعة علي سالم البيض وإعادة توحيد الشطرين في دولة واحدة يرأسها علي عبدالله صالح وعاصمتها صنعاء. وتم إجراء تعديلات دستورية تضمنت تغيير شكل رئاسة الدولة، والتحول من نظام مجلس الرئاسة إلى نظام رئيس الجمهورية. وفي أبريل 1997م، أعيد انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح لفترة رئاسية جديدة. وفي عام 1999م، تم إجراء أول انتخابات رئاسية مباشرة فاز فيها مرشح الإجماع الوطني الرئيس علي عبدالله صالح.

وفي نوفمبر 2000م، وافق البرلمان اليمني على تعديل الدستور بما يسمح للرئيس اليمني بمد فترة رئاسته إلى سبع سنوات بدلاً من خمس، وبحل البرلمان ومد دورة البرلمان إلى ست سنوات بدلاً من أربع. وفي الاستفتاء الذي أجري في مارس 2001م، وافق اليمنيون على التعديلات الدستورية بنسبة 73,2%. وتم في الشهر نفسه انتخاب ممثلي المجالس المحلية والمحافظات، وفاز مرشحو حزب المؤتمر الشعبي بمعظم المقاعد. يذكر أن إجراء الانتخابات في هذه المجالس هي الأولى بعد توحيد الشطرين.

ROSE
06-09-2006, 10:37 PM
ماشاء الله موسوعه متاكمله ورائعة اخوي بوراشد

يبي لي اسبوع اخلصها

abo rashid
07-09-2006, 10:24 AM
ماشاء الله موسوعه متاكمله ورائعة اخوي بوراشد

يبي لي اسبوع اخلصها
حياج الله اختي
هذي البداية شبه الجزيره العربية ان شاء الله اكمل الموضوع عن باقي الدول

abo rashid
08-09-2006, 10:58 AM
العراق، تاريخ. العراق دولة عربية تقع في الجزء الغربي من قارة آسيا، وتحدها من الشرق إيران، ومن الغرب المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا، ومن الجنوب الكويت والسعودية، ومن الشمال تركيا. تبلغ مساحتها حوالي 435,052 كم²، وعدد سكانها حوالي 21,422,000 نسمة. ويشكل العراق البوابة الشرقية للوطن العربي الكبير، كما يشكل النصف الشرقي من الهلال الخصيب، في حين تشكل بلاد الشام النصف الغربي منه.

يسمى العراق أيضًا بلاد الرافدين، وهما نهرا دجلة والفرات، وقد ارتبط نشوء الحضارة وتطورها في العراق منذ عصور ما قبل التاريخ بنهري دجلة والفرات؛ فعلى ضفافيهما تأسست القرى الزراعية الأولى. انظر: بابل؛ آشور . والزراعة كانت وما تزال من أهم الأنشطة الاقتصادية لسكان العراق. كما كان للنهرين دور عظيم في قيام حضارة العراق منذ القدم.

إن أقدم سكان وادي الرافدين المعروفين هم السومريون، في الجزء الجنوبي منه. ونحو 3000ق.م.، وفدت شعوب سامية إلى وادي الرافدين. وهؤلاء هم الذين عرفوا في التاريخ بالأكَّاديين. لذلك، منذ 3000ق.م كان يعيش بوادي الرافدين شعبان: السومريون في الجنوب والأكّاديون في الشمال، يتكلمون لغتين مختلفتين، إحداهما سامية، وهي اللغة الأكّادية والأخرى غيرسامية، وهي اللغة السومرية. وكان السومريون مؤسسي حضارة وادي الرافدين، وأرقى حضاريًا من الأكّاديين عندما قدم إليهم هؤلاء. ولذا تأثر بهم الأكّاديون وورثوا كثيرًا من حضارتهم الراقية، وبخاصة الديانة والأدب ورموز الكتابة.

وعرف العراق قيام دول ودويلات عدة، كان لبعضها شأن كبير، ابتداءً من أواخر الألف الرابع قبل الميلاد إلى القرن السادس قبل الميلاد حين سقطت بابل الكلدانية أمام الغزو الفارسي. وأهم هذه الدول والدويلات أوما ولاغش ونفَّر، وأكاد، وأور الثالثة، والممالك الأمورية في آشور وبابل وإشونة، ومملكتا ميتاني والكاشيين ذواتا الأصول الهندية الأوروبية، وأخيرًا بابل الكلدانية آرامية الأصل. واشتهرت مملكتا آشور وبابل بأنهما كانتا تظهران وتخمدان مرات عدة، وكانت المرة الأخيرة لكل واحدة منهما هي أزهاها. فكان المجد الأخير لآشور فيما عرف في تاريخها بالعصر الآشوري الحديث ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، كما كان المجد الأخير لبابل المعروفة بالكلدانية، بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد حيث ورثت مُلْك آشور.

وهكذا نشأت في العراق حضارات ومدنيات قديمة ترجع إلى ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد، وتعاقبت على أرضه عدة إمبراطوريات، أدت دورًا مهمًا في عصور التاريخ، نظرًا لموقعه الجغرافي المتوسط بين الشرق والغرب، ولوفرة الأراضي الخصبة وغزارة المياه، وكذلك لوجود المعادن المهمة في أراضيه. ومن أهم هذه الإمبراطوريات السومرية والأكّادية والبابلية والآشورية والكلدانية.

كان العراق بحق مهدًا لحضارة عريقة، ففيه بدأت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الزراعة وتدجين الحيوان في حدود الألف السابع قبل الميلاد، ونشأت المدن والمراكز الحضارية على شواطيء النهرين العظيمين دجلة والفرات وفيه كانت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الكتابة والتدوين، كما ازدهرت فيه نتيجة لذلك التربية والتعليم، والقوانين وتدوين الطب والكيمياء والرياضيات والفلك والفن والأدب والتجارة والصناعة وغيرها. وغدت تلك المحاولات المبكرة الأساس المتين الذي قامت عليه الحضارة العراقية القديمة فيما بعد.


مظاهر الحضارة العراقية القديمة

الحياة السياسية ونظام الحكم. تشير النصوص السومرية إلى أن الوضع السياسي الذي ساد العراق منذ العصر السومري، تميّز بوجود عدد من دويلات المدن المستقلة عن بعضها، ولذا نشأت أكثر من إدارة مركزية واحدة. ولم يخل التاريخ السومري من محاولات لبعض الحكام لتوحيد تلك الدويلات في دولة مركزية واحدة تسود أرض العراق بكامله، وتمتد أحيانًا إلى البلدان المجاورة.

وكان النظام الملكي الوراثي هو النظام السائد في العراق منذ عصور فجر السلالات وحتى نهاية التاريخ القديم. وجاءت فترات كان هناك اعتقاد بأن الملكية نظام إلهي مقدس.


الحياة الاجتماعية. كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع ومن مجموع الأسر يتكون المجتمع، وغالبًا ما يعكس نظام الأسرة نظام المجتمع والدولة العام. وتتكون الأسرة من الأب والأم والأولاد وغيرهم. كان المجتمع العراقي، يتألف من فئات وشرائح منها الحاكمة والمتنفذة سياسيا أو اقتصادياً أو دينياً، ومنها المحكومة والتي ضمت عامة الناس. وفي مقدمة الفئات الحاكمة الأسرة المالكة وفئة النبلاء وأصحاب الإقطاعات الكبيرة والملاك وكبار الكهنة والموظفون وقادة الجيش والحكام وغيرهم، وكان لهذه الفئات جميع الحقوق والامتيازات. وكانت الفئة المحكومة تضم عامة الناس من الفلاحين والتجار الصغار والعمال، كما كانت هناك طبقة الرقيق التي تعامل معاملة خاصة غير معاملة الطبقتين الأوليين.

ونتيجة لتطور الحياة اليومية تعقدت علاقات الأفراد واستقرت العادات والتقاليد وغدت أعرافًا يسير عليها أفراد المجتمع. وما لبثت أن تطورت إلى قوانين صادرة عن السلطة الحاكمة.


الحياة الاقتصادية. قام الاقتصاد العراقي في العصور القديمة المختلفة على دعامات ثلاث، هي الزراعة أولاً ثم التجارة ثانيًا ثم الصناعة ثالثا، ومن الصعب أن تفصل بين هذه الدعامات الثلاث لارتباط كل منها بالأخرى، وازدياد أهمية هذه أو نقصانها تبعًا للظروف. فالزراعة التي تبدو أقل أهمية من الصناعة في الوقت الحاضر كانت أهميتها تفوق أهمية الصناعة والتجارة في العصور السومرية والبابلية.

كانت الزراعة تعتمد في بادئ الأمر على مياه الأمطار، كما كانت الزراعة محدودة وتحقق الاكتفاء الذاتي واستخدمت فيها الآلات الزراعية البسيطة، إلا أن الإنسان بدأ يتعلم وسائل الري الصناعية ليوسع من مساحة الأرض المزروعة. ومن أهم الزراعات الحبوب على اختلافها كالقمح والشعير والذرة والسمسم والعدس، والأشجار المثمرة كالتين والزيتون والكروم والرمان والكمثرى والتفاح إضافة إلى أشجار النخيل. ونتيجة لتوسع الأراضي الزراعية وزيادتها أصبح الإنتاج أكثر من الاستهلاك فبدأت مرحلة المقايضة وكانت بداية التجارة.

لم تكن شهرة العراق القديم بالتجارة أقل من شهرته بالزراعة أو الصناعة؛ فقد كان لموقع العراق الجغرافي الاستراتيجي أثره الواضح في نشوء وتطور التجارة الخارجية، ونتيجة لاهتمام العراق بالتجارة اخترعت الوسائل التي تساعد على نمو التجارة وازدهارها كالعربات والسفن واستخدام الموازين والمكاييل، وكذلك استخدام الحبوب والمعادن كوسيلة لتقويم أثمان السلع والأجور بدلاً من النقود. وشرعت القوانين لتنظيم المعاملات التجارية الداخلية منها والخارجية.

ومن أهم الصناعات والحرف اليدوية التي عرفت منذ عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية أيضًا كانت صناعة الأدوات الحجرية كالسكاكين والفؤوس والآلات الزراعية والأواني الفخارية وصناعة السلال والغزل والحياكة، كما برع العراقيون في صناعة التماثيل والنصب والمسلات ونحت الألواح الحجرية. وأصبح لكل حرفة جماعة أو طائفة، ولكل جماعة رئيس من أمهر الحرفيين ويخلفه ابنه في هذه الحرفة. وهناك حرف الدباغة والبناء والنجارة والحدادة وصيد الأسماك ورعي الأغنام وغيرها.


القوانين. تعد القوانين العراقية القديمة من أهم إنجازات الحضارة العراقية في العصور القديمة. فالقوانين المكتشفة في العراق هي أقدم القوانين المكتشفة في العالم. وقد أظهرت القوانين القديمة أنها على درجة كبيرة من النضج والتنظيم. وهناك قوانين سومرية (أور 2113 - 2095ق.م) وقانون لبت عشتار (1934 - 1923ق.م) وقانون أشنونا باللغة الأكادية، ثم قانون حمورابي الذي يعتبر أكمل وأنضج قانون قديم مكتشف حتى الآن. وقد دون باللغة الأكادية في لهجتها البابلية، وبالخط المسماري وكتب على مسلة من حجر الديوريت الأسود، وضم حوالي 282 مادة قانونية. وقد تم الكشف عن مسلة حمورابي عام 1901 - 1902م في مدينة سوسا عاصمة العيلاميين، وهي الآن محفوظة في متحف اللوفر في باريس.

وعلى الرغم من قدسية القوانين باعتبارها مستوحاة من إله الشمس عند البابليين، كما تشير إلى ذلك المسلة نفسها، فإن المواد القانونية لم تعالج إلا الشؤون الدنيوية. ويمكن تقسيم ما ورد فيها من مواد إلى خمسة أقسام رئيسية: يعالج الأول الأمور الخاصة بالتقاضي والاتهام الكاذب وشهادة الزور وتلاعب القضاء، في حين اختص القسم الثاني والذي ضم 120 مادة بالمواد الخاصة بالأموال، والجرائم التي تقع على الأموال كالسرقة، والأراضي والعقارات والتجارة والعلاقات التجارية. أما القسم الثالث الذي ضم 87 مادة فهو خاص بالأشخاص، وعالج الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث وتبَنٍّ، كما عالج العقوبات على جرائم الاعتداء على الأشخاص. وفي القسم الرابع حددت مسؤوليات أصحاب المهن وأجورهم وأجور الأشخاص والحيوانات ومسؤولية أضرارهم. أما القسم الأخير والذي يضم أربع مواد فقط فهو خاص ببيع الرقيق. وقد كانت هذه القوانين في مجملها أقل قساوة من القوانين الأوروبية في العصور الوسطى؛ فهي لم تعرف تعذيب المتهم ولا التمثيل به وهو على قيد الحياة.


الدين. للدين أهمية قصوى في حياة الشعوب القديمة، بل إنه من أهم العوامل المؤثرة في سير حياتها وأسلوب تطور حضاراتها. فالمعتقدات والأفكار الدينية تحدد الإطار العام لسلوك الإنسان وحياته، عاداته وتقاليده وأعرافه وقوانينه، وتكون الخلفية المؤثرة في حياته الاجتماعية والفنية والسياسية. لذلك كانت دراسة المعتقدات الدينية العراقية القديمة ذات أهمية كبيرة في فهم حياة العراقيين القدماء. وهناك نصوص مسمارية تشير إلى العديد من مظاهر المعتقدات الدينية كالقصص والأساطير الدينية والملاحم والتراتيل والصلوات، ونصوص الشعائر والاحتفالات والتعاويذ. كما أن هناك آثارًا ومخلفات مادية عن المعتقدات الدينية كالمعابد والزقورات، والتماثيل والنصب والألواح والمشاهد الدينية المختومة على الأختام الأسطوانية والأواني الفخارية. غير أن هذه المعلومات لا تعطينا صورة كافية عن كيفية تطبيق العراقيين لتعاليم الدين وسلوكهم حيال ذلك.


العلوم والمعارف. ومنها الأدب والفن والنحت وفن العمارة، والكتابة والعلوم والرياضيات والفلك والطب. وقد نبغ أهل العراق في تاريخهم القديم في هذه العلوم التي كانت سببًا في رقيهم وحضارتهم.


العراق خلال الاحتلال (الأخميني ـ السلوقي ـ الفارسي). احتل الفرس الميديون (من ميديا) في زمن ملكهم قورش العراق في القرن السادس قبل الميلاد في فترة ضعف بابل الكلدانية. وعُرف ملكهم بملك الأخمينيين. ونشر الفرس نظام الإقطاع ووزع ملكهم الأراضي على جنوده. ونجح الفرس في تحقيق أرباح كثيرة من الزراعة ونشطت التجارة وتراكمت الأموال الهائلة لدى الملك الفارسي.

انتهى احتلال الفرس ليحل محله احتلال الإسكندر المقدوني ملك الإغريق الذي هزم داريوس الثالث في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد. ولما مات الإسكندر، واقتسم قواده ملكه، كان العراق مع بلاد الشام من نصيب سلوقس، وعرفت هذه الفترة بالسلوقية. ثم جاء الغزو الفارسي الجديد بقيام الفرس الفرثيين (البارثيين) وسيادتهم على المنطقة. وأعقب هؤلاء ملوك ساسان الذين شغلوا بحروبهم المعروفة مع البيزنطيين، والتي استمرت حتى ظهور الإسلام.

خلال فترة الصراع الساساني البيزنطي ظهرت دولة الحيرة، وهي إحدى الممالك العربية في مناطق الفرات الوسطى والجنوبية، وقد حكم الحيرة 25 ملكًا. كان من أشهر ملوكهم النعمان بن المنذر (400-418م) والمنذر بن ماء السماء الذي رفض المزدكية وعاصر كسرى أنو شروان الساساني، ثم الملك عمرو بن هند عام 554-569م، الذي قتل وخلفه النعمان بن المنذر (580-602م) آخر ملوك الحيرة. وكان عهده مميزًا بجو من السلام ساد علاقة الحيرة في العراق بالغساسنة في بلاد الشام.

وانتهى حكم النعمان بمقتله الذي كان له صدى في أوساط أهل الجزيرة العربية، وأدى إلى تكتلهم ضد الفرس وهزيمتهم لهم في زمن بعثة النبي ³. وقد افتخر العرب بهذا النصر.

abo rashid
08-09-2006, 10:59 AM
العراق في العصر الإسلامي
(عصر الخلافة الزاهرة)
ظهر الإسلام والعرب متفرقون ومتفككون سياسيًا واجتماعيًا، وأجزاء كبيرة من أرضهم تحت الاحتلال؛ فقد بسط البيزنطيون نفوذهم على بلاد الشام ومصر والمغرب، بينما بسط الفرس نفوذهم على العراق واليمن، وتمتعوا بنفوذ سياسي واقتصادي في الخليج العربي.

ولكن الله سبحانه وتعالى أرسل لهذه الأمة الرسول الكريم النبي المختار محمد بن عبد الله ³ لينشر دينه ويعلي كلمته، واستطاع أن يقيم مجتمعًا إسلاميًا متكاملاً، وأن يحوله إلى قوة عسكرية تدافع عن مركز الإسلام في المدينة المنورة وتسعى لنشر الدين الجديد. وقد تمكن فعلاً من تحقيق هدفه في توحيد الجزيرة في كلمة واحدة، وسار على نهجه الخلفاء الراشدون في تثبيت سلطة الدولة والمحافظة على وحدتها، وخاصة بعد أن قضى أبو بكر على المرتدين وحافظ على الدولة الإسلامية، فقرر مواصلة الجهاد بدءًا ببلاد الشام. وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب حقق المسلمون انتصارهم على البيزنطيين الروم، وقرر الخليفة عمر كذلك إرسال الصحابي سعد بن أبي وقاص إلى العراق ضد الفرس، فانتصر عليهم في موقعة القادسية الشهيرة يؤازره المُثَنَّى بن حارثة الشيباني. وكان ذلك يوم 6 محرم 15هـ، 19 فبراير 636م. وهكذا أنهت معركة القادسية السيادة الفارسية في العراق. كما تابع المسلمون ملاحقة الفرس في بلادهم فدخلوا المدائن ونهاوند بعد معركة فاصلة، هزم فيها الفرس.


إدارة العراق في العصر الراشدي. بعد أن أتمت الدولة الإسلامية فتح العراق، أصبح جزءًا من الدولة الإسلامية التي تعلو فيها كلمة الله، ويسود فيها الإسلام عقيدة ومنهجًا وشريعة. ويتساوى فيها أفراد الأمة في الحقوق والواجبات، ويعملون جميعًا وفق منهج القرآن والسنَّة النبوية من أجل قوة هذه الدولة ومنعتها.

كان الخلفاء الراشدون الثلاثة الأوائل يقيمون في المدينة، حيث نشأت دولة الإسلام، وحيث يقيم الصحابة الأولون الذين رافقوا الرسول ³ وجاهدوا معه في بناء الدولة وتثبيت دعائمها وتفهُّم الإسلام، وظل هؤلاء الخلفاء يقيمون في المدينة ما عدا الإمام علي كرم الله وجهه، الخليفة الرابع الذي أقام معظم أيام خلافته في الكوفة، فكان يشرف خلال ذلك على شؤون العراق مباشرة، ولما انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان أصبح مركزها دمشق، في بلاد الشام، وانحصرت الخلافة في الأسرة الأموية، وأصبح الخليفة يختار ولي عهده ثم يدعو الناس لمبايعته، بينما كانت مبايعة الخلفاء الراشدين تتم في المدينة.


الأقسام الإدارية. منذ ضم العراق إلى الدولة الإسلامية كان يعين فيه واليان: أحدهما على الكوفة، والثاني على البصرة. ويسمى كل منهما أميرًا وكان كل أمير مسؤولاً عن إدارة المناطق التابعة له، كما أنه كان مسؤولاً عن الأمن والاستقرار في ولايته، وعن جباية الخراج وحل المشكلات. وقد اعتمد الأمراء في تعزيز سلطاتهم على قوات من الحرس أو الشرطة كانت لها تنظيمات خاصة، وتتبع الأمير وتعمل على تنفيذ أوامره. ولما كان معظم السكان في الأمصار عربًا من الجزيرة، فقد احتفظوا بتجمعاتهم القبلية، وعُـيّن لكل قبيلة عريف مسؤول عن الأمن والنظام.

كان في كل من البصرة والكوفة قاض من العرب يعينه الأمير لينظر في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية الخاصة بالزواج والطلاق والميراث، وكذلك ما يتعلق بمعاملات البيع والشراء والتجارة وغيرها. أما القضايا المتعلقة بالأمن والجنايات فكان ينظر فيها الأمير أو صاحب الشرطة. كما عين المحتسب للإشراف على معاملات السوق والأوزان والمكاييل. وقسمت الكوفة إلى أربعة أقسام كبيرة والبصرة إلى خمسة، كل قسم يضم عدة عشائر ولكل عشيرة رئيس يتم اختياره من ذوي المكانة الرفيعة عند العشائر، ويقر الخليفة اختياره، ولهؤلاء الرؤساء سلطة كبيرة مستمدة من مراكزهم الشخصية والاجتماعية ومن الواجبات الملقاة على عاتقهم؛ فكانوا ينظرون في شؤون عشائرهم، ويمثلون هذه العشائر ومصالحها أمام الأمير، ويقودون مقاتلي قبائلهم في الحروب.

تقرر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب إنشاء ديوان في كل من الكوفة والبصرة لحفظ السجلات الخاصة بالدولة وينقسم الديوان إلى قسمين هما: ديوان الخراج وديوان الجند. أما الأول فيشمل السجلات المتعلقة بالجبايات والخراج، وأما الثاني فيشمل سجلات الجند وأسماءهم وعائلاتهم ومقدار عطائهم. ويشرف على كل ديوان رئيس له صلاحيات واسعة في إدارته وتنفيذ القرارات.

عمل المسلمون على إنعاش المدن ونموها وذلك عن طريق تيسير نقل السلع ونشاط التجارة بين مختلف مراكز الدولة، وكذلك تأمين حرية الأفراد في التنقل والعمل. كما تطلبت الأوضاع الجديدة للدولة بأن يكون العراق قاعدة للفتوح الإسلامية في المشرق، فاتخذت الدولة مراكز جديدة تقيم فيها حاميات عسكرية لحماية حدود الدولة واستتباب الأمن. ومن هذه المراكز الكوفة والبصرة وواسط، وقد تطورت وأصبحت مراكز حضارية ومواطن لحياة مدنية نشيطة. وبذلك حلت هذه المراكز محل المدائن والأنبار.


الحركة الفكرية وموقف الإسلام من العلم. عمل الإسلام بالنص القرآني والسنة على تنقية الحياة الفكرية العربية من عوامل التخلف والخرافة، وأخذ يدعو إلى استخدام العقل والحواس للتأمل في مظاهر الكون والحياة، كما حثهم على التعلم المنظم والقراءة.

وقد نشطت الحركة الفكرية في البصرة والكوفة، فقد نزل عدد كبير من الصحابة، من أبرزهم عبد الله بن مسعود وعلقمة والأسود والحارث بن قيس وسعيد بن جبير وغيرهم في الكوفة. أما البصرة فقد ضمت أبا موسى الأشعري وأنس بن مالك والحسن البصري. وقد برز أهل العراق في اللغة والنحو، وظهر فيه مذهبا الكوفة والبصرة في النحو. وقد اتسم النشاط الفكري في العراق بطابع الإعلاء من شأن العقل والرأي، ولذا فقد عرفت المدرسة الفقهية التي ظهرت في العراق باسم مدرسة الرأي.

وأهم العلوم التي نالها الاهتمام: تفسير القرآن الكريم والسيرة النبوية والنحو. وكان من أبرز علماء النحو واللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي والكسائي والأخفش وسيبويه الذي كان كتابه في النحو مثالاً يحتذى في التأليف.


العراق تحت الحكمين الأموي والعباسي. أدرك الخلفاء منذ أيام عمر بن الخطاب مكانة العراق المتميزة وأحواله الخاصة؛ فكانوا يختارون لولايته أقدر الرجال، وأدعاهم لشؤون أهله. كما بذل الأمويون جهودًا كبيرة لتأمين سيطرتهم على العراق، ولكنهم لم يفلحوا في كسب ود الناس. وكثر المعارضون للحكم الأموي واتخذوا من العراق قاعدة للمعارضة التي نادت بجعل الخلافة في آل البيت، ونجحت المعارضة في النهاية في الثورة على الأمويين بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي كان يعمل لصالح العباسيين وانتهت الثورة بانتصار العباسيين، على الأمويين، وبذلك انتقل الحكم إلى البيت العباسي، الذي اتخذ من بغداد عاصمة للدولة العباسية في زمن أبي جعفر المنصور. واستقر الحكم العباسي في أسرة واحدة لمدة تزيد على خمسة قرون.

ومهما يكن من أمر فإن الأمويين قد قاموا بتوسيع الدولة الإسلامية العربية حتى وصلت حدودها إلى الصين شرقًا وفرنسا غربًا، بينما ازدهرت الحياة العلمية والفكرية والحضارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية.

فقد حرص العباسيون، الذين ينحدرون من سلالة العباس عم الرسول ³، على العناية بالأمور الدينية، فاهتموا بخطبة الجمعة والقيام على الحج، وعنوا بالجوامع وتوسيعها، واهتموا بفرائض الإسلام وشعائره.

ويمكن القول بأن الدولة الإسلامية، وعاصمتها بغداد، شهدت في العصر العباسي ازدياد نمو المدن وازدهار الحياة المدنية وانتعاش الصناعة والتجارة، وارتفاع مستوى المعيشة. كما ساعد على ازدهار الحياة الاقتصادية في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، استتباب الأمن وحرية العمل والتنقل في الدولة. وقد شهدت البلاد حركة فكرية واسعة فظهر عدد كبير من العلماء والمفكرين الذين عنوا بعلوم الدين، والآداب والمعارف والعلوم الدنيوية في مختلف فروعها ونشطت حركة العمران والتأليف. لكنه في الوقت نفسه ظهرت بعض الأفكار والمعتقدات الغريـبة على الإسلام كالخرمية والشعوبية والزندقة والمانوية والمزدكية.

abo rashid
08-09-2006, 11:00 AM
العراق بين الاحتلالين المغولي والصفوي
دخل المغول بغداد في 5 صفر 656 هـ، 1258م بعد مقاومة عنيفة، وفتكوا بأهلها سبعة أيام أو تزيد، وتم تخريب المدينة وحرقها وقتل سكانها؛ وبذلك انتهى الحكم العباسي واستطاع أحد أفراد الأسرة العباسية النجاة وهو أبو القاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله الذي أعلنه سلطان مصر الظاهر بيبرس سنة 659هـ، 1260م خليفة باسم المستنصر بالله، ولم يكن له من السلطة إلا الاسم.

أُلغيت الدواوين وبقي ديوان الوزير وديوان الزمام ثم أدمج الديوانان في ديوان واحد صار رئيسه صاحب الديوان، وهو الحاكم الأعلى في العراق، وهو الذي يعين كبار الموظفين وغيرهم. وإلى جانب صاحب الديوان، هناك كاتب السلة، وهو مسؤول عن كتاب الولاية وبيده أسرارها. وهناك قاضي القضاة. وأهم الوظائف العسكرية الشحنة (القائد العسكري الأعلى) ومهمته المحافظة على الأمن والقضاء على الثورات وكذلك وظيفة نائب الشرطة. أما إدارة الدولة فهي لا مركزية.

عانى الشعب من وطأة الضرائب تحت حكم المغول، مما أدى إلى تدهور أحوال البلاد اقتصاديًا وازدياد الخراب في بعض المدن. ولم يضف المغول شيئًا جديدًا إلى ما كان عليه أسلافهم من النظم الإدارية والحضارية والاقتصادية. قامت الحروب بين الفرق المغولية الجلادية، مما أدى إلى تعرض البلاد لغزوات القره قوينلو، والأق قوينلو مما جعل الصفويين يهاجمون العراق.


الصفويون في العراق. احتل الشاه إسماعيل الصفوي بغداد عام 914هـ، 1508م واتبع سياسة تفريق صفوف الأمة الواحدة، وباضطهاد السكان وتخريب مزارعهم. غير أن العثمانيين لم يمكنوهم من البقاء. فقد هزم السلطان العثماني سليم الأول الصفويين في موقعة جالديران عام 920هـ، 1514م. وقد أدى انتصار العثمانيين على الصفويين إلى مد النفوذ العثماني إلى شمال العراق في الجزيرة والموصل وأربيل وكركوك. وقد زعزع انتصار العثمانيين النفوذ الإيراني الفارسي في المنطقة.


الحكم العثماني في العراق 1534 - 1918م
استولى العثمانيون على بغداد في 24جمادى الثانية 941هـ،31 ديسمبر 1534م في عهد السلطان سليمان القانوني، الذي هزم الصفويين. وبذلك سيطر العثمانيون على أهم الطرق التجارية الرئيسية التي تربط الشرق الأقصى بأوروبا. وترتبت على ذلك مسؤوليات دفاعية ضد البرتغاليين في منطقة الخليج العربي. فأمر السلطان بإعداد الأسطول العثماني لمنازلة البرتغاليين. ووقع السلطان سليمان صلحًا مع الشاه طهماسب الصفوي تخلى فيه السلطان سليمان عن تبريز مقابل تعهد الشاه بعدم الاعتداء.

بعد أن سيطرت الدولة العثمانية على العراق قسمته إلى أربع ولايات: بغداد وفيها ثمانية عشر سنجقًا أو لواء إضافة إلى المركز، والموصل، وفيها ستة سناجق، وشهر زور وفيها واحد وعشرون سنجقًا بما فيها القلاع، والبصرة، ولم يكن فيها سناجق لتركيبها العشائري وتجبى ضرائبها بالالتزام. وقد حدثت فيما بعد تبدلات فرعية في هذه التقسيمات. ويرأس الجهاز الحكومي الوالي وغالبًا ما يكون برتبة وزير. ولوالي بغداد صلاحيات أوسع مما لولاة الولايات الأخرى، فهو مسؤول عن الإدارة المدنية والعسكرية ويعاونه وكيله الكتخدا. ويشرف الدفتردار على الأمور المالية. ويلي الوالي في المكانة الاجتماعية القاضي، فهو مسؤول عن تطبيق العدل ويعاونه رئيس الشرطة (صوباشي) والمحتسب (احتساب أغاسي) ومهمتهما تنفيذ الأوامر ومراقبة الأسواق. وبالإضافة إلى هذه المناصب هناك أغا الانكشارية قائد الحامية، و (المكتوبجي) كاتب الرسائل ومهردار (حامل الأختام) و (خزنة دار) أمين الصندوق (واحتشامات أغاسي) رئيس التشريفات، و (روزنامجي) كاتب الوقائع اليومية.

كانت كبرى المشكلات التي واجهت الحكم العثماني للعراق في ولايتي شهر زور والبصرة. فالأولى في منطقة الجبال على الحدود مع الدولة الصفوية، ولهذا تعرض الحكم العثماني فيها إلى الأخطار باستمرار. أما البصرة، فهي تقع في منطقة شديدة المراس، وكانت دائمًا تنازع سلطات بغداد. وقد أبدى العثمانيون مرونة مع الأسر المحلية المتنفذة التي أعلنت ولاءها، خاصة وأن العثمانيين حرصوا على تثبيت نفوذهم وسلطاتهم في منطقة البصرة من أجل التحكم بشبكة الطرق التجارية وبخاصة طريق الخليج العربي، وذلك من أجل منازلة البرتغاليين والتصدي لهم في منطقة الخليج العربي.

سادت العراق حقبة من الاستقرار دامت قرابة نصف قرن، تخللها عدد من الاضطرابات في منطقة البصرة نتيجة الثورات الفكرية. وقد أدرك السلطان سليمان القانوني أهمية العراق وأن ضياعه يعني تجدد الأطماع الفارسية في الأناضول، فعمل على التمسك به، وجند في سبيل ذلك إمكانات مالية وعسكرية كبيرة تحديًا لفارس وإصرارًا على الوقوف أمام أطماعها. وأصبحت السياسة العثمانية في عهده تقوم على الحفاظ على العراق وعدم التساهل في التنازل عن أي جزء منه. فنشط ولاة العراق في تأمين النظام داخل المدن وصد اعتداءات الصفويين على الحدود. وشيد بعض الولاة عددًا من الجوامع والمدارس، ونشطت التجارة في هذه الحقبة.

ثم أخذ الوضع العام في العراق في التدهور، وبدأت الفوضى وعدم الاستقرار في الانتشار مع مطلع القرن السابع عشر الميلادي، وكثرت الحركات الانفصالية، فاستغلها الصفويون الذين احتلوا بغداد ومناطق أخرى في عام 1623م. واستعاد العثمانيون بغداد مرة أخرى سنة 1638م بعد محاولات مستمرة. وأدت هذه الحروب إلى الكثير من الخراب والدمار، وكثرة الاضطرابات وحركات التمرد.

وتكررت محاولات الصفويين للاستيلاء على البصرة وبغداد، وانتهت هذه المحاولات بتوقيع معاهدة أرضروم عام 1847م بين الدولتين تم فيها اعتراف بلاد فارس بتبعية العراق للعثمانيين.


حكم المماليك في العراق. 1189 - 1247هـ، 1775 - 1831م. أدى ضعف السلطة المركزية، والانحسار الفعلي للوجود العثماني المباشر عن أقاليم عديدة، إلى قيام سلطات محلية قوية تمكنت من ملء الفراغ الناجم عن ذلك الانحسار، فظهرت سلطة المماليك في العراق.

وتميزت فترة حكم المماليك بتعاقب ولاة مماليك على السلطة في بغداد، وظهور دور ملحوظ للقوى الأوروبية في إسناد ترشيح أحد الأغوات المماليك لولاية بغداد ممن يجدون في تعيينه ما يحقق لهم مزيدًا من المصالح في العراق، الأمر الذي أضاف عاملاً جديدًا في إبقاء السلطة بيد المماليك وترسيخ السيطرة العثمانية غير المباشرة، فكان تعيين سليمان باشا الكبير سنة 1194هـ، 1780م بدعم كل من المقيم البريطاني في البصرة والسفير البريطاني في إسطنبول. كما جاء تعيين خلفه علي باشا سنة 1802م بتدخل من المقيم البريطاني في بغداد، بينما وصل سليمان باشا الملقب بالصغير إلى الحكم سنة 1808م بمساندة ودعم من الفرنسيين، وكان آخر الولاة داود باشا.

abo rashid
08-09-2006, 11:00 AM
وقد استطاعت الدولة العثمانية القضاء على المماليك إثر معركة وقعت بين الطرفين في رمضان 1225هـ، أكتوبر 1810م وظلت الأسر المحلية في العراق تحكم بموجب فرمانات من السلطة العثمانية كأسرة الجليلي في الموصل وأسرة البابانيين في السليمانية. وقد عينت الدولة العثمانية الوالي علي رضا باشا واليًا على بغداد وعمل على توطيد نفوذه في البلاد. وقد عملت بريطانيا على توطيد نفوذها في العراق، فأوفدت بعثات تقوم بأعمال المسح والتخطيط خلال الفترة (1830-1860م).


الاحتلال البريطاني للعراق
يرجع اهتمام بريطانيا بالعراق والخليج العربي وتطلعها إلى السيطرة عليهما منذ القرن السابع عشر الميلادي، وذلك لموقعهما الجغرافي وأهميتهما الاستراتيجية لوقوعهما على طريق مواصلات بريطانيا إلى الهند، درة التاج البريطاني آنذاك؛ هذا فضلاً عن أهمية العراق الاقتصادية، ووجود النفط في أرضه، وقربه من حقول النفط البريطانية في بلاد فارس (إيران).

بدأ تسرب النفوذ البريطاني إلى العراق عن طريق دخول التجار والرحالة الإنجليز إلى ربوعه منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادي، ثم عن طريق شركة الهند الشرقية البريطانية التي أنشأت أول وكالة لها في البصرة سنة 1053هـ، 1643م، ثم أصبح لوكيل الشركة مهمة سياسية، إضافية لعمله فيها، عندما أصبح قنصلاً لدولته. وازداد نفوذ بريطانيا في العراق في أعقاب قدوم الحملة الفرنسية على مصر.

غير أن النفوذ الإنجليزي لم يلبث أن واجه منافسة خطرة من روسيا التي احتلت شمالي فارس (إيران)، في محاولة منها للوصول إلى الخليج العربي فالمحيط الهندي، وتحويل تجارة فارس (إيران) والهند وآسيا الوسطى لمصلحة روسيا. فلجأت بريطانيا ـ كما أشرنا ـ إلى تشكيل شركة ملاحية وهي شركة لنش للملاحة والتجارة في نَهْري دجلة والفرات، وكانت لها سفن وبواخر كثيرة، كما اتسعت أعمالها وازدادت مالاً ونفوذًا. وكانت الحكومة البريطانية تدعمها، لأن الشركة المذكورة كانت تعمل على تقوية النفوذ البريطاني في العراق حتى تفاقم وأصبح خطرًا على كيانه، ولا سيما بعد أن أصبح الإنجليز يشرفون على الملاحة في شط العرب وعلى عملية إرشاد السفن فيه، الأمر الذي حدا بنواب العراق في (مجلس المبعوثان) العثماني النيابي سنة 1327هـ، 1909م لإثارة البحث حول وضع الشركة.

وظلت إنجلترا تعزز نفوذها السياسي في العراق سواء عن طريق التجارة أو خطوط البريد والبرق وإرسال البعثات للكشف عن آثار العراق، أو إقامة مشروعات، وتحرص على جعل هذه الأمور محصورة فيها دون غيرها من الدول، حتى واجهت المشروع الألماني الخاص بسكة حديد برلين ـ بغداد، فأوقفت المشروع ببسط نفوذها على الكويت عام 1317هـ، 1899م، وظلت بريطانيا تقاوم كل المحاولات الدولية الرامية للسيطرة على الخليج والعراق حتى قيام الحرب العالمية الأولى.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، تقدمت قوة بريطانية واحتلت البصرة في 5 نوفمبر 1914م لتبدأ عملياتها الحربية ضد الدولة العثمانية التي دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا، فقامت بريطانيا بإرسال حملة بحرية لتحتل العراق بالقوة وتحقيق ما كان التجار والبحارة والسياسيون والسياح والخبراء قد مهدوا له ووضعوا أسسه خلال ثلاثة قرون.

وقد تحركت الحملة الإنجليزية بقيادة الجنرال ديلامين بعد احتلال البصرة متقدمة إلى العمارة فاحتلتها في 3 يونيو 1915م كما احتلت الناصرية في 25 يوليو من العام نفسه بعد معارك دامية. وزعم الإنجليز أنهم جاءوا لتحرير العراق من ظلم الأتراك، وذلك من أجل كسب ود الشعب العراقي. وهكذا سيطر البريطانيون على منطقة جنوبي العراق بحيث ضمنت بريطانيا المحافظة على المصالح النفطية من جهة، والسيطرة التامة على الخليج العربي، من جهة أخرى.

تابعت القوات البريطانية زحفها في اتجاه بغداد حيث جرت معركة بين الإنجليز والأتراك في الكوت عام 1916م، وتمت هزيمة الإنجليز هزيمة ساحقة حيث تكبدوا خسائر فادحة، غير أن الإنجليز لم يتنازلوا عن احتلال بغداد، فجهزوا حملة بقيادة الجنرال مود تمكنت من هزيمة القوات التركية العثمانية، واحتلت بغداد في 11 مارس 1917م بعد انسحاب القوات التركية منها. وتابع الجيش البريطاني زحفه على الجبهات الأخرى بقيادة الجنرال مارشال الذي خلف مود، فاحتل سامراء ثم الرمادي وأخيرًا احتل الموصل في 7 نوفمبر 1918م واكتمل احتلال بقية العراق. وادّعى الإنجليز بعد احتلال بغداد أنهم دخلوها محررين وليسوا أعداء منتصرين.

كان الاحتلال البريطاني تنفيذًا لجزء من اتفاقية سايكس ـ بيكو التي اقتسم بها الإنجليز والفرنسيون مناطق النفوذ والسيطرة الاستعمارية في الشام والعراق، ولكن العراقيين كانوا يأملون تحقيق الاستقلال نظرًا لوعود بريطانيا للشريف حسين من جهة خاصة بعد نجاح الثورة العربية ضد الأتراك العثمانيين، وكذلك وعود بريطانيا لهم بالاستقلال والحرية من جهة أخرى، مما دفعهم لعدم مساعدة الأتراك خلال الحرب.

وكان السير بيرسي كوكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي رئيسًا لإدارة الاحتلال، وقد أصبح فيما بعد المندوب السامي المسؤول عن الإدارة المدنية، فوضع أنظمة وقوانين مستمدة من الهند، وفرض الضرائب.

فوجئ العراقيون في نهاية الحرب العالمية الأولى بإنشاء إدارة استعمارية في العراق على نمط الإدارة في الهند، ووعد الإنجليز بتنظيم الإدارة في العراق على شكل يؤمن مطالب الجيش المحتل من جهة، ويحقق السلام العام للأهالي ويوفر نوعًا من الرخاء الاقتصادي، والنشاط التجاري في البلاد، من جهة أخرى.

إلا أنهم لم يفوا بوعودهم بل عمدوا إلى تأمين مقتضيات الاحتلال ومتطلباته قبل كل شيء، والعمل على "تهنيد" العراق وخاصة القسم الجنوبي منه، وذلك بإشاعة النظم والقوانين والمبادئ الإدارية الهندية تمهيدًا لضم جنوب العراق إلى الهند، كما اهتموا بكسب ودّ العشائر لخدمة المصالح البريطانية، فزودوها بالمال والسلاح ومنحوها إقطاعات كبيرة من الأرض. كما عامل الإنجليز الأهالي معاملة العدو المغلوب، واستولوا على جميع الوظائف في الدولة، وجنّدوا الفلاحين لعمل السُخْرة، وحظروا تجارة المواد الغذائية إلا بعد تأمين حاجة الجيش، ونفوا زعماء العشائر والضباط العرب الذين اشتركوا في الثورة العربية الكبرى إلى الهند وسيلان ومصر. هذا فضلاً عن فرض الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهل الشعب العراقي، وذلك لتغطية نفقات الجيش البريطاني في العراق.

وتحوّل شعور الشعب العراقي من الدهشة والاستغراب والمفاجأة من هذه الأعمال إلى نقمة ثورية وحين سمع العراقيون بإقامة حكومة عربية في دمشق، وبالمبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي ولسون، وبخاصة مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، بادروا إلى تكوين جمعيات تطالب بالاستقلال، مثل حرس الاستقلال وجمعية العهد، اللتين تأسستا عام 1919م. وأرسل بعض الضباط العراقيون مذكرة إلى الحكومة البريطانية تطلب إقامة حكومة وطنية في العراق. ولكن الرد البريطاني كان مخيبًا للآمال، كما أن مقررات مؤتمر سان ريمو عام 1920م أوضحت نوايا الحلفاء الاستعمارية والتي تقرر بموجبها فرض الانتداب البريطاني على العراق. الأمر الذي أثار استياء الشعب العراقي وغضبه مما دفعه للكفاح من أجل التخلص من الاحتلال ونيل الاستقلال.


ثورة 1920م. هب الشعب العراقي بكافة فئاته وشرائحه الاجتماعية، فقام بثورة عام 1920م (ثورة العشرين)، شملت معظم المدن العراقية لمقاومة النفوذ البريطاني، وذلك بسبب سوء معاملة الإنجليز للعراقيين، وانتشار الروح الوطنية والوعي القومي بينهم. وكان السبب المباشر لاندلاع الثورة هو قيام الحاكم الإنجليزي في الرميثة بالقبض على أحد شيوخ العشائر، مما أدّى إلى دخول رجاله عنوة إلى سراي الحكومة، وإطلاقهم سراح شيخهم وقتلهم الحرس، وقلعهم سكة حديد الرميثة وما كان جنوبها، والسيطرة على بعض المدن وإلحاق الخسائر بالقوات البريطانية في تلك المناطق. وهكذا انتشرت الثورة في محافظات بغداد وكربلاء وبابل والنجف وغيرها. ودامت الثورة حوالي ستة شهور تكبدت خلالها القوات البريطانية خسائر بشرية كبيرة بلغت حوالي ألفين وخمسمائة بين قتيل وجريح، وخسائر في الممتلكات تزيد عن أربعين مليونًا من الجنيهات الأسترلينية. وقد كشفت الثورة عن التضامن والنضج السياسي والاستعداد العسكري بين العراقيين آنذاك. ويؤخذ على الثورة عدم وجود قيادة موحدة لها، الأمر الذي أدى إلى عدم قيام العراقيين بالثورة في آن واحد مما نجم عنه وقوع أخطاء فردية.

وقد أظهرت هذه الثورة صعوبة استمرار الحكم البريطاني المباشر في العراق. ونتيجة لانتقادات الساسة البريطانيين في مجلس العموم البريطاني لسياسة بريطانيا في العراق، قررت الحكومة البريطانية أن تحكم العراق بصورة غير مباشرة، وذلك بإقامة حكومة وطنية فيه.


الحكومة الوطنية المؤقتة وتأسيس الملكية. أسرعت الحكومة البريطانية إلى تشكيل أول حكومة وطنية مؤقتة برئاسة عبد الرحمن الكيلاني، وروعي في توزيع الحقائب الوزارية التمثيل الديني والطائفي والعشائري للبلاد، ووُضِع مستشار إنجليزي بجانب كل وزير. وأعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية رشحت لها الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد خروجه من سوريا. وتم اختيار الأمير فيصل ملكًا على العراق، وتوّج في 18 ذي الحجة 1340هـ، 23 أغسطس 1921م بعد إجراء استفتاء شعبي كانت نتيجته 96% تأييدًا لفيصل.

ومهما يكن من أمر فقد بدأ التدخل الأجنبي في الحكومة، وقد واجه فيصل وحكومته مشكلات داخلية وخارجية معًا: أما المشكلات الداخلية فكانت تتعلق بالقبائل والأقليات كالأكراد والآشوريين والانقسام الطائفي بين السُنة والشيعة. أما المشكلات الخارجية فتتعلق بموقف العراق من بريطانيا والتي أجبرته على توقيع معاهدة معها في 10 أكتوبر 1922م تضمنت أسس الانتداب، واشترطت المعاهدة تأسيس مجلس تأسيسي منتخب لتشريع الدستور وإصداره.

abo rashid
08-09-2006, 11:00 AM
المجلس التأسيسي العراقي والمعارضة الوطنية. صدرت الإرادة الملكية في 19 أكتوبر 1922م بتأليف المجلس التأسيسي ليقر دستور المملكة، وقانون انتخاب مجلس النواب، والمعاهدة العراقية البريطانية. ولكن الشعب العراقي عارض فكرة المجلس، ودعت المعارضة الوطنية من خلال الصحف والاجتماعات لمقاطعة الانتخابات، وطالبت بإلغاء الحكم العسكري البريطاني، وإطلاق حرية المطبوعات، وسحب المستشارين البريطانيين من البلاد، وإعادة المنفيين العراقيين إلى بلادهم والسماح بتأليف الأحزاب.

ثم سمح فيصل بإنشاء الأحزاب السياسية على النمط الأوروبي في عام 1922م، وتشكلت ثلاثة أحزاب كان اثنان منها يمثلان المعارضة، هما الحزب الوطني العراقي وحزب النهضة العراقية، ويطالبان بالاستقلال وإقامة حكومة ملكية دستورية في العراق؛ في حين يطالب الحزب الثالث، وهو الحزب الحر العراقي بتأييد الوزارة ويؤيد عقد معاهدة تحالف مع بريطانيا.

أصبح لهذه الأحزاب أثر واضح في الحياة السياسية للعراق، فقد نظم الحزب الوطني وحزب النهضة مظاهرة شعبية في الذكرى الأولى لتتويج الملك نادت بإلغاء الانتداب. وألقيت الخطب الوطنية الحماسية مما جعل المندوب السامي البريطاني يحتج على ذلك. ونجم عن ذلك حلّ حزبي المعارضة ونفي زعمائهما إلى خارج البلاد. وعم السخط كل أنحاء العراق، وقامت انتفاضات شعبية في بعض أنحاء العراق، فلجأ المندوب السامي إلى القصف الجوي لقمع هذه الانتفاضات، واستخدم العنف والقسوة ضد مناوئي الانتداب.

وأجريت الانتخابات للمجلس التأسيسي في فبراير 1924م، استخدمت فيها بريطانيا كل وسائل الضغط والإكراه في سبيل السيطرة على عملية الانتخابات، وتم افتتاح المجلس التأسيسي في مارس عام 1924م، وانتخب عبد المحسن السعدون رئيسًا له، وحددت مهمة المجلس بالتصديق على معاهدة 1922م التي تؤمن استقلال العراق ودخوله عصبة الأمم وحسم مشكلة الموصل.

وجوبهت المعاهدة بمعارضة شديدة، ولجأت الحكومة إلى الإرهاب، ورفض المندوب السامي البريطاني إجراء بعض التعديلات على المعاهدة قبل إبرامها. وتم التصديق على المعاهدة وإعلان الدستور وقانون الانتخابات. وانحل المجلس التأسيسي وحل محله مجلس النواب في 21 مارس 1925م.

أنهى المجلس مشكلة الموصل التي كانت تطالب بها تركيا، وعرضت قضية الموصل على عصبة الأمم التي أوصت بأن تكون ضمن المملكة العراقية على شرط أن تبقى تحت الانتداب البريطاني مدة 25 سنة. وعلى أثر ذلك تم عقد معاهدتين الأولى بين العراق وبريطانيا في 13 يناير 1926م والثانية بين العراق وتركيا وبريطانيا في 5 يونيو 1926م، تضمنت علاقات حسن الجوار، ونص فيها على اعتبار الحدود نهائية. وصادق البرلمان العراقي على المعاهدة في 18 يناير 1926م التي كانت مادتها الثالثة تنص على إمكان النظر في دخول العراق عصبة الأمم بعد أربع سنوات.


الأحزاب في العراق. تشكلت في هذه الفترة أحزاب أخرى منها حزب الأمة عام 1925م. وكان يهدف إلى المطالبة بالاستقلال التام، كما نشأت في الموصل أحزاب ثلاثة هي: حزب الاستقلال وجمعية الدفاع العراقي والحزب الوطني العراقي، وكلها تدافع عن قضية الموصل، وتطالب بأن تكون هذه الولاية ضمن حدود العراق. كما تشكَّل حزبان آخران في بغداد هما حزب التقدم وحزب الشعب. وفي عام 1930م شكل نوري السعيد حزب العهد الموالي لبريطانيا، وظهرت أحزاب أخرى منها الحزب الوطني وحزب الإخاء اللذان اندمجا معًا في حزب واحد وهو حزب الإخاء الوطني، وكذلك جماعة الأهالي، والحزب الشيوعي العراقي. وأخذت هذه الأحزاب على عاتقها قيادة الحركة الوطنية في البلاد بما يحقق للعراق استقلاله التام وسيادته الوطنية، ومعارضة النفوذ البريطاني والمطالبة بتعديل المعاهدة العراقية البريطانية عام 1930م. انظر: الأحزاب السياسية العربية .

وعمل الملك فيصل بن الحسين على تأسيس الجيش العراقي الحديث، وإنشاء الكلية العسكرية عام 1925م. وتقدم التعليم في عهده، فأرسل البعثات العلمية إلى الخارج، واستقدم المدرسين والمهندسين والفنيين من مصر، وأنشأ عدة كليات كانت نواة لجامعة بغداد، كما عمل على توسيع الزراعة عن طريق مشروعات الري الحديثة، وقيام الصناعات النسيجية الآلية، واستغلال آبار النفط. وعقد كذلك معاهدات صداقة وحسن جوار مع كل من المملكة العربية السعودية والأردن وتركيا عام 1931م ومع إيران عام 1932م. وأنهى الخلافات القديمة بينه وبين جيرانه وحل مشكلات الحدود.

وبالنسبة لامتيازات النفط الأجنبية في العراق، فقد وقِّع اتفاق في 14 مارس 1925م يصبح النفط بموجبه مِلكًا لشركة مساهمة تضم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وتؤمن المصالح الأجنبية فيها، وسُميت شركة نفط العراق المحدودة، وبدأت بتصدير النفط عام 1934م عن طريق ميناء حيفا في فلسطين. وقد بلغ إنتاجها خلال ذلك العام حوالي ثلث مليون طن. وقد استغلت الدول الكبرى مسألة النفط للضغط على العراق من أجل موافقتها على ضم الموصل إليه.


النضال ضد الانتداب البريطاني. بدأ العراقيون مواجهتهم للإحتلال البريطاني منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام قوات الإحتلال أرض العراق. وقد واجهت المقاومة الوطنية العراقية الوجود البريطاني لإصرار قوات الاحتلال على استمرار سيطرتها على العراق لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية. فاستبدلت بريطانيا الانتداب بمعاهدة تحالف عقدتها مع العراق عام 1922م، وكانت صورة مستورة لصك الانتداب الذي يمقته العراق.

غير أن فيصلاً الذي لم يكن راضيًا تمامًا عن المعاهدة، اتبع سياسة خذ وطالب التي تؤدي إلى الاستقلال خطوة بعد أخرى.

وأخذ العراقيون يعملون على إزالة الحكم المزدوج الذي تمتع فيه البريطانيون بمشاركة العراقيين في إدارة البلاد، وظلت العناصر الوطنية تنظر إلى معاهدة 1922م على أنها كبدت العراق عبئًا ثقيلاً في قيودها وشروطها ومسؤولياتها. ولذا عُدّل عُمْر المعاهدة من عشرين سنة إلى أربع سنوات فقط، ثم استبدل بها عام 1926م معاهدة أخرى من أجل قضية الموصل. وجرت مفاوضات بين الحكومتين العراقية والبريطانية بشأن تعديل الاتفاقيتين المالية والعسكرية، وانتهى الأمر بالتوقيع على معاهدة جديدة تحل محل المعاهدتين السابقتين في 14 ديسمبر 1927م. وأدت هذه المعاهدة إلى تقليل الرقابة والإشراف البريطاني على الشؤون العسكرية والمالية في العراق، كما تضمنت المعاهدة وعدًا من جانب بريطانيا بتأييد ترشيح العراق لعضوية عصبة الأمم في عام 1351هـ، 1932م.

وتأزَّم الموقف بين العراق وبريطانيا حيث كان الشعب يطالب بالاستقلال وإلغاء الانتداب، في حين كانت الحكومة البريطانية تصر على عقد معاهدة جديدة في شكل لا يختلف بمضمونه عن المعاهدات السابقة. ونتيجة لذلك أُصيب الشعب بخيبة أمل واستقالت عدّة وزارات لأنها لم تستطع تلبية رغبات الشعب في الحرية والاستقلال لأن الوضع في العراق كان قائمًا على أساس حكومة وطنية خاضعة لنفوذ المستشارين البريطانيين.

هاج الشعب وقامت مظاهرات صاخبة ضد تدخل المندوب السامي البريطاني، وتأزمت العلاقات من جديد. ولم ينه هذا الصراع إلا تشكيل وزارة جديدة برئاسة نوري السعيد، الذي بدأ المفاوضات مع الجانب البريطاني في بغداد وانتهت بالتوقيع على المعاهدة في 18 يوليو 1930م. وقد ألّف نوري السعيد كما أشرنا حزب العهد الموالي لبريطانيا والمدافع عن المعاهدة، في حين شكلت المعارضة الوطنية حزب الإخاء الوطني برئاسة ياسين الهاشمي.


معاهدة الاستقلال ودخول العراق عصبة الأمم. عُقِدتْ معاهد التحالف بين بريطانيا والعراق لمدة 25 سنة، وأكَّدت بريطانيا عزمها على ترشيح العراق لدخول عصبة الأمم في عام 1932م، ثم إعلان استقلال العراق. وقد نصت المعاهدة على التعاون في السياسة الخارجية والحرب، إذ تعهدت بريطانيا بالدفاع عن العراق في مقابل تقديم كافة التسهيلات لبريطانيا، كما نصت على إنشاء قواعد حربية جوية في قاعدة الشعيبة في البصرة، وقاعدة أخرى هي قاعدة الحبانية في بغداد، مع منح القوات البريطانية حق المرور من الأراضي العراقية، وتعهدت بريطانيا بتدريب الجيش العراقي وتزويده بالسلاح ـ وقبلت المعاهدة في مجلس النواب والأعيان وجرى التصديق عليها.

وقد قوبلت المعاهدة بآراء مختلفة، فقد وجد فيها فيصل ونوري السعيد خطوة أولية موفقة نحو الاستقلال التام مع حفظ بعض المصالح البريطانية، بينما عدّها رجال المعارضة العراقيون صكًا انتدابيًا مغلفًا، ووسيلة لتدعيم النفوذ البريطاني في بلاد الرافدين. وغدت هذه المعاهدة نموذجًا يُحتذى به لمعاهدات أخرى مع الدول العربية.

وفي 3 أكتوبر 1932م قرر مجلس عصبة الأمم قبول العراق عضوًا في العصبة، وأصبح العراق الدولة السابعة والخمسين من أعضاء العصبة، وانتهت عندئذ مهام المعتمد السامي البريطاني، وحلّ بدله السفير البريطاني لتمثيل دولته.

abo rashid
08-09-2006, 11:01 AM
عهد الاستقلال الوطني (فيصل الأول وابنه غازي)
برهن فيصل على أنه رجل دولة وسياسي محنّك، واستطاع أن يتحرك بهدوء وحذر لكسب ثقة الشعب العراقي وتأييده، وفي الوقت نفسه كان يمالئ السياسة البريطانية متبعًا سياسة خذ وطالب. كما وطَّد علاقاته مع مختلف القوى والحركات السياسية والاجتماعية في العراق بما فيها القوى الوطنية المعارضة، فكان يتقرب من فئة سياسية لينال تنازلات من الفئة المناوئة الأخرى. وكانت غايته التقليل من النفوذ البريطاني دون إثارة حفيظة البريطانيين عليه مما قد يؤدي إلى خلعه عن العرش.

نجح الملك فيصل بذكائه وكياسته في أن يكون نقطة الالتقاء ومركز الثقل لجميع القوى والمصالح السياسية والاجتماعية، وأن يكون الموجِّه والموازن لحركتها. وقد استخدم نفوذه من أجل تقليل الاحتكاك والتصادم بين الأطراف المتنازعة والمتنافسة.

وقد نظر العرب إلى العراق بعد استقلاله نظرة أمل في أن يسهم بنصيب كبير في مساعدة البلدان العربية الأخرى لنيل استقلالها وتحررها. وساعدت هذه الظروف على أن يكون العراق ملجأ للعرب الفارين من اضطهاد سلطات الانتداب أو السلطات المحلية في كل بلاد الشام، وطالب بعضهم الملك فيصل بإقامة دولة واحدة من العراق وبلاد الشام تحت العرش الفيصلي. وظن بعضهم أن العراق يمكن أن يؤدي دورًا أساسيًا في الاتحاد العربي من جهة، وتحرير البلاد العربية واندماجها في وحدة شاملة من جهة أخرى. وهكذا أصبح العراق مركز الثقل في الحركة العربية في المدة الواقعة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية بسبب غدر الإنجليز بأماني العرب في الوحدة والتحرر إبان الحرب العالمية الأولى، مما ساعد على ظهور الحركة العربية في العراق. وكانت هذه الحركة تصب فيها روافد القضايا العربية الأخرى أكثر مما كانت تتحكم فيها ظروف العراق الخاصة.

وعلى العموم، فإن العراق قد تقدم وتطور خلال حكم الملك فيصل (1921-1933م) ونتيجة لمواقف فيصل الرائدة في المجالات الداخلية والخارجية والعربية والدولية، فإنه قد حظي بحب الجماهير وتأييدها، إلا أن الأجل لم يمهله لمتابعة مسيرة الكفاح والنضال، فتوفي في السابع من سبتمبر 1933م، وترك فراغًا كبيرًا كان له أبلغ الأثر في مستقبل العراق عامة ومستقبل الأسرة الهاشمية الحاكمة بصورة خاصة. وخلفه مباشرة ابنه غازي الذي حكم في الفترة من 8 سبتمبر1933 إلى3 أبريل 1939م.

كان غازي عند تتويجه شابًا يافعًا قليل الخبرة. وفي خلال السنوات الأولى من حكمه، ترك إدارة شؤون البلاد إلى مجلس الوزراء ورجال الطبقة الحاكمة الذين كانوا يتنافسون على السلطة، ويحاولون إرضاء السفارة البريطانية. ولم يعد بمقدور الملك الشاب أن يكون مركز الثقل في السياسة الخارجية والداخلية للعراق، كما لم يعد بمقدوره أن يوازن بين القوى والمصالح الوطنية وبين السفارة البريطانية والقوى السياسية والاجتماعية الموالية لها؛ لهذا شهدت فترة حكمه اضطرابات وانتفاضات عشائرية كثيرة وانقلابات عسكرية متعددة، أدت إلى دخول الجيش معترك السياسة، وفرض سيطرته على الحياة السياسية في العراق عدة مرات.

وخلال فترة الثلاثينيات تشكلت في العراق مجموعات سياسية وطنية بعضها يؤيد التعاون مع بريطانيا، وبعضها الآخر يرفض النفوذ البريطاني كلية، وآخرون يقفون موقفًا وسطًا بين الجانبين لما فيه مصلحة العراق.

وفي عهد الملك غازي، شهدت البلاد كثرة تغيير الوزارات، وفساد الحياة النيابية، وعجز التنظيمات السياسية والحزبية عن التعبير عن وجهة نظرها في غياب الديمقراطية، فاضطرت معظم الأحزاب والمجموعات السياسية إلى التحالف مع فئات غير سياسية، كالعشائر والجيش، تملك قوة السلاح والأفراد من أجل مساعدتها للوصول إلى الحكم. وقد شهدت هذه الحقبة العديد من حركات التمرد العشائرية والانقلابات العسكرية من أجل إسقاط حكومة وتبديلها بحكومة أخرى.


تدخل الجيش في السياسة. تألفت بعض القوى السياسية من أمثال ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان مع بعض رؤساء عشائر الفرات الأوسط للقيام بحركة مسلحة ضد حكومة علي جَودت، 1934م، وضد وزارة جميل المدفعي عام 1935م، مما أدى إلى إسقاطهما وكلّف الملك ياسين الهاشمي بتأليف الوزارة بتأييد الجيش.

وفي مايو 1936م قامت بعض العشائر بحركة أخرى ضد حكومة ياسين الهاشمي، إلا أن الحكومة أصدرت أوامرها إلى الجيش للقضاء على الحركات العشائرية.

ومما يجدر ذكره، أن الجيش العراقي كان قوة وطنية ضاربة بعد الاستقلال، وقد تمثل ذلك في إخماد الجيش العراقي لفتنة الآشوريين عام 1933م، وكذلك إخماد ثورات الفرات الأوسط (الرميثة وسوق الشيوخ والمنتفق) عام 1935م، ثم قمعه لحركة بارزان واليزيدية في الشمال خلال عامي 1935 و1936م. وقد اندلعت هذه الثورات والانتفاضات بإيعاز من رجال السياسة في بغداد، أو بسبب معارضة القبائل لقانون التجنيد الإجباري.

وعلى العموم، فقد قام الجيش بأول انقلاب عسكري في بغداد بقيادة بكر صدقي للإطاحة بوزارة ياسين الهاشمي عام 1936م، غير أن ضباط الجيش أطاحوا به بعد عشرة أشهر فقط، وذلك لأنهم كانوا يريدون إنهاء مظاهر التدخل الأجنبي، ووضع نظام سياسي سليم مستقر، وتحرير الدول العربية الشقيقة التي كانت تسعى للحرية والوحدة. وظل الجيش القوة المحركة للسياسة العراقية من وراء ستار، وصار هو الذي يقر تشكيل معظم الوزارات وإسقاطها خلال الفترة 1937 - 1941م عن طريق الانقلابات العسكرية.


ميثاق سعد آباد 1937م. شهدت هذه الفترة توقيع العراق على اتفاق ميثاق سعد أباد عام 1937م بين كل من العراق وتركيا وأفغانستان وإيران، وكذلك توقيع معاهدة تقسيم شط العرب بين إيران والعراق، وتوقيع معاهدة الإخاء والتحالف بين العراق والسعودية وبين العراق واليمن عام 1936م.


مقتل الملك غازي 1939م. لقد كان الملك غازي يولي القضايا الوطنية والقومية جل اهتمامه، حيث تبنَّى مهاجمة الاستعمار، وخصص إذاعة خاصة من قصره لتذيع البيانات الوطنية ضد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، لذا عمد الاستعمار البريطاني إلى التخلص منه، فقُتل في حادث سيارة غامض إثر ارتطامها بعمود كهربائي في مساء 3 أبريل (نيسان) 1939م. وهاج الشعب العراقي وقامت مظاهرات صاخبة تندد ببريطانيا ومعاونيها في العراق. ونودي بابنه فيصل الثاني ملكًا على البلاد، وكان عمره أربعة أعوام، وعُين خاله الأمير عبد الإله وصيًا على العرش، والذي حكم البلاد بالتعاون مع رئيس الوزراء نوري السعيد.


العراق والحرب العالمية الثانية. أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا يوم 3 سبتمبر 1939م، وكانت بداية اندلاع الحرب العالمية الثانية، فأسرعت حكومة نوري السعيد آنذاك بقطع العلاقات مع ألمانيا، وأصدرت أوامرها بطرد الرعايا الألمان أعضاء السفارة الألمانية من بغداد، كما اعتقلت الرعايا الألمان وسلمتهم للسلطات البريطانية واقترح نوري السعيد إعلان العراق الحرب على ألمانيا، وتقديم فرقتين عسكريتين للمشاركة إلى جانب الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) في حربهم ضد دول المحور (ألمانيا وإيطاليا).

وكان لموقف الحكومة رد فعل سيئ لدى الأوساط الشعبية في العراق، لا سيما وأن بريطانيا كانت تمارس سياسة بغيضة في الأوساط العراقية، في حين كانت ألمانيا تحرز انتصارات كاسحة وتمني العراقيين بوعود من أجل حرية العراق واستقلاله، وعدائها للاستعمار واليهود. وقد انعكس هذا التطور على الوضع السياسي في العراق، فانتظمت مختلف الفئات والقوى السياسية في معسكرين متضادين دخلا في صراع مفتوح للسيطرة على مقاليد الأمور، وكان المعسكر الأول يضم المجموعة الموالية لبريطانيا، في حين يضم المعسكر الثاني المجموعة الوطنية والقومية المناوئة لبريطانيا والحلفاء والمؤيدة لدول المحور.

وقد طالبت المجموعة الثانية بالوقوف موقف الحياد بين الأطراف الدولية المتنازعة، ودعت إلى تطبيق بنود المعاهدات والمواثيق التي يرتبط بها العراق باعتدال دون الاندفاع بالوقوف إلى جانب بريطانيا في حربها مع المحور، كما رأت وجوب استغلال فرصة الحرب لمساومة بريطانيا وفرنسا من أجل الحصول على ضمانات وتنازلات لتحقيق استقلال البلاد العربية، وضمان حق الشعب العربي الفلسطيني، وتسليح الجيش العراقي وتنمية اقتصاديات العراق.

وكان يتزعَّم هذا المعسكر الوطني رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكتْ وناجي السويدي وتدعمهم شخصيات عربية أمثال الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين وفوزي القاوقجي. وقد حصلت هذه المجموعة على تأييد واسع من قِبل الشعب العراقي وفي صفوف الجيش خاصة.

وبدا واضحًا أن صِدَامًا عنيفًا سيحدث في المستقبل، فاستقالت وزارة نوري السعيد في مارس 1940م، وتم تكليف رشيد عالي الكيلاني رئيسًا للوزراء. وقد ألحت بريطانيا على الوزارة لإعلان العراق الحرب على ألمانيا، فطلب رئيس الوزراء العراقي رشيد عالي الكيلاني من بريطانيا تعهدًا باستقلال فلسطين واستقلال سوريا نظير إعلان الحرب على ألمانيا واشتراك العراق في الحرب. ولكن الحكومة البريطانية رفضت ذلك فتأزمت العلاقات بين الطرفين.


حركة العراق التحررية 1941م. نجح رشيد عالي الكيلاني في كسب تأييد قادة الجيش (العقداء الأربعة) والعناصر القومية بسبب تمسكه بمبدأ الحياد بين الأطراف الدولية المتنازعة، وفوجئ الزعماء العرب بموقف بريطانيا المتعنِّت، فعملوا على إذكاء روح العداء ضد بريطانيا، كما أدت الدعاية النازية دورًا في إذكاء مشاعر الشعب ضد الإنجليز، ونتيجة لموقف بريطانيا السلبي بشأن قضية فلسطين حدث انقسام في الوزارة القائمة، واتسعت الهوة بين أنصار بريطانيا بزعامة نوري السعيد وبين الوطنيين بزعامة رشيد عالي الكيلاني.

في هذه الأثناء جرت اتصالات بين الوطنيين والحكومة الألمانية لمعرفة موقفها فيما لو قامت ثورة ضد بريطانيا وفرنسا، فأصدرت ألمانيا بيانًا تبدي فيه تعاطفها وتأييدها للقضايا العربية في المستقبل. وكان ذلك بمثابة إشارة للعراقيين للقيام بعمل ما ضد بريطانيا، الأمر الذي دفع الإنجليز إلى إسقاط وزارة الكيلاني وإقامة وزارة موالية لهم، وبالفعل أُطيح بوزارة الكيلاني، وتشكلت وزارة جديدة برئاسة طه الهاشمي التي قررت إقصاء الضباط الأحرار، العقداء الأربعة، وهم: صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب، الذين أُطلق عليهم المستعمرون المربع الذهبي. فرفض الضباط أوامر الوزارة وقاموا بانقلاب عسكري أطاح بالوزارة، وشكلوا حكومة الدفاع الوطني في 2 أبريل 1941م برئاسة رشيد عالي الكيلاني، وفر الوصي عبد الإله إلى البصرة ومنها إلى عمَّان، وانتخب المجلس النيابي الشريف شرف وصيًا على العرش العراقي بدلاً من الأمير عبد الإله، وكلف رشيد عالي الكيلاني بتأليف الوزارة الجديدة.

abo rashid
08-09-2006, 11:01 AM
الحرب العراقية البريطانية. رفضت بريطانيا الاعتراف بالحكومة الجديدة، وبدأت تعد الخطط للقضاء على الثورة العراقية، فطلبت السماح لقواتها بالمرور من العراق تطبيقًا للمعاهدة، فوافقت الحكومة العراقية على ذلك، لكن بريطانيا، كررت الطلب مرة أخرى قبل أن ترحل القوات السابقة تنفيذًا لبنود المعاهدة، فرفضت الحكومة العراقية ذلك؛ ولما كان واضحًا ما في الطلب من الاستفزاز، فقد توتر الموقف بين الجانبين، وأحاطت القوات العراقية بقاعدة الحبانية في بغداد في الأول من مايو 1941م، وأطلق الإنجليز النار على القوات العراقية بالحبانية، ونشب القتال بين الطرفين، وأعلن العراق قطع العلاقات مع بريطانيا، كما اشترك متطوعون عرب إلى جانب الجيش العراقي، فضلاً عن اشتراك الشعب العراقي في الدفاع عن ثورته وحكومته الوطنية. ولكن الحرب لم تكن متكافئة في السلاح إذ لم تصل أي نجدات للعراقيين من ألمانيا، في حين توالت النجدات للإنجليز من الأردن وفلسطين والبصرة، مما أدى إلى انتصار الجيش الإنجليزي بعد حرب دامت شهرًا كاملاً، وعاد الوصي السابق عبد الإله من عَمَّان إلى بغداد، وهرب الكيلاني وأنصاره إلى ألمانيا، وتشكلت حكومة جديدة بزعامة نوري السعيد، ورزح العراق تحت نَيْري التسلط والاحتلال البريطانيين، ووضعت الحكومة العراقية الجديدة نفسها وإمكانيات العراق في خدمة المجهود الحربي البريطاني، كما عملت على إخماد الروح الوطنية، وتصفية العناصر الوطنية وإرهاب الناس، وبرز أنصار بريطانيا في العراق وتحكموا في مقدرات البلاد.


الأوضاع الاقتصادية خلال سنوات الحرب. شعر العراق بوطأة الحرب بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية. وكان للناحية الاقتصادية أعمق الأثر في حياة جميع طبقات المجتمع العراقي، وقد تجسدت هذه الأزمة في النقص الشديد في المواد التموينية والارتفاع الباهظ في الأسعار، وذلك بسبب سيطرة بريطانيا على الاقتصاد العراقي حيث قامت بتجهيز قواتها العسكرية وتموينها على حساب العراقيين. وقد كشفت هذه الأزمة عن ضعف الجهاز الحكومي ومساوئه ومدى إهماله لأمور المواطنين، وقوتهم اليومي بخاصة، مما خلق استياء شعبيًا عامًا تجاه بريطانيا، وزاد من شعبية القوى الوطنية في العراق.


تطور الإقطاع بين 1932-1946م. كانت حكومة الانتداب قد عمدت إلى توسيع عملية استحواذ رؤساء العشائر والتجار ورجال الطبقة الحاكمة على أراض وإقطاعات زراعية إضافية وذلك بتشريعها قوانين لصالحهم، وخلق طبقة متنفذة موالية لبريطانيا، كما عملت على إضعاف الفلاحين وإجبارهم على الخضوع لمشيئة شيوخ العشائر والمالكين التابعين لهم قانونًا واقتصادًا. وأدت هذه السياسة إلى هجرة الفلاحين إلى المدن، مما أدى إلى تخلف الزراعة وقلة الإنتاج الزراعي وضعف الاقتصاد العراقي وعرقلة نموه.


الصناعة. لم تقم في العراق صناعات متطوره، لأن اقتصاده يعتمد على الزراعة بشكل رئيسي، وبقي القطاع الصناعي يتمثل في وجود الحِرَف والصناعات اليدوية، واضطر العراق إلى أن يستورد معظم حاجاته من البضائع الاستهلاكية والإنتاجية المصنعة من الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا. ولكن الحرب العالمية الثانية فرضت على العراق قيام صناعات استهلاكية كالصابون والزيوت والإسمنت والجلود والسجاير والغزل والنسيج. وكان لتأخر الصناعة في العراق أسباب عديدة منها عدم توافر المواد الأولية، وقلة الأيدي العاملة الفنية، وضعف دعم الحكومة لتمويل مشاريع صناعية حديثة. ولم يكن في العراق غير ثلاث مؤسسات كبيرة توظف أعدادًا كبيرة من العمال ويسيطر عليها ويديرها الإنجليز، وهي ميناء البصرة، والسكك الحديدية، وشركة نفط العراق.


التجارة. كان للتجارة الخارجية بين عامي 1850 و1950م أكبر الأثر في تحديد طبيعة الاقتصاد العراقي، فقد كان لسيطرة الشركات البريطانية على الاستيراد والتصدير أثر كبير في السيطرة السياسية والعسكرية حيث عملت الحكومة البريطانية على حماية مصالحها وابتزاز الأرباح. فأغلبية البضائع المصدّرة والمستوردة تنقل على بواخر بريطانية، كما أن جميع رؤوس الأموال المستثمرة هي إنجليزية أيضًا، وفي عام 1957م كان عدد الشركات الأجنبية التي تعمل في الطرق يزيد على 225 شركة تهيمن بشكل واضح على حركة السوق.


تطور التعليم. خلال فترة الانتداب حدث تطور في قطاع التعليم من حيث النوع والكم، فقد ازدادت مخصصات وزارة التربية والتعليم من 3% في بداية الانتداب إلى 8% في نهايته، ثم أصبحت مخصصات الوزارة حوالي 10% في السنوات الواقعة بين 1932 و1946م. ويرجع هذا التطور إلى أن وزارة التربية والتعليم (المعارف) بالإضافة إلى وزارتي الصحة والزراعة كانت تُدار من قِبل العراقيين بعكس الوزارات الأخرى كالمالية والدفاع والخارجية والداخلية والتي كانت تحت إشراف المستشارين البريطانيين.

ورغم الزيادة الملحوظة في عدد الطلاب والمدارس إلا أن اتجاه التعليم ظل خلال تلك الفترة مُركّزًا على تخريج كوادر وظيفية وأهملت الكوادر الفنية والعلمية، فحتى سنة 1945م لم يكن في العراق غير إعدادية زراعية واحدة وإعداديتين صناعيتين فقط.

وشهد قطاع التعليم زيادة نسبية في عدد طلاب الكليات والمعاهد العالية. ففي عام 1920-1921م كان عدد الطلاب في المعاهد العالية 65 طالبًا، وفي عام 1932- 1933م أصبح 115 طالبًا، ثم ارتفع في عام 1945- 1946م إلى 2146 طالبًا بينهم 284 طالبة. واستمرت الحكومة العراقية في إرسال البعثات العلمية إلى خارج العراق للحصول على تخصصات عالية. ومع ذلك فإن تطور التعليم لم يكن يسد حاجة العراق من المدرسين والمدارس. وأدى ذلك إلى حرمان أبناء الشعب العراقي من التعليم وخاصة في القرى والأرياف، فحتى عام 1946م كانت نسبة الأمية في العراق تزيد على 90% من مجموع السكان.

لكن العراق شهد نهضة علمية واسعة في الخمسينيات وحتى التسعينيات من القرن العشرين، فازدادت المدارس والجامعات والمعاهد العلمية والفنية والصناعية ونشطت الحركة العلمية إلى أبعد مدى، حيث أصبح لدى العراق علماء مبدعون ومخترعون في كافة مجالات العلوم والتكنولوجيا.

abo rashid
08-09-2006, 11:02 AM
التطورات السياسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية
رأت بريطانيا في أعقاب انتصار دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، أن تخفف من وطأة الحكم وقسوته في العراق، فأصدر الوصي بيانًا يمنح قدرًا ما من الحرية بعد فترة قاسية من الكبت، وأعلن كذلك عزم الحكومة العراقية على إطلاق الحريات العامة، والسماح بتأليف الأحزاب والجمعيات السياسية والسير بالبلاد على أسس ديمقراطية. ونتيجة لذلك ظهرت بعض الأحزاب الجديدة، أهمها حزب الاستقلال، وحزب الأحرار، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الشعب، وحزب الاتحاد الوطني. كما كانت هناك أحزاب ممنوعة مثل حزب البعث والحزب الشيوعي. ولكن هذه الأحزاب جميعها واجهت صعوبات من الحكومة العراقية وصلت إلى حد إلغائها.

وشارك العراق في تأسيس الجامعة العربية عام 1945م، وأصبح عضوًا فيها، كما عقد معاهدة تعاون مع الأردن عام 1946م، وعقد كذلك معاهدة صداقة مع تركيا في العام نفسه انتقدتها القوى الوطنية. وأخيرًا طلب العراق إجراء مفاوضات مع بريطانيا لتعديل المعاهدة بينه وبين بريطانيا فانتهت هذه المفاوضات بتوقيع معاهدة بورتسماوث، أو معاهدة صالح جبر ـ بيفن 1948م التي تنص على التحالف الدفاعي مع بريطانيا وتلغي المعاهدات السابقة جميعًا، يوافق العراق بمقتضاها على إقامة قواعد جوية في أراضيه، مع تقديمه كافة التسهيلات للجيوش البريطانية في العراق. وقد رفض عامة العراقيين هذه المعاهدة، فاضطر الوصي إلى أن يصدر بيانًا بإلغائها.


العراق وحرب فلسطين 1948م. أصبحت القضية الفلسطينية محور السياسة العربية منذ الحرب العالمية الأولى، وكان العراق قد ساند الشعب الفلسطيني في ثورته عام (1936-1939م) ضد الانتداب البريطاني وضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وبعد الحرب العالمية الثانية كانت الأحزاب العراقية تتخذ من القضية الفلسطينية قضية قومية، ودعت إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، واستنكر العراقيون عامة قرار تقسيم فلسطين. وعندما دعت الجامعة العربية إلى دخول الجيوش العربية فلسطين، شارك العراق كغيره من الدول العربية في حرب فلسطين عام 1948م، التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية في نهاية المطاف لأسباب عديدة، منها انعدام الخطط الحربية المنظمة والاستعدادات الحربية الكافية. ولم يكن الصف العربي متحدًا، ولم تكن هنالك يقظة للخطط الصهيونية التي كانت تؤازرها بريطانيا والدول التي ارتضت سياستها.

وكان لهزيمة 1948م أثرها السياسي في العراق، إذ زادت النقمة على الحكومة، وزادت المعارضة لدور الجيش العراقي في الحرب ومؤازرته للجيش الأردني، فعمدت الحكومة إلى حل الأحزاب والبطش بالمعارضة. لكن المعارضة للحكومة أخذت في التصاعد وأسفرت عن انتفاضة عام 1952م التي تأثرت كثيرًا بالأحداث الدولية آنذاك (حركة مصدق وتأميم النفط في إيران وثورة مصر في 23 يوليو 1952م)، وطالبت الانتفاضة بالحريات والديمقراطية وإصلاح أحوال الشعب. ولكن الحكومة لم تستجب لهذه المطالب، وقررت استخدام الجيش للقضاء على الانتفاضة.


ملكية فيصل الثاني 1953-1958م. توِّج فيصل الثاني ملكًا على البلاد في 4 مايو 1953م، فلم تستفد البلاد شيئًا من التغيير السياسي؛ لأن خاله الوصي عبد الإله ونوري السعيد ظلا يحرِّكان الأحداث ويوجهانها كما كانا من قبل.

ولجأ رئيس الوزراء نوري السعيد في عام 1953م إلى التضييق على الحريات مرة أخرى تمهيدًا لعقد حلف بغداد، الذي تم التوقيع عليه عام 1955م، ووقعته كل من تركيا وباكستان وإيران وبريطانيا والعراق، بهدف حماية المصالح الغربية في منطقة الخليج. واستغل نوري السعيد هذا الحلف في القضاء على العناصر المعارضة بحجة مكافحة الشيوعية.


ثورة 14يوليو 1958م. أدّى موقف نوري السعيد المتخاذل من العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر عام 1956م إلى توحيد الأحزاب العراقية وتكتلها في جبهة وطنية واحدة سُميت بجبهة الاتحاد الوطني، إثر قيام الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير عام 1958م، أقام العراق والأردن اتحادًا هاشميًا. وفي 14 يوليو 1958م وقع انقلاب عسكري أنهى الحكم الملكي في العراق وأعلن عن قيام الحكم الجمهوري.


إعلان الجمهورية العراقية 14يوليو 1958م. برز في ثورة يوليو شخصان يمثلان تيارين مختلفين، هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف. كان الأول مع بقاء العراق دولة مستقلة ذات سيادة، ويعارض وحدة العراق مع مصر. أما الثاني فكان قد أعلن عن رغبته في توحيد العراق مع الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تضم مصر وسوريا آنذاك. كان الأول منهما انعزاليًا والثاني عربيًا وحدويًا. وحاول بعض قادة العهد الجمهوري الاشتراك في دولة الوحدة بين مصر وسوريا، إلا أن عبد الكريم قاسم أبعد عبد السلام عارف من السلطة، ليحكم العراق طوال خمس سنوات حكمًا فرديًا مطلقًا. وكان مترددًا في سياسته، فأحيانًا يقرِّب إليه الشيوعيين ليضرب بهم القوميين، وأحيانًا أخرى ينقلب عليهم، كما كان مترددًا في سياسته مع الأكراد، حيث أعطاهم بعض الامتيازات ثم اصطدم بهم بعد ذلك، مما أدى إلى قيام الثورة الكردية عام 1961م.

وتميزت سياسته الخارجية بعدة أزمات مع الدول العربية خاصة، كان من أهمها الأزمة التي أثارها مع الكويت عند استقلاله في 19 يونيو 1961م، حيث طالب بضم الكويت إلى العراق، ولكن الجامعة العربية استطاعت أن تسيطر على الأزمة وتحتويها لتُحل في إطار عربي. وقد عزلت هذه الأزمة العراق عن باقي الدول العربية، خاصة بعد انسحابه من الجامعة العربية.

أدت هذه العزلة الخارجية إلى قيام انقلاب عسكري أطاح بعبد الكريم قاسم في 28 فبراير 1963م، 14 رمضان 1383هـ، وتسلم الحكم من بعده عبد السلام عارف بالتعاون مع حزب البعث العربي الاشتراكي، ولكنه ما لبث أن تخلص من البعث بعد ثمانية أشهر من الحكم، واستمر في الرئاسة حتى سقطت به الطائرة في البصرة في أبريل 1966م، فتسلم رئاسة الجمهورية شقيقه عبد الرحمن عارف الذي استمر في الحكم حتى عام 1968م حين تمكن حزب البعث من أن يقوم بانقلاب عسكري عليه في 17/7/1968م وتسلم الحزب حكم البلاد، وصارت رئاسة الجمهورية للفريق الركن أحمد حسن البكر. وفي عام 1979م تنازل البكر عن رئاسة الجمهورية لأسباب صحية وخلفه صدّام حسين.


العراق في السنوات الأخيرة من القرن العشرين
شهد العراق خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين تقدمًا ملحوظًا في الزراعة والصناعة والتجارة والتكنولوجيا، وأصبح يقوم بأقوى وأهم الصناعات العسكرية والإلكترونية وغير ذلك بحيث أصبح العراق من الدول القوية عسكريًا. ولكن الأزمة التي واجهها العراق بسبب احتلاله لدولة الكويت عام 1990م أفقدته كل ما حصل عليه من تقدم كما سيوضح بعد قليل.

واجهت العراق مشكلات كبرى ثلاث كانت ذات نتائج سلبية عليه. أهم هذه المشكلات كانت المشكلة الكردية. وهذه المشكلة قديمة أثيرت أكثر من مرة في العهد الملكي وفي العهد الجمهوري كذلك، وتتلخص في مطالبة الأكراد بالاستقلال الذاتي. وكان الإنجليز وراء إثارة الأكراد للضغط على الحكومات العراقية لتنفيذ خطط بريطانيا. عقد صدام حسين نائب الرئيس العراقي وقتذاك اتفاقًا مع شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1975م في الجزائر، اتفقا فيه على مناصفة شط العرب بين الدولتين مقابل كف إيران عن مساعدتها للأكراد. وبالفعل توقفت الثورة نهائيًا وخرج الملا مصطفى البرزاني من العراق إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وظل هناك حتى توفي عام 1979م.

لكن الرئيس صدام حسين ألغى هذا الاتفاق، وذلك بعد سقوط شاه إيران وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأدى هذا الإلغاء إلى المشكلة الثانية وهي الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988م)؛ أي حرب الخليج الأولى التي تكبد فيها العراق وإيران خسائر بشرية ومادية كبيرة. وما كاد العراق يُضمِّد جراحه حتى جاءت المشكلة الثالثة، وهي كبراها، وذلك باحتلاله الكويت في 2/8/1990م، الأمر الذي أدى إلى قيام تحالف دولي ضده وقيام حرب الخليج الثانية في 17/1/1991م التي أسفرت عن هزيمة الجيش العراقي، وخروجه من الكويت، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على العراق من قِبل مجلس الأمن مشروط رفعها بأشياء عدة، أهمها تدمير العراق لما يوصف بأسلحة الدمار الشامل، واعترافه بدولة الكويت، وقبوله المراقبة الدولية لتسلحه، وحظر تصدير النفط إلا بموافقة مجلس الأمن، لأغراض نص عليها المجلس.

وفي 1991م أرسل مجلس الأمن فريقاً من الخبراء إلى العراق لتقويم قدرة العراق على إنتاج الأسلحة النووية. وقد وجد الفريق أن البرنامج العراقي لتطوير مثل هذه الأسلحة أكثر تقدماً مما كان يعتقد من قبل. وقد بدأ مجلس الأمن في إرسال مفتشيه للبحث عن أسلحة العراق وتدميرها. وفي نوفمبر 1994م، اعترف العراق بسيادة دولة الكويت واستقلالها. وفي 20 مايو 1996م سمحت الأمم المتحدة للعراق ببيع ما قيمته مليار دولار من نفطه كل 3 شهور لشراء بعض الأغذية والأدوية في برنامج عرف باسم النفط مقابل الغذاء. وبنهاية عام 2001م ظلت الأمم المتحدة ترى أن العراق لم يتعاون مع موظفيها من مفتشي أسلحة التدمير الشامل بشكل كاف، وتوقف برنامج النفط مقابل الغذاء عدة مرات خلال عامي 2000م و2001م بسبب الخلاف حول تنفيذ بعد التعاقدات، وظلت المنظمة الدولية تطبق العقوبات على العراق.

ولا ريب أن نتائج هذه الحرب الأخيرة قد أثرت على الشعب العراقي بكافة فئاته، فظل يعاني نقص المواد التموينية والأدوية وغير ذلك، وتوقفت حركة البناء والتعمير والمشروعات الزراعية والصناعية بسبب توقف إنتاج النفط وعدم تصديره إلى الخارج.

abo rashid
08-09-2006, 11:02 AM
العراق تحت الاحتلال
أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له بلاده في 11 سبتمبر 2001م، أن العراق إحدى دول محور الشر الداعمة للإرهاب والساعية إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل، وأكد على ضرورة توجيه ضربات استباقية وحتمية لتغيير النظام العراقي. وفي سبتمبر 2002م، أعلن بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن نظام صدام يشكل تهديداً مباشراً بسبب تاريخه الحافل في مهاجمة جيرانه، واستخدامه للأسلحة الكيميائية، ومساندته للجماعات الإرهابية، وتحديه السافر والمستمر لقرارات مجلس الأمن. وخلال الشهور التالية مهدت الإدارة الأمريكية عبر حشودها العسكرية ومساعيها الدبلوماسية والإعلامية لشن حرب ضد العراق.

قام العراق بسلسلة من الإجراءات للحيلولة دون اندلاع الحرب، فأعاد في أكتوبر 2002م للكويت أرشيفها الوطني الذي كان قد استولى عليه خلال احتلالها عام 1990م. وسمح لخبراء الأمم المتحدة في 27 ديسمبر 2002م باستئناف عمليات التفتيش على أسلحة الدمار الشامل وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1441. وفي مطلع عام 2003م، وافق العراق على التخلص من صواريخ الصمود. لم تثن هذه الإجراءات الولايات المتحدة عن شن حرب (لتحرير) العراق فأطلقت في 25 فبراير 2003م مشروعاً في مجلس الأمن بالتضامن مع المملكة المتحدة وأسبانيا يدعو لشن حملة عسكرية ضد العراق. عارضت معظم الدول الأعضاء في المجلس مشروع القرار قبل التصويت عليه، ولوحت فرنسا وألمانيا باستخدام حق النقض (الفيتو) لاسقاطه فلم يتم التصويت عليه. وفي مارس 2003م، حدد الرئيس الأمريكي مهلة للرئيس صدام حسين للخروج من العراق أو شن حملة عسكرية عليه. وعاد بوش وأكد حتمية دخول قواته العراق سواء خرج صدام أم لم يخرج منه. وبعد أقل من ساعتين من انقضاء المهلة المحددة صبيحة 20 مارس بدأت حرب (تحرير) العراق. وفي اليوم الثامن من أبريل احتلت القوات الأمريكية والبريطانية القصور الرئاسية في بغداد. وفي التاسع من أبريل عام 2003م أي بعد مرور 21 يوماً على اندلاع الحرب سقطت بغداد، وكان انهيار الجيش والنظام العراقي دون مقاومة تذكر مفاجئاً. دمرت الحرب البنية التحتية للعراق. ونهب الغوغاء تحت بصر جنود الاحتلال المتاحف والمصارف والدواوين الحكومية، وأحرقوا المكتبات وسادت الفوضى. وتحت الاحتلال الأمريكي البريطاني تم تكوين مجلسين أحدهما للحكم الانتقالي والآخر للوزراء على أساس تمثيلٍ طائفي. وفي الوقت نفسه تصاعدت أعمال المقاومة العراقية ضد الاحتلال؛ فهي تضرب في أكثر من موقع كل يوم.

ظل صدام حسين ملاحقاً من القوات الغازية التي أعلنت مقتل نجليه عدي وقصي في معركة بمدينة الموصل في 22 يوليو 2003م. وفي 14 ديسمبر من العام نفسه أعلن مسؤولون أمريكيون اعتقال صدام في مزرعة بتكريت.

ونتيجة لضعف السيطرة الأمنية، تختلط أعمال المقاومة ضد الجنود الأمريكيين والبريطانيين بتخريب المنشآت والبنية الأساسية للبلاد وبسقوط الضحايا من المدنيين العراقيين ومن العاملين في الهيئات الدولية. وتعلن الحكومة الأمريكية أن جنودها سيرحلون عن البلاد فور تحقيق الأمن وإرساء نظام ديمقراطي.

abo rashid
08-09-2006, 11:05 AM
سوريا، تاريخ. سوريا دولة عربية تقع في الجناح العربي الآسيوي، في غربي قارة آسيا، تُعدّ جزءًا من بلاد الشام التي تشمل فلسطين وشرق الأردن ولبنان، وهي ذات موقع إستراتيجي، إذ تحيط بها تركيا من الشمال، والعراق من الشرق وفلسطين من الجنوب، ومن الغرب البحر المتوسط، ومن الجنوب الشرقي الأردن، ومن الجنوب الغربي لبنان. يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة عشر مليونًا، ومساحتها 18,5180كم²، وعاصمتها دمشق، ونظام الحكم فيها جمهوري وتسمى الجمهورية العربية السورية، وعملتها الليرة السورية.


تاريخ سوريا القديم
خضعت سوريا قديمًا للسومريين والأكاديين والحيثيين (2300ق.م)، وسيطر عليها البابليون 1728- 1685ق.م، وذلك في عهد حمورابي المشرع القانوني، وخضعت كذلك للفراعنة في عهد الأسرة الثامنة عشرة بقيادة تحتمس الثالث (1490-1436ق.م)، وفي عهد أمنحوتب الثاني (1438-1412ق.م)، وفي عهد أمنحوتب الرابع 1366-1349ق.م. وأسس الحوريون والميتانيون المملكة الحورية الميتانية التي سيطرت على سوريا 1500-1330ق.م، ثم سيطر الكلدانيون في عهد نبوخذ نصر 604- 562ق.م، وسيطر الآشوريون على سوريا في عهد تجلات بلاسر 746-728ق.م. وأخيرًا سيطر الكلدانيون بقيادة نبوخذ نصر الثاني 597- 586ق.م. واستمرت هذه المملكة حتى الغزو الفارسي لها سنة 539ق.م.

تأسست حضارات في سوريا على أيدي هذه الشعوب، فأسس الكنعانيون المدن والممالك مثل مملكة عبلاء (ايبلاء)، ومملكة يمحاض في حلب، ومملكة أوغاريت قرب اللاذقية. كما أقام الفينيقيون مراكز تجارية ومستعمرات على ساحل البحر المتوسط، وبلغوا حتى قرطاج في تونس سنة 814ق.م. وقاموا بتصدير خشب الأرز والمنسوجات والزجاج والتوابل والعطور. وكان لحضارتهم تأثير في بلاد فارس، وأسهموا في بناء القوة البحرية الفارسية. وأسس الأموريون (العموريون) مدنًا مثل مدينة ماري في تل الحريري وهي عاصمتهم في الشمال. وكذلك أسس الآراميون مدنًا وممالك مهمة، وانتشرت لغتهم وأبجديتهم التي اعتمدوا فيها الأبجدية الفينيقية.


الفرس واليونان في سوريا. سيطر الفرس على سوريا في الفترة من 539 - 333 ق.م، وكونوا إمبراطورية كبيرة ونظمت تشريعات الدولة على نسق التنظيم الآشوري، وتأثرت بالفنين المصري والبابلي.

استطاع الإسكندر الأكبر المقدوني غزو فارس وإلحاق الهزيمة بها في معركة أبسوس 333ق.م ومعركة أربيل عام 331ق.م. وتمت له السيطرة على مصر والهند والعراق وكوَّن إمبراطورية واسعة، غير أنه توفي عام 323ق.م. وانقسمت إمبراطوريته بين قواده. فكانت سوريا من نصيب السلوقيين، ومصر من نصيب البطالمة. فقد أسس سلوقس الأول مملكة في سوريا خلال السنوات 312-264ق.م، وعرفت باسم السلالة الملكية السلوقية وأسس مدينة أنطاكية في سوريا وجعلها عاصمة لمملكته، وبنى مدنًا أخرى. وتعلم المثقفون السوريون اللغة اليونانية وانتشرت الحضارة اليونانية في سوريا لأنها كانت قوام الحكم السلوقي، في حين بقي سكان الريف محافظين على تقاليدهم ولغتهم الأصلية. وغزا البطالمة سوريا 340- 30ق.م، وظلت الحرب سجالاً بين البطالمة والسلوقيين، وكانت سوريا الضحية المتنقلة من أيدي هؤلاء وأولئك. وحاول الأنباط احتلال جنوبي سوريا (حوران وجبل العرب) سنة 85 ق.م. واستمر الحال بها حتى احتلها الرومان سنة 64ق.م.


الرومان والبيزنطيون. في عام 64ق.م. احتل القائد الروماني بومبي سوريا بعد هزيمة الملك السلوقي أنطيوخوس الثالث عشر، فانتقلت عندئذ سوريا بعد هزيمة الملك السلوقي إلى السيطرة الرومانية. وقد بسط الرومان سيطرتهم على دولة الأنباط. وأصبحت دولة الأنباط ولاية رومانية تخضع لنفوذهم عرفت باسم الولاية العربية الرومانية.

وفي عام 330م، أسس الإمبراطور الروماني قسطنطين مدينة بيزنطة (إسطنبول الحالية) وسمّاها القسطنطينية نسبة لاسمه. وفي عام 334م نقل إليها الدوائر الرسمية من روما وجعلها عاصمة للإمبراطورية الرومانية، وجعل النصرانية الديانة الرسمية فيها.

انقسمت هذه الإمبراطورية إلى قسمين بعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول سنة 395م، فورثه ولداه وتقاسما العرش مناصفة بينهما، فحصل هونوريوس على الشطر الغربي وعاصمته روما، بينما تولى أركاديوس الشطر الشرقي الذي عرف باسم الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية). وبقيت القسطنطينية عاصمة لها. وشملت هذه الإمبراطورية آسيا الصغرى والبلقان ومصر وسوريا. وانتعش في هذه الدولة الفن والأدب والموسيقى والعمارة.

تحالف البيزنطيون مع الغساسنة الذين أقاموا دولة لهم (491-518م)، بلغت أوجها خلال القرن السادس للميلاد، وكان من أشهر ملوكها الحارث الثاني بن جبلة (529-569م) وآخرهم جبلة بن الأيهم الذي قاتل خالد ابن الوليد مع الروم في معركة اليرموك ثم أسلم. وفي حوالي 613-614م، هاجم الفرس الساسانيون سوريا واحتلوا دمشق وبيت المقدس حتى استعادها القائد البيزنطي هرقل سنة 629م بعد جهد كبير.


الفتح العربي الإسلامي
بدأت أولى الحملات العربية الإسلامية لفتح بلاد الشام وتحريرها من الروم البيزنطيين في عهد الخليفة أبي بكر الصديق سنة 12هـ، 633م بجيش يقوده خالد بن الوليد، ويساعده عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان. ففتح هذا الجيش بصرى الشام (درعا) سنة 13هـ، 634م، ثم سقطت دمشق بعد أن دخلها من الباب الشرقي حربًا، كما دخلها أبو عبيدة عامر بن الجراح من باب الجابية سلمًا في رجب عام 13هـ، 634م، ثم تولى القيادة أبو عبيدة بعد عزل خالد في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وتابع الفتوحات خلال السنتين 14هـ، 635م و15هـ، 636م وفيها حدثت معركة اليرموك الشهيرة التي قادها خالد بن الوليد وأنهى بانتصاره الوجود البيزنطي في بلاد الشام. وفي سنة 16هـ، 637م، استكمل فتح سوريا ودخلت في إطار الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين. ثم دخلت بعد ذلك في ظل الحكم الأموي الذي اتخذ من دمشق عاصمة للدولة الأموية. انظر: الفتوح الإسلامية.


الدولة الأموية. أسس الأمويون في سوريا دولة استمرت حوالي 91 عامًا، وجعل معاوية بن أبي سفيان من دمشق عاصمة لها منذ أن صار أول خليفة فيها سنة 41هـ، 661م. وشهد عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان (86هـ، 705م) توسع الفتوحات في الغرب والشرق عندما فتح موسى بن نصير إفريقيا، وطارق بن زياد الأندلس، وقتيبة بن مسلم الباهلي بخارى وسمرقند وفرغانة سنة 94هـ، 712م، كما وصل إلى حدود الصين. وفتح محمد بن القاسم الثقفي جزءًا كبيرًا من الهند. وفي عهد هذا الخليفة شيد جامع بني أمية الكبير في دمشق، وشيدت قصورٌ أثَريّة منها قصر هشام بن عبد الملك في أريحا. وانتهى العهد الأموي في سوريا عندما سقطت دمشق في أيدي العباسيين سنة 132هـ ، 750م أيام آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد (مروان الثاني).


الدولة العباسية والدويلات المستقلة. أسس العباسيون حكمهم بعد الإطاحة بالحكم الأموي في سوريا سنة 132هـ ، 750م في أعقاب احتلال القائد العباسي عبد الله بن علي دمشق أيام ابن أخيه الخليفة أبي العباس السفاح واستباحها ثلاث ساعات، وأعمل السيف بالأمويين، ونبش قبور خلفائهم وأحرق جثثهم، كما خرب قسمًا كبيرًا من سور المدينة.

اتصف العهد العباسي أيام الخليفة الرشيد (170 - 193هـ، 786 - 808م) بالترف والرخاء، وبلغت الدولة قمة مجدها في عهده، كما تميز عهد ولده المأمون بانتعاش حركات التأليف والترجمة وتشجيع العلوم والفنون، وازدهرت الحضارة العربية الإسلامية.

بقيت سوريا ولاية رئيسية طوال العهد العباسي وترك فيها تراثًا حضاريًا في مدينة الرقة التي شيدها أبو جعفر المنصور، كما شيد الرشيد حصن هرقلة، وبنى المأمون مدينة الرحبة وانتهى نفوذ الدولة العباسية في سوريا عندما احتلها الطولونيون سنة 264هـ ، 877م. واستمر حكم دولة أحمد بن طولون على سوريا حتى عام 292هـ، 905م عادت بعدها ديار الشام للنفوذ العباسي.

خضعت بلاد الشام لنفوذ الإخشيديين المصريين الذين بسطوا نفوذهم على بلاد الشام سنة 330هـ، 941م. وفي سنة 333هـ، 944م، احتل سيف الدولة الحمداني حلب وحمص ودمشق. وقامت بينه وبين إخشيد مصر وقائده كافور نزاعات وصدامات وحروب حتى اتفقوا في نهاية الأمر على أن تكون سوريا الشمالية من نصيب سيف الدولة بما في ذلك حمص وحلب التي أصبحت عاصمة للحمدانيين. أما باقي بلاد الشام فكانت من نصيب الإخشيديين الذين انتهى أمرهم في سوريا بعد قضاء الفاطميين عليهم في مصر سنة 358هـ، 969م. كما أنهى الفاطميون النفوذ الحمداني في سوريا سنة 393هـ، 1003م. وقد ازدهر الفكر والشعر والأدب في عهد الحمدانيين في سوريا، كما قاوم الحمدانيون الإمبراطورية البيزنطية وقاموا بعدة غزوات على أراضيها.


الفاطميون في سوريا. في عام 359هـ، 969م، احتل القائد الفاطمي جوهر الصقلي مدينة دمشق مؤقتًا حيث واجه مقاومة شديدة، وفي عام 360هـ، 971م، كان النفوذ الفاطمي منتشرًا في غالبية الأراضي السورية. ثم بدأ هذا النفوذ بالتراجع بعد سنة 435هـ، 1043م واستمر حتى ظهور صلاح الدين الأيوبي الذي خلع الخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين في مصر سنة 567هـ،1171م.

امتدت سيطرة الفاطميين على سوريا خلال السنوات (359-468هـ ، 969-1075م) ولم يتركوا من آثارهم العمرانية في مدينة دمشق إلا نزرًا يسيرًا كمحراب زاوية الرفاعي وصخرة الربوة التي نقشت فوقها كتابة كوفية تحمل اسم الخليفة الفاطمي المستنصر (444هـ، 1052م). وكذلك ضريح السيدة فاطمة بنت أحمد السبطي المتوفاة سنة 439هـ، 1047م. أما خارج مدينة دمشق فهناك عدد قليل من الآثار العمرانية في بصرى (درعا حاليًا) وصلخد والسلمية وغيرها.


السلاجقة والأتابكة والزنكيون. السلاجقة مسلمون جاءوا من وسط آسيا الوسطى ودخلوا سوريا قبيل عام 463هـ ، 1070م. وفي هذ التاريخ قام ألب أرسلان بغزو بلاد الشام وصارت حلب أولاً تحت نفوذه، ثم احتل السلاجقة بيت المقدس وفلسطين وحرروها من الفاطميين. وفي سنة 468هـ، 1075م، استولوا على دمشق. وتمكن تتش بن ألب أرسلان من أن يوطد سلطته في حلب خلال السنوات (488-507هـ،1095، 1113م). وتولى دقاق مدينة دمشق (488-497هـ ، 1095-1104م)، وخلالها حدثت حروب وصدامات عديدة بين الأخوين.

لم يشكل السلاجقة الأتراك في سوريا دولة بالمعنى المفهوم للدولة، بل كان حكمهم حكم ممالك منفردة ودويلات بعضها تحت النفوذ السلجوقي، وبعضها الآخر يتولاه السلاجقة أنفسهم أو قوادهم الأتابكة الذين عملوا على تقويض دعائم أسيادهم السلاجقة وأنهوا سلطانهم في بلاد الشام فيما بعد.

abo rashid
08-09-2006, 11:06 AM
ترك العهد السلجوقي بصماته العمرانية الكبيرة في سوريا، خصوصًا في دمشق وحلب وبعض المدن السورية الأخرى. وقد أفل نجم السلاجقة عام 511هـ، 1117م حين استقل بالحكم قواد جيوشهم من الأتابكة واحدًا تلو الآخر، مما أدى إلى ظهور دويلات الأتابكة في سوريا. وتُعرف الدولة الأتابكية أحيانًا بالدولة الزنكية.

بدأ الأمراء الأتابكة يستقلون في مدنهم تدريجيًا حتى تم لهم اقتسام المملكة السلجوقية، وأقاموا على أنقاضها دولاً أشهرها دولة عماد الدين زنكي التي أسسها في مدينة الموصل سنة 521هـ، 1127م، ثم استولى على حلب سنة 522هـ ، 1128م وضمها إلى مملكته. ويعتبر عماد الدين أول من أنزل الضربة الأولى بجيوش الصليبيين عندما حرر مدينة الرها القريبة من بغداد سنة 539هـ، 1144م. كما استقل بعض أمراء المناطق من الأتابكة، فتشكلت دويلات أقل شأنًا من الدولة الزنكية. وعُرف من هذه الدويلات: الدولة الأرطقية التي حكمت شمالي سوريا (495- 811هـ، 1102-1408م) والدولة البورية التي حكمت دمشق خلال سنوات (497-549هـ، 1104- 1154م). وهي من بقايا سلالة آل طغتكين الأتابكية حتى استولى عليها نور الدين محمود بن زنكي الملقب بالشهيد.


الدولة النورية. تولى نور الدين محمود بن زنكي إمارة أبيه سنة 541هـ، 1146م، فجعل من حلب عاصمة لدولته التي عرفت باسم الدولة النورية نسبة إليه، وفي سنة 549هـ، 1154م، احتل دمشق. ثم استولى على جزء كبير من بلاد الشام عدا المناطق التي كان الصليبيون يسيطرون عليها. وفي سنة 559هـ، 1164م، استولى نور الدين على بعض أجزاء إمارة أنطاكية الصليبية. وتوفي نور الدين سنة 569هـ، 1174م وتولى ابنه الملك الصالح إسماعيل وعمره إحدى عشرة سنة، فبدأت بوادر الضعف بالدولة حتى برز إلى الوجود صلاح الدين الأيوبي، فوحد بلاد الشام ومصر في ظل الدولة الأيوبية.

كان نور الدين مولعًا بالعمران، وترك الكثير من الآثار العمرانية في دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية، ففي دمشق مثلاً أقام فوق كل باب من أبواب سورها مسجدًا ومئذنة لمراقبة العدو القادم إلى المدينة من مكان مرتفع، كما أقام خارج كل باب سوقًا صغيرة لتنشيط حركة التبادل التجاري وإعاقة العدو إذا ماحاول اقتحام الباب.

خلال هذه الفترة قدمت إلى بلاد الشام الحملات العسكرية الصليبية من دول غربي أوروبا لغزو العالم العربي عامة وبلاد الشام ومصر خاصة خلال القرون الحادي عشر وحتى الثالث عشر الميلادية. وكانت الحملة الأولى(489- 492هـ، 1096- 1099م)، قد اتجهت إلى سوريا واحتلت أنطاكية سنة 491هـ، 1098م ثم احتلت القدس سنة 492هـ، 1099م، وتم تأسيس أربع إمارات صليبية هي المملكة اللاتينية في القدس، وإمارة أنطاكية، وإمارة الرها قرب بغداد وإمارة طرابلس في لبنان. وحاولت الحملة الثانية احتلال دمشق ففشلت، أما الحملة الرابعة فلم تصل إلى البلاد العربية، في حين توجهت الحملات الباقية إلى مصر. وسُميت هذه الحملات بالحروب الصليبية. واستطاع الأيوبيون بقيادة صلاح الدين تحرير بيت المقدس وأكمل المماليك إخراج الصليبيين من بلاد الشام ومصر.


الدولة الأيوبية. أسس هذه الدولة الملك الناصر السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي بعد أن تولى وزارة مصر سنة 565هـ، 1169م في عهد الخليفة الفاطمي العاضد. وفي عام 567هـ، 1171م قام بخلع هذا الخليفة منهيًا بذلك وجود الدولة الفاطمية في مصر، وصار الدعاء في منابرها للخليفة العباسي المستضيء. وما أن استتب له الأمر حتى تطلع إلى سوريا وكانت فيها الدولة النورية تحت حكم نور الدين بن زنكي الملقب بالشهيد، فبدأ بينهما الجفاء حتى توفي هذا الأخير سنة 569هـ، 1174م، فأعلن صلاح الدين استقلاله بمصر، ثم استولى على سوريا. وفي سنة571هـ ، 1175م، أصدر الخليفة العباسي أمرًا يقضي بتولي صلاح الدين سلطة مصر والمغرب والنوبة وغربي الجزيرة العربية وفلسطين وسوريا الوسطى. وبعد عشر سنوات، استطاع صلاح الدين أن يخضع الموصل وبعض أمراء العراق، ثم تفرغ لتحرير البلاد من الصليبيين.

بدأ صلاح الدين جهاده بالاستيلاء على طبرية سنة 583هـ، 1187م، ثم حدثت موقعة حطين المشهورة التي انتصر فيها صلاح الدين، وحرر بيت المقدس وأنهى المملكة اللاتينية الصليبية في نفس العام المذكور. وفي سنة584هـ، 1188م، اتجه صلاح الدين شمالاً لتحرير الأجزاء التي احتلها الصليبيون من سوريا، ولكنهم عادوا لاحتلالها بعد أن حررها صلاح الدين، إلى أن أخرجهم السلطان المملوكي الملك الناصر، ناصر الدين بن قلاوون من قلعة المرقب سنة 684هـ، 1285م، ومن اللاذقية سنة 686هـ ، 1287م، ومن طرطوس سنة 690هـ، 1291م. وظلت جزيرة أرواد بأيدي فرسان الهيكل الصليبيين حتى طردهم منها سنة 702هـ، 1303م، وكانت قبل ذلك قد بدأت الحملة الصليبية الثالثة التي احتلت عكا بعد حصار دام سنتين من 585-587هـ، 1189-1191م.

abo rashid
08-09-2006, 11:06 AM
توفي صلاح الدين بدمشق سنة 589هـ، 1193م وفيها دفن، وتوزعت مملكته بين ذريته حتى قتل هولاكو الملك الناصر يوسف آخر الملوك الأيوبيين سنة 659هـ، 1261م، فانتهت بموته الدولة الأيوبية في مصر والشام وبدأ عهد المماليك بالظهور. ترك العهد الأيوبي بصمات عمرانية كبيرة في سوريا تركزت في دمشق وحلب وبقية المدن السورية الأخرى. وتعرضت البلاد لغزو المغول في أواخر العهد الأيوبي غير أن المماليك قد نجحوا في إبعادهم.


المماليك. رغب الملك الصالح أيوب بن الكامل في تكوين فرقة عسكرية خاصة في مصر سنة 637هـ، 1239م، ولتحقيق هذا الأمر اشترى ألف مملوك تركي، وكان هذا التشكيل بداية نشوء دولة المماليك البحرية أو التركية التي ورثتها فيما بعد المماليك البرجية أو الشراكسة.

بدأ هؤلاء المماليك باكورة سيطرتهم على الحكم بقتل الملك توران شاه الأيوبي وولوا مكانه أمه شجرة الدر سنة 648هـ، 1250م، ثم ما لبثوا أن استبدلوا بها في العام نفسه مملوكًا يدعى عز الدين أيبك، وما أن تولى فيهم الملك المظفر سيف الدين قطز سنة 657هـ، 1259م حتى سار إلى الشام في العام التالي، وتمكن من طرد المغول منها، بعد انتصاره عليهم في موقعة عين جالوت 658هـ،1260م، فأصبحت منذ ذلك الوقت ولاية مملوكية واستمرت تحت سيطرتهم حتى الفتح العثماني لسوريا بقيادة السلطان سليم الأول سنة 922هـ، 1516م بعد معركة مرج دابق التي هزم فيها المماليك.

استمر الصراع بين المماليك طوال حكمهم لسوريا من جهة وبين المغول والصليبيين من جهة أخرى، وبرز من سلاطينهم الملك الظاهر بيبرس الذي قارع الصليبيين طوال عشر سنوات، والملك الناصر، ناصر الدين محمد بن قلاوون الذي أخرجهم من آخر معقل لهم في جزيرة أرواد سنة 702هـ، 1303م، كما هزم المغول في معركة مرج الصفر قرب دمشق في نفس التاريخ. ترك المماليك تراثًا عمرانيًا ضخمًا في بلاد الشام فاق ما خلفته العهود السابقة، وتركز هذا التراث في مدينة حلب ودمشق ثم في بقية المدن السورية الأخرى.


العهد العثماني 1516-1918م
دخل العثمانيون سوريا بعد أن انتصر السلطان سليم الأول على المماليك بقيادة السلطان المملوكي قنصوة الغوري الذي سقط قتيلاً في معركة مرج دابق سنة 922هـ، 1516م، وأصبحت سوريا منذ هذا التاريخ تحت النفوذ العثماني. كما دخلت مصر تحت نفوذه في العام التالي.

صارت سوريا منذ أواخر عام 922هـ، 1516م، ولاية عثمانية، يحكمها ولاة تعاقبوا عليها خلال فترة الحكم العثماني الذي استمر حوالي أربعمائة عام حتى خروج العثمانيين من البلاد العربية إبان الحرب العالمية الأولى.

قسمت بلاد الشام إلى ثلاث ولايات يتولى كلاً منها والٍ عثماني: ولاية الشام (دمشق)، وولاية طرابلس، وولاية حلب. وغدت أربعًا في القرن السابع عشر الميلادي بتحويل صيدا إلى ولاية. وكان العثمانيون يعينون على كل ولاية موظفًا كبيرًا يُسمى الوالي أو الباشا، ويعتبر نائبًا عن السلطان وصلاحيته مطلقة وأحكامه نهائية. وقد عمدت الدولة إلى كثرة تبديل الولاة خشية أن يقوى نفوذهم فيصبحوا خطرًا عليها. يساعد الوالي ديوان مؤلف من كبار الضباط والعلماء والأعيان وكبار الموظفين. ومهمة الديوان استشارية فقط.


الحركات الاستقلالية في سوريا. منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، بدأ الضعف يتسرب إلى كيان الدولة العثمانية، وأخذت قبضتها تتراخى عن ولاياتها البعيدة، ولا سيما التي تركت فيها الحكم للعصبيات المحلية وللأسر الإقطاعية.

وقد استغل حكام هذه المناطق وضع الدولة، فقاموا أحيانًا ينازع بعضهم بعضًا على ما في أيديهم من مناطق، أو يعلنون الثورة على الدولة بقصد الاستقلال عنها.

كان من أهم الحركات الاستقلالية التي قامت في بلاد الشام حركة الأمير فخر الدين المعني في لبنان، وحركة الشيخ ظاهر العمر في فلسطين.


الأطماع الاستعمارية في بلاد الشام
بلغت الدولة العثمانية في أواخر القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي أوج عظمتها واتساعها، فقد أتمت احتلال البلقان، وأحاطت جيوشها بأسوار فيينا في أوروبا، ودخلت جميع الأقطار العربية ـ عدا المغرب ـ في حوزتها. غير أن موجة الفتوح ما لبثت أن توقفت، ثم أخذت سيطرة الدولة في الانحسار عن المناطق التي احتلتها عندما بدأ الضعف يتسرب إلى كيانها. ويعود ذلك الضعف إلى ضعف السلاطين بسبب انغماسهم في الملذات والترف، وبسبب فساد الجيش الإنكشاري، وفساد الإدارة، وسوء نظام جباية الضرائب، وأخيرًا بسب اتساع الدولة وتعدد عناصرها.

وقد واجهت الدولة العثمانية قوى أوروبية صليبية خارجية، منها النمسا وروسيا اللتان أخذتا تهاجمانها بقصد التوسع في ولاياتها البلقانية. وظهر مايُسمى المسألة الشرقية التي تتمثل في موقف الدول الأوروبية من الدولة العثمانية، حيث اتخذت هذه الدول ضعف الدولة العثمانية وسيلة لفرض نفوذها ومحاولة السيطرة عليها.


الامتيازات الأجنبية. ترجع الأطماع الاستعمارية في بلاد الشام والشرق العربي إلى زمن الحروب الصليبية، ولم يمض زمن بعد إجلاء هذه الحملات حتى عادت الأطماع بشكل أو بآخر. فتارة تكون بمحاولات الغزو المسلح، وطورًا بالغزو السياسي والثقافي وراء قناع الامتيازات الأجنبية. ويرجع أصل الامتيازات الأجنبية إلى المعاهدة التي عقدت بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني في سنة 1535م، والتي فتحت لأوروبا عهدًا جديدًا من العلاقات مع الشرق، فقد أعطت الأوروبيين حق الاتصال بالموانئ الشرقية والمتاجرة مع الشرق، وعهدًا بحماية أرواحهم وبضائعهم. وقد طمعت الدول الأوروبية الأخرى بالحصول على مثل هذه الامتيازات، فظلت تحاول حتى تمكنت من عقد معاهدات مماثلة مع السلطنة العثمانية. وهكذا وضع أساس الامتيازات الأوروبية في الشرق.

لم يكن لهذه الامتيازات أي خطر على الشرق العربي حين كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها وسيطرتها، غير أنها حينما ضعفت، اغتنمت الدول الأوروبية الفرصة السانحة للتدخل في شؤونها الداخلية والاعتداء على سلطاتها متذرعة بما أكسبتها الامتيازات من مصالح مادية ومعنوية. فكانت الحملة الفرنسية التي جاءت إلى مصر عام 1213هـ، 1798م بداية الزحف الاستعماري على المنطقة العربية، وتلا ذلك تدخل الدول الأوروبية واحتلالها لأجزاء من الوطن العربي، كما كان تدخل فرنسا في لبنان إثر الفتنة الطائفية عام 1277هـ، 1860م وغير ذلك. ونتج عن ضعف الدولة العثمانية خروج محمد علي عن سلطتها واحتلاله لبلاد الشام.


الحكم المصري في بلاد الشام
استولى محمد علي على الحكم في مصر عام 1805م، إثر جلاء القوات الفرنسية عن مصر، ومطالبة الشعب المصري بتوليته نظرًا لما قام به من أعمال بطولية ضد الفرنسيين وضد الإنجليز. وقد كلفه السلطان العثماني بالقضاء على الدولة السعودية الأولى ونجح في ذلك عام 1818م. ودفعه هذا الانتصار إلى تنفيذ حلمه بتكوين إمبراطورية واسعة يكون هو رئيسها، وتطلع إلى ضم سوريا وغيرها، خاصة وأن السلطان العثماني قد وعده بضم سوريا إليه نظير قيامه بالقضاء على الدولة السعودية. غير أن السلطان لم يحقق له مطلبه، فجهز حملة عسكرية بقيادة ولده إبراهيم باشا، وأرسلها إلى بلاد الشام لاحتلالها وذلك عام 1247هـ، 1831م في عهد السلطان العثماني محمود الثاني. وقد نجح في ذلك بعد أن احتلت الحملة غزة ويافا وحيفا وعكا ودمشق وبقية المدن السورية التي خضعت للنفوذ المصري. وفي عام 1840م تدخلت الدول الأوروبية وأجبرت محمد علي على الانسحاب من بلاد الشام والعودة إلى مصر لتكون ولاية وراثية له ولأولاده من بعده، وذلك بموجب معاهدة لندن 1840م. وعادت سوريا مرة أخرى إلى الحكم العثماني. ترك العهد العثماني في سوريا بصمات عمرانية في دمشق وحلب وبقية المدن الأخرى كالتكية السليمانية وقصر العظم وجامع الدرويشية وجامع السنانية.

انظر أيضًا: مصر، تاريخ.


اليقظة القومية في بلاد الشام
أدى ضعف الدولة العثمانية وعجزها عن الدفاع عن البلاد العربية أمام الأطماع الاستعمارية إلى اعتماد العرب على أنفسهم، وإلى ظهور الشعور القومي عند العرب نتيجة الحملة الفرنسية وحكم محمد علي، والإرساليات التنصيرية، والمدارس الأجنبية، وترجمة الكتب وطبعها مما ساعد على العناية باللغة العربية ونشر الثقافة العربية. كما كانت الطباعة وتأثير الثقافة الغربية على العرب عاملاً لنشوء اليقظة العربية خاصة بعد محاولة الأتراك تطبيق سياسة التتريك. وظهر نتيجة لذلك أدباء أمثال ناصيف اليازجي وإبراهيم البستاني ومصلحون أمثال عبد الرحمن الكواكبي ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده ورشيد رضا. كما تأسست جمعيات عربية تدعو إلى الإصلاح والاستقلال الذاتي. ومن هذه الجمعيات جمعية بيروت السرية 1875م، وجمعية الإخاء العربي العثماني، وجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد والجمعية القحطانية وغيرها.


الثورة العربية 1916م. طلب العرب من الدولة العثمانية منحهم الاستقلال الذاتي، وجعل اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية، وكذلك حصر التجنيد في الشبان العرب وذلك كما جاء في مقررات المؤتمر العربي في باريس عام 1913م. ولكن العثمانيين رفضوا تلبية مطالب العرب، ولم تتفهم الدولة العثمانية قضايا العرب المصيرية، لذا عقد العرب العزم على تخليص البلاد من الحكم العثماني، خاصة بعد المجازر التي ارتكبها جمال باشا السفاح قائد الجيش التركي في سوريا، فقرروا إعلان الثورة التي انطلقت من مكة بزعامة الشريف حسين بن علي في 1334هـ، العاشر من يونيو 1916م. وأعلن الشريف حسين الجهاد المقدس ضد الأتراك في عهد السلطان محمد رشاد الخامس، واحتل جيشه مكة والطائف وجدة ثم المدينة المنورة.

دخلت قوات الثورة العربية مدينة دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين في 1336هـ، مطلع أكتوبر من عام 1918م، فانسحب منها الجيش التركي، كما انسحب من بقية المدن السورية حتى تم تحرير كافة الأراضي في منتصف نوفمبر من العام نفسه. ثم تشكلت الحكومة العربية برئاسة الفريق رضا باشا الركابي وبموافقة الأمير فيصل عليها، كما أرسل الأمير فيصل شكري باشا الأيوبي إلى بيروت لتأسيس إدارة عسكرية فيها.


الحكومة العربية في دمشق 1918-1920م. قوبل دخول فيصل إلى دمشق بحماسة كبيرة، وأيدت جموع الشعب الثورة، واستجابت لأوامر القيادة العربية. ولكن الإنجليز عمدوا إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق: غربية تقع تحت الإدارة الفرنسية، وشرقية داخل سوريا والأردن، وجنوبية تشمل فلسطين، وقد وضعت تحت الانتداب البريطاني.

وتطبيقًا لمعاهدة سايكس ـ بيكو 1916م، فقد احتلت القوات الفرنسية بيروت في شهر أكتوبر من عام 1918م وتوالى نزولها في المدن الساحلية، وأنزلت الأعلام العربية عن المباني الرسمية.

ذهب فيصل إلى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس ليمثل بلاده نيابة عن الشريف حسين رغم معارضة فرنسا لقدومه، وألقى خطابًا في المؤتمر طالب فيه بحق الشعب العربي في الاستقلال والحرية والوحدة، ولكن المؤتمر خيب آمال العرب وعاد فيصل إلى دمشق.

بعد عودة فيصل إلى دمشق، عقد المؤتمر السوري العام في 2 يوليو 1919م، ونادى بفيصل ملكًا على سوريا، كما طالب المؤتمر بإلغاء اتفاقية سايكس ـ بيكو، وكذلك إلغاء وعد بلفور، ورفض الانتداب البريطاني والفرنسي.

أدى موقف الحلفاء إلى عقد المؤتمر السوري في 7 مارس 1920م، وقرر إعلان استقلال سوريا دولة ذات سيادة وملكية دستورية. وتألفت أول وزارة دستورية برئاسة رضا الركابي باشا، وأعلنت مبايعة فيصل ملكًا على سوريا، كما أعلن المؤتمر عن إقامة اتحاد سياسي بين العراق وسوريا. وندد المؤتمر كذلك بالمؤتمرات الاستعمارية والصهيونية غير أن الحلفاء قرروا في مؤتمر سان ريمو 1920م، وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ووضع فلسطين وشرق الأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني.

abo rashid
08-09-2006, 11:07 AM
الاحتلال الفرنسي لسوريا في 25 يوليو 1920م
أثارت مقررات مؤتمر سان ريمو، مشاعر السخط في سوريا ضد الغرب الذي تنكر لأماني الأمة العربية في الوحدة والاستقلال. وتشكلت وزارة دفاعية في سوريا برئاسة هاشم الأتاسي، ومن أعضائها عبد الرحمن شهبندر ويوسف العظمة وزير الدفاع، وذلك لمنع تنفيذ هذه المقررات. وحاول فيصل منع تلك المقررات دون جدوى. وكانت فرنسا قد خططت لاحتلال سوريا، فوجهت إنذارًا إلى سوريا بشأن قبول الانتداب الفرنسي، وتسريح الجيش وقبول العملة الفرنسية.

رفض الشعب السوري هذه المطالب رغم أن فيصل قبل الإنذار، ولكن القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غورو دخلت دمشق بعد أن انتصرت على السوريين في معركة ميسلون التي استشهد فيها يوسف العظمة وزير الدفاع. وانتهى الحكم الوطني في سوريا الذي دام حوالي عامين. وغادر فيصل البلاد إلى أوروبا وخضعت البلاد للحكم الفرنسي.


الحكم الفرنسي في سوريا 1920-1940م. قضت فرنسا على مظاهر الحكم الوطني في سوريا، فقد أنزل الفرنسيون العلم العربي، ورفعوا مكانه العلم الفرنسي، وفرضوا الحكم العسكري على البلاد، وتم إعدام جماعة من المواطنين، ونزع سلاح الأهالي، وفرضت غرامات باهظة على المدن، وألغيت كافة القوانين التي صدرت في العهد الوطني.

اتبعت فرنسا سياسة تذويب عروبة سوريا، ففرضت اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية، وأهملت شأن اللغة العربية، وسيطرت على الجيش والأمن العام والجمارك والشركات، وعملت على إثارة الفُرقة بين الطوائف الدينية والمجموعات العنصرية، كما عملت على ربط الاقتصاد السوري بالاقتصاد الفرنسي، إضافة إلى استخدام كافة وسائل القمع والإرهاب، كذلك أعلنت فرنسا تجزئة سوريا ولبنان إلى دولتين منفصلتين، وتقسيم سوريا إلى أربع محافظات أو دول: دمشق، حلب، جبل العلويين، جبل الدروز.


المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الفرنسي. تميز عهد الاحتلال الفرنسي بنضال الشعب المستمر لتحرير سوريا من براثن الاستعمار الأجنبي، وقامت خلاله ثورات مثل ثورة الشيخ صالح العلي في جبل العلويين عام 1921م، وتكبد فيها الفرنسيون خسائر فادحة، وثورة إبراهيم هنانو في حلب عام 1921م، وثورة سلطان باشا الأطرش (1925-1927م) وتُسمى الثورة السورية الكبرى لأنها شملت مناطق سورية كثيرة.

اضطرت الثورات الحكومة الفرنسية في سوريا إلى إعادة توحيد حلب ودمشق واللاذقية، كما وافقت على إجراء انتخابات وتشكيل جمعية تأسيسية برئاسة هاشم الأتاسي عام 1928م، ووافقت فرنسا أيضًا على نشر دستور للبلاد شريطة إلغاء بعض مواد منه، ولكن الشعب رفض، واستمرت الاتصالات جارية على موقفها بشأن إلغاء المواد التي تحد من سيطرتها على سوريا، وقامت المظاهرات الصاخبة، فاضطرت الحكومة الفرنسية إلى تشكيل حكومة وطنية برئاسة تاج الدين الحسني، وجرت انتخابات وتشكل مجلس نيابي تتمثل فيه الكتلة الوطنية لإجراء مفاوضات مع فرنسا بشأن عقد معاهدة تعطي سوريا الاستقلال.

إزاء تلكؤ فرنسا في عقد المعاهدة، قامت المظاهرات والاضطرابات في عام 1936م، وأخيرًا وافقت فرنسا على عقد معاهدة مع الوطنيين تتضمن استقلال سوريا، ومدة المعاهدة 25 سنة، ومنح قواعد عسكرية لفرنسا.

استقبل الشعب السوري المعاهدة بالرضا لأنها خطوة على طريق الاستقلال التام، واستمرت المطالبة الوطنية والوزارة بالمناداة بتسلم السلطات من الفرنسيين تنفيذًا لبنود المعاهدة. ولكن فرنسا أخذت تماطل وتسوف كعادتها. وفي غمرة هذه الأحداث، تنازلت فرنسا لتركيا عن لواء الإسكندرونة عام 1939م، وذلك للضغط على الوطنيين في سوريا.

وخلال فترة الحرب العالمية الثانية هزم الألمان فرنسا، وسيطروا على فرنسا ومستعمراتها. واستغلت دول المحور (ألمانيا وإيطاليا) هزيمة فرنسا لتمد نفوذها إلى الشرق، فاستخدمت المطارات السورية، وأثار ذلك مخاوف بريطانيا وحلفائها فقررت انتزاع سوريا من أيدي حكومة فيشي الموالية للألمان، واحتلت بريطانيا سوريا في يونيو عام 1941م، ومعها قوات فرنسا الحرة بقيادة الجنرال ديجول الذي وعد السوريين بالاستقلال لكي يضمن تأييدهم ومساندتهم له. فاستبشر المواطنون خيرًا، ونجحوا في إجبار القائد الفرنسي كاترو على إلغاء الانتداب وإعلان استقلال سوريا موحدة.


الحكم الوطني المستقل
تألفت وزارة جديدة، واختير الشيخ تاج الدين الحَسَني رئيسًا للجمهورية، واعترف الحلفاء باستقلال سوريا. ولكن الشعب طالب بإعادة الحياة الدستورية، وتشكيل حكومة وطنية تنبثق عن إرادة الشعب لتحقيق أمانيه الوطنية فأجريت الانتخابات عام 1942م إثر وفاة تاج الدين الحسني، وانتُخب السيد شكري القوتلي زعيم الكتلة الوطنية رئيسًا للجمهورية عام 1943م، وألف الوزارة سعدالله الجابري. وفي هذه الأثناء، حاول الإنجليز توطيد أقدامهم محل الفرنسيين المكروهين من الشعب السوري، ولكنهم فشلوا في تحقيق ما يريدون.

ساهمت الحكومة السورية الجديدة في تأسيس الجامعة العربية، كما أعلنت الحرب على دول المحور، وأقامت علاقات دبلوماسية مع الدول الصديقة، واشتركت كذلك في تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945م.

طالبت الحكومة السورية فرنسا بالجلاء عن البلاد، ولكن الفرنسيين رفضوا ذلك محاولين عقد معاهدة مع سوريا تعطيهم حق استخدام القواعد الجوية والبحرية في البلاد. فرفض الشعب ذلك، وإزاء ذلك قصفت القوات الفرنسية مدينة دمشق بالمدفعية والطائرات لمدة أربع وعشرين ساعة، ومثلت بالمواطنين أبشع تمثيل، وأحرقت الأحياء، فكان لذلك صدى عالمي سيئ. واحتجت سوريا على هذا التصرف البشع، وأنذرت بريطانيا فرنسا بوقف إطلاق النار، واستجابت فرنسا للإنذار البريطاني. وبعد ذلك عرضت المشكلة السورية على مجلس الأمن الذي قرر منح سوريا الاستقلال وجلاء القوات الفرنسية عنها. وتم ذلك في أبريل من عام 1946م وهو العيد الوطني لسوريا.


عهد الاستقلال. تسلمت الحكومة الوطنية زمام الأمور في البلاد، فقامت بإصلاح نظام التعليم واستبعاد الأثر الفرنسي عن التعليم، وقضت على مظاهر الاستعمار الثقافي الفرنسي بعد أن تخلصت من الاستعمار السياسي. وعملت على تعزيز الحياة الاقتصادية وتطويرها وخاصة الزراعية منها، كما اهتمت بتقوية الجيش الوطني وتسليحه إضافة إلى اهتمامها بالنهضة العمرانية والفنية. وفي عام 1947م، أجريت انتخابات جديدة، وأُعيد انتخاب شكري القوتلي بعد تعديل الدستور.


حرب فلسطين 1948م والانقلابات العسكرية في سوريا 1949م. واجهت سوريا مشكلات خارجية منها حرب فلسطين عام 1948م التي اشترك فيها الجيش السوري كغيره من الجيوش العربية، وهزم كغيره في هذه الحرب وذلك لانعدام التنسيق والإعداد لها، ونتج عن ذلك كارثة فلسطين وقيام دولة إسرائيل. وأدى ذلك إلى قيام سلسلة من الانقلابات العسكرية في سوريا. وقد قامت هذه الانقلابات إثر قيام الأزمة الوزارية 1949م، واحتدام النقاش في المجلس النيابي بين السياسيين والعسكريين حول ميزانية الدفاع، واتهام السياسيين للعسكريين بالتقصير في حرب فلسطين.

ق

abo rashid
08-09-2006, 11:07 AM
قام الانقلاب العسكري الأول بقيادة حسني الزعيم في مارس 1949م، واستولى الجيش على السلطة واعتقل السياسيين في البلاد، وأعلن حسني الزعيم نفسه رئيسًا للجمهورية ورئيسًا للوزراء. ولم يستمر هذا الانقلاب طويلاً. فبعد أربعة أشهر من الانقلاب الأول، حصل انقلاب آخر بزعامة الفريق سامي الحناوي الذي قضى على قادة الانقلاب الأول، وكان هذا الانقلاب يؤيد العراق ويميل إلى الاتحاد معها بعكس الانقلاب الأول. غير أن انقلابًا عسكريًا ثالثًا وقع في أواخر عام 1949م بقيادة الزعيم فوزي سلو والعقيد أديب الشيشكلي لإبطال مشروع الاتحاد مع العراق، واجتمعت الجمعية التأسيسية وتم انتخاب هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية وشكل ناظم القدسي الوزارة، وبعد عامين غير الشيشكلي الدستور، وأصبح بموجبه رئيسًا للجمهورية، كما انتخب مجلس نيابي جديد، ولكن اضطهاد الشيشكلي للأحزاب وابتعاده عن الجيش أوقعه في انقلاب عسكري أطاح بحكمه، وغادر سوريا إلى الأرجنتين حيث لقي مصرعه بعد خمس سنوات من مغادرته.


عودة الحياة الدستورية إلى البلاد. انتهت الانقلابات العسكرية وعادت الأمور إلى سابق عهدها، كما كانت قبل انقلاب الشيشكلي، وعاد هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية وناظم القدسي رئيسًا للوزارة، ثم استؤنفت الحياة الدستورية في البلاد، وانتهى الأمر بإجراء انتخابات نيابية، واختير شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية في 16 أغسطس 1955م. وكان الحكم النيابي ضعيفًا لأنه يدين للجيش بوجوده، وعادت الأحزاب التقليدية إلى الحكم، وظهر بجانبها حزب البعث والحزب الشيوعي، ولكنها كانت ضعيفة أمام الجيش وضباطه.


الطريق إلى الوحدة. واجهت سوريا مشكلات داخلية وخارجية كثيرة، دفعتها إلى أن تسير في هذا الاتجاه لإنقاذ نفسها من هذه المصاعب والمشكلات. فالمؤامرات السياسية والدولية تعصف بالبلاد وكيانها، فهناك حلف بغداد ومحاولات العراق دفع سوريا للاشتراك فيه وبالتالي السيطرة عليه وضمه إليها، وهناك محاولات تركيا التحرش بها، ومحاولات الأردن تنفيذ مشروع سوريا الكبرى.

إزاء ذلك اضطرت سوريا إلى أن تتقرب من مصر وتعقد معها معاهدة الدفاع المشترك عام 1955م. ولما كثرت المؤامرات على سوريا وبلغ التوتر السياسي بين الجيش والحكم حده الأقصى، رأى ضباط الجيش أن أفضل حل هو في اتحاد سوريا مع مصر. فذهب وفد من الضباط السوريين إلى مصر يطلب من الرئيس المصري جمال عبد الناصر وحدة سوريا مع بلاده، فقبل عبد الناصر تحت إلحاحهم، وطلبوا من الحكومة السورية اتخاذ الخطوات الفورية للوحدة، فجرت مباحثات بين الجانبين توجت بتوقيع اتفاقية الوحدة في 22 فبراير 1958م، ثم جرى استفتاء عليها في مارس من العام نفسه، وأعلن عن قيام الجمهورية العربية المتحدة التي تتكون من إقليمي سوريا ومصر، واختير عبد الناصر رئيسًا لدولة الوحدة، وتنازل شكري القوتلي الرئيس السوري عن منصبه، وأُعطي لقب المواطن العربي الأول، وسُميت سوريا الإقليم الشمالي بينما سُميت مصر الإقليم الجنوبي.


الوحدة السورية المصرية (22 فبراير 1958 - 28 سبتمبر 1961م)
كانت الوحدة تحقيقًا لأماني الشعب العربي، وكانت أول تجربة وحدوية في العصر الحديث، لكن الاستعمار والصهيونية حاولا ضرب الوحدة وإجهاضها بشتى الصور، كما كان لنقمة بعض القطاعات الاقتصادية على القرارات الاشتراكية، ووقوع بعض الأخطاء في طريقة الحكم في سوريا، وحب السلطة لدى بعض أفراد السياسة والجيش، كل ذلك أدى إلى قيام انقلاب عسكري أطاح بالوحدة في 18ربيع الثاني 1381هـ، 28 سبتمبر 1961م وذلك بعد 44 شهرًا من قيامها، وأعلن انفصال سوريا عن مصر. وكان يقود الانقلاب العسكري مأمون الكزبري وعبد الكريم النحلاوي.


التطورات السياسية في سوريا. شكل مأمون الكزبري أول وزارة سورية ثم تلتها وزارة عزة النص التي أشرفت على الانتخابات، فقامت حكومة دستورية برئاسة الدكتور معروف الدواليبي إثر انتخابات نيابية، وانتخب الدكتور ناظم القدسي رئيسًا للجمهورية، وظهرت قوة البعثيين والإخوان المسلمين في هذه الانتخابات. وحصلت منافسات شديدة بين السياسيين أدت إلى تدخل الجيش في السياسة. قامت تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي تساندها بعض العناصر القومية في الجيش بثورة 8 مارس 1963م برئاسة لؤي الأتاسي ومحمد الصوفي وزياد الحريري قائد الجبهة، فأسندت رئاسة مجلس الثورة إلى لؤى الأتاسي ورئاسة الوزارة إلى صلاح الدين البيطار الزعيم البعثي الذي واكب الخط الوحدوي مرحليًا، وكان هذا الانقلاب بداية تسلم حزب البعث للحكم.


حزب البعث في السلطة. حاول حزب البعث عام 1963م إقامة وحدة بين مصر والعراق وسوريا، ولكـن تلك المحاولات باءت بالفشل. وحدثت فتنة في حماة عام 1964م ثم في دمشق بعد عام، ولكن الحزب تمكن من القضاء على الفئات المناوئة من جماعة الإخوان المسلمين. ثم حصلت انشقاقات في حزب البعث فتخلص صلاح جديد ونور الدين الأتاسي من كل من سليم حاطوم وعبد الكريم الجندي وأمين الحافظ رئيس الدولة وصلاح البيطار رئيس الوزراء.

تولى نور الدين الأتاسي رئاسة الدولة ويوسف زعين رئاسة الوزارة، وكان صلاح جديد رئيس الأركان، وفي عهده نشبت حرب الأيام الستة (5 يونيو 1967م) وفقدت سوريا الجولان التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي. وأدى ذلك إلى اعتقالات واسعة في سوريا وتهم متبادلة. ودفع ذلك الفريق حافظ الأسد وزير الدفاع وقائد السلاح الجوي إلى قيادة الحركة التصحيحية في سوريا عام 1970م، وانتخب بعدها رئيسًا للجمهورية.

أعلن الرئيس السوري حافظ الأسد انفتاحه على العالم العربي، فانضم إلى ميثاق طرابلس الذي ضم مصر والسودان وليبيا وسوريا، ثم دخل في اتحاد شكلي مع مصر بعد عام، ولم يلبث أن فصمت عراه. وعمل على تحسين علاقاته وتطويرها مع الدول العربية والصديقة وخاصة الاتحاد السوفييتي (سابقًا) الذي كان يزود سوريا بما تحتاجه من السلاح.

اشترك الجيش السوري في عهد الرئيس حافظ الأسد في حرب رمضان 1393هـ، أكتوبر 1973م، وقد استطاع إرجاع جزء من الجولان بعد مفاوضات أجرتها السلطات السورية مع إسرائيل بوساطة كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت. وتحاول سوريا إعادة كامل الجولان عن طريق المفاوضات. وشاركت سوريا في حفظ الأمن في لبنان. كما شاركت سوريا بدعم القضية الفلسطينية والمنظمات الفدائية، ولكن كان لها تحفظ على اتفاق غزة ـ أريحا الذي وقع في 13 سبتمبر 1993م.

نددت سوريا كذلك باحتلال الكويت عام 1990م، ووقفت ضد هذا العدوان وساهمت في تحريرها عام 1991م. وأيضا أيدت سوريا اتفاقية الطائف الموقعة عام 1992م في الطائف بالمملكة العربية السعودية بشأن حل مشكلة لبنان. وأخيرًا اشتركت سوريا في مسيرة السلام بين العرب واليهود التي بدأت في مدريد في أكتوبر 1991م ثم انتقلت إلى واشنطن عام 1992م، وذلك من أجل توقيع معاهدة سلام مع اليهود بشأن استرداد الجولان. وقد اجتمع الرئيس السوري حافظ الأسد في منتصف يناير من عام 1994م مع الرئيس الأمريكي بل كلينتون لشرح الموقف السوري من مسيرة السلام ومن توقيع اتفاقية سلام شاملة مع إسرائيل. وبعد فوز مرشح حزب الليكود بنيامين نتنياهو في مايو 1996م، تعثرت مفاوضات السلام في المنطقة برمتها بسبب سياسة نتنياهو الاستيطانية ودعمه للمتطرفين اليهود ومحاولاته فصل المسارين السوري واللبناني في مفاوضات السلام.

وفي يوليو عام 2000م، توفي الرئيس حافظ الأسد إثر نوبة قلبية، ودفن بمسقط رأسه بالقرداحة قرب مدينة اللاذقية. فاز ابنه الفريق بشار حافظ الأسد في الاستفتاء الشعبي على ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية، وأصبح رئيساً للبلاد.

abo rashid
09-09-2006, 10:44 AM
فلسطين، تاريخ. فلسطين أرض تاريخية عربية، تقع في الطرف الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وتعتبر فلسطين واحدة من أهم المناطق التاريخية في العالم؛ إذ ظهرت فيها ديانتان: اليهودية والنصرانية، وهي الأرض المقدسة والمكان الذي وقع فيه كثير من الأحداث المذكورة في الكتب المقدسة. وفيها من الأماكن المقدسة الإسلامية المسجد الأقصى؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول الكريم ³ في رحلة الإسراء. انظر: المسجد الأقصى.

وموقع فلسطين الجغرافي بين آسيا وإفريقيا حتَّم عليها منذ القدم الاهتمام بالطرق التجارية ومن أقدمها وأشهرها الطريق المعروف باسم فياماريس (طريق البحر). وهو يبدأ من دمشق ويسير حتى يبلغ المكان المعروف باسم جسر بنات يعقوب فيعبر نهر الأردن ويسير محاذيًا لمرج ابن عامر (سهل)، ويسير محاذيًا للشاطئ مارًا باللد والرملة إلى غزة ومنها إلى العريش. وهناك طريق آخر قديم يخرج أيضًا من دمشق عابرًا الأردن جنوب بحيرة طبرية عبر جسر المجامع محاذيًا بيسان وجنين ويسير إلى نابلس فالقدس فالخليل. وموقع فلسطين بين مصر وجنوب غربي آسيا، جعلها موضع صراع منذ آلاف السنين.

كان سكان البلاد الأصليون من الكنعانيين العرب الذين عاشوا فيها آلاف السنين قبل مجيء اليهود إليها. وهؤلاء العرب هم الذين بنوا القدس. حاول اليهود إضفاء الغموض والتجاهل على الوجود العربي في فلسطين، وذلك بما يملكون من وسائل دعائية قوية، ولكنهم تناسوا الحقيقة المهمة، وهي أنهم إنما طرأوا على فلسطين والقدس بمرورهم العابر في مطلع القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أي أنهم قادمون متأخرون على مسرح الأحداث في فلسطين.

وقد ظلت فلسطين منذ الفتح الإسلامي جزءًا من دولة الإسلام خلال فترة الخلفاء الراشدين، ثم الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية. وما زال المسلمون حتى يومنا هذا يعتبرونها جزءًا من دار الإسلام لابد أن يعود إلى أصله.

بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، دخلت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وأصدرت بريطانيا وعد بلفور عام 1917م لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين تحت ضغط الحركة الصهيونية العالمية، وقاوم العرب الفلسطينيون مخططات بريطانيا وحلفائها اليهود وقاموا بثورات متعددة أبرزها ثورة 1929م والثورة الكبرى 1936م. وخرجت بريطانيا من فلسطين وقد تركت كميات كبيرة من الأسلحة لليهود مما ممكنهم من احتلال ثلاثة أرباع فلسطين وطرد 700,000 من سكانها الشرعيين إلى الدول العربية المجاورة.


فلسطين في التاريخ القديم

فجر التاريخ والاستقرار العربي. عاشت في فلسطين شعوب كثيرة، مثل: العموريين والكنعانيين وغيرهم من الشعوب القديمة منذ الألف الثالث قبل الميلاد. ولهذا، فقد عرفت أرض فلسطين باسم أرض كنعان. والكنعانيون هم شعب ساميٌّ سكن فلسطين منذ نحو 3,000 عام قبل الميلاد، وأقاموا عددًا من المدن المسورة، وأنشأوا حضارة اقتبسها منهم العبرانيون فيما بعد.

وفيما بين القرنين العشرين والثامن عشر قبل الميلاد، غادر شعب ساميٌّ يدعى العبَرانيين منطقة ما بين النهرين واستقر في أرض كنعان. ورحل بعض العَبرانيين إلى مصر. وفي القرن الثالث عشر قبل الميلاد، قاد موسى عليه السلام اليهود خارجًا من مصر ليعود بهم إلى أرض كنعان. وقد اتبع اليهود دينًا يدعو إلى عبادة إله واحد، على حين أن الشعوب الكنعانية الأخرى كانت تعبد عدة آلهة. ظل العبرانيون لمدة 200 سنة، يصارعون الشعوب الكنعانية الأخرى والمناطق المجاورة. وكان يسيطر على الساحل الجنوبي الغربي من أرض كنعان أحد الشعوب القوية المعادية لليهود وهم الفلسطينيون الذين سميت منطقة فلسطين باسمهم.


الغزوات. في القرن الثامن قبل الميلاد، قام الآشوريون، وهم شعب عاش فيما يسمى الآن بالعراق، ببسط حكمهم غربًا إلى البحر الأبيض المتوسط، وغزوا فلسطين سنة 722 أو 721ق.م. وبعد مائة سنة، أخذ البابليون يسيطرون على الإمبراطورية الآشورية وغزوا يهودا (جنوب فلسطين) سنة 586ق.م، ودمروا هيكل سليمان في القدس، واسترقَّوا كثيرًا من اليهود، وأجبروهم على العيش في المنفى في بابل. وبعد خمسين سنة، غزا الملك الفارسي قورش الكبير بابل، وسمح لليهود بالعودة من المنفى وبناء المعبد والاستقرار في فلسطين من جديد. وحكم الفرس معظم الشرق العربي بما في ذلك فلسطين من سنة 530 حتى 331ق.م، ثم قام الملك الإسكندر الأكبر بغزو الإمبراطورية الفارسية، ودحر داريوس الثالث ملك الفرس في موقعة إمسوس في خريف عام 333ق.م. وبعد وفاة الإسكندر سنة 323ق.م، تقاسم قادته الكبار الإمبراطورية. فأسس سلوقس أحد القادة، الأسرة السلوقية الحاكمة التي سيطرت على فلسطين حتى عام 200ق.م. وقد حال الحكام الجدد بين اليهود وممارسة دينهم، فثار اليهود سنة 167ق.م بقيادة يهوذا المكابي وطردوا السلوقيين من فلسطين. وأنشأوا مملكة موحدة جديدة عرفت باسم يهودا، وبقيت زعامة المكابيين على اليهود حتى بسط الرومان سلطانهم على فلسطين في عام 63ق.م.


الحكم الروماني. في سنة 63ق.م، قامت الكتائب الرومانية بغزو يهودا التي أصبحت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. وُلِدَ عيسى عليه السلام في بيت لحم خلال السنوات الأولى من الحكم الروماني، وأخمد الرومان ثورات اليهود، الثورة الأولى (66 حتى 70م) والثورة الثانية (من 132-135م)، وطردوهم من القدس، وأطلقوا على المنطقة اسم فلسطين. لكن بقيت جماعة منهم في الجليل في أقصى شمالي فلسطين، واستمر الحكم الروماني لفلسطين حتى سنة 300م، ثم حكمها البيزنطيون (الإمبراطورية البيزنطية)، حيث انتشرت النصرانية في جميع أنحاء فلسطين.


الفتح العربي الإسلامي
خلال القرن السابع الميلادي، انطلقت الجيوش العربية الإسلامية من الجزيرة العربية لفتح معظم بلاد الشرق الأوسط بما في ذلك فلسطين. ومع ظهور الإسلام الذي انتشر وعمّ المنطقة كلها، حيث عُومل اليهود والنصارى على أنهم أهل كتاب فتركت لهم حرية العقيدة والثقافة. ومع ذلك، فقد دخل أكثر السكان المحليين في الإسلام تدريجيًا، كما قبلوا الثقافة العربية الإسلامية التي رعاها حكامهم. انظر: عمرو بن العاص.

وفي مطلع الألف الثاني بعد الميلاد، بدأ السلاجقة ـ وهم ينتمون إلى الجيش التركي ـ يسيطرون على فلسطين بعد أن احتلوا القدس سنة 464هـ، 1071م، ودام الحكم السلجوقي لفلسطين أقل من 30 سنة. أراد الصليبيون النصارى القادمون من أوروبا أن يُسيطروا على فلسطين فبدأت الحروب الصليبية سنة 490هـ، 1096م. واحتل الصليبيون القدس 493هـ، 1099م، واستمروا يحكمونها حتى 583هـ، 1187م، عندما استرجع القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي فلسطين وهزم الصليبيين هزيمة منكرة في موقعة حطين الشهيرة واستولى على حيفا وقيسارية ويافا ونابلس، ثم عقد النية على استعادة بيت المقدس وبالفعل دخلها في 583هـ، يوم الجمعة الموافق 2/10/1187م. واستولى على القدس. انظر: صلاح الدين الأيوبي.


الحروب الصليبية. من المعروف أن فترة الحروب الصليبية فترة خطرة جدًا في تاريخ المسلمين عامة وفلسطين خاصة؛ إذ استجابت أوروبا بكل ثقلها لدعوة البابا أوريان التي ناشد فيها زعماء أوروبا أن يستولوا على فلسطين من المسلمين ويقيموا فيها دولة نصرانية. ودامت الحروب قرابة قرنين، ظلت القدس قرابة قرن منهما تحت السيطرة الصليبية حتى حررها المسلمون بقيادة صلاح الدين. ولا يزال التاريخ يروي كيف بطش الصليبيون بالمسلمين بطشًا دمويًا يوم دخلوا بيت المقدس. لكن المسلمين فعلوا عكس ذلك يوم حرروها بقيادة صلاح الدين الأيوبي، إذ كانوا قمة في التسامح، حتى دخلت شخصية صلاح الدين وجدان الرجل الأوروبي بوصفه أنبل فرسان التاريخ وأكثرهم حفظًا للعهود وتسامحًا وعفوًا.

وفي منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، استطاع المماليك الذين حكموا مصر، أن يؤسسوا دولة ضمت إليها فلسطين. وقد تميّز عصر المماليك في القدس باهتمامهم بها وترميم مقدساتها الإسلامية، حتى إننا نجد سلاطينهم يكسون قبة الصخرة المقدسة من الخارج بالفسيفساء. وظل المماليك حكامًا حتى تمكن الأتراك العثمانيون من هزيمتهم عام 923هـ، 1517م، وأصبحت فلسطين جزءًا من الدولة العثمانية. وكان العرب المسلمون يشكلون أكثر سكان فلسطين عددًا. ومع بداية القرن السادس عشر الميلادي، أخذ اليهود يهاجرون إلى القدس من مختلف أقطار البحر الأبيض المتوسط ويستقرون فيها وفي أجزاء أخرى من فلسطين. وقد بلغ عدد اليهود في فلسطين عام 1880م حوالي 24,000 نسمة، من أصل مجموع السكان البالغ عددهم 500 ألف، ثم أتت حملات الاضطهاد في روسيا عام 1882 بموجة جديدة من يهود بولندا ورومانيا حتى أصبح هناك خمسون ألف يهودي في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.


الحركة الصهيونية. ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، زادت هجرة اليهود بسبب الضغط الذي وقع عليهم في أقطار شرق أوروبا. أنشأ بعض اليهود حركة تعرف باسم الصهيونية، أخذت هذه الحركة تعمل من أجل قيام دولة يهودية مستقلة لهم في فلسطين. وأنشأ الصهاينة مستعمرات زراعية في فلسطين. وفي خلال هذه الفترة، تزايد سكان فلسطين بسرعة. وفي عام 1914م بلغ العدد الإجمالي للسكان في فلسطين 700,000 نسمة؛ كان منهم 615,000 عربي و57,000 يهودي.

abo rashid
09-09-2006, 10:44 AM
التآمر الاستعماري على فلسطين

الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور. انضمت الإمبراطورية العثمانية إلى كل من ألمانيا والنمسا والمجر في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م) ضد الحلفاء، وتولت أمر فلسطين حكومة عسكرية عثمانية. وخططت بريطانيا وبعض حلفائها لتقسيم أملاك الدولة العثمانية فيما بينها بعد الحرب. وطالبت اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916م بوضع جزء من فلسطين تحت سيطرة حكومة حلفاء مشتركة. وعرضت بريطانيا أن تلبي بعد الحرب مطالب العرب بالاستقلال عن العثمانيين مقابل مساعدة العرب للحلفاء فيما عرف بمراسلات حسين ـ مكماهون. وفي 1916م ثار بعض العرب على العثمانيين اعتقادًا منهم بأن بريطانيا سوف تساعدهم في إنشاء دولة عربية مستقلة في الشرق الأوسط. وكانت فلسطين ضمن المنطقة التي وعدهم الإنجليز بها، ولكن بريطانيا أنكرت ذلك إثر إعلان اتفاقية سايكس ـ بيكو بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م.

وفي عام 1917م وفي محاولة منها لكسب الدعم اليهودي لها في الحرب، أصدرت بريطانيا وعد بلفور. نص الوعد على تعهد بريطانيا بمساعدة اليهود في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، دون الإخلال بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين. لكن هذا الوعد يناقض نفسه منذ البداية، ذلك لأن قيام دولة يهودية في فلسطين يؤدي بالضرورة إلى الإضرار بحق العرب والمسلمين.

وبعد الحرب، قامت عصبة الأمم بتقسيم الكثير من أراضي الدولة العثمانية إلى أراضٍ واقعة تحت الانتداب.

وفي عام 1920م تلقت بريطانيا تكليفًا بالانتداب المؤقت على فلسطين يمتد من غربي نهر الأردن إلى شرقيه. وكان على البريطانيين أن يساعدوا اليهود على بناء وطن قومي لهم ومساندتهم في إيجاد مؤسسات الحكم الذاتي. وفي 1922م، أعلنت عصبة الأمم رسميًا أن حدود فلسطين تبدأ فقط من الأراضي الواقعة غربي النهر. أما المنطقة شرقي نهر الأردن حاليًا، فقد جعلت محمية بريطانية منفصلة. وقد بدأ تنفيذ الحماية على المنطقتين عام 1923م.

كانت بنود الانتداب البريطاني على فلسطين غير واضحة، ومن ثم فسرتها أطراف عديدة تفسيرات مختلفة. واعتقد كثير من الصهاينة أن بريطانيا لم تفعل شيئًا كثيرًا لدعم شعار الوطن القومي اليهودي. وقد سعى الإنجليز إلى بناء مؤسسات حكم ذاتي، كما تقتضي مهام الانتداب. لكن عروضهم لمثل تلك المؤسسات كانت غير مقبولة من قبل العرب، وبذلك لم تظهر مؤسسات الحكم الذاتي إطلاقًا، وعارض العرب فكرة الوطن القومي اليهودي، وخافوا أن تخطط بريطانيا لتسليم فلسطين للصهاينة بعد أن سمحت بهجرة أعداد كبيرة منهم إلى فلسطين. وفي خلال هذه الفترة، ظهرت أول حركة فلسطينية قومية عربية. وفي مناسبات كثيرة، قامت المظاهرات والصدامات احتجاجًا من العرب على السياسة البريطانية والأنشطة الصهيونية.

في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، جاء إلى فلسطين حوالي 100,000 مهاجر يهودي من ألمانيا النازية وبولندا. وهذه الإجراءات أخافت عرب فلسطين. وقد نظم العرب إضرابًا عامًا شل الحياة في كل فلسطين تقريبًا. واستمر 176 يومًا، وكان الأول من نوعه في العالم.

وفي عام 1939م، أخذ الإنجليز بكل عنف يجددون الهجرة اليهودية وامتلاك الأراضي من العائلات غير الفلسطينية التي أحست بالهلع من جراء الاضطرابات فباعت أراضيها وهربت إلى خارج فلسطين وذلك طوال السنوات الخمس التالية. كما امتلك اليهود أغلبية الأراضي بمساعدة ـ المندوب السامي البريطاني اليهودي هربرت صموئيل الذي استغل وجود قانون عثماني قديم بإعطاء الأرض التابعة للدولة لمن يستثمرها فحول معظم هذه الأراضي لليهود. لكنهم أقروا بأن الهجرة بعد ذلك سوف تعتمد على موافقة العرب. انظر: الصهيونية.


الحرب العالمية الثانية وتقسيم فلسطين. خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) انضم كثير من العرب واليهود إلى قوات الحلفاء. وبعدها هاجر إلى فلسطين مئات الآلاف من اليهود الأوروبيين.

وأوصت هيئة الأمم بتقسيم فلسطين إلى دولتين؛ عربية ويهودية، وطلبت وضع القدس تحت الوصاية الدولية. وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الخطة في نوفمبر 1947م. وأصدرت قرارها في 29 نوفمبر 1947م الذي تضمن التوصية بتقسيم فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين ولكنها تجاهلت بقرارها حق شعب فلسطين في تقرير مصيره، وأعطت اليهود 56% من أراضي شعب فلسطين، في حين أنهم كانوا يمثلون فقط 5,6% من مجموع السكان قبل التقسيم. وقبل اليهود بقرار الأمم المتحدة، لكن العرب رفضوه ونشب القتال في الحال.

وفي 14 مايو 1948م، أعلن اليهود قيام دولتهم المستقلة، وانسحب البريطانيون من فلسطين. وفي اليوم التالي، قامت الدول العربية المجاورة بمحاولة مساعدة أهل فلسطين في محنتهم ضد اليهود. وعندما انتهى القتال في 1949م، ضمت إسرائيل مناطق تتجاوز الحدود التي وضعتها الأمم المتحدة، أما بقية المنطقة التي خصصتها الأمم المتحدة للعرب فقد أصبحت تحت إدارة كل من مصر والأردن. فوضعت مصر قطاع غزة تحت إدارتها كما انضم الجزء الآخر (الضفة الغربية) إلى إمارة شرق الأردن، وتكوَّن من ذلك المملكة الأردنية الهاشمية. وكانت النتيجة النهائية هي أن حوالي 700,000 من العرب طردوا من إسرائيل وأصبحوا لاجئين في الأقطار العربية المجاورة.

في عام 1964م أسس الشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا له من أجل تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي عام 1974م اعترفت الدول العربية بالمنظمة باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.


استمرار الصراع. أبرمت الأمم المتحدة سلسلة من اتفاقات إيقاف القتال بين العرب واليهود عامي 1948م و1949م. ولكن لم يجر توقيع اتفاقية سلام فعّالة. واشتعلت الحرب على نطاق واسع مرة أخرى عامي 1956 و1967م. وبعد انتهاء فترة قرار وقف إطلاق النار الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1967م، كانت إسرائيل قد احتلّت الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك شبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية.

في عام 1973م، شنت مصر وسوريا الحرب ضد إسرائيل انتهت بهزيمة إسرائيل وانتهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر. وكانت حرب عام 1967م قد أدّت إلى وضع حوالي مليون عربي تحت الحكم الإسرائيلي، وبعد الحرب، أصبح مصير الفلسطينيين هو المحور الذي يدور حوله الصراع العربي الإسرائيلي. وأكدت منظمة التحرير في ميثاقها الوطني (1969م)، التزامها بتحرير جميع فلسطين. في عام 1978م وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد لتسوية النزاع بين البلدين، وانسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء. وتضمنت الاتفاقية بنودًا تنص على إعطاء الحكم الذاتي للمقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد خمس سنوات، على أن يتبع ذلك قرار يتعلق بالوضع المقبل لهذه المناطق. وقد انتقدت الدول العربية الأخرى هذه الاتفاقية بشدة. وفي عام 1987م انفجرت انتفاضة الحجارة لتكشف عنف وجبروت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي، وتجسد الانتفاضة تكاتف الفصائل السياسية والقوى الشعبية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال. اعترفت منظمة التحرير أخيرًا بحق إسرائيل في الوجود في فلسطين ودخلت معها في مفاوضات بهدف التوصل لحل سلمي للنزاع القائم بينهما. تم توقيع اتفاق الحكم الذاتي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 4 مايو 1994م بالقاهرة بشأن إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في غزة وأريحا. وفي يوليو 1994م وصل ياسر عرفات إلى غزة ليدير سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني. وفي يناير 1996م، انتخب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الفلسطينية، كما انتخب المجلس التشريعي الفلسطيني. حال انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا لوزراء إسرائيل في 29 مايو 1996م دون إكمال عملية إعادة انتشار (انسحاب) القوات الإسرائيلية من أراض عربية فلسطينية واسعة شملتها اتفاقيات السلام بسبب سياساته الاستيطانية المتشددة، وتعرقلت عملية السلام في المنطقة برمتها.

وفي مايو 1999م، حصل مرشح حزب العمل إيهود باراك على 56% من أصوات الناخبين وأصبح رئيساً للوزراء. وفي سبتمبر من العام نفسه اتفق باراك مع الرئيس عرفات على عقد جولة مفاوضات الحل النهائي. وفي يونيو 2000م، رعى الرئيس الأمريكي بيل كلنتون مفاوضات شاقة للسلام بين الرئيسين عرفات وباراك في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية. استغرقت المفاوضات أكثر من أسبوعين قدم خلالها الرئيس كلنتون ورقة أمريكية قال إنها كفيلة بحل المشاكل كافة، لكنها كانت تمثل الموقف الإسرائيلي تماماً.

انهارت المفاوضات للاختلاف الجوهري حول ثلاث مسائل حيوية هي: القدس وعودة اللاجئين والأرض والحدود والأمن. فبينما تمسك الجانب الفلسطيني بحق الفلسطينيين في السيادة على القدس بوصفها عاصمة لدولتهم، لم يوافق الجانب الإسرائيلي إلا على إعطاء الفلسطينيين سيادة اسمية على الحرم الشريف فقط. وأصر الفلسطينيون على مشروعية عودة اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، إلا أن الإسرائيليين لم يوافقوا إلا على عودة بعض اللاجئين وفي الإطار (الإنساني) الذي يهدف إلى لم شمل بعض الأسر الفلسطينية وبأعداد محدودة كل عام. وطالب المفاوضون الفلسطينيون تطبيق البنود المتعلقة بالأرض والحدود والأمن التي حددتها اتفاقية أوسلو، إلا أن الجانب الإسرائيلي عمد إلى التسويف والتأجيل؛ فانهارت المفاوضات. أنحى الرئيس الأمريكي باللائمة على الرئيس عرفات لأنه، حسب رأيه، كان وراء فشل المفاوضات لعدم مرونته.

وفي 28 سبتمبر دنس زعيم كتلة الليكود مجرم الحرب شارون الحرم الشريف بالمسجد الأقصى عندما دخله مع ثلاثة آلاف من جنوده فانطلقت انتفاضة الأقصى. وجدت الانتفاضة دعماً من جميع الدول العربية خاصة في اجتماع القمة العربية الطارئة التي عقدت لهذا الغرض في أكتوبر 2000م. قدمت الانتفاضة مئات الشهداء، وبقي الشهيدان محمد جمال الدرة، 10 سنوات، وإيمان حجو، 4 أشهر، رمزاً لصمود الشعب العربي الفلسطيني أمام وحشية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. وفي فبراير 2001م فاز السفاح شارون في الانتخابات المبكرة، وأصبح رئيساً للوزراء ومضى في محاولاته وقف الانتفاضة بمزيد من البطش وسفك الدماء. ردَّت المقاومة الفلسطينية بقنابل بشرية إذ عمد بعض الاستشهاديين إلى نسف أنفسهم بمتفجرات حملوها بين جنباتهم وسط المستوطنين والجنود اليهود. وانقسم الفلسطينيون والعرب والمسلمون في النظر إلى هذه العمليات. فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من رأى ضرورة أن توجه هذه العمليات ضد الجنود اليهود والمنشآت العسكرية دون المدنيين، ومنهم من أكد على عدم جدواها مطلقاً إذ لم تؤد إلى نتائج تفيد القضية الفلسطينية، بل أضرت بها.

abo rashid
09-09-2006, 10:50 AM
لبنان، تاريخ. يحتل لبنان موقعا استراتيجيا وتجاريا مهما. وقد مارس أهله، وبخاصة في المدن الساحلية منذ وقت مبكر حرفة التجارة. ويعود معظم سكان لبنان في أجناسهم إلى الأصل السامي؛ حيث قدموا إلى بلاد الشام من الجزيرة العربيّة منذ حوالي سنة 3000 ق.م. مثل: الكنعانيين والعموريين والفينيقيين وغيرهم.


التاريخ القديم

الفينيقيون. سكن الفينيقيون بعد هجرتهم من جزيرة العرب الساحل السوريّ، وانتشروا على طوله، وأسسوا ممالك فينيقيّة صغيرة كانت في غالب الأحيان متنافرة ومتحاربة ومتنافسة في مجال التجارة التي هي أهم مورد اقتصاديّ لها وقتذاك. وامتدت الممالك الفينيقية من الشمال إلى الجنوب على طول الساحل السوري، من أهمها: أوغريت، وإرواد، وطرابلس، وبيروت، وجبيل، وصيدا، وصور. ويغلب على تاريخ تلك الممالك أنها لم تكن مستقلة إنما ظلت تتبع لدول كبرى احتلت المنطقة أو إمبراطوريات واسعة ضمت في بوتقتها السياسيّة بلاد الشام أو أجزاء منها. ومعروف أن الفينيقيين كانوا قد اشتهروا بالتجارة، ووصلت رحلاتهم التجاريّة إلى مناطق بعيدة عن بلادهم مثل مناطق البحر الأبيض المتوسط، فتاجروا مع سكان فلسطين، وسوريا، وتونس، ومع اليونان، وإيطاليا، وفرنسا وشبه جزيرة الأناضول، كما تاجروا مع مناطق الخليج على طول ساحله، وأصبحت لهم خبرة كبيرة في ركوب البحار والتعرف على الطرق التجاريّة فيها، وعملوا على صنع سفنهم التي يتاجرون بوساطتها ويتنقلون بها من بلد لآخر. وبناءً عليه فقد طبع الفينيقيون المناطق التي سكنوها والمناطق التي ارتادوها طلبًا للتجارة، بطابعهم الحضاريّ المنفتح والمتفوق على غيره.

خضع لبنان لحكم الآشوريين والبابليين، والكلدانيين، والفرس، واليونان في ظل حكم الإسكندر وخلفائه، خاصة الإمبراطوريّة السلوقيّة. ثم خضع إلى الحكم الرومانيّ، وعندما انقسمت الإمبراطوريّة الرومانيَّة إلى إمبراطوريتين غربيّة وشرقيّة أصبح لبنان تابعًا للدولة الرومانية الشرقيّة (بيزنطة). ولما جاء الفتح الإسلاميّ إلى المنطقة أصبح لبنان يشكل جزءًا من أرض المسلمين بعد ما فُتح من قبل الجيوش الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. وكان لسكان لبنان علاقة بدولتي تدمر والغساسنة، ودولة الأنباط وغيرهم قبل مجيء الفتح الإسلاميّ لتلك المنطقة. وعليه فإن لبنان بلد عربي سامي في حضارته وثقافته وتاريخه.


العثمانيون. حكم العثمانيون بلاد الشام، ومنها لبنان في عهد السلطان العثمانيّ سليم الأول، عام 1516م على إثر واقعة مرج دابق الحاسمة، التي تغلب فيها الجيش العثمانيّ على جيش المماليك، وبذلك أنهى العثمانيون الوجود المملوكيّ في جبل بلاد الشام جميعها.

أيّد معظم أمراء لبنان الحكم العثماني لبلاد الشام، وكان على رأس المؤيدين للسلطان سليم الأول الأمير المعني فخر الدين أمير المعنيين في جبل لبنان وغيره من أمراء الطوائف اللبنانيّة الأخرى. وقد أمَّر السلطان العثماني الأمير فخر الدين المعني على إقطاعياته وكذلك فعل بالنسبة لباقي أمراء جبل لبنان.

التنظيم العثمانيّ الأول لبلاد الشام. نظم العثمانيون بلاد الشام كلها تنظيمًا إداريًا متوخين بذلك فرض سيادتهم على الجميع. وجدير بالذكر أن التقسيمات الإداريّة العثمانيّة في بلاد الشام كانت دائما في حالة من التغير والتبدل تبعًا لتغير الظروف العامة والأوضاع المحليّة والسياسية. وجاءت التنظيمات العثمانيّة الإداريّة في بلاد الشام على النمط الآتي: 1- ولاية دمشق وقد تبعها كل من السناجق (الأقضية): بيروت، صيدا، تدمر، القدس، نابلس، غزة. 2- ولاية حلب وقد ضم إليها جميع الأجزاء الشماليّة من البلاد السوريّة. 3- ولاية طرابلس، وضمت حماة وحمص. 4- ولاية صيدا وقد سلخها العثمانيون عن ولاية دمشق.

القوى المحليّة. يتمتع لبنان بموقع استراتيجيّ مهم من حيث الساحل، والجبل، وله تكوينات اجتماعيّة متميزة، ففيه تركيبة مذهبيّة وطائفيّة معقدة لابد أن يحسب حسابها في كل المسائل التي تواجهها البلاد. ولسكان لبنان بسبب هذه التركيبة احتكاكات وصلات بالدول الأوروبيّة مثل فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، وروسيا وغيرها.

أخذ لبنان طابعا إداريا خاصا. ففي الجبال عاش النصارى، بحرية وأمن واستقرار. وانتشر المذهب الدرزيّ في منطقة الجبل اللبنانيّ، تعاقب على حكم لبنان الأسرة المعنية التي برز من بينها فخر الدين المعني، وقد قوي أمر الدروز في ظل حكمه. وقد أعقبت هذه الأسرة في الحكم الأسرة الشهابية من الطائفة الدرزية التي برز منها الأمير بشير الدين الشهابي. وأصبحت لها علاقة بدولة بريطانيا التي أخذت تدعم وتؤازر الدروز ضد الطائفة المارونيّة كحلقة من حلقات التنافس الاستعماري في الشرق بين بريطانيا وفرنسا التي تدعم الموارنة في لبنان.


التدخل الأوروبي في لبنان
وفي فترة ضعف الدولة العثمانيّة أخذت الدول الأوروبيّة الكبرى تتصل بالقوى المحليّة في لبنان، وبدأت تحرضهم ضدها لتنال من ضعفها، كما أن بعض القوى المحليّة أخذت تتصل بالدول الأوروبيّة لتدعم مكانتها المحليّة ضد القوى المحليّة الأخرى المنافسة لها. وقد شعر العثمانيون أن وضع جبل لبنان الداخليّ لا يبعث على الاطمئنان فرأوا أن يعملوا على تنظيمه إداريًا بشكل يتناسب مع ظروفه الحاضرة، فقسموا لبنان إلى قسمين: القسم الشمالي وعينوا عليه قائمقامًا مارونيًا. والقسم الجنوبيّ وعينوا عليه قائمقامًا درزيًا، ومع هذا لم يصبح وضع القائمقاميتين أفضل ممّا كانتا عليه في السابق، ولم تستقر الأمور الداخلية فيهما. فقد وقعت في جبل لبنان خلافات طائفيّة حادة خاصة بين الدروز والموارنة عام 1841م، وكذلك عام 1845م.

حاولت الدولة العثمانية على الرغم من ضعفها أن تمسك بزمام الأمور، فأنشأت مجلسين منتخبين يشاركان في إدارة القائمقاميتين جنبًا إلى جنب مع القائمقامين على الشمال والجنوب في جبل لبنان. إلا أن الاضطرابات المحليّة في الجبل لم تتوقف، فقد توترت الأوضاع من جديد بين الدروز والموارنة عام 1860م. وتدخلت الدول الأوروبيّة في النزاع الداخليّ في الجبل، حتى أن فرنسا أرسلت عام 1860م حملة عسكريّة فرنسيّة مؤلفة من ستة آلاف جنديّ، إلاّ أن الدولة العثمانية أسرعت وحلت الخلاف بشكل يرضي جميع الطوائف. ولما وصلت الحملة الفرنسية إلى لبنان وجدت أن الأمر قد حل، فاضطرت إلى الانسحاب. وتعدّ هذه الحملة، على الرغم من أنها لم تفعل شيئًا، بمثابة إنذار للدولة العثمانية، وبمثابة دعم وتأييد للجماعات المارونيّة، وهي أيضًا بمثابة مناورة عسكريّة أرادت بها فرنسا أن تلفت نظر الإنجليز إلى أن لبنان والمناطق السوريّة هي ضمن خريطة الاستعمار الفرنسي في الشرق.

وقد تدخلت الدول الأوروبيّة في الصراع الدرزيّ المارونيّ بشكل سافر، فأرسلت دول أوروبا لجنة إلى إسطنبول لدراسة الموقف برمته مع السلطان العثماني والباب العالي، وتم الاتفاق على منح جبل لبنان نظامًا إداريًا خاصًا به، وعرف هذا الاتفاق بنظام عام 1861م، وقد حدث فيه تعديل بعد مرور ثلاث سنوات أي عام 1864م. وعرف هذا الاتفاق المعدل للاتفاق السابق بالقانون الأساسيّ. وقد وقعت عليه فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا والدولة العثمانية. ونص القانون الأساسيّ على الآتي: 1- تنظيم لبنان إداريًا من جديد، وإلغاء العمل بالتقسيم الإداريّ السابق الذي قسم جبل لبنان إلى قائمقاميتين. 2- أن يصبح جبل لبنان ولاية عثمانية مستقلة في شؤونها الداخلية. 3- أن يحكم ولاية لبنان المستقلة حاكم عثمانيّ نصرانيّ يعينه الباب العالي، بعد أن توافق على تعيينه جميع الدول التي وقعت على ميثاق القانون الأساسي. 4- أن تكون مدة ولاية المتصرف خمس سنوات، يرأس خلالها السلطة التنفيذيّة، ويكون مسؤولاً أمام الباب العالي. 5- أن يشكل مجلس إدارة من اثني عشر ممثلاً عن الطوائف في الجبل يساعد المتصرف في إدارة شؤون جبل لبنان. 6- أن تضم متصرفيّة لبنان جبل لبنان، ولا يدخل ضمنها سهل البقاع، ووادي التيم، ومدن الساحل مثل بيروت وطرابلس وصور وصيدا التي ستبقى خاضعة مباشرة لولاة الدولة العثمانيّة، وأن يظل تنظيمها الإداري على حاله. 7- أن يقسم جبل لبنان إلى سبعة أقضية، يرأس كل قضاء قائمقام من الطائفة التي تمثل الأكثريّة في القضاء. 8- أن يقسم كل قضاء إلى مديريات محليّة يتصرف في إدارتها المحليّة شيوخ ينتخبهم السكان. 9- أن يمنح القانون الأساسي كل مواطني الجبل أو ما يعرف بمتصرفيّة جبل لبنان حق المساواة أمام القانون. 10- أن تنظر دعاوى رجال الدين أمام محاكم دينيّة. 11- أن تلغى جميع امتيازات الإقطاعيين. 12- أن ترفع الدعاوى التجاريّة أمام محاكم تجاريّة خاصة. 13- أن يعين المتصرف جميع القضاة، ويشكل مجلسًا تأديبيًا للقضاة في حال المخالفات. 14- أن يقاضى المجرم في المكان أو الناحية التي ارتكب فيها الجرم. 15- أن تشكل في الجبل فرقة عسكرية لبنانية، وفرقة شرطة تساعد المتصرف في تثبيت الأمن وجمع الضرائب من السكان. 16- أن يجري المتصرف إحصاءً للسكان، وتشكل لجان فنيّة لمسح الأراضي في المتصرفيّة ووضع الخرائط لها.

وتأسيسًا عليه فإن فتنة عام 1861م كان لها نتائج خطرة على لبنان برمته، فقد تمخض عنها وجود نظام حكم قائم لمتصرفيّة لبنانيّة كان يعمل جاهدا على الاستقلال عن الحكومة العثمانيّة. وقد فتح الوضع الإداريّ الجديد لجبل لبنان نافذة واسعة على أوروبا، وهو أمر جر إلى تدخل تلك الدول بشكل واسع في شؤون لبنان وطوائفه. وقد تطور مفهوم التدخل الأوروبيّ في لبنان إلى استغلال الامتيازات الأجنبيّة التي تحولت فيما بعد إلى نوع من الحماية الأجنبيّة، وزاد بموجبه نشاط الجمعيات التنصيريّة في البلاد. كما أن الفتن المتعاقبة بين الطوائف في جبل لبنان قد أحدثت شرخًا في العلاقة الحسنة التي ظلت تسود مجتمع الطوائف اللبنانيّة.

ومن خلال تلك الأوضاع المتزامنة مع ضعف الدولة العثمانيّة برزت فكرة القوميّة العربيّة، والحركة الوطنيّة العربيّة المناهضة للحكم العثماني في بلاد الشام، وقد تجلى هذا المفهوم الفكري الرامي إلى إحياء العروبة من خلال حركة إحياء اللغة العربية، والأدب العربي، والتاريخ العربي ومحاولة إحياء التراث العربي برمته. وقد تعمق هذا الفكر العربي وتوسع في بلاد الشام في أعقاب بروز القومية الطورانيّة التركية التي حمل لواءها أتباع جمعيّة الاتحاد والترقي، فكان نمو الفكر العربي وتعمقه ردة فعل للاتجاه التركيّ المتعصب الذي ركز على تعزيز سياسة التتريك والإضرار بالعرب. وقد نشط الفكر العربي في بلاد الشام من خلال كتابات اليازجي والبستانيّ، وهما طليعة رواد الفكرة العربية.

وطبيعي أن الأهالي في لبنان لم يكونوا بمعزل عن تلك الأحداث، خاصة وأن التعليم كان قد انتشر، وحدث معه تفتح في الوعي لدى الشعب العربي في بلاد الشام، بسبب التعرف على التيارات الغربية.


الانسحاب التركي. تأزم الوضع الداخلي في لبنان في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، وتأزم الموقف المالي فيه بسبب الحرب، وانقطاع تدفق الأموال عليه من قبل رعاياه في المهجر. وساءت علاقة الدولة العثمانيّة بأهالي لبنان، خاصة بعد نمو فكرة العروبة، وتأسيس الجمعيات والهيئات العربيّة المناهضة للحكم العثماني.

انسحب الأتراك من بلاد الشام: سوريا، ولبنان، وفلسطين بعد انتصار دول الوفاق في الحرب العالمية الأولى على دول الوسط. ودخل الأمير فيصل بن الحسين دمشق، وأقام في بلاد الشام حكومة عربيّة منهيًا الوجود العثماني فيها، فأرسل القائد شكري باشا الأيوبيّ حاكمًا عامًا على لبنان، ومقره بيروت التي أصبحت تشكل مركز الثقل بالنسبة للبنان كله. وعين عمر الداعوق حاكمًا على بيروت، وحبيب باشا السعد حاكمًا على جبل لبنان. وهكذا رفع علم الحكومة العربية في بيروت، وذلك في 6 أكتوبر 1918م.

abo rashid
09-09-2006, 10:51 AM
الانتداب الفرنسي على لبنان. وقعت لبنان تحت الانتداب الفرنسي بناءً على مقررات مؤتمر سان ريمو الموقع في أبريل عام 1920م، وقسمت بلاد الشام إلى ثلاثة أقسام هي: سوريا ولبنان وفلسطين. وعهد إلى فرنسا بالانتداب على سوريا ولبنان، وعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين والعراق بما فيها الموصل، وذلك بناءً على مخططات معاهدة سايكس ـ بيكو عام 1916م.

رفضت فرنسا قيام حكومة عربية بزعامة الأمير فيصل في دمشق ووجه الجنرال غورو في 14 يوليو عام 1920م إنذارًا إلى فيصل بن الحسين يطلب فيه قبول الانتداب الفرنسي فورًا، وإلغاء قانون التجنيد الإجباري، وتسريح الجيش العربي. وعلى الرغم من أن فيصل رد على غورو بالقبول، إلا أن غورو رفض الرد مدعيًا أنه جاء في وقت متأخر عن الموعد المحدد له. فتقدمت القوات الفرنسية نحو دمشق واحتلتها بالقوة بعد موقعة ميسلون في 25 يوليو 1920م. ثم تقدمت القوات الفرنسية فاحتلت لبنان الساحل ولبنان الجبل، وانسحبت منها قوات الحكومة العربيّة وعين غورو على جبل لبنان حاكمًا فرنسيًا عسكريًا مُنِحَ صلاحيات متصرف الجبل في العهد العثماني، ووضعت المنطقة اللبنانية الساحلية تحت إدارة كولونيل فرنسي. وعين جورج بيكو مفوضًا ساميًا على لبنان يتمتع بكل الصلاحيات السياسيّة والإدارية.

اضطرت فرنسا تحت ضغط المقاومة الوطنيّة في سوريا ولبنان أن تسمح للبنانيين بالاشتراك في وضع دستور للبلاد، ثم أعلنت الجمهورية في 23 مايو عام 1926م. وبموجب الدستور الجديد أصبح للبنان مجلسان: مجلس الشيوخ اللبناني، ومجلس النواب اللبناني. وقد دعي المجلسان لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية الجديدة في 26 مارس عام 1926م، وفاز بالرئاسة شارل دباس. وبإعلان الجمهورية يكون الفرنسيون قد أنهوا حكمهم المباشر للبنان. وفي عام 1932م، علق المفوض الساميّ الفرنسي الدستور اللبناني، وحل مجلس النواب اللبنانيّ والوزارة اللبنانيّة، وعين شارل دباس رئيسًا للدولة لأجل غير مسمى يساعده في إدارتها مجلس مديرين، وظل دباس على رأس الدولة حتى عام 1933م، بعدها عين الفرنسيون حبيب باشا أسعد رئيسًا جديدًا للجمهورية اللبنانية لمدة سنة، ثم جدد له سنة أخرى.


معاهدة عام 1936م. عقدت فرنسا مع لبنان معاهدة عام 1936م، على نمط المعاهدة التي وقعتها فرنسا مع سوريا في العام نفسه، والتي عرفت بمعاهدة التحالف بين فرنسا وسوريا. وجاءت معاهدة عام 1936م، بناءً على مطالبة بعض الطوائف اللبنانيّة مساواة بلادهم بسوريا، وقد تجاوبت فرنسا مع تلك المطالب، خاصة وأنها ظلت تقف ضد اللبنانيين الذين طالبوها بقبول إعادة ضم لبنان إلى سوريا، أما عن أهم ما تضمنته تلك المعاهدة فهو: أ ـ مدة المعاهدة 25سنة. ب ـ يحق لفرنسا إبقاء قواتها العسكريّة في أي مكان من لبنان. ج ـ العمل بالدستور اللبناني المطابق لدستور عام 1926م الذي عمل به عند إعلان قيام الجمهورية اللبنانية.

قابل الشعب اللبناني معاهدة عام 1936م بالاستياء التام، واعتبرها ضربة موجهة ضده. وخرجت المظاهرات في بيروت وخارجها، وأحاط المتظاهرون بالمجلس النيابيّ اللبناني مرددين شعارات معادية للمعاهدة، ومطالبين المجلس النيابي اللبناني بعدم التوقيع عليها. لكن القوات الفرنسية فرقت المتظاهرين ووقع النواب على المعاهدة التي سمحت شكليًا للبنانيين بحق ممارسة العمل بالنظام الدستوري.

حدث تعديل جديد على قانون الانتخاب اللبناني عام 1937م، أصبح بموجبه ثلثا أعضاء المجلس ينتخبون على الأساس الطائفي، والثلث الباقي يعين تعيينًا، وهو أمر رفضه اللبنانيون، وقاطعوا الانتخابات، ولم ينضم إلى المجلس النيابي إلا عدد قليل من النواب انشغلوا بالخصومات الداخلية والطائفية. وفي العام نفسه أصدر المندوب السامي الفرنسي قرارًا يقضي بأن تصبح مدة رئاسة الجمهورية ست سنوات ولفترة واحدة، ويمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ثانية بعد مرور ست سنوات على تركه الرئاسة أول مرة. على الرغم من توقيع معاهدة عام 1936م التي نصت على أن تكون كل السلطات الفعليَّة بيد اللبنانيين، إلا أن الحكم الفعلي قد بقي بيد المفوضين الساميين، والمستشارين الفرنسيين الذين عينتهم فرنسا في كل الإدارات الحكومية اللبنانية.

abo rashid
09-09-2006, 10:51 AM
لبنان والحرب العالمية الثانية
هُزمت فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية أمام قوات ألمانيا، وتشكلت حكومة فرنسية موالية للألمان، فأصبحت أكثر المستعمرات الفرنسية، ومراكز النفوذ الفرنسي، ومنها سوريا ولبنان تحت سيادة حكومة فيشي. أرسلت حكومة فيشي إلى سوريا ولبنان مندوبًا ساميًا ليعمل على إدارة البلاد وسياستها في ظل الحكومة الفرنسية. ولم يدم حكم حكومة فيشي طويلاً؛ إذ تمكنت القوات الفرنسية الحرة التي كان يتزعمها الجنرال ديجول ومعها القوات البريطانية من دخول بلاد الشام، وإسقاط الوضع القائم فيها، وعين الحلفاء الجنرال كاترو مندوبًا ساميًا جديدًا على سوريا ولبنان. وقد أذاع الجنرال الذي كان يمثل حركة فرنسا الحرة بيانًا وعد فيه اللبنانيين والسوريين بالاستقلال. وقد حاول الفرنسيون الإبطاء في الإعلان عن الاستقلال التام. لكن الشعبين السوري واللبناني أصرا على ذلك، فاضطر الفرنسيون إلى إعلان استقلال لبنان وسوريا عام 1941م.


استقلال لبنان
على الرغم من أن لبنان نال استقلاله من فرنسا عام 1941م، إلا أن الأمور ظلت غير مستقرة. فقد تقدمت الحكومة اللبنانية بمذكرة رسمية إلى الحكومة الفرنسية تطالب فيها بتعديل الدستور اللبناني من جديد حتى يتواءم مع الظروف اللبنانيّة التي أعقبت إعلان الاستقلال. لكن الفرنسيين لم يكترثوا بهذا الأمر وظلوا يماطلون ويسوِّفون، واقترحوا فكرة توقيع معاهدة فرنسية ـ لبنانية جديدة تحل محل معاهدة عام 1936م. لكن الحكومة اللبنانية رفضت هذا المطلب الفرنسي، وبعثت والحكومة السورية مذكرة مشتركة إلى الحكومة الفرنسية تطالبان فيها بتحويل المفوضية الفرنسية العامة في كل منهما إلى دار تمثيل دبلوماسي، ممّا أزعج الفرنسيين. وبعد مشاورات وضغوط سورية ولبنانية مشتركة تقرر تنفيذ مبدأ الاستقلال. فانتخب مجلس نيابي جديد عام 1943م، وانتخب رئيس للجمهورية في 21 سبتمبر عام 1943م، هو الشيخ بشارة الخوري. وألفت حكومة لبنانية جديدة برئاسة رياض الصلح.

أخذت وزارة الصلح تنظم أمور البلاد على أساس الاستقلال بدلاً من التبعية لحكومة الانتداب الفرنسي. وطلبت من المجلس النيابي تعديل الدستور اللبناني كي يتمشى مع ظروف الدولة اللبنانية المستقلة، وكان ذلك في 8 نوفمبر عام 1943م. لكن الحكومة الفرنسية لم توافق على مشروع تعديل الدستور اللبناني، ووجه نائب المفوض السامي الفرنسي إنذارًا إلى الحكومة اللبنانية لوقف مشروع تعديل الدستور، وقد دعم مجلس النواب اللبناني الحكومة اللبنانية وموقفها الرامي إلى تعديل الدستور ليتـناسب مع مرحلة الاستقلال. فأقر المجلس النيابي تعديل الدستور المعروض عليه، وأعلن ذلك رئيس الجمهورية اللبنانية.

أصدر المفوض السامي الفرنسي تعليماته بحل مجلس النواب وتعليق العمل بالدستور واعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح عام 1943م، كما اعتقل كميل شمعون وعادل عسيران. وفي صباح يوم 11 نوفمبر عام 1943م تجمع النواب والوزراء برئاسة صبري حمادة رئيس مجلس النواب، وطالبوا بإلغاء الإجراءات التعسفية التي مارسها المفوض السامي الفرنسي. وأحاطت جماهير الشعب اللبناني بمجلس النواب، وهتفوا بإطلاق سراح المعتقلين، مرددين شعارات الحرية والاستقلال. قام صبري حمادة ورفاقه بتغيير علم لبنان الذي وضع في ظل الاحتلال بعلم لبناني جديد يحمل مفهومًا وطابعًا لبنانيًا، فصار علم لبنان مؤلفًا من ثلاثة أقسام أفقيّة: الأحمر، والأبيض، والأحمر، وفي الوسط أَرْزَة خضراء داخل اللون الأبيض، ويرمز اللونان الأحمر والأبيض إلى لوني علم فخر الدين: الأحمر شعار القيسيّة، والأبيض شعار اليمنيّة.

رفع رئيس مجلس النواب ورفاقه مذكرة شديدة اللهجة إلى ممثل الحكومة الفرنسية في لبنان، وإلى الدول العربيّة الشقيقة المجاورة استنكروا فيها أعمال البطش التي يمارسها الجنود الفرنسيون والشرطة اللبنانية المساندة للمفوض الفرنسي. وأرسلوا مذكرة أخرى إلى سفيري بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في لبنان، وإلى حكومتي مصر والعراق، شرحوا فيها الوضع المتردي في لبنان، وسوء تصرف المفوضية العامة الفرنسية في لبنان، والإجراءات التعسفية وغير القانونية التي مارسها المفوض السامي الفرنسي في لبنان والمسؤولون الفرنسيون فيه. وقد أيد الشعب اللبناني بكل طوائفه وفئاته الإجراءات الوطنيّة التي اتخذتها حكومته، وما قام به أعضاء مجلس النواب من إجراءات أثناء اعتقال رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ورئيس حكومته وغيرهما من الأحرار. وعمت الفوضى والاضطرابات كل أرجاء لبنان، خاصة في بيروت. واضطر كاترو إلى المجيء إلى بيروت لدراسة الوضع القائم فيها، وإجراء خطوات سريعة لحل المسألة اللبنانية.

وتحت ضغط الاضطرابات الشعبيّة اللبنانيّة، والضغوط الدوليّة التي مورست على الحكومة الفرنسيّة، اضطرت فرنسا بعد أحد عشر يومًا من الأحداث إلى إعادة الحكومة الشرعيّة اللبنانيّة، والعمل بالدستور المعدل، واعادة مجلس النواب اللبناني. وظل الوضع كذلك إلى أن أجليت القوات الفرنسية كلها عن لبنان في آخر شهر ديسمبر عام 1946م، أي بعد حوالي خمسة أشهر من جلائها عن سوريا.

أما عن المجلس النيابي اللبناني بعد الاستقلال فأصبح يتألف من 99 نائبًا ينتخبون على أساس طائفي، ولمدة أربع سنوات. فيمثل النصارى 54 نائبًا، ويمثل المسلمين 45 نائبًا. إن توزيع النواب لم يكن يعبر عن عدد السكان بقدر ما وزع بناءً على المفهوم الطائفي، وبشكل غير متوازن.

وبمقتضى هذا العرف الجديد المرتبط بالدستور اللبناني الجديد يكون رئيس الجمهورية من الموارنة. وهو رئيس السلطة التنفيذية. وقد خصص منصب رئيس الوزراء اللبناني للمسلمين السنة، كما خصص منصب رئيس المجلس النيابي للمسلمين الشيعة. أما نائب المجلس النيابي فيكون للنصارى الأورثوذكس الشرقيين. وتشير الإحصاءات التقديرية إلى أن نسبة السكان المسلمين في لبنان زادت على نسبة السكان النصارى، إذ تقدر نسبة السكان المسلمين بـ 62%، لكن التقليد المعمول به منذ الاستقلال في توزيع المناصب السياسية قد بقي على ما هو عليه.


الاتجاهات السياسيّة في لبنان في فترة ما بين الحربين العالميتين
يتنازع لبنان قوتان سياسيتان رئيسيتان هما: قوة الجذب باتجاه الفكر العروبي والفكر الإسلامي، وهي قوة تظل ترتبط بالعرب ثقافة وحضارة وتاريخًا ومستقبلاً. وقوة ثانية تشد لبنان باتجاه بعيد عن الخط العربي والإسلامي، تدين بولائها إلى الغرب ثقافة وانفتاحًا. وظل هذا الصراع قائمًا إلى وقت قريب. فعلى الرغم من انفتاح لبنان على العالم بأسره، وبالرغم من ثقافة شعبه، وبالرغم من احتكاكه الطويل بشعوب العالم، إلاّ أن النزعة الضيقة والتعصب الطائفي ظلا يسيطران على بعض اتجاهاته السياسية من جهة، وعلاقة طوائفه بعضها ببعض من جهة ثانية. وأصبحت الانعزالية والنزعة الإقليمية حقيقة واقعة في لبنان، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين، وظلت تلك النزعة اللبنانية تقف في صف معاد للنزعة الاتحاديّة مع العالم العربي خاصة مع سوريا.


لبنان بعد الاستقلال
أخذت الحكومة اللبنانية بعد الاستقلال تدعم موقفها في داخل البلاد، وخارجها. فقد شارك لبنان في المشاورات العربية التي تمخض عنها إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945م.

لقد أبدى الوفد اللبناني في المشاورات العربية موقفا إيجابيا من موضوع إنشاء جامعة الدول العربية، وأعلن الوفد اللبناني أن لبنان مستعد للتعاون مع بقية الأقطار العربية في سبيل إيجاد نوع من الاتحاد أو الوحدة أو الجامعة التي تقدم الخير للجميع. وبناءً عليه فقد انضم لبنان إلى عضوية جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام 1945م. وانضم إلى عضوية هيئة الأمم المتحدة عام 1945م.

abo rashid
09-09-2006, 10:52 AM
وبدأ لبنان يطور اقتصادياته بوساطة إقامة المشروعات الزراعية والصناعية، وتطوير مرافق السياحة حيث إن لبنان بلد سياحي مهم، ففيه الساحل الجميل، والجبال الجذابة الساحرة، وفيه مجموعة كبيرة من الآثار القديمة التي تعود إلى العهد الفينيقي والروماني وغيرهما. وتعدّ واردات الدخل القومي اللبناني من السياحة من أهم الموارد التي تغذي ميزانية لبنان. كما أن لبنان عمل على تنشيط الحركة التجارية فيه.

كما اهتم لبنان ببناء جيش وطني للدفاع عن استقلاله، وقد شاركت قوات من الجيش اللبناني مع الجيوش العربية الأخرى في الحرب العربية ـ الإسرائيلية عام 1948م.

والواقع أن مشكلة انتخابات رئاسة الجمهورية ظلت من المشكلات التي تواجه لبنان، كما هو الحال في انتخاب رئاسة الجمهورية عام 1943م، والمنافسة الشديدة بين بشارة الخوري والمرشح الآخر إميل إده. ولم يبق تأثير الانتخابات وقتها محليًا فقط، وإنما اتضح فيه التدخل الخارجي، فوقفت بريطانيا وبعض الكتل تدعم ترشيح الشيخ بشارة الخوري، ودعمت فرنسا وكتل أخرى المرشح إميل إده. وبقي الشيخ بشارة الخوري في الرئاسة حتى عام 1952م، حيث اضطر إلى التنازل عن الرئاسة. كما أن رئاسة كميل شمعون التي امتدت من عام 1952م حتى سنة 1958م، انتهت هي الأخرى بثورة شعبية ضد كميل شمعون، برزت فيها كوامن العداء التقليدي بين الاتجاهين السياسيين الرئيسيين اللذين سبقت الإشارة إليهما. وقد خلف كميل شمعون الرئيس اللبناني فؤاد شهاب ليعمل على تهدئة الموقف العام في لبنان، وظلت رئاسة فؤاد شهاب من عام 1958م حتى عام 1964م.

جاء إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية الرئيس شارل الحلو الذي تسلم الرئاسة اللبنانية عام 1964م، وظل في الرئاسة حتى سنة 1970م وخلفه في الرئاسة سليمان فرنجية الذي تسلم الرئاسة اللبنانية عام 1970م. وفي عهد الرئيس سليمان فرنجية بدأت الحرب الأهلية اللبنانية. وفي عهد خلفه إلياس سركيس، تطورت الفتنة الأهلية بين الطوائف اللبنانية المختلفة، وقد أدت الحرب الأهلية التي اشتعلت عام 1975م إلى تقسيم العاصمة بيروت إلى قسمين: أ ـ بيروت الشرقية وأصبحت بيد حزب الكتائب أكبر أحزاب الطائفة المارونية. ب ـ بيروت الغربية، وأصبحت بيد الجماعات الإسلامية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن خلافات دموية وقعت بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينيين عام 1969م، وحدثت بين الطرفين اصطدامات عسكرية، وكان ذلك في عهد رئاسة شارل الحلو. وفي عهد الرئيس إلياس سركيس دخلت قوات الردع العربية لبنان من أجل إنهاء الخلافات بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينيين في الجنوب اللبناني.

وتطورت الخلافات الطائفية في لبنان، وتأزم الموقف اللبناني، وتشكلت في لبنان قوات لَحْد الموالية لإسرائيل. واحتلت إسرائيل شريطًا حدوديًا من أرض لبنان. واجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان، وحاصرت بيروت الغربية، وأصرت على خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد معارك طاحنة بين القوات الإسرائيلية والفدائيين الفلسطينيين. وبالفعل خرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت في 1سبتمبر 1982م بعد صمودها في وجه اليهود تسعة وسبعين يومًا وبعد أن تعهدت الحكومة اللبنانية والحكومة الأمريكية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتأمين سلامة المقاتلين الفلسطينيين، وسلامة المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين الباقين في بيروت.

لم تلتزم إسرائيل بالاتفاقات الدولية بخصوص مسألة لبنان، ومسألة الفلسطينيين المدنيين في بيروت، فسيطرت القوات الإسرائيلية على بيروت الغربية يوم الخميس 16 سبتمبر 1982م، وفرضت حظر التجول، وأغلقت جميع الطرق المؤدية إلى العاصمة، واقتحمت البيوت بحجة جمع الأسلحة، وقصفت مخيمي صبرا وشاتيلا بالمدافع، ثم حاصرته بما يزيد على 150 دبابة و100 ناقلة و14 عربة مدرعة و20جرافة، وبدأت المذبحة الشنيعة التي نفذتها القوات اللبنانية الموالية لإسرائيل وذهب ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين العزل.

وقد انتخب رئيس ميليشيات الكتائب، المعروفة بالقوات اللبنانية، بشير الجميل رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة، إلا أنه اغتيل بعد ظهر يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 1982م، في بيروت الشرقية في مقر حزب الكتائب بالأشرفية على إثر انفجار شحنة ناسفة. واختير شقيقه أمين الجميل رئيسًا للجمهورية اللبنانية ليكون خلفًا لأخيه بشير الجميل. عين أمين الجميل الجنرال ميشيل عون خليفة له عام 1988م، إلا أن مجلس النواب انتخب رينيه معوض رئيسًا للبلاد عام 1989م. اغتيل معوض في 22 نوفمبر 1989م، وانتخب النواب إلياس الهراوي رئيسًا للبنان. وفي عام 1990م استطاعت القوات العربية هزيمة قوات عون الذي اختار فرنسا منفى له.

وللبنان وضع خاص؛ إذ يكثر المسلمون السنة في مدينة طرابلس وشمال لبنان، ومناطق الساحل. ويكثر المسلمون الشيعة في جنوبي لبنان ولهم مناطقهم وقراهم فيه، بالإضافة إلى مدينة بعلبك.وتكثر الجماعات الدرزيّة في منطقة الشوف والمتن، ويكثر الوجود النصراني في منطقة الجبل في شمالي الطريق الواصل بين بيروت ودمشق.

وقد توقفت الحرب الأهلية الطائفية في لبنان على أثر الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية في سبيل وقف نزيف الدم اللبناني، وبمساعدة دولية، فوقع اتفاق الطائف عام 1991م، وهو اتفاق مصالحة للطوائف اللبنانية من أجل إنهاء الفتنة الأهلية اللبنانية. وظلت المملكة العربية السعودية تعمل على تهدئة الموقف في لبنان، وأعلنت عن استعدادها الكامل للمساهمة والمشاركة في تعمير لبنان، وعودة الأمن والاستقرار فيه. وفي عهد رئاسة إلياس الهراوي، تسلم رفيق الحريري، رجل الأعمال رئاسة الوزراء في لبنان للعمل على إعادة الحياة الاقتصادية والعمرانية في لبنان إلى سابق عهدها.

وشاركت لبنان في مؤتمر مدريد للسلام عام 1993م، الذي عقد بإشراف دولي لحل مشكلة الشرق الأوسط. ودخلت لبنان مع إسرائيل وبعض الدول العربية الأخرى ومنظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات مباشرة لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، وهدف لبنان الأول من تلك المفاوضات هو إخراج القوات الإسرائيلية من الشريط الحدودي الذي تحتله منذ وقت طويل.

وماطلت إسرائل كثيرًا في محادثاتها على المسار اللبناني خاصة بعد انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا لوزراء إسرائيل في 29 مايو 1996م. وفي أبريل 1998م، أجبرت عمليات المقاومة اللبنانية إسرائيل على قبول قرار الأمم المتحدة رقم 425 القاضي بالانسحاب من جنوب لبنان وذلك بعد حوالي 20 سنة من صدوره. وفي نفس العام، 1998م، تم إجراء أول انتخابات رئاسية بعد نهاية الحرب الأهلية فاز فيها قائد الجيش العماد أميل لحود. وفي يونيو 2000م، أجبرت عمليات حزب الله والمقاومة اللبنانية المتواصلة القوات الإسرائيلية على الانسحاب من الأراضي اللبنانية كلها عدا مزارع شبعا التي يعمل لبنان على استعادتها. وفي سبتمبر 2000م، فاز الرئيس رفيق الحريري، ولائحته المعروفة باسم الكرامة في دوائر بيروت الانتخابية الثلاث وباجماع لا مثيل له في تاريخ المدينة السياسي، وشكل الحريري حكومة جديدة في العام نفسه.

alanood
09-09-2006, 11:08 AM
مع ان تخصصي بعيد تماما عن التاريخ و لكني استمتعت فعلا باثراء ثقافتي بتلك المعلومات القيمه التي كنت فعلا بحاجة لها الله يعطيك الف عافيه بو راشد:):):)

abo rashid
09-09-2006, 11:09 AM
مصــر، تاريخ. مصر دولة عربية تقع في الركن الشمالي الشرقي من إفريقيا، ويحدها البحر الأحمر من الشرق، والبحر الأبيض المتوسط من الشمال، والصحراء الليبية من الغرب، والسودان من الجنوب. أما نهر النيل فهو أهم مصدر للحياة في مصر.

تُقسم مصر جغرافيا إلى إقليمين يعرفان بمصر العليا (المسمى بصعيد مصر) ومصر السفلى (شريط الدلتا)، وكلاهما يمتد على النيل تاركًا الصحراء على جانبي الوادي خالية إلا من آثار قديمة وشحيحة للحياة حول الواحات والبحيرات الجافة.

تمتد مصر العليا من الشلال الأول إلى حدود الدلتا. وهنا يجري النيل وسط أرض صحراوية يحده شريط ضيق من الأراضي الزراعية التي يجرفها النيل من الهضبة الأثيوبية ويرسبها على ضفافه، وهي الأرض التي شكلت المرتكز الرئيسي للزراعة لآلاف السنين. وتسيطر مصر السفلى على منطقة الدلتا حيث يتفرع النيل إلى مجريين رئيسيين ومجارٍ فرعية تصب في البحر الأبيض المتوسط أو تذوي في الدلتا حيث يوجد ثلثا الأراضي القابلة للزراعة في مصر كلها. إلى جانب ذلك، استخدم النيل وسيلة اتصال تربط بين أجزاء البلاد، فعمل على ربط المجموعات السكانية حوله بعضها ببعض، كما ساعد على نقل السلع وازدهار التجارة الداخلية. وحين كان تيار النهر يساعد السفن الشراعية في غدوها شمالاً، كانت الرياح الموسمية الشمالية تدفعها في رواحها جنوبًا. ولقد ساعد ذلك على إيجاد تكيُّف بيئي متجانس تفاعل فيه عطاء البيئة وإبداع الإنسان فأنتج إحدى أهم حضارات البشرية.

يمكن تقسيم مسيرة الحضارة البشرية في مصر إلى حقبتين رئيسيتين: حقبة ما قبل التاريخ، والحقبة التاريخية، ويفصل بينهما ظهور الكتابة. وتقسم حقبة ما قبل التاريخ بدورها في مصر إلى حقب فرعية هي: العصر الحجري القديم (بأقسامه الثلاثة: الأسفل والأوسط والأعلى) والعصر الحجري الحديث، ثم العصر الحجري المعدني أو ما يعرف بفترة ما قبل الأسر. أما الحقبة التاريخية فتقسم إلى عدة فترات تبدأ بالفترة الفرعونية التي تشمل الفترة القديمة ثم المملكة القديمة والوسطى والحديثة، ويتخلل هذه فترات اضمحلال حضاري وسياسي. ثم تأتي الفترة المتأخرة التي تنتهي بغزو الإسكندر المقدوني للشرق، والتي تبدأ بها الفترة الكلاسيكية بشقيها البطلمي نسبة إلى بطليموس، والروماني.

ومع بداية الفتح الإسلامي لإفريقيا، تدخل مصر عصرها الإسلامي فتبقى جزءًا من الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية في أدوارها الأولى. ثم تتعاقب عليها دويلات مستقلة في العصر الطولوني والإخشيدي والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني. وتدخل ضمن غيرها من بلدان الشرق الأدنى تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي لتخرج منه في تاريخها المعاصر.


ما قبل التاريخ

العصر الحجري القديم. بحكم أن تاريخ أقدم وجود للإنسان والحضارة معروف لدينا يقارب ثلاثة ملايين من السنين في الأجزاء الشرقية من إفريقيا، فإن الموقع الذي تحتله مصر في الركن الشمالي الشرقي من تلك القارة يضعها في مصافّ المناطق التي شهدت وجودًا بشريًا وحضاريًا مبكرًا. كذلك، فإن أقدم الأدلة الحضارية من شرقي البحر الأبيض المتوسط تصل إلى نحو مليوني سنة خلت. ويعبر مصر الطريق البريّ الوحيد الذي يربط إفريقيا بشرقي البحر الأبيض المتوسط، وإن لم يكن من المستحيل بالطبع أن يقطع الإنسان الممر المائي عبر باب المندب في جنوب شبه الجزيرة العربية.

وأغلب الظن أن مصر قد عرفت الإنسان والحضارة منذ زمن يزيد على المليون سنة. قد تم العثور على مواقع من الحقبة الأشولية التي تمثل المرحلة الثانية من العصر الحجري القديم الأسفل. يعود تاريخ الحضارات الأشولية في شرق إفريقيا إلى نحو 1,5 مليون سنة. وفي مصر انتشرت تلك المواقع على مقربة من مجرى النيل وفي الواحات الصحراوية. وليس بغائب أن الصحراء في ذلك الحين كانت تتمتع ببيئة غنية بمواردها النباتية والحيوانية بحكم وفرة المياه فيها. شكلت الفؤوس الحجرية الأشولية السمة الحضارية المميزة لتلك الفترة وقد شملت فؤوسًا وسواطير ومكاشط وشظايا شملت مراحل التطور الأشولي الثلاث الأسفل والأوسط والأعلى. وقد ارتكز اقتصاد تلك الجماعات على صيد الحيوانات البرية والأسماك وجمع الحبوب والنباتات والفاكهة البرية.

وفي العصر الحجري القديم الأوسط الذي ساد منذ نحو 100 ألف سنة وحتى 35 ألف سنة من وقتنا الحالي، عرفت مصر فيما يبدو ثلاث حضارات تميزها عن بعضها تقنية ونوع الأدوات الحجرية المستعملة فيها. ولاندري إن كان للفوارق الزمنية بينها أو الاختلاف الإقليمي دور في هذا الاختلاف. وقد عثر على مواقع هذه الحضارات في منطقة الواحات وفي جنوب مصر ووسطها. ويبدو أن كثرة المستنقعات في الدلتا في تلك الفترات جعلت منها منطقة غير مناسبة لجماعات الصيادين وجامعي القوت. أما الحضارات فهي: أ- الموستيرية التقليدية، وقد تميزت إلى جانب وجود الأدوات الحجرية الموستيرية بوجود فؤوس حجرية. وفي مراحلها المتأخرة ظهرت أنواع من الأدوات التي سادت في العصر الحجري القديم الأعلى مثل المكاشط الرأسية والمخارز والمناقيش. ب- الموستيرية المنجلية، التي تميزت بارتفاع نسبة المناجل الحجرية فيها. ج- السانقوانية، والتي تكثر فيها المكاشط الجانبية والأدوات ذات الوجهين والشظايا المسننة وإن غابت عنها الخناجر والمحافير السانقوانية.

ومنذ نحو 25 ألف سنة خلت سادت حضارات العصر الحجري القديم الأعلى. وقد تميزت هذه الحضارات في مصر بارتفاع نسبة المناقيش والمناجل. وقد توزعت مواقع شعوب هذه الحضارات في جنوب مصر ووسطها معتمدين على الصيد البري وصيد الأسماك أحيانًا وعلى الجمع. ويبدو أن فترات جفاف قد سادت خلال النصف الثاني من هذه الحقبة قادت الإنسان والحيوان إلى العيش حول النيل بعد أن جفت الواحات والأودية في الصحاري. وقد وجدت في مواقعهم أدوات حجرية شملت شظايا وشفرات قزمية (لايزيد طول الواحدة عن 3سم). ولا يعرف ما إذا كان حجم المادة الخام (حصى المرو الصغير) أم الحاجة إلى أدوات صغيرة الحجم، هو الذي حكم تلك الظاهرة. وفي نهاية هذه المرحلة كثّف الإنسان مواقعه على ضفاف النيل وأظهر تباينًا واضحًا في طرق تكيّفه.


العصر الحجري الحديث. شمل العصر الحجري الحديث خصائص حضارية تمثلت في صقل الأدوات الحجرية وصناعة الفخار (الخزف) واستئناس الحيوان وممارسة الزراعة. وعلى الرغم من أن هذه السمات لم تظهر في مكان واحد أو زمان واحد إلا أنها مثلت في مجملها قفزة حضارية كبرى، وكان لها آثار بعيدة المدى على مسيرة الحضارة البشرية. وقد عرفت مناطق شرقي البحر الأبيض المتوسط استئناس الحيوان وممارسة الزراعة منذ الألف الثامن قبل الميلاد.

سادت ثقافات العصر الحجري الحديث في مصر خلال الفترة من الألف السابع إلى الخامس قبل الميلاد. وقد تباينت الأشياء التي عثر عليها. ويبدو أن ذلك التباين يعود إلى طبيعة تكيّف المجتمعات البشرية على مختلف البيئات من ناحية (النيلية والصحراوية) وإلى الفوارق الزمنية بين تلك الحضارات من ناحية أخرى. وقد جاءت المعرفة بتلك الحضارات من عدة مواقع في مصر من بينها مرمدة بني سلامة في الدلتا، والفيوم غرب النيل في وسط مصر، وحول الواحات الجافة في أطراف الصحراء الغربية، وفي النوبة المصرية. كان بعض هذه المواقع قرى دائمة كبيرة الحجم بينما كان بعضها الآخر مستوطنات موسمية صغيرة إلى متوسطة المساحة. وقد اعتمد السكان في غذائهم على صيد الحيوانات البرية وصيد الأسماك وجمع النباتات والفاكهة البرية وزرعوا القمح والشعير وربوا الضأن والماعز.

استعملت هذه الجماعات أنواعًا جيدة الصنع والحرق من الفخار. وقد تنوعت الأشكال والأحجام فشملت أواني الطهي والجرار والأكواب، وقد حمل بعضها زخارف جيدة على أسطحها الخارجية تراوحت بين الخطوط الغائرة المموجة والمستقيمة والأشكال الهندسية. أما أدواتهم الحجرية فقد حوت أدوات صغيرة مصنعة على شظايا قزمية وأخرى على شظايا كبيرة؛ كما شملت فؤوسًا مصقولة ورؤوس سهام وحرابًا وأدوات صيد صنعت من مواد عضوية. ومثلت الفنون جانبًا من حضارتهم حيث صنعوا دُمى من مختلف أنواع المادة الخام شكلوها في هيئات بشرية وحيوانية. ومارسوا بعض الطقوس الجنائزية فدفنوا موتاهم في داخل المستوطن وتحت أرضيات البيوت حيث يوضع الجثمان في شكل قرفصائي ويلف أحيانًا بالجلد أو الحصير وتوضع إلى جانبه بعض القرابين من أوانٍ فخارية وأدوات خاصة.


ما قبل الأُسر. قادت ثورة إنتاج الغذاء التي عرفها العصر الحجري الحديث إلى ازدهار القرى الزراعية، إذ أخذ بعضها يتطور ويتسع ويتحول إلى مراكز تقام فيها الأسواق وتبادل السلع من منتجات زراعية ومصنوعات، لمجموعة القرى الصغيرة من حولها. ثم ما لبثت بعض هذه القرى، أن تحولت إلى مشيخات فرضت على ما حولها سلطة إدارية وسياسية. وبالتالي تولدت وحدة إقليمية.

عُرفت في مصر خلال هذه الفترة ثلاث مراحل حضارية متعاقبة هي:

أ- حضارة البداري: وقد تركزت في صعيد مصر حيث استقر أهلها في قرى زراعية على مقربة من النيل معتمدين على زراعة القمح والشعير وتربية الضأن والماعز إلى جانب صيد الأسماك والطيور. وقد عرفت حضارتهم بفخار رفيع البناء جيد الصقل ومزخرف بأشكال نباتية. أما أدواتهم فشملت رؤوس سهام ومناجل حجرية إلى جانب صنانير من المواد العضوية. واقتصر استعمال النحاس على أدوات الزينة التي حوت أيضًا خرزًا وأساور من العظام والأصداف. وصنعوا دمى طينية نسائية. ب- نقادة 1: خلفت حضارة البداري في صعيد مصر. وقد عرفت من مدافن ومواقع استيطان، وسادت خلال الفترة الممتدة بين 3800 - 3600ق.م. اشتملت أدواتهم على سكاكين حجرية مصقولة ومقاليع حجرية. وزاد استعمال النحاس ليشمل الدبابيس والمخارز. أما الفخار فقد كان جيد الصنع ومزخرفًا بخطوط وأشكال هندسية بيضاء. وعثر على الكثير من الدمى التي تحمل أشكالاً آدمية. ج- نقادة 2: تنتشر مواقعها في الصعيد وفي الوجه البحري، حيث أقام السكان في أكواخ بسيطة من الطين والقش وصنعوا فخارًا يختلف عما عرفه أسلافهم إذ صُنِّع على هيئات حيوانية وحوى زخارف حيوانية ونباتية. أما الأدوات الحجرية فشملت سكاكين ذات مقابض عاجية وشاع استعمال النحاس.

وبنهاية هذه الفترة، فيما يبدو، أفضت التطورات الحضارية إلى سيادة بعض القرى إداريًا على المناطق حولها، وسادت مشيخات يحظى بعضها بسلطات ونفوذ واسع. واستطاعت إحداها، مع بزوغ فجر التاريخ المصري، أن تفرض هيمنتها على مصر بكاملها.

abo rashid
09-09-2006, 11:09 AM
مصر الفرعونية

الفترة المبكرة. عُرفت الكتابة في مصر القديمة في نحو 3100ق.م. وبذلك دخلت مصر في فتراتها التاريخية. ويقول مانيشون الكاهن والمؤرخ المصري الذي عاش في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد (285ق.م) إن مصر القديمة حكمتها إحدى وثلاثون أسرة. وتبدأ الحقبة التاريخية في مصر بما يعرف بالفترة المبكرة التي تمثلها الأسر المصرية الأولى والثانية، وتبدأ هذه الفترة مع بداية الألف الرابع قبل الميلاد وتنتهي في نحو 2686ق.م.

شهدت الفترة المبكرة توحيد وجهي مصر القبلي والبحري في دولة واحدة، وقامت بذلك أول دولة كبرى في التاريخ، تجاوزت حدود دويلات المدن التي عرفها وادي الرافدين تحت حكم السومريين. كان الملك نارمر (مينا) هو المسؤول، كما يعتقد، عن هذا التوحيد السياسي. وقد أقام عاصمة لمصر الموجودة في منف (ممفيس) حكم منها دولته، وبقيت عاصمة لمصر من بعده حتى نقلت العاصمة إلى طيبة في عهد أمنحوتب في الأسرة الحادية عشرة، حوالي القرن العشرين قبل الميلاد. ونجح مينا في إقامة سلطة مركزية قوية، مركزًا السلطات في شخصه الذي أصبح يحظى بقبول العامة له. في هذه الفترة كان بتاح هو المعبود الأول وقد شيدت له المعابد في العاصمة والأقاليم.


المملكة القديمة. استمر حكم المملكة القديمة في مصر خمسمائة عام تقريبًا بدأت عام 2686ق.م. وانتهت حوالي 2181ق.م. وقد تعاقب على الحكم خلالها أربع أسر بدأت بالأسرة المصرية الثالثة التي أسسها الملك زوسر ومن بعده سانخت وونبكا وحوني، وإن كان لا يعرف عنهم الكثير. بنى زوسر أول هرم مصري وهو الهرم المدرج الذي بناه لنفسه والذي يقف اليوم في سقارة (قرب منف) حوالي عام 2650ق.م. ويقال إن مهندسًا مصريًا يدعى أيمحوتب، أول مهندس معروف في التاريخ، هو الذي قام ببنائه، كما يعتقد أنه بنى أيضًا معبدًا في إدفو. كان الهدف من بناء الهرم حفظ جثمان الملك.

ترك زوسر لوحًا تذكاريًا في سيناء عن غزوة قام بها هناك لتأديب بدو الصحراء.

وصلت الأسرة الرابعة إلى الحكم باعتلاء الملك سنفرو للعرش، وقد خلفه خوفو وخفرع ثم منقرع. ولا يعرف لهذه الأسرة نشاطات عسكرية أو فتوحات كبيرة سوى الغزو الذي قام به سنفرو للسودان ولكن يرجع لها الفضل في بناء الأهرامات الضخمة في الجيزة وميدوم ودهشور. وتُعد أهرامات الجيزة إحدى عجائب العالم القديم السبعة. وتقف شاهدًا على روعة الإبداع المعماري والفني المصري القديم. وإلى جانب تلك الأهرامات بنوا معابد لتقام فيها الصلوات والطقوس الجنائزية للملك.

لم تكن الأسرة الخامسة بقوة سالفتها نفوذًا، إلا أن تطور عبادة المعبود رع وصل قمته في هذه الفترة. ولعل ذلك ما تعكسه أسماء ملوكها التي عادة ما تنتهي باسم رع مثل سامورع ونفرايركارع. تخلى ملوك الأسرة الخامسة عن مركزية السلطة وعينوا حكامًا للأقاليم ومنحوهم بعض السلطات كما مدوا تجارتهم إلى ما وراء الحدود لسد النقص في موارد البلاد.

أما فترة الأسرة السادسة فقد شهدت سلسلة من غزوات القبائل على مصر. إلا أن يقظة بيبي الأول ومهارته نجحت في تثبيت كيان الدولة. غير أن حكام الأقاليم استغلوا هذا الوضع وركزوا سلطتهم في أقاليمهم. وفي عهد هذه الأسرة أرسلت حملة استكشافية إلى ما وراء الشلال الثاني في السودان بقيادة حرخوف عادت بالكثير من منتجات تلك البلاد إلى البلاط.

شهدت الفترة المبكرة والمملكة القديمة نهضة في مختلف جوانب الحياة أرست فيها قواعد الدولة، ووطدت مظاهر الإيمان بالبعث، وحياة ما بعد الموت، وظهر الاهتمام بعلم الفلك وتطورت العمارة التي شهدت قمتها في بناء الأهرامات، وشقت الترع والقنوات للري وشهدت الفنون تطورًا في مجال النحت وصناعة الفخار، كما تطورت الصناعة المعدنية وأصبحت للبلاد تجارة عالمية مع فلسطين، وكوش في شمال السودان.


فترة الاضمحلال الأولى. سادت فترة الاضمحلال الأولى بين الأعوام 2181ق.م. و 2050ق.م. تقريبًا لتغطي فترة الأسر من السابعة إلى العاشرة. وقد ضعفت خلال هذه الفترة سلطة الدولة المركزية، وتعاقب على حكم مصر ملوك ضعاف تحكم فيهم الكهنة وكبار موظفي الدولة، وشهدت نزاعات أدت إلى تفكك أركان الحكم، فاستقل بعض حكام الأقاليم بمناطقهم، وضاعت هيبة السلطة الملكية، وفقد المركز سلطته على الأقاليم، وغزت بعض القبائل البدوية في سيناء وجنوب فلسطين منطقة الدلتا، وأهمل الري فتدهورت الزراعة وعمت الفوضى وحدثت مجاعة وانقسمت البلاد إلى ثلاث ولايات تتنازع السلطان. إحداها تتمركز في طيبة في الصعيد والثانية في هراكلوبولس في الوسط والثالثة في منف في الدلتا. وشهدت الفترة في آخرها صراعًا بين هراكلوبولس وطيبة، انتهت بغلبة طيبة، مما مهد الطريق لدخول مصر في المملكة الوسطى.


المملكة الوسطى. نجحت الأسرة الحادية عشرة والتي بدأت عهد المملكة الوسطى في إرجاع هيبة الحكم. فقد استطاع الملك أمنحوتب الثاني، بعد جهاد مرير، أن يعيد توحيد مصر ويبسط نفوذ طيبة على باقي أجزاء المملكة ثم جاء أمنحوتب الثالث ليمد نفوذها إلى شمال كوش في شمال السودان.

وحوالي عام 1991ق.م. اعتلى عرش مصر شخص من خارج الأسرة المالكة اسمه أمنمحات مؤسسًا للأسرة الثانية عشرة وكان حاكمًا قويًا، نقل العاصمة إلى إت تاوي على مقربة من منف. وتعاقب على العرش بعده عدد من خلفائه منهم أمنمحات الثاني والثالث سنوسرت الأول والثاني والثالث، وتبادلوا الاسمين. واستطاع سنوسرت الثالث أن يخضع أجزاء من كوش ويمد حدود مصر الجنوبية إلى سمنة عند الشلال الثالث. وقد شهدت مصر في عهد هذه الأسرة ازدهارًا حضاريًا واستقرارًا سياسيًا، ونهضة اقتصادية ومعمارية وفنية وثقافية وعلاقات تجارية مع الشام وجزر المتوسط وكوش وبوينة (القرن الإفريقي).

كما برز دور المعبود أوزريس رغم أن أمون كان هو المعبود الأول في المركز الديني في طيبة.

وقد عمد حكام المملكة الوسطى إلى ممارسة حكم غير مركزي، حيث منحوا الكثير من السلطات لحكام الأقاليم وكبار الموظفين وأصبح الجيش متفرعًا خلافًا لما كان عليه الحال في الفترة السابقة. وبقدر ما كانت هذه التحولات إيجابية في بعض جوانبها، فقد كانت لها جوانب سلبية، إذ تركت لحكام الأقاليم فرصة التمرد على السلطة المركزية متى ما أحسوا بضعف في تلك السلطة.


فترة الاضمحلال الثانية. (1786-1554ق.م) ضعفت السلطة المركزية للدولة وانقسمت البلاد على نفسها. ومن المعلومات التاريخية القليلة عن هذه الفترة أن أسرتين مصريتين ضعيفتين حكمتا مصر في بادئ الأمر هما الأسرتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة، وأن غزاة من جنوب فلسطين غزوا البلاد في هذه الأثناء عرفوا في التاريخ بالهكسوس، جاءوا بعربات تجرها الخيول وبأسلحة ووسائل حربية فاقت ما يملكه المصريون آنذاك، فاستولوا على البلاد مؤسسين أسرتين (الخامسة عشرة والسادسة عشرة) متخذين أفارس في شرقي الدلتا عاصمة لهم. وأثناء حكم الهكسوس نهضت أسرة مصرية صغيرة في طيبة عرفت فيما بعد بالأسرة السابعة عشرة. ولما قويت شوكتها دخلت في صراع مع الهكسوس انتهت بانتصارها على يد ملك اسمه أحمس.


المملكة الحديثة. في منتصف القرن السادس عشر قبل الميلاد بدأت الأسرة المصرية الثامنة عشرة، وأول ملوكها أحمس، في بعث السلطة المركزية من جديد، ثم لاحقت الهكسوس في الدلتا، وأخضعت مصر بكاملها لسيطرتها. وبذلك بدأ عهد المملكة الحديثة (الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة) الذي استمر لنحو أربعة قرون تعاقب عليها عدد من الحكام، كانت مصر خلالها قوة عالمية يحسب لها كل حساب. وتحولت إلى إمبراطورية حقيقية، وقد انطلق ملوك الأسرة الثامنة عشرة إلى ما وراء حدود مصر التقليدية بعد أن بنوا جيشًا قويًا غزا به تحتمس الأول بلاد الشام ووصل إلى حدود وادي الرافدين. وفي الجنوب، في كوش، وصل تحتمس الثالث إلى الشلال الخامس. وبذا وصلت مصر إلى أوج اتساعها الجغرافي وازدهارها الحضاري نتيجة ما جاءها من خيرات من مستعمراتها ونفوذها السياسي القوي في الشرق الأدنى القديم وتجارتها الخارجية. وانعكس هذا الثراء في مستوى المعيشة فيها وفي العمران وبخاصة بناء المعابد لآمون رع خاصة، وفي ثراء هذه المعابد وتزايد نفوذ كهنتها.

ورغم الوضع المميز الذي كانت تحظى به المرأة في البلاد وفي المعبد في مصر القديمة، إلا أن توليها العرش لم يكن أمرًا عاديًا. غير أن حتشبسوت ابنة تحتمس الأول وزوجة الثاني وصلت إلى الحكم حوالي عام 1503ق.م وصية على تحتمس الثالث، ولي العهد، الذي كان دون سن الرشد وقتها. وقد شهدت فترة حكمها نهضة عمرانية كبرى قادها المهندس سنموت.

وفي النصف الثاني من الأسرة الثامنة عشرة ارتقى أمنحوتب الرابع العرش وقام بثورة دينية كبرى وذلك بأن حول ديانة الدولة من عبادة أوثان متعددة إلى عبادة وثن واحد بإبطال عبادة سائر المعبودات سوى أتون كإله للشمس وتغيير اسمه من أمنحوتب لوجود اسم آمون فيه إلى إخناتون، ومعناه المنتفع بأتون. كما نقل عاصمته إلى مدينة جديدة بناها وسماها أخت آتون، ومعناها أفق آتون قرب تل العمارنة الحالية وذلك هجرًا لطيبة، لما عاناه فيها من صراع مع كهنة آمون. وبذلك بدأ ما يعرف في التاريخ المصري القديم بعصر العمارنة الذي شهد إلى جانب التحول الإداري والديني تحولات فنية وثقافية قادها إخناتون وزوجته الجميلة نفرتيتي.

غير أن ثورة إخناتون لم تدم طويلاً. فبعد وفاته التي يكتنفها الغموض ومجيء توت عنخ آتون، عاد النفوذ إلى الكهنة على الملكية المصرية وانعكست الثورة الدينية، متمثلة في تغيير هذا الخليفة اسمه إلى توت عنخ آمون، وعادت العاصمة السياسية إلى طيبة مرة أخرى وهجرت أخت أتون. وفي الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين حكمت مصر أسرة الرعامسة، وأمضى رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة، سنوات في حروب الحيثيين في محاولة للحفاظ على مستعمرات مصر في الشام. ورغم أنه لم يفلح تمامًا في هزيمة الحيثيين في معركة قادش عام 1285 ق.م، إلا أنه عقد اتفاقية سلام واتجه إلى العمران حيث شيد معابده في الكرنك وأبوسمبل. انظر: الحيثيون.


الفترة المتأخرة. في بداية حكم رمسيس الثالث ثاني ملوك الأسرة العشرين غزت قبائل تعرف باسم شعوب البحر مصر من الشرق، فصدهم رمسيس الثالث مثلما صد غزوًا آخر من الغرب بقيادة شخص ليبي. وفي أواخر الأسرة العشرين بدأ سلطان رئيس كهنة آمون في الجنوب يزداد على حساب الملك حتى بلغ أن لقب أحدهم واسمه حريحور بألقاب ملكية دون أن يصبح ملكًا فعليًا.

ومنذ حوالي عام 1070ق.م، مع بداية عهد الأسر 21-23 ضعفت السلطة السياسية الملكية، وتحولت تدريجيًا إلى كهنة آمون إلى الحد الذي أدخل مصر في فترة ركود سياسي. ونصّب شخص اسمه سمندس نفسه ملكًا بعد أن طغى نفوذه في شمالي مصر وخارجها على نفوذ رمسيس الحادي عشر، آخر ملوك الأسرة العشرين، وبه بدأت الأسرة الحادية والعشرون التي تركزت في الشمال. في هذا الوقت كانت أسرة حريحور، كبيركهنة آمون في طيبة ذات شأن في الصعيد وكان نفوذ العسكريين الليبيين في الجيش آخذًا في النمو حتى استطاع أحدهم ويُدعى ششنق تأسيس الأسرة الثانية والعشرين، وتبعتها الأسرة الثالثة والعشرون الليبية أيضًا، التي تفككت الدولة على أيامها وفقدت نفوذها على الأقاليم. وبقى الليبيون حكامًا على الشمال بينما كان كهنة آمون مهيمنين على الجنوب.

وفي بداية القرن الثامن قبل الميلاد، وفدت أسرة كوشية من السودان عُرفت بالأسرة الخامسة والعشرين، غزت صعيد مصر في أيام مؤسسها كوشتو، ثم ضمت إليها جزءًا كبيرًا من الدلتا بعد صراع مع تافنخت حاكم سايس المصري، مؤسس الأسرة الرابعة والعشرين. ولما بسط الكوشيون سيادتهم على مصر وحكموها عرفوا بالأسرة الخامسة والعشرين، وصاروا حكامًا على مصر وكوش من مصر نفسها بدلاً من عاصمتهم الكوشية نبتا (نبتة). واتخذوا منف العتيقة عاصمة لهم. وتميزت فترتهم بعمران في مصر وكوش القديمة. ودخلوا في صراع مع الأشوريين في فلسطين غير أنهم انهزموا أخيرًا أمام الأشوريين وتراجعوا جنوبًا إلى موطنهم كوش مما أفسح المجال لظهور الأسرة السادسة والعشرين.

abo rashid
09-09-2006, 11:10 AM
مصر البطلمية
وفد الإسكندر إلى مصر عام 332ق.م. بعد استسلام الوالي الفارسي، ومن ثم ضمت مصر حتى الشلال الأول إلى الدولة المقدونية. زار الإسكندر المعابد المصرية وأخذ يرسي دعائم حكمه ووضع أساس مدينة الإسكندرية عاصمة لمصر وعين ولاة مصريين لحكم الوجهين البحري والقبلي، ثم غادر مصر إلى العراق وفارس والهند مكتسحًا الحاميات الفارسية هناك. إلا أن موته المبكر عام 323ق.م، قاد إلى تقسيم إمبراطوريته على قادة الجيش وكانت مصر من نصيب بطليموس الذي عمل منذ بداية عهده على الاستقلال التام بمصر وتثبيت حكمه فيها وبسط نفوذه على المناطق حولها لتأمين وضعه من أي اعتداءات خارجية. وفي عهد بطليموس الثالث بلغت مصر أوج اتساعها لتمتد من فلسطين إلى برقة ومن قبرص إلى الشلال الأول. وأصبحت لها علاقات تجارية مع شرق إفريقيا. وخاض بطليموس الرابع حربًا مع انطيوخوس ملك سوريا وبابل انهزم فيها انطيوخوس في معركة رفح عام 217ق.م. إلا أن البطالمة سرعان ما فقدوا مستعمراتهم في الشام للرومان بعد أن خرج الرومان منتصرين في الحرب البونية وقضوا على قرطاجنة عام 202ق.م. وفي عهد بطليموس الثامن، وفي بداية القرن الثامن ق.م، كانت دولة البطالمة في مصر قد فقدت أراضيها خارج مصر كما كانت سلطتها الداخلية قد تفككت وتنازع أبناء الأسرة الحاكمة فيما بينهم. وكانت مصر منذ بطليموس الرابع تعيش ثورة داخلية تمركزت حول طيبة بدعم من ملوك كوش في الجنوب.

أجرى البطالمة الكثير من التعديلات على نظم الحكم في مصر فرفعوا الملوك إلى مراتب الآلهة حيث فرضوا عبادتهم، وجمعوا السلطات في أيديهم. وكان نائب الملك هو المسؤول عن الشؤون المالية. وقسموا البلاد إلى ولايات لكل منها حاكم وعليها قائد عسكري يشرف على الأمور العسكرية فيها. كذلك قسموا كل ولاية إلى عدة أقاليم عليها أمراء. أما المدن التي تسكنها أغلبية إغريقية فكانت تحكم بمجالس خاصة بها. وفي بداية عهدهم عملوا على تنمية الموارد الاقتصادية بتطوير الزراعة والصناعة وفرض الضرائب والرسوم الجمركية.


مصر الرومانية
وصلت كليوباترا إلى عرش مصر سنة 51ق.م، وكان الصراع في روما يومها محتدمًا بين بومبي وقيصر، والحرب الأهلية تدق أبواب روما. ساندت كليوباترا بومبي إلا أنه انهزم في ذلك الصراع وفر إلى الإسكندرية فلاحقه قيصر إلى هناك ودخل الإسكندرية. غير أن كليوباترا استطاعت أن تقيم جسرًا من العلاقات الطيبة معه وقتل قيصر. وبمعاونة أنطوني (أنطونيو) صعد أوغسطس إلى السلطة، وتقرب أنطوني، الذي أصبح واليًا على الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية الرومانية من كليوباترا، ثم ما لبثت العلاقة بين أنطونيو وكليوباترا من جهة وأوغسطس من جهة أخرى أن تدهورت، مما قاد أوغسطس إلى الزحف على مصر عام 30ق.م. وانتصر على أنطوني وكليوباترا وأصبحت مصر ولاية رومانية.

غير أن الحقبة الرومانية في مصر حفلت بصراع دموي طويل بين اليهود والإغريق، بعد أن ساند الرومان اليهود وسلبوا الإغريق الكثير من امتيازاتهم السابقة في العصر البطلمي، رغم أن الرومان كانوا ينظرون للحضارة الإغريقية نظرة إعجاب، وأنهم أبقوا اللغة الإغريقية لغة الدولة الرسمية في مصر. ثم ما برحت النصرانية أن أخذت تتسرب من فلسطين إلى مصر وانتشرت وسط الإغريق مما أثار مخاوف الرومان، وقاد إلى اضطهاد الإغريق حتى اعترفت الدولة بالنصرانية في عهد قسطنطين (323 - 337م). وبعد أن فرضت النصرانية في مصر في عهد الإمبراطور ثيودور (379 - 395م)، كان انقسام الكنيسة حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام وظهور المذهبين اليعقوبي والملكاني. قاد هذا الخلاف العقائدي إلى تفتيت المجتمع وتقويض دعائم الاستقرار الروماني في مصر. وفي عام 616م قدم الفرس إلى مصر إلا أن وجودهم فيها لم يدم طويلاً حيث عادت لسيطرة الرومان حتى كان الفتح الإسلامي عام 22هـ، 642م.

لم يعدّل الرومان كثيرًا في النظم الإدارية المصرية، فعينوا حاكمًا على رأس السلطة. وله مساعدون للشؤون المالية والقضائية. ثم قسمت البلاد إلى ثلاث ولايات لكل منها حاكم إقليمي يليه قائد. وقد شهدت فترتهم زيادة في الإنتاج الزراعي واهتمامًا بصرف المياه وتطورًا في الصناعة والتجارة الخارجية. لقد كان أحد أهم أهداف الرومان في مصر هو تنمية واستغلال مواردها، غير أن طبيعة الحكم وما قادت إليه من ثورات وعدم استقرار أدَّى إلى تدهور اقتصادي وقصور في تلك الموارد.


مصر الإسلامية
بعد أن اكتمل للمسلمين فتح بلاد الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في سنة 14هـ، 635م، وأمنوا حكمهم هناك، اتجهت الأنظار إلى مصر بحكم كونها تحت قبضة البيزنطيين الذين يشكلون خطرًا كبيرًا في جنب الدولة الإسلامية الوليدة، إلى جانب أن معظم أهل مصر لم يكونوا على وفاق ديني مع السلطة البيزنطية فضلاً عن استيائهم لفداحة الضرائب المفروضة عليهم وقسوة الحكم.

سار عمرو بن العاص إلى مصر بجيش قوامه أربعة آلاف رجل حيث تم الاستيلاء على العريش ثم واصل طريقه عبر الصحراء إلى النيل وحاصر حصن بابليون واستولى عليه من البيزنطيين عام 22هـ، 642م ثم اتجه إلى الإسكندرية حاضرة مصر آنذاك وبعد حصار تمكن من الاستيلاء عليها. وبذلك دانت مصر للخلافة الإسلامية وعين عمرو بن العاص واليًا عليها.


عاصمة إسلامية جديدة. كان من أوائل مهام النظام الجديد إرساء دعائم دولة جديدة، وبالتالي كان لابد له من بناء حاضرة للدولة؛ لأن الإسكندرية لم تكن تناسب الوضع السياسي الجديد من حيث موقعها. بنى العرب مدينة الفسطاط وأسسوا فيها مسجدًا جامعًا عرف بالمسجد العمري نسبة لعمرو بن العاص، وكان شبيهًا بمركز الدولة الذي تعقد فيه الاجتماعات ويلتقي فيه الوالي بكبار رجال دولته. وقد ارتكز النظام الإداري الجديد على النظم الإسلامية، وكان الوالي الإسلامي يقوم بالمسؤولية المباشرة عن الأمن والخراج والقضاء وإمامة المسلمين. كان الوالي يعين من قبل الخليفة مباشرة. انظر: عمرو بن العاص.


مصر في العصر الأموي. بقيت مصر تابعة للخلافة الأموية على امتداد فترة حكمها. وقد شهدت الفترة تطورًا في مجالات الزراعة والعمارة إلى جانب اتخاذ اللغة العربية لغة رسمية للدولة.

وفي عصر الولاة الأمويين توسعت مدينة الفسطاط، ثم تعرضت المدينة لبعض أعمال التدمير في نهاية العصر الأموي أثناء مطاردة جيوش العباسيين لمروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين سنة 133هـ ،750م. وكان من جراء هذه الأحداث أن خُرب الجانب الشمالي من الفسطاط مما يلي جبل يشكر.


مصر في العصر العباسي. تمت الغلبة للعباسيين على يد صالح بن علي قائد جيوشهم الذي قام بمطاردة مروان ابن محمد آخر الخلفاء الأمويين في مصر، وتمكن من قتله. واستقر صالح بن علي كأول وال في مصر من قبل الخلافة العباسية الجديدة. ولما خلفه الأمير أبوعوف في ولاية مصر شرع سنة 135هـ، 752م في تأسيس مدينة جديدة في الجانب الشمالي من الفسطاط الذي كان قد أصبح فضاءً قفرًا. ونظرًا لأن هذه المدينة أسست لإيواء العسكر العباسيين فقد سميت العسكر.

وشيدت بمدينة العسكر دار للإمارة ظل ينزلها الولاة العباسيون وبنى بها الفضل بن صالح سنة 169هـ، 785م مسجدًا لم يكتب له البقاء. ومما تجدر الإشارة إليه أنه كان يطلق على هذه المدينة اسم مصر، تمامًا كما أطلق على دمشق اسم الشام.

توسعت المدينة الجديدة في عهد الولاة العباسيين حتى اتصلت بالفسطاط وازدهرت البلاد في عهد الوالي موسى ابن علي وتعايش المسلمون والأقباط فيها. إلا أن الصراع بين العباسيين والعلويين انعكس على الحياة السياسية والفكرية في مصر خاصة بعد دعوة محمد بن عبدالله المعروف بالمهدي الذي كان داعية إسلاميًا وثائرًا وما صادفت من قبول ونجاح، ثم مواصلة ابنه علي الدعوة من بعده. وفي سنة 210هـ، 825م، اندلعت ثورة في مصر أيام الخليفة المأمون الذي أرسل عبدالله بن طاهر بن الحسين لإخمادها. واستولى الأمير على الفسطاط، ثم عين واليًا على مصر.

وقد وجدت عناصر عربية من جزيرة العرب الفرصة سانحة للنزوح إلى مصر بسبب وفرة فرص العمل بها، فعملوا بالزراعة والتجارة وتربية الإبل. وبمجيء المعتصم وتولية أخواله الترك مقاليد الأمور في الدولة العباسية تولى أمر مصر عدد من الولاة الأتراك الذين كانوا يولون نوابهم أحيانًا على أمور الدولة عند غيابهم.


مصر الطولونية. جاء أحمد بن طولون إلى مصر في 254هـ، 868م وكيلاً عن باكباك، صاحب إقطاعها وكان الأخير زوج أم أحمد بن طولون. وكان من عادة أصحاب الإقطاعيات أن يقيموا في عاصمة الخلافة ويرسلوا من ينوب عنهم على ولاياتهم. ولما قتل باكباك آل حُكْم مصر إلى لياركوج، وكان هو الآخر صهر أحمد بن طولون، فأبقاه وكيلاً على حكم مصر. ثم أسندت إليه ولاية الإسكندرية. وما لبث أن استقل بحكم مصر. وتوسعت الدولة الطولونية لتتجاوز حدود مصر إلى الشام وبرقة وتحولت إلى قوة إقليمية. وكانت فترة حكم ابن طولون فترة تأسيس وازدهار حضاري، أرسى فيها إدارة قوية ونظم حكمًا صارمًا كما ازدهرت الحركة الأدبية والفكرية.

وبعد وفاته تولى الأمر بعده ابنه خمارويه دون إذن من مركز الخلافة في بغداد، مما يشير إلى ضعف أو انعدام سلطة المركز على مجريات الأمور في مصر. وحين حاول الخليفة الموفق الاستيلاء على دمشق وإعادتها إلى حظيرة الخلافة العباسية اصطدم بالطولونيين الذين حاربوه وبسطوا سيطرتهم على كل بلاد الشام وأرغموا الخليفة العباسي على عقد صلح يتنازل فيه لهم عن ولاية مصر والشام.

غير أن الدولة الطولونية ضعفت بعد وفاة خمارويه وراود الخلافة في بغداد حلمها القديم في استعادة مصر. وبالفعل تم لهم ذلك بعد أن قتل هارون بن خمارويه الذي خلف والده. إلاّ أن ضعف الخلفاء في مركز الخلافة والصراعات المتصلة بين الولاة في مصر جعلها محل أطماع الفاطميين الذين كانوا قد أسسوا دولة في شمالي إفريقيا في 269هـ، 882. غير أن الأمور سارت على نحو آخر.


مصر الإخشيدية. كان أحد أبناء الإخشيديين، ملوك فرغانة، واسمه محمد بن طغج واليًا على طبرية من قبل تكين والي الشام ومصر. ثم ما لبث أن تولى محمد بأمر الخليفة العباسي أمر مصر سنة 323هـ، 934م. إلا أنه سرعان ما تمرد على الخليفة واستقل بمصر واستولى على الحجاز وضم إليه أجزاء من الشام التي كانت الأجزاء الأخرى منها تحت قبضة الحمدانيين. بعدها عقد صلحًا مع الخليفة العباسي المتقي بالله تولى على أثره ولاية مصر والشام. وقبيل وفاته عام 334هـ، 946م كلف أحد أتباعه ويدعى كافورًا، بالوصاية على ابنه القاصر. وبقي كافور الحاكم الفعلي لمصر، واستطاع أن يقضي على تمرد داخلي وحارب سيف الدولة الحمداني الذي حاول غزو مصر. كما صدّ كافور محاولة للفاطميين في أيام المعز لدين الله. كان كافور رجل دولة من الطراز الأول، أقام نهضة عمرانية كبيرة ونمت موارد البلاد التجارية والزراعية في عهده.

توفي كافور سنة 357هـ، 967م فضعف شأن الحكم من بعده، ووجد الفاطميون الذين كانت أعينهم دائمًا على مصر الفرصة سانحة للهجوم عليها، خاصة ومركز الخلافة في بغداد مشغول بغارات البيزنطيين. وفي السنة التالية لموت كافور (358هـ، 969م) غزا جوهر الصقلي مصر على رأس جيش فاطمي واستولى على الإسكندرية وسلمت له الفسطاط دون مقاومة.

المحبووووب
09-09-2006, 11:11 AM
مجهود جبار الله يعطيك الصحة والعافية

abo rashid
09-09-2006, 11:13 AM
مصر الفاطمية. لما كانت مصر مفتاح الطريق إلى الحجاز والحرمين الشريفين، فقد ظلت حلمًا يراود الفاطميين بعد أن أقاموا دولة في تونس عام 297هـ، 909م وقضوا على أسرة الأغالبة التي حكمت المغرب الإسلامي نيابة عن العباسيين. وما أن استقر جوهر الصقلي في مصر حتى شرع في بناء القاهرة لتصبح حاضرة للدولة بدلاً من المهدية (المنصورية) القريبة من القيروان. انتقل المعز إلى القاهرة ليؤمن حكم مصر ويكون قريبًا من الحجاز وليوقف تقدم القرامطة الذين وصلوا وقتها إلى حدود مصر الشرقية. إلا أن المعز لم ينعم بعاصمته الجديدة طويلاً إذ توفي بها بعد ثلاث سنوات ليخلفه ابنه العزيز.

توفي العزيز في الشام سنة 386هـ وهو يحارب البيزنطيين، فخلفه ابنه الحاكم بأمر الله الذي ساد الأمن في أيامه، إلا أنه عرف بأنه كان حاكمًا متزمتًا ورجلاً متناقضًا منفصم الشخصية. وهو صاحب القصة التي تقول إنه خرج ذات ليلة من قصره ولم يعد بعد ولم يعثر له على أثر. جاء بعده ابنه الظاهر الذي تولت عمته ست الملك الولاية لبعض الوقت وصية عليه. وقد أظهرا مقدرة في إدارة الدولة وتطويرها ورخائها. إلا أن عهد المستنصر من بعدهما ـ الذي دامت ولايته ستين عامًا ـ كان فترة تدهور اقتصادي هائل سادت فيه المجاعات والخوف والنهب والأمراض. ثم ما لبث الجند أن قفزوا إلى السلطة وتنازعوا فيما بينهم حيث ساندت طائفة منهم بعض أبناء الخلفاء دون آخرين، وبذلك دخلت البلاد في ما يشبه الحرب الأهلية.

في هذه الأثناء ظهرالصليبيون على حدود الشام واحتلوا القدس والتقوا بالجيش الفاطمي في عسقلان. وكان طبيعيًا والدولة الفاطمية يمزقها الخلاف والتناحر أن ينهزم جيشها وتسقط الشام بكاملها. في ذات الوقت كان السلاجقة لا يزالون يتربصون بها. واستغل ولاة شمالي إفريقيا ما صار إليه حال الدولة فاستقلوا بولاياتهم. إزاء ذلك اهتزت سلطة المركز وتناحر أبناء الخلفاء كلٌ يطلب دعم قوة أجنبية.

شهدت البلاد في العصر الفاطمي نهضة حضارية عمت مختلف جوانب الحياة. فقد تمَّ بناء الكثير من القصور لتكون مقرًا للخلافة والخلفاء كالقصر الغربي والشرقي وقصر اللؤلؤة في القاهرة. وشيد عدد من الجوامع كان الأزهر الذي افتتح في 361هـ، 971م هو أهمها. وفي فترات الازدهار الفاطمي طُوِّرت أساليب الزراعة فزادت الرقعة المزروعة وشقت الترع. كذلك شهدت البلاد نهضة صناعية شملت صناعة النسيج والمعادن. وازدهرت التجارة مع الحجاز عبر البحر الأحمر حيث أصبح ميناء عيذاب مركزًا تجاريًا مهمًا ونقطة اتصال بين تجارة مصر وتجارة الشرق. أما في مجال الإدارة فقد عرف هيكل الدولة عدة دواوين (وزارات) تتولى كل منها إدارة جانب معين: الجيش، الشرطة، بيت المال، القضاء. كذلك بنى الفاطميون جيشًا قويًا وأسطولاً بحريًا ضاربًا إلى جانب أسطولهم التجاري الذي وصل إلى عدن على البحر الأحمر وصقلية في البحر الأبيض المتوسط. ثم أقاموا الحدائق العامة ورصفوا الشوارع ونظموا الاحتفالات والمهرجانات في المناسبات الدينية. وشهد عهدهم نهضة علمية كبيرة فسرعان ما حولوا الجامع الأزهر الذي انشأوه لنشر تعاليم المذهب الشيعي، إلى جامعة وزودوه بمكتبة هائلة.


مصر الأيوبية. صلاح الدين الأيوبي هو يوسف بن نجم الدين أيوب الذي استقل آباؤه بولاية حلب ودمشق عن السلاجقة. وحين احتدم الصراع بين ولاة الفاطميين استنجد أحدهم، وهو ضرغام، بالصليبيين لنصرته، بينما طلب الآخر، وهو شاور، دعم نور الدين حاكم دمشق. فأوكل الأخير إلى صلاح الدين وعمه شيركوه قيادة جيش لمناصرة شاور ومنع الصليبيين من احتلال مصر. استطاع صلاح الدين هزيمة الخليفة الفاطمي في معركة القصرين، وبالتالي قضى على آخر الخلفاء الفاطميين.

كان على صلاح الدين خلال الفترة الأولى من حكمه (565-570هـ، 1169-1174م) أن يقضي على المقاومة الفاطمية التي تمركزت في الصعيد من ناحية، وتجنب إثارة نور الدين حاكم دمشق الذي تتبع له مصر رسميًا من ناحية أخرى. كما كان عليه أن يصمد أمام الغزو الصليبي. سارت الأمور كما تمنى، فقد استطاع القضاء على أعوان الخليفة الفاطمي في الصعيد. وتوفي نور الدين فجأة في دمشق، ففتح الباب أمام صلاح الدين للاستيلاء على دمشق. ثم عرج على الصليبيين وهزمهم في حطين سنة 583هـ، 1187م. وفشلت الحملات الصليبية المتكررة في جلائه عن الشام، حتى كان صلح الرملة عام 588هـ، 1192م الذي انتزع به فلسطين من قبضة الصليبيين.

توفي صلاح الدين في دمشق عام 589هـ، 1193م وخلفه أخوه العادل الذي سقطت الدلتا في عهده في أيدي الصليبيين. وقام ابنه الكامل بتجهيز جيش لحربهم حيث التقى بهم عند المنصورة في معركة حسمت لصالح الأيوبيين، وعُقد بعدها صلح عام 618هـ، 1221م خرج على أثره الصليبيون من الدلتا. غير أنهم عاودوا الكرة مرة أخرى على فلسطين تحت قيادة الإمبراطور فريدريك الثاني، انتهت أيضًا بعقد صلح. وبعد وفاة الكامل عام 635هـ، 1238م تنازع الملك بعده اثنان من أبنائه وانتهى الأمر بتولي ابنه الصالح أيوب السلطة بمساعدة جنده وجند أبيه من المماليك. وفي عهده قدم لويس التاسع ملك فرنسا بجيش صليبي احتل به دمياط عام 647هـ، 1249م وتقدم في الدلتا. عندئذ توفي الصالح أيوب، إلا أن ابنه توران شاه قدم من العراق وألحق بالصليبيين هزيمة كبيرة بجيش كان جلّه من المماليك. غير أن توران شاه انقلب على المماليك بعد أن حقق النصر. فما كان منهم سوى تدبير قتله وتولية زوجة أبيه شجرة الدر مكانه. وعلى الرغم من أن شجرة الدر أثبتت مقدرة إدارية في بداية حكمها، إلا أن الخليفة المستعصم في بغداد رفض الاعتراف بولايتها، فتنازلت باختيارها عن الحكم لأمير مملوكي يدعى عز الدين التركماني بعد أن تزوجته. ونشأ صراع بين أمراء المماليك في مصر على الولاية، فانتهز الملك الناصر والي الشام تلك الفرصة وزحف على مصر. إلا أن عز الدين التركماني (الذي لقب بالمعز) استطاع هزيمته وضم الشام إلى دولته. ولم تدم ولاية المعز بعد ذلك طويلاً فقد قتل عام 655هـ، 1257م بتدبير شجرة الدر غيرة عليه بعد أن عزم على الزواج من أميرة من الموصل. فتولى الأمر بعده ابنه نور الدين. وفي هذه الأثناء أغار المغول على بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم. عندها قرر القادة السياسيون والعسكريون في مصر خلع نور الدين وتولية الملك المظفر قطز لصد الغزو المغولي. وبالفعل نجح المماليك في هزيمة المغول بقيادة هولاكو، في معركة عين جالوت.


مصر المملوكية. تنقسم دولة المماليك في مصر إلى فترتين: فترة المماليك البحرية ثم فترة المماليك الشراكسة. أما الأولى فتبدأ بظهور القائد المملوكي بيبرس الذي أدى دورًا في النصر الذي تحقق في عين جالوت. وفي ظل الدور المتعاظم للمماليك في إدارة الدولة، وصل بيبرس إلى الحكم في مصر، وبعث فيها الخلافة العباسية عن طريق تولية أحد أبناء المعتصم خليفة، واعتبر القاهرة مركز الخلافة. ثم عقد بيبرس لابنه سعيد الذي تزوج من ابنة قلاوون، الولاية من بعده.غير أن أسرة قلاوون استطاعت أن تنفرد بالحكم. وحاربت الصليبيين في الشام ومن بعدهم التتار الذين وفدوا من فارس واستولوا على دمشق وفلسطين، فهزمتهم كذلك عام 703هـ، 1303م. وبعد موت الناصر قلاوون دخلت مصر في مرحلة ضعف سياسي وإداري، وعاود المغول تحت إمرة تيمورلنك تهديد الشام حتى استقرت لهم. ومما يجدر ذكره أن فترة المماليك البحرية قد شهدت سقوط حصن عكا الذي كان في أيدي الصليبيين، وبذلك كتبوا نهاية الاحتلال الصليبي للشرق.

وبمجيء السلطان برقوق دخلت مصر فترة المماليك الشراكسة وقد نجح برقوق في تأمين البلاد وإعادة تنظيمها. ثم خلفه ابنه الناصر فرج الذي أخذ عليه انغماسه في اللهو مما قاد أحد أمراء والده المؤيد أن يستفتي الخليفة في قتله. وبالفعل قتل وعين المؤيد مكانه.

وصل المؤيد إلى السلطة عام 818هـ، 1415م، فأعاد هيبة الدولة وسلطتها. وخلفه بعض السلاطين كان من بينهم السلطان برسباي الذي أوقف تهديد ملك قبرص للسواحل المصرية. وتولى الحكم بعده السلطان قايتباي المحمودي الذي يعد بحق أحد أهم الحكام الشراكسة. وقد شهدت فترة حكمه الطويلة (33 سنة) استقرارًا سياسيًا إلى جانب حملاته التأديبية ضد الصليبيين في جزر البحر الأبيض المتوسط.

وفي عهد الملك خشقدم احتدم النزاع بين المماليك والأتراك العثمانيين، واستمر كذلك حتى حسمه العثمانيون لصالحهم بإزالة السلطة المملوكية، وضم مصر للدولة العثمانية عام923هـ، 1517م.

اشتهرت الفترة المملوكية بجمال منشآتها المعمارية، فقد كان المماليك متأثرين بالعمارة البيزنطية في الشام، فجاءت مبانيهم من قلاع ومساجد وقصور إبداعات فنية في العمارة والنحت. ومن منشآتهم في مصر مسجد الظاهر بيبرس ومسجد قايتباي وقلعة الجبل وقبة قلاوون التي حوت مدفنه. كذلك منارات الإسكندرية ورشيد. واهتم المماليك بالزراعة، وشقوا الترع وبنوا الجسور فشهدت البلاد إنتاجًا وفيرًا في مختلف المحاصيل. كذلك زاد الاهتمام بالتعدين ونهضت صناعة المنسوجات كما نظموا التجارة المحلية بإنشاء الأسواق وتنظيمها. وعقدت المعاهدات التجارية الدولية مع بلاد البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. إلا أن اكتشاف رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا في بداية عهد الاكتشافات حوّل جزءًا من تجارة الشرق إلى ذلك الطريق مما أفقد مصر الكثير مما كانت تجنيه من تلك التجارة بحكم موقعها، الأمر الذي لم تسترده إلا بعد حفر قناة السويس. وكان للمماليك نظام متطور على عهدهم في الولاية، كما طوروا النظام الإداري السائد في مصر، فاستحدثوا وظائف الأمراء لإدارة شؤون الدولة وتخصصت وظائف الأمن في عهدهم وتمَّ تنظيم البريد ونظام القضاء والمظالم.

اهتم المماليك كذلك ببناء وإنشاء المدارس وعملوا على نشر الثقافة والمعرفة. ويعتقد بعض المؤرخين أن المماليك قد أعادوا للخلافة الإسلامية مجدها وأضفوا على العالم الإسلامي ازدهارًا وهيبة لم يعهدهما منذ زمن طويل.


مصر العثمانية. فتح محمد الفاتح القسطنطينية عام 857هـ، 1453م وبسط العثمانيون نفوذهم على شرقي البحر الأبيض المتوسط. وعندها كان لابد لهم من الاصطدام بالمماليك الذين كانوا لا يزالون يتمتعون بنفوذ في الشام وبعض جزر البحر الأبيض المتوسط. وكانت لهم كذلك اتصالات مع الصفويين في فارس في محاولة لوقف استفحال الدولة العثمانية الناشئة. وبعد انتصار العثمانيين على الصفويين في المشرق التقوا بالمماليك في معركة مرج دابق في الشام عام 922هـ، 1516م التي كان النصر فيها حليف العثمانيين. تابع العثمانيون تقدمهم جنوبًا إلى فلسطين وسيناء وحاول المماليك الدفاع عن دولتهم إلا أن أسلحة العثمانيين الحديثة كتبت نهاية ذلك الصراع ونهاية دولة المماليك ودخلت مصر حظيرة الدولة العثمانية.

نصَّب السلطان سليم أحد المماليك واليًا على مصر وجعل بعض أمرائهم حكامًا على المناطق وإداريين للمقاطعات. واستطاع أحد هؤلاء ويدعى علي بك الكبير الذي يعود إلى أصل جورجي، أن يصبح عام1177هـ، 1763م ثاني شخصية في مصر. استغل علي بك انشغال الدولة العثمانية بحربها مع روسيا، فأعلن استقلاله بمصر، ثم مالبث أن أعد حملة أبحرت من السويس إلى ينبع واستولت على الحجاز. بعدها جهز جيشًا غزا به الشام ودخل دمشق غير أن قائده محمد بك أبو الذهب تآمر عليه وعزله عن ولاية مصر وتولّى هو إمارتها.

abo rashid
09-09-2006, 11:14 AM
الحملة الفرنسية على مصر
عند اندلاع الثورة الفرنسية (يوليو 1789م (1204هـ) كانت الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف تعج بالثورات وتمرد حكام الأقاليم إلى جانب تفشي الفساد وضعف الحكام. اتجه تفكير الفرنسيين بعد أن أرست الثورة الفرنسية قواعدها في مصر لتحكم قبضتها على الطريق التجاري القديم عبر الشرق الأدنى وتشق قناة توصل بين البحرين، الأبيض المتوسط والأحمر. وكانت بريطانيا التي انطلقت منها الثورة الصناعية قد سيطرت على رأس الرجاء الصالح. وما أن خرجت فرنسا من انتصاراتها في أوروبا، حتى أبحر نابليون بجيشه إلى مصر فاستولى على الإسكندرية وزحف نحو القاهرة وهزم المماليك في معركة الأهرامات. غير أن البريطانيين دخلوا معركة بحرية مع الأسطول الفرنسي خلصت إلى تحطيم الأسطول الفرنسي. بقي الفرنسيون في مصر لبعض الوقت حاولوا خلاله أن يؤمنوا بقاءهم فيها، ومحاولة استغلال وجودها كعامل ضغط على القوى الأوروبية الأخرى لكسب أمور في أوروبا هم طرف فيها، فضلاً عن قطع الطريق بين إنجلترا ومستعمراتها في الهند. وحين علم نابليون بأن العثمانيين يعدون جيشًا في الشام لغزو مصر، بادر بمهاجمتهم وقضى على جيشهم ثم عاد إلى فرنسا تاركًا مصر تحت إمرة القائد العسكري كليبر الذي بقي هناك حتى عام 1215هـ، 1800م حيث قتله سليمان الحلبي طعنًا. آلت القيادة بعده إلى الجنرال مينو الذي فشل في إدارة البلاد بسبب قلة درايته بالأمور العسكرية والإدارية لينتهي الأمر بجلاء الفرنسيين عن مصر عام 1216هـ، 1801م بناء على اتفاقية العريش.

وعلى الرغم من قصر إقامة الفرنسيين في مصر واضطراب تلك الفترة إلا أن آثارها كانت بالغة الأهمية. فقد قام العلماء الفرنسيون بدراسة مفصلة وعلمية نشرت في كتاب وصف مصر وأنشأوا بعض الصحف وكشفوا عديدًا من الآثار، كما ساهموا في كشف نقاط الضعف والخلل في الإدارة العثمانية في مصر.

بعد جلاء الفرنسيين تنازعت القوى المتحالفة والمكونة من الإنجليز والعثمانيين والمماليك حكم مصر. رأى البريطانيون في نهايته الانسحاب من الصراع لينتهي بتولي محمد علي الحكم في مصر، وكان محمد علي رئيسًا للجند الألبان الذين اشتركوا في الحملة العثمانية القادمة لإخراج الفرنسيين من مصر. ولم يُرض ذلك المماليك بالطبع فتصارع معهم حتى قضى عليهم في مذبحة القلعة عام 1226هـ، 1811م وهرب من نجا منهم إلى شمالي السودان.


محمد علي يحكم مصر
في عام 1222هـ، 1807م تعرضت مصر لحملة بريطانية بقيادة فريزر بغرض الضغط على السلطان العثماني لكي لا يعقد أي اتفاق مع الفرنسيين. واستطاعت الحملة أن تنزل الإسكندرية بعد مقاومة محدودة، وتقدمت إلى القاهرة، إلا أنها عندما مرت بمدينة رشيد، فوجئت بهجوم مكثف من السكان الذين استطاعوا ردها. وكان محمد علي قد أرسل كتيبة من الجند للمشاركة في القتال. وبانتصار أهل رشيد، احتسب محمد علي لنفسه ذلك النصر وبسط نفوذه. بعد ذلك أخذ يدعم حكمه بتنظيم الجهاز الإداري بتركيز الأمور في يده. كما أنشأ نظامًا تعليميًا حديثًا لأول مرة في مصر، واستعان بالخبرات الأجنبية في إجراء مختلف الإصلاحات وأرسل أبناء البلاد للتخصص في أوروبا. وأنشأ المدارس الحربية وجلب الخبراء العسكريين من فرنسا لتدريب ضباطه وبنى بحرية عسكرية ومدنية إلى جانب التطور الهائل الذي طرأ على الزراعة باستصلاح مزيد من الأراضي وشق الترع وإقامة السدود. كذلك قاد حركة تطوير للصناعة المحلية تخلى على إثرها من استيراد كثير من السلع من الخارج ونشطت حركة التجارة المحلية والدولية. ثم أخذ يؤسس جيشًا حديثًا لتوطيد حكمه وبناء إمبراطورية عظمى وكان واضحًا أن محمد علي قد جاء ليؤسس مُلكًا لا ليحكم نيابة عن السلطان العثماني.

أرسل محمد علي جيشًا إلى شبه الجزيرة العربية فاحتل معظم أجزائها، وبعث بجيش آخر ضم به شمال وأواسط السودان إلى دولته، وإن كان قد فقد هناك ابنه إسماعيل الذي أحرقه السودانيون بقيادة المك نمر في منطقة شندي. وبذلك تحقق لمحمد علي حلمه في بناء دولة كبيرة بعيدة عن النفوذ العثماني المباشر. انظر: الدولة السعودية الثانية.

حكم مصر بعد محمد علي مجموعة من أحفاده، عباس وسعيد وإسماعيل. وقد حاول بعضهم إكمال خطط محمد علي في بناء دولة حديثة، إلا أن أحداثًا كثيرة محلية ودولية اعترضت سبيلهم أحيانًا. كما كان تدخل قناصل الدول العظمى في سياستهم واستبدالهم وإلغائهم أحيانًا لخطط التنمية وتدهور الاقتصاد وتراكم الديون أثرًا في تعطيل تلك المسيرة. ثم كان انسحابهم من الجزء الآسيوي من إمبراطورية محمد علي. وعلى الرغم من تباين مقدرات أولئك الحكام وتباين إنجازاتهم، إلا أنهم التقوا في عدم ولائهم للبلاط العثماني وفي حرصهم على استقلال دولتهم.

كان أهم مشروع أنجز في مصر في تلك الفترة هو حفر قناة السويس الذي أنجز في عهد الخديوي إسماعيل. قاد حفر القناة إلى إيجاد أقصر طريق بين أوروبا والشرق وبالتالي تدفقت التجارة ورؤوس الأموال عبر ذلك الممر مما انعش مصر اقتصاديًا، وحاول إسماعيل مد حدود مصر جنوبًا وتأمين منابع النيل شريان الحياة في مصر، فاستعان بمستكشفين أجانب وصلوا بحدود دولته، ـ وإن كان من الناحية الاسمية فقط ـ إلى منطقة البحيرات. انظر: قناة السويس.

وعلى الرغم من أن إسماعيل قاد نهضة حقيقية في مصر، وإليه يرجع الفضل في الكثير من الإنجازات الحضارية التي شهدتها، إلا أن الحفاظ على ذلك الكيان فرض عليه التزامات مالية أفرغت الخزينة واضطرته للاقتراض مما قاد إلى تدخل الدول الدائنة، وإلى عزل إسماعيل نفسه وإدخال البلاد تحت قبضة الدول الغربية.

وفي عهد توفيق، الذي تولى الخديوية عام 1296هـ، 1879م، واصل الاقتصاد تدهوره وتذمرت القطاعات المصرية في الجيش؛ فاندلعت الثورة العرابية عام1298هـ، 1881م مطالبة بإصلاحات كثيرة، وقوبلت تلك المطالب في البدء بموافقة الخديوي إلا أن المصالح الحيوية للدول الغربية وبخاصة بريطانيا دفعت بها للتدخل واحتلال مصر عام 1299هـ، 1882م. وفي هذه الأثناء اندلعت الثورة المهدية في السودان وسقطت المدن السودانية الواحدة تلو الأخرى في أيدي الثوار. ثم دخلوا العاصمة الخرطوم وقتل حاكمها غوردون عام 1303هـ، 1885م.


الاحتلال البريطاني لمصر
بقيت مصر طوال فترة الاحتلال البريطاني تحت سيطرة العثمانيين ينوب عنهم خديوي مصر. وفي ذات الوقت عين البريطانيون معتمدًا لينوب عنهم وأوكلوا له مسؤوليات كبيرة. وكان أول هؤلاء المعتمدين هو اللورد كرومر الذي تولى الأمر عام 1301هـ، 1883م. قام كرومر بتسريح الجيش الذي ساند عرابي وتكوين جيش جديد وعلى أسس جديدة. وكوًَّن مجالس استشارية وأدخل تحسينات على القضاء بإدخال نظام المحاكم الأهلية وأجرى إصلاحات اقتصادية حولت العجز في الميزانية إلى فائض. أثناء ذلك أرسلت بريطانيا حملة بقيادة كتشنر للقضاء على الدولة المهدية. وبالفعل خاضت تلك الحملة عدة معارك انتهت بالقضاء على دولة المهدية عام1317هـ، 1899م.

خلف توفيق على خديوية مصر ابنه عباس الثاني عام 1310هـ، 1892م ودخل الأخير في صدام مع كرومر امتد إلى إقامة وتشكيل الوزارات. في هذه الأثناء كان الشعور الوطني ينمو باضطراد فبرز الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل واستغل حادثة دنشواي لإلهاب الشعور الوطني. وفي عام 1330هـ، 1911م أصبح كتشنر معتمدًا بدلاً من جروست الذي خلف كرومر. ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى التي كانت فيها تركيا على طرف نقيض مع بريطانيا. إزاء ذلك وضعت مصر تحت الحماية البريطانية وانتهى الدور العثماني فيها وعزل الخديوي وتحولت إدارة مصر بكاملها إلى مندوب سام بريطاني هو مكماهون. ثم تفجرت ثورة1337هـ، 1919م، التي أدى فيها الزعيم الوطني سعد زغلول دورًا بارزًا. وفي عام 1341هـ، 1922م، مُنِحت مصر استقلالاً مقيدًا من بريطانيا، نُصب بعده فؤاد الأول ملكًا على مصر. ودخلت الحركة الوطنية في نزاع مع بريطانيا تكررت خلاله استقالات الحكومات المتعاقبة. وفي عام1355هـ، 1936م توفي الملك فؤاد ليخلفه ابنه فاروق الذي أطاحت به حركة الضباط الأحرار عام1372هـ، 1952م.


مصر المعاصرة
كان الجيش المصري أحد الجيوش العربية التي خرجت خاسرة في حرب عام 1368هـ، 1948م. وكانت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد شهدت تكوين وإقالة عدد من الوزارات في مصر. وتفاقمت الخلافات بين الأحزاب السياسية فيما بينها من ناحية وساءت علاقتها بالقصر من ناحية أخرى. وعمت المدن المصرية الكبرى مظاهرات وانتفاضات شعبية. وكانت البلاد على حافة انهيار سياسي واقتصادي.

abo rashid
09-09-2006, 11:14 AM
ثورة 23 يوليو 1952م 1372هـ. وسط هذا المناخ استولت مجموعة من الضباط على مقاليد الأمور في مصر في 23 يوليو 1952م، 1372هـ. وكان على رأس السلطة يومها الملك فاروق الأول. ألغى العسكريون النظام الملكي وطالبوا الملك بالتنحي في 26 يوليو من نفس العام. وبدأ النظام الجديد الذي تولى اللواء محمد نجيب رئاسته مجموعة من الإصلاحات كان أولها قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر عام 1372هـ، 1952م، والذي ضاعف من عدد الأفراد مالكي الأراضي وقضى على سلطة الملاك الإقطاعيين. ثم صدرت قوانين الاستثمار التي تشجع على استثمار رؤوس الأموال الأجنبية في مصر. وفي عام 1374هـ، نوفمبر 1954م، أقيل محمد نجيب وتولى جمال عبدالناصر سلطاته بالإنابة حتى انتخب رئيسًا للجمهورية عام 1375هـ، 1956م.

وفي أبريل عام 1955م، 1374هـ، انعقد في باندونج بإندونيسيا أول مؤتمر لحركة عدم الانحياز بهدف ضم الدول التي تقف على الحياد من صراع المعسكرين الشرقي والغربي لإيجاد صيغة للتعاون بينها لحل مشاكلها السياسية والاقتصادية، ولاتخاذ مواقف موحدة من الصراع الدولي. وكان لمصر دور بارز في هذا المؤتمر الذي خرج بقرارات قوية وبناءة. وربما كان ذلك المؤتمر بداية لضعف الصلات بينها وبين المعسكر الغربي الذي كانت مصر تحت نفوذه بحكم كونها مستعمرة بريطانية سابقة.

اتجهت نية القيادة السياسية الجديدة في مصر إلى إعادة بناء جيشها وتسليحه. فطلبت من الغرب بيعها ما تحتاجه من السلاح. إلا أن الغرب رفض ذلك بحكم أن هذا السلاح ربما يوجه يومًا نحو الدولة اليهودية الوليدة التي يحتضنها. ولم يكن أمام القيادة المصرية سوى الاتجاه إلى المعسكر الشرقي، فعقدت في سبتمبر 1955م، 1374هـ صفقة لشراء الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا (السابقة). وكان ذلك فاتحة لعلاقات اقتصادية مع المعسكر الشرقي. فتضاعفت على أثرها الصادرات والواردات من الدول الشرقية وإليها.

وكانت مصر قد تقدمت من قبل إلى الدول الغربية بتمويل بناء السد العالي. وكانت جدوى المشروع تتلخص في حجز مياه النيل المهدرة في البحر وزيادة الرقعة الزراعية في مصر وإيجاد موازنة بين الزيادة الهائلة في السكان وحاجتهم الغذائية، إلى جانب توليد طاقة كهربائية للمشاريع الصناعية المستقبلية. ورفضت الدول الغربية تمويل المشروع، وسحب البنك الدولي عرضًا كان قد تقدم به للمساهمة في التمويل. عندها قررت مصر بناء السد عن طريق تأميم قناة السويس واستخدام عائداتها في بناء السد.


عبد الناصر والصدام مع الغرب. وفي 26 يوليو 1956م، 1375هـ، أعلن جمال عبدالناصر في الإسكندرية تأميم شركة قناة السويس وحل كل المؤسسات القائمة على إدارتها. وكان الهدف من التأميم هو استخدام إيرادات القناة للمساهمة في تمويل السد ثم إثبات حق مصر في السيادة الوطنية على القناة. غير أن بريطانيا وفرنسا رفضتا قرار التأميم، وقامتا بتجميد الأرصدة المصرية في المصارف الغربية. واستغلتا انشغال الولايات المتحدة بانتخابات الرئاسة والتفات الاتحاد السوفييتي لإخماد ثورة في المجر. وبتنسيق مع إسرائيل وقع العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956م، 1376هـ حيث هاجمت القوات الإسرائيلية سيناء واتجهت نحو القناة. وبدعوى حماية القناة تمَّ إنزال عسكري فرنسي بريطاني تصحبه ضربات جوية على المدن المصرية. ووجه السوفييت في 5 نوفمبر إنذارًا للدول الثلاث بضرورة وقف العدوان والانسحاب وإلا فإن السوفييت مصممون على سحقه وإعادة السلام إلى المنطقة. بعده أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بوقف إطلاق النار بعد أن حال حق بريطانيا وفرنسا في النقض من استصدار قرار من مجلس الأمن. وتوقف القتال في 7 نوفمبر 1956م، 1376هـ.

في هذه الأثناء كانت الثورة الجزائرية تستعر ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت مصر سندًا قويًا لها. ورفضت مصر عدة مشاريع غربية كمشروع أيزنهاور ومن قبله حلف بغداد. وفي فبراير 1958م، 1378هـ قرر مجلس النواب السوري، بعد إجراء مشاورات، إقامة اتحاد فيدرالي مع مصر. فأعلنت الوحدة بين سوريا ومصر، وقامت الجمهورية العربية المتحدة. وفي يوليو 1958م، 1378هـ استولى الجيش على السلطة في العراق، مما قاد إلى تقارب بين القاهرة وبغداد. وكان رد الفعل الغربي تجاه هذه التطورات وتطورات أخرى في المنطقة، أن تمَّ إنزال أمريكي في لبنان وآخر بريطاني في الأردن. ثم وقع انقلاب في سوريا في سبتمبر 1961م، 1381 أدَّى إلى انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة.

وفي عام 1967م ازدادت التحرشات الإسرائيلية لسوريا. وإزاء هذه التحرشات أغلقت مصر القناة في وجه الملاحة الإسرائيلية عام 1387هـ، 1967م. وفي 5 يونيو من ذات العام وقع العدوان الإسرائيلي على مصر. إلا أن مصير المعركة كان محسومًا منذ بدايتها بعد أن ضُرِب سلاح الجو المصري في الساعات الأولى من القتال وانسحب الجيش المصري من سيناء إلى غرب القناة.


حرب رمضان 1393هـ، أكتوبر 1973م. دخلت مصر في السنوات التالية في محاولة لإعادة تسليح جيشها، ودخلت حرب استنزاف مع إسرائيل استعدادًًا لمعركة تحرير سيناء. وقد دامت هذه الحرب أكثر من عامين ونصف، فتقدمت على أثرها أمريكا بمبادرة روجرز في يوليو عام 1390هـ، 1970م اقترحت فيها على مصر وقف الحرب وبدء مفاوضات سلام. وفي سبتمبر 1970م، 1390هـ توفي الرئيس جمال عبدالناصر فجأة في نهاية مؤتمر قمة عربي عقد لوقف القتال بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية. وجاء محمد أنور السادات الذي كان قد عين في سبتمبر 1968م، 1388هـ نائبا لرئيس الجمهورية ليخلف عبدالناصر. وتمَّ انتخابه رئيسًا للجمهورية في أكتوبر 1970م، 1390هـ.

بعد فشل مبادرة روجزر وكل المشاريع السلمية التي طرحت في المنطقة لحل الصراع العربي الإسرائيلي عن طريق المفاوضات قررت مصر وسوريا استخدام الضغط العسكري على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. اندفعت قوات ضاربة من الجيش المصري ظهر يوم السبت العاشر من رمضان 1393هـ، السادس من أكتوبر 1973م فعبرت القناة وحطّمت خط بارليف الحصين وبنى رؤوس جسور عبرت عليها المدرعات والدبابات وتقدمت بعد ست ساعات فقط لتستعيد جزءًًا كبيرًا من أرض سيناء التي غابت عنه نحو ست سنوات. ورغم أن بعض القوات الإسرائيلية استطاعت أن تعبر إلى شرق القناة خلال ثغرة الدفرسوار إلا أن المعركة كانت في مجملها نصرًا لمصر. وعلى الجانب السوري من الجبهة كانت قطاعات باسلة من الجيش السوري قد استطاعت أن تخترق الاستحكامات العسكرية للعدوان لتستعيد أجزاء من مرتفعات الجولان السورية.


معاهدة كامب ديفيد. دخلت مصر خلال فترة حكم السادات في سياسة انفتاح اقتصادي، ثم لبى السادات دعوة إسرائيلية لزيارة القدس. وبدأ مرحلة تطبيع للعلاقات مع إسرائيل بعد أن وقع معها اتفاقية كامب ديفيد. أثار ذلك الحدث ردود فعل سيئة في معظم الدول العربية والإسلامية مما قاد إلى قطع تلك الدول علاقاتها مع مصر، وعُلقت عضوية مصر في تلك المنظمات. وفي 6 أكتوبر 1981م (1401هـ) قامت مجموعة من ضباط الجيش باغتيال السادات وهو يشارك في الاحتفالات بذكرى العبور، وكان قد ألقى في السجون خلال شهر سبتمبر عام 1981م، 1401هـ نحو 5,000 مصري منهم العشرات من المفكرين والكتاب والسياسيين.

تولى محمد حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية وقتها، مقاليد الأمور. وقد شهد عهده تنفيذ المرحلة الثالثة من اتفاقية كامب ديفيد بإتمام انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء. وقد حرص الرئيس حسني مبارك الذي جددت رئاسته لفترة ثالثة في استفتاء عام 1993م، ولفترة رابعة عام 1999م، على تحسين علاقات مصر بالدول العربية والعمل على أن تقوم بدورها المهم الذي يوجبه وضعها العربي والإسلامي.

أدت مصر دورًا مؤثرًا في المفاوضات العربية الإسرائيلية التي كان نتيجتها توقيع اتفاق الحكم الذاتي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أسهمت في إعداد الكوادر الفلسطينية التي تقوم بإدارة شؤون الحكم الذاتي في غزة وأريحا. استضافت القاهرة مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد في نوفمبر 2000م، لنصرة انتفاضة المسجد الأقصى التي قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى.

abo rashid
09-09-2006, 11:17 AM
مجهود جبار الله يعطيك الصحة والعافية
الله يعافيك

عبدالرحمن33
09-09-2006, 11:38 PM
جزاك الله خيرا

abo rashid
10-09-2006, 05:18 AM
جزاك الله خيرا
و ياك اخوي