تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون



امـ حمد
11-04-2015, 02:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)الفرقان،
(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)معنى،أن كل واحد مختبر بصاحبه،فالغنى ممتحن بالفقير عليه أن يواسيه، ولا يسخر منه،
والفقير ممتحن بالغنى عليه أن لا يحسده ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه،
وأن يصبر كل واحد منهما على الحق، كما قال الضحاك في معنى(أَتَصْبِرُونَ)أي،على الحق،وأصحاب البلايا يقولون،لم لم نعاف،
والأعمى يقول لم لم لا أجعل كالبصير،وهكذا صاحب كل آفة،
فالفتنة أن يحسد المبتلى المعافى، ويحقر المعافى المبتلى، والصبر أن يحبس كلاهما نفسه هذا عن البطر، وذلك عن الضجر،تفسير القرطبي،
ومعنى كون بعضهم فتنة لبعض،قوله تعالى(فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)الأنعام،
فتنة أغنياء الكفار بفقراء المسلمين، حيث احتقروهم وازدروهم، وأنكروا أن يكون الله منّ عليهم دونهم لأنهم في زعمهم،
لا يمكن أن يرحمهم الله ويعطيهم من فضله الواسع،كما قال تعالى عنهم إنهم قالوا فيهم(لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ)الأحقاف،
وسيُوبخهم الله يوم القيامة على احتقارهم لهم في الدنيا،كما قال تعالى(أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)الأعراف،
(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)أي هذه سُنّتنا في خلقنا نبتلي بعضهم ببعض فنبتلي المؤمن بالكافر،والغني بالفقير،والصحيح بالمريض والشريف بالوضيع، وننظر من يصبر ومن يجزع ونجزي الصابرين بما يستحقون،
وقوله تعالى(أَتَصْبِرُونَ)هذا الاستفهام معناه الأمر ،أي اصبروا ولا تجزعوا أيها المؤمنون من أذى المشركين والكافرين لكم،
وقوله تعالى(وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً)أي وكان ربك أيها الرسول بصيراً بمن يصبر وبمن يجزع فاصبر ولا تجزع فإنها دار الفتنة والامتحان،
وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب،وقال الزمخشري(فِتْنَةً)أي محنة وبلاء،
والمعنى،أنه ابتلى المرسلين، بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف وأنواع أذاهم، وطلب منهم
الصبر الجميل ونحوه(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا)آل عمران،
وموقع(أَتَصْبِرُونَ)بعد الابتلاء، في قوله(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)هود(بَصِيراً)عالماً بالصواب فيما يبتلى به وبغيره فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليهم سعادة، وفوزك في الدارين،
وعما عيروه به من الفقر حين قالوا(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ)الفرقان، وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء لينظر هل تصبرون، وأنها حكمته ومشيئته يغني من يشاء ويفقر من يشاء،
وجعلنا فتنة لهم لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا، وإنما بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يُطيعك منهم خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي،
قال النسفي،أتصبرون على هذه الفتنة فتؤجروا، أم لا تصبرون فيزداد غمّكم،
فينبغي ألا ينظر بعض إلى بعض،إلا لمن دونه،
أن الناس لا تنظر إلا إلى زاوية واحدة،أن هذا غنيٌّ وهذا فقير، لكنهم لو أخذوا في المفاضلة بكل جوانب النفس الإنسانية لوجدوا أن في كل إنسان موهبةً خَصّه الله بها، فكل منا عنده ميزة ليست عند أخيه،ذلك ليتكاتف الناس ويتكامل الخلق، لأن العالم لو كان نسخة واحدة مكررة ما احتاجَ أحدٌ لأحد، وما سأل أحد عن أحد، أمّا حين تتعدد المواهب فيكون عندك ما ليس عندي، فيترابط المجتمع ترابط الحاجة لا ترابط التفضل،
ولو تصورنا الناس جميعاً تخرجوا في الجامعة وأصبحوا (دكاترة) فمن يكنس الشارع، ساعتها سيتطوّع أحدنا يوماً لهذه المهمة،
إذن،تصبح الحاجة تطوع وتفضل،والتفضُّل لا يُلزِم أحداً بعمل، فقد تتعطل المصالح،أمّا حين تدعوك الحاجة فأنت الذي تُسرِع إلى العمل وتبحث عنه،
أَلاَ ترى أصحاب المهن الشاقة يخرجون في الصباح يبحثون عن عمل،ويغضب الواحد منهم إذا لم يجد فرصة عمل في يومه مع ما سيتحمله من آلام ومشاق، لماذا،إنها الحاجة،
فالعامل الذي يعمل في المجاري مثلاً ويتحمَّل أذاها هو في قدرته على نفسه ورضاه بقدر الله في هذه المسألة، لأنني لا أقدر على هذا العمل وهو يقدر، ولو ترك الله مثل هذه الأعمال للتفضّل ما أقدم عليها أحد،
إذن،التسخيرات من الحق سبحانه وتعالى لحكمة،
ومثل هذه الأعمال الشاقة أو التي تؤذي العامل يعدُّها البعض أعمالاً حقيرة، وهذا خطأ، فأيُّ عمل يُصلِح المجتمع لا يُعَدُّ حقيراً، فلا يوجد عمل حقير أبداً،
فمعنى(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)كل بعض منا فتنة للآخر، فالغنيُّ فتنةٌ للفقير، والفقير فتنة للغني،فحين يتعالى الغني على الفقير ويستذلّه،فالفقير هنا قتنة للغني، وحين يحقد الفقير على الغني ويحسده، فالغنيّ هنا فتنة للفقر، وهكذا الصحيح فتنة للمريض، والرسل فتنة لمن كذّبوهم، والكفار فتنة للرسل،
والناس يفرّون من الفتنة في ذاتها،وهذا لا يصح،لأن الفتنة تعني الاختبار،والماهر من يفوز فيه،فإن كان غنياً كان شاكراً مُؤدِّياً لحقِّ الغني مُتواضعاً يبحث عن الفقراء ويعطف عليهم،
والفقير هو العاجز عن الكسب،وأَكْل أموال الناس بالباطل،
ولما كانت الفتنة تقتضي صبراً من المفتون،قال سبحانه(أتَصْبِرُونَ)فكل فتنة تحتاج إلى صبر، فهل تصبرون عليها،
ولأهمية الصبر يقول تعالى(وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)يعني، مطلق الإنسان في خسر لا ينجيه منه إلاّ أن يتصف بهذه الصفات(إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر)العصر،

الحسيمqtr
11-04-2015, 09:35 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
12-04-2015, 02:49 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس